المتأمل لتاريخ الجزائر يجده تاريخ استعماري طويل، يمتد من عصر الرومان إلي الوندال إلى البزنطيين، ثم يأتي عصر الفتوحات الإسلامية وتلاقح الثقافة الأمازيغية مع الثقافة الوافدة مع المسلمين، فالدولة العثمانية بما حملته من تغيرات على بنية المجتمع الجزائري وخصائصه، ثم مرحلة الاستعمار الفرنسي، وبعدها جزائر الاستقلال والتأسيس والبناء.

هي محطات تاريخية طويلة ومريرة عايشها الشعب الجزائري بصبر وثبات، وكابد فيها معاناة كبيرة على كل المستويات، خاصة ما تعلق بهويته وثقافته من خلال ما تعرض له من محاولات طمس وتشويه أثناء الاستعمار الفرنسي. لكن تمسكه بدينه، وقدرة المؤسسات الدينية على التعايش مع معطيات كل مرحلة تاريخية ومرونة نظامها التعليمي كان مفتاح النجاة والنصر في كل مرة.

ويحيطنا هذا العمل علما ومعرفة بمراحل تاريخية أربع ارتسمت من خلالها هوية المجتمع الجزائري ومكوناتها، بما يميّزها من تعايش للثقافات والتسامح الديني بين المذاهب والتضامن ضد كل أجنبي محتل، من بداية الفتوحات الإسلامية وجزائر المغرب الأوسط إلى العهد العثماني، ثم فترة الاحتلال الفرنسي، وتليها فترة الاستقلال ومحاولة التأسيس لمنظومة تربوية وطنية تستوعب تطلعات المجتمع الجزائري بما يحافظ على الأصالة ويفتح لها أبواب المعاصرة والتطور والتقدم.

والتعرف على رجالات التربية والتعليم في الجزائر عبر مختلف المراحل التاريخية التي مر بها المجتمع الجزائري، لنستلهم من مواقفهم وآرائهم التربوية.

كما يزيدنا اطلاعا بالمؤسسات التي اضطلعت بدورها التربوي في ظل ظروف تميزت بالتضييق على نشاطها تارة ومحاولة استغلالها وتحويرها عن دورها الذي أنشئت من أجله. خاصة وأن التربية والتعليم كانا مرتبطين بالدين الإسلامي.

ويتميز عملنا الحالي بتناول المعطى التاريخي للمجتمع الجزائري في قالب إشكالي مع محاولة تقديم قراءة سوسيولوجية لكل مرحلة دونما تأويل أو تحوير للوقائع. مع استخراج القضايا التربوية التي تخص منظومة التربية والتعليم في الجزائر كنوع التعليم؛ رسمي أو غير رسمي، تمويل التعليم، واقتصادياته، الوضع الاجتماعي للمعلمين وتكوينهم، المؤسسات التربوية التي تقوم بالتربية والتعليم، البرامج والمناهج والمحتويات وطبيعتها ومصادرها، فلسفة التربية وما تهدف إليه في كل مرحلة تاريخية ومميزاتها وخصائصها، والمسارات التربوية وشروط التدرج من مستوى دراسي لآخر، المتعلمون وأوضاعهم الاجتماعية، ومدى التكافؤ بين مخرجات التربية والتعليم وفرص العمل التوظيف في التربية والتعليم والشروط التي يخضع لها في كل مرحلة، الاعتبار الاجتماعي للعلم والمتعلم وحب وتقديس العلم والمعرفة من طرف المجتمع الجزائري.