الإطار المفاهيمي لتنازع القوانين

المدارس الحديثة:

تتمثل في كل من المدرسة الإيطالية والمدرستين الألمانية والفرنسية، وفيما يلي عرض موجز لأهم الأفكار التي أسهمت بها هاته المدارس(11)[1]:

1-المدرسة الإيطالية: كون الإيطالي "مانشيني" بفقهه مدرسة في تنازع القوانين حيث يقوم فقهه على مبدأ شخصية القوانين أي امتدادها؛ فالشخص يجب أن يخضع لقانون دولته التي ينتمي اليها بجنسيته وهذا كأصل، حيث أقام فقهه على أساس ما سماه: " مبدا الجنسيات" وذلك في محاضرته الشهيرة سنة 1851م والموسومة ب:" الجنسية كأساس للقانون الدولي الخاص"، حيث يرى أنّ الدولة عبارة عن مجموعات من الأشخاص تجمعهم وحدة الدين واللغة والأصل والتقاليد، وخالف دار جنتريه في مسألة إقليمية القوانين باعتبارها أصلا؛ وقال بأن شخصية القوانين هي الأصل، وأورد على هذا المبدأ مجموعة من الاستثناءات التي تحد منه تتمثل في: النظام العام، وقانون الإرادة وخضوع شكل التصرفات لمحل إبرام العقد، وهو ما جعل فقهه عرضة للنقد والانتقاد نظرا لكثرة الاستثناءات التي أوردها على منهجه، وعلى عدم تفريقه بين الأمّة والدولة، وكذا عدم تضمن منهجه لأيّ قاعدة تتعلق بالعلاقات التي تنشأ بين أفراد من جنسيات مختلفة، حيث تعد مسألة جعله للجنسية كضابط اسناد بعدما كان يؤخذ بالموطن في ذلك لعقود طويلة.

2-المدرسة الألمانية: تنسب إلى الفقيه "سافيني" الذي عرض فقهه في الجزء الثامن من كتابه: "القانون الروماني" سنة 1849م؛ حيث انطلق من فكرة الإرث القانوني الروماني للدول الأوروبية وكذا الإرث المسيحي، محددا مجال تنازع القوانين في الدول التي يوجد بينها اشتراك حضاري، وكيفية حل التنازع يكون بتحليل العلاقات القانونية حسب طبيعة مركزها المكاني(التركيز)، متبعا في ذلك لطريقة منفردة تتمثل في تحليل الروابط القانونية لإسناد كلّ منها إلى قانون معين حسب طبيعتها، توصل بمنهجه إلى تطبيق قانون الموطن على حالة الأشخاص وأهليتهم، وتطبيق قانون موقع المال (عقار ومنقول) على العلاقات المتعلقة به، وتطبيق قانون مكان التنفيذ على الالتزامات التعاقدية، والفعل الضار يخضع لمكان وقوعه.

وانتقد سافيني في مسألة إخضاع الالتزامات الإرادية لقانون محل التنفيذ؛ قد يتفق الطرفان على مكان آخر، أو قد تتجه إرادتهما لمكان آخر، وانتقد كذلك على فكرة "الاشتراك القانوني"؛ التنازع لا يقتصر على الدول التي تربطها علاقات مشتركة بل قد يكون بين دول لا تجمعها أيّة مقومات حضارية.

3-المدرسة الفرنسية: تزعمها ثلاثة فقهاء وهم: "بييه" و "بارتان" و"نيبواييه"؛ وفيما يلي عرض لأهم اسهاماتهم وأفكارهم حول التنازع:

3-1-الفقيه بييه: يرى أنّ تنازع القوانين هو تنازع بين سيادات الدول؛ وطرح فكرة الدوام والعموم؛ حيث يرى أنّ القانون يتمتع بخاصيتي الدوام والعموم، والتمسك بهما يجعل من المستحيل تطبيق القانون الأجنبي والحل يكون في التضحية بأحدهما؛ وانتقد حول فكرة السيادة ذلك أنّ القانون الدولي الخاص يبحث في المسائل المتعلقة بالأشخاص والأمر لا يتعلق بسيادة الدول، ولعلّ مرد فكرته هذه أنّه كان أستاذا للقانون الدولي العام وتأثر بتخصص عند معالجته لموضوع تنازع القوانين.

3-2-الفقيه بارتان: يتمثل أهم إسهام له حسب الفقه تأصيله لفكرة التكييف ووضع قواعدها وإخراجها للعلن كنظرية من نظريات تنازع القوانين وذلك سنة 1897م، كما اعتمد على القانون الداخلي لحل مشاكل تنازع القوانين، وبلور فكرة النظام العام، ولنا عودة مفصلة لفقهه عند تطرقنا لنظرية التكييف إن شاء الله.

3-3-الفقيه نيبواييه: يقوم فقهه على مبدأ إقليمية القوانين كأصل، ذلك أنّ هدف قواعد الإسناد حسبه حماية مصالح الدولة، لذا فمن مصلحة الدولة الفرنسية مثلا اعتماد ضابط الموطن في مسألتي الحالة والأهلية كونها دولة مستقبلة للأجانب؛ فاعتماد ضابط الجنسية من شأنه أن يسمح بتطبيق القوانين الأجنبية في أراضيها بشكل كبير مما يؤثر على سيادة قانونها على اقليمها، ويعد فقهه متروكا في فرنسا والدليل على ذلك اعتمادها على الجنسية كضابط بالنسبة للأحوال الشخصية (حالة وموطن).

  1. أعراب بلقاسم

    أعراب بلقاسم، القانون الدولي الخاص الجزائري-تنازع القوانين-دار هومة، الجزائر، 2002م.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)