مخطط الموضوع

  • الدرس الاول

    • بطاقة تواصل حول فلسفة القانون – الدرس الأول -

      لقب واسم الاستاذ: برابح السعيد

      البريد الإلكتروني: said.berrabah@univ-msila.dz

      المستوى: السنة أولى ليسانس حقوق + اعلام الي

      السداسي الاول

      عنوان الدرس: المذاهب الشكلية

      أهداف الدرس: التعرف على مختلف المذاهب الشكلية التي ترجع أصل القانون إلى الجهة المصدرة له(الدولة، الحاكم).

      المذاهب الشكلية

           وهي تلك المذاهب التي تهتم بالجانب الشكلي للقاعدة القانونية، أي أنها تنظر إلى الجهة التي أصدرت القانون وأضفت عليه قوة الإلزام، فالقانون هو مشيئة السلطة العليا في المجتمع (الدولة) فهي التي تنشئه وتلزم الآخرين بإتباعه والخضوع له، وقد تستخدم القوة إن لزم الأمر، فالقانون في هذه الحالة ما هو إلا تعبير عن إرادة الدولة أو الحاكم، وقد يكون هذا القانون تشريعا أو عرفا أو دينا منزلا.

      أولا: مذهب أوستن

           استمد "جون أوستن" مذهبه من نظريات الفلاسفة اليونانيين القدامى الذين كانوا يرون أن القانون من فعل القوة، كما تأثر فيما بعد بما جاء به الفقيه "توماس هوبز" في نظرية العقد الاجتماعي بقوله أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة، وإنما هو أمر صادر من شخص يملك حق الطاعة على غيره من الناس، بل القانون هو إرادة الحاكم أو السلطان الذي له السيطرة المطلقة على الناس، باعتبار أن السلطان ليس طرفا في العقد الاجتماعي، الذي تنازل فيه الأفراد عن حرياتهم وبالتالي فهو يملك إصدار القانون وإقرار الجزاء لمن يخالفه.

      أسس مذهب أوستن

      يرى أوستن أن أصل القانون هو إرادة الحاكم وحده، فالقانون هو مشيئة الدولة، لا يقوم إلا في مجتمع سياسي، يصدر في شكل أوامر أو تكاليف، مقترن بجزاء يوقع عند مخالفته

      أولا: القانون لا يقوم إلا في مجتمع سياسي: يقوم المجتمع السياسي في تنظيمه على طبقتين: طبقة حاكمة لها حق الأمر والنهي، وطبقة محكومة عليها واجب الطاعة، وهكذا فأوستن يخلط بين الدولة والقانون.

      ثانيا: وجود الأوامر والتكاليف: جوهر القانون هو وجود أمر توجهه الهيئة الحاكمة إلى المحكومين تصحبه بجزاء عند مخالفته، فالأفراد ملزمون بالامتثال للقوانين وليس لهم حرية الاختيار، وبهذا فهو يرى أن التشريع هو المصدر الوحيد للقانون، وينكر دور العرف.

      ثالثا: توقيع الجزاء عند مخالفة القانون: يوقع الحاكم الجزاء على من يخالف القانون بما لديه من سلطة القوة والجبر، ولا توجد قاعدة قانونية ما لم تكن مكفولة باحترامها جبرا على الأفراد، والقواعد التي لا ترتب جزاء قد تكون مجرد قواعد أخلاق أو مجاملات أو دين.

      نتائج مذهب أوستن

           يرتب أوستن على غياب الجزاء في العلاقات الدولية إنكاره لفكرة تسمية القانون على القانون الدولي العام، فقواعده مجرد قواعد مجاملات أو واجبات أدبية تراعيها الدول في سلوكها فيما بينها، فلا توجد سلطة عليا تفوق الدول تقوم بفرض ما تصدره من أوامر وتكاليف. كما ينكر أوستن صفة القانون على قواعد  القانون الدستوري، فلا يعقل أن يوقع الحاكم الجزاء على نفسه.

      نقد مذهب أوستن

      - يخلط بين القانون والدولة، فالقانون ظاهرة اجتماعية قبل أن يكون ظاهرة سياسية.

      - يخلط بين القانون والقوة حيث يجعلهما رهنا بإرادة الحاكم.

