Topic outline

    • محاضرات مقياس قضايا الأدب التفاعلي

       

                 "فجأة، ودون مقدمات، وجد الكتاب والأدباء والنقاد أنفسهم أمام عالم جديد، ربما لم يخطر لهم على بال..إنها الثورة الرقمية..تغيرت الدنيا بين عشية وضحاها فإذا بالإنسان غير الإنسان والمجتمع غير المجتمع، والدنيا غير الدنيا."  محمد سناجلة

      قبل الخوض في مفهوم هذا الأدب؛ لابد من الإشارة إلى أهمية العولمة وارتباطها بالثورة التكنولوجية التي سهلت عملية التواصل بين مختلف شعوب العالم، عن طريق وسائط إلكترونية سمعية وبصرية وكتابية ساعد في نشرها تعميم الوصول إلى شبكة الانترنت، فانتشرت مواقع التواصل الاجتماعي رغم سلبياتها إلا أنها تعتبر في زمننا الحالي أدوات فعالة في نشر المعرفة وصنع ال الرأي العام ونشر الحقائقرغم كثرة الأخبار الزائفة والشائعات المغلوطة ، كما ساهمت في تسهيل الحصول على المعلومة والمصادر العلمية المختلفة بوسائل بسيطة ومتاحة لدى كافة طلاب العلم والمعرفة. ظهر الأدب التفاعلي كنتيجة للتحولات المتسارعة التي شهدتها الحياة البشرية في منتصف القرن العشرين؛ وإلى التراكمات الكثيرة في شتى الحقول المعرفية، كما يعود الفضل في ذلك إلى التطور العلمي والتكنلوجي الذي وسم الألفية الثالثة، لهذا انتشر الأدب التفاعلي بوصفه نشاطا تشترك في إنتاجه مجموعة من العناصر الأدبية والفنية والتقنية، تمثل فيه الصورة والصوت والتفاعل والترابط وظهور القارئ الجديد أدوارا  مهمة في تسهيل الوصول إلى المعلومة. تتعدد مظاهر التحول الذي نجم عن علاقة التفاعل بين الأدب والتكنولوجيا والتي تتمثل في الانتقال من النصوص الورقية إلى الرقمية الإلكترونية، حيث انتقلت حياة النصوص الأدبية من مرحلة الشفاهية ثم انتقلت إلى مرحلة الكتابة حتى وصلت إلى المرحلة الإلكترونية التي شكلت في حياة النص الأدبي انتقالا من عهد إلى عهد أكثر تطورا.

      تختلف مسميات هذا الأدب؛ ففي أمريكا يستعمل مصطلح النص المترابط (  HyperText) وفي أوروبا توظيف مصطلح الأدب الرقمي( numérique)  والتفاعلي( interactif )، واستعمل بالفرنسية مصطلح )الأدب المعلوماتي   informatique ( باعتباره الجامع لمختلف الممارسات التي تحققت من خلال علاقة الأدب بالحاسوب والمعلوماتيات، حيث تم عقد مؤتمر بباريس عام 1994 تحت عنوان الأدب والمعلومات لدراسة هذه العلاقة، ليظهر فيما بعد وبالضبط سنة 2006 مصطلح جديد بعنوان الأدب الرقمي  littérature numérique ، وقد انتقل هذا الاضطراب في تحديد مفهوم موحد للمصطلح إلى العرب، وأصبحت المسألة تتعلق بترجمة المصطلحات وتحديد طبيعة نمط هذا الأدب، وعلى الرغم من الجهود المتميزة التي بذلتها الناقدة الرائدة في هذا المجال "فاطمة البريكي"، فإن الفروق الدقيقة بين المصطلحات: الأدب الرقمي، الأدب التكنولوجي، الأدب الإلكتروني... ليست ذات شأن؛ فمصطلح الأدب التفاعلي ينبغي أن يبتلع هذه المصطلحات جميعها، ما عدا تلك التي قدمت على الأنترنت، وفي الوقت نفسه؛ نستطيع تقديمها على الورق دون أن يحدث خلل فيها؛ ليصبح مدى تحقيق التفاعل هو المعيار الذي نحتكم إليه في نقد العمل.

            مفهوم الأدب التفاعلي :

              هو أدب تولد عن اندماج الأدب مع التكنلوجية الحديثة ، ولا يمكن أن يكون في متناول متلقيه إلا من خلال وسيط إلكتروني، وقد عرفه سعيد يقطين "بأنه مجموع الإبداعات (الأدب من أبرزها  ) التي  تولدت مع توظيف الحاسوب، ولم تكن موجودة قبل ذلك، أو تطورت من أشكال قديمة، ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورا جديدة في الإنتاج والتلقي" 1 . أما الناقدة فاطمة البريكي فقد وضحت أن الأدب التفاعلي هو نص مفتوح بدون حدود وبلا عشوائية؛ بحيث يلقي المبدع إنتاجه في أحد مواقع شبكة الأنترنت، وعليه فالمتلقي يمثل أهمية ودورا كبيرا في بناء العمل الإبداعي على الشبكة، وللمتلقي حرية اختيار نقطة البدء، بحيث يبني المبدع النص على أساس تعدد المسارات ؛ أي ليس له بداية واحدة ولا نهاية واحدة 2، وبالتالي اشتراك أكثر من مبدع في إنتاج النص، ولا يسمى الأدب تفاعليا إلا إذا كان الوسيط الناقل لهذا الأدب إلكترونياً، سواء باستخدام البرامج الجاهزة على الحاسوب، أو بالكتابة مباشرة على الإنترنت، وبدخول عصر الوسائط المتعددة في تشكيل المعنى، والأدب السمعي البصري الذي يقدم عبر الفيديو بتسمية digital poème ، كما هو الحال في قصائد الشاعر الأمريكي دي نورمان M.D.Norman ، وقصائد الشاعر المغربي منعم الأزرق على "اليوتيوب"، وهذا ما يجعل المحرك الرئيسي في تمييز الأدب التفاعلي من الأدب الرقمي هو استحالة تحول المحتوى إلى الورق . ومجموعة الشاعر مشتاق عباس معن "تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق" على سبيل المثال، تنتمي إلى الأدب التفاعلي، على الرغم من عدم ترك مساحة للقارئ ليكتب فيها؛ لأنه استخدم النص المتشعّب حيث حضرت في بنيتها عناصر متضافرة في تشكيل المعنى، منها: الكلمة، الصورة، الصوت، اللون، الحركة، بحيث يستحيل أن يتحول العمل إلى الورق ، وعلى هذا الأساس نشأ في قطاع التعليم خلال السنوات الأخيرة ما يسمى بالكتاب التفاعلي interactive book ، حيث يختلف كليا عن الإلكتروني أو الرقمي الذي جرى تحويله إلى صيغة PDF ، وتقوم فكرته على تضافر العناصر السابقة إضافة إلى الفيديو وميزة الكتابة في المساحات المحددة لها، وإمكانية وضع الشروحات والتوضيحات بما يضفي على القراءة متعة وحيوية وتحرّر من الإمكانات المحدودة في الكتاب الورقي. 1

                      وهذه العناصر المضافة أخرجت الكتاب عن اقتصاره عن الكلمة، وفي أحسن الأحوال: عن الكلمة والصورة الثابتة، إلى أفق أرحب يستحيل أن ينهض به الورق. نشأ في قطاع التعليم أيضا ما يسمى "السبورة التفاعلية، وعلى الرغم من وجود مصطلحات أخرى  نافستها، مثل: السبورة الذكية، فإن اتصالها بالأنترنت، ليتحول إلى شاشة حاسوب كبيرة إضافة الميزات الأخرى مثل: الكتابة الإلكترونية، وتصويبها، ومحوها، يعني أنها تؤدي وظائف يستحيل أن يؤديها الورق أو يقترب منه؛ بحمل الكلمة المكتوبة وحدها. 1__

