يعتبر مقياس قانون الجنسية امتدادا لمقياس القانون الدولي الخاص؛ كون الجنسية تمثل أحد الموضوعات الستة لهذا الأخير، فالجنسية هي تلك الرابطة التي تجمع الدولة بمواطنيها؛ أي بين الدولة كشخص اعتباري معنوي وبين أحد أركانها وهو الشعب؛ حيث تخولهم اكتساب الحقوق والتمتع بها فيها، مقابل تحملها لالتزامات وقيامهم بواجبات فيها.

     مع الإشارة إلى أنّ الجنسية كمصطلح ومفهوم حديث نسبيا؛ وهو ما يتضح بالرجوع إلى كتب الفقه وآراء الفقهاء حولها؛ حيث لم يكن مصطلح الجنسية كتعبير عن انتماء الشخص إلى دولة معينة واضح قبل منتصف القرن 19م، ففي عهد الإغريق والرومان كان الفرد يتمتع بصفة المواطن اليوناني أو الروماني بمولده من أصل يوناني أو روماني، ولما انهارت الامبراطورية الرومانية وتحولت إلى إقطاعيات كان الفرد ينتمي إلى إقطاعية معينة، ومعلوم أنّ الفرد في العصور القديمة كان ينتمي إلى عشيرة ثم إلى قبيلة، ثم تطورت فكرة الانتماء الديني، فاليهودي يعتبر إسرائيليا بعقيدته مهما كانت الجنسية التي يحملها ولازالت هذه الفكرة سائدة حتى الآن، وفي منتصف القرن 19م ظهر مبدأ القوميات أو مبدأ الجنسيات الذي نادى به الفقيه الإيطالي مانشيني 1851م، ومؤداه: "حق كل أمّة يربطها الاشتراك في الجنس واللغة والدين والأفكار والتقاليد أن يتحدوا ويكونوا دولة تحكمهم وتبسط سيادتها على إقليمها واعتبر أنّ الجنسية هي الأساس لقيام الدولة".

   لتصبح الجنسية بعد ذلك حقا من حقوق المواطنين في القرنين 19م و20م، وهو ما أكدته معاهدة جنيف لسنة 1930م، وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م؛ هذا الأخير اعتبر أن الجنسية حق من الحقوق الأساسية للإنسان، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 15 منه على أنّه: "لكل إنسان الحق في أن يكون له جنسية"؛ ولتأمين احترام هذا الحق وتطبيقه أقر المجتمع الدولي حول الجنسية مجموعة من الحقوق تتمثل في أنّه يحق لكل فرد الحق في أن يكون له جنسية منذ ولادته حتى وفاته باعتبار أنّ الجنسية حق ملازم للشخصية التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالوفاة، وكذا حق الفرد في تغيير جنسيته احتراما لإرادته وصونا لحقوقه وانسجاما مع الحق والمنطق والعدالة، وهذا ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وتطبيقا لهذا الحق فإنّ التشريعات الحديثة بشأن الجنسية تنص على أنّ دخول الزوجة في جنسية زوجها موقوف على رغبتها الحرّة.

والجنسية عموما عبارة عن رابطة ذات طبيعة تنظيمية؛ تستفرد الدولة بوضع أسس وشروط وكيفيات وضوابط منحها، إلّا أن سلطتها في ذلك ليست مطلقة بل مقيدة ببعض الاستثناءات المرتبطة بالاتفاقيات التي تبرمها مع غيرها من الدول، أو تلك المتعلقة بالعرف الدولي.