مخطط الموضوع

  • الفئة المستهدفة

    طلبةيستهدف هذا المقياس طلبة السنة الثانية ماستر تخصص قانون الأعمال (السداسي الثالث)


  • التعريف بالمقياس

    يتم دراسة مقياس التحكيم التجاري الدولي في السداسي الثالث، وهو مقياس ينتمي الى الوحدة الأساسية



    • أهداف المقياس

      يهدف المقياس الى تعريف الطالب بالتحكيم التجاري الدولي كآلية بديلة لفض منازعات التجارة الدولية

        



      • المكتسبات القبلية

        على الطالب قبل دراسة المقياس أن يكون متمكن من المقاييس التالية:

        - قانون الاجراءات المدنية

        - القانون التجاري

        - قانون الاستثمار

        - عقود التجارة الدولية



      • المحور الأول، ماهية التحكيم التجاري الدولي

        المحور الأول: ماهية التحكيم التجاري الدولي

        سنحاول معالجة هذا المحور في مبحثين، نتناول في الأول مفهوم التحكيم التجاري الدلي من خلال تعريفه وتحديد طبيعته القانونية، بالإضافة الى تعداد أنواعه وتمييزه عن الانظمة المشابهة له، أما المبحث الثاني فسنتناول في حيثياته.

        المبحث الأول: مفهوم التحكيم التجاري الدولي

        نتناول في هذا المبحث تعريف التحكيم التجاري الدولي الذي يقوم أساسا على تراضي الأطراف باللجوء إليه لفض نزاعاتهمم التجارية الدولية وقبولهم المسبق للحكم الذي يصدر في هذا الشأن، مع تبيان أهم المبادئ التي يقوم عليها التحكيم التجاري الدولي، وذلك في المطلب الأول ثم نتطرق في المطلب الثاني الى خصائص التحكيم التجاري الدولي، لنعرج بعدها على تحديد طبيعته القانونية من خلال مختلف النظريات التي تناولت الموضوع في مطلب ثالث.

        المطلب الأول: تعريف التحكيم التجاري الدولي وتحديد طبيعته القانونية

        نتطرق في هذا المطلب إلى تعريف التحكيم في فرع أول، ثم نحاول تحديد طبيعته القانونية في فرع ثان.

        الفرع الأول: تعريف التحكيم

                     يصعب تعريف التحكيم باعتباره تجاريا ودوليا، والتعاريف التي قيلت في هذا الشأن متشابهة عموما، غير أنّها لا توضح فكرة التحكيم بالرجوع إلى مفهوم واضح وبسيط، فمجملها حاولت تعريفه بإبراز أهم خصائصه، ويعد تعريف التحكيم من المسائل التي لم تشغل بال الفقه وحده، بل أنّ بعض التشريعات الحديثة قد تصدّت لتحديد ما هو المقصود بالتحكيم كذلك فإنّ جانب من الأحكام القضائية أدلت بدلوها بشأن تحديد ما هو المقصود بالتحكيم وفي الآتي جملة من أهم التعاريف التي قيلت في التحكيم:

        عرّفه الأستاذ "روني دافيد" بقوله "التحكيم تقنية تهدف لإعطاء حلول لمسألة تهم العلاقة بين شخصين أو أكثر من طرف شخص أو أشخاص (المحكم أو المحكمون) الذين يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص يتأسسون على أساس هذا الاتفاق دون أن يكونوا مكلفين بهذه المهمة من طرف الدولة"[1].

        ويعتبر جانب من الفقه التحكيم إحدى الوسائل البديلة المتاحة في مرحلة تسبق اللجوء إلى القضاء، ويقصد به اتفاق أطراف العقود التجارية على إحالة النزاع إلى شخص واحد أو عدد من الأشخاص ليقوموا بإيجاد حل لهذا النزاع يكون ملزما لجميع الأطراف[2].

        ويعرفه جانب من الفقه العربي بأنّه "نوع من العدالة الخاصة، والذي يتم وفقا له إخراج بعض المنازعات من ولاية القضاء العادي ليعهد بها إلى أشخاص يختارون للفصل فيها"[3].

        عرف أيضا بأنّه "اتفاق بين طرفين أو أكثر على إخراج نزاع أو عدد من النزاعات من اختصاص القضاء العادي وأن يعهد به الى هيئة تتكون من محكم أو أكثر للفصل فيه بقرار ملزم"[4].

               وعرف أيضا بأنه: وسيلة بديلة لتسوية النزاعات عن طريق اللجوء الى شخص خاص أو أكثر هم المحكمون يتم اختيارهم من قبل الأطراف قصد استصدار قرار ملزم يسمى حكم التحكيم[5].

        من جانبنا نميل الى التعريف الذي قدّمه الاستاذ "أحمد عبد الكريم سلامة" كونه يجمع بين مختلف الجوانب التي يطرحها التحكيم، بحيث عرّفه على أنّه "نظام قضائي خاص يختار فيه الأطراف قضاتهم ويعهدون إليهم بمقتضى اتفاق مكتوب بمهمة تسوية المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بالفعل بخصوص علاقاتهم التعاقدية أو غير التعاقدية والتي يجوز حسمها بطريق التحكيم وفقا لمقتضيات القانون والعدالة وإصدار قرار قضائي ملزم لهم"[6].

               هذا وقد استعمل مصطلح التحكيم التجاري الدولي رسميا عند انعقاد مؤتمر الأمم حول التحكيم التجاري الدولي بنيويورك في الفترة الممتدة من 20 ماي إلى 10 جوان 1958 والتي تمخض عنها الامضاء على اتفاقية دولية مهمة وهي اتفاقية نيويورك الخاصة باعتماد وتنفيذ القرارات الأجنبية[7].

        ومن الجانب القضائي فقد عرفّت محكمة نقض أبو ضبي التحكيم في حكمها الصادر بتاريخ 25/12/2008 بقولها "لما كان الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذا الحكم في ذلك النزاع بقرار قاطع لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان اليه بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال مانات التقاضي الرئيسية..."[8]

        كما تعرضت المحكمة الدستورية العليا في مصر الى تعريف التحكيم بقولها " ...عرض نزاع معين بين طرفي على محكم من الأغيار يعيّن باختيارهما المحكم في ذلك النزاع بقرار يكن نائيا عن شبهة الموالاة، مجردا من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان اليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية..."[9].

               وعرّفته محكمة التمييز الأردنية بأنه "طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وما تكلفه من ضمانات، وهو مقصور الى ما تنصرف اليه ارادة الفريقين إلى عرضه على المحكم"[10].

               أمّا من الناحية التشريعية فقد تصدى المشرع القطري الى تعريف التحكيم بموجب قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2017 في المادة الأولى منه بقوله " ... التحكيم أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلا من اللجوء للقضاء سواء كانت الجهة التي ستتولى اجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق الأطراف مركزا دائما للتحكيم أم لم تكن كذلك ...".

        هذا وتعرضت المادة 4/1 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 الى تعريف التحكيم بقولها "ينصرف لفظ "التحكيم" في حكم هذا القانون الى اتفاق التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم، بمقتضى اتفاق الطرفين، منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم يكن كذلك".

        أمّا قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري فقد خلا من تعريف التحكيم واقتصر على تعريف اتفاقية التحكيم وصورها في المادتين 1007 و1011، بالإضافة الي تحديد معيار دولية التحكيم في المادة 1039 منه.

        من خلال التعاريف السابقة للتحكيم نلاحظ أنّ أغلبية الفقهاء يعطون للتحكيم طابع العمومية ويعرفونه بصفة عامة دون محاولة التمييز بين مختلف أنواع التحكيم سواء التحكيم المدني والتجاري أو بين التحكيم الداخلي والدولي...الخ.

        الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للتحكيم التجاري الدولي

        اختلف الفقه والقضاء في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم، وتعددت النظريات في هذا الخصوص بين النظرية العقدية والنظرية القضائية والنظرية المختلطة، ويرجع هذا الاختلاف الفقهي إلى المعنى الاصطلاحي للتحكيم ولكونه يجمع بين عملين، أحدهما يأتيه طرفا النزاع، وهو إبرام اتفاق التحكيم، والآخر يأتيه المحكم المختار من قبلهما وهو الفصل في النزاع بحكم يحوز حجية الشيء المقضي فيه، ومن ثم أي العملين يستوعب الآخر حتى يتسنى اتخاذه مبدأ للتفسير في كل ما يتعلق بمعطيات التحكيم؟، وفي الآتي بيان لمختلف هذه النظريات:

        أولا: نظرية الطبيعة العقدية للتحكيم

        يرى أصحاب هذا الاتجاه[11] أنّ التحكيم ذو طبيعة تعاقدية، فهو عقد رضائي ملزم للجانبين من عقود المعاوضة، كونه يستمد وجوده وقوته من إرادة الأطراف، فهذه الإرادة هي من تختار المحكم أو المحكمين، وهي من تحدّد سلطة محكمة التحكيم واختصاصاتها، وتحدّد القواعد القانونية واجبة التطبيق سواء على الموضوع أو الاجراءات، وبالتالي يعتبر أنصار هذا الاتجاه أنّ حكم التحكيم يعتبر جزءا لا يتجزأ من اتفاق التحكيم، بل إنّه يندمج ويذوب فيه، والمحكمون مجرد أفراد يعهد إليهم بمهمة تنفيذ الاتفاق ولا يرتقون إلى مرتبة القضاة وليست لهم ما للقضاة من سلطات عامة[12].

        وتقوم هذه النظرية على أساس أنّ منشأ التحكيم هو اتفاق التحكيم وهو عقد يجسّد إرادة الأطراف، وبالتالي فالتحكيم مظهر من مظاهر تطبيق مبدأ سلطان الارادة، من حيث وجود التحكيم وسيره وحتى القانون الذي يتعين على المحكمين الفصل بموجبه، وبالتالي فهو ترجمة لإرادة الأطراف دون سواهم، فمن الطبيعي إذن أن يتصف هذا النظام بأنّه ذو طبيعة عقدية[13].

        ويسلّم أنصار هذه النظرية بأنّ التحكيم يقوم أصلا على عمل من المحتكمين (الأطراف) يتمثل في اتفاقية التحكيم، وعمل من المحكم وهو الفصل في النزاع، لكنّهم يرون بأنّ المحكّم لا يقوم إلاّ بعمل المحتكمين باعتباره مجرد تنفيذ له، ومن ثم فإنّ اتفاق التحكيم يستوعب ويستغرق عملية التحكيم ذاتها، وعليه فإنّ نظام التحكيم يقوم على أساس إرادة الأطراف وبالتالي فهو ذو طابع تعاقدي.

        تعرضت هذه النظرية الى جملة من الانتقادات لعل أبرزها[14]:

        - أنّ تعيين المحكمين لا يكون دائما من طرف المحتكمين، فقد تعترض هذه العملية صعوبات مما يخول القضاء مكنة تعيينهم.

        - صحيح أنّ التحكيم منشؤه إرادة الأطراف، لكن بمجرد بداية إجراءات الخصومة يصبح ملزما ولا مجال لتدخل هذه الارادة، ثمّ أنّ اتفاق التحكيم لا يتضمن حلا للنزاع لهذا فمن غير المنطقي إضفاء الطابع العقدي على التحكيم التجاري.

         ثانيا: نظرية الطبيعة القضائية للتحكيم

        يرى أنصار هذه النظرية أنّ الطابع القضائي هو الغالب على طبيعة التحكيم، ذلك أنّه قضاء إجباري ملزم للخصوم متى اتفقوا عليه، وأنّ المحكّم لا يعمل بإرادة الخصوم وحدها فعمله هو عمل قضائي، شأنه شأن العمل القضائي الصادر من السلطة القضائية للدولة، ثم إنّ المحكّم يعتبر قاضيا رغم أنّه ليس قاضي دولة ولكنه قاض خاص، والحكم الذي يصدره له طابع قضائي مثله مثل حكم القاضي نظرا لما يتمتع به المحكم من سلطات قضائية في اصداره يستمدها من القانون[15].

        ويضيف أنصار هذه النظرية أنّ إعمال التحكيم وإن كان رهينا باتفاق الخصوم على الالتجاء إليه، إلاّ أنّ ذلك لا يؤثر على جوهر وظيفته القضائية، وذهبوا إلى أنّه إذا كان اختيار التحكيم وسيلة لحسم النزاع يتم بعمل إرادي من جانب أحد الأطراف، وقد تتفق الأطراف على رفع النزاع إلى محكمة غير المحكمة المختصة أصلا وقد يتفقوا على التنازل عن الخصومة بعد رفعها وهذا دليل على أن ما تؤديه إرادة الخصوم من دور في طرح النزاع على التحكيم بدلا من القضاء ليس له من أثر على حقيقة الوظيفة التي يؤديها التحكيم من كونها وظيفة قضائية مثلها في ذلك مثل قضاء الدولة.

        وتعرضت هذه النظرية هي الأخرى إلى مجموعة من الانتقادات أبرزها[16]:

        - يلتزم القاضي عند نظره النزاعات بتطبيق القانون فقط، بينما يقوم المحكم بمهمته سواء بتطبيق القانون أو دون تطبيقه، فهذا الأخير في كثير من الأحيان وبتوجيه من أطراف يهدف إلى حل النزاع بطريقة تضمن استقرار العلاقات بين الأطراف في المستقبل.

        - يختلف النظامان القانونيان المتعلقان بكل من المحكم والقاضي سواء من حيث طريقة التعيين أو الصلاحيات والمسؤولية والسلطة أثناء الخصومة وعند إصدار الحكم وحتى بعد إصداره.

        - لا تتمتع أحكام التحكيم بالقوة التنفيذية التي تتمتع بها أحكام القضاء وبالتالي لا تعد أعمالا قضائية.

        ثالثا: نظرية الطبيعة المختلطة للتحكيم

        حاول أنصار هذا الاتجاه التوفيق بين الاتجاهين السابقين واعتبروا أنّ للتحكيم طبيعة مختلطة فهو عقد بالنظر إلى منشئه (اتفاق التحكيم)، وهو قضاء بالنظر إلى نتيجته كونه ينتهي بحكم ملزم للأطراف، بينما في الحقيقة لا يمكن إنكار أي من الوصفين، لذلك فهو ذو طبيعة مختلطة.

        ويضيف البعض من أصحاب هذه النظرية أنّ التحكيم ليس اتفاقا محضا وليس قضاء محضا وإنّما هو نظام يمر بمراحل متعددة، فهو في أوله اتفاق وفي وسطه إجراء وفي آخره حكم  لذلك يقال أنّ التحكيم عمل قضائي ذو أساس عقدي[17].

        وانتقدت هذه النظرية بالقول أنّها محاولة للهروب من مواجهة الحقيقة كما أنّها تمثّل نوعا من العجز، باعتبارها مزجت بين الأسس التي قامت عليها النظريتين السابقتين دون أن تكون لها أسس مستقلة خاصة بها تعطي للتحكيم طبيعته الذاتية المستقلة.

        رابعا: الطبيعة المستقلة للتحكيم

        والواقع أنّه من الصعب النظر إلى التحكيم كعقد، فالعقد في حد ذاته لا يحسم النزاع كما أنّ العقد ليس هو جوهر التحكيم بدليل عدم وجوده في التحكيم الإجباري، وإذا اعتبرنا أنّ التحكيم يتسم بالصبغة الرضائية أي التعاقدية، فلا يمكن أن تنسحب هذه الصفة إلى حكم التحكيم الصادر في النزاع.

        والواقع أيضا أنّ النظرية القضائية لا تتفق وطبيعة التحكيم لأنّ القضاء سلطة عامة من سلطات الدولة لا يتولاها إلاّ القاضي، فالمحكم لا يتمتع بما يتمتع به القاضي من سلطة كتوقيع غرامات على الخصوم أو الشهود، فضلا عن أنّ الإجراءات قد تختلف من نزاع لآخر، كما أنّ حجية الحكم الصادر في التحكيم تختلف عن حجية الحكم الصادر من القضاء، فهو لا يتمتع بما يتمتع به حكم القضاء من قوة تنفيذية جبرية، فالحجية التي يتمتع بها حكم القضاء تحول دون رفع دعوى أصلية ببطلان الحكم، على خلاف حكم التحكيم، الذي يجوز فيه رفع دعوى ببطلانه.

        والقول الصائب في رأي "الدكتور خالد محمد القاضي" أنّ التحكيم له طبيعته الخاصة وذاتيته المستقلة التي تميزه عن العقود وكذلك عن أحكام القضاء، وهو الرأي الذي نميل إليه ونأخذ به لأنّ التحكيم أداة متميزة لحل المنازعات، فيه اتفاق وفيه قضاء، وفيه ما يميزه عنهما، وليس هناك ما يدعو إلى الزج به في أحضان أنظمة قانونية يتشابه معها في أمور ويختلف عنها في أمور أخرى[18].