      - يجعل التشريع المصدر الوحيد للقانون ويغفل دور العرف الذي ما زال يعتبر أساس القاعدة القانونية في بعض الدول كانجلترا.

      - يرى غالبية الفقه أن القانون الدولي العام هو قانون بالمعنى الصحيح للكلمة، ويتوفر له عنصر الإلزام الذي تملكه هيئة الأمم المتحدة بجمعيتها العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية.

      - ينكر صفة القانون على القانون الدستوري لتخلف الجزاء، غير أن الواقع يبين أن الأمة هي التي تنصب الحاكم، ولها توقيع الجزاء عليه أن خالف الدستور.

      - إن الأخذ بهذه النظرية يؤدي إلى الاستبداد والدكتاتورية.

      ثانيا: مذهب الشرح على المتون

            مذهب الشرح على المتون أو التزام النص هو مجرد طريقة أو أسلوب لشرح تقنين نابليون (التقنين المدني الفرنسي) الذي ظهر سنة 1804، حيث كان الفقهاء يحرصون على تفسير نصوصه بحسب الترتيب الشكلي الذي ورد فيه دون التعرض لنقده لأنه يخلوا من العيوب، فإذا عجز الفقيه عن تفسير نص معين، فالعيب فيه وليس في التقنين.

           تأسست هذه المدرسة سنة 1808 على يد فقهاء متعددين على غرار" ديلفانكرو"، و"برودون" و"توليه"، وفي سنة 1830 حمل لواءها كبار الشراح والمفسرين أمثال "تالييه"، "ديمانت"، "ماركديه"، "ديمولومب"، "لوران البلجيكي".

      الفرع الأول: أسس مذهب الشرح على المتون

           يقوم مذهب الشرح على المتون على تقديس النصوص، واعتبار التشريع المصدر الوحيد للقانون، ووجوب البحث عن إرادة المشرع في حكم النزاع المطروح.

      أولا: تقديس النصوص: كان الفقهاء يحرصون على شرح تقنين نابليون بحسب الترتيب الشكلي الذي وردت فيه، على غرار ما يفعله الشراح والمفسرون في الكتب المقدسة.

      ويرجع اعتزاز وتقديس الفرنسيين لتقنين نابليون لكونه كان أول عملية تجميع القوانين في مجموعة واحدة، بعد ترتيبها وتقسيمها، وازالة التعارض بعد اجزائها.

          كما يرجع سبب التقديس إلى كون تقنين نابليون وحد النظام القانوني للشمال والجنوب الفرنسيان، بعدما كانا يخضعان لقواعد قانونية مختلفة قبل صدوره.

      ثانيا: اعتبار التشريع المصدر الوحيد للقانون: تعتبر نصوص التشريع مصدرا لجميع الأحكام القانونية، ومن ثمة لا يوجد مصدر آخر للقانون، فالقاضي ملزم بتطبيق أحكام التشريع، واستخلاص القواعد والأحكام من تلك النصوص باعتبارها شاملة ولا يشوبها النقص، وأي قصور يرجع إلى عيب في القاضي وليس في النص.

          تنحصر وظيفة التفسير حسب هذا المذهب في الإرادة الحقيقية أو المفترضة للمشرع دون الإرادة الاحتمالية، فتكون الإرادة حقيقية إذا كان النص واضحا في عباراته ولا خفاء في معناه، بشكل يمكن الوقوف معه بسهولة على إرادة المشرع، وتكون الإرادة مفترضة إذا لم يكن النص واضحا حيث يتم البحث عن نية المشرع وقت وضع النص باللجوء إلى الوسائل الخارجية للتفسير كالبحث عن حكمة التشريع، واللجوء إلى المصادر التاريخية التي استمد منها النص، أو مقارنة النصوص، أما الإرادة الاحتمالية للمشرع التي تعني وقوف المفسر على نية المشرح وقت تطبيق النص فهي مستبعدة. 

      الفرع الثاني: نقد مذهب الشرح على المتون

           رغم المزايا العديدة لهذا المذهب المتمثلة في منع تحكم القاضي، وتوحيد الحلول التشريعية إلا أنها لم تسلم من النقد التالي:

      - أنه يجعل التشريع المصدر الوحيد للقانون في حين هناك العديد من المصادر على غرار العرف والمبادئ العامة للقانون.