       

       

       

       

      الأدب الإلكتروني عند العرب :

      بعد الثورة التكنلوجية التي اجتاحت العالم ومع مجيء عصر المعلوماتية وما بعد الحداثة بزخمه المعرفي والتقني والإلكتروني ، جاءت فكرة استغلال هذه التكنلوجيا الجديدة خدمة للإبداع الأدبي، ولم تكن الساحة الأدبية العربية بمنأى عن هذه التغي ا رت الثقافية لحاصلة في الساحة الإبداعية والنقدية العالمية، بل سارت على نفس النهج، حيث استعارت الفكرة كما استعارت مجمل الأفكار النقدية الحديثة والمعاصرة، وبناء على ذلك ظهرت أول رواية إلكترونية/تفاعلية عربية، هي قصة "شات" للكاتب الأردني "محمد سناجلة، ليؤكد التجربة الإبداعية بأكثر عمق في قصته التالية، وهي قصة "صقيع" لت توالى التجارب الأدبية الإلكترونية العربية سواء الشعرية منها أو القصصية، وتأتي أسماء جديدة في سماء هذا

      النوع الإبداعي مثل إدريس بلمليح، محمد اشويكة، محمد حبيب، مشتاق عباس معن، ومنعم الأزرق وغيرهم، لتتأخر الأسماء النسوية العربية في تبني الأدب الإلكتروني ، ومع ذلك ظهرت أسماء نسوية عربية من أمثال الأديبة الشاعرة سولا ا ر الصباح، ولبيبة خمار، منى شوقي غني وغيرهن.

           مميزات الأدب التفاعلي

      - يجسد سمات النص المفتوح الذي لا تحده حدود، غير أنه لا يعوزه النظام والترتيب.

      - يرفع من مقام المتلقي/المستخدم، حيث يتوج على عرشه، فيملك مقاليد التصرف فيه وفق هواه ورغباته وبالتالي يهدم الجدار العازل المقام بين المبدع والمتلقي.

      - النص نتاج جماعي؛ المبدع الذي سينظم إلى جماعة المتلقين، وجماعة المتلقين الذين يتحولون إلى مبدعين فالنص ملك للجميع.

      - لا توجد حدود مضبوطة للنص في نهايته ولا بداية م حدودة أو مضبوطة، وهذا الأمر مرده إلى اختلاف المتلقين واختياراتهم.

       

      الأجناس الأدبية التفاعلية:

      بدأت الأجناس الأدبية الكلاسيكية( الشعر، السرد، الدراما) تتلبس بالأليات الرقمية بتوظيفها

      لفائدتها، متخذة بذلك مظهرا جديدا للأدب، فقد تنوعت التجارب في هذه الأجناس وصارت متعددة مع اتصالها بالرقميات والوسائط المتفاعلة... كما تفرعت داخلها أنواع فرعية تعددت بتعدد الإبداعات التي صارت مفتوحة على مص ا رعيها والتي يستفيد فيها المبدع بما تمده به البرمجيات المتطورة، والتي يتداخل فيها اللفظي بالصوري بالحركي والصوتي بالسمعي والثابت بالمتحرك... كما بدأت تظهر أجناس جديدة من جهة أخرى، متصلة بالحاسوب والفضاء الشبكي مثل الروايات المشتركة او الكتابات التفاعلية الجماعية التي يشارك العديد من الق ا رء والكتاب في كتابتها 2 . تتعد الأجناس الأدبية في هذا المجال؛ نذكر منها ا يلي:

       

      الشعر التفاعلي: الشعر التشعبي )المت ا ربط( هو شكل يستخدم نظام ربط غير خطي ينقل القارئ من دور المستهلك إلى دور الصانع المشارك في السيطرة على النص وتوجيهه ، وسواء كان الشعر التشعبي بصريا / صوتيا/ حركيا أو نصيا، يقتضي هذا الشكل اتخاذ قرارات ارتجالية كثيرة  تنأى بالقصيدة عن أن تكون مجموعا متماسكا يسهل الإمساك بأطرافه، وتحيلها إلى تداخل هجين تضاريسه ممتدة من عناصر ديناميكية وأجزاء متناسبة أو غير متناسبة تقرأ  قراءات  متعددة، وتؤلف استمرارية نصية عبر ما تنسجه ممارسات الكتابة التفاعلية.

       - والقصيدة التفاعلية هي شكل جديد من أشكال الشعر الحديث الذي يعتمد على الآليات المتطورة في الحاسبة الإلكترونية، والتي تعتمد الصورة والموسيقى والاسترجاع، جنبا إلى جنب مع القصيدة المتخطية لحدود النط الواحد الباحثة عن آفاق أكثر رحابة وسعة للإيغال في فضاءات النفسر الإنسانية لكشف أغوارها العميقة من خلال التفاعل المشترك بين الشاعر ومتلقيه، وهي عبارة عن بانوراما متحركة، في حدود الذات الخالقة، المبدعة مع الذات الأخرى المتذوقة أو المتفحصة أو المشاركة في ذات الوقت، حيث تعتمد القصيدة على الكلمة المرادفة للصورة بأشكاله المتعددة، المتحركة والثابتة، جنباً إلى جنب مع الموسيقى أو المؤثر الصوتي الفاعل والمتحركه و الآخر، لدفع القصيدة باتجاه التناغم والاكتشاف، وهي أنواع منها:

      -   قصيدة الومضة التي تقوم غالبا على المفارقة والسخرية والدهشة وفي استثمارها لمعطيات

      التكنلوجيا، يؤدي الزمن فيها دورا واضحا يكون مختصرا في أضيق الحدود، وتعتمد على برنامج العروض التفاعلية الذي يؤسس لهيكلة جديدة للقصيدة يعتمد على مشاركة المتلقي/المستخدم.

      وهناك الشعر البصري الذي لا يقرأ فقط إنما يشاهد ويرى وقد ظهر في عدد مختلف ن المواقع

      التي عملت على تحويل الكلمات إلى صور، وفي هذا السياق يوجد الشعر الهندسي الذي يكتب

      على شكل من الأشكال الهندسية والذي عرفه الأدب العربي وقد استخدمت هذه المواقع مصطلح الشعر الهندسي بديلا لمصطلح الشعر الدائري، والقصيدة التفاعلية لا ترتبط دائما بشبكة الانترنت؛ إذ يمكن الحصول عليها على الأقراص المدمجة والتعامل معها دون شروط الاتصال بالشبكة.

      الرواية التفاعلية: -

      تعبر الرواية التفاعلية عن عال جديد، خليط بين فهوم الخيال ووجهة النظر الخاصة بالروائي، مع استخدام تقنيات أخرى تضيف المعنى وتبرز وجهة النظر للرواية والروائي، وهذه الإمكانات المتاحة سوف تخلق موضوعاتها غي تلك التي طرحتها ال رواية الورقية، لذا يعتقد أن الزمن سوف يضيف للرواية الرقمية بجهد روادها، حتى قد ننتهي إلى شكل جديد آخر، مزيج بين ما نعرفه عن الرواية التقليدية، وما أتا حته التقنيات الجديدة والمضافة.. خصوصا أننا على بداية الطريق.

         تتميز الرواية التفاعلية بكتابتها الموجزة التي تعمل على مضاعفة طرق تقطيع الخطاب وابتكار طرق جديدة لكسره، كتابة بنكب فيها الروائي على لحظة معينة يقوم بتقديمها بشكل مفصل دون اللجوء إلى الإطناب، بل يركز على حدث معين لا يغادره حتى يفرغ منه، وهذا ما يجعلها تتقدم في شكلها البسيط كفق ا رت يمكن ولوجها بشكل اعتباطي.

