Aperçu des sections

    •                     

      محاضرات في مقياس النظم السياسية المقارنة الأستاذ : جعفري عبد الرزاق
                    

      محاضرات السداسي الأول

      لسنة الثانية ليسانس LMD

      الأستاذ : جعفري عبد الرزاق

      السسنة الدراسية : 2022/2023

      تمهيد: تكتسي دراسة النظم السياسية أهمية كبرى  في حقل العلوم السياسية ، ذلك أنها هي المرأة التي تنكشف من خلالها ممارسات الإنسان السلطوية على بقية أفراد جنسه ، بإعتبار السلطة هي إحدى المواضيع الرئيسية للعلوم السياسية ، من خلال انقسام البشر إلى فئة حاكمة وأخرى محكومة ، وتزداد أهمية دراستها في العالم المعاصر ، ذلك أنها تسمح بفهم الأنظمة السياسية لأكثر من مائتي دولة الموزعة عبر العالم ، بعد ما كانت في السابق تقتصر على دراسة القانون الدستوري ، الذي يعجز عن تصوير حقيقة الأنظمة السياسية كما هي في الواقع ، بل يقتصر على النصوص التي تحويها الوثائق الجامدة ، والتي تنظم طريقة الحكم في دولة ما ، بينما تذهب النظم السياسية إلى دراسة كيفية سير المؤسسات الدستورية في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحيطة بها ، وبهذا فإن مادة النظم السياسية تبحث عن الإجابة الموضوعية التي تحكم بها الشعوب فعليا لا شكليا من خلال النصوص القانونية .

           إن المتأمل في عنوان مقياس النظم السياسية المقارنة ، يملي علينا سيرورة عملية لكيفية تقديم مادة المقياس ، والتي تتمثل في ضرورة معرفة وتحديد المعاني التي تتضمنها المصطلحات المكونة له ، فتعريف النظام عموما يتيح لنا أن نوظفه في أي ميدان نريد أن نصفه به ، كأن نقول النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي...إلخ ، وفي حالتنا هذه ألحقنا مصطلح النظام بمصطلح أخر وهو السياسي ، الذي هو الأخر يتطلب منا تحديد مفاهيمه ، خاصة وأنه إحدى المفاهيم التي سال من أجل ضبطه حبر كثير من أقلام مفكري علم السياسة ، باعتبار أن تطور علم السياسة مرتبط بضيق واتساع وامتداد مفهوم هذا المصطلح.

           فإلحاق أي معنى ومفهوم "السياسي" الذي نقف عليه بمعنى النظام المحدد سابقا ، سيثمر في أذهاننا معنى واضح لمفهوم النظام السياسي ، وهو الهدف الذي نسعى إليه قبل البدء في دراسة الأبعاد الأخرى .

            وبعد الإحاطة بمفهوم النظم السياسية وما يقتضيه من تفصيل ، نعمد إلى دراسة مصطلح المقارنة لتحديد معناها العلمي ، وهو المعنى الذي ينير جهد دراستنا ونحن نجتهد في تحديد أهم الأطر النظرية للتحليل المقارن للنظم سياسية ، وضبط أهم متغيرات ومؤشرات مقارنة هذا النظام السياسي بالأخر.

      مفهوم النظام : يعد مفهوم النظام إحدى المفاهيم الذي اشتغلت عليه نظرية التنظيم والتسيير، ونظرية النظم Systems théorie ، وتعد هذه الأخيرة محاولة منهجية شاملة لدراسة وفهم أي ظاهرة في الحياة والطبيعية ، وذلك من خلال تفكيكها إلى عناصرها ومكوناتها الأساسية ، وفهم علاقات هذه العناصر والمكونات ضمن إطار عام .

             يعرفه المعجم  marriam webster’ collegiate dictionnary  بانه "مجموعة من العناصر المتفاعلة باستمرار والمعتمدة على بعضها البعض والتي تشكل كلا موحدا" .

             وفي العلوم العسكرية نجد معنى النظام بأنه : " تركيب من التجهيزات والمهارات والتقنيات القادرة على تنفيذ ودعم دور عملياتي ما " ، وعليه يمكن القول أن النظام هو تركيب متكامل من الناس ، والمنتجات ، والسيرورات التي توفر مقدرة على تحقيق حاجة أو غرض محددين.

            ويعرف النظام أيضا بأنه مجموعة القواعد الاجتماعية المتعلقة بمجال ما، وهذه القواعد تشتمل على قواعد قانونية ، كما تشتمل على عادات ومبادئ و قيم اجتماعية.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  

            كما يعتبر النظام مجموعة من البشر المتحدين للسعي في إطار نشاط بسيط ، أو معقد من أجل أداء مجموعة من الوظائف ، كما عرف النظام بأنه : "مجموعة من العناصر او المكونات التي تتفاعل مع بعضها البعض لتحقيق هدف في اطار محدد " ، مثل النظام السياسي ، النظام الاقتصادي ، النظام العددي ، ونظام المعلومات ، وبهذا يمكن القول أن النظام هو:

      - مجموعة من الأجزاء التي يتشكل منها النظام.

      - مجوعة من العلاقات المتبادلة فيما بين هذه العناصر.

      - إطار يجمع هذه العناصر وتلك العلاقات في كيان واحد.

            وقد قدم رئاسة المجلس الدولي لهندسة النظم تعريفا للنظام بأنه " بناء أو تجمع لعناصر مختلفة ، تولد معا نتائج لا يمكن الحصول عليها من العناصر وهي منفردة " .

           ويمكن تعميق فهم النظام بتحديد العناصر التالية :

      1- يتألف النظام من تركيب معقد من الموارد المادية والبشرية والمالية.

      2- يحتوي كل نظام على نسبة ودرجة من الهرمية ، فأجزاء النظام القاعدية تتأثر بشكل كبير بأداء النظام في هرمه.

      3- يمكن تجزئة النظام إلى نظم جزئية ومكونات تتعلق بها

      4- يجب أن يكون للنظام غاية يسعى إليها عن طريق اشتغاله بمجموعة من الوظائف    

             وقد ظهر مفهوم النظام في مختلف فروع المعرفة ، حيث جرى التعامل مع مختلف العلوم الاجتماعية على أنها تعبر عن نظم أو أنساق قائمة بذاتها ، لذا وصفت ب : النظام الدولي ، النظام الاقتصادي ، النظام الاجتماعي ، وأخيرا النظام السياسي الذي هو محل دراستنا في المحاضرات اللاحقة .

      تطور موضوع علم السياسة وأثره على مفهوم النظام السياسي : يثير مصطلح السياسة غموض وصعوبة في القبض على معناه ، والسياسي هي صفة مشتقة من السياسية ، وهي تتضمن إستخدام السلطة من جانب الحكام ليتمكنوا من قيادة من يسوسون من المحكومين لتحقيق المصلحة العامة ، فالسياسة لغة هي القيام على الشيئ بما يصلحه ، غير أن مفهومها عند المتخصصين يدور حول الدولة والسلطة شكلا وموضوعا ، من خلال تنظيمهما وأشكال ممارستهما ، وعملهما ومجالات نشاطهما ، وبهذا يكون مفهوم النظام السياسي على أساس الجانب الشكلي بمثابة نظام الدولة ، وما يتضمنه من تنظيم الحكم فيه ونشاط حكامها.

           غير أن نشاط الدولة قد تطور في الفترة المعاصرة ، حتى أصبح هناك الجانب الموضوعي المعيار الاساسي في تعريف النظام السياسي ، بعد ما كان مدلوله التقليدي يقصد به شكل الدولة والحكومة.