      - أن تقديس النصوص يؤدي إلى العبودية لإرادة المشرع  وإهمال الظروف الاجتماعية وعدم الاعتداد بإرادة الأمة.

      - كل عمل بشري يشوبه النقص والقصور، فلا بد أن تظهر أمور جديدة لم تكن محسوبة وقت وضع التشريع،

      - هذه النظرية تؤدي إلى الاستبداد والدكتاتورية.

      ثالثا: مذهب هيجل

           هيجل فيلسوف ألماني عمل أستاذا في عديد جامعات ألمانيا، له مؤلفات في بعض فروع الفلسفة ومنها فلسفة القانون التي اصدر بشأنها كتابا سنة 1821.

      الفرع الأول: أسس مذهب هيجل

      يتلخص مذهب هيجل في نظرته إلى القانون بأنه يستمد أساسه وشرعيته وقوته الملزمة من صدوره عن الدولة، فالقانون هو التعبير الصادر عن إرادة الحاكم أو السلطة في الدولة، والدولة سيدة نفسها في الداخل والخارج.

      أولا: الدولة سيدة نفسها في الداخل: كل ما يدخل في تكوين الدولة في الداخل يخضع لها، والمجتمع لا يصل إلى درجة الدولة إلا إذا رأى جميع أفراد المجتمع أن ثمة مصلحة عامة مشتركة يجب أن تتجه إراداتهم إلى تحقيقها، وهذا ما يطلق عليه وحدة الإرادات الفردية.

           عند هيجل السيادة وحدة واحدة لا تتجزأ تتجسد في شخص واحد هو صاحب السلطة في الدولة، وإرادته هي القانون الواجب التطبيق، وذلك لأنه يملك القوة لفرض هذه الإرادة.

      ثانيا: الدولة سيدة نفسها في الخارج: الدولة عند هيجل سيدة نفسها في المجال الخارجي، ولا توجد سلطة أعلى منها، والدول جميعها متساوية في السيادة، وبالتالي لا توجد سلطة دولية تقوم بتنظيم العلاقات الدولية أو حل النزاعات الدولية، وهكذا تكون الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتنفيذ سياسة الدولة في الخارج، والغلبة تكون للأقوى الذي يفرض إرادته بالقوة.

           والحرب عند هيجل نوع من القضاء الإلهي، فهي عادلة ومشروعة، وتنتهي لصالح الدولة القوية، فالتاريخ شاهد على سيطرة الدولة القوية، أما إذا تعادلت دولتان أو أكثر في القوة، فيتم تنازع السلطة ويعرف العالم توترات حتى تنتصر إحدى الدول على الأخرى، وتصبح لها السيطرة الدولية على العالم.

      الفرع الثاني: نقد مذهب هيجل

      - يؤدي إلى الاستبداد فهو يوحد بين إرادة الحاكم المعززة بالقوة وبين القانون.

      - قوله بأن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لفض النزاعات الدولية يؤدي إلى اضطراب العلاقات الدولية وعدم استقرارها.

      - إهمال الظروف الاجتماعية في تكوين وتطوير القاعدة القانونية.

      رابعا: مذهب كلسن

           كلسن فيلسوف نمساوي عمل أستاذا لفلسفة القانون بجامعة فيينا سنة 1917، أنشأ مذهبا أطلق عليه مذهب القانون البحت أو الصافي الذي يقتصر على دراسة القانون من الجانب الشكلي فقط، حيث أن مهمة رجل القانون حسب وجهة نظر كلسن تقتصر على البحث والتعرف على القانون كما هو دون البحث في مضمونه من حيث العدل أو الظلم، أو ربطه بالسياسة فهي عناصر لا صلة لها بعلم القانون.

      الفرع الأول: أسس مذهب كلسن

      يقوم مذهب كلسن على استبعاد العناصر غير القانونية، وعلى وحدة القانون والدولة.

      أولا: استبعاد العناصر غير القانونية: إذ يتم الاكتفاء بدراسة الضوابط القانونية في مظهرها الشكلي باعتبارها أوامر صادرة عن إرادة تملك قوة الإجبار، وتوقيع الجزاء هي الدولة.

