I- مفهوم العلم:

يقصد بالتعريف الاصطلاحي المعنى الذي يطلقه الباحثون في حقل معرفي ما حول مفهوم معين، ويتم تداوله بينهم، فيتأثر بذلك المعنى بالحقل المعرفي والتخصصي الذي قيل فيه.

I-2-1- التعريف الفلسفي لمفهوم لعلم

  غالبا ما يتم التطرق إلى العلم فهما وتعريفا انطلاقا من مقارنته بالفلسفة، الأمر الذي يفسر تردد الجدلية (العلم والفلسفة) في الكثير من كتابات الفلاسفة خاصة المتأخرين منهم، بل وقد يتم تعريف العلم بمقاربته بماهية الفلسفة في حد ذاتها أو مقارنة منهجيهما ودورهمها وموقعهمها من المعرفة العامة.

- أورد أرسطو تعريفاً للعلم بقوله: هو معرفة الشيء بعلله وبحالته الخام، وهذا يرادف معنى الحكمة والمعرفة التامة لأصل الوجود.

- أما نيتشه فيرى العلم مجموعة مفاهيم يمكن أن تتحول إلى مفاهيم أخرى تؤدي الغرض نفسه، كأن يقال دراية أو معرفة أو المفكر الحر، وهو نوع من الفنون كونه لا يتجاوز عملية فرض الأشكال، فكل معرفة تنفصل عن النزوع (الأصل) تنفصل أيضاً عن الاقتدار في إثبات نفسها.

- عرف غاستون باشالار العلم هو مجموعة من المعارف البنائية غير الاعتقادية، وهي تقوم على المراجعة الدائبة والمحكومة بهاجس التجاوز والكشف، أي أن العلم يقوم دائماً على التناقض مع الرأي، وذلك لأن الرأي يفكر بشكل ناقص.

 - يقول أينشتاين أن العلم هو إدراك رائع للحقائق، وهو مجرد إعادة ترتيب الأفكار التي تشغل عقل الإنسان ليصل من خلالها لإدراك طبيعة الحقائق. والعلم _كشيء مادي موجود ومكتمل_ هو أكثر الأشياء التي استطاع الإنسان الوصول لها بموضوعية وأرجحه بين الخلق والإبداع.

-أما الحجة الإمام الغزالي فيرى أن العلم هو البرهان الحقيقي الذي يوصل بالضرورة إلى اليقين الدائم.

- وأخيراً يُعرف الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل (1872-1938 ) العلم على انه  يشير إلى مجموعة معارف وأبحاث على درجة كافية من الوحدة والعمومية، ومن شأنها أن تقود إلى استنتاجات متناسقة لا تنجم عن الارتجال ولا عن الأذواق أو اهتمامات فردية، بل تنجم عن علاقات موضوعية نكتشفها بالتدرج ونؤكدها بمناهج تحقق محددة. وأن المعرفة تصبح علما عندما ترتكز على أسس متينة، فيما يبقى للفلسفة وظيفتين أساسيتين: 

* وظيفة إبستمولوجية: نقدية تتوجه إلى مساءل وقضايا في العلم

* وظيفة أنطولوجيا: استكشافية تتوجه إلى القضايا المصيرية التي تهم الوجود الإنساني.

I-2-2- التعريف الإسلامي لمفهوم لعلم:

   كثيراً ما يُستعاظ عن مصطلح (العلم) في الإسلام بمصطلح (الفقه)، فيُقال بدل (علم الشيء) (فقه الشئ)، غير أن التحديد الدقيق للمعاني يحدث اختلافاً وتمايزاً بين المصطلحين حيث أن الفقه  بالمعنى الشرعي أخص من العلم ، فكل فقه علم، وليس كل علم فقهاً.

- قال راغب الأصفهاني في تعريفه للعلم في القران هو إدراك الشئ بحقيقته.

و يفرق بين مصطلحين متلازمين للعلوم ؛ مصطلح العلوم الشرعية التي يُقصد بها علوم الدين التي يحتاجها الإنسان لمعرفة ربّه وتصحيح عبادته؛ كعلوم القرآن والسنة والعقيدة والفقه والأصول والأخلاق، وما ارتبط تعلّمها وفقهها بالدين من علوم اللغة والأدب والتاريخ ونحوها، إلى غير ذلك من العلوم المتعلّقة بالدين والشريعة. ومصطلح العلوم الحياتية: وهي علوم الدنيا التي يحتاجها الإنسان لإصلاح حياته وعمار أرضه ودنياه، واستكشاف البيئة والكون من حوله؛ كعلوم الطبّ والهندسة والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا، وعلوم الأرض والنبات والحيوان، وما شابه ذلك ممّا يحتاجه الإنسان في حياته.

وقد ظهرت نتيجة ذلك مجموعة من العلوم في الحقل الإسلامي كعلم الحديث وعلم التفسير وعلوم القران ...الخ

I-2-3- التعريف السوسيولوجي لمفهوم لعلم :

  التقارب الكبير بين الفلسفة وعلم الاجتماع وتقاطعهما _خاصة في بداياته الأولى_ لاعتبارات عديدة كحداثة علم الاجتماع بالمقارنة مع باقي العلوم، والقراءات التجريدية الوصفية للنظريات الماكروسوسيولوجية عند تعاطيها مع قضايا المجتمع والتي غالباً ما تأخذ بُعداً فلسفياً ذو تصورات شاملة، أدى هذا التقارب إلى سيطرة الطابع الفلسفي على المعاني والمصطلحات السوسيولوجية.

   تُعرف قواميس العلوم الاجتماعية العلم على انه مستوى معين وعلاقة محددة لعناصر المعرفة أي مجموعة المعارف المنضبطة المترابطة المنظمة التي جناها الإنسان خلال تاريخه الطويل، واهم خصائص العلم انه منظم وموضوعي وامبريقي.

وقد تختلف تصورات علماء الاجتماع حول مفهوم العلم، فنراهم يعرفونه حسب توجهاتهم النظرية وسياقاتهم الفكرية؛ فنرى مثلاً كارل ماركس يُعرف (العلم) كجزء من النشاط المعرفي للإنسان، وبهذا المعنى فهو بالرغم من درجة موضوعيته الأعلى مقارنة بالعلم الاجتماعي يرتبط بشكل جدلي بنمط الإنتاج السائد في أي مجتمع بعينه، وأن الحلقة الوسيطة بين الجانبين هي التكنولوجيا، فنرى العلم عند ماركس مرتبط بمفهومي "الجدل"و"نمط الانتاج" وهو المدرج الفكري السائد عند ماركس في بناء معرفته السوسويولوجية، وفي تفسيره لمعظم قضايا السوسيولوجيا عنده.