        المطلب الثاني: أنواع التحكيم وتمييزه عن الأنظمة المشابهة له

        نتناول في هذا المطلب أنواع التحكيم في فرع أول، ثم نحاول التمييز بينه وبين الأنظمة المشابهة له عن طريق وضع حد فاصل بينهم في فرع ثان.

         

        الفرع الأول: أنواع التحكيم

        يمكن تقسيم التحكيم إلى عدة أنواع تختلف بحسب الزاوية المنظور إليه منها، فمن حيث النطاق يوجد التحكيم الكلي والتحكيم الجزئي، ومن حيث القواعد واجبة التطبيق نجد التحكيم بالقانون والتحكيم بالصلح، ومن حيث التنظيم نجد التحكيم الحر والتحكيم المؤسساتي، ومن حيث الالزامية نجد التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري، ومن حيث طبيعة المنازعة نجد التحكيم الداخلي والتحكيم الخارجي.

        أولا- التحكيم الكلي والتحكيم الجزئي[19]: يتم التمييز بين هذين النوعين من التحكيم من حيث مدى شمولية اتفاق التحكيم للنزاعات التي قد تنشأ بسبب إبرام أو تنفيذ العقد الأصلي.

        01- التحكيم الكلي: هو ذلك النوع من التحكيم الذي يختص المحكم فيه بنظر كل نزاع ينشأ عن أي جزء من العقد مهما كان نوعه أو طبيعته، فنكون بصدد التحكيم الكلي عندما يشمل اتفاق التحكيم العقد الأصلي برمته، وبالتالي حل كل النزاعات.

        02- التحكيم الجزئي: هو التحكيم الذي يغطي جزء من النزاع فقط، فإمّا يغطي جزء من العقد الأصلي فقط، وإمّا يشمل نوعا معينا من النزاعات فقط.

        ثانيا- التحكيم الحر والتحكيم المؤسساتي: يتم التمييز بين هذين النوعين من التحكيم على أساس الجهة التي يوكل مهمة فض منازعة التحكيم.

        01- التحكيم الحر( Ad Hoc): ويطلق عليه أيضا التحكيم الخاص وهو ذلك النوع من التحكيم الذي يتولى الخصوم إقامته بمناسبة نزاع معين، ويكون لهم مطلق الحرية في الاختيار المباشر للمحكمين والإجراءات المتبعة والقانون الواجب التطبيق وذلك وفقا لمبدأ سلطان الإرادة.

        02- التحكيم المؤسساتي (Institutional): هو التحكيم الذي تتولاه إحدى منظمات أو مراكز التحكيم الدائمة المنتشرة اليوم، ويكون فض النزاع هنا وفقا لقواعد وإجراءات موضوعة سلفا من قبل المنظمة أو المركز، وهذا النظام هو الشائع اليوم لما يتمتع به من سهولة ويسر، فنجد قائمة بأسماء المحكمين ولوائح تنظيم إجراءات التحكيم، وتقديم خدمات السكرتارية والترجمة والحفظ وكذلك تقديم المساعدة عند تنفيذ الحكم، مع الإشارة أنّ إرادة الأطراف تتوقف عند اتفاقهم على إحالة أي نزاع بينهم إلى هذه المنظمة أو المركز الذي يتولى تعيين المحكمين للفصل في النزاع وفق لوائحه الخاصة[20].

        ومن الأمثلة على هذا النوع من التحكيم، غرفة التجارة الدولية بباريس (CCI)، وهيئة التحكيم الأمريكية (AAA)، محكمة لندن للتحكيم التجاري الدولي (LCIA)، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) في واشنطن، ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي ومنظمة الملكية الفكرية العالمية (WIPO) في جنيف.

        وعليه فإنّ أساس التفرقة بين هذين النوعين من التحكيم هو وجود أو عدم وجود مؤسسة تحكيم تتولى تنظيم العملية التحكيمية بدءا من تعيين المحكمين مرورا بإجراءات التحكيم وانتهاء بصدور حكم[21].

        ثالثا- التحكيم الاختياري والتحكيم الاجباري[22]: الأصل في التحكيم أنه اختياري، لكن استثناء فقد يتم فرضه بنصوص قانونية لنكون أمام تحكيم اجباري.

        01-التحكيم الاختياري: يسمى التحكيم اختياريا لأنّه يتم اللجوء إليه بمحض إرادة المتعاقدين دون إجبار من أية جهة، مع الحرية في تعيين المحكمين واجراءات التحكيم كلها، وهذا النوع من التحكيم هو المعتمد في إطار المعاملات التجارية الدولية وهو محل دراستنا.

        02- التحكيم الإجباري: هو ذلك النوع من التحكيم الذي يتم فيه إجبار الخصوم على اللجوء الى التحكيم لفض منازعاتهم، فينص المشرع على وجوب اللجوء إلى التحكيم في بعض المنازعات ذات الطبيعة الخاصة، وإمّا عند تحديد الجهة التي تتولى التحكيم، وإمّا بتحديد المسألتين معا.

        ويكون التحكيم إجباريا عندما ينعدم دور الإرادة في اللجوء إليه وفي تنظيم إجراءاته ويتم النص على هذا النوع من التحكيم عادة بموجب نصوص قانونية لتسوية المنازعات التي تتعارض فيها مصالح القطاع العام للدولة، كما يتم تعيين المحكمين من بين قضاة الدولة.

        رابعا: التحكيم بالقانون والتحكيم بالصلح: يعتمد هذا التقسيم على مدى تقيد محكمة التحكيم بتطبيق القانون، فيكون تحكيما بالقانون[23] - وهو الأصل- عندما يلزم المحكم بتطبيق قانون معين سواء كان موضوعيا أو إجرائيا لفض النزاع القائم، أمّا التحكيم بالصلح –وهو الاستثناء- فالمحكم لا يكون مقيدا بتطبيق حكم القانون بل يمكنه الفصل في النزاع وفقا لقواعد العدالة والإنصاف بدلا من تطبيق القانون الموضوعي، ويستمد المحكم هذه الحرية والسلطة من اتفاق أطراف النزاع، وفي حالة غياب هذا الاتفاق يلتزم المحكم بتطبيق أحكام القانون للفصل في النزاع[24].

        خامسا- التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي: يعتمد هذا التقسيم على معيار جغرافي بحت، فإذا انعقدت محكمة التحكيم في دولة معينة وصدر الحكم على اقليمها فيعتبر التحكيم وطنيا بالنسبة لهذه الدولة، أمّا إذا جرى التحكيم في دولة أجنبية فيعتبر التحكيم في هذه الحالة أجنبيا، مع العلم أنّ معيار تحديد مكان التحكيم هو مكان صدور حكم التحكيم[25].

        سادسا: التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي

        التحكيم الداخلي هو ذلك التحكيم الذي يتعلق بنزاع ترتبط كافة عناصره بإقليم الدولة، أي أنّه لا يتضمن أي عنصر أجنبي، وبمفهوم المخالفة فالتحكيم الدولي هو الذي يرتبط أحد عناصره بدولة أجنبية كجنسية الخصوم أو موضوع النزاع أو مكان التحكيم....

        وعليه يكون التحكيم دوليا طالما كانت العلاقة محل النزاع دولية، بمعنى أنّ دولية العلاقة محل النزاع هي من تضفي الطابع الدولي على اتفاق التحكيم مهما كانت صورته، هذا وقد اختلفت التشريعات الداخلية للدول في تحديد دولية العلاقة محل النزاع، فمنهم من اعتمد على معيار قانوني، وهناك من اعتمد معيار اقتصادي، وهناك من زاوج بين المعيارين.

        01-       المعيار القانوني: يعتمد هذا المعيار على منهج التنازع التقليدي، آخذا في شأن ذلك بضوابط الإسناد التقليدية كالجنسية والموطن ومحل إقامة الأطراف ..إلخ، ويعد العقد دوليا بحسب هذا المعيار إذا كانت عناصره القانونية على اتصال بأكثر من نظام قانوني واحد، باعتبار أنّ وجود العنصر الأجنبي في العلاقة القانونية يفك الارتباط الحصري بأي نظام قانوني داخلي[26].