           وهكذا حاول كلسن تقريب علم القانون من علم المنطق (الامتناع عن التقييم واللجوء الى التجريد)، فاذا كانت العلوم الطبيعية تقوم على مبدأ السببية حيث تتحقق النتيجة كلما وجد السبب، فان علم القانون يخضع لمبدإ الإسناد.

      مثال على مبدأ الإسناد: القاعدة القانونية التي تقرر أنه "إذا ارتكب شخص جريمة يجب معاقبته".

      العلاقة بين الجريمة والعقاب ليست علاقة سببية، فليست الجريمة سببا للعقاب، ولا العقاب من آثار الجريمة، إنما العلاقة بينهما هي علاقة إسناد يحددها معيار قانوني يقرر سلوكا معينا، ويتبع الفعل غير المشروع بعقاب ، لأن القاعدة القانونية الناتجة عن تصرف قانوني تنص على توقيع العقاب على الفعل غير المشروع.

           إن الموضوعات التي يدرسها رجل القانون تتمثل في شرح القانون، والبحث في الجانب الشكلي والصياغة، والبحث عن سبب وجود القاعدة، أما تقييم القانون من جانب العدل والظلم، أو جانبه الواقعي أو علاقته بالسياسة فهي عناصر لا صلة لها بعلم القانون بل يدرسها علم الاجتماع.

      ثانيا: وحدة القانون والدولة: الدولة ليست صانعة القانون فقط بل هي القانون في حد ذاته، كما أنها ليست شخصا معنويا، وإنما هي مجموعة من القواعد القانونية المتدرجة بعضها فوق بعض، حيث يأتي الدستور في قمة الهرم، يليه التشريع، ثم العقود والأحكام القضائية والأوامر الفردية.

      مثال في مجال العقود: ينشئ العقد ضوابط قانونية بين طرفيه، ومصدر هذه الضوابط هو العقد الذي يستمد قوته من التشريع الذي ينص على أن العقد شريعة المتعاقدين، والتشريع يستمد قوته من الدستور الذي يعطي للسلطة التشريعية حق سن القانون.

           يصر كلسن على الإجبار كشرط لإضفاء صفة الشرعية على القانون ليكون فعالا ومطاعا ونافذا.

      الفرع الثاني: نقد مذهب كلسن

      - أنه يخلط بين القانون والدولة، فالدولة مستقلة عن القانون.

      - أنه ينتهي في تدرجه للقواعد القانونية عند الدستور، دون إسناده إلى قاعدة عليا يستمد منها شرعيته.

      - أنه أهمل العرف والعوامل الاجتماعية كمصدر للقاعدة القانونية.


    • فتحت: Sunday، 19 March 2023، 12:00 AM
      تستحق: Sunday، 26 March 2023، 12:00 AM
  • الموضوع 2

    • بطاقة تواصل حول مقياس فلسفة القانون – الدرس الثاني -

      لقب واسم الاستاذ: برابح السعيد

      البريد الإلكتروني: said.berrabah@univ-msila.dz

      المستوى: السنة أولى ليسانس حقوق + اعلام الي

      السداسي الاول

      عنوان الدرس: المذاهب الموضوعية

      أهداف الدرس: التعرف على مختلف المذاهب الموضوعية التي تنظر إلى جوهر القانون وموضوعه

      المذاهب الموضوعية

           وهي تلك المذاهب التي تنظر إلى جوهر القانون وموضوعه، وتذهب إلى تحليله فلسفيا واجتماعيا للتعرف على طبيعته وكيفية نشأته، فهي تهتم بجوهر القاعدة القانونية أو المادة الأولية التي تتكون منها القاعدة، ثم تأتي المصادر الرسمية لتضفي على هذه القاعدة صفة الشرعية بما تعطي لها من شكل ملزم.

           لقد اختلف أصحاب المذاهب الموضوعية وانقسموا إلى اتجاهين:

      الاتجاه الأول: اتجه نحو المثل العليا في تكوين القاعدة القانونية، والعدالة الإنسانية كأساس للقانون، وهو ما يطلق عليه المدرسة المثالية.

      الاتجاه الثاني: اتجه الى النظر الى الحقائق الواقعية الملموسة التي تسجلها التجارب العلمية، وهو ما يطلق عليه اسم المدرسة الواقعية.