      الدولة كموضوع لعلم السياسة : يعتبر مفهوم الدولة من المواضيع الأولى التي اهتم بها علم السياسة ، فالظاهرة السياسية في بداية ميلاد علم السياسة هي الدولة ، والتي تعود جذورها إلى " نظرية أرسطو" ، التي تعتبر دولة المدينة هي المجتمع الرئيسي الذي يتضمن كل المجتمعات الأخرى ، وهو أرفعها شأنا ، وقد ترسخ هذا الاعتقاد بالدولة كموضوع لعلم السياسة ، مع ظهور الدولة القومية في القرون الوسطى ، وازدهارها في القرن التاسع عشر ، لدرجة أن "la bigne de Villeneuve marcel"  يقترح مصطلح علم الدولة (statologie)  كبديل لعلم السياسة لاعتقاده بأنه أكثر دقة ، وهو نفس الموقف الذي تبناه المفكر " مرسيل بريلو".

               ويحدد "روجيه سالتو" الدولة كأساس طبيعي لمعنى السياسي ، وعليه فإفرادها بالدراسة في العلوم السياسية ، هو الذي يجب أن يكون ، لذا يدعو إلى " دراسة الدولة وأهدافها ، والمؤسسات التي تسمح بتحقيق هذه الأهداف والعلاقات القائمة بينها وبين أفرادها الأعضاء ، والعلاقات القائمة بينها وبقية الدول ، وما اعتقده الناس وكتبوه وقالوه عن هذه المواضيع".

             وتأكد النظريات السياسية ومؤسسي الماركسية ، أن الدولة هي " جهاز خاص يمتلك بنية مادية متميزة ، لا تقبل الرد إلى هذا النمط ، أو ذاك من أنماط سلوك السلطة السياسية " ، وتمتد فعاليتها إلى سائر مجالات الحياة اليومية الوظيفية والقمعية ، والذي يشكل الضمان الاجتماعي وتحصيل الضرائب إحدى الصور الوظيفية لها ، وعليه فالدولة في نوعها الأول هي مفهوم تقني البحت ، ذات الوظائف الاجتماعية البحتة.

          أما الدولة عند " ميكيافيلي" هي تلك السلطة التي تسيطر على الدولة وتقيم علاقات مع الطبقات الاجتماعية الأخرى .

      إن هذا التعريف إذ يبحث عن مفهوم الدولة ، فهو يشير إلى مفهوم أخر لسياسي وهو السلطة ، كما أنه يقر أن هذه السلطة تقيم علاقات مع الطبقات الاجتماعية الاخرى ، غير أنه لم يفصح عن طبيعة هذه العلاقات ، وهو الافصاح الذي يوضح لنا  طريقة تحكم هذه السلطة  على سائر الطبقات الاخرى .

            وفي الفكر العامي اليوم تأخذ الدولة معاني متعددة و هي :

      - تعني كلمة الدولة مجموعة منظمة قاعدتها الاجتماعية الأمة ، وهذا هو المقصود عندما نقول أن مصر والجزائر دول ، أو الأمة المصرية أو الأمة الجزائرية .

      - المعنى الثاني أضيق : ويراد به الحكام بالمقابلة بالمحكومين ، وهذا هو المقصود عندما نقول ان السلطة عجزت عن حل مشكلة معينة.

      - معنى تشير فيه كلمة الدولة إلى جزء من السلطات العامة، وهو السلطة المركزية بمقابل السلطة المحلية، وهذا هو المقصود عندما نقول على السلطات المحلية تنفيذ الخطة العامة للدولة.

      - والدولة في مفهومها الواسع والقانوني: هي تجمع بشري مرتبط بإقليم محدد، يسوده نظام اجتماعي وسياسي وقانوني ، موجه للمصلحة المشتركة ، تسهر على المحافظة على هذا التجمع سلطة مزودة بقدرات تمكنها من فرض النظام ، ومعاقبة من يهدده بالقوة.

           غير أن النقاشات المتخصصة تطرح على مفهوم الدولة جملة من الاستفهامات منها :

      هل الدولة تعني :

      1- المجتمع السياسي بأكمله ، أو الأداة الحكومية التي تؤمن سير عمله ؟ وهل من الأفضل أن نرى فيها الأمة المنظمة قانونيا ، أو أن نعتبرها مجرد ظاهرة قوة ، أو نحددها استنادا إلى الوظائف الملقاة على عاتقها.

      2- أن مقولة الدولة لا تسمح بتفسير مجمل الظواهر السياسية التي سبقت ظهور الدولة ، كمفهوم القبيلة والعشيرة والمدينة ، أو المستجدة اليوم كبحث العلاقات القائمة بين البلدان ، والتجمعات والاتحادات والأحلاف التي ظهرت بين الدول ، والتي هي جزء من الحياة الدولية.

      3- تركز مقولة الدولة على المظاهر المؤسسية ، على حساب الدراسات التي تتناول السلوك السياسي و دور العاملين بها.

      4- نفور عدة علماء من قبول الدولة ، كمقولة عمل أساسية لعلم السياسة ، و ذلك نتيجة قيامها على تصورات مثالية مجردة من مرتكزاتها المادية ، بإبرازها على أنها فكرة تسمو على الأفراد ، و الجماعات المؤلفة لها.

      مفهوم النظام السياسي باعتبار مفهوم" السياسي" هو الدولة: إن إلحاق الدولة كموضوع لمعنى السياسي في بداية الأبحاث في علم السياسة بالنظام ، سيجعل من مفهوم النظام السياسي ينحصر في مفهوم " نظام الدولة " ، وهو فعلا ما نهضت به دراسات القانون الدستوري و النظم الدستورية ، و التي اهتمت بالجانب القانوني لمفهوم الدولة ، دون صرف الذهن للجوانب الموضوعية ، و هي بحوث عاجزة عن تصوير حقيقة الأنظمة السياسية ، كما هي في الواقع ، بل تقتصر على النصوص التي تحويها الوثائق القانونية و الإدارية الجامدة ، و التي تنظم طريقة الحكم في دولة ما ، بينما تذهب النظم السياسية إلى دراسة كيفية سير المؤسسات الدستورية في الظروف الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية المحيطة بها.

             ولأن هذه الظروف في مطلع ظهور الدولة الوطنية ، لم تكن محل اهتمام الدولة ، و ذلك لاقتصار نشاطها في البداية على حماية البلاد من الاعتداء الخارجي ، و ضمان الأمن الداخلي ، و تحقيق العدالة من خلال السهر على سلامة المعاملات بين الأفراد عن طريق جهاز القضاء ، و إشباع الحاجات الأساسية التي يعجز عن إشباعها  النشاط الفردي ، و من ثم كان مفهوم السياسي محدد بهذا الإطار ، و كان نشاط السلطة تفرضه المحافظة على الجماعة ، و ليس تعديل نظامها الاجتماعي ، و بالتالي كان لكل من السياسة و الاجتماع مجالها الخاص ، فالسياسة تجد مجالها في حماية بعض المصالح العامة الكبرى ، و الاجتماع مجاله نشاط الأفراد الحر ، و معاملتهم التي لا سلطان للسياسة عليها ، ولكن نشاط الدولة اخذ يتسع شيئا فشيئا ، حتى تدخلت في مجالات كانت محظورة عليها من قبل ، و أصبحت توجه المعاملات الخاصة ، و تنظمها بصورة جعلتها تؤثر تأثيرا مباشرا في النظام الاجتماعي ، فاتسعت فكرة السياسة في مفهومها ، و دخلت فيها عناصر اجتماعية ، حتى أصبح مدلول السياسي يكاد يشمل كل ما يمكن أن يكون له تأثير على النظام الاجتماعي ، و في نفس الوقت ، فان النظام الاجتماعي لم يعد مجرد حقيقة على هامش السياسة بل أصبح عنصرا أساسيا في النظام السياسي ، بحيث يستوجب تحليل النظام السياسي لبلد معين أن لا يقتصر على دراسة نظام الحكم فيه ، بل يجب أيضا تحليل نظامه الاجتماعي الذي يزخر بالقوى الاجتماعية ، كالأحزاب ، وفئات اجتماعية  تختلف عن الدولة ، وهذه القوة تأثر في صياغة القرار السياسي ، كما تأثر في شخصية الدولة كما أن الجانب الوظيفي للدولة لم يسلم من النقد لان دراسة النظام السياسي من زاوية النصوص الدستورية لم يعد يتفق وحركية الظاهرة السياسية ، وبالتالي نصل إلى أن العلوم السياسية لا تعني القانون الدستوري، لان علم السياسة يتجاوز دراسة الجانب المادي من نصوص والأحكام ، بل يحاول ويبحث في روح النصوص بغض النظر عن تطبيقها، ورد الفعل حول هذه النصوص، ودراسة السلوك السياسي لمختلف القوى، سواء السياسية منها او الاجتماعية، والمعروف ان الدستور نص قانوني جامد، غير انه مع مرور الوقت تطرأ عليه مستجدات ترافق تطور المجتمع، ولذا كان من  الضروري  التوجه إلى الأخذ بالنظرية السوسيولوجية لفهم النظم السياسية .