        وعليه يعد التحكيم دوليا اذا اتصلت الصفة الأجنبية بعناصر التحكيم، وتختلف العناصر التي تم الاعتماد عليها ضمن المعيار القانوني لتحديد دولية التحكيم، بجنسية الأطراف أو موطنهم أو إذا كان القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع أو على إجراءاته أجنبيا، أو إذا انعقد التحكيم في دولة أجنبية، ويتجه الفقه المعاصر إلى التفرقة بين العناصر القانونية المؤثرة وبين العناصر غير المؤثرة التي لا يترتب عليها إصباغ التحكيم بالدولية، بمعنى يجب أن يكون العنصر فاعلا ومؤثرا حتى يضفى الطابع الدولي على التحكيم[27].

        02-المعيار الاقتصادي: يعتمد المعيار الاقتصادي على طبيعة النزاع، ويجد هذ المعيار جذوره في القضاء الفرنسي المعروف بقضاء "MATTER" نسبة الى المحامي "Paul matter" في الحكم الصادر بتاريخ 1927 في قضية "Pelissier" الذي اعتمد فيه معيار تحرك الأموال (دخول وخروج الأموال) لتحديد دولية العقد، أي يتطلب ليكون العقد دوليا أن تتحقق حركة "مد وجزر" عبر الحدود، مما يرتّب آثارا مزدوجة (تصدير واستراد) في دولتين على الأقل[28].

        وتطور هذا المعيار الى أن وصل الى الصيغة التي كرسها المشرع الفرنسي والمبنية على فكرة المساس بالمصالح التجارية الدولية، حيث تنص المادة 1504 من قانون الاجراءات المدنية الفرنسي في صيغته المعدلة سنة 2011 على أنه:

        « Est international l’arbitrage qui met en cause des intérêts du commerce international »

        وتطبيقا لهذا المعيار يمكن القول أنّ العبرة في تحديد دولية التحكيم هي الرابطة التعاقدية موضوع النزاع التي تتصل بأكثر من دولة واحدة، فمتى كان العقد الأصلي يتضمن انتقالا للأموال أو الخدمات أو المصالح عبر حدود أكثر من دولة أو تمس باقتصاد دولتين على الأقل، تصبح مصالح تمس بالتجارة الدولية وتمتد اثاره الى النزاع الناشئ عنها[29].

        02-  موقف المشرع الجزائري

        زاوج المشرع الجزائري بين المعيارين القانوني والاقتصادي لتحديد دولية التحكيم في المرسوم التشريع 93-09 من خلال نص المادة 458 ق إ م قبل الغائه بنصها "يعتبر دوليا بمفهوم هذا الفصل، التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بمصالح التجارة الدولية والذي يكون فيه مقر أو موطن أحد الطرفين على الأقل في الخارج"، وعليه لكي يكون التحكيم دوليا حسب هذه المادة يجب أن يتعلق بمصالح التجارة الدولية وأن موطن أو مقر أحد الطرفين في الخارج، وبهذا يكون قد اعتنق المنهج التنازعي التقليدي.

        هذا وأرجع جانب من الفقه اعتماد المشرع الجزائري على المعيار المزدوج إلى الرغبة في تضييق مجال اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لحل النزاعات، وابقائه كوسيلة استثنائية مقارنة بالقضاء الوطني، باعتبار الاعتماد على المعيار الاقتصادي لوحده سيؤدي إلى توسيع مجال التحكيم التجاري الدولي، كما أنّ الأخذ بالمعيار القانوني فقط من شأنه تضييق نطاقه بشكل كبير وبالتالي إخراج الكثير من النزاعات رغم اتصالها بمصالح التجارة الدولية[30].

        ويبدو أنّ المشرع الجزائري استجاب للانتقادات التي طالت موقفه السابق والذي زاوج فيه بين المعيارين القانوني والاقتصادي، من خلال المادة 1039 ق إ م إ رقم 08-09 والذي اعتنق فيها المعيار الاقتصادي فقط بنصها "يعد التحكيم دوليا بمفهوم هذا القانون التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل"، قد استعمل مصطلح "المصالح الاقتصادية" للتأكد على عدم اقتصار التحكيم التجاري الدولي على المصالح التجارية بالمفهوم الضيق الذي يشمل فقط الأعمال التجارية بمفهوم القانون التجاري، بل يشمل إلى جانب ذلك كل العقود الدولية التي ينتج عنها أثر على الحياة الاقتصادية.

        يجسّد الموقف الجديد للمشرع الجزائري التوجه نحو تشجيع هذه الوسيلة من وسائل حل النزاعات في مجال التجارة الدولية وكوسيلة وضمانة من أجل تشجيع الاستثمار الأجنبي.

        لكن في المقابل هناك جانب من الفقه يرى أن القراءة المتأنية لنص المادة 1039 ق إ م إ يبين أنّ المشرع الجزائري لا يزال يزاوج بين المعيارين الاقتصادي والقانوني، فما قام به مجرد اعادة ضبط لنص المادة باعتبار أنه لم يتخل عن المعيار القانوني الذي يظهر في مصطلح "لدولتين على الأقل".

        سابعا: التحكيم الإلكتروني

        استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 1040 ق إ م إ ج التي تنص على ما يلي: "يجب من حيث الشكل وتحت طائلة البطلان، أن تبرم اتفاقية التحكيم كتابة، أو بأية وسيلة اتصال أخرى تجيز الإثبات بالكتابة".

        نلحظ أن المشرع الجزائري قد أجاز الإثبات بأية وسيلة اتصال، ويفهم من ذلك أنه يجوز الاتفاق إلكترونيا، وهذا ما هو سائد اليوم في مجال التجارة الالكترونية، والعقود الالكترونية التي يعتبر التوقيع الإلكتروني أحد وسائل حمايتها.

        وبطبيعة الحال فإنّ المنازعات التي تظهر في ميدان التجارة الإلكترونية ويتفق فيها الأطراف على اللجوء إلى التحكيم، فإنّ مجالها هو التحكيم الالكتروني، الذي يتم عبر شبكة الانترنت حيث يتم البت بطريقة الكترونية من خلال الوسائل السمعية البصرية عبر شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد دون الحاجة إلى التقاء أطراف النزاع والمحكمين في مكان معين.

        ويتميز هذا النوع من التحكيم بالسرعة واليسر والمرونة التي لا تتوافر في القضاء العادي حيث لا يلزم في هذا التحكيم انتقال أطراف النزاع والحضور المادي أمام المحكمين بل يمكن سماع المتخاصمين عبر وسائط الاتصال الإلكترونية عبر الأقمار الاصطناعية،  يضاف إلى ذلك سرعة إصدار الأحكام نظرا لسهولة الإجراءات، إذ يتم تقديم المستندات والأوراق عبر البريد الإلكتروني، كما يمكن الاتصال المباشر بالخبراء أو تبادل الحديث معهم عبر الانترنت[31].

        الفرع الثاني: تمييز التحكيم عن بعض الأنظمة المشابهة له

        باعتبار التحكيم وسيلة من الوسائل البديلة للفصل في المنازعات إلى جانب الصلح والوساطة والخبرة ...، وتسمى الوسائل البديلة كونها تسمح بحل النزاعات دون اتباع الطريق المعهود وهو الطريق القضائي، ونظرا لاشتراك كل هذه الوسائل في هدفها فقد يثار نوع من اللبس في تحديد طبيعة المهمة التي يقوم بها الشخص أو الأشخاص المتدخلون لفض النزاع المثار، لذلك ينبغي وضع حد فاصل بين التحكيم وبعض الأنظمة المشابهة له على النحو الآتي بيانه:

        أولا- تمييز التحكيم عن القضاء: يعتبر القضاء سلطة من السلطات التي تتمتع بها الدولة والتي تفصل بين المتخاصمين، ويشترك مع التحكيم فــي كونه طريق للفصل فــي النزاع بحكـم ملزم ويمكن التمييز بينه وبين التحكيم من خلال ما يلي:

        يعتبر القضاء سلطة من السلطات العامة في الدولة وهو مرفق عمومي يقدم خدمة عمومية تتعلق بضمان حق الأشخاص في التقاضي وهو من الحقوق المكفولة دستوريا، ويشترك مع التحكيم في كونه طريق للفصل في النزاع بحكم ملزم، ويمكن التمييز بينهما من خلال الآتي:

        - يعتبر القضاء صاحب الولاية الأصلية العامة والدائمة لتسوية كل النزاعات على اختلاف أنواعها وأطرافها، بينما لا يتمتع التحكيم إلاّ بولاية خاصة ومؤقتة، كما يتحدد مجاله بنوع محدد من النزاعات وبين أطراف من طبيعة قانونية خاصة، ومن جهة أخرى فإنّ القضاء يترجم عدالة عامة ومجانية، بينما يعكس التحكيم صورة العدالة الخاصة التي تكون مدفوعة الأجر[32].