      أولا: المدرسة المثالية

      من أهم المذاهب التي تنطوي تحت المدرسة المثالية نجد مذهب القانون الطبيعي، ومذهب القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير.

      مذهب القانون الطبيعي

           يتمثل هذا المذهب في ما ذهب إليه الفلاسفة والفقهاء منذ القدم في وجود قانون أعلى من كل القوانين الوضعية، ليس من صنع البشر، وإنما هو مجموعة من القواعد الأبدية الثابتة التي أودعها الله في الكون، وان المشرع مطالب بالاقتداء بها عند وضع التشريع، وإذا كان هذا المذهب قد احتفظ بجوهر الفكرة إلا أن مضمونها لم يثبت على حالة واحدة.

      أولا: القانون الطبيعي عند اليونان: فكرة القانون الطبيعي كانت فكرة فلسفية عند الإغريق تقوم على التأمل في مظاهر الحياة الاجتماعية ومحاولة الكشف عن طبيعتها فلاحظ فلاسفة اليونان النظام الثابت الذي يسير عليه الكون ويخضع له كل ما فيه من ظواهر طبيعية، ومخلوقات حية، كما لاحظوا أن علاقات الناس ومعاملاتهم تجري على نمط واحد وفق أنظمة متشابهة لدى مختلف الشعوب الأمر الذي دعاهم إلى القول بوجود قانون أعلى يحتوي على قواعد خالدة ليست مكتوبة وليست من صنع البشر، وهي قواعد تحقق العدل يجب أن تأخذ كمثل أعلى بالنسبة للقانون الوضعي.

           وفي مرحلة لاحقة ظهر عند اليونانيين ما سمي بمذهب الرواقية في القرن الرابع قبل الميلاد فكانوا يدعون للخضوع للقانون الطبيعي الذي يحكم العالم كله، ويلزم الجميع، وكانوا يرون أن المثل الأعلى للحكيم هو في التحرر من كل المؤثرات الخارجية بما فيها إجبار الدولة.

      ثانيا: فكرة القانون الطبيعي عند الرومان: انتقل مذهب الرواقية إلى الرومان فتأثروا به وبفكرة وجود قانون طبيعي ينطبق على كافة الشعوب لأنه أعلى من القوانين الوضعية وسابق على وجودها، وبهذا أصبحت فكرة القانون الطبيعي عند الرومان فكرة قانونية تعني قانون الشعوب بعدما كانت فكرة فلسفية عند اليونان.

           ابتداء من القرن الثالث اتجهت كتابات الفقه الروماني إلى التفرقة بين القانون الطبيعي وقانون الشعوب، وظهر ذلك عند الفقيه "ألبين"، وفي القرن السادس احتوت مجموعة "جوستنيان" ثلاث نماذج من القانون هي:

      - القانون المدني: وهو القانون المطبق على الأصلاء، وينحصر في قانون الألواح الإثني عشر، والأحكام المكملة له يطبق على أهل مدينة روما.

      - قانون الشعوب: وهو القانون الذي يحكم العلاقة بين الأجانب، أو بين الرومانيين والأجانب.

      - القانون الطبيعي: وهو استخدام لتعبير فلسفي، فالطبيعة تؤكد أن الناس يولدون أحرارا متساوين ، والفرق بينه وبين قانون الشعوب هو أن قانون الشوب يبيح الرق ويقبله، أما القانون الطبيعي فينكر هذا التمييز.

      ثالثا: فكرة القانون الطبيعي عند الكنسيين في القرون الوسطى: أصبحت فكرة القانون الطبيعي فكرة دينية في كنف الكنيسة المسيحية، حيث اعتبروه قانون خالد لا يتغير، وهو من صنع الله باعتباره خالق الطبيعة، وقد استهدفوا من تحويل القانون الطبيعي إلى فكرة دينية تعزيز سلطان الكنيسة وإخضاع الملوك لسيطرة البابا.

      رابعا: القانون الطبيعي في العصر الحديث: عرف مراحل متعددة تتمثل في ما يلي:

      1/ سيادة الدولة وإنكار القانون الطبيعي: بعد انقضاء العصور الوسطى وزوال الإقطاع، وبداية تشكل الدول ظهر مبدأ سيادة الدولة الذي أطاح بسيادة الكنيسة وسلطانها.          