      التحليل السوسيولوجي لنظام السياسي: تعد المدرسة الفرنسية هي المدرسة التي تأثرت بالنظرية القانونية للنظم السياسية ، غير أن النظرية السوسيولوجية تعبر عن اتجاه المدرسة الأمريكية ، والمعبر عنها كل من هارولد لاسويل وجبرائيل الموند، باعتقادهما أن النظام السياسي يعتمد في نشاطه على استعمال القوة الشرعية وفرض الطاعة ، وتعد المدرستان البنيوية و التحليلية  هما الرائدتان في الأخذ بهذا المفهوم ، والذي مضمومه انه ليس بوسعنا فهم معنى السياسي بمعزل عن البيئة الاجتماعية المحيطة به ، فالبيئة الاجتماعية الكلية تنشئ علاقات وصفات مع الظاهرة السياسية ، لا تظهر لنا في حالة أخذنا إياها منعزلة ، وهو ما يؤكد لنا أن الفعل السياسي للنظام السياسي ، يقع في نسق من النشاطات الاجتماعية الكلية(من اجتماع ، اقتصاد، ونفسية اجتماعية وثقافية...إلخ) ، و هو ما يضع على عائق علم السياسة عدم تجاهل ما يجري في المجالات الأخرى ، وهذا الامتداد والاهتمام يجعل من دراسة النظام السياسي لا تقتصر عند المفهوم السياسي الضيق للدولة ، بل يمتد إلى الجوانب الأخرى التي يصل إليها ، وبالتالي فدراسة الفعل السياسي وبنيته تقتضي منا دراسة التاريخ والجغرافيا ، وعلم السكان ، وعلم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم الاقتصاد... الخ، وهي الدراسات التي تؤكد وتثبت لنا علاقة علم السياسة ببقية العلوم الأخرى ، فاحتكاك العلوم الاجتماعية ببعضها البعض أمر لا غنى عنه ، فهو يوفر لها مكاسب متبادلة ، وقد أطلق الأمريكيون على ذلك الإخصاب الصعبcross- fertilization  ، لذا جاءت محاولات أخرى لدراسة معنى السياسي خارج الاطر الدستورية للدولة ، والبحث عن معناه في مفهوم غير مفهوم مقولة الدولة ، وهو المفهوم الذي نتناوله فيما يلي.

      السلطة كموضوع لعلم السياسة: لم تبدأ السلطة كمفهوم لعلم السياسة إلا من خلال الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين ، ويعد "وليم جيمس" أحد الرواد القائلين بهذه الفكرة ، إذ يقول " إن علم السياسة يقوم على دراسة السلطة في المجتمع ، ودراسة أسسها وعملية ممارساتها ، وأهدافها ونتائجها " ، وقد انظم إليه كل من " شارل مريام" ، "هارولد لاسويل" ، "جورج كاتلين" ، ومن أهم الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى التحول عن موضوع الدولة كمفهوم وحيد لمعنى السياسي ، هو ضآلة فائدة الدراسات التي انحصرت وأنكبت على هذا المفهوم ، خاصة مع تطور التقنية ، وتحكمها في طرق المواصلات والاتصالات ، والتي زادت من أساليب الضغط والتأثير ، وهو ما جعل هؤلاء يلاحظون الفرق الكامل بين تأثير النصوص القانونية الذي تعتمده هذه المؤسسات الحكومية ، وعملها الواقعي ، مما دفعهم إلى التركيز على المضمون الحسي للنشاط الحكومي ، والطرق المطبقة لتأكيد الطاعة ، كما ظهرت على المجتمعات الديمقراطية تطور عميق ، إذ اتسع نطاق القطاع العام ، وتزايدت التعديات على الامتيازات والأملاك الفردية.

       

       

      مفهوم النظام السياسي باعتبار مفهوم السياسي هو السلطة :

              يفترض وجود نظام سياسي ، وفق رؤية مفهوم السياسي على انه السلطة ، وجود علاقة بين طبقتين متمايزتين من حيث حيازاتهما على السلطة ، وهما طبقة الحكام وطبقة المحكومين ، وظاهرة السلطة هي التي تضفي على النظام السياسي صفته ، وطبيعته المميزة له عن النظم الاجتماعية الأخرى ، ولقد انبرى لتعريف النظام السياسي وفق هذه الرؤية العديد من المفكرين ومن بينهم :

      تعريف هارولد لاسويل: لقد نظر هذا المفكر إلى النظام السياسي من زاوية النخبة السياسية التي تحوز على السلطة ، وهو بهذه النظرة سلوكي النزعة ، التي تستلزم معرفة طبيعة النخبة السياسية داخل النظام السياسي التي تملاه وتحركه ، وهي المعرفة التي تقتضي تناول الخصائص الشخصية ، كالسمات ، والمهارات ، وتأثير المشارب الاجتماعية التي تنحدر منها النخبة السياسية ، وهي المعرفة التي تسمح لنا باكتمال صورة النظام السياسي من خلال تحديد وطرح السؤال ، من ؟ يحصل على ماذا ؟  متى ؟ كيف ؟   

      فالسؤال من : يجيب على نخبة النظام السياسي وهويتها .

      أما السؤال ، يحصل على ماذا : يجيب على الموارد السلطوية للنظام السياسي .

      و السؤال متى ؟ : يجيب عن الظروف التاريخية التي أدت إلى القيام هذا النظام السياسي

      أما السؤال كيف ؟ يشير إلى كيفية بناء هذا النظام السياسي .

                ويميز "لاسويل ، وكابلان" في كتابهما "السلطة والمجتمع 1950" ، بين السلطة والنفوذ ، بالقول: أن التهديد بالجزء هو الذي يميز السلطة عن النفوذ بالقول: " أن التهديد بالجزاء هو الذي يميز السلطة عن النفوذ بصورة عامة ، فالسلطة تؤلف حالة خاصة من حالات ممارسة النفوذ ".

      أما ماكس فيبر: فقد جعل من السلطة هي الإمكانية المتاحة لأحد العناصر داخل علاقة اجتماعية  معينة  ليكون قادرا على توجيهها حسب مشيئته ، وهو المفهوم الذي استخدمه في بحثه عن شرعية القوة كدليل لفهم النظام السياسي ، فهو يرى أن النظام السياسي هو الذي يحتكر أو يمتلك حق الاستخدام الشرعي للقوة ، وهو بهذا يتفق مع" لاسويل" في التركيز على القوة ، لكنه يختلف معه في بحثه عن مصوغات استخدامها التي تضفي على النظام صفة الشرعية ، وهو يرى أن الشرعية تتحقق من خلال مصادر ثلاث هي :

      1- مصادر تقليدية : وهي التي تعطي الشرعية للنظام السياسي لممارسة القوة ، فيما يسميه القهر المشروع ، والمتمثل في التقاليد ، الأعراف ، الموروث الثقافي والديني لدى المجتمعات المحافظة ، او غير المتطورة .