        - يشترط من أجل اللجوء إلى التحكيم توافق إرادة الأطراف المتنازعة في اللجوء إليه كسبيل لحل النزاع المحتمل أو القائم بينهم، هذه الإرادة لها دور كبير في تشكيل محكمة التحكيم ووضع قواعد تنظيم الخصومة التحكيمية، بينما للقضاء ولاية عامة لا يتطلب موافقة المدعى عليه للتقاضي أمام المحاكم، ولا دور لإرادة الأطراف في تعيين القضاة وقواع سير الخصومة القضائية.

        - يلتزم القاضي أثناء فصله في النزاع المعروض عليه بتطبيق القانون للوصول الى الحل القانوني، بينما يفصل المحكم وفقا لما يراه مناسبا لحل النزاع لكن ذلك يتوقف على وجود اتفاق صريح بين الأطراف يمنحه مكنة التحكيم بالصلح[33].

        ثانيا: تمييز التحكيم عن  الصلح

               يعرف الصلح حسب نص المادة 459 ق م ج[34] على أنّه تصرف قانوني ينشد فيه الطرفان إنهاء نزاع قائم أو محتمل قيامه بتراضيهما على حل ودي بينهما.

        وعليه فإنّ القاسم المشترك بين الصلح والتحكيم يكمن في كونهما يهدفان إلى حسم النزاع بعيدا عن قضاء الدولة، كما أنّهما يشتركان في كون أنّ اللجوء اليهما يكون بموجب اتفاق بين الطرفين، لكن بالرغم من ذلك فإنهما يختلفان في عدة مسائل أبرزها ما يلي:

        - يشترط في الصلح تنازل الطرفين بالتبادل عن جزء من حقهما، بينما لا وجود لمثل هذا الشرط في التحكيم الذي يتولى فيه المحكم حسم النزاع لمصلحة أحد الطرفين على حساب الآخر.

        - حكم التحكيم ملزم لأطرافه وينفذ جبريا ولو استدعى الأمر تسخير القوة العمومية، بينما يتوقف تنفيذ الحل المتوصل إليه من خلال الصلح على قبوله من قبل الطرفين.

        ثالثا- تمييز التحكيم عن الوساطة

         تعرف الوساطة على أنّها الشكل الرئيسي لمساعدة الأطراف العاجزة عن حل نزاع أو صراع تستخدم طرفا ثالثا محايدا ونزيها من اختيار هؤلاء الأطراف ليساعدهم في التوصل الى تسوية[35] بهذا يتقاطع التحكيم والصلح في كونها من الوسائل البديلة لحسم النزاعات بعيدا عن دائرة القضاء الرسمي، كما أنّهما يتطلبان تدخل شخص ثالث من الغير للفصل في النزاع، لكنها في المقابل يختلفان في العديد من النقاط أبرزها: أنّ الحل في الوساطة يتم التوصل اليه بمساعدة الوسيط لكن يتم اقراره وتحديد مختلف تفاصيله بإرادة الأطراف وبالتالي الحل هنا توفيقي يستلزم موافقة الأطراف لنفاذه، في حين يكون الحل في التحكيم بإرادة المحكم وحده ويكون في شكل حكم ملزم للطرفين[36].

        رابعا- تمييز التحكيم عن الخبرة  

        تعرف الخبرة على أنّها تلك المهمة التي يعهد بمقتضاها الخصوم إلى شخص في مجال معين بمهمة إبداء رأيه في مسألة فنية تدخل في مجال اختصاصه دون إلزام الخصوم بهذا الرأي وقد يكون الخبير طبيبا أو مهندسا أو محاسبا ...الخ[37].

        وتتقاطع الخبرة مع التحكيم في كونهما من الوسائل البديلة للوصول إلى حل للنزاع المطروح، كما أنّ كل من الخبير والمحكم يعينا من الأطراف بحرية.

        غير أنّ هناك عدة نقاط اختلاف بين النظامين، أبرزها أنّ الخبير يبدي رأيه في مسألة ذات طبيعة تقنية أو فنية، فهو بذلك ينظر في المسائل المادية دون القانونية، بينما المحكم يقوم بإسقاط حكم القانون على وقائع النزاع للوصول إلى الحل القانوني فهو بذلك يفصل من حيث الواقع والقانون، كذلك يكون الحكم الصادر في التحكيم ملزما للأطراف، بينما يتوقف حل النزاع في الخبرة على اتفاق الأطراف على قبول الحل المتوصل إليه من طرف الخبير، وذلك لكون الخبرة مجرد رأي استشاري وليس ملزم[38].

        خامسا: تمييز التحكيم عن الوكالة

        عــرّف القـانون المـدني الجزائـري الوكالـة فـي المـادة 571 "الوكالـة أو الإنابـة هـو عقـد بمقتضاه يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل وباسمه".

        من خلال هذا التعريف قد يخلط البعض بين التحكيم والوكالة لكون في كليهما التزام من قبل المحكم والوكيل بتنفيذ البنود التي تضمنها العقد والتي تحدد حدود التحكيم والوكالة.

        لكن في المقابل فإنّ نقاط الاختلاف بين النظامين واضحة جلية أبرزها:

        - المحكـم الـذي يختـاره كـل مـن الأطـراف المتنازعـة لا يعبّـر عـن وجهـة نظـر هـذا الطـرف، لأنّ المحكم المختار من قبل أي طرف من الأطراف المتنازعة ليس صاحب قـرار منفـرد، كونه وليد الإرادة المشتركة، في حين أنّ الوكيل يمثّل إرادة واحدة وهي إرادة الأصيل[39].  

        - القاعدة أنّ الوكيل يستمد سـلطاته مـن الموكـل ويملـك التنصـل مـن عمـل الوكيـل إذا خـرج عـن حـدود وكالتـه، كمـا أنّ الوكيـل لا يقـوم إلاّ بمـا يمكـن أن يقـوم بـه الموكـل، أمّا هيئـة التحكـيم وبعـد اختيارهـا مـن قبـل الأطـراف المحتكمـين تكـون مسـتقلة فـي أداء عملهـا تمامـا عنهم، فهم لا يملكون حق التدخل في عملها بأن يصدروا إليها تعليمات تتقيد بهـا، ويكـون الحكم الصادر عن هذه الأخيرة ملزما لهم[40] .

        المبحث الثاني

         مصادر التحكيم التجاري الدولي وموقف المشرع الجزائري منه

        نتناول في هذا المبحث مصادر التحكيم التجاري الدولي وخصائصه في (مطلب أول)، ثم نتصدى الى موقف المشرع الجزائري من التحكيم في (مطلب ثان).

        المطلب الأول: مصادر وخصائص التحكيم التجاري الدولي

        نتعرض أولا إلى حصر مصادر التحكيم التجاري الدولي في (فرع أول)، ثم نحاول تعداد أهم خصائصه في (فرع ثان).

        باعتبار أنّ وظيفة التحكيم التجاري الدولي حسم المنازعات بين أشخاص القانون الخاص بمناسبة معاملات ذات طابع دولي بمفهوم القانون الدولي الخاص فإنّ مصادره تتنوع إلى مصادر ذات أصل عمومي، وأخرى ذات مصدر خاص.

        أولا- المصادر ذات الأصل العمومي[41]: وهي تلك القواعد المعدة من طرف كل بلد والمخصصة للتحكيم سواء كان داخليا أو دوليا.

        01: القوانين الوطنية: تتمثّل عادة فيما نجده في القوانين الداخلية للدول من أحكام خاصة بتنظيم التجارة الدولية والتحكيم التجاري الدولي، على غرار:

        أ- قانون الإجراءات المدنية والادارية: خصّص المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية والادارية نصوصا متعلقة بالتحكيم  بصفة عامة بدءا من المادة 1006 إلى غاية  المادة 1038 وتماشيا مع التطور الملحوظ في ميدان التحكيم خصّص نصوصا متعلقة بالتحكيم التجاري الدولي  في نفس القانون من المادة 1039 الى المادة 1061 ق.

