مقدمة:

   يشهد العالم اليوم تطورات سريعة ومتلاحقة في البيئة الاقتصادية أدت إلى احداث تغييرات جذرية في النظام الدولي، وتكييف أدواره من خلال آليات التغيير التي تستخدمها الرأسمالية في انتاج أدواتها لتشكل نظام دولي جديد يتصف بالشمول، بحيث لا توجد دولة خارج نطاقه، ومكوناته لا تقتصر على الدول، بل هناك مكونات فوق قطرية تسعى إلى فرض مفاهيم جديدة تتعلق بتزايد الاتجاه نحو تدويل السياسات الاقتصادية وإضفاء نوع من الحركية والديناميكية عليها من خلال زيادة الاعتماد المتبادل، وكثافة العلاقات التجارية والمالية وتحريرها وترابطها وتشابكها، وتدويل الانتاج بدلا من انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال، مما أدى إلى تصاعد وتائر الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي محورها الشركات متعددة الجنسيات، فضلا عن تدويل رأس المال بفضل ثورة الاتصالات بشكل أصبحت أنماط التجارة مرتبطة بحركة رأس المال. في اطار ما يسمى بالعولمة الاقتصادية، هذه الأخيرة ليست بجديدة و انما هي امتداد للنظام الرأسمالي غير انها تبلورت في أوضح صورها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بعد انشاء مؤسستي - صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للانشاء والتعمير، ثم انشاء المنظمة العالمية للتجارة بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، حيث تعد هذه المؤسسات العنصر الرئيسي والحاسم في نظام العولمة عبر مبادئها وآلياتها والقواعد الملزمة لانشائها، حيث أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يركزان على نشر مبادیء العولمة من خلال السياسات المالية والنقدية المنتهجة ، أما المنظمة العالمية للتجارة فتسعى إلى التقليل والقضاء على كل معوقات التجارة الخارجية ، وأصبح بذلك هذا الثالوث بمثابة الآليات المتحكمة في زمام الاقتصاد العالمي والموجه الرئيسي لسياسات العولمة الاقتصادية