           يرى ميكيافيلي في كتابه "الأمير" أن الحاكم فوق الأخلاق وفوق كل مثل أعلى، وكل الوسائل مباحة لتأييد سلطان الحاكم عن طريق القوة الحيلة، أو الخداع "فالغاية تبرر الوسيلة".

           أما "بودان" في فرنسا فكان يدعوا إلى سيادة مطلقة، وأحل للسلطان التحلل من القوانين التي يفرضها، فالحاكم فوق القانون وهو مصدره، وهكذا طغت سلطة الدولة على حريات الأفراد. وهو ما أدى بالفقهاء إلى المناداة بوضع أساس عادل لعلاقة الدولة بالأفراد. وتنظيم العلاقات الدولية وخضوعها للعدل بدل القوة، وهذا ما أدى إلى الحاجة للقانون الطبيعي ليكون وسيلة للدفاع عن حقوق الأفراد وحرياتهم.

      2/ بروز فكرة القانون الطبيعي في القرنين (17) و(18): ظهر القانون الطبيعي مرة أخرى على يد "جروسيوس" الذي خلصه من الطابع الديني واتجه به نحو العدل. وقد عرف القانون الطبيعي على أنه القواعد التي يوحي بها العقل القويم والتي بمقتضاها يمكن الحكم على عمل ما بأنه عادلا أو ظالما، وهو ثابت وخالد لا يتغير بتغير الزمان والمكان، والله نفسه لا يملك تغييره لأنه ليس بالذي يغير المعقول، فالقانون الطبيعي إذا مصدره الطبيعة والعقل سابق عن القوانين الوضعية وأعلى منها. ومن ثمة فالعقل يفرض وجود حقوق طبيعية لصيقة بالإنسان هي حقوق الإنسان التي تعتبر مبدأ أساسيا من مبادئ القانون الطبيعي.

           رغم كل ما أقره الفقيه "جروسيوس" للإنسان من حقوق طبيعية إلا أنه لم يتحرر من تأثير عصره، فقد أقر الغزو والرق ورأى أن الحرية يمكن التنازل عنها بمقتضى عقد، كما يمكن فقدها بالانهزام أو الأسر في الحرب، وهو تبرير يناقض ما اقره من وجود قانون طبيعي يسمو على القانون الوضعي.

           لقد نادى الفقه بالتخلص من الأنظمة الظالمة القائمة على نظام الرق وحق الغزو، فأصبحت فكرة القانون الطبيعي فكرة قانونية بعدما كانت فكرة دينية في العصر الوسيط، وفلسفية في العصر القديم.

      3/ القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي: انقسمت نظريات العقد الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لفكرة القانون الطبيعي، حيث أنكر "توماس هوبز" (1588-1679) فكرة القانون الطبيعي لأنه كان من أنصار الحكم المطلق، وبالتالي فاستبداد الحاكم عن طريق سن قوانين وضعية يمثل حاجزا أمام المثل العليا للعدل، أما "جون لوك" (1632-1704) و"جون جاك روسو" (1712-1778) فقد أيدا فكرة القانون الطبيعي، حيث أن لوك جعل من فكرة العقد الاجتماعي وسيلة لمقاومة استبداد الملوك والحكام، ورأى بأن السلطان ملزم باحترام الحقوق الطبيعية للأفراد وإذا أخل بهذا الالتزام جاز للشعب فسخ العقد، وعزل الحاكم عن طريق الثورة.

           أما روسو فقد رأى بأن الحاكم مجرد وكيل أنابه الشعب فالسيادة للشعب الذي يستطيع عزل الحاكم إذا أخل بواجباته. والعقد الاجتماعي عنده هو وسيلة يمليها العقل الإنساني للمحافظة على الحقوق والحريات، وأن القوانين الوضعية تستمد شرعيتها من سيادة الشعب.

      4/ القانون الطبيعي والثورة الفرنسية: اعتنقت الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر (18) فكرة روسو المتمثلة في حصر السيادة قي يد الشعب وحده، واعتناق فكرة القانون الطبيعي كموجه ومقيد لسلطة الشعب، وبذلك أصبح القانون الطبيعي مذهبا رسميا تضمنه إعلان رسمي هو إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي سنة 1789 الذي نص على الحرية والمساواة وحق الملكية والأمن ومقاومة الطغيان، وأنه لا دستور لمجتمع لا يضمن حقوق الإنسان.

