المحاضرة 3

     1- مفهوم الفن عند علماء الاجتماع: -

-على الصعيد الاجتماعي رأى علماء الاجتماع جمالية الحياة اليومية من خلال تآكل ادعاء الفصل بين الفن و الحياة الاجتماعية اليومية في الوقت الراهن لان الفن مستخرج و مستوحى من صلب الحياة الاجتماعية اليومية و إيقاعاتها الرتيبة.

علاوة على تميز علماء الاجتماع بين نوعين من الأحاسيس عند الإنسان و هي :معن خليل العمر.مرجع سابق ص90

الأولى: يعبر عنها الفنان من واقعه الاجتماعي اليومي و تحويلها –الأحاسيس- الى فن يومي

و الثاني: أحاسيس تعبر عن مشاعر الناس الذين جعلوا من حياتهم اليومية منبعا يصب في مشاريع جمالية بواسطة أو من خلال هدف مترجم على شكل طراز أو أناقة أو تصميم موجود في أو على مظهرهم الملبسي كالأناقة أو على شكل أثاث المنزل لأن الناس يشاهدوا أذواقهم و ما يحيط بهم على شكل صور فنية.

و الشيء البارز في هذا التحديد هو أن علماء الاجتماع لم يروا أي حاجز و انفصال بين الفن و إيقاعات الحياة الاجتماعية اليومية بل هو جزء منها إنما الأكثر بروزا هو عندما تقارن تحديدهم مع تحديد الفلاسفة لمفهوم الفن و على الرغم من عدم اختلافها حول استناد الفن على قاعدة الأحاسيس إلا أن علماء الاجتماع ميزوا بين نوعين منها:

أي فصلوا في ترجمة الفنان للواقع يعكس الأول ترجمة الفنان الحسية لواقعه الاجتماعي اليومي فيما يرى أو يسمع أو يلمس أو يتعايش مع ظواهر أو مشكلات اجتماعية .

و النوع الثاني: تقييما حسيا يروى و يقص و يعبر عن أذواق الناس في الملبس و التزيين و التأنق في تعاملهم مع مظاهر الحياة الاجتماعية-الطبقية و المهنية و الثقافية- بالذات عندما يريد إبراز إمكانياتهم الاقتصادية و موقعهم الاجتماعية أمام الآخرين و ما هو حكمهم على ميول و اتجاهات تأنقهم و تذوقهم للمظاهر الاستهلاكية المترفة و لا يدخل أو يضع تقييمه الحسي مع مشاعر الناس الذين يريدون تصوير حياتهم اليومية.

  2- الفن نتاج اجتماعي:

يعتمد العمل أو الإنتاج الفني على عدة متغيرات متنوعة تعيش في رحم المجتمع يتم تحديدها من قبل طبيعة و ثقافة و جغرافية و عرق و جيل و نفسية و طبقية أفراد المجتمع إذ لا يوجد متغير واحد له تأثيرا منفردا يقوم ببلورة الإنتاج الفني للفنان لأن كل متغير ببحث عن معنى خاص طبقا للمحيط الذي يبرز فيه و لا يمكن أن تكون باقي المتغيرات التي برزت في محيطات أخرى لها نفس التأثير بل تتباين بتباين نوعها و حجمها و فاعليتها هناك مثالا على ذلك : عدم تشابه الأجناس البشرية فيما بينها لأنها مختلفة في تدرجها الاجتماعي .

و كذا الحال مع الإيديولوجي العقيدة الفكرية إذ أنها تكتسب صفات مختلفة استنادا لاستعداد و مزاج و ميل و رغب الأفراد الذين يحملوها و يدافعون عنها فالفن التركي يختلف عن الفن العربي و الأخير لا يشبه الفن الألماني و فنون المجتمعات الرأسمالية تتباين مع فنون مجتمعات كانت تمثل المعسكر الاشتراكي   فالعمل الفني يعكس درجة تأثير المتغيرات الدائرة في المحيط الذي يعيش فيه الفنان و التي عادة لا تكن واحدة في تأثيرها بل يكون هناك تدرجا متباينا في تأثيرها إذ قد بكون متغير الطبيعة أقوى من المتغير الثقافي او العرقي وسواها و هي التي تبلور نوع الإنتاج الفني على الصعيد الموضوعي و الذاتي  .

أي أن عطاء الفنان ينتج عن تفاعل المتغيرات المذكورة سابقا على أحاسيس و ادراكات الفنان التي هي بالأساس سريعة التأثير بها فالمتغير الطبيعي الجغرافي على سبيل المثال يكون المناخ مؤثرا بشكل مباشر على الإطار الفكري للفنان و على مزاجه و عواطفه علما بان ليس كل أفراد المجتمع يستجيبون لدرجة حرارة الجو بنفس المزاج و العاطفة بل يختلفون  و الاختلافات الطقسية  -المناخية بين مناطق الشمال و الجنوب يؤثر على مزاج الناس في تلك المنطقتين على رؤيتهم لطبيعة و على أذواقهم و نزعاتهم نحو الأشكال التذكارية و النصب التاريخية و الرواقات الفنية فالفن المطروح عن الصعيد المصري مثلا غير الفن الذي يعرض في مدن القاهرة و الإسكندرية و الفن السائد في جنوب العراق ليس ذاته المنتشر و الممارس في شماله أو وسطه.

و يحصل  جميع ذلك بسبب تأثير الطقس المناخي الذي يؤثر على أسلوب الفن و إنتاجه الثقافي و الحالية مشابهو مع المتغير العرقي القومي الذي يقوم بالمحافظة على الهوية بشكل أقل مما تعمله الظروف و المتغيرات البيئية في الواقع تفرز المؤثرات العرقية أساسا ثابتا يتضارب مع المتغيرات التاريخية لكن مع ذلك فهو أكثر مرونة و قوة من المتغير الجغرافي لأنه يتأثر بالتنمية و التطور أكثر من الظروف الطبيعية التي  تظهر على الأرض و الفضاءات أو في الجو أن شكل الأعراق يتوحد فقط في المرحلة البدائية للتطور.

ثم يأتي متغير الأجيال الذي يمثل متغيرا سكانيا ديمغرافيا يعتمد على تاريخ ميلاد الفرد و مدة بقائه على قيد الحياة فتاريخ الولادة لا يمكن تغيره حيث لكل جيل صفاته الخاصة في المزاج و الذوق و أسلوب الحياة و علاقته بالأجيال السالفة من عمره.

إذ أن كل فترة تاريخية تمثل خبرة أفراد خاصة بأعمارهم تقدم تفسيرا جديدا  مضافا الى خبرات فترات تاريخية سالفة.

          2-1ثم يأتي المتغير الثقافي الذي ينمو خارج إطار المعلومات الطبيعية و الحاجات الاجتماعية لأنه يربط العالم الموضوعي بالخبرة الطبيعية و بالمستلزمات الجاهزة و بالعالم الطبيعي. إذ أن إبداع الفرد يعود إلى نفسيته و ذوقه و مهاراته و إبداعه بذات الوقت فانه الإبداع لا يعود إلى المبدع ذاته بل يقدم للآخرين لكي يستمتعوا ب هاو يطربوا عليه.

           2-2و بخصوص  المتغير المادي التاريخي: إذ توضح المادية التاريخية القاعدة المادية للفن على الرغم من تمتعه ببنية فوقية روحية لان العمل الفني يتبلور من خلال دوافع الظروف الطبقية و إنتاجها أي أن الإنتاج الطبقي يصبغ العمل الفني بنوعية إنتاجها المادي و رؤيتها للحياة و هذا يشير إلى أن الإبداعات الفنية لا تعكس الانطباعات الشخصية للفنان بل قيم الحياة العليا أو أفكار سابقة عن التصور بحيث لا يمكن تفسيرها على أنها نتيجة العمليات المتأصلة في المحيط المجالي.


Modifié le: jeudi 15 octobre 2020, 10:55