مقدمة
الفصل الأول: الأطار المفاهيمي للجباية
باعتبار الجباية المورد الأساسي الذي تعتمد عليه اقتصاديات الدول لسد نفقاتها العامة فقد عرفت تطورات هامة عبر التاريخ، ففي البداية كانت معدومة لأن المجتمعات كانت فوضوية وفردية لا يوجد فيها نظام جماعي يقوم بفرض الضرائب وتحصيلها، و لكن مع تزايد سكان المعمورة و تطور المجتمع تطورت الجباية وأصبحت لها الصفة التطوعية الاختيارية، ثم أصبحت إلزامية (الرسوم)، ثم قهرية و جشعية (الضرائب غير المباشرة)، و في الأخير أصبحت واجبة تضامنية (الضرائب المباشرة)، كما أصبحت وسيلة من وسائل تحقيق التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة ، وهذا هو الأمر الذي جعل الأطار المفاهيمي مفهوم النظام الجبائي و مفهوم الجباية و تطورها و تعريفها وخصائصها وأسسها ومبادئها ومكوناتها المختلفة، ولهذا السبب تم تقسيم هذا الفصل إلى محورين متتاليين، خصص المحور الأول منهما لدراسة الأنظمة الجباية من جهة، و تطور الجباية و تعريفها وخصائصها و أسسها ومبادئها المختلفة من جهة ثانية (المبحث الأول)، كما خصص المحور الثاني لمكونات الجباية، لأن إيرادات الدولة لم تعد مقتصرة على الضرائب والرسوم، وإنما امتدت إلى إيرادات أخرى لا تقل عنها أهمية في الوقت الحاضر، لأن التطور الذي لحق الجباية لم يقتصر على مضمونها فحسب، وإنما امتد ليشمل مكوناتها وعناصرها أو مصادرها المختلفة (المبحث الثاني).
المبحث الأول: مفهوم النظام الجبائي والجباية
مع تطور الفكر الاقتصادي والمالي أصبح من الضروري تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بكل ما أتيح لها من وسائل وأدوات حتى تساهم في توجيه النشاط الاقتصادي وتحقق الأهداف المختلفة للمجتمع من النواحي الاقتصادية، الاجتماعية، المالية والسياسية وغيرها، ولهذا السبب اعتبرت السياسة الجبائية للدولة بما فيها النظام الجبائي أحد أهم أدوات ووسائل السياسة المالية التي تعتمد عليها أية دولة مهما كان نظامها الاقتصادي ، فالأحداث التي شهدها العالم بعد الأزمة الاقتصادية لعام 1929 قد جعلت الفكر يهتم بالدور الذي تؤديه الضرائب ومختلف الإيرادات العامة للدولة في جبي الأموال التي تستخدمها الدول في تغطية النفقات العامة، فالسياسة الجبائية تعتبر جزءا من السياسة المالية التي تعتبر إحدى أدوات وفنون السياسة الاقتصادية، التي أصبحت تبحث في مختلف الظواهر الجبائية وتحلل أوجه النشاط المالي، لتعين الدولة على المساهمة في تحقيق أهداف المجتمع ، ولهذا السبب كان من الضروري التطرق في هذا المبحث إلى مفهوم النظام الجبائي، لأن الأنظمة الجبائية قد أصبحت متعددة بتعدد العمليات التي تخضع لها الضريبة في مراحل الربط والتصفية والتحصيل ( المطلب الأول)، كما كان من الضروري التطرق إلى مفهوم الجباية، لأن هذا المفهوم قد عرف عدة تطورات جعلت الجباية تتميز بجملة من الخصائص و الأسس والمبادئ المختلفة ( المطلب الثاني).
إن تطبيق السياسة الجبائية لا يكون بمعزل عن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة، فالنظم الجبائية قد أصبحت ترتكز على مجموعة من العناصر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولهذا فهي في تطور مستمر وفقا للظروف المحيطة بها، لذلك اختلفت الأنظمة الجبائية في الدول الاشتراكية عن الدول الرأسمالية وفي الدول المتقدمة عن الدول السائرة في طريق النمو، فهذه الأنظمة في الدول المتطورة يغلب عليها الضرائب المباشرة بينما في الدول النامية يغلب عليها مجموعة من الضرائب النوعية،ولهذا السبب تعددت تعريفات النظام الجبائي وعناصره (الفرع الأول) ومؤشرات النظام الجبائي الجيد و العوامل المؤثرة فيه (الفرع الثاني).