الإطار المفاهيمي لتنازع القوانين

المدارس الكلاسيكية:

تتمثل في كل من مدرسة الأحوال الإيطالية والمدرستين الفرنسية والهولندية، وفيما يلي عرض موجز لأهم الأفكار التي أسهمت بها هاته المدارس(10)[1]:

1-مدرسة الأحوال الإيطالية: استعان الفقه الإيطالي ببعض نصوص القانون الروماني وباعتبارات المنطق القانوني المجرد ومقتضيات التجارة؛ وعلى ضوء هذا المنهج توصل إلى تجميع الكثير من العلاقات في فئات مسندة بحيث أنّ كلّ فئة منها تخضع لقانون معين، كما يحسب لها تمييزه بين الأحوال البغيظة والمستهجنة؛ والتي تعد نواة فكرة النظام العام، ومن روادها:"بارتولي"؛ الذي يحسب له اجتهاده في مجموعة من المسائل منها:

- تمييزه بين الإجراءات والموضوع؛ فأخضع الإجراءات لقانون القاضي والموضوع لقانون آخر يمكن أن يكون أجنبيا حسب المسألة التي يثور حولها النزاع.

- إخضاعه للعقد من حيث الشكل والموضوع لقانون بلد الإبرام؛ حيث أخضع آثار العقد (تنفيذه) لقانون محل التنفيذ.

- أخضع الجرائم لقانون مكان وقوعها دون التفرقة بين المدنية منها والجنائة، ويعد هذا العمل نواة قاعدة خضوع الفعل الضار لقانون محل وقوعه.

- أخضع المال لقانون موقعه.

- أخضع حالة الشخص وأهليته لقانون موطنه.

2-المدرسة الفرنسية: من روادها اثنان هما: "ديمولان" و"دارجنتريه" اللذان أسهما في مجال تنازع القوانين، وفيما يلي عرض لإسهامات كل منهما بشكل مقتضب:

2-1-ديمولان: اعتمد على الفقه الإيطالي ويعد أوّل من أصل لفكرة تقسيم الأحوال إلى عينية وشخصية بفرنسا، كما ابتدع "فكرة التكييف" وذلك عندما كان بصدد عرض فتواه الشهيرة حول النظام المالي للزوجين عام 1525م؛ حيث اعتبر النظام المالي كعقد ضمني يدخل في فئة العقود؛ وبالتالي يخضع للقانون الذي اختاره الزوجان وهو قانون موطنهما وقت الزواج، وبهذه الفتوى يكون قد كيّف النظام المالي للزوجين على أنّه "عقد ضمني"، ومن إسهاماته كذلك: إخضاع العقود لقانون الإرادة؛ حيث قال بأنّه إذا كان مرد تطبيق قانون محل الإبرام هو إرادة المتعاقدين الضمنية فمن باب أولى أن نسمح لهما باختيار قانون غير محل الإبرام ليحكم العقد وهذه هي "نواة فكرة سلطان الإرادة" .

2-1-دار جنتريه: ولد بمقاطعة "بريتان" والتي كانت مستقلة، كما كانت تعرف تأصلا للنظام الإقطاعي بها، ثم ضمت للتاج الفرنسي على مضض من سكانها الذين لا يميلون إلى الإختلاط بغيرهم، وكان دار جنتريه قاضيا بها، ودافع عن خصوصيتها، فأسس بذلك فقها لتنازع القوانين ليحافظ به على أعراف وأحوال مقاطعته ليضمن به على الأقل استقلالها القانوني، وفي تعليقه على المادة 218 من عرف بريتان وقال بأنّ مجموع الأعراف والأحوال إمّا تتعلق بالأشخاص أو الأموال؛ فتلك المتعلقة بالأشخاص تتبعهم حتى خارج اقليمهم، فهي غير إقليمية، أمّا تلك التي تتعلق بالأموال فإنّها تطبق تطبيقا إقليميا مهما كان أصل أو موطن الأطراف فهيبذلك إقليمية التطبيق؛ وأدخل بذلك فكرة "إقليمية القوانين واعتبرها الأصل"، كونها تتماشى مع نزعته الرامية إلى المحافظة على أحوال وأعراف مقاطعته، بينما "شخصية القوانين عبارة عن استثناء" ، لكن تقسيمه هذا اعترضته بعض النصوص القانونية ذات الطبيعة المزدوجة، مثل النص القانوني الذي يمنع المرأة من الايصاء بالعقار لزوجها كون الأمر يتعلق بأهليتها، فابتكر بذلك فكرة الأحوال المختلطة؛ والتي يكون فيها الأصل الإقليمية والاستثناء هو الشخصية(القوانين طبعا).

ترتب على تقسيم دار جنتريه اتساع الأحوال العينية كونها الأصل وانحصار الأحوال الشخصية، هذا ويعاب على فقهه عدم شموله لبعض الأحوال مثل: الأحوال الخاصة بالعقود والأحوال الخاصة بالإجراءات، والأحوال الخاصة بالوقائع القانونية.

3-المدرسة الهولندية: يشبه وضع الهولنديين في القرن 17 وضع بريتان لذا فقد اعتمدوا على فقه دار جنتريه "إقليمية القوانين" وطبقوا هذه النظرية بشكل مطلق، واعتبروا أن القوانين ليست لها سيادة إلّا على الإقليم الذي أصدرها، فلا يجب أن يرد على هذا المبدأ أيّ استثناء؛ لأنّ المسألة متعلقة بالسيادة، ورغم غلوهم في ذلك إلّا أنّهم ابتدعوا فكرة المجاملة الدولية للتخفيف من وطأته أي "تطبيق القوانين على أساس المجاملة"؛ والراجح أنّهم قصدوا بها أنّ المشرع هو من يملك حريّة السماح بتطبيق القانون الأجنبي؛ وعليه ففكرة المجاملة تقوم في مرحلة وضع قاعدة التنازع لا في مرحلة تطبيقها، وهو ما فهم من قبل الدول الأنجلو أمريكية التي اعتمدت هذه الفكرة، ومن روادها: "بول فوت وابنه يان فوت" و"هوبر الريك" الذي يعد أول من وضع اصطلاح تنازع القوانين، ورغم تبني هؤلاء لفكر وفقه دار جنتريه إلّا أنّهم لم يقتصروا عليه بل وسعوا منه وجعلوا فقهه يتسع لبقية الأحوال المتعلقة بالشكل والموضوع.

  1. أعراب بلقاسم

    أعراب بلقاسم، القانون الدولي الخاص الجزائري-تنازع القوانين-دار هومة، الجزائر، 2002م.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)