        ب- القوانين الخاصة: مثل ما تنص عليه المادة 17 من قانون الاستثمار الجزائري على أنه: "يخضع كل خلاف بين المستثمر الأجنبي والدولة الجزائرية يكون بسبب المستثمر أو بسبب إجراء اتخذته الدولة الجزائرية ضده، للجهات القضائية المختصة، إلاّ في حالة وجود اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أبرمتها الدولة الجزائرية تتعلق بالمصالحة والتحكيم، أو في حالة وجود اتفاق خاص ينص على بند تسوية أو بند يسمح للطرفين بالتوصل إلى اتفاق بناء على تحكيم خاص"، يتضح من نص المادة أن المبدأ هو اختصاص المحاكم الجزائرية، أما الاستثناء فهو اللجوء إلى التحكيم الدولي، وعلما أن طرق اللجوء إلى التحكيم تختلف، كما يلي:

        02- المصادر الدولية: وتتمثل في الاتفاقات الدولية المتعلقة بالتحكيم وهي على نوعين ثنائية أو متعددة الأطراف، وإن كان تعدادها ليس مقامه فإنه يمكن أن نقتصر على :

        -  بروتوكول جنيف بتاريخ 24/09/1923 المتعلق بشروط التحكيم.

        - اتفاقية جنيف المؤرخة في 26/09/1927 الخاصة بتنفيذ القرارات التحكيمية الأجنبية.

        - اتفاقية نيويورك المؤرخة في 10/06/1958 المتعلقة بالاعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية.

        - الاتفاقية الأوروبية بجنيف للتحكيم التجاري الدولي المؤرخة في 21/04/1961.

        ثانيا: المصادر ذات الأصل الخاص[42]

        الخاصية التي تجمع هذا النوع من المصادر هي كونها من إنشاء الممارسين التجاريين الدوليين (أجهزة دولية ومحكمين دوليين) خارج أي إطار للدولة، وإن كانت هذه المصادر أقل فعالية من سابقتها ذات المنشأ العام إلاّ أنّها مصادر واقعية، ويمكن حصر هذه المصادر فيما يلي:

        01: الاتفاقيات النموذجية للتحكيم :وهي وثائق موضوعة أساسا من طرف جمعيات وهيئات ومؤسسات لها علاقة بموضوعات مختلفة للتجارة الدولية، هذه الجمعيات غالبا تكون متخصصة في فرع من فروع التجارة الدولية كالحبوب والحطب...الخ، كما قد تأخذ هذه الاتفاقيات شكل اتفاقات متعددة الأطراف تضم جمعيات مختلفة تتضمن (عقود نموذجية) أو تضع شروطا عامة خاصة لكل عقد من عقود التجارة الدولية .

         02: تنظيمات مؤسسات التحكيم :هذه التنظيمات يتم وضعها من طرف مراكز دائمة للتحكيم التجاري الدولي التي تختص بالفصل في منازعات التجارة الدولية، وقد تتعلق بتنظيمات داخلية ذات الطابع الخاص وهي عديدة مثلا تنظيم الغرفة التحكيمية البحرية بباريس، الفيدرالية الوطنية للأشغال العامة، جمعية التحكيم التكنولوجية المتقدمة (A T A)، وقد تكون هذه التنظيمات ذات طابع عام مثل: غرفة التحكيم بباريس، الجمعية الفرنسية للتحكيم( (AFA، كما أنه قد تتعلق بتنظيمات دولية مهيمنة على التحكيم الدولي نذكر منها: غرفة التجارة الدولية بباريس (CCI)  الجمعية الأمريكية للتحكيم(AAA) ، معهد التحكيم للغرفة التجارية ستوكهولم، ونفس الأمر بالنسبة للجنة هيئة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي CNUDCI المنبثق عنها القانون النموذجي (اليونسترال) UNCITRAL (.

        03: الاجتهاد التحكيمي: تشمل القرارات الفاصلة في النزاعات التجارية الدولية الصادرة عن المحكمين الدوليين  والسلطات الجمعوية، هذه القرارات تشكّل ما يشبه نوع من السوابق القضائية في مجال التجارة الدولية والتي يمكن الرجوع إليها بتطبيق مضمونها على نزاعات مشابهة معروضة على جهات التحكيم التجاري الدولي.

        الفرع الثاني: خصائص التحكيم (المزايا والعيوب)

        يتميز التحكيم بمجموعة من الخصائص المميزة له التي ساهمت في انتشاره وجعله قبلة المتقاضين خاصة في الاوساط الاقتصادية والمبادلات التجارية الدولية التي ما فتئت تتطور بشكل متسارع في عالم تحكمه حاجيات العولمة ومتطلباتها، ولكن في المقابل لا يسلم التحكيم من عيوب في بعض جوانبه شأنه في ذلك شأن أي نظام آخر، ذلك ما سنحاول التطرق له تاليا:

        أولا- مزايا التحكيم: كثيرا ما يسعى الخصوم الى حل نزاعاتهم عن طريق التحكيم وذلك بسبب المزايا التي يوفرها لهم، لعل أبرز هذه المزايا ما يلي:

        01- سرعة الفصل في النزاع: يأتي في مقدمة الاسباب التي تدفع اطراف النزاع الى تفضيلهم اللجوء الى التحكيم ما يحققه لهم من سرعة في حسم نزاعهم، كونه يتم عادة دون التقيد بإجراءات التقاضي التي تتسم بالبطء والتعقيد، كما أنه يتم على درجة تقاضي واحدة، وبذلك يصل الأطراف الى مبتغاهم بسرعة، ثم أنّ المحكمون يكونون في العادة متفرغين للفصل في الخصومة أكثر من القضاة الذين تفرض عليهم طبيعة عملهم الفصل في الكثير من المنازعات بشكل يومي ومتكرر كما أنّ المحكمين غالبا ما يتم اختيارهم على أساس خبرتهم وكفاءتهم في موضوع النزاع، وهم على دراية بعادات وأعراف التجارة الدولية عكس القضاء الذي قد يلجا الى الاستعانة بأهل الخبرة في المسائل الفنية، ولذلك فهم لا يحتاجون لوقت طويل للفصل في النزاع[43].

        02-السرية: من بين أهم ميزات التحكيم السرية التي تحاط بها اجراءاته، فالعلنية التي تتم بها اجراءات التقاضي أمام المحاكم والتي تعد من أهم مبادئ النظام القضائي التي تشكل ضمانة هامة من ضمانات العدالة، قد تنقلب وبالا على التجار على اعتبار أنه سيترتب عليها حتما افشاء أسرار صناعية وتجارية يحرص التجار على ابقائها طي الكتمان، نظرا لارتكاز معاملاتهم التجارية على عنصر الثقة المرتبطة بسمعتهم، لذلك تتم جلسات التحكيم بصرة سرية لا يحضرها الا اطراف النزاع أو ممثلوهم، بل ان السرية قد لا تقتصر على الجلسات وانما تمتد حتى الى ما يصدره المحكمون من حكم فاصل  في النزاع[44].

        03-المرونة وبساطة الاجراءات: يمتاز التحكيم ببساطة الاجراءات، فمحكمة التحكيم تتمتع بحرية أوسع وأكثر من القضاة في كل ما يتعلق بإجراءات التقاضي مثل التبليغات وادارة الجلسات وتنظيمها الاتصال بأطراف النزاع وغير ذلك، وهي في كل هذه المسائل تبتعد ما أمكن عن الاجراءات الشكلية الطويلة والمملة المتبعة من طرف القضاء وذلك على حساب الموضوع وجوهر النزاع.

        04- الحفاظ على العلاقات الودية بين الخصوم: يهدف التحكيم الى فض النزاع والى الحفاظ على العلاقات الودية والطيبة بين الخصوم، لهذا فهو النظام الانسب لحل المنازعات وضمان استمرارية العلاقات في الوقت نفسه.

        05- تكريس الطابع الرضائي للتحكيم: يكرّس نظام التحكيم مبدأ سلطان الارادة بحق، لما للإرادة من دور كبير في عملية التحكيم، فمنذ البداية لا يمكن اللجوء الى التحكيم إلاّ بموجب اتفاقية التحكيم، هذه الميزة تمنح للفرقاء حرية كبيرة في تنظيم الخصومة التحكيمية سواء من خلال اختيار القانون الواجب التطبيق على الموضوع أو الإجراءات، أو اختيار المحكمين، لغة التحكيم، تنظيم الخصومة التحكيمية ..، كل ذلك يجسّد الطابع الرضائي للتحكيم[45].

