علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى

ثانيا- العلاقة بين الأنثروبولوجيا وعلم التاريخ

1- مفهوم التاريخ

أ‌- لغة

هو الإعلام بالوقت.

ب- اصطلاحا

تعريف الدكتور شوقي الجمل: "تعريف بالوقت....والتاريخ على العموم يعني التوقيت أي تحديد زمن الأحداث وأوقات حدوثها".3[1]

2-علاقة الأنثروبولوجيا بالتاريخ

من حيث النشأة

إن الرحالة والمؤرخين القدامى من امثال ماركو بولو، وابن بطوط لم يكونوا على دراية أن ملاحظاتهم الميدانية عن الشعوب والأجناس البشرية التي زاروا بلدانهم ستكون حجر الأساس لعلم جديد سيؤسس بعد خمسة أو ستة قرون.4[2]

لقد حاول كثيرون عبر التاريخ تقديم الملاحظات الخاصة بالطبيعة الإنسانية والوجود البشري، كما افترضوا بعض التفسيرات بصدد الاختلافات القائمة بين الشعوب سواء في النواحي الجسمية، أو في التقاليد والعرف والمعتقدات. وكمثال على ذلك نجد أن الرحلة التي قام بها المصريون القدامى إلى مملكة بونت عام 1493 قبل الميلاد تعتبر من أقدم الرحلات التاريخية على الإطلاق، حيث أوضحت النقوش في معبر الدير البحري استقبال ملك وملكة بونت لمبعوث مصري. وكذلك نجد كتابات تاريخية اخرى، فقد جاءت في كتابات عدد من الكتاب الإغريقيين مثل الشعار اليوناني هوميروس الذي عاش خلال القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد صاحب ملحمتي الإلياذة الأوديسة، كما ولا ننسى ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش خلال القرن الخامس قبل الميلاد، إذ يعتبره معظم كتاب تاريخ الأنثروبولوجيا أول باحث أنثروبولوجي في التاريخ. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه كان قد جمع معلومات وصفية دقيقة عن عدد كبير من الشعوب غير الأوروبية، حيث تناول تقاليدهم وعاداتهم وملامحهم الجسمية وأصلوهم السلالية. وهكذا فإن هذه الملاحظات التاريخية كانت تمهد لظهور علم الأنثروبولوجيا5[3].

من حيث الموضوع

تهتم الأنثروبولوجيا بعدد هائل من الموضوعات المتنوعة والمختلفة فضلا عن ارتباطها واتصالها بعدد كبير من الفروع الأخرى للعلوم، ومن بين هذه العلوم علم التاريخ الذي قال فيه المؤرخ المسلم المقريزي: التاريخ هو الإخبار عما حدث في العالم في الزمان الماضي. أما سيد قطب فيقول:" التاريخ ليس هو الحوادث إنما هو تفسير هذه الحوادث، واهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع بين شتاتها وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات، متفاعلة الجزئيات، ممتدة مع الزمن امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان"6[4].

وهذا لا يقتصر على التاريخ فحسب فإن علماء الأنثروبولوجيا يهتمون اهتماما بالغا بدراسة الماضي، ليس فقط باعتباره وسيلة لتفسير الحاضر بل باعتباره هدفا في حد ذاته، ويظهر اهتمامهم بدراسة الماضي في كتاباتهم عن العصور القديمة والعصور الوسطى، فقد كانت الأنثروبولوجيا تهتم في بداياتها بالمجتمعات غير الغربية الصغيرة والبسيطة والغريبة. يمكن أن تستقيد الأنثروبولوجيا من المعلومات التاريخية في دراسة الشعوب البدائية بل حتى في دراسة جذور المجتمعات الحديثة، فقد أكد بعض الأنثروبولوجيين أن ميدان دراستهم يعنى بالشعوب البدائية على وجه الحصر، في حين يرى آخرون أن فرع معرفتهم دراسة عامة للإنسان، وقد ابتعد البحث الأنثروبولوجي الحديث كثيرا عن معنى التركيز الأول على المجتمعات غير المتعلمة، فصار جزء كبير من البحث الأنثروبولوجي في الجماعات الفرعية وأجزاء متخصصة من مجتمعات ريفية في أوروبا الحديثة وأمريكا اللاتينية واليابان والهند.

من حيث المنهج

إن الناظر لتاريخ الأنثروبولوجيا يجد أن هناك اسلوبين تستخدمهما الأنثروبولوجيا وقد تواجدا معا جنبا لجنب. أما الأسلوب الأول تبنته الأتثروبولوجيا العلمية ويهتم في أساسه بوصف وتفسير الظواهر، وهذا الأسلوب مشابه للمنهج التاريخي من حيث أنه يجعلك تربط الأحداث والظواهر بأسبابه، وتبحث عن تعليل لها وتفسير لاتجاهاتها وإدراك تطورها ومراحل سيرها. أما الأسلوب الثاني تبنته الأنثروبولوجيا الإنسانية ويهتم بتفسير الثقافات وبشرح وبتوضيح معنى هذه الثقافات. وهذا الأسلوب يظهر كذلك جليا عند المؤرخين القدامى من أمثال هيرودوت الذي قام برحلات كثيرة وسجل مشاهدات مباشرة للكثير من الشعوب والتقاليد والثقافات المختلفة.

  1. 3

    د. شوقي الجمل: علم التاريخ، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، العدد 98 ، القاهرة، مصر ، 200، ص08.

  2. 4

    بيرتي بيلتو، دراسة الانثروبولوجيا، ترجمة كاظم سعد الدين، بيت الحكمة الطبعة الأولى، العدد 24، بغداد –العراق، ص09.

  3. 5

    د.حسين فهيم: قصة الأنثروبولوجيا، عالم المعرفة العدد 98، الكويت ،1986 ، ص34

  4. 6

    د.محمد بن صامل السلمي: المدخل إلى علم التاريخ، إحياء التراث الاسلامي ، طبعة الثانية ، مكة المكرمة ،2009، ص08.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)