الادب المغربي القديم الذي يعتبر امتدادا  للأدب العربي عموما، يستقي روافده من مصدره الأساس وهو الأدب المشرقي كما يعلن في ذات الوقت عن تميزه، التميز الذي يعلن  عن شخصية المغربي، فللبيئة أثرها الذي لا يُنكر كما أن للمغربي شخصيته التي لم يمحها ما توالى عليها من احتكاك بالوافد الأجنبي منذ القدم، فلا الفينيقيون ولا الرومان ولا الوندال ولا البيزنطيون ولا حتى العرب أمكنهم طمس شخصية المغربي المتميزة، نلاحظ ذلك في توجهه المعقلن للأفكار وحتى المشاعر والقضايا، ونجده يُعمل هذا التوجه في ما يصوغه من شعر ونثر وما يناقشه من قضايا نقدية، وان اعتبرنا الأدب المغربي امتدادا للأدب المشرقي فلهذا الاعتبار أسبابه التاريخية والمنطقية التي تجعله واقعا بالقوة والفعل، لكن المغاربة قد حملوا لواء المدنية والعلم في احايين كثيرة وحتى في فترة تألق نجم المشارقة، فالقيروان وفاس  وتيهرت وغرناطة واشبيلية كلها حواضر نافست الحواضر المشرقية في أوج عطائها، والمدرسة الفلسفية المغربية تجاوزت كثيرا من تنظيرات المتكلمين والفلاسفة السابقين لها، كما أن المدرسة النقدية المغربية في القرون المتأخرة من تاريخ المغرب القديم قد تجاوزت أكثر نظريات النقد القديمة وأعلنت افلاس تلك النظريات والقضايا، فاتحة آفاق جديدة تجمع بين الفلسفة والمنطق وعلم الأدب والنقد.

وفي هذه الوريقات سوف نتعرض لمدخل لتاريخ الأدب المغربي في أهم أعلامه وأهم القضايا التي تناولها، كما ستناول العلاقة بين أقطار المشرق والمغرب وعوامل التأثير والتأثر بين كل أقطار العالم العربي الإسلامي، كما ستناول الابداع الشعري ممثلا في النصوص المؤسسة للشعر المغربي ، والشخصيات الممثلة لبواكير هذا الأدب كطارق بن زياد وبكر بن حماد ، كما تناولنا بالتعريف الأغراض الغالبة عليه والتي ارتأينا أنها الأكثر اهتماما من طرف المغاربة وهي الوصف ورثاء المدن لما لهذين الغرضين من خصوصية في الشعر المغربي القديم.

ولا يمكننا القول أننا اتينا على كل ما تناوله المغاربة في هذه الوريقات، فهي بمثابة المدخل الذي يطرح الأسئلة أكثر مما يحاول الإجابة، وحجتنا في ذلك أن الأدب المغربي القديم الذي كان يشمل اقطارا لا متناهية في الاتساع وأعدادا لا تحصى من البشر لا يمكن التأريخ له بهذه الشمولية والسطحية في صفحات معدودة، وهو العالم الذي لا تحصى مؤلفات علمائه وما ضاع من مؤلفاته بسبب الصراعات والفتن والحروب أكثر مما وصلنا.

فالأدب المغربي القديم مازال يحتاج – رغم الاهتمام الأكاديمي الذي حظي  به في السنوات الأخيرة في الجزائر والمغرب وتونس- الى دراسات جادة تلقي الضوء على نصوصه المنشورة وغير المنشورة، كما أن النقاد ومؤرخي الأدب ما يزال الدور منوطا بهم للتعريف بهذا الأدب للأجيال القادمة، فالفعل الحضاري ينطلق من الجذور لرأب الصدع الذي ازداد اتساعا بفعل تطاول الزمن، وما استشهاداتنا الشعرية والنثرية والنقدية نحن المغاربة بالمأثورات المشرقية الا دليل على ثقل المهمة المنوطة بالمهتمين بالادب المغربي والمحاولين المنافحة عنه .