        06- تلافي مشكلتي تنازع القوانين الاختصاص القضائي: التحكيم التجاري الدولي يمكّن من تجاوز مسألة تنازع القوانين في إطار ما يسمى بالقانون الدولي الخاص، الذي يشكّل لوحده عقبة قانونية، وحتى إذا تم تجاوزها بالاعتماد على قواعد الإسناد الوطنية التي تنص عليها أحكام القوانين المدنية المعالجة لتوزيع الاختصاص في هذا المجال، فإنّ هذا الحل يكون في النهاية لصالح تطبيق قانون وطني على حساب قانون وطني آخر، مع المشاكل الموضوعية والإجرائية التي يطرحها اللجوء إلى القانون الوطني في وجه المتعاملين التجاريين الدوليين، نفس الشيء التحكيم يمكّن من تلافي مشكلة تنازع الاختصاص القضائي الدولي.

        07- يتيح التحكيم للأطراف مكنة اختيار المحكمين، وهي الإمكانية غير المتاحة بالنسبة للقضاء ومكنة الاختيار تحقق في حد ذاتها ايجابيات أخرى تتعلق أساسا بأن معايير الاختيار ستراعي حتما خصوصيات النزاع، سواء من حيث اللغة التي ستجري بها الخصومة أو مكان اجرائها وتخصص المحكم كفاءته، كما أنّ طريقة اختيار المحكمين برضا تام من الفرقاء المتنازعون يشعر كل منهم بكامل الاطمئنان لانهم اختاروا بإرادتهم من يحكم بينهم.

        ثانيا- عيوب التحكيم: بالرغم من المزايا العديدة التي يتيحها التحكيم، إلاّ أنّه كأي نظام آخر لا يخلو من العيوب المثالث أهمها:

        - يعتبر التحكيم نظاما خطرا بالنظر للسرية الكبيرة التي تحيط به، فهو يفتقر لمبدأ أساسي من مبادئ التقاضي والمتمثل في علانية الجلسات والذي يعتبر من الضمانات التي تقدمها العدالة ومن ثم فالسرية المبالغ فيها والتي تحيط بنظام التحكيم منذ بدايته وإلى غاية صدور الحكم التحكيمي قد يولد نوع من الريبة والخوف لدى أطراف النزاع.

        - يعد التحكيم آلية من آليات الدول الصناعية المتقدمة لضمان وتعزيز ريادتها، فينشد من خلاله اقصاء القضاء الوطني في الدول النامية ومنعه من النظر في المنازعات الناشئة عن عقود التنمية الاقتصادية، وبالتالي ضمان عدم خضوع المستثمر الأجنبي والشركات العملاقة للقانون القضاء الوطنيين، كما أنه يتخذ مطية لفرض شروط مجحفة بحقوق الاطراف الضعيفة[46].

        - عدم تمتع الأحكام التحكيمية بالقوة التنفيذية، لافتقار المحكم الذي أصدرها لقوة السلطة العامة بالتالي إذا رفض من صدر الحكم ضده الإذعان له وتنفيذه، يستلزم ذلك عودة أطراف النزاع الى القضاء للاعتراف بهذا الحكم وإعطائه الصيغة التنفيذية والتي لا بد لها توافر شروط معينة حددها المشرع، وبذلك يجد الأطراف انفسهم أمام اجراءات قضائية حاولوا تلافيها ابتداء لتفرض عليهم في النهاية[47].

        - التحكيم نظام مكلف: من المعلوم أن اللجوء القضاء لا يكلف بالأطراف سوى بعض الرسوم البسيطة المقررة قانونا، وذلك كون أن مرتبات القضاة تقع على عاتق الدولة، في حين أنّ من يدفع أتعاب المحكمين مصاريف انتقالهم واجتماعاتهم هم اطراف النزاع فضلا عن تحملهم الرسوم والمصاريف الادارية اذا كان التحكيم مؤسساتيا، لكن بالرغم من ذلك يجب أن لا ينظر مصاريف التحكيم من هذه الزاوية الضيقة فقط، بل يجب أن ينظر الى التكاليف بصورة عامة، فالتحكيم يضيف بالمقارنة بالقضاء أتعاب المحكمين، ولكنه في الوقت نفسه يختصر تكاليف أخرى كتلك المتعلقة بالخبراء ومصاريف السفر والتنقل، لذا يرى جانب من الفقه مسألة مصاريف اللجوء الى التحكيم لا يمكن القل بأنّها من المزايا كما لا يمكن القول أنّها من المثالب والسلبيات باعتبار أن الأمر يتغير من قضية لأخرى[48].

        المطلب الثاني: موقف المشرع الجزائري من التحكيم التجاري الدولي

        اختلف موقف الجزائر من التحكيم التجاري الدولي باختلاف المراحل السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد، حيث عرفت في البداية تخبطا وتذبذبا كبيرين قبل سنة 1993، من خلال رفضه من حيث المبدأ واللجوء اليه من الناحية الواقعية مضطرة في العديد من القضايا وبالخصوص مع الشركات البترولية الفرنسية، ثم بدأت في تغيير موقفها في ثمانينيات القرن الماضي الى غاية تبينه بشكل صريح بموجب تعديل قانون الاجراءات المدنية سنة 1993.

        وعليه يمكننا تقسيم موقف المشرع الجزائري من التحكيم التجاري الدولي الى مرحلتين أساسيتين، الأولى مرحلة التذبذب، والثانية مرحلة التكريس.

        الفرع الأول: مرحلة تذبذب موقف المشرع الجزائري من التحكيم

         عرفت هذه المرحلة بدورها مرحلتين أساسيتين، مرحلة النفور والمنع التشريعي للتحكيم التجاري الدولي مع اللجوء اليه من الناحية الواقعية تحت ضغط الحاجة، تلتها مرحلة أخرى تبنى من خلالها المشرع الجزائري موقفا جديد يغلب عليه من اللين

        تبنت الجزائر غداة الاستقلال موقفا معاديا للتحكيم التجاري الدولي، واعتبرت التنازل لصالحه مساسا بالسيادة الوطنية خاصة وأن الجزائر حديثة عهد بالاستقلال، وقد بنت اقتصادها على تدخل الدولة في كل المجالات، واحتكرت التجارة الخارجية،  

        أسباب رفض هذا النظام [49]: تتعدد أسباب هذا الرفض الآتي بيانه .

        الأسباب السياسية :تم فهم هذا النظام في بداية الأمر من طرف الدول الحديثة العهد بالاستقلال ومنها الجزائر على أنه يمس بسيادة الدولة نظرا لكونه يقوم أساسا على استبعاد محاكم الدولة من الفصل في المنازعات التجارية الدولية، هذا التخوف ناتج أساسا من الأحكام القانونية التي تتضمنها الاتفاقيات الدولية للتحكيم الدولي والتي يرى فيها كثير من الكتاب أنّها تمس فعلا ببعض جوانب سيادة الدول، يتجلى ذلك  في تخلي الدولة عن اختصاصها الحصري والمطلق في إقامة عدالتها بنفسها وذلك بقبولها للقيود التي تحد من هذه السيادة بمقتضى تنازلها من جانب واحد على ممارسة حقوق السيادة، أو بمقتضى الاتفاقيات متعددة الأطراف التي توقعها، ونفس الرأي يسلكه الأستاذ "نور الدين تركي" الذي يرى أن الجزائر ليست لها في نهاية الأمر -كغيرها من دول العالم الثالث- إلاّ سيادتها التي يمكن أن تقف بها في وجه القوة الاقتصادية والمالية للشركات المتعددة الجنسيات العاملة فوق إقليمها[50].

        - عدم الثقة في القوانين المنظمة للتحكيم الذي كان ينظر اليه على اساس انه مجموعة القواعد من صنع الدول الاستعمارية سابقا ولم تشترك الدول النامية في صياغتها، ودليل ذلك أنه قبل الاستقلال كانت المنازعات المتعلقة بالمحروقات من اختصاص مجلس الدولة الفرنسي وكان من المنطق بعد الاستقلال أن يؤول هذا الاختصاص للغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، إلاّ أنّه لم يتم ذلك بل أرغمت الجزائر على اللجوء إلى التحكيم بعد مصادقتها على الاتفاقيات البترولية المبرمة مع فرنسا.

        - يضاف إلى ذلك تجارب بعض الدول غير المشجعة في هذا الإطار حيث جاءت الأحكام مجحفة في العديد من القضايا التحكيمية الشهيرة، على غرار قضية شيخ أو ظبي، وقضية شيخ قطر، وقضية تكساك ضد ليبيا، وقضية أرامكو ...إلخ، في كل هذه القضايا اعتبرت الهيئات التحكيمية القوانين العربية متخلفة جدا وبالتالي طبقت قوانين الدول الغربية التي اعتبرتها متطورة ومتحضرة، وأصدرت على إثرها أحكاما مجحفة ضد هذه الدول العربية كلفتها خسارة الكثير من الأموال.