      2- مصدر السمات الشخصية للحاكم : والتي من شانها أن تخلق رضى تام بممارسة النظام السياسي للقوة ، وتتخلص هذه الصفات في كاريزما الحاكم ، التي تعضدها مجموعة من السمات ، كالتفوق ، البطولة ، الخلق الحسن ، والنزاهة التي يتسم بها القادة والزعماء ، والتي من شانها أن تضفي من القبول والتأييد ، ما يجعل من ممارسة القوة قهر مشروع .

      3- مصدر القواعد القانونية التي حازت على رضا وقبول المجتمع ، وهي الكفيلة من جعل الحاكم الذي تأتي به ، ويتقيد بها ، مشروعا في ممارسته للقهر المشروع ، ويكشف تعريف "ماكس فيبر" عن القيمة المركزية التي يدور حوله مفهوم السياسي ، من خلال تعريفه للسياسي بأنه : "مجموعة الجهود المبذولة للمشاركة في السلطة أو التأثير في توزيعها بين دول ، أو بين المجموعات المختلفة داخل الدولة نفسها ، كما يعرف السياسي كمجال للتصارع بين الأفراد والجماعات ، تصارعا يهدف للحصول على السلطة السياسية للدولة ، من اجل تطبيق برامجهم الإيديولوجية ، مثال ذالك المجموعات والأفراد المنتمين إلى الأحزاب السياسية ، والمنظمات الأخرى .      

             إن محاولة إدخال هذا المفهوم للسلطة عند ماكس فيبر مع مضمون مصطلح النظام ، من أجل تأمين الوظيفة التي يدور حولها السياسي عنده ، تنتهي بنا إلى القول على أن النظام السياسي هو : كل الجهود التي تنصب حول عملية تنظيم الصراع على السلطة داخل المجتمع ، للحصول على السلطة ، وفق مجموعة من الأهداف والقواعد والمبادىء والقيم والمنطلقات ، كما نجد "روبال دال" أعطى لمفهوم السياسي معنى بأنه : " نمط مستمر للعلاقات الإنسانية يتضمن التحكم ، النفوذ ، والقوة أو السلطة بدرجة عالية ، وهذا التعريف من الاتساع حتى يشمل عناصر فوق النظام السياسي والدولة ، ويشمل عناصر أقل منها مثل العائلة والقبيلة ، وقد ضمن هذا النمط المستمر للعلاقات الإنسانية بعد قيمي ، من خلال استهدافه الصالح العام  في تعريفه الذي أورده في كتابه " التحليل السياسي الحديث" لمفهوم السياسي بأنه : " نشاط عام ، ينطوي على أهداف عامة ، أو مصالح عامة ، أو خير عام ، أو أي مظهر من مظاهر الحياة البشرية ، يكون عاما بصورة واضحة.

           إن محاولة تحقيق الوظيفة التي حددها " روبال دال" لمعنى السياسي ، وفق عملية تنظيمية معينة ، نخلص للقول على أن النظام السياسي عنده ، هو تلك الحلول ، والإجراءات والتفاعلات ، التي تنشأ بين السلطة والمجتمع ، في إقدامها على تحقيق الصالح العام ، وهي خطوة لا تخلو من فكرة القوة والقهر .

              أما " دافيد إستن " ، فقد جعل من مفهوم السلطة التي هي تلك الوظيفة التي تنهض بها المؤسسات الرسمية تجاه المجتمع ، والمتمثلة في التوزيع السلطوي للقيم ، بما تتخذه من قرارات ملزمة للجميع ، وخاصية الإلزام هذه ، هي التي تحدد الفرق بين النظام السياسي والنظم الاجتماعية الأخرى ، كالأسرة التي توزع القيم بين أفرادها ، لكنه توزيع يخلو من القهر والإلزام ، وعليه يعرف "دافيد إستن " النظام السياسي بأنه مجموعة من التفاعلات والأدوار التي تتعلق بالتوزيع السلطوي للقيم ، فعنده فإن عملية تخصيص القيم تعتبر الخاصية الأساسية للنظام السياسي ، ذلك أن إي مجتمع تنشأ فيه خلافات بين الأفراد حول عملية توزيع القيم ، التي يضطلع النظام السياسي بحلها ، بما يتخذه من قرارات ملزمة للجميع ، وفق نظام معين ، تتضح فيه مختلف التفاعلات والأدوار أثناء عملية التوزيع .

            وعند "جبرائيل ألموند " تتضح قناعته بموضوع السلطة كموضوع لعلم السياسة ، من خلال التوجه إلى دراسة وظائفها داخل المجتمع ، وتحديد أهدافها وغاياتها ، فهو ينزع إلى المدخل الوظيفي للسلطة ، الذي يبحث عن وظائف النظام السياسي التي يقوم بها ، والغايات المرجوة منها ، فهو يصور النظام السياسي بأنه : " نظام من التفاعلات الوظيفية التي من شأنها أن تحقق الاستمرار والتكيف ، وهذه التفاعلات الوظيفية للنظام السياسي ، تمارس باستخدام القسر المادي ، أو بالتهديد  باستخدامه ، سواء كان استخداما شرعيا ، أو استبداديا  فالنظام السياسي هو القيم الشرعي على أمن المجتمع ، والصانع الشرعي لما يحدث فيه من تغير.

            كما نجد " تالكوت بارسونز" يعتبر النظام السياسي فرع من فروع النظام الاجتماعي الكلي ، الذي يشمل مجموعة من الأنظمة الفرعية ، فالنظام الاجتماعي عنده منظم بطريقة منطقية عقلانية ، في صورة بنية اجتماعية كلية للفعل الاجتماعي ، الذي يتكون من الفاعل والوسائل التي يستخدمها ، والغايات التي يطمح إليها ، والبيئة المادية والاجتماعية ، فضلا عن المعايير والقيم الموجهة للفعل الاجتماعي ، التي هي بمثابة السلطة والقوة الشرعية القائمة على الإقرار العام ، وهي مستلزم وظيفي لحفظ وحدة النسق ، وفي حالة ارتخاء دور القيم والمعايير في أداء هذه الوظيفة التوحيدية ، يشرعن لاستخدام القوة ، حفاظا على وحدة النسق ، وتأمين الانصياع ، حينما لا تجدي المعايير والقيم نفعا .

            ولقد حاول عامل الاجتماع الأمريكي المختص في علم الاجتماع السياسي "روبرت ماكيفر" في كتابه " تكوين الدولة" تعريف النظام السياسي بقوله أنه : " النظام السياسي هو أداة إدارة الدولة التي تحدد السياسات وتنفذها " ، ويذهب إلى حد القول  أن العائلة هي النواة الأولى للحكومة أو النظام السياسي.

           كما نجد تعريف أخر لـ "إتزيوني" بأنه النظام الذي يتضمن السلطات العامة للدولة ، والقواعد التي تحكمها ، بالإضافة إلى القوى السياسية الأخرى ، مثل الأحزاب السياسية ، ومجموعات المصالح التي تتدخل في العملية السياسية ، وكذا مجموع عمليات التعبئة العامة والمشاركة ، والتمثيل التي تبني عبرها العلاقات بين محترفي السياسة والجاهلين بأصولها ، أي بين الحكام والمحكومين ، ويتجه "سياروف" نفس هذا الاتجاه بقوله أن النظام السياسي هو " بنية الدولة الرسمية ، وغير الرسمية ، ومجموع الأدوار والعمليات الحكومية ، والمجالس التمثيلية والآليات الرسمية وغير الرسمية في التمثيل.

