المحاضرة الرابعة:

ثامنا: العوامل الثقافية المؤثرة في إدارة الجودة الشاملة في التعليم العالي:

   تهتم إدارة الجودة الشاملة بفلسفة تعتمد علي استراتيجية طويلة المدى في تحقيق أهدافها، ولا تقاس نتائجها من خلال فترة قصيرة، وتعتبر هذه الحقيقة من أهم عيوب تطبيق الجودة الشاملة، حيث لا يتوقف تقويم النتائج علي فترة قصيرة، والتقويم لا يقتصر علي رؤية المؤسسة لنفسها أو من وجهة نظرها ولكن توجد قوى وعوامل أخري تحدد نوعية المخرجات التعليمية علي اعتبار أن المخرجات التعليمية تعتبر سلعة تنافسية خاضعة للتقويم بشكل مستمر، وللحصول علي سلعه ذات مواصفات جيدة ومقبولة ( طلاب )؛ لابد من الاستمرارية في العمل بنفس الروح والدافعية خلال مدة تطبيق المنهج، ونحن حين نتحدث عن منتج تعليمي مناسب وهو الطالب فكأننا نتحدث عن تنمية المجتمع، لأن ذلك بطبيعة الحال سينعكس علي المجتمع كله أجمع، فالعلاقة بين الجامعة والمجتمع علاقة ترابطية متبادلة يؤثر كل منهما في الآخر.

  ويخضع تطبيق إدارة الجودة الشاملة في كافة المجالات بما فيها المجال التعليم الجامعي لمجموعة من القوى الثقافية المؤثرة في مرحلة التطبيق، بالإضافة إلي عوامل مستقبلية لابد من توقعها، ومن هذه العوامل:

1-      العامل الاقتصادي: حيث يرتبط النمو والتطوير التربوي بالحالة الاقتصادية السائدة بأي بلد، حيث " تؤثر العوامل الاقتصادية علي التعليم من ناحيتين هما: البناء الاقتصادي للمجتمع والنظرية الاقتصادية التي تتبناها أيضا الدولة " (عبود: 1990 :160 ) ويرتبط التعليم والاقتصاد بعلاقة تبادلية يؤثر كل منهما بالآخر ، و النظرية الاقتصادية إما أن تشكل قيوداً وإما فرض قيود من حيث مقدار التدخل في المجال التعليمي ، حيث يختلف التأثير باختلاف النظام المتبع ، فالنظام الرأسمالي تنطلق منه المعاملات الاقتصادية دون تدخل مباشر من الحكومة في الداخل والخارج للدولة ، بينما تشارك الدول الاشتراكية في تمويل التعليم ولها المزيد من التأثير في عملية التعلم ، بينما النظام الإسلامي إذا استخدم بصورة سليمة وصحيحة  فهو يؤمن بقيمة الفرد وقدرته علي التفكير والإبداع ، وبالتالي فإن النظرية الاقتصادية تنعكس علي الإدارة التعليمية المدرسية والتعليم الجامعي بصورة إيجابية أو سلبية حسب النظام الإداري المستخدم وحجم التمويل المقدم لعملية التعليم .

ويعاني الوضع الاقتصادي الفلسطيني من انتكاسات كبيرة وسوء في كافة الميادين الاقتصادية والتي تنعكس علي مستوي الحياة نتيجة قلة الدخل وازدياد البطالة بسبب الممارسات الإسرائيلية القاسية والتي عملت علي تخريب الاقتصاد الفلسطيني بصورة مباشرة من خلال الدمار الذي أحدثته وتحدثه في البنية الاقتصادية الفلسطينية يوميا، وجعل هذا الاقتصاد يرتبط مباشرة بالسياسة والاقتصاد الإسرائيلي.

 2- العامل السياسي:  وهو يتعلق بنظام الحكم المتبع في الدولة والظروف السائدة المرتبطة بهذا النظام السياسي وما يتبعها من استقرار سياسي، حيث تظهر فلسفة الحكم في ظل النظم الديمقراطية التي تقوم علي ثقة و احترام الفرد، وأن السياسة هي نتاج لقرار الفرد عند التعبير عن رأيه، وتنعكس هذه الفلسفة السياسية علي النظم التعليمية لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية لكافة الأفراد مع وجود نوع محدد من الإشراف علي التعليم لتحقيق الوحدة والاحتفاظ بالدولة كشريك مباشر في عملية التعليم.

    ويعاني المجتمع الفلسطيني من عدم وجود استقرار سياسي واضح نتيجة للأحداث التي تمر بالوضع الفلسطيني، وعدم قدرة السلطة الوطنية السيطرة بصورة كاملة علي عمليات التعليم والتعلم نظراً لوجود الاحتلال الذي مزق أواصر الترابط بين أجزاء الشعب الفلسطيني، وبالتالي يتأثر الوضع التعليمي بصورة مباشرة بالوضع السياسي الصعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وذلك لعدم الاستقرار التعليمي في المدارس والجامعات بسبب تأثير وممارسات الاحتلال الإسرائيلي والتي ينتج عنها عدم استقرار أمني للشعب الفلسطيني.

3-العامل الحضاري: "إن التقدم الحضاري في أي مجتمع يقوم علي ثلاث ركائز أساسية هي: القوي البشرية ، المنظمات والمؤسسات التي تستوعب القوي البشرية ، والنظام التعليمي وسياسته وفلسفته"

      (عبود : 1990 ص 169)

 ويمر العالم حاليا بمتغيرات عديدة تنعكس علي حياة المجتمع ونموه وهي ثورة المعلومات واتساع وانتشار التكنولوجيا المادية والإدارية علي المجتمع ، الأمر الذي ساهم في التقارب بين الدول لسهولة الاتصال والتواصل التكنولوجي ، وأصبح التقدم والتطور  في العالم يرتبط بمدي استخدام الدول لوسائل التكنولوجيا المعاصرة ووسائل الاتصال  الحديثة ، وقدرة الدول أيضا على التأقلم والتصدي لنظام العولمة والحفاظ علي كيانها وقدرتها علي حماية نفسها وأنظمتها المختلفة بما فيها التعليمية من التبعية للدول المتقدمة.

4-العامل الاجتماعي: يشكل النظام الاجتماعي في أي دولة عاملاً مهما لمدي التماسك الاجتماعي في الدولة، فيتميز كل نظام بمميزات اجتماعية تميزه عن غيره، ويرتبط الوضع الاجتماعي بالوضع السياسي السائد، حيث يتميز النظام الرأسمالي والاشتراكي الغربي رغم قوته السياسية بالتفكك وضعف الترابط الأسري، حيث تكثر الذاتية والمصلحة الشخصية وضعف الانتماء للدولة، والاهتمام بالمصلحة الشخصية، لكن قوة الوضع الاقتصادي والعسكري أخفت هذه المظاهر لتلك المجتمعات، بينما الوضع الاجتماعي في ظل النظام الإسلامي المطبق بصورة سليمة يخفي العديد من المظاهر السلبية، ويظهر التعاون والتماسك الأسري والاجتماعي والأخوة والعدل والمساواة واحترام قيمة الفرد وكيانه، وغياب المصلحة الشخصية، وزيادة الانتماء وغيرها من المميزات التي تنعكس علي المجال التعليمي والتي ساهمت بصورة مباشرة في الحفاظ علي كرامة الفرد وعدم تأثره بالعوامل الخارجية السلبية، الأمر الذي يساهم في زيادة تماسكه وحبه للتطوير والتغير دون تبعية لأي نظام جديد.

 بالرغم من هذه القوى المؤثرة في التعليم إلا أنه توجد اتجاهات لقوي مؤثرة مستقبليا ومحتملة بسبب التغيرات المتسارعة حديثا في العالم والتي ستنعكس علي التعليم، وبالتالي يجب علي النظام التعليمي في أي مؤسسة أن يكون قادراً علي معرفة التوقعات المستقبلية الناتجة عن الانفجار المعرفي والتكنولوجي وللتغيرات والقوي الثقافية التابعة لهذه المتغيرات مع القدرة علي استيعابها في النظام التعليمي والتأقلم معها؛ كيلا تحدث فجوة أو تناقض في العمل، ومن هذه القوي المحتملة ( الباز: 1996 ص115-122 ) .


Modifié le: jeudi 15 octobre 2020, 10:26