المحاضرة 1: مرتكزات النظام الاقتصادي الاسلامي
رغم أنه لا يمكن القول حقيقة بوجود نظام اقتصادي إسلامي متكامل في عالمنا المعاصر، بالنظر أولا لعدم اكتمال بنيانه المعرفي والنظري من جهة، وبالنظر ثانيا لعدم وجود تطبيق حقيقي له في الواقع الاقتصادي المعاش من جهة أخرى يسمح لنا بتقييم فعاليته، لكن هذا لا ينفي وجود المرتكزات الأساسية لهذا النظام الاقتصادي المتكامل. ولنبدأ دراستنا للموضوع من خلال تناول بعص التعاريف المهمة كالآتي:
§ علم الاقتصاد: الاقتصاد لغة من القصد وهو الاعتدال، أي عدم الشح أو الاسراف، أما اصطلاحا فهو العلم الذي يبحث في كيفية اشباع الحاجات الإنسانية غير المحدودة باستعمال الموارد الإنتاجية النادرة. وهو من العلوم الإنسانية-رغم طابعه العلمي المتجسد في كثرة المعادلات والرسوم البيانية والأرقام المستخدمة في دراسة موضوعاته-نظرا لأنه يهتم بالسلوك الإنساني في مجالات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك للموارد الإنتاجية المتاحة في سبيل اشباع حاجات متزايدة وغير نهائية.
§ يركز علم الاقتصاد على علاقة بين مفهومي الندرة والكفاءة. فالإنسان لديه احتياجات لانهائية من السلع والخدمات في حين أنه يوجد قدر محدد من الموارد الإنتاجية التي يمكن استخدامها لإنتاج السلع والخدمات المختلفة. ويجيب الاقتصاد على ثلاثة أسئلة جوهرية: ماذا ننتج (أي ما هي السلع والخدمات التي يجب انتاجها)، كيف ننتج (ماهو خليط عوامل الإنتاج المطلوب لانتاج السلع والخدمات التي تقرر انتاجها)، لمن ننتج (أي كيف سيتم توزيع الناتج بين المساهمين في العملية الانتاجية). كما يدرس علم الاقتصاد عددا كبيرا جدا من الأسئلة التي تواجه الانسان مثل: هل يجب انتاج المزيد من السلع المدنية أو يتم توجيه المزيد من موارد الإنتاج المحدودة نحو السلع الدفاعية؟ كيف يتم تحديد الأسعار في الأسواق المختلفة؟ هل سوق احتكار القلة مفيد أكثر من سوق المنافسة الكاملة؟ هل الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية الدولية وفتح الاقتصاد أما التجارة الدولية يسهم في تسريع عملية التنمية الاقتصادية؟ ماهي أسباب الركود الاقتصادي وكيف يمكن إنعاش الاقتصاد بسرعة؟
§ الاقتصاد الإسلامي: علم دراسة وتحليل سلوك الفرد والمجتمع تجاه الموارد الإنتاجية من أجل تحقيق الرفاهية في إطار التعاليم الشرعية. وهو بذلك يتضمن بعدينٍ رئيسيين:
· بعد عقدي: حيث يؤثر في سلوك الفرد وعلاقته بالآخرين أو بالموارد الإنتاجية، من خلال الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية المنظمة لكثير من أوجه هذه العلاقات.
· بعد تحليلي (اقتصادي): حيث يتم الاستعانة بالتحليل الاقتصادي العلمي في مواجهة المشكلات والظواهر الاقتصادية في المجتمع الإسلامي كالاستهلاك والإنتاج والتبادل وغيرها، بما يحقق زيادة المنافع وتقليل المضار التي يتحملها الفرد والمجتمع.
1. مبادئ النظام الاقتصادي في الإسلام:
يعرف النظام الاقتصادي بأنه مجموعة الأسس والقواعد والتشريعات التي يختارها ويطبقها المجتمع لتنظيم شؤونه الاقتصادية. بينما يتم تعريف النظام الاقتصادي الإسلامي على أنه مجموعة القواعد والأسس المنبثقة من الشريعة الإسلامية التي يسير عليها المجتمع لتنظيم شؤونه الاقتصادية.
ويمثل النظام الاقتصادي الإسلامي الجانب الاجتهادي على المستوى العملي والتطبيقي، ويتميز عن غيره من النظم الاقتصادية، في أن الموارد الاقتصادية يجب ان تتوجه وتتركز في إنتاج السلع والخدمات التي تشبع الحاجات السوية للإنسان، فالرفاهية لها مفهوم ومضمون يختلف عن المفهوم والمضمون السائد في النظم الأخرى، فليس كل ما يشبع حاجة أو رغبة قابل للإنتاج. إن هذا الحصر لمفهوم الرفاهية ومضمونها يعطي الموارد الاقتصادية في أي وقت وتحت أي مستوى فني للإنتاج قدرة أكبر لإشباع الحاجات الانسانية الضرورية.
1.1 مبدأ الملكية المزدوجة: يقسم الاقتصاد الإسلامي الملكية إلى ملكية عامة وملكية خاصة. فالملكية العامة هي ملكية الدولة، وهي تشمل الموارد الطبيعية والمرافق العامة. أما الملكية الخاصة فهي ملكية الأفراد، وهي تشمل الأموال والعقارات وغيرها. كما يعني هذا المبدأ أن المال ملك لله، وأن الإنسان مستخلَف فيه، وبالتالي فهو مسؤول عن استخدامه في طاعة الله وعدم الإسراف فيه.
2.1 مبدأ الحرية الاقتصادية: ينص هذا المبدأ على أن الإنسان حر في ممارسة النشاط الاقتصادي، ولكن ضمن حدود الشريعة الإسلامية. فيضمن الاقتصاد الإسلامي الحرية الاقتصادية للأفراد في ممارسة أنشطتهم الاقتصادية، ولكن في إطار ضوابط شرعية.
3.1 مبدأ العدالة الاجتماعية: يهدف الاقتصاد الإسلامي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وذلك من خلال توزيع الثروة والموارد بشكل عادل. وينص هذا المبدأ على أن الاقتصاد الإسلامي يجب أن يحقق العدالة الاجتماعية بين جميع أفراد المجتمع، دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس.
4.1 حظر الربا (الفوائد): يُمنع الربا، وهو الفوائد المفروضة على القروض، ويشجع بالمقابل على الصيرفة الإسلامية والتمويل الإسلامي الخالي من الربا.
2. الفرق بين النظام الاقتصادي الإسلامي والنظامين الرأسمالي والاشتراكي: النظام الاقتصادي الإسلامي يستند إلى مبادئ وقيم إسلامية وأخلاقية ويختلف عن النظامين الرأسمالي والاشتراكي في عدة نواحي كما يلي:
أوجه الاختلاف:
الملكية: يعتمد النظام الاقتصادي الإسلامي على الملكيتين العامة والخاصة، في حين يعتمد النظام الاقتصادي الاشتراكي على الملكية العامة اعتمادا مطلقا، في حين يعتمد النظام الاقتصادي الرأسمالي على الملكية الخاصة فقط.
الحرية الاقتصادية: يضبط النظام الاقتصادي الإسلامي الحرية الاقتصادية، بينما يمنعها النظام الاقتصادي الاشتراكي، بينما تمنح الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية الحرية الاقتصادية المطلقة.
العدالة الاجتماعية: يركز النظام الاقتصادي الاشتراكي على تحقيق العدالة الاجتماعية، بينما تركز الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية على تحقيق الكفاءة الاقتصادي، في حين يعطي النظام الاقتصادي الإسلامي الأولوية لتحقيق الهدفين بشكل متزامن.
الملكية وتوزيع الثروة: يشجع الاقتصاد الإسلامي على توزيع الثروة بشكل عادل ويُحد من التراكم الغير مشروع للثروة. على أن الاشتراكية تسعى إلى توزيع متساوي للثروة وغالبًا تعتبر الممتلكات الخاصة محدودة. بينما الرأسمالية تسمح بملكية خاصة وتركز على الربح والتنافس وتمكين الأفراد لامتلاك وإدارة الممتلكات.
الربا والمصارف الإسلامية: يمنع الاقتصاد الإسلامي الربا ويشجع على الصيرفة الإسلامية والتمويل الخالي من الربا. بينما تعتمد الاشتراكية والرأسمالية على نظام المالي التقليدي يستند على الفائدة أو الربا.
3. أهداف الاقتصاد الإسلامي: يسعى المسلمون عند قيامهم بالأنشطة الاقتصادية إلى تحقيق مرضاة الله تعالى قبل كل شيء، وتكون أفعالهم هادفة ومنضوية ذمن أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي التي يمكن إيجازها في الأهداف التالية:
1.3. كفالة مستوى مناسب من المعيشة للفرد المسلم:
وتقع مسؤولية هذه المهمة للفرد بجهوده الذاتية، لأن الكسب الحلال للنفس وللأسرة فرض عين على كل مسلم قادر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((طلب الحلال واجب على كل مسلم))، فإذا تحقق العجز عن الكسب إما لسبب ذاتي كالمرض أو الشيخوخة، أو خارجي كعدم توافر فرص العمل وكان فقيرا، فإن الشريعة أوجبت معونته على الأقارب، فإن عدموا فإن بيت مال الزكاة يوفر هذا المستوى، فإن لم تكف الزكاة فعلى بيت مال المسلمين. وقد فسرت الشريعة هذا المستوى بمستوى الكفاية-لا حد الكفاف-وهو المستوى الذي ييسر المعيشة للفرد إلى درجة تلحقه بعموم الناس.
1.3. تحقيق القوة والعزة الاقتصادية:
حيث يقصد بالقوة حيازة كل الوسائل الممكنة لتحقيق المصالح المختلفة، أما العزة فهي حيازة المصادر الذاتية التي تغني عن الوقوع تحت رحمة الآخرين. ولا يعني ذلك الانكفاء على الذات وعدم التعاون مع المجتمعات الأخرى، بل استقلالية القرار مع إمكانية الاستغناء بالموارد الذاتية عن موارد الآخرين.
وتتطلب القوة الاقتصادية إعداد وتوفير الطاقات الإنتاجية المادية، إلى جانب إعداد القوة البشرية القادرة على الاستفادة من الطاقات المادية، في إطار من النظم ذات الكفاءة لدفع فاعلية هذين الجانبين بما يسهم في تحقيق النمو والتقدم الاقتصادي بصفة مستمرة، ما ينعكس على زيادة الإنتاج وتحسين أحوال المعيشة ومستوى الرفاهية لأفراد المجتمع.
1.3. تخفيف التفاوت في توزيع الدخل والثروة:
إن تخفيف التفاوت في توزيع الدخل والثروة من بين أهداف الإسلام الاقتصادية، ولا يعني ذلك إزالة الفوارق بين أفراد المجتمع لأنه يخالف فطرة خلق الله للناس وتفاوت قدراتهم العقلية والجسمية، بل يعني كراهية الشارع تركيز الثروة في طائفة معينة من المجتمع، ووجوب أن يكون المال المتداول بين أفراد المجتمع
1.3. عدم الافساد في الأرض (حماية القيم الأخلاقية والحفاظ على البيئة):
إن عدم الافساد في الأرض أو حماية القيم الأخلاقية التي يؤمن بها المجتمع المسلم والمحافظة على النظام البيئي من الأهداف الرئيسية للنظام الاقتصادي في الإسلام، ذلك أن كل نشاط اقتصادي إنما ينطوي عليه إجراء تغيير ما في الموارد والأحوال الطبيعية، وقد يترتب على ذلك النشاط الاقتصادي آثار سلبية عديدة إذا تمت الاستفادة من تلك الموارد دون دفع مقابل لها.
فقد أحدثت الأنشطة الاقتصادية الإنسانية وبخاصة الاقتصادية تأثير سلبيا على الطبيعة الاقتصادية بعناصرها الأساسية (الماء-التربة-الحيوان) بما في ذلك تلويث الغلاف الجوي الذي تقوم به وتستقر الحياة الإنسانية. ومما يزيد في أهمية تحقيق هذا الهدف ما تعاني منه الأنظمة الاقتصادية المعاصرة من وجوه عديدة للإفساد في الأرض بسبب اعتمادها المفرط على المعيار الذاتي في تحمل التكاليف والمنافع.
وبشكل عام، فإن الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى تحقيق نظام اقتصادي عادل ومستقر ومستدام، يلبي احتياجات جميع أفراد المجتمع. وإلى تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي للمجتمع، وذلك من خلال الجمع بين الملكية الخاصة والملكية العامة، والحرية الاقتصادية في إطار ضوابط شرعية، والتضامن الاجتماعي.