           وعلى نفس المنوال يمكن أن نقف على العديد من التعاريف للنظام السياسي ، وهي تختلف باختلاف نظرة كل مفكر لمفهوم السياسي ، وعلى العموم يمكن تعريف النظام السياسي بأنه : عملية تنظيم واحتواء النشاطات السياسية للأفراد والجماعات المتعلقة بعملية صنع القرار السياسي في الجماعة السياسية ، والتي تترجم أهداف وخلافات ومنازعات المجتمع ، في إطار هيكل تنظيمي مشروع للمؤسسات السياسية.

          كما نجد تعريف أخر للنظام السياسي بأنه مجموعة من القواعد والأجهزة المتناسقة والمرتبطة فيما بينها ، تبين نظام الحكم ووسائل إسناد السلطة ، وأهدافها وطبيعتها ، ومركز الفرد فيها ، وضماناته ، كما تحدد عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على الجماعة وكيفية تفاعلها مع بعضها ، والدور الذي تقوم به كل منها ، وهناك من يطرح نموذجا لنظام السياسي بالاستناد إلى أربعة عناصر هي :

      1- نمط المصالح التي تشير إلى كل ما يتعلق بصنع السياسة وتحديد الأهداف داخل المجتمع السياسي.

      2- نمط القوة ، ويقصد به كل الوسائل أو الآليات المتاحة لتنفيذ القرارات.

      3- نمط السياسة ، بمعنى مخرجات النظام السياسي في علاقاته البيئية.

      4- نمط الثقافة السياسية ، أي توجهات والتصورات الخاصة بالشرعية السياسية .

             إن تنظيم تلك العمليات الوظيفية لدى المفكرين السابقين تتم داخل نظام كلي ، وهو النظام الاجتماعي.

          من التعاريف السابقة بمجملها يمكن أن ننظر إلى النظام السياسي من زاويتين هما :

      زاوية المفهوم العضوي : ويقصد يه مجموعة المؤسسات والأجهزة السياسية التي تجسد البناء والهيكل التنظيمي للنظام السياسي ، ويتحدد شكل النظام وملامحه من خلال الدستور الذي يحدد إطار النظام وطبيعة عمله ، وقد ركز على هذه الزاوية كل من هالولد لاسويل ، وماكس فيبر ، وهي الزاوية التي يرى منها النظام السياسي على أنه جهاز سياسي وإداري ومؤسساتي الذي ينهض بإدارة موارد المجتمع ، وبموجب الصلاحيات المخولة لها في إستخدام القهر المشروع ، بغرض أمن ومصالح الإفراد والمجتمع .

      زاوية المفهوم الوظيفي : والذي ركز عليه كل من إستن ، وألموند ، وهو المفهوم الذي يرى النظام السياسي مجموعة مترابطة من الأنشطة السلوكية المقننة ، والتي تنظم عمل القوى والمؤسسات والوحدات الجزئية التي يتكون منها النظام السياسي

      مفهوم نظام الحكم : ويقصد باصطلاح الحكومة أربعة معايير تتدرج من الاتساع إلى الضيق

      1- إذ يقصد بالحكومة أولا نظام الحكم ، أو شكل الحكومة ، أي كيفية ممارسة السلطة العامة في المجتمع ، وهذا هو أوسع المعاني التي تطلق على الحكومة .

      2- ويستخدم تعبير الحكومة كذالك للدلالة على مجموع الهيئات الحاكمة او المسير للدولة ، وهي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

      3- وتطلق الحكومة على السلطة التنفيذية فقط دون السلطتين التشريعيتين و القضائيتين، وهذا هو المعنى الضيق للحكومة.

      4- كما عرفت الحكومة بعملية الحكم التي تتم بها ممارسة قدر من السلطة على الآخرين من قبل السلطة السياسية والتي يخضع لقوانينها أفراد المجتمع.

              وإذا كان النظام الاجتماعي هو النظام الكلي الذي ينبثق منه النظام السياسي ، فان نظام الحكم هو اللبنة الأولى للنظام السياسي ، فهو الأساس الذي يحدد النظام السياسي للدولة ، فنظام الحكم يتلخص في مجموعة القواعد الدستورية التي تستهدف تنظيم السلطات العامة للدولة ، وتحديد اختصاصاتها ، وكذالك للعلاقة بينها ، كما تبين حقوق وواجبات الأفراد في الدولة .

                فنظام الحكم هو مجموعة من القواعد الوضعية الدستورية المطبقة في الدولة ، والتي ترسم لنا الجانب الشكلي لممارسة السلطة ، وبالتالي شكل الحكم والحكومة ، التي هي الأداة التي يحقق بها الحاكم فلسفته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فنظام الحكم يقوم على أساس المنهج القانوني ، أما النظام السياسي فهو مؤسس على مفاهيم سياسية تتجاوز الشكل والبنية ، فهو مفهوم أوسع من نظام الحكم الذي يحدده النظام الدستوري للدولة .

              وعرف " دفيد ابتر" الحكومة بأنها مجموعة من الأفراد ، يتمتعون بصلاحيات محدد لممارسة السلطة نيابة عن المجتمع لحمايته وتطويره ، عن طريق اتخاذ وتطبيق القرارات الأزمة .

        العناصر المكونة للأنظمة السياسية :

      يمكن تصنيف العناصر المكونة للأنظمة السياسية إلى عناصر مادية وأخرى غير مادية  ، وتتمثل العناصر المادية في :

      1- الأجهزة الرسمية : وهي تشمل السلطات الثلاث في الدولة والمتمثلة في :

      - السلطة التشريعية : التي تضطلع أساسا بالوظيفة التشريعية وإضفاء الشرعية والقوة القانونية على القوانين والتشريعات والقواعد العامة التي تنظم مختلف أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها في الدولة .

      - السلطة التنفيذية : وتظم الأفراد العاملين في البيروقراطية الحكومية ، المتمثلة في مجلس الوزراء والأجهزة الإدارية الحكومية المركزية والمحلية والاستشارية التي غالبا ما تطلع بتنفيذ القوانين .

      - السلطة القضائية : والمقصود بها جميع المحاكم والمجالس القضائية ، سواء على المستوى المركزي ، أو الأقاليم المحلية ، وهي تضطلع بمهمة صياغة وتفسير النصوص القانونية ، وقياس مدى مطابقة الأنظمة واللوائح والقوانين مع دستور الدولة من جهة ، كما تبرز إذا كان التشريع ناقصا من حيث الشكل والصياغة ، أو يقتضي إضافات جديدة.

      - الأجهزة الإعلامية : وتتمثل في مختلف القنوات والجرائد والمواقع والخلايا الإعلامية الممولة من ميزانية الدولة ، وهي تعتبر الأداة الشرعية للترويج للسياسات العامة للأنظمة السياسية  بحثا عن المشروعية عن طريق النجاعة في الانجاز وتطوير المجتمع ، كما تعتبر إحدى الوسائل التي تعمل على جلب التأييد للأنظمة السياسية عن طريق التعبئة والدعم .

