المحاضرة الأولى : التعليم العالي و إدارة الجودة الشاملة  و التكوين الذاتي

تمهيد:

يعتبر التعليم العالي أحد  العناصر الثقافية الهامة في المجتمع لا يمكن أن  يكون منعزلا  عن التغييرات والتحولات السريعة والمتلاحقة الكمية منها والنوعية والتي زادت من سرعتها تكنولوجيا الاتصال الالكتروني ، هذه  التغيرات أفرزت اتجاهات العولمة الاقتصادية والاجتماعي والثقافية والسياسية وعمقت في مفاهيم تم تحديثها كالانفتاح openness  والتحرر libéralisation وحركة رأس المال capital Blow  ، الأمر الذي يفرض على تنظيم التعليم العالي أن يكون قادرا على المنافسة ، فقد ازداد الوعي بأهميته بالنسبة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الدول المتقدمة خاصة .

أدى هذا التغيير والانفتاح إلى بروز اتجاهات وتوجهات مستقبلية في مجال التعليم العالي ولعل أهمها حليا هو اتجاه نحو ضمان النوعية بالتعليم العالي ومع ازدياد في أعداد الملتحقين بالتعليم العالي من جهة وعدم التوازن الجغرافي لمؤسسته )الجامعات(وتماشيا مع التغييرات العميقة والمتسارعة التي لحقت بالنظام العالمي على كل الأصعدة أصبح  لازما إتباع أساليب جديدة بدل التقليدية ومتطورة للارتقاء بمؤسسات التعليم العالي أهمها الاهتمام بجودة ونوعية التعليم العالي من خلال الاعتماد على معايير للجودة الشاملة )عقل،2009، 1-15(

-         عرفت هذه الاتجاهات والأساليب نجاحا في الدول المتقدمة لكن استيراده وتطبيقه في الدول المتخلفة لم يحقق نفس النجاح مما يتطلب إعادة دراسة وإصلاح لوضع نموذج )وهذا ما سنحاول الوصل إليه من هذه الدراسة ( مكيف بما يتناسب مع الاحتياجات التعليمية والبحثية والخدماتية لمؤسسات التعليم العالي وبناءا على المقومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع )الجزائر( ، هذا النموذج المقترح والمستحدث في ظل المعطيات السابقة يجب أن تكون له قابلية ومرونه  لتحقيق أكبر قدر من الكفاءة واستغلال للموارد المتاحة )حسين إسماعيل،2007،4-15(

-         إن المتتبع لأداء المؤسسات الجامعية خاصة في السنوات الأخيرة يلاحظ ذلك التدهور  في جودة الخدمات التعليمية والإدارية والذي ينعكس على رداءة مخرجاتها )طلبة(  وما يؤكد ذلك تزايد معدلات الرسوب وطول فترة المكوث )تكرار السنوات(  والأهم هو اتساع الفجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم العالي لتبقى الجامعات الجزائرية خصوصا والجامعات على مستوى الدول المتخلفة عموما خارج التصنيفات الدولية لأكثر الجامعات بحثا علميا وكفاءة تدريسية وتطبيقية لمعايير الجودة ،في ظل التحديات المتسارعة محليا وإقليميا ودوليا وجب وضع آليات واضحة لضبط نوعية التعليم العالي وتجويد مخرجاته وإعادة تقويم مساره ومعالجة التدهور والرسوب الذي آل إليه،هذه الآلية تتم من خلال تطوير أو تكييف معايير تكون قوة دافعة لمؤسسات التعليم العالي نحو المستقبل بنوعية وكفاءة مالية  )عقل،2009،21-22(

كما إن إدارة الجودة الشاملة هي منهجية تتصف بالديمومة والاستمرار وليست محطة تنتهي بانتهاء برنامج معين أو زمن معين، لذا تتطلب المزيد من التدريب المستمر لحل المشكلات والتفكير بأساليب ابتكارية، وهي تطمح للوصول إلي رضي المستفيد الداخلي في المؤسسة التربوية ألا وهو الطالب والمعلم والإدارة التربوية، أما المستفيد الخارجي فهو رضي المجتمع عن نوعية المنتج التعليمي، وما سيحققه ذلك المنتج التعليمي من فائدة للمجتمع،  لذ أصبح من أهم المعايير علي نجاح المؤسسات التربوية هو نوعية الطالب الذي يتخرج من تلك المؤسسات التربوية وقدرته علي خدمة مجتمعه بالطريقة المطلوبة، كما أن نظرة المجتمع الإيجابية لتلك المؤسسة تكسبها نوعاً من الاحترام والتقدير، الأمر الذي يؤدي إلي وجود منافسة شديدة بين المؤسسات التربوية المختلفة علي تحسين برامجها المختلفة وأهدافها للحصول علي مخرجات تعليمية مناسبة وملائمة لخدمة وتطوير المجتمع.   

                ولقد أكدت العديد من الدراسات العالمية التي تبنت إدارة الجودة الشاملة علي أهمية ذلك النهج ونجاحه للحصول علي منتج صناعي قادر علي المنافسة في الأسواق العالمية، وكذلك الحصول علي منتج تعليمي مناسب في المؤسسات التربوية ألا وهو نوعية الطالب الخريج من تلك المؤسسات التربوية القادر علي الإسهام بتنمية المجتمع بكافة المجالات بصورة فعالة.

