مقدمة: 

   يمثل الفكر التربوي الإطار النظري والفكري لما يحتاجه الإنسان في بناء أنظمته التربوية وأبجديات العملية التعليمية التعلمية، ووضع أسسها وقوعداها، وبحث طبيعة العلاقة بين العالم والمتعلم، وأهم ميادين العملية التربوية، وذلك بغية الوصول إلى مستوىً حضاري راق وتحقيق حضارة مزدهرة خاصة في ظل هذا التراكم المعرفي الهائل من آلاف السنين حتى يومنا هذا.

 والتربية عملية اجتماعية تختلف من مجتمع لأخر وذلك حسب طبيعة المجتمع والقوى الثقافية المؤثرة فيه بالإضافة إلي القيم الروحية كما أنها تعني التنمية ولهذا تجد أن التربية لا تمارس في فراغ بل تطبق علي حقائق في مجتمع معين حيث تبدأ مع بداية حياة الإنسان في هذا المجتمع ومن ثم فإن أي تربية تعبر عن وجهه اجتماعية لأنها تعني اختيار أنماط معينة في الأنظمة الاجتماعية والخلق والخبرة ومعنى هذا أن محور الدراسة في التربية هو المجتمع فمنه نشتق أهدافه وحول ظروف الحياة فيه تدور مناهجها ولهذا نجد أن المجتمع هو الذي يحتوي التربية في داخله . ويمكن القول أن التربية تستند إلي أصول مستمدة من العلوم التي تفيد في فهم جوانبها المختلفة مثل علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم السياسة  وعلم الاقتصاد والفلسفة وعلم الحياة فالتربية لها أصولها الاجتماعية والثقافية المستمدة من علم الاجتماع وعلم الانثربولوجيا وهي الأصول التي حولت التربية من عملية فردية إلي عملية اجتماعية ثقافية ذلك أن المدخل إلي فهم التربية ينبغي أن يقوم علي الدراسة العضوية بين الفرد وبيئته التي تعني غيره من الأفراد وما يعيشون فيه من أنظمة وعلاقات وقيم وتقاليد ومفاهيم فالتربية لا يمكن تصورها في فراغ إذ تستمد مقوماتها من المجتمع الذي تعمل فيه كما أنها تهدف إلي تحويل الفرد من مواطن بالقوة بحكم مولده في المجتمع إلي مواطن بالفعل يفهم دوره الاجتماعي ومسئولياته وسط الجماعة التي ينتمي إليها وهي تحدث بطريقة مباشرة فهي تحدث في المدرسة وفي المنزل  وفي غيرهم من المنظمات والمؤسسات وهذه ( التربية )  وسيلة لاستمرار الثقافة مهما كان الطابع العام لهذه الثقافة ودرجة تطورها حيث أن الثقافة لا تولد مع الأفراد ولا تنتقل إليهم بيولوجيا كما هو الحال بالنسبة للون الشعر أو البشرة وإنما يكتسبونها بالتعلم والتدريب والممارسة في دوائر الحياة الاجتماعية التي يعيشون منذ مولدهم ويرتبط نمو الفكر التربوي بمدى تقدم الأمة حضارياً ، فالحضارة تمثل البيئة الصالحة لإنبات الفكر التربوي ، وهو أداتها ووسيلتها في تخليد ذاتها وضمان تناقلها وانسيابها عبر الأجيال ، وهو في المقابل روحها التي تسري في بنائها ويغذيها بشتى أسباب النمو والازدهار وصولاً بها إلى القمة، وهذه سمة بارزة في كل الحضارات القديمة والحديثة.

وعلى ضوء ما سبق فقد أصبحت دراسة الفكر التربوي الحديث تتويجاً للماضي في ظل مستجدات العصر الذي نعيشه من تطور في وسائل الاتصال والتراكم المعرفي الهائل وقيام حضارات محل أخرى ، وتغير ظروف وطبيعة الحياة من وقت لآخر وتحت تأثير المستجدات كالحروب ، والصراعات ، والتقدم العلمي والتقني، وفي ظل تعدد المذاهب والأطر الفكرية المعاصرة واختلاف أنماط التفكير وأشكال السلوك وتبدل الطبائع والعادات 

وبناء على ما سبق فقد حاولت تقديم هذه المطبوعة البيداغوجية التي تضمنت تتبعا لتاريخ الفكر التربوي لدى المجتمعات القديمة وعند الحضارات الإنسانية السابقة والحديثة والمعاصرة، وتقديم ذلك في أربعة عشر محاضرة مقسمة على أربعة محاور كما يلي:

- المحور الأول: تاريخ الفكر التربوي قديما: تعريف الفكر التربوي، تاريخ الفكر التربوي في المجتمعات البدائية وفي الحضارات القديمة : التربية البدائية، التربية المصرية الفرعونية، التربية الفارسية، التربية الهندية، التربية الصينية
- المحور الثاني : التربية في العصور الوسطى: التربية في العصور الوسطى الأوربية، التربية في العصور الوسطى الإسلامية

- المحور الثالث: التربية في العصور الحديثة: التربية في القرن السادس عشر، التربية في القرن السابع عشر، التربية في القرن الثامن عشر، التربية في القرن التاسع عشر

- المحور الرابع: التربية في المجتمعات المعاصرة: التربية في القرن العشرين

آخر تعديل: Saturday، 13 February 2021، 12:21 PM