      الأجهزة غير الرسمية : إن استحالة التعبئة الشاملة للمجتمع على الأداء السياسي للأنظمة السياسية ، جعلت الأنظمة السياسية تتيح إمكانية التعبير عن الرأي المخالف لها ، في قنوات خاصة منظمة وفق قانون أساسي لها ، وهذه القنوات هي :

      -  الأحزاب السياسية: وهي منظمة غير رسمية ، تنشأ في الوسط الاجتماعي لتحقيق أهداف محددة ، وغالبا ما توجد مجموعتان من الأحزاب في ظل الأنظمة السياسية ، المجموعة الأولى تقود السلطة في البلاد وهي التي تتصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية ، تعمل على شرح السياسات العامة للحكومة ، ومواقفها ، والعمل على إقناع الرأي العام بصحتها ، وقدرتها على تحقيق المصلحة العامة ، كما تعمل على تشكيل السلطة السياسية وتحديد مساراتها ، وتوجيه عملية رسم السياسات العامة طبقا للفلسفة والتوجيهات الفكرية التي تؤمن بها . 

      أما المجموعة الثانية فتعمل على كسب التأييد الجماهيري تمهيدا لخوض الانتخابات من أجل الوصول إلى السلطة ، وعادة ما تلجأ إلى نقد السياسة العامة للأحزاب الحاكمة ، بهدف تأليب الرأي العام عليها ، فهي تظهر دائما بدور المدافع عن مصالح الجماهير الواسعة ومحاولة إيصالها إلى صناع القرار من خلال الضغط الجماهيري.

      - منظمات المجتمع المدني : وهي جمعيات منظمة تأطر المجتمع المدني في مختلف القطاعات ، وهي رافد مهم للأنظمة السياسية ، تعمل على بلورة المطالب الاجتماعية وتجميعها وإيصالها إلى الجهات الرسمية ، كما تطرح البدائل للسياسات المتعلقة بكل قطاع ، كما تعمل على ترشيد صنع وتنفيذ مشاريع السياسة العامة ، من خلال تزويد أصحاب القرار بالمعلومات الواقعية في مختلف القطاعات. 

      الجماعات الضاغطة : وهي مجموعة من الأفراد يلتقون في أهداف وصفات وخصائص معينة يسعون لإحداث التأثيرات المطلوبة في السلوك الذي يتخذه صناع القرار في الأنظمة السياسية اتجاه قضاياهم ومطالبهم وتوجيهه لمصالحهم المشتركة.لما يتمتعون به من القوة والنفوذ المستمدين من العلاقات المتنوعة والمتداخلة مع أفراد وأجهزة الأنظمة السياسية. ويتوقف تأثير الجماعات الضاغطة على حسن تنظيمها وشساعة حجمها وكثرة مواردها والمكانة الجماعية لهذه الجماعة أو تلك تماسك أعضائها درجة المنافسة بين هذه الجماعات موقف الأجهزة الحكومية من مطالبها نمط اتخاذ القرار في النظام السياسي .

      أما العناصر غير المادية التي تشكل الأنظمة السياسية فتتلخص في :

      - المنظومة القانونية التي تحكم عناصر وأجهزة الأنظمة السياسية ، ذلك أن القهر المشروع الذي تحوز عليه الانظمة السياسية مصدره القانون الذي تفترض صياغته بشكل يخدم المصلحة العامة.

      - الثقافة السياسية التي تحكم تحركات السلطة السياسية على أرض الواقع والمتمثلة في المبادئ والتصورات التي تنطلق منها ، وكذا القيم السياسية التي تؤمن بها ، ومختلف الاتجاهات والمواقف السياسية التي تسجلها .

      الاديولوجية التي تتغنى بها النخبة السياسية الحاكمة ، وهي وسيلة يلجأ إليها النظام السياسي للحصول على الشرعية من جهة ، ولطمس شكلها التعسفي والانفرادي ، فهي بهذا ذات وظيفة تظليلية وتقييدية ، وبالتالي يعد بزوغ الإديولوجية في أي مجتمع هو طمس لشمس الحرية كقيمة سياسية منشودة على حد تعبير "سولجينيتسين"

      خصائص ومميزات الأنظمة السياسية :  يمكن تلخيص جملة الخصائص التي تميز الأنظمة السياسية عن بقية الأنظمة الأخرى في النقاط التالية :

      1- إن أي نظام سياسي يقتضي فيه وجود فئة حاكمة تقود العملية التنظيمية في الميدان السياسي ، وهذه الفئة هي التي ندعوها بالسلطة العليا في الدولة ، وهي المسئولة عن اتخاذ القرارات المتعلقة بكافة القطاعات الأخرى في الدولة  ، وهي القرارات الواجب الالتزام بها من قبل المحكومين من منطلق خدمتها للمصلحة العامة للمجتمع.

      2- تتمتع الأنظمة السياسية بنوع من الاستقلال النسبي عن سائر الأنظمة الفرعية بالمجتمع ، وذلك لوجود قواعد قانونية تحكم عناصره المكونة له ، تضمن حريتها وسلطتها على بقية أفراد المجتمع ، وهي الاستقلالية التي تعطيه تأثيرا أكثر من أي نظام أخر.

      3- تعد الأنظمة السياسية أكثر الأنظمة تأثيرا على سائر مكونات المجتمع وذلك لقدرته على فرض النظام والقانون على الجميع ، ومكافحة كل أشكال الفوضى .

      4- كل الأنظمة السياسية تتحرك على ضوء خريطة أهداف وخطط واضحة وشاملة ، أي لا تعمل بعشوائية وفوضى ، فالعمل السياسي للأنظمة السياسية في عمومه يحوز على شيء من التخطيط والتنظيم .

      5- تلتزم غالبية الأنظمة السياسية بمنسوب معين من الشرعية والمشروعية في نشاطات التعبئة ، في كل تحركاتها وأفعالها السياسية .

      6- تنزع الأنظمة السياسية إلى توحيد العناصر المتفرقة في المجتمع ، وتختفي في ظله كل أشكال التكتلات السياسية المهددة لوحدة المجتمع .

      7- يتفاعل النظام السياسي مع النظم الفرعية الأخرى للمجتمع ، يؤثر فيها ويتأثر بها ، كما تتأثر النظم السياسية بالمحيط الدولي ، وما ظهور التكتلات والعلاقات بين الدول إلا مظهر من مظاهر هذا التأثر.            

      وظائف النظام السياسي : يمكن تلخيص وظائف الأنظمة السياسية في المهام التالية :

      - تحديد أهداف المجتمع والدولة التي تحوم حول الأمن والتنمية.

      - تعبئة طاقات المجتمع وضمان مشاركة أفراده في تحقيق التنمية المنشودة

      - النظام السياسي كآلية لحل الخلافات وإقرار القانون والنظام العام ، وتعمل هذه الوظيفة على حماية الأمن وتوفيره  للمواطنين داخليا ، وحماية إقليم الدولة من الاعتداءات الخارجية.

      - النظام السياسي كآلية للتغير الاجتماعي ، من خلال المبادرة بإعادة تشكيل المجتمع ، وفقا لرؤيتة الإيديولوجية أو تصوره سياسي.

      - النظام السياسي كآلية لصنع وتنفيذ السياسات العامة من خلال الوظائف الأربعة التالية : 

      الوظيفة الإستخراجية : وهي تلك الجهود التي يبذلها النظام السياسي من اجل استخراج الموارد المادية والمالية والبشرية من اجل ضمان استمرارية الدولة من  ، واستمرارية النظام السياسيت من جهة أخرى ، وبدون هذه الطاقات البشرية الكامنة في رحم المجتمع ، والموارد المادية والمالية التي يزخر بها إقليم الدولة ، لا يكون النظام السياسي موجود على ارض الواقع وجودا فعالا ، بل وجوده  يغلب عليه طابع القمع واستخدام القوة ، فالموارد المذكورة هي التي تزوده بالقدرة على الرد الملائم على الطلبات الاجتماعية التي ترد إلى علبته السوداء .