      المسرحية التفاعلية : -

      المسرحية بوصفها جنساً أدبيا مهماً داخل مجالات الرقمية الرحبة، لا تعتمد النص فقط بل تعتمد أيضا على العرض المسرحي، الذي هو الآخر في طريقه لمثل هذا التعرض الرقمي، لتتحول إلى مسرحية رقمية لا مكان لها على الورق، ولا يمكن التفاعل معها أو قراءتها إلا على شاشة الانترنت، وقد قامت بترجمة مصطلحه الغربي الدكتورة فاطمة البريكي إلى المسرحية التفاعلية، وقد عرفتها بأنها نمط جديد من الكتابة الأدبية، يتجاوز الفهم التقليدي لفعل الابداع الأدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد، إذ يشترك في تقديمه عدة كتاب، كما قد يدعى القارئ المتلقي أيضا للمشاركة، وهو مثال العمل الجماعي المنتج، الذي يتخطى حدود الفردية وينفتح على آفاق الجماعية الرحبة ، ويعتبر تشارلز ديمرا رئد المسرح التفاعلي حيث ألف أول مسرحية تفاعلية عام 1985 ، كما أسس مدرسة تعليم كتابة سيناريو المسرح التفاعلي في موقعه الخاص على الانترنت .

      بدأت فكرة المسرح الرقمي بغرض الوصول إلى تأليف مسرحية مشتركة عبر الانترنات بين

      افراد متباعدين من جنسيات وبلدان مختلفة، هذا التجريب في التأليف المسرحي يعد شكلا مغايرا، فهو يقوم أولا بإلغاء شخصية المؤلف الأساس، ويمكن لأي قارئ أن يكون مؤلفا آخر بمجرد الدخول لموقع أحداث المسرحية الالكترونية ويساهم في تكملة الأحداث التي لا تنتهي، كأن يختار شخصية معينة ويهتم بها لغرض تفعيل مسيرتها الدرامية، ثم يأتي شخص آخر ويختار شخصية أخرى في المسرحية نفسها ويحاول أن يوسع حركتها النصية وهكذا تستمر العملية بلا توقف .

       

       

      مفهوم التفاعلية   :      Interactivity

      يعتبر مفهوم التفاعلية مفهوها متعدد الأبعاد والاستخدامات، إذ تعدّ مفهوما تكامليا تهتم به العديد من التخصصات البحثية المختلفة، لذا فإن ما يعنيه متخصص المكتبات بالتفاعلية يختلف إلى حد كبير عما يعنيه باحث الإعلام أو مبرمج الكمبيوتر"[1]

      لذلك يمكن النظر الى التفاعلية باعتبارها مفهوما شاملا فهي ليست مصطلحاً أدبياً أو إنترنتياً إنما نمط حياة ووسيلة للتعامل مع الأمور المختلفة التي تمر على الفرد بصورة يومية، فمن كان شأنه التفاعل مع كل تفاصيل حياته لابد له أن يتفاعل على نحو لا إرادي مع

      ما يقدم له من نصوص أدبية أو غيرها، وهي "تطلق على الدرجة التي يكون فيها للمشاركين في عملية الاتصال تأثير على أدوار الآخرين واستطاعتهم تبادلها ويطلق على هذه الممارسة الممارسة المتبادلة أو التفاعلية، وهي تفاعلية بمعنى أن هناك سلسلة من الأفعال الاتصالية التي يستطيع الفرد (أ)أن يأخذ فيها موقع الشخص (ب(  ويقوم بأفعاله الاتصالية، المرسل يستقبل ويرسل في الوقت نفسه، وكذلك المستقبل، وبذلك تدخل مصطلحات جديدة في عملية الاتصال مثل الممارسة الثنائية التبادل والتحكم، والمشاركين" [2] . فهي تطلق على سلسلة الأفعال الاتصالية التي يستطيع الفرد أن يأخذ فيها موقع الشخص )ب(، ويقوم بأفعاله الاتصالية، فالمرسل يرسل ويستقبل

      في الوقت نفسه، وكذلك المستقبل، ويطلق على القائمين بالاتصال لفظ مشاركين بدلا من مصادر، وقد أورد الباحثون في هذا الموضوع بعض الوسائل التي يوجد فيها تفاعل بين المستخدم والمرسل وذلك مثل: الهاتف، التلفزيون التفاعلي، المؤثرات عن بعد والكمبيوتر الشخصي، وغير ذلك من الوسائل الإعلامية التي يستخدمها الجمهور في تبادل المعلومات مع المرسل، كما تعد التفاعلية خاصية من خصائص تكنولوجيا الاتصال[3]  .

          ولا تختص صفة(التفاعلية) بالأدب في طوره الإلكتروني؛ إذ إن الأدب في جميع أطواره لا يكتسب وجوده وكينونته إلا بتفاعل المتلقين المختلفين معه، كان الأدب كذلك قبل الإنترنت، وهو بطبيعته تفاعلي، وأن النص الأدبي لا يكتسب قيمته ولا يتحقق وجوده إلا بوجود متلق متفاعل معه. ولم يكسبه انتقاله إلى طور الإلكترونية صفة (التفاعلية) ، ولكن هذه الصفة هي التي اكتسبت أبعاداً جديدة، فأصبحت تعني سيادة المتلقي على النص   وحريته في اختيار نقطة البدء فيه، والانتهاء به كيف يشاء. وعند البحث في الجذور (فعل) في المعاجم العربية التراثية نجد صيغاً وتصريفات كثيرة، ولكن صيغة (تَفَاعل) غير موجودة على الإطلاق، إلا بالمعنى الكيميائي.

            ومن غير المكن فهم الأدب التفاعلي[4] إلا على ضوء تحليل لفظة (التفاعلية) ، وتجلياتها المختلفة في الثقافة عربيا وغربيا، والتي تعددت المفاهيم التي قدمت تعريفا لها وفقا لمجالات التخصص المتنوعة التي يتوافر فيها نوع من التفاعلية، فهي "مفهوم متعدد الأبعاد والاستخدامات، فالتفاعلية تعدّ مفهوما تكامليا تهتم به العديد من التخصصات البحثية المختلفة، لذا فإن ما يعنيه متخصص المكتبات بالتفاعلية يختلف إلى حد كبير عما يعنيه باحث الإعلام أو مبرمج الكمبيوتر"[5]  .

      إن كلمة التفاعلية Interactivité مركبة من كلمتين في أصلها اللاتيني؛ أي من كلمة Inter وتعني بين أو فيما بين، ومن كلمة  ctivus ، وتفيد الممارسة في مقابل النظرية وعليه "عندما يترجم المصطلح  التقليدي L’interactivité من اللاتينية يكون معناه ممارسة بين اثنين أي تبادل وتفاعل بين شخصين"[6]  .

      وإذا عدنا إلى ما بين أيدينا من معاجم تراثية لنبحث عن لفظة(التفاعلية) وعن جذرها (فعل) فإننا نجد لهذا الجذر صيغا وتصريفات كثيرة، ولكن صيغة (تفاعل) غير مستخدمة بمفهومها المعاصر، كما أن اللفظة في العصر الحديث لا تستخدم إلا في نطاق ضيق يشير إلى ما هو كيميائي فيقال :" تفاعل المواد الكيميائية ".

           وتبقى التفاعلية "هي المطلب الرئيسي الذي يبحث عنه الكثير من المستخدمين بينما لم يدرك مفهومها إلا القليل جدا" [7] . فهي "الدرجة التي يكون فيها للمشاركين في العملية الاتصالية تأثير على أدوار الآخرين وباستطاعتهم تبادلها ويطلق عليها ( على ممارستهم) الممارسة المتبادلة أو التفاعلية" [8] . وهنا يجب التمييز بين التفاعلية في الاتصال الشخصي، والتفاعلية كمفهوم حديث مرتبط ارتباطا وثيقا بتكنولوجيا الاتصال الحديثة، فهي سمة طبيعية في الاتصال الشخصي وسمة مفترضة بالنسبة لوسائل الإعلام الحديثة وفي مقدمتها الإنترنيت، فالجمهور على الشبكة ليس مستقبلا للرسائل وإنما مرسل لها في الوقت ذاته هذا ما يؤدي إلى مستوى مرتفع في التفاعل.

                 فهي "من أهم سمات المجتمع المعلوماتي، وتعني قدرة مستقبل الاتصال على التعامل مع المشتركين الآخرين وتبادل ردود الأفعال المستمر لمعلومات ومكونات هذه الشبكة طبقا لما يرونه من رد الفعل. ولهذا تتميز التفاعلية بالتشبيك، بمعنّى الربط الكامل بين جُيع مستخدمي الشبكة "[9]  .من هنا نفهم أن معنى التفاعلية يكمن في التبادل والتفاعل، يتم من خلال الاتصال بين شخصين، إذن فهي فعل اتصالي قديم.

                لكن مفهوم التفاعلية في استعمالاته بالإشارة إلى الوسائط المتعددة، فيعتبر حديث العهد  نسبيا ووليد العلاقات بين الناس والآلات ، وإذا عدنا إلى مصطلح ( التفاعلية) في الإعلاميات فإنه ي عدّ بمثابة عملية التبادل أو الاستجابة المزدوجة التي تتحقق بين الامكانات التي يقدمها النظام الإعلامياتي للمستعمل والعكس، ويمكن التدليل على ذلك من خلال نقر المستعمل على أيقونة مثلا للانتقال إلى صفحة أخرى، كما أن الحاسوب يمكن أن يطلب من المستعمل فعل شيء ما، إذا أخطأ التصرف من خلال ظهور شريط يحمل معلومات على المستعمل الخضوع لها لتحقيق الخدمة الملائمة. وهناك معنى آخر للتفاعل أعم، وهو ما يتمثل في العمليات التي يقوم بها المستعمل وهو ينتقل بين الروابط لتشكيل النص بالطريقة التي تفيده"[10]  ، فهي اتصال تبادلي ذو اتجاهين من المرسل إلى المستقبل ومن المستقبل إلى المرسل، فهو اتصال يصعب فيه التمييز بين المرسل والمستقبل، والتفاعلية قد تكون تزامنية أو غير تزامنية ويشترط فيها وجود طرفي الاتصال ( المرسل والمستقبل) في آن واحد. لأنه وفي حال البريد الإلكتروني، مثلا، يعتبر أداة تفاعلية غير تزامنية لا يشترط فيها وجود طرفي الاتصال في آن واحد.

              ولذلك يرى البعض أن لفظة ( التفاعلية) "لا تعني القدرة على الإبحار في العالم الافتراضي وحسب، بل تعني قوة المستخدم وقدرته على التغيير فيه " [11] . ويكمن جوهر الاتصال التفاعلي في الاستجابة التي بدونها لا يتم  التفاعل، حيث تتوقف التفاعلية على سيطرة المستقبل على العملية الاتصالية، وهذا متاح من خلال استعمال تكنولوجيا الاتصال التفاعلي والذي بواسطته يستطيع المستقبل تعديل أو تغيير شكل ومضمون الرسالة الاتصالية الموجهة إليه من المرسل.

              وترى الباحثة ( فاطمة البريكي) أن التفاعلية نمط حياة ووسيلة للتعامل مع الأمور المختلفة التي تمر على الفرد بصورة دائمة، فمن كان شأنه التفاعل مع كل تفاصيل الحياة لابد أن يتفاعل على نحو لا إرادي مع ما يقدم له من نصوص أدبية أو غيرها ورقية كانت أو إلكترونية ، ومن كان شأنه تطوير أسلوب تفاعله مع هذه الأمور مع ما  يستجد بمرور الزمن من شأنه أيضا أن يطور تفاعله مع النصوص طالما تطورت طبيعة النصوص ذاتها، وتغيرالوسيط الحامل لها، والعكس بالعكس  .

      وتقدم الانترنت أشكالا متنوعة فيما يخص التفاعلية عبر شبكتها متمثلة فيما يلي:

      التفاعلية الإرشادية: هي التي ترشد المستخدم بالتوجه إلى الصفحة الموالية أو السابقة، أو العودة إلى -

      الأعلى أو إلى صفحة الاستقبال أو غيرها.

      التفاعلية الوظيفية:وهي التي تتم عبر البريد المباشر أو الروابط، أو مجموعات الحوار. -

      التفاعلية التكيفية: وهي التي تمكن موقع من المواقع أن يكيف نفسه مع سلوك المستخدمين أو الزائرين -

      بالنسبة للشركات والمؤسسات التي تقوم بالإعلان عبر الشبكة .

       

       . أبعاد التفاعلية ومستوياتها

      في الثقافة الغربية فإن للفظة حضور يظهر على مستويين:

      أولا: على مستوى النظرية النقدية.

      ثانيا: على مستوى الأدب الإلكتروني  .

      فعلى مستوى النظرية النقدية نجد للقارئ والمتلقي حضورا متميزا "في المفاهيم النظرية والإجرائية في اتجاهات نقد استجابة القارئ أو اتجاهات ما بعد البنيوية كالتفكيكية والتأويلة والسيميولوجية والقراءة والتلقي وشكلت فاعلية القراءة المهمة المركزية للنقد المتمحور حول القارئ " .[12]

              وأما على مستوى الأدب الإلكتروني فإن مصطلح التفاعلية هو أبرز مصطلح تحمله الأجناس الأدبية الإلكترونية كالقصيدة التفاعلية Interactive Poème والرواية التفاعلية Interactive Novel والمسرحية التفاعلية Interactive Théâtre ، والمقالة التفاعلية وغيرها. ولكل جنس من هذه الأجناس الأدبية التفاعلية أعلام نظّروا له، وأرسوا أصوله، وبيّنوا أهم خطوطه وملامحه، وأبدعوا نصوصه الأولى، التي تعدّ من كلاسيكياته. وسنتوقف عند بعض النماذج الممثلة لكل جنس من هذه الأجناس الأدبية التفاعلية.

                  وتجدر الإشارة أن استخدامها في أي من هذين المستويين لا يفضل استخدامها في الآخر، بل إنها تمثل ركيزة أساسية في المستويين معاً، في حين تجد لها حيزاً مقبولاً في الثقافة العربية على المستوى الأول، ولا تكاد تجد لها مكاناً يذكر على المستوى الثاني.

      وقد قسم الباحثون خيارات التفاعلية في الانترنت إلى ثلاثة أشكال هي[13]  .

      ü التفاعلية الارشادية Navigational Interactivity ، وهي التي ترشد المستخدم إلى "الصفحة التالية" أو "العودة إلى أعلى" ... وهكذا.

      ü التفاعلية الوظيفية Foctional Interactivity ، وهي تلك التي تتم عبر البريد المباشر والروابط Links ومجموعات الحوار News groups .

      ü التفاعلية الكثيفة Adaptec Interactivity ، وهي تلك التي تقدم غرف المحادثة، وتتيح لموقع الانترنت أن يكيف نفسه لسلوك المتصفحين الزائرين.