            لقد مهد هذا الإعلان لصدور إعلانات مماثلة تضمنتها دساتير بعض الدول مؤكدة بذلك الاعتقاد بوجود قانون طبيعي خالد مشترك يسمو على القوانين الوضعية ويجعل حقوق الإنسان بمثابة القيد على سلطة المشرعين.

      5/ تراجع مذهب القانون الطبيعي في القرن التاسع عشر (19): تعرض القانون الطبيعي لموجة عنيفة من الانتقادات في القرن التاسع عشر شككت في صحته، وقللت من أنصاره في الفقه، ويأتي المذهب التاريخي في مقدمة مهاجمي مذهب القانون الطبيعي، حيث استند في حججه على الواقعية، ومن هذه الانتقادات نجد:

      - القول بفكرة الخلود والثبات التي يتميز بها القانون الطبيعي غير صحيح يكذبه الواقع وينفيه التاريخ، فالقانون وليد البيئة الاجتماعية وهي متغيرة في الزمان والمكان، كما أنه (القانون) يتطور آليا.

      - القول بأن العقل البشري هو الذي يكتشف قواعد القانون الطبيعي يؤدي إلى اختلاف هذه القواعد باختلاف الأشخاص الذين يستخلصونها بعقولهم، ومن ثمة تختلف قاعدة القانون الطبيعي من شخص إلى آخر في مسألة واحدة، وهذا دليل على عدم صحة هذا القانون.

      مذهب القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير

           بعد الانتقادات الموجهة إليه من قبل المذهب التاريخي كان لا بد من تخليص القانون الطبيعي من الانتقادات والتناقض الموجه إلى قواعده، فقام الفقيه "ستاملر" بالجمع بين الخلود والتطور في فكرة القانون الطبيعي فيما سماه القانون الطبيعي بالمضمون المتغير، ومضمون هذه الفكرة أن جوهر القانون هو مثل أعلى للعدل خالد ومتغير في نفس الوقت، فهو خالد في فكرته، متغير في مضمونه.

           لقد اعتنق الفقيه الفرنسي "سالي" هذه الفكرة الذي يتمثل جوهرها في أن فكرة العدل في ذاتها خالدة أبدية وجدت في ضمير الإنسان على مر العصور، وستظل إلى الأبد وهو أمر لا يتغير، أما الذي يتغير فهو مضمون هذا العدل وطريقة تحقيقه، وهو مرهون بظروف الحياة الاجتماعية التي تختلف من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر. إن التمييز بين العدل والظلم يتوقف على كل مجتمع وتصوره لمفهوم العدل، حيث أن ما يعتبر عدلا لدى مجتمع ما في زمن ما قد لا يكون عدلا عند نفس المجتمع في زمن آخر. وهكذا يتفق مذهب القانون الطبيعي مع مذهب القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير في أن القانون الطبيعي يستخلصه الإنسان بعقله.

      ثانيا: المدرسة الواقعية

           تنظر المدرسة الواقعية إلى القانون بأنه علم اجتماع واقعي، يقوم على أفكار واقعية قابلة للملاحظة والتجريب، فهي لا تؤمن إلا بالواقع الملموس الذي تسجله المشاهدة وتؤيده التجربة، وقد تفرعت هذه المدرسة إلى ثلاث مذاهب هي المذهب التاريخي، ومذهب الغاية الاجتماعية، ومذهب التضامن الاجتماعي.

      الفرع الأول: المذهب التاريخي

           ظهرت بوادر هذا المذهب في القرن الثامن عشر في فرنسا، إذ أظهر بعض الفقهاء والفلاسفة أثر البيئة والظروف المحيطة بها في اختلاف القوانين، ورأوا أن القوانين يجب أن تتناسب وطبيعة البلاد التي تصدر فيها، ومن أهم الفلاسفة الذين ربطوا القانون بالبيئة الفقيه مونتسكيو في كتابة روح القوانين (الشرائع) سنة 1748، والفقيه بورتاليس أحد واضعي التقنين المدني الفرنسي في القرن التاسع عشر (19) الذي رأى أن القانون يوجد ويتطور آليا مع تقدم الزمن دون تدخل الإرادة الإنسانية.

           لقد تبلورت هذه الأفكار في مذهب واضح المعالم على يد الفقيه الألماني سافيني  سمي بمذهب التطور التاريخي، ومضمونه أن العبرة بالنسبة للقانون هي القواعد السائدة التي تسجلها المشاهدة وتعززها التجربة في مجتمع معين، وأن التجارب قد دلت أن القانون ليس واحدا ثابتا، ولكنه متغير في الزمان والمكان متأثرا في ذلك بعوامل البيئة المتعددة، ومسايرا لتطورها واختلافها مما يستبعد معه تثبيت نصوصه في تقنين يؤدي إلى جموده.

      أولا: أسس المذهب التاريخي: يقوم هذا المذهب على الأسس التالية:

      1/ إنكار وجود القانون الطبيعي: فالقانون من صنع الزمن ونتاج التطور التاريخي وليس من وحي مثل عليا.

      2/ القانون وليد حاجة الجماعة: فهو وليد البيئة الاجتماعية وحدها، ويتطور حسب ظروف كل مجتمع، ويختلف من دولة لأخرى، بل ويتغير في الدولة نفسها من جيل إلى جيل حسب تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فالقانون ثمرة التطور التاريخي للجماعة.

      3/ القانون يتكون ويتطور آليا: أي أنه ينبعث من جهد جماعي مشترك تسهم فيه الأجيال المتعاقبة في دولة معينة، وبهذا يعتبر العرف هو الشكل الأكمل والأمثل والأصدق للقانون، والحاصل أن القانون يخلق نفسه وأن دور المشرع يقتصر على مجرد تسجيل الضمير الجماعي وتطوره على مر الزمن، ومن مخاطر التقنين وقف التطور التلقائي للقانون.

      ثانيا: نقد المذهب التاريخي: تتمثل أهم الانتقادات الموجهة للمذهب التاريخي في ما يلي:

      - أنه بالغ في ربط القانون بالجماعة، وأنكر دور العقل الإنساني وقدرته في تكوين القانون.

      - أنه بالغ في اعتبار القانون وليد البيئة والظروف الخاصة بكل مجتمع في حين نجد أن كثيرا من الدول قد اقتبست معظم قوانينها كلها أو جزء منها من قوانين دول أخرى.

      - أنه يعتبر العرف الشكل الأمثل الذي يصدر به القانون، وأغفل دور التشريع.

      - أنه اعتبر أن التقنين يؤدي إلى تجميد القانون وعدم مسايرته للتطور، وهذا قول لا يقوم على أساس صحيح، فقد ثبت تاريخيا أن المشرع لا يتردد في تعديل التقنين كلما دعت مصلحة المجتمع إلى ذلك، كما أن التقنين يوفر للمشتغلين بالقانون الوقت والجهد الكثير، ويؤدي إلى توحيد القانون في مختلف أجزاء الدولة على غرار ما حدث في فرنسا.

      الفرع  الثاني: مذهب الغاية الاجتماعية

      أسس على يد الفقيه الألماني إهرنج الذي يرى أن القانون وسيلة تتخذها الإرادة الإنسانية لتحقيق غاية اجتماعية هي حفظ المجتمع وتحقيق أمنه وتقدمه.

      إن تطور القانون حسب إهرنج لا يتم في يسر وسلم بل أن التاريخ حافل بالصراع بين الطبقات المختلفة وبين المصالح المتعارضة في إبقاء القوانين أو في تعديلها بما يخدم هذه المصالح، فتطور القانون مرهون بنتيجة هذا الصراع، وهكذا كان للفقيه إهرنج الفضل في التنبيه إلى أخطاء التاريخ في نظرته إلى تكوين القانون وتطوره، غير أنه انتقد من جانب أن الإرادة الإنسانية ليست الأساس الوحيد الذي يقوم عليه القانون في نشأته وتطوره.

       


    • فتحت: Sunday، 19 March 2023، 12:00 AM
      تستحق: Sunday، 26 March 2023، 12:00 AM
  • الموضوع 3