المحاضرة الثانية :
- دور القصة الشعبية-
بدأت الجهود تتجه إلى هذا التراث الشعبي و تعيد النظر فيه و تقومه من النواحي التاريخية و الأدبية و الاجتماعية و الفكرية بوجه عام.
و قد بدأ الاهتمام في الجزائر بهذا التراث مؤخرا، جمعا ودراسة و نقدا و نشرا أيضا سواء منه ما كان يستخدم لغة الشعر أو النثر، و بدأ الباحثون في الجامعات الجزائرية يوجهون عنايتهم لهذا الموضوع، و خاصة ما كان له صلة بالتاريخ و البطولات و الثورات التي أثمرت ملاحم و قصصا بطولية و عبرت عن روح الشعب و عن أحلامه و أشواقه: على أننا لا نريد نعرض لهذا الموضوع فهو خارج عما نحن بصدد الحديث عنه، و هو القصة الشعبية التي لا نريد أن نعرض لما يتصل بها من قريب أو بعيد بالتفصيل، و إنما نستهدف من وراء هذا العرض رسم الخطوط العريضة لمسار القصة الشعبية في التراث الأدبي الجزائري الشعبي.
و نحن نعمم مفهوم القصة الشعبية على الأشكال التي استخدمت الأسلوب القصصي من سرد وحوار و حديث عن الشخصية و التركيز عليها أو على الحادثة، و سواء كانت مجهولة المؤلف – و هو شرط في اعتبار القصة شعبية – أو معروفة المؤلف، و سواء ارتبطت هذه القصة بالتاريخ أو بالوقائع أو بالأسطورة أو بالدين أو بغيره، مما يدخل في مفهوم مصطلح الحكاية الشعبية.
و يمكن التميز بين ثلاثة أنواع في القصة الشعبية الجزائرية من حيث الموضوع و المؤلف و أسلوب التعبير، و من حيث الوظيفة لهذه الألوان القصصية:
فالنوع الأول هو ما يتدرج في إطار السير الشعبية أو قصص البطولات العربية مثل سيرة (عنترة ) و (سيف بن ذي يزن) و (سيرة الهلاليين) و (الزناتي خليفة) و قصة (الجارية و ذياب الهلالي) و هذا النوع من القصص انتشر في الجزائر منذ الفتح العربي بواسطة الفاتحين الأوائل أو عن طريق القوافل التجارية أو الرحالة أو الحجاج أو عن طريق الهجرات المختلفة و خاصة الهجرة المشهورة لقبائل بني هلال و سليم، أو بواسطة الكتب التي تعنى بالتاريخ الإسلامي و البطولات العربية.
و قد ذاع هذا النوع من القصص بين الجماهير الجزائرية تنشده و تنسج على منواله، وتخصص فيه (المداحون) و(المنشدون) و (الرواة) يعدلون فيه و يضيفون إليه حسب المناسبات و حسب الظروف و الأحوال، و غالبا ما يكون الهدف من إذاعته و نشره هو التكسب أو التسلية و الترفية أو إثارة النخوة القومية كما سبق أن ذكرنا.
أما النوع الثاني من هذه القصص فهو ما يدور حول الدين أو الخرافة أو السحر أو الحيوان أو حول الأمثال و نقد المجتمع أو حول الأخلاق و المواعظ و غيرها مما يسير على هذا النسق.
أما النوع الثالث من القصة الشعبية فهو الذي ألفه بعض الجزائريين، و نحن ندخله ي إطار القصة الشعبية نظرا للأسلوب الذي كتب به و نظرا لأحداثه و ارتباطها بالقصص الشعبية مثل (ألف ليلة و ليلة).
و جملة القول فإن القصة الشعبية الجزائرية على اختلاف مضامينها و أساليبها و أشكالها لعبت دورا واضحا في ملء الفراغ الأدبي في فترة ضعف فيها الأدب العربي كما أنها عبرت عن روح الشعب الجزائري و تعلقه بماضيه و دفاعه عن جوده و كيانه.
- المقال الأدبي-
اختصرنا في الحديث في هذا الجانب على المقال الصحفي و المقال الأدبي من حيث النوع.
إن المقالة الأدبية جاءت متأخرة عن المقال الصحفي، فإذا كان الدارسون يذهبون إلى أن المقال الصحفي قد نشأ في منتصف القرن الماضي، فإن المقال الأدبي في تقديرنا يرجع إلى هذا القرن، ذلك أن الصحافة العربية في الجزائر في القرن التاسع عشر كانت تخضع لإشراف الإدارة الفرنسية أو لمستشرقين و الذي كان يعني هؤلاء جميعا هو الخبر يساق في أسلوب بسيط ليصل إلى الناس، ثم أن الكتاب الجزائريين ما كان يمكن لهم في هذا الجو أ، يعبروا عن إحساسهم و مشاعرهم سواء فيما يتصل بالمجتمع و قضياه أو فيما يخص الطبيعة و الحياة بوجه عام،و إنما تم ذلك حين نشأت الصحافة الوطنية في بداية هذا القرن و أنشأ الجزائريون صحفا تعبر عن أفكارهم و مواقفهم و تعبر بالتالي عن ذواتهم و آرائهم فيما يتعلق بالشعب الجزائري و مطالبه.
و لا شك أن ظهور الصحافة الوطنية في وقت متأخر يرجع إلى أسباب كثيرة، من بينها انعدام الحرية تحت الاحتلال، فالمصادرة للحريات السياسية و التعبير و الاجتماع و النشر كانت من بين العوامل التي أخرت ظهور الصحافة الجزائرية قبل هذا القرن، التأثير في الوجدان، ثم التعبير عن الذاتية أو شخصية أضف إلى ذلك مشكلة الطباعة و النشر، فإن هناك عوامل أخرى أسهمت في ظهور المقال الأدبي، مثل الصلة بالمشرق و اقتفاء الكتب و الأدباء لأثر المشارقة إلى جانب الحركات السياسية و الإصلاحية التي لعبت دورها في هذه اليقظة الفكرية، الأمر الذي أسهم في أن تتعدد الأساليب و تظهر الأشكال الأدبية مثل المقال الذي ظهر ليعالج مشاكل سياسية ثم إصلاحية ثم أدبية إصلاحية، ثم أدبية صرفة بحيث يمكن أن نقول أن إيمان الكتاب بدور المقال في الحياة الأدبية و الفكرية و الاجتماعية قد أسهم في انتشاره و ساعد على تطوره، فقد نشأ أولا و أخيرا في أحضان الحركة الإصلاحية التي كان كتابها يصدرون عن رؤية دينية إصلاحية، و ينفعلون بما يكتبون و يعبرون عن مشاعرهم و أحاسيسهم تجاه المجتمع و الحياة، و من ثمة بدأ المقال الإصلاحي يتجه إلى مخاطبة العاطفة و كاتبه.
و يمكننا أن نرصد نوعين من المقال:-
المقال الأدبي الإنشائي .
المقال الأدبي الإصلاحي.
إذن هناك أنواع من (المقال) ظهرت في النثر الجزائري الحديث، و لكن العامل الأساسي الذي ساعد على وجودها و تطورها و على انتشارها هو أن الصحافة قد لعبت دورا هاما في إذاعة هذا الشكل النثري كما ساعدت على إذاعة غيره من أشكال التعبير نثرا و شعرا.فكما كان للصحافة دورها في نشر النثر مثل المقال بل المقال بالذات.
هناك رجال الفكر الإصلاحي و هم الذين تأثروا بالثقافة العربية و بتراثها العريق و بنهضتها الحديثة في شتى الميادين الثقافية و الأدبية و الفكرية، فهؤلاء يمكن أن تميز فيهم نوعين من كتاب المقالة:-
- النوع الذي اهتم بالفكرة و توصيلها بأسلوب صريح مباشر و باهتمام باللغة من حيث مفرداتها و أيضا من حيث أصالتها و قدرتها على تبليغ الأفكار بل و العناية ببعض خصائص الأساليب العربية و البيان العربي دمن اهتمام كبير بجمال التعبير و صياغته صياغة يقصد من ورائها اللذة الأدبية. و هذا النوع هو الأكثر أو هو النموذج الغالب في الكتابات الإصلاحية، و يأتي في مقدمة هؤلاء الشيخ (عبد الحميد بن باديس) و (العربي التيسي) و (مبارك الميلي)، و إلى حد كبير (عمر راسم ) و (الطيب العقبي) و غيرهم من كتاب المقال الإصلاحي الذي يغلب عليهم الطابع الذهني و الروح الدينية الواضحة و قليل من العناية بالجانب الفني الأدبي.
- أما النوع الثاني من كتاب المقالة الإصلاحية فهم أولئك الذين عنوا – إلى جانب الفكرة – بالتعبير و التصوير، و اهتموا باللغة وحدها لا من حيث نقاؤها و صفاؤها و مرونتها كما فعل السابقون، بل عنوا بها من حيث الإيحاء و جمال التعبير و مراعاة الصور البيانية.
و يمكن التمييز بين نوعين منهم:
الأول:- هو الذي لاءم بين الفكرة و الأسلوب العربي التقليدي و البلاغة العربية القديمة و يأتي في مقدمتهم ( الإبراهيمي).
الثاني:- فهو الذي حاول أن يجدد في الصياغة و المحتوى معا، و يمثل هذا التيار (أحمد رضا حوحو)، و(رمضان حمود) و غيرهما ممن عبروا عن مشاعرهم و أحاسيسهم تجاه الطبيعة أو تجاه الحياة بوجه عام و حاولوا من خلال المقال أن يعكسوا إحساسهم بجمال الكون أو يصوروا تجربتهم في الحياة.
و لا يغيب عن البال أن المقالات التي كتبها مصلحون حول المجتمع الجزائري أو حول القضايا العربية أو العالمية تعبر عن وجهة نظر إصلاحية يغلب عليها الطابع الديني. أما المقالات السياسية التي كتبها كتاب ينتمون إلى الحركة الوطنية، فإن العناية فيها انصبت على المشاكل السياسية و على محاربة الاستعمار و أساليبه الإرهابية و الدعوة إلى الوقوف ضد مشاريعه الاستغلالية.
- القصة القصيرة –
نشأت القصة القصيرة الجزائرية متأخرة عن القصة في المشرق العربي لظروف تتصل بالثقافة العربية و بالأدباء أنفسهم و بثقافتهم الخاصة و تكوينهم الفكري الذي ارتبط بالتراث ارتباطا كليا منذ البدايات الأولى للنهضة الأدبية في الجزائر و ارتباط الأدب بالحركة الإصلاحية، بدعوتها و مبادئها و أهدافها و هي في مجملها تستند إلى الدين و الإصلاح و تتسم بالمحافظة في النظرة و الرؤية، و من ثم فإن الأدباء الذين اعتنقوا هذه الفكرة حصروا أنفسهم في نطاق ضيق لم يستطيعوا الخروج عنه و بالتالي لم يحاولوا أن يجربوا في مجال الفنون الأدبية الجديدة مثل القصة القصيرة.
و قد تأخر ظهور القصة لأسباب كثيرة و مختلفة نوجزها على النحو التالي:-
ا- الاستعمار الذي وضع الثقافة القومية في وضع شل فاعليتها و حركتها مما نتج عنه تأخر الأدب الجزائري عامة و لا سيما أحدث فنونه و هي القصة القصيرة، و قد كان اضطهاد اللغة العربية و محاولة القضاء عليها من طرف الاستعمار الفرنسي عاملا أساسيا في تخلف الأدب و تأخر القصة، فقد جاء رد الفعل من محاولات الحفاظ عليها كلغة البلاد القومية، لغة الثقافة و العلم و الدين، محاولات نعلم جميعا مدى ما استلزمت من تضحيات و جهود شاقة مريرة، و لكنها لم تضع في حسابها ضرورة تطويرها و جعلها لغة صالحة للأدب و أداة مرنة طيعة له.
ب- التقاليد و أبرزها ما يتعلق بوضع المرأة في المجتمع إذا كانت مغلقة لا يسمح لها بالاختلاط أو المشاركة في الحياة السياسية و الاجتماعية، و لهذا كان من الصعب أن تعالج القصة علاقة الرجل بالمرأة أو أن تتعرض إلى هذا الموضوع.
ج- ضعف النشر .
د- انعدام وسائل التشجيع الكافية للأديب القصاص كي يكتب و ينتج و يجرب.
ه- عدم وجود المتلقي لهذا الإنتاج لو صدر ، و كيف يوجد في ظل الأمية التي فرضتها سلطات الاستعمار الفرنسي على شعب الجزائر كي يظل متخلفا.
· تطور القصة القصيرة في الجزائر:
يمكن حصر العوامل التي أدت إلى تطور القصة القصيرة الفنية في الجزائر في أربعة نقاط:
1 – اليقظة الفكرية :
إن من أهم الأسباب التي أثرت في تطور القصة القصيرة في الجزائر هي اليقظة الفكرية التي صاحبت اليقظة السياسية عقب الحرب العالمية الثانية و انتفاضة »ماي« سنة1945.
فهذه اليقظة كانت تعبيرا عن موقف حضاري أحس فيه الشعب الجزائري إحساسا عنيفا بشخصيته و قوميته و عروبته و ماضيه، فظهرت القصة القصيرة التاريخية التي تلح على مقومات الشخصية الجزائرية ، رغم أن إنتاجها كان نزرا يسيرا.
و قد جاءت هذه اليقظة نتيجة تحرر الشعوب عامة و نتيجة مشاركة الشعب الجزائري في الحرب خاصة .هذه الحرب التي كانت نهايتها قتل الجزائريين بالجملة في مظاهرات »ماي« الصاخبة التي قوبلت من جانب الاستعمار بالقمع و التنكيل .
2 – البعثات الثقافية للمشرق العربي:
اتسع نطاق هذه البعثات بصورة أكثر عن ذي قبل ، و توثق الاتصال بالأقطار العربية التي فتحت صدرها للجزائريين ليدرسوا في مدارسها و جامعاتها فاتصلوا بالثقافة العربية في منابعها ، و الثقافة الأجنبية في ترجماتها ، و اطلعوا على نماذج منة القصة القصيرة العربية التي كانت قد بلغت درجة من الجودة و الإتقان ، و وجدوا في هذه البيئات تفتحا أكثر.
3 – الحافز الفني لكتابة القصة:
بدأ الأدباء في محاولات جادة لكتابة القصة القصيرة - في أواخر الأربعينات و أوائل الخمسينات و هي الفترة التي بدأ فيها التطور القوي لها – و لكن هذه المحاولة تعددت حوافزها :-
- فهناك من كتب بدافع ملء الفراغ و الشعور بأن الأدب الجزائري قد خلا من القصة القصيرة.
- و هناك من كتب القصة للتجربة أو بدافع الحماس بسبب الثورة ، فأراد أن يسجل أحداثها أو يصور بعض أبطالها .
- و لكن هناك من كتب القصة بدافع فني . بدافع أدبي يحقق فيه ذاته و وجوده. و هذا النوع هو الذي استطاع أن يساهم في تطور القصة القصيرة الجزائرية و أن يوصل التجربة في هذا المجال .
4 – الثورة:
لا شك أن الثورة فتحت مجالا أكثر لكُتّاب القصة القصيرة ، فغيرت كثيرا من نظرتهم إلى الواقع . فبعد أن كان الحديث عن الواقع لا يعدو أن يكون تسجيلا له ، أصبح التعبير عن هذا الواقع و تصويره هو هدف كتّاب القصة القصيرة.
فظروف النضال كشفت للكتاب عن إمكانيات ضخمة و تجارب جديدة دفعتهم للبحث عن جديد، سواء أكان ذلك في الموضوع أو في المضمون أو في الشكل .
و ظهرت موضوعات جديدة تتحدث عن الاغتراب و عن الهجرة،و عن الحرب و الثورة و آثارهما. تصف الجبل و تدين الاستعمار، و تصور مشاركة المرأة في الثورة و النضال ....
و من هنا ظهر في القصة البطل الإنسان الذي يخاف و يتغلب على خوفه، و اختفى البطل الفريد الخارق للعادة.
و عموما يمكن القول بأن كتاب القصة القصيرة الفنية –أو بعضهم على الأقل – في هذه المرحلة عنوا بهيكل القصة و بنائها ، الأمر الذي يوضح وعيهم بفن كتابتها.
و هذا لا يعني أن القصة القصيرة قد توفرت فيها كل الخصائص أو السمات الفنية ، و إنما يعني أنها خطت خطوة جديدة في تطورها واقتربت كثيرا من النضج. هذا وإن وجدت آلي جانب النماذج الجيدة قصص أخرى ساذجة لم ترق إلى مستوى القصة الفنية .
- الرواية العربية –
-
كان ظهور الرواية متأخرا إذا ما قيس بالأشكال الأدبية الحديثة الأخرى مثل المقال الأدبي و القصة القصيرة و المسرحية ، بل إن هذه الأشكال الجديدة تعتبر حديثة بالقياس إلى مثيلاتها في الأدب العربي الحديث.
و لا شك أن الناس تعودوا قراءة الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة بالفرنسية و ترجمت معظم الروايات بهذه اللغة إلى العربية و بات الناس يرددون أسماء كتابها و يعرفون عنهم الشيء الكثير، بينما لا يكادون يعرفون عن كتاب النثر الجزائري الحديث إلا قليلا.
و لعل هناك ظروفا كثيرة أسهمت في جعل من يكتب باللغة القومية مجهولا إلى حد ما ، في حين أنها أسهمت في التعريف بمن يكتب باللغة الأجنبية في الجزائر حتى إن بعض الدارسين للأدب الجزائري الحديث في البلاد العربية حين عرضوا لهذا الأدب درسوا الآثار المكتوبة باللغة الأجنبية و لم يشيروا من قريب أو بعيد إلى من يكتب باللغة القومية فضلا عن الباحثين في البيئات الأوربية شرقا و غربا الذين احتفلوا بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية في الجزائر حتى إن بعضهم اعتبر أن الكتاب الفرنسيين الذين ولدوا فوق التراب الجزائري من الكتاب الجزائريين، و ذهبوا مذاهب شتى في البحث عن الأدلة التي ساقوها لتأكيد غرضهم، و قد أسهمت في هذه الضجة التي أثيرت حول هذا الأدب عوامل شتى منها ؛أن أجهزة الإعلام و الثقافة الفرنسية قد روجت لهذه الفكرة لتظهر أن الثقافة الفرنسية خلقت كتابا بارزين في الجزائر ، و أن الاستعمار لم يكن كله شرا ، و أن ما زرعه هذا الاستعمار من حضارة في الجزائر- حسب زعمه – قد أثمر هذه النماذج الأدبية الجيدة شعرا و نثرا و احتفلوا بكتابه و قدموا لهم الجوائز التشجيعية ليس تقديرا لتفوق الكتاب الجزائريين ، و لكن للدعاية و تشجيع الأدب الفرنسي طالما هناك هؤلاء الكتاب يعبرون باللغة الفرنسية .
و قد أثر هذا الموقف على الدارسين للأدب الجزائري في بيئات أخرى فترجموه ، و لكن بعضهم أعجب بما فيه من أصالة و عمق و بما فيه من مضامين جديدة خاصة و أن معظمه دار حول الثورة و حول الشعب الجزائري و نضاله ضد الاستعمار ، و عبّر عن ذلك بجرأة و قدرة و فهم عميق لمطامح الشعب الجزائري و أشواقه.
يضاف إلى هذا أن المهتمين بالأدب الجزائري عامة سواء من الجزائريين أو من غيرهم لم يعرِّفُوا به إلا في السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة..
أما فيما يتعلق بالرواية العربية الجزائرية فإن للنقد عذرهم في عدم الحديث عنها ، لأنها ظهرت أخيرا ، فهي من مواليد السبعينات بالرغم من بذورا ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية يمكن أن نلحظ فيها بدايات ساذجة للرواية العربية الجزائرية سواء في موضوعاتها أو في أسلوبها و بنائها الفني، فهناك قصة مطولة بعض الشيء كتبها »أحمد رضا حوحو« و سماها »غادة أم القرى« و هناك غيره من كتاب الرواية.
أما تأخر ظهور الرواية الفنية إلى فترة السبعينات ، يرجع إلى أن هذا الفن صعب يحتاج إلى تأمل طويل و إلى صبر و أناة ثم يتطلب ظروفا ملائمة تساعد على تطوره و عناية الأدباء به .و في مقدمة هذه العوامل :
- أن الكتاب الجزائريين الذين كتبوا باللغة القومية أدبا عربيا اتجهوا إلى القصة القصيرة لأنها تعبر عن واقع الحياة اليومي خاصة أثناء الثورة التي أحدثت تغييرا عميقا في الفرد، فكان أسلوب القصة ملائما للتعبير عن الموقف أو عن اللحظة الآنية و عن التجربة المحدودة بحدود الفرد . أما الرواية فإنها تعالج قطاعا من المجتمع و رحابه واسعة تحتاج إلى تأمل طويل.
و فوق هذا فإن كتّاب الرواية في الجزائر لم يجدوا أمامهم نماذج جزائرية يقلدونها أو ينسجون على منوالها كما كان الأمر بالنسبة للكتاب باللغة الفرنسية الذين وجدوا تراثا غنيا و نماذج جيدة في الأدب الفرنسي ، و مع ذلك فإن كتاب الرواية العربية قد أتيح لهم أن يقرأوا في لغتهم عيونا واسعة في الرواية العربية الحديثة و المعاصرة، و لكنهم لم يتصلوا بهذا الإنتاج إلا في فترة قريبة بسبب الظروف التي عاشوها و عاشتها الثقافة القومية في الجزائر، لذلك فإن البدايات الحقيقية التي يمكن أن تدخل في مفهوم الرواية هي التي ظهرت منذ سنوات قليلة، أي في السبعينات مثل قصة ( ما لا تذروه الرياح) لمحمد عرعار، (ريح الجنوب) للكاتب القصصي (عبد الحميد هدوقة) التي كتبت فيما يبدو قبل السابقة و لكنها طبعت بعدها، ثم ظهرت في السنتين الماضيتين روايتان (للطاهر وطار) و هما على التوالي (الزلزال) ثم (اللاز).
- المسرحية -
بعض الدارسين للمسرح الجزائري الحديث يعتبرون أن ميلاد المسرح الجزائري تم ما بين 1919-1927 ، أي أن البدايات الأولى ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، حيث ظهرت الحاجة إلى مسرح يعالج الواقع الجزائري و يصطنع اللغة و التمثيل و يهتم بالمسرح أداة للنقد و بالفكاهة سبيلا لترقية الذوق و الشعور.
غير أن الباحثين يكادون يجمعون على أن انطلاق المسرح الجزائري بدأ في سنة 1926 و حتى السنة التي حاول فيها الجزائريون خلق مسرح عربي يستخدم اللغة العربية الفصحى وسيلة للتعبير و التمثيل، و هذه المحاولة تندرج في مجال المحاولات التي قام بها رواد المسرح العربي في بلدان عربية أخرى مثل سوريا و مصر منذ القرن الماضي و هذه المحاولة تنبع من الفكرة التي تدعو إلى النهضة الحديثة التي تستفيد من الغرب و من تقدمه الثقافي و الحضاري. و لعل زيارة (جورج إيفي) في بداية العشرينات من القرن الحالي كان لها أثرها في تشجيع المهتمين بقيام مسرح جزائري يتخذ العربية الفصحى أداة للتعبير فقد مثلت هذه الفرقة مسرحيات تاريخية أو مترجمة بلغة عربية فصحى، و لكن الباحثين يرجعون سبب إقبال الجمهور على هذا النوع من المسرحيات إلى عدم فهمه لها سواء من قام بتمثيلها من الجزائريين أو غيرهم نظرا إلى الأمية المنتشرة و ضعف الثقافة العربية في البيئة الجزائرية لارتباط النهضة الأدبية بالحركة الإصلاحية و هي حركة تركز على الدين و على الإصلاح الاجتماعي قبل الاهتمام بالجوانب الأدبية أو الفنون الأدبية التي لم تكن معروفة في الأدب العربي القديم مثل القصة و المسرحية و غيرهما من الأنواع الأدبية الحديثة في الأدب الجزائري.
و مع هذا فإن ( زيارة فرقة جورج أبيض ) كان لها أثرها في الأوساط المسرحية، و بدأ المسرح الجزائري يخطو خطوات جدية، بحيث مثلت مسرحيات ذات مضامين جديدة و تكونت فرق مسرحية و فنية لعبت دورا جادا في خلق مسرح جزائري بلغة عربية فصحى استمر إلى غاية 1926 .
غير أن هذا المسرح توقف للأسباب التي ذكرناها و لغيرها، مما نتج عنه توقف المسرحية باللغة القومية ليحل محله مسرح جزائري استخدم اللهجة الدرامية حتى قيام الثورة بل و أثناءها وما بعد الاستقلال.
على أن الباحثين أمثال محي الدين باش تارزي، و ارليت روت و كذلك و كذلك جروة علاوة وهبي الذي اعتمد فيما كتب عن المسرح على المؤلفين السابقين، إن هؤلاء عرضوا لهذا المسرح بشيء من التفصيل و تحدثوا عن المراحل التي مر بها المسرح الشعبي أي باللهجة العامية و اعبروا أن المرحلة الأولى تبدأ من عام 1926 إلى سنة 1934 وهي مرحلة عني فيها المسرح بالمشاكل الاجتماعية و مالت المسرحية إلى الفكاهة في أسلوبها وإلى الهزل في طريقة التعبير فيها.
أما المرحلة الثانية تمتد ما بين 1934 إلى قيام الحرب العالمية الثانية، و في تلك المرحلة لعب (رشيد القسنطيني) الدور الأساسي ممثلا ثم مؤلفا و ممثلا و اتجه إلى النقد بأسلوب فكاهي هزلي مما أثار السلطة الاستعمارية فضيقت عليه الخناق و فرضت على المسرح الجزائري الرقابة الشديدة، غير أن هذا المسرح توقف نوعا ما أثناء الحرب.
و بعض الباحثين يرون أن المسرح الجزائري بعد سنة1945 و حتى السنة التي انتهت فيها الحرب ووقعت فيها حوادث مايو 1945 بالجزائر و استشهد فيها آلاف مؤلفة من الجزائريين حين طالبوا بالحماية و الاستقلال، هذه الفترة تعتبر لدى بعض الباحثين بداية للمسرح الجاد الذي استمر أثناء الثورة و أنشئت غرفة تابعة لجبهة التحرير الوطني قدمت عروضا خارج الوطن و بعد الاستقلال تنوعت هذه الفرق من هواة و محترفين و واكبت النهضة الأدبية و الاجتماعية و عبرت عن القضايا التي حدثت بعد الاستقلال حتى اليوم.
و يمكن أن نميز ثلاث اتجاهات في المسرح الجزائري العربي الحديث، الاتجاه التاريخي، و الاتجاه الاجتماعي، و الاتجاه الثوري النضالي.
هذه بصفة مقتضبة الجوانب الهامة التي تكون الرصيد الأدبي للمجتمع الجزائري ، و التي يمكن أن تكون جزءا من الرصيد الثقافي العام الذي يمثل الذاكرة الجماعية لهذا الشعب عبر التاريخ.
خاص | A | B | C | D | E | F | G | H | I | J | K | L | M | N | O | P | Q | R | S | T | U | V | W | X | Y | Z | أ | إ | آ | ا | ب | ت | ث | ج | ح | خ | د | ذ | ر | ز | س | ش | ص | ض | ط | ظ | ع | غ | ف | ق | ك | ل | م | ن | ه | و | ي | الكل