       

      مظاهر التفاعلية في الأدب:

       

             تعتبر الانترنت أداة اتصالية تفاعلية واسعة الانتشار ساهمت في توفير خدمات كبيرة في مجال الاتصالات، استطاعت من خلالها أن تلغي المسافات الجغرافية فيما بين البلدان، وبالتالي صارت تتيح للإنسان الاطلاع على أحداث العالم وتطوراته، وتمكنه من تبادل المعلومات في شتى المجالات أين وحيثما وجد، ولكن شريطة امتلاك القدرات التقنية والفكرية .

              كما أتاحت تكنولوجيا شبكة الانترنت وبروتوكولاتها العديد من أدوات الاتصال والتفاعل، وقد أصبح للمتلقي علاقة نشطة مع الأدب التفاعلي الذي يطالعه ويتفاعل معه، وهذا عن طريق أدوات البريد الإلكتروني،

      ومنتديات النقاش، والمدونات الشخصية:

                    أولا، البريد الإلكتروني  ( Electronic mail) e-mail الذي يتصدر أدوات الاتصال والتفاعل في الوسائل الجديدة، نظرا لما يتمتع به من مزايا تتمثل في سهولة استخدامه، وتوفير إمكانية تبادل المعلومات والآراء،

      وطلب المساعدات، وتقديم النصح والإرشاد إلى المتلقي بالإضافة إلى تبادل الرسائل مع المحرر والمجموعات، سواء كانت هذه الرسائل في رموز نصية أو مصورة، ومع أن هذه الأداة لا توفر التفاعل المتزامن نظرا لوجود فروق زمنية بين إرسال الرسالة واستقبالها والرد عليها، فإهاا تتمتع بعدد من المزايا التي تزيد دافعية استخدامها، وأهمها سرعة تبادل الرسائل مع الإفراد مهما تباعدت المسافات، وانخفاض التكلفة، وإمكانيات إرسال رسالة واحدة إلى العديد

      من الإفراد في أماكن متفرقة في العالم في الوقت نفسه، وإمكانية ربط ملفات إضافية بالبريد الإلكتروني، بجانب تهيئة المتلقي نفسه لقراءة الرسالة والرد عليها في الوقت الذي يناسبه  .

               ويعتبر البريد الإلكتروني إحدى وسائل تبادل الرسائل بين الأفراد والمنظمات، ويتم هذا التبادل والإرسال بسرعة وكفاءة وفعالية كبيرة، عن طريق استغلال إمكانيات الشبكات المختلفة، ويتميز بإتاحة أنماط أخرى للإرسال، مثل: إرسال نفس الرسالة لعدد كبير من المشتركين  . كما يسمح الاتصال عن طريق البريد الإلكتروني للمستخدمين بإرسال الرسائل النصية أو جداول إلكترونية أو رسومات أو أصوات أو فيديو أو صور من شخص لآخر، عبر سلسلة الحاسبات الآلية المتصلة بالأنترنت، ويعتبر وسيلة ملائمة وسريعة لإمداد المعلومات، بالإضافة  إلى أنه منخفض التكلفة. وعليه، يعتبر البريد الإلكتروني من أولى وأهم الخدمات التي تحقق التفاعلية في استخدامات الانترنت.

              ثانيا، المنتديات الأدبية الإلكترونية: وتمتاز بأن عضويتها لا تتطلب أوراقاً ثبوتية، وفيها يفتح باب النقاش حول النصوص كتابة. وتتيح شبكة الانترنت الفرصة لمستخدميها لتبادل الآراء والأفكار حول الموضوعات المختلفة، مستخدمة بذلك البريد الإلكتروني لإنشاء مجموعات نقاش تتسم بالعالمية. فهي وسيلة من وسائل تحقيق التفاعلية بين مستخدمي الانترنت.

             ثالثا، المدونات : Blogs ، وهي تعني المفكرة الشخصية التي توضع على شبكة الانترنت، حيث يضع فيها الشخص أفكاره ووجهات النظر حول الأحداث، وتحمل أماله وآلامه وهمومه وأفراحه وغير ذلك، فهي فضاء للتعبير الحر، يمتلكها أناس محترفون وآخرون من ذوي الاهتمامات الأخرى. وقد كان للمدونات تأثير كبير في الترويج للنصوص الأدبية، ونشرها. ولقد استعملت المواقع الإلكترونية هذه الخدمات بكثافة، رغبة منها في منح الفرصة للمشتركين في صناعة المحتوى، وكذلك خلق المستخدم المتفاعل والمتجاوب مع النصوص.

      يتكون مصطلح  (المدونة ) من مفردتين Web و log بمعنَّ سجل أو كراسة الشبكة، أو مذكرات الأنترنت، ويطلق عليها اختصارا blog ، ومنها مصدر التدوين blogging ، وهو المصطلح الأكثر قبولا وانتشارا حتى الآن. وتظهر المدونة في شكل صفحة عنكبوتية تضم تدوينات مختصرة ومرتبة زمنيا وتصاعديا. وهي عبارة عن مواقع خاصة بالأشخاص أو المؤسسات، تصاحبها آلية لأرشفة التدوينات القديمة، ويكون لكل مدخل منها عنوان إلكتروني URL دائم لا يتغير منذ لحظة نشره على الشبكة، وغالبا ما تتضمن روابط فائقة تنفتح على معلومات متاحة على مواقع أخرى على الشبكة. ويمكن للمدونات الإلكترونية أن تحتوي على المذكرات اليومية لصاحبها، أو على مقالات وتعليقات وأخبار وأحداث وتقارير. وهي عادة ما تكشف على قدر أقل من الحياة اليومية لكاتبها. ويمكن أن تكون المدونات الإلكترونية منوعة؛ إذ تضم مزيجا من أنواع المدونات المذكورة أعلاه. و توجد كذلك مدونات إلكترونية جُاعية يسهر عليها عدد من الأشخاص.

               رابعا، الصالونات الأدبية الإلكترونية (الحوارية): وفيها يمكن التواصل بالصوت والصورة، لتقام ندوات أو مؤتمرات علمية متخصصة، يشارك فيها علماء ومختصون من جُيع أنحاء العالم، دون أن يغادروا بلدانهم.

             خامسا، المواقع الأدبية الإلكترونية: وبعضها تنش ؤه مؤسسة ما، وبعضها شخصي الملكية، وعام المحتوى قد

      تبدو هذه المظاهر بسيطة إلى حد ما، لا تتجاوز كوهاا صيغة إلكترونية لنماذج ورقية، لكنها تتميز بعدد من المزايا السهولة والسرعة في عمليتي النشر والتواصل، ومن ثم توفير الوقت وجهد التنقل، واختصار الزمن والمسافة، وفتح المجال للتواصل الثقافي بين الأمم والحضارات المختلفة، وأخيراً إتاحتها لبقاء النص.

              سادسا، المجلات الأدبية الإلكترونية  (والصفحات الأدبية في الجرائد الإلكترونية). هي مجلة تعالج موضوعاتها وتنشرها إلكترونيا باستخدام الوسائط المتعددة، وقد تتوفر على نسخة مطبوعة، ويشرف على إصدارها مؤسسات علمية أكاديمية أو مؤسسات عامة أو أفراد، ويطلع عليها القراء إلكترونيا للتعرف على أحدث الأبحاث والدراسات والموضوعات العلمية. وبصفة عامة فإن المجلة الإلكترونية تحتفظ بمواصفات المجلة المطبوعة وتضيف إليها مميزات واستخدامات جديدة، من بينها النصوص الترابطية، ويمكن استخدام أساليب البحث المتعددة للاطلاع على محتوياتها. وتقدم أنواعاً متعددة من الأنشطة من بينها التفاعل بين مؤلفي المقالات والناشر والقراء، كما تسهل استكشاف المفاهيم بالتفاعل واستخدام وصلات الترابط للتعرف على الموضوعات ذات الصلة بالنص المعروض على الشاشة. وتتمثل إحدى أهم خاصيات المجلات الإلكترونية في فهرسة موضوعاتها وأعدادها، وتمكن هذه الفهرسة القارئ من البحث عن المقالات سواء تعلق الأمر بعدد واحد أو بكل الأعداد الصادرة بطرق متعددة: بواسطة اسم المؤلف أو عنوان المقال أو بكلمة واحدة منه، وهو الأمر الذي جعل منها مصد اًر من مصادر المعرفة والبحث بالنسبة للباحثين .

                إن المظاهر التي مرّ ذكرها (المنتديات والصالونات، والمواقع والمجلات الأدبية الإلكترونية، والكتاب الإلكتروني) تمثل الإفرازات الأولى (البدائية) لتقاطع الأدب مع التقنية، وقد مهدت لمولود جديد هو (الأدب التفاعلي(.


       



      [1] حجاب، محمد منير: المعجم الإعلامي. دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004 ، ص 747 .

      [2]  محمود علم الدين: تكنولوجيا المعلومات والاتصال ومستقبل صناعة الصحافة. ط 1، دار السحاب للنشر والتوزيع، 2005 ، ص 177 .

       

      [3]  ينظر: عبد الباسط محمد عبد الوهاب: استخدام تكنولوجيا الاتصال في الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، دراسة تطبيقية ميدانية. المكتب الجامعي الحديث، اليمن، 2005 ، ص 260

      [4] تتعدد المصطلحات التي يستخدمها الباحثون والنقاد العرب المعاصرون للدلالة على هذا النوع من الإبداع، ومنها: الأدب التفاعلي، والأدب الرقمي، والأدب الافتراضي، والأدب الإلكتروني، والأدب المعلوماتي وغيرها.

      [5] حجاب، محمد منير: المعجم الإعلامي، نفسه، ص 747 .

      [6] زعموم خالد، بومعيزة السعيد: التفاعلية في الإذاعة، أشكالها ووسائلها. اتحاد إذاعات الدول العربية. تونس، 2007 ، ص 25 .

      [7] شفيق، حسين: الإعلام الالكتروني بين التفاعلية والرقمية. رحمة برس للطباعة والنشر، 2007 ، ص 29 .

      [8] حجاب، محمد منير: الموسوعة الاعلامية. مصدر سابق، ص 746 .

      [9] حجاب، محمد منير: المعجم الإعلامي. مصدر سابق، ص 156 .

      [10] يقطين، سعيد: من النص إلى النص المترابط مدخل إلى جُاليات الإبداع التفاعلي . ط 1، المركز الثقافي العربي، المغرب، لبنان،

      2005 ، ص 259 .

      [11] البريكي، فاطمة: مدخل إلى الأدب التفاعلي. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ، المغرب ،ط 1 ، 2006 ، ص 63

      [12] موسى صالح، بشرى: نظرية التلقي: أص ول وتطبيقات. المركز الثقافي العربي، المغرب، لبنان ،ط 1 ، 2001 ، ص 40 ، 41

      [13] العربي، محمد عثمان: الانترنت، الاستخدامات والانتشار في السعودية. بحث مقدم إلى مؤتمر ثورة الاتصال والمجتمع الخليجي،

      الواقع أو الطموح، جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2002 ، صص 6 ، 7 .

       


  • المحاضرة الأولى

  • المحاضرة الثانية : الفتح الإسلامي للمغرب

     الفتح الإسلامي للمغرب ترجع المحاولات الأولى للفتح إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينما فتح المسلمون مصر..
    • المحاضرة الثانية : الفتح الإسلامي للمغرب

      ترجع المحاولات الأولى  للفتح إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب  رضي الله عنه، حينما فتح المسلمون مصر، فبعد أن أتم فتح مصر سنة 20 هجرية فكر عمرو بن العاص في متابعة الفتح لشمال افريقية, «فاستأذن الخليفة عمر فنهاه عن ذلك وامتثل الأمر وبقي واليا على مصر حتى مات عمر وخلفه عثمان بن عفان رضي الله عنه »[1] وبعد تولية الخليفة عثمان بدأ في إستكمال ما بدأه سلفه, فأمر عامله عبد الله بن سعد بن أبي سرح بمواصلة الفتح سنة25 هجرية.

       خرج عبد الله بن سعد إلى إفريقية وكان صاحبها يوم ذاك بطريق يسمى "جرجير" وكان سلطانه من طرابلس إلى طنجة, «والْتقى به في مكان يعرف "بسبيطلة" وقتل قائد الروم في هذه المعركة على يد عبد الله بن الزبير»[2] رغم عدة جيشه وعدده, ولما انهزمت جيوش جرجير سار عبد الله بن أبي سرح حتى نزل مدينة قرطاجنة  حصن الروم فحاصرها حتى فتحت, ثم بلغت جيوشه قصر قفصة، وبهذا تم إذلال الروم بإفريقية ورعبوا رعبا شديدا.

       ولا شك أن هذه المعركة كانت حاسمة وفاصلة بين الجيش الإسلامي وقوات الروم التي كانت على أهبة الاستعداد حيث كان تعدادها يتكون من مائة وعشرين ألفا من الفرنج والروم والبربر وملوكهم وعدد المسلمين يومئذ عشرون ألفا, وبحسمها حقق عبد الله بن أبي سرح نتائج إيجابية أهمها فتح سبيطلة وقفصة وحصن الأجم, وأذل الروم والبربر وأهم من ذلك قبول بعض ملوك البربر الإسلام, وتعتبر هذه من أهم نتائج هذه الغزوة ومكسبا كبيرا للإسلام والمسلمين[3].

      وقد اكتفى عبد الله بن أبي سرح بالمعاهدة والصلح، ولم يترك حامية استطلاعية هناك, ولعله اعتمد ذلك لما رأى قبول بعض قبائل البربر الإسلام  ولذلك عاد إلى مقر ولايته في مصر سنة 28 هجرية غير أنه «عاد لمواصلة فتح افريقية سنة 33 هجرية مرة ثانية حين نقض أهلها العهد مما يدل على أن ابن أبى سرح حاول أن يحتفظ بإفريقية تابعة للمسلمين عن طريق المعاهدة والصلح فلما نقضت العهد غزاها ثانية  [4]  .

      غير أن ما جد من حوادث في مركز الخلافة الإسلامية قد حال بين المسلمين وبين الاحتفاظ بما تم فتحه أو مواصلة الفتح، فقد عصفت بذلك الفتنة التي أحاطت بعثمان بن عفان  وتوقفت بسببها الفتوحات الإسلامية و استمر ذلك التوقف خلال فترة الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبـي سفيان، ولم تخمد تلك الفتنة التي استعرت في المشرق من أجل الخلافة إلا بانعقاد البيعة لمعاوية ابن أبي سفيان شقيق أم حبيبة إحدى أمهات المؤمنين، وكان هذا بعد اغتيال أمير المؤمنين الخليفة الثالث علي بن أبي طالب_t_ سنة 40 هجرية، عند ذلك توجهت الأنظار إلى تجديد الفتوحات الإسلامية في إفريقية بعد أن تعطلت طوال عهد الانشقاق الذي استمر ثماني سنوات، ولم يتفرغ به معاوية لهذا الأمر إلا بعد ما توطدت الخلافة، واستخدم معاوية بن حديج الكندي على ولاية مصر وتم ذلك سنة 45 هجرية[5].

      باشر ابن حديج الفتوحات ولمّا بلغ افريقية واجه ثورة البربر الساخطين على العرب كما واجه الامدادات العسكرية الهائلة التي أرسلها قسطنطين الثاني من روما إلى هذه البلاد وفي هذه الظروف تمكّن معاوية بن حديج الذي كان رفقة كل من عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير و عبد الملك بن مروان ويحي بن الحكم بن العاص وغيرهم من أشراف قريش الذين أبلوا بلاء حسنا في هذه المعارك وتمكن جيش ابن حديج من إخماد ثورة البربر ودك حصون الروم وفتح حصن"جلولاء"و الانتصار على جيش البيزنطيين[6].

      وفي سنة 50 ه عزل الخليفة معاوية بن أبي سفيان عامله على افريقية معاوية ابن حديج وعيَّن مكانه عقبة بن نافع الفهري الذي كان عاملا على" برقة" و"زويلة " في ولاية أولى، ولما وصل إفريقية رأى أن كثيرا من البربر ارتدوا فقرّر إرجاعهم إلى الحق، وحملهم على الاهتداء برسالة الإسلام القائمة على تحرير المخلوق من عبادة العباد إلى عبادة خالق العباد، وجعل الناس سواسية في الحقوق و الواجبات و حارب بذلك البربر وانتصر عليهم[7]، وظهرت عبقرية عقبة بن نافع في أثناء حملاته على بلاد المغرب جلية حينما رأى أن فتح تلك البلاد ينبغي أن يتم في إطار خطة تقوم على تأسيس قاعدة ثابتة يستقر فيها المسلمون، يتجمّعون فيها ويستمجعون قواهم ويتزودون، ومنها ينطلقون لمتابعة الفتح، وبعد مشاورة أهل الرأي وقع اختياره على مكان لهذه القاعدة سماه القيروان «وشرع في بنائها بعد قضائه على مقاومة البربر والروم سنة50هجرية واشتغل عقبة بن نافع بتأسيس القيروان أربع سنوات أو تزيد قليلا»[8].

      لقد كان تأسيس القيروان اعلانا عن مرحلة جديدة في فتح شمال افريقيا، فقد خدمت جميع مقاصد المسلمين : « فتأسيس مدينة القيروان كان لهدف ديني و لهدف عسكري وحربي »[9]، وما  يدل على نبل مقصد عقبة بن نافع في هذا السعي أنها أصبحت مركزا علميا مملوء بالعلماء والفقهاء والمطيعين لله ، لكن الخليفة معاوية استعمل عاملا جديدا على مصر وهو "مسلمة بن مخلد الأنصاري" ، فعيّن الأخير"أبا المهاجر دينار" على إفريقية وعزل عقبة بن نافع و كان ذلك سنة 55 هجرية[10].

      وفي سنة 60 هجرية توفي معاوية بن أبي سفيان، و أفضت الخلافة إلى ابنه يزيد فاستعمل عقبة ثانية على إفريقية، وقيل أنّه لما وصل إلى القيروان« قبض على أبي المهاجر دينار وأوثقه في الحديد و استخلف بها زهير بن قيس البلوي »[11] سار عقبة باتجاه المغرب الأوسط مندفعا بقواته يحرز الانتصارات حتى وصل إلى المغرب الأقصى بعد أن خاض معارك ضارية في" باغاية" و "لميس "و" الزاب" و" تاهرت" وقد أظهرت هذه المعارك أن البيزنطيين قد عادوا إلى التحالف مع جماعات البربر المعروفة باسم" البرانس" لتكوين جبهة مقاومة في المغرب الأوسط[12]، ويرى بعض الدارسين أن عقبة لم ينتهج سياسة الملاينة  كسلفه أبي المهاجر دينار ولم يبادر الى التقرّب من البربر وملوكهم، وذلك ما أثار حفيظة البربر وجعله يفقد عنصرا هاما من عناصر النجاح، حيث أعطى تشدده مع البربر و خاصة مع زعيمهم كسيلة فرصة للروم البيزنطيين ليجددوا ما كان بينهم وبين البربر من تحالف ليصبحوا جبهة واحدة ضد المسلمين[13].

      بلغ عقبة المحيط  فدخل فيه حتى بلغ الماء بطن فرسه ثم رفع يديه إلى السماء وقال:« اللهم فاشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يُعبد  أحد من دونك »[14] وبعد أن تمت لعقبة هذه الانتصارات الهائلة في بلاد المغرب أقام  فيها ميزان العدل وأذاق الأهالي الذين أنقذهم من سلطة الروم طعم الحرية وأطلق  ألسنتهم المعقدة بذكر الله وطهرها من الأوثان فواصل السير إلى طبنة وهي على ثماني مراحل من القيروان وعندها توقف وأمر الجنود أن يتقدموه إلى القيروان فوجا بعد فــــوج وواعدهم بأن يلتحق بهم وهو مطمئن لولاء المغاربة . وكان عقبة قد اصطحب معه كسيلة في حملته إلى المغرب ليستعين به، لكن قيل بأنه كان يمتهنه أحيانا لذلك أضمر"كسيلة" الغدر[15].

      وفي الطريق سنحت فرصة لكسيلة للفرار وتربص لعقبة بمكان قرب بسكرة يقال له "تهودة" فالتحم المسلمون والبربر, «واستشهد عقبة بن نافع وأبو المهاجر ومن كان معهما ولم يفلــــت إلا القليــــل»[16] وكان هـــذا سنة 64 هجرية .

      كان لنبأ استشهاد عقبة وقع أليم في نفوس المسلمين خاصة في قاعدته التي بناها القيروان, وفي خضــــم هذه الأحداث العصيبة رأى زهير بن قيس البلوي قائد القيروان أن كسيلة لن يلبث أن يهاجمه وانه لن يستطيع له دفعا فانسحب ومن معه إلى جنوب طرابلس .

      وفي نفس السنة التي استشهد فيها عقبة مات الخليفة يزيد بن معاوية وخلفه" مروان بن الحكم" لمدة وجيزة ثم آل الحكم إلى الخليفة"عبد الملك بن مروان" الذي تربع على العرش سنة 65 هجرية فقرّر أن يأخذ بثأره من كسيلة, وأن يستعيد إفريقية فأعطى أوامره  لزهير بن قيس البلوي الذي كان يراقب الأحداث من برقة بالتوجه إلى إفريقية, فزحف زهير للثأر بدم عقبة سنة 67 هجرية  .

      واحتشد كسيلة وكثير من البربر واقتتل الفريقان، وانهزم البربر وقتل كسيلة وعدد كبير منهم وفي هذه المعركة ذل البربر و فنيت فرسانهم و رجالهم وخضدت شوكتهم واضمحل أمر الفرنجة[17]، ورأى زهير أن الخطر قد زال وأن « الأمن قد استتب فزهد في الإمارة وارتحل من القيروان مشرِّقا فاستشهد ببرقة مقاتلا للروم»[18]، وما إن بلغت الأنباء أسماع الخليفة عبد الملك بن مروان بمقتل زهير بن قيس البلوي حتى جهّز جيشا كبيرا قوامه أربعين ألف مقاتل ووضعه تحت قيادة" حسان بن النعمان الغسّاني" و سيّره إلى إفريقية، فدخل القيروان وغزا قرطاجنة و افتتحها عنوة[19].

      وصلت حسّان بن النعمان انباء عن امرأة تدعى الكاهنة تكن العداء للمسلمين، قد بسطت نفوذها بناحية الأوراس بالمغرب الأوسط، يطيعها البربر ولا يخالفون أمرها، فتأهّب حسان إلى لقائها، واتجه إلى المكان الذي تجمعت فيه جيوشها قرب نهر مسكيانة، وعند احتدام القتال « انهزم حسان ومن معه من المسلمين وقتلت الكاهنة كثيرا من العرب و أسرت ثمانين رجلا »[20] ولما علم عبد الملك بخبر الهزيمة فكر في الأمر واستشار  فيمن يخرجه إلى إفريقية بديلا عن حسان لكنّه رأى ان يستبقيه ويمدّه بالقوّة، فوجه إليه عسكرا عظيما ومالا وسلاحا وأمره بإعادة الكرة ثانية فزحف إليها وأفلح في التخلص منها سنة 84 هجرية،  وبموتها يدخل المغرب مرحلة جديدة فقد أذعن البربر  واستتب الأمر نسبيّا للمسلمين، وبعدها عمل حسان على نشر العلم والمعرفة وأشرك البربر في الحكم وعقد لأكبر ابني الكاهنة على جبل أوراس وجنّد من البربر الآلاف ممن أجابوا دعوته و أسلموا على يديه وانصرف حسان إلى القيروان ودانت له إفريقية، فدوّن الدواوين، ونظّم الخراج وقد استقامت له البلاد فلا يغزو أحدا ولا ينازعه أحد[21].

      ويمكن القول أنه على يد القائد حسان بن النعمان تم الفتح الإسلامي لديار المغرب عسكريا وسياســــيا ودينيا، ولما أكمل المهمة تم عزله وارتحل إلى المشرق، لم يستقر الوضع بالمغرب قليلا حتى اضطرب حبل الأمن وكثرت الفتن وكادت جهود القائد السابق تذهب هباء لولا أن تداركها الله بمجيء موسى بن نصير[22] الذي تقلّد الولاية في أوائل خلافة الوليد بن عبد الله سنة 88هجرية، فعمل أيضا على نشر العلم وأشرك البربر في الحكم و الجيش وطلب من الفقهاء نشر العلم وشرح مبادئ الإسلام، ثم قام بفتح المغرب الأقصى حتى شواطئ المحيط.

      وقد توالى على افريقية وبقية ارجاء المغرب بعد موسى بن نصير الولاة ، فولي محمد بن يزيد القرشي في عهد سليمان بن عبد الملك سنة 97 هجرية وظل في منصبه حتى وفاة الخليفة فعُزل[23]، و استعمل الخليفة عمر بن عبد العزيز على إفريقية إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الذي اجتهد في تعليم أهل المغرب بفضل من رافقه من التابعين، وبعده عُيِّن يزيد بن أبي مسلم الذي اشتهر بظلمه وجوره مما أثار غضب أهل المغرب فقتلوه في مصلّاه، ثم خلفه بشر بن صفوان[24] الذي ولي إفريقية من سنة 103 إلى 109 هجرية وتلاه على ولاية إفريقية عبيدة بن عبد الرحمن السليمي، وفي سنة 117 هجرية عزله الخليفة هشام بن عبد الملك وولّى مكانه عبيد الله بن الحبحاب الذي عرف هو وعماله بالجور والظلم[25].

      وظلت بلاد المغرب تابعة للخلافة الإسلامية بالمشرق منذ دخلها عقبة بن نافع إلى أن زالت دولة بني أمية سنة 132 هجرية، ولما انتقلت الخلافة إلى بني العباس وانتقل مركزها إلى بغداد، بدأت تظهر حركات انفصالية في بلاد المغرب منذرة بدخوله عهدا جديدا، عرف خلاله تأسيس عدة دول مستقلة سنتطرق لها ونتعرف على ظروف نشأتها وعلى نشاطها الفكري  والثقافي.

       وهكذا يبدو أن الفتح الإسلامي للمغرب قد غير الحياة به تماما، بعكس الغزو الفينيقي أو الروماني أو البيزنطي الذي لم يمس الحياة المغربية في صميمها، حيث أن جيوشها كانت مجرد جيوش احتلال ليس لها أثر ولا تأثير على أهل المغرب، أما المسلمون فقد نقلوا الحياة المغربية إلى وضع جديد[26] فكان الانعطاف التاريخي الذي تغير به المجتمع اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ودينيا  وأصبحت بلاد المغرب جزءا لا يتجزأ من دولة الإسلام .

      وكان من نتائج الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، تطور المجتمع المغربي وتغير عاداته وتقاليده بعد اندماج أهله بالوافدين، وبدأت حركة الاستعراب وانتشار اللغة العربية لغة شعائر الدين الجديد وانتشر الإسلام بين البربر بعد توطيد العلاقات وكان لإرسال الخلافة في المشرق بعثات الفقهاء و العلماء مساهمة كبيرة في نشر روح الإسلام و مبادئه السمحة التي أحدثت تطورا في حياة الناس وقلبت كثيرا من المفاهيم التي كانت سائدة إلى مفاهيم إسلامية جديدة مثل تحرير العقل وصون النفس، والانتقال من مجتمع القبيلة إلى الأمة، وتنظيم العلاقات بين العبد وربه وبين العبد والدولة وبين العباد في سائر شؤون الحياة وبناء الأسرة بناء صحيحا. وقد أحدث الفتح تغييرا شاملا في المجتمع المغربي، فأسلمت المنطقة وانتشرت العربية واندمجت عقليات البربر و العرب، وظهر منهم فقهاء وشعراء و خطباء[27] .

       

       



      [2] ابن عذارى المراكشي:البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب،ج1،تحقيق ج.س.كولان و إ.ليفي بروفنسال,دار الثقافة ، بيروت ، لبنان،ط3، 1983، ص 9 .

      [3] المصدر نفسه ، ص 12 .

       

      [5]   ينظر: ابن عذارى المراكشي : البيان المغرب ، ج 1 ، ص 17،16 .

      [6] ينظر: المصدر نفسه :  ص 16.

      [9] محمد محمد زيتون : القيروان ودورها الحضاري ، ص 72 .

      [10] ينظــر: محمد الطمار :تلمسان عبر العصور ،ص 14 .

      [12] ينظـــر : ابن عذارى المراكشي : البيان المغرب، ج1، ص 24  .

      [13] محمد عيسى الحريري : الدولة الرستمية بالمغـــرب الإسلامي، ص30 .

      [14] أبو بكر عبد الله بن محمد المالكي: رياض النفوس، ج1، تحقيق ومراجعة بشير البكوش ومحمد لعروسي، دار الغرب الإسلامي ،بيروت،لبنان،ط1994،2،ص39.

      [15] ينظر: محمد عمرو الطمار: تلمسان عبر العصور، ص 16.

      [16] عبد العزيز الثعالبي: تاريخ شمال إفريقيا من الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة الأغلبية ، ص 54 .

      [17]  ينظر: أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم الرقيق: قطعة من تاريخ افريقية و المغرب ، ص20 ،  وعبد العزيز الثعالبي : تاريخ شمال إفريقيا، ص 57،58.

      [19] ينظر: ابن عذارى المراكشي: البيان المغرب ، ج1 ، ص 16،  وعبد الرحمن بن محمد الجيلالي : تاريخ الجزائر العام ،ج1 ، ص179، 183   .

      [20] ) ابن عذارى المراكشي : البيان المغرب ، ج1 ، ص25 .

      [22] ينظر:مبارك محمد الميلي: تاريخ الجزائر في القديم والحديث ، ص 34 .

      [23] ينظر: ابن عذارى المراكشي: البيان المغرب ، ج1 ، ص 48 .

      [24] المصدر نفسه:ج1 ، ص 46 ، 47 .

      [25] محمد علي دبوز: تاريخ المغرب الكبير،ج2 ،مصر ، ط1963،1،ص 222.


  • Topic 3

  • Topic 4

  • Topic 5