        - الأسباب الاقتصادية: تمثلت في تشييد الجزائر اقتصادها على المذهب الاشتراكي الذي يتيح تدخل الدولة في الحقل الاقتصادي، ولا أدل على ذلك من احتكارها للتجارة الخارجية، والتحكيم بالتأكيد سيضعها في موقف ضعيف أمام المستثمر الأجنبي[51].

        - الأسباب القانونية: تتمثل الاسباب القانونية بالأساس في اعتبار الجزائر النصوص الموروثة عن الاستعمار يجب التخلص منها، باعتبارها وضعت لضمان مصالحه واستمرار هيمنته، بالإضافة الى انعدام الأساس القانوني الذي يعتمد عليه للجوء إلى هذا الإجراء، حيث تنص المادة  442 من الأمر 66-154 المتضمن قانون الإجراءات المدنية تنص صراحة على منع الدولة والأشخاص المعنوية العامة من اللجوء إلى التحكيم بقولها "لا يجوز للدولة أو الأشخاص الاعتباريين العموميين أن يطلبوا التحكيم".

        لجوء الجزائر الى التحكيم التجاري الدولي من الناحية الواقعية:

        على الرغم من كل الأسباب السابقة التي أدت إلى النفور القانوني من التحكيم التجاري الدولي، إلاّ أنّ الضرورة الاقتصادية وضغط الشركات الأجنبية والحاجة الماسة لتدفق الأموال الأجنبية من أجل التنمية، كل ذلك كان له الدور الفاصل في لجوء الجزائر الى التحكيم مرغمة في العديد من المعاملات التجارية الدولية وخاصة مجال المحروقات، فمن أصل سبعة عشر عقدا من عقود التجارة الدولية تضمنت عشرة (10) عقود منها شرطا تحكيميا يحيل الاختصاص بنظر النزاع إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس[52].

        وتطبيقا لاتفاقية ايفيان تمت المصادقة على اتفاق التحكيم مع فرنسا سنة 1963 محتواه الالتجاء الى محكمة التحكيم الدولية دون سواها[53] لحل كل نزاع حول استغلال الثروات الطبيعية في الصحراء (المادة 2)، كما تكون الأحكام الصادرة عن هذه الهيئة قابلة للتنفيذ التلقائي والمباشر في خلال ثلاثة أيام بعد صدورها (المادة 4) وفي الملحق التابع للاتفاق المذكور والذي ينضم عملية  التحكيم تفرض صياغة الحكم بالغة الفرنسية وحدها ولا يقبل أي طريقة من طرق الطعن، اكثر من ذلك يمكن لهيئة التحكيم اتخاذ كل التدابير اللازمة للتنفيذ الجبري للقرار التحكيمي.

        أما الاتفاق المبرم في 29/07/1965 والمتعلق بالتعاون في مجال استغلال الثروات الهيدروكربونية، فلقد عمل على تعديل بعض النصوص في اتفاقية ايفيان واتفاق التحكيم لسنة 1963 وأدخل نظام التوفيق الاجباري إلى جانب نظام التحكيم، غير أنّه أبقى على شرط تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة في شأن النزاعات البترولية دون استلزام وضع الصيغة التنفيذية عليها[54].

        وما تجدر الاشارة اليه في هذه الفترة أنّ الطرف الجزائري في التحكيم التجاري الدولي كان يعبّر دائما عن مصلحة حكومية باعتبار أن التجارة الخارجية آنذاك كانت محتكرة من طرف الدولة وبالرغم من أن التحكيم كان مفروضا على الجزائر إلاّ أنّها كانت تلتزم دائما بتنفيذ الاحكام الصادرة عنه[55].

        المرحلة الانتقالية "بداية انفراج أزمة التحكيم"

        في هذه المرحلة ابدت الجزائر لينة واضحة تجاه التحكيم التجاري الدولي، فبالرغم من الأسس القانونية التي تمنع اللجوء للتحكيم، تسامحت الدولة بسبب الظروف الاقتصادية التي كانت تمر بها من جهة والضغوط الممارسة من طرف المستثمرين والشركات المتعددة الجنسيات، رخصت بتسوية بعض النزاعات الاستثمارية بطريق التحكيم، وبدت ملامح ومؤشرات ذلك توقيع الجزائر لبعض الاتفاقيات الثنائية في هذا الإطار، وكذا الانضمام لبعض الاتفاقيات الدولية من جهة ثانية، وذلك كما يلي:

        أولا- أهم مؤشر على الموقف الجزائري الجديد هو صدور المرسوم 82-145[56] الذي يسمح للمصالح الحكومية ذات الاستقلالية الادارية والمالية باللجوء الى التحكيم في عقود التجارة الدولية، وينطبق ذلك بشكل خاص على الشركات الدولة والمصالح المستقلة ذات الطابع الصناعي والتجاري.

        ثانيا- توقيع الجزائر لبعض الاتفاقيات الثنائية: هذه الاتفاقيات تشير فيها الجزائر صراحة على العمل بنظام التحكيم، من هذه الاتفاقيات :

         - اتفاقية التحكيم الجزائرية الفرنسية الموقفة في 1983/03/27 .

        - مجموعة المراسيم الرئاسية الصادرة تتويجا لجملة من الاتفاقات الخاصة لحماية وتطوير الاستثمارات الأجنبية الموقعة من طرف الجزائر ومنها :

        * المرسوم الرئاسي 90-319 الصادر في 17/10/1990  المتضمن المصادقة على الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية ( الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ: 24/10/1990).  

        * المرسوم الرئاسي رقم: 91-345 الصادر بتاريخ 05/10/1991 (بموجب الجريدة الرسمية بتاريخ 06/10/1991) والمتضمنة المصادقة على الاتفاقية بين الجزائر واتحاد بلجيكا وللوكسمبورغ  .

        * المرسوم الرئاسي رقم 91-346 الصادر بتاريخ 05/10/1991 (بموجب الجريدة الرسمية بتاريخ 06/10/1991) بين الجزائر وإيطاليا.

        الى جانب مراسيم أخرى بين الجزائر ودول أخرى، وان كانت هذه الاتفاقيات قد أحدثت تقدما في مجال التحكيم، الا انها تفضل أولا أن يفصل في النزاع بالطرق الديبلوماسية، وفي حال الفشل للوصول الى حل يتم اللجوء الى التحكيم[57].

        ثالثا- انضمام الجزائر الى بعض الاتفاقيات الدولية المتضمنة للتحكيم التجاري الدولي:

        ويتجلى ذلك بالأساس من خلال توقيع الجزائر( ولو بتحفظ أحيانا)  للعديد من الاتفاقيات الدولية التي تتضمن التحكيم التجاري لفض منازعات التجارة الدولية، لعل اهمها الآتي:

         * اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، انضمت الجزائر إليها بتحفظ بموجب المرسوم الرئاسي رقم 88-233 مؤرخ في: 13/11/1988 (ج. ر عدد 48 بتاريخ: 23/11/1988).

        *  المصادقة على اتفاقية واشنطن (18 مارس 1965) التي أسّست المركز الدولي لتسوية الخلافات في مجال الاستثمارات، صادقت عليها الجزائر بمقتضى الأمر 95-04 المؤرخ في 21/01/1995 ( جريدة رسمية عدد 07 بتاريخ: 15/02/1995).

        * مرسوم رئاسي رقم 95-306 صادر في: 07/10/1995 يتضمن مصادقة الجزائر على الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية (الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية رقم 95/1995).

        الفرع الثاني: مرحلة التكريس التشريعي للتحكيم التجاري الدولي:

        جاء تكريس التحكيم التجاري الدولي من طرف الجزائر بصفة تدريجية، ولعل البداية كانت بالأحكام التي تضمنها القانون 88-01 الصادر بتاريخ 12/01/1988 الخاص بالمؤسسة العمومية الاقتصادية، والتي رفعت عن أملاك هذه المؤسسة الحماية القانونية التي كانت مقررة لها من قبل من خلال عدم قابليتها للتصرف والحجز، حيث أصبحت  هذه الأموال بمقتضى نص المادة 20 من هذا القانون تخضع للقانون التجاري ومن ثم قابليتها للحجز.

        وعليه فإنه يعتبر أن قانون 88-01 والمرحلة الانتقالية التي تعرضنا لها عوامل مهدت لصدور المرسوم 93-09 المؤرخ في 25/04/1993 المعدل والمكمل لقانون الