المحاضرة الخامسة:

6-تفاعل الفن مع المجتمع:  معن خليل العمر مرجع سابق ص97

عند  الحديث عن علم اجتماع الفن يتبادر إلى أذهاننا تأثير الفن على المجتمع  و تأثير الأخير على الأول إذ نجد العديد من الأحداث الاجتماعية قد انطبعت على الفن أو عبر الفن بوسائله الجمالية مصورا دقائقها الحسية و القيمية و المعيارية و في بعض أشكاله آثارها و تبعاتها التي بدورها تساهم في تطور تقنياته على الرغم من عدم ترابط الفن بالمجتمع بشكل متراص او تناغم كلي لان كل منهما مستقلا بذاته و معتمدا على الآخر في نفس الوقت.

 و يقوم المجتمع بتحفيز و تحريك آليات الفن ليأخذ شكله و لونه  ليبث أو ليرسل رسالته الفنية الى الجمهور من اجل مشاهدة صورته الانطباعية و التأويلية.

أي ان الفن لم يتبلور من الفراغ بل من وسط الأحداث الاجتماعية القائمة و طالما الأخيرة في حالة تبدل و تغير فان اتجاهات الفن و طبيعته تتغير تباعا حاملا صفاتها و خواصها  و هذه الأحداث تقوم بتحريك و تحفيز الطاقات الإبداعية عند الأفراد الذين يحملون خامات إبداعية خلاقة التي تنمو و تتطور عند تفاعلها مع الأحداث و طرحها على الجمهور المتلقي الذي يستجيب إليها فيقوم بصقلها أو إنضاجها من خلال تذوقه لها جزئيا أو كليا بذات الوقت.

و هذا يوضح  الوظيفة المتبادلة بين الفن و المجتمع لان كل علاقة بينهما تولد تأثيرا بينهما بحيث يبلور نمطا جديدا في الفن أي يخلق التفاعل المشترك بينهما فنا جديدا يعكس نوع و طبيعة العلاقة بينهما و استجابة الفن للأحداث  الاجتماعية يؤدي إلى تغير في بعض أحداث المجتمع الثقافية موضحا تأثير الفن على سلوكية أفراد المجتمع و ذوقهم و طراز معيشتهم و رؤيتهم للحياة و تقلباتها و تطورها و تغيرها حيث تولد التغيرات الاجتماعية على صعيد السلوك و الفكر و الذوق و نمط العيش داخل المجتمع .

 و من هذه الزاوية تكون العلاقة بين الفن و المجتمع ممثلة سلسلة تأثيرات مترابطة لا يمكن كسرها أو فصلها أو عزلها إذ أن المجتمع يتبدل بواسطة الفن الذي هو نتاجه و الفن يواجه و يتحدى البناء الاجتماعي الذي يعكس  عددا من صفاته لكنه يشترك في  أو يساهم في تغير الطرف الآخر و يساهم في تغير النسق الذي يتأصل فيه التغير و بهذه العملية تظهر حالات متزايدة من كثافة الحوافز بشكل دائم و شديد التنافس بين القوى الفنية و الاجتماعية بأسلوب جدلي .

و العلاقة بين الفن و المجتمع تشبه علاقة الجسد بالروح و ذلك بسبب اختلاف مصالح المجتمع لكن في نهاية الأمر تلتقي هذه المصالح مع مصالح المجتمع .

 و مثال ذلك المجتمع العربي –الريفي الذي يطرح فنا يحاكي تقاليد ه الاجتماعية و أزيائه المحافظة و تغنيه بالطبيعة البيئية و الاعتزاز بتراثه الشفوي الذي يتم تناقله من جيل إلى آخر يستخدمه  في المناسبات الاجتماعية السعيدة و يتباهى به أمام أبناء المجتمع المحلي و أحيانا يستخدمه كأحد ألوان الفن الوطني- القومي في المناسبات الوطنية و الحالة ذاتها في المجتمع الصحراوي فلم نجد إنكار المجتمع العربي البدوي أو الريفي للفنون الريفية أو البدوية بل يعتز بها و عند تحضر المجتمع الريفي نجد المجتمع يتبنى الأساليب الفنية الحضرية المدينية للتعبير عن نمط عيشه الجديد المتحضر أي أن التغير الذي أصاب أو يصيب الريف العربي اثر على أساليب فئة و تطورها و لا يلغيها أو يتنصل  منها أو ينكرها.

7-الفن و المؤسسة الاجتماعية:معن خليل العمر مرجع سابق ص.102

تعتبر المؤسسة الاجتماعية احد الحقوق الجوهرية في علم الاجتماع لوصف الممارسات الاجتماعية المتكررة بشكل دوري و منتظم معتمدة من قبل المعايير الاجتماعية و لها أهمية جوهرية في  البناء الاجتماعي مثل الدور الاجتماعي.

و الفن كمؤسسة اجتماعية يفترض أن يضم نتاجات جمالية  متنوعة يضمنها الفنون المرئية و الموسيقية و الدراما و الأدب و إزاء هذا التنوع الفني ينتظم الأفراد حوله من اجل تحقيق و إشباع حاجاتهم الفنية و الإبداعية.

و يجد علماء الاجتماع وقوع الفن تحت تصنيف المؤسسات التي تحافظ على المجتمع و تصون ثقافته لكنه لا يمثل قاعدة أساسية للمؤسسة مثل الأسرة و الاقتصاد أو السياسة أي يمثل الفن أهمية ثانوية في المحافظة على المجتمع و ثقافته.

و من بين علماء الاجتماع الأوائل الذين اعتبروا الفن يمثل أهمية ثانوية هم وليام كراهام سمنر و ميلير و بارنز و بانونزو  جميعهم عدو الفن ذا أهمية ثانوية في المحافظة على المجتمع لأنه يتمتع بخاصية الاستماع الذاتي أكثر من غير ذلك و لأنه لا يمتلك بناءا في واقعيته و لتأكيده على هدف المحافظة على الذات من أجل دوامها و استمرارها لذا فانه يشكل مؤسسة حقيقية.

ثم هناك رؤية مختلفة عما ذكر أنفا طرحها عالم الاجتماع الاسكتلندي روبرت ماكيفير و حديثا الفيلسوف فايلمان اللذان وضعا الفن في مصاف القيم الأولية و ليس الثانوية إنما مجال استخدامه يكون في الحيز الخدمي الذي يقدم خدمة جمالية للإنسان فضلا عن ارتباطه بالمؤسسات الاجتماعية العليا و أن أحكامه القيمية ليست واضحة المعالم و بارزة و ظاهرة للعيان و انه لا يعكس الميول و المواقف المسيحية أو حتى موقف الفلسفة المثالية أمام هبوط القيم المادية لصالح القيم الروحية.

و من بين علماء الاجتماع الوظيفيين تالكوت بارسونز الذي وجد غموضا و إبهاما في معنى الفن في الماضي لكن عدل من رؤيته للفن فيما بعد ووضعه تحت غطاء  النسق الاجتماعي الذي تضمن الرموز التعبيرية التي فصلها عن انساق المعتقدات وعد الفن قاعدة ثانوية و ليست أولية في عملية التنشئة الاجتماعية في المجتمع.

و يرى علماء الاجتماع أن الفن مازال لم يصل الى حالة المؤسسة الاجتماعية بشكلها الناضج و بناء على ذلك فانه شبه مستقل في وجوده بالمجتمع.

8--البناء الفني و المؤسسة الاجتماعية:

ظهرت عقبة ثانية أمام من أرادوا التعامل مع بنية الفن المؤسسية و أملهم هو اعتبارها مشابهة ان لم تكن متطابقة مع البناء المؤسسي الموجود في المؤسسة الاجتماعية فمثلا استخدم فالكون بارسونز التفاعل الاجتماعي معتبرا أن التفاعل الاجتماعي الذي يحصل بين دور الفنان و عامة الناس يأخذ شكل التبادل المباشر أي  تفاعل تبادلي مباشر .

و الفن كبنية مؤسسية يجب أن توفر الإنتاج الفني فيه كموضوع جمالي و خبرة جمالية و ربطها بشبكة كثيفة من العلاقات الاجتماعية و الثقافية إنما هذا الإنتاج غير متكافئ في ألوانه الفنية إذ يعتمد على حيوية لون الفن و عطاءاته.


Modifié le: jeudi 15 octobre 2020, 10:56