      الوظيفة التوزيغية : وهي الوظيفة التي يضطلع بها النظام السياسي من أجل توزيع الدخل القومي على مختلف فئات المجتمع ، ويتضح هذا الفعل من خلال المخصصات التي يرصدها لمختلف القطاعات  كخدمات صحية وتربوية وتعليمية في إطار الميزانية العامة للدولة ، وهي الوثيقة الرسمية التي تعبر عن الأداء التوزيعي للأنظمة السياسية .

      الوظيفة التنظيمية : وهي تلك القوانين والتعليمات المتعلقة بضبط ورقابة أنشطة وسلوكات الأفراد للالتزام  بتطبيق القانون لدواعي المصلحة العامة .

      الاداء الرمزي : وهي الافعال التي تتخذها الانظمة السياسية من أجل تعبئة الجماهير بالقيم السياسية المرغوبة  ، بالاعتزاز والفخر بالهوية المجتمعية ، ورموز الدولة ، عبر تمجيد مأثر الابطال والنخب البارزة في المجتمع ، بغرض الحث على الاقتداء بهم وخلق الالتزام العاطفي والوجداني نحو الاولاء للوطن .

      التحليل المقارن للنظم السياسية :

      مفهوم المقارنة : تعتبر المقارنة إحدى المناهج الفاعلة في دراسة الكثير من الحقول المعرفية ، وهي المنهج الذي يضفي الكثير من الموضوعية على الدراسات والابحاث التي تقودها ، لذا يعتبرها الكثير من الباحثين الاجتماعيين على أنها تقابل المنهج التجريبي في العلوم الطبيعية ، وذلك لاختبار موضوع الدراسة الذي تأطره في أكثر من بيئة ، أو زمن ، لذا يعتبرها " ألكسي دي توكفيل " جوهر المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية ، ويذهب "جون ستيوارت ميل" لتعريف المقارنة على أنها " دراسة ظواهر متشابهة متناظرة في مجتمعات مختلفة ، أو هي " التحليل المنظم للاختلافات في موضوع أو أكثر عبر مجتمعين أو أكثر".

            ويذهب "جوزيف لابرامبرا " لتعريفها بأنها : " عملية تعكس أساسا البحث في أوجه التشابه والاختلاف التي تتميز بها الظاهرة ، أو مجموعة من الظواهر التي هي موضوع الدراسة ، تمهيدا لفهمها وتفسيرها ، والتنبؤ بها".

            وقد وصف عالم الاجتماع الفرنسي " إميل دوركايم" المنهج المقارن بأنه " منهج تجريبي غير مباشر " أو " المنهج شبه التجريبي " ، وهذا يعني أن المنهج المقارن يجمع بين خصائص المناهج العقلية التجريدية ، وخصائص المناهج التجريبية.

           إن التحليل المقارن للأنظمة السياسية يقتضي منا طرح مجموعة من التساؤلات المنهجية والتي تتلخص في :

      - لماذا نقارن ؟  ماذا نقارن ؟ كيف يمكن إنجاز عملية المقارنة ؟ ما هي التحديات التي تواجهنا في عملية المقارنة ؟

           إن الانشغال للإجابة عن السؤال لماذا نقارن يعد الجهد الأول لكل باحث في الأنظمة السياسية المقارنة ، ذلك أن معرفة الهدف من البحث هو الحافز الذي يدفع الباحث لبذل قصارى جهده من أجل تحقيقه ، ويمكن تلخيص هذه الأهداف في :

      1- إثراء المعرفة النظرية والواقعية للأنظمة السياسية في كل فترات التاريخ ، وفي كافة أرجاء الكرة الأرضية ، وهي المعرفة التي تمكننا من تطوير نظرية سببية بين متغيرات مستقلة وأخرى تابعة ، من أجل الفهم والتفسير ، فازدهار الدراسات المقارنة في حقل النظم من شأنها أن تطور حقل علم السياسة ، ليشمل كامل الأنظمة السياسية المنتشرة حول العالم ، بعدما كان حقل دراسته مقتصرا على الولايات المتحدة الأمريكية ثم أوربا.

      2- تمكن من تفسير حركة وجمود الأنظمة السياسية في ظروف معينة ، وبالتالي تقييم واختبار ما نعتبره جيد ، واجتناب ما هو سيء في حياة النظام السياسي ، فهي منهج يمكننا من الاستفادة من تجارب الأنظمة السياسية ، سواء بالإيجاب أو بالسلب .

      3- محاولة الاستشراف والتنبؤ باتجاه حركة الأنظمة السياسية في التاريخ ، وهي خطوة تتحكم فيها المعلومات الكافية حول الموضوع المدروس ، وقابلية المتغيرات السياسية المحددة للمقارنة والقياس ، وهي العوامل التي جعلت من علم السياسة علم تشخيص وتفسير أكثر منه علم وصف وتنبؤ، رغم محاولات التنبؤ في الدراسات السياسية ، من مثل الانتخابات والتصويت عليها أو توجهات الراي العام.

      4- تحدد الدراسة المقارنة أي أنظمة الحكم السياسية أكثر كفاءة ، وإيجاد حلول أفضل للعديد من المشكلات السياسية .

            إن الاستغراق في البحث عن الإجابة على السؤال ماذا نقارن؟ يقتضي منا معرفة المعايير الرئيسية التي على أساسها تصنف الأنظمة السياسية ، والمتمثلة في :

      - معيار الفصل بين السلطات

      - معيار النظم الحزبية

      - المعيار الإيديولوجي

      - معيار طبيعة السلطة

      وهي المعايير الشائعة التي فرقت بين النظم السياسية بشكل واضح المعالم ، كما تقتضي الإجابة على السؤال  ماذا نقارن تحديد المتغيرات التي على أساسها تكون عملية المقارنة والمتمثلة في :

      - المؤسسات السياسية لكل نظام سياسي.

      - الثقافة السياسية السائدة.

      - الأحزاب السياسية وجماعات المصالح المتواجدة في كل نظام سياسي.

      - النخبة والقيادة السياسية الموجهة لكل النظم السياسية.

      - عملية صنع القرار السياسي والسياسات العامة لكل نظام سياسي.

              أما الحث عن كيفية المقارنة ، ومحاولة الكشف عن طريقة إنجازها والاطلاع عن الظروف والشروط الموضوعية لعملية المقارنة ، فإن الجهود تقتضي البدء في عملية وصفية لنظم السياسية المراد دراستها ، لاكتشاف أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بينها ، سواء كانت هذه المقارنة مقارنة مكانية من خلال دراسة نظامين أو أكثر ، متباينين في بيئات مختلفة ، أو مقارنة زمنية بمقارنة نظام سياسي واحد في نفس البيئة ، وفي فترتين زمنيتين مختلفتين ، أو مقارنة موضوعية تركز على دراسة ظاهرة معينة في عدة حالات مختلفة .

             ولان الأنظمة السياسية تعد اللبنات الأساسية الهامة في التحليل السياسي المقارن ، تتجه المقارنة نحو أوجه التشابه والاختلاف بين الأنظمة السياسية ، وتحاول تطوير نظرية سببية بين متغيرات مستقلة وأخرى تابعة.

               فالمقارنة بين نظامين أو نسقين تعني إيجاد العلاقات التي تربط هاذين النسقين ، وهو اختيار إرادي لمعرفتهما ، وعندما نقارن بينهما ، فإن العمل البحثي لا يقتصر على عرض ووصف النظامين فقط ، بل لا بد من إبراز لأوجه الاختلاف والتشابه ، وعلاقات التأثير المتبادلة وأسبابها ، وأثارها على بنية الأنظمة ، فالعمل ينصب على البحث عن أسباب الاختلاف وتقييم الايجابيات والسلبيات المتعلقة بمتغير واحد ، أو عدة متغيرات ، فهي تنتقد الحلول المطروحة من جهة ، وتتقدم بالحلول من جهة أخرى ، وبما أن المقارنة هي بين نظامين سياسيين فإن النسقين السياسيين لبلاد ما ، يقومان على أشكال قانونية تنظم السلطات العامة التي تحدد النظام السياسي ، كما يقومان على مجموعة من المؤسسات التي تعمل على إعطاء خاصية معينة لهاذين النسقين.

              فالمقارنة الفعالة بين الأنظمة السياسية تقتضي منا اختيار أنظمة متشابهة ، لأنه إذا قارنا بين أنظمة غير متشابهة ، فذلك لا يضفي إلى أي نتيجة عملية أو علمية ، وتكون المقارنة في هذه الحالة عنصر مغذي للصراعات السياسية أكثر مما تخدم التطور العلمي والفكري والميداني ، وهو ما يعني أن تكون المقارنة بين الأنظمة السياسية التي تنتمي إلى نفس النمط أو التصنيف ، وتحديد المتغيرات والمؤشرات التي على أساسها تكون عملية المقارنة .

        أما عن معوقات دراسة النظم السياسية المقارنة ، فإن الدراسة تنطوي على تحديات كثيرة بما فيها تعقيدات طبيعة الموضوع ، ودرجة التغير السريعة في الزمن المعاصر ، واستحالة المطابقة في دراسة الأنظمة السياسية للظروف القابلة للضبط ، كما هو حال علماء التجريب خاصة إذا علمنا أن عالم السياسة شديد التغير ، وهو موضوع الدراسة والاختبار ، كما تطرح مشكلة تحديد متغيرات الأنظمة السياسية إحدى الصعوبات  التي يطرحها البحث في هذا الحقل ، وما اختلاف الباحثين السياسيين في دراستهم إلا دليل على ذلك ، من مثل " جبرائيل ألموند" و" مكريدس" ، إذ ركز الأول حول البنية الثقافية السياسية ، والوظائف الحكومية وقدرات النظام السياسي ، في حين نجد الثاني ركز على عملية صنع القرار ، والقوة والأيديولوجية في عملية مقارنة الأنظمة السياسية .

             كما نجد هناك خلط في وحدات المقارنة ، وهذا راجع إلى عدم وضوح المصطلحات السياسية ، فهناك من يرى أن النظام السياسي ككل أكثر الوحدات السياسية ملائمة للتحليل المقارن ، وهناك من يركز على الحكومة ، ويراها آخرون في الدولة ، ويركز البعض الأخر على السلوك السياسي كوحدة للتحليل.

           كما تطرح مشكلة ندرة المعلومات التي تعيق سريان عملية المقارنة بكفاءة عالية ، فأحيانا لا يجد الباحث الحقائق أو المعلومات التي تسمح له بالمقارنة ، والعملية بحد ذاتها تمثل مشكلة كبرى في حد ذاتها ، فالاعتبارات السياسية تمثل قيدا على جمع المعلومات المباشرة ، كما هو الحال في الأنظمة الشمولية والتسلطية ، كما أن قصور الموارد المالية ونقص كفاءة الباحثين في  الميدان تحد من إمكانية جمع المعلومات ، كما أن الإحصائيات الرسمية في الرسمية في الكثير من الدول لا يمكن التعويل عليها ، وذلك لما يعتريها من قصور وتشويه .

      نشأة وتطور التحليل المقارن للنظم السياسية:

            تعود أولى الدراسات المقارنة للنظم السياسية المقارنة إلى القرن الرابع قبل الميلاد ، إذ يعتبر أرسطو أول من اقدم على مقارنة أشكال وأساليب الحكم ، وكان لب المشكلة الرئيسية عنده هي : ما هي مصادر الاستقرار وعدم الاستقرار في المدن الأثينية ، ولقد اتجهت اهتمامات أرسطو في دراسة النظم السياسية إلى قمتها دون التركيز على بقية مكوناتها في فترة ما قبل الدولة الوطنية، أي بالضبط في فترة دولة المدينة، إذ قام بإرسال مساعديه حول البحر المتوسط لجمع دساتير 158 دولة مدينة ، لمعرفة أي الدساتير تحقق الاستقرار أكثر ، وقد عمد إلى تصنيفها طبقا للمعايير التالية:

      1- عدد الحكام ، ومن ثم يكون هناك تصنيف للحكومات إلى حكم فردي ملكي ، وحكم اوليجارشي ، وديمقراطي.

      2- كيفية ممارسة الحكم ، وهذا ينتج نمطين اوليجارشي وديمقراطي.

      3- البنية الطبقية وتوزيع السلطة والقوة بين طبقات المجتمع ، وفي الأخير تحديد أنماط الحكم الأكثر استقرار ، والحكم الذي يرتكز على الطبقة الوسطى الأكثر عدد والتوسط الاقتصادي ، وقدر من التعليم والثقافة هو الحكم المستقر.

            وفي عصر القرون الوسطى أكد " بوليبياس " على قيمة الشكل المختلط من الحكم ، والذي يجمع بين عناصر الملكية ، والارستقراطية ، والديمقراطية ، ومن ثم يضبط التوازن ويحقق فائدة هذه النماذج ، كما أجرى " توماس الإيكوني" بحث مقارن بين المسحيين وغير المسحيين ، وخلص إلى مبادئ ومفاهيم عامة حول العدالة ، والحرب العادلة ، والمنفعة العامة.  

              وفي عصر النهضة أي في القرن السادس عشر نجد"جون يودان" ، الذي قام باقتفاء اثر أرسطو، ووسع أعمال مكيافيلي (التي انصبت على تحديد سياسات أميره وتجريده القوة وتطبيقاته) ، ودرس الحكومات الأوروبية ، وعقد مقارنة بينهما على أساس شكلها ، ودورها وعمقها الاجتماعي ، وخرج بمفهومه المركزي لنظرية السيادة.   

              وفي القرن الثامن عشر تدهورت فكرة القانون الطبيعي ، التي كانت توجه الفكر إلى كون الحياة من صنع إرادة البشر، وأصبحت الدولة نوع من التنظيم الذي أوجده الإنسان بعد ما كان ينظر إلى الحكم على انه طبيعيا ، ولم يقتصر الاهتمام على سلوك الأمير وتصرفه وتحديد كيف يحكم ، وإنما تم التركيز على الشروط الدستورية لتأسيس الحكومات ، وكيفية الحفاظ على الحريات ، و في هذه الفترة ظهر"مونتيسكيو" الذي نجده بالرغم من اعتماده على المنهجية الأرسطية في تصنيف النظم السياسية طبقا ، لعدد من يمارس الحكم ، ونمط ممارسته ، إلا انه ادمج المنطق بالملاحظة ، ومن ثم ربط بين البيئة الجغرافية والتاريخية والاقتصادية ، وأثرها على النظام السياسي ، ليقدم تصنيفا للحكومات على ضوء هذه المعايير التي تركز على الأنماط المختلفة للحكومات ، وطبيعتها ومبادئها البنيوية ، والظروف التي تقوم فيها ، أو تنهار، ولم يقف تصنيفه على النظم المحيطة به فقط ، بل يعد أول المفكرين الأوروبيين الذين اهتموا بالنظم السياسية غير الأوروبية في مقارنته مع بلاد فارس ، على ضوء دراسات مقارنة لروح القوانين ، والتي خلص إلى ثلاثة أنواع منها:

      1- القانون المقدس 2- القانون الطبيعي 3- القانون المدني ، ومن خلال الدمج بين روح القوانين وروح المجتمع ، عرض " مونتيسكيو" ثلاث أنواع من نظم الحكم هي أنظمة الجمهوريات ، وأنظمة الملكيات ، والنظم الاستبدادية.