وعليه فان إدارة الجودة الشاملة أحد أهم تلك الأنظمة التي يؤدي تطبيقها إلى تحقيق الفعالية ﻓﻲ التعليم الجامعي ، ذلك أنّ الالتزام الاستراتيجي بمبادئ إدارة الجودة الشاملة يساهم  في تحسين فرصة المنظومة على التكيّف الإيجابي مع تحديات المناخ العالمي الجديد.

 تحديد المفاهيم :

1-الاعتماد الأكاديمي  académique accréditation  : عملية تقويم لأداء قسم أو كلية أو جامعة من قبل هيئات الاعتماد غير الحكومية لتمكينها من تحقيق أعلى قدر من الكفاءة وفقا لمعايير معتمدة وبمراجعة دقيقة )النبوي،2007،31(

2- التطوير : هو جهد ونشاط طويل المدى يستهدف تحسين قدرة النظام على حل مشكلاته وتحسين نفسه ذاتيا ، والتطوير في التعليم العالي يقصد به  وضع معايير للتميز )الجودة( تسهم في تعزيز نوعية التعليم العالي

الحرية الأكاديمية : تعني حرية الجامعات كمؤسسات تعليمية عليا بما يحقق لها إستقلالية وظيفية تمارس بها أعمالها ، وحرية أساتذتها كعلماء باحثين عن المعرفة وقائمين بإنتاجها وتطويرها ونشرها وتعليمها.)قمبر،2006،68(

-المعايير : عبارة عن مستويات معاييرية تستخدم كمقياس للحكم على أهمية أو قيمة جانب ما له علاقة بالموضوع الذي تستخدم فيه تلك المعايير ويقصد به في هذه الدراسة مقياس يحدد صفات وخصائص التي يجب أن تتوفر في أحد جوانب التعليم العالي للتمكن من الحكم عليها بعد قيساها

-التعليم العالي : هو أي اختصاص من الاختصاصات التي يتم تعليمها في الجامعات بعد مرحلة الثانوية )بعد حصول الطالب على شهادة البكالوريا( . )عقل،2009،25(

-الجودة : تعريف وكالة ضمان الجودة في التعليم العالي (QAA) بالمملكة المتحدة أسلوب للحفاظ على مستوى المعايير والجودة وتحسينها ،ويتضمن ذلك التدريس وكيفية تعلم الطلاب والمنح  الدراسية والبحوث

إن مفهوم الجودة وفقا لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر اليونسكو للتعليم العالي مفهوم متعدد الأبعاد ينبغي أن يشمل جميع وظائف التعليم وأنشطته مثل ) المناهج الدراسية والبرامج  التعليمية والأبحاث العلمية والطلاب والمباني والمرافق والأدوات وتوفير الخدمات للمجتمع المحلي والتعليم الذاتي الداخلي وتحديد معاييره مقارنة للجودة المعترف بها دوليا)

تعرف الجودة حسب مضمون المواصفة القياسية (IS0900) لعام 2000 بأنها مجموعة الصفات المميزة للمنتج أوالنشاط أو العملة أو المؤسسة أو الشخص التي تجعله ملبيا للحاجات المعلنة والمتوقعة أو قادرا على تلبيتها.)الطروانة،2010(

1-     التصنيف : يعرف التصنيف في التعليم العالي بأنه طريقة جمع المعلومات لتقويم الجامعات )برامجها وأنشطتها وأبحاثها العلمية....( لتوفير التوجيه للطلبة الذين يريدون الالتحاق بها هذا يجعل التنافس بينهما من خلال تطوير وضبط معايير الجودة للحصول على شهادات ومنح التميز.)عقل،2009،60(

2-     الإدارة الجامعية : هي جميع الأعمال التي تقوم بها القيادات الجامعية باختلاف المسؤوليات من رئيس الجامعة إلى العون البسيط لتحقيق أهداف محددة في ظل الموارد المتاحة عن طريق تطبيق أنسب الاتجاهات الإدارية الجديدة )حسين اسماعيل،2007،20(

3-     أزمة التعليم العالي : هي لحظة حرجة تواجه التعليم الجامعي ، ينتج عنها خلال في أداء كل أو بعض وظائفه،وينجم عنها قلق وتوتر وعدم استقرار داخل المنظومة الجامعية تكون نتيجتها فقدان السيطرة واتخاذ القرار الرشيد)حسين اسماعيل،2007،61(

4-     الهندسة )إعادة هندسة الإدارة( : ‘’إعادة التفكير الأساسي وإعادة التصميم الجذري لعملياتالإدارة بهدف تحقيق تحسينات جوهرية في مقاييس الأداء العصرية والحاسمة مثل التكلفة والجودة والخدمة والسرعة’’ وهي من أهم المداخل الإدارية الحديثة.   )حسين إسماعيل،2007،125(

5-     الإدارة بالتجوال : علم اختصار المسافات الجغرافية والزمنية،وتحقيق التواجد الفعال في مواقع الأحداث:وتحقيق المعايشة الحقيقية المتزامنة ،وتحقيق المشاركة والشورى مع قوى العمل )حسين إسماعيل، 2007،184(

6-     الإدارة بالأهداف والنتائج : تحديد أهداف المؤسسة بإشراك الرؤساء والمرؤوسين في تنفيذها وفق مجال زمني محدد ، تحدد أساليب تحقيق هذه الأهداف ويتم الاتفاق على مقاييس لتقييم الأداء أو النتائج ومحاسبة المستويات في ضوء الانجازات )النتائج( مقارنة بالأهداف )حسين إسماعيل،2007، 229(


آخر تعديل: Thursday، 15 October 2020، 10:23 AM