الجذور الفكرية للنظرية الفينومينولوجية

جاءت الإسهامات الفينومينولوجية (الظاهرية) في سياق التيار الفكري الفينومينولوجي منذ أفلاطون وأفلوطين والمدرسة الظاهرة لدى ابن داود وابن حزم وحتى ابن خلدون والمقريزي، مرور بفلسفة ديكارت و ليبتنز، و كانت و هيجل وصولا إلى دلتاي و برينتانو و كارل شتوف و هوسرل و شلر، و هيدجر و بونتي، وماكس فيبر و لوكمان و بيرجر و موريس و ناتاتسون.

وهو الذي تأثر بفكر كل من شوتز و ماكس فيبر و استخدام مفهوم الفرد، والنمط على أساس اعتبارهما وسيلتين لتحليل وعي الذات البينية المشتركة inter subjectif consciousness ، وصولا إلى الفينومينولوجيين الوجوديين المعاصرين أمثال هيدجر، وسارتر، وغيرهم من علماء الاجتماع مثل جروفتش، وفركاندت و تيودورليث و مونيرو، و بيرفالد، وبارسونز و تيرياكيان و جوفمان ، و جارفنكل و ميلر، و هابرماس و سيكورل و ماتزاودوجلاس، والفن جولدنر و جورج أونيل و ميرتون.... (فادية عمر الجولاني،2009،ص155-156)

كما جاءت تحليلات معظم رواد الفينومينولوجية في فترات اضطرابات سياسية واقتصادية شككت عموما في مصداقية النظام الاجتماعي الرأسمالي والشيوعي، حيث كانا يسيطران على العالم آنذاك، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.

كما كان لظهور الشيوعية و الفاشية و النازية كنزعات سياسية ديكتاتورية أثرا كبيرا في تمرد العديد من العلماء الشبان، لاسيما ما حدث في ألمانيا نتيجة حكم هتلر النازي، وقد كتب العديد من مظاهر التمرد الذي ظهر هناك وخاصة بعدما تم التحفظ على أفكار العلماء والباحثين الذين سعوا اساسا لطرح أفكار بديلة لطبيعة السياسة الديكتاتورية مثل النازية، وهذا ما جعل الكثير منهم يهرب خارج ألمانيا الى باقي الدول الأوروبية وإلى أمريكا.

كما ظهر ذلك في أنصار مدرسة فرانكفورت، إلا أن الاتجاه الفينومينولوجي قد سلك نهجا فكريا آخرا متميزا نسبيا على الاتجاه النقدي، وهذا ما ظهر في كتابات هوسلر الذي كتب معظم كتاباته بعيدا عن رؤى البوليس النازي، وتصورات شوتز التي ظلت كامنة حتى بعد هجرته الى الولايات المتحدة. (عبد الله محمد عبد الرحمن،2006،ص207-208)

وقد بدأت الظاهرية كحركة في الفلسفة الأوروبية وزادت أهميتها في علم الاجتماع خاصة علم الاجتماع الأمريكي، و يستمد الخط الفكري الرئيسي الذي تشكله الظاهرية الأمريكية المعاصرة، بداية من الفيلسوف الألماني أدموند هوسلر وهو الذي ترجع مفاهيمه النظرية لأعمال الفيلسوف الألماني عالم النفس برينتاني، الذي بدوره أخذت تلك المفاهيم وخاصة القصدية والوعي والرد من الأعمال اللاهوتية الأوروبية في العصور الوسطى.

والتي شحنتها الفلسفة العربية الظاهرية بتلك المفاهيم عن طريق ليبتز، الذي أخذها عن أعمال صديقه ابن حزم وعن أعمال ابن رشد، التي ترجمت وتسربت إلى الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى، فضلا عن أعمال الإمام الغزالي وغيره من فلاسفة العرب المسلمين، كما تعتبر كتابات شوتز بمثابة الجسر الذي عبرت منه الظاهرية من ألمانيا وأمريكا.

وهذه الكتابات تعتبر المصدر الإلهامي لأصحاب هذا الاتجاه من الاجتماعيين الأمريكيين، أمثال: موريس ناتانسون، وبيتر برجل ومن الاثنوميتودولوجي جارفينكل. (فادية عمر لجولاني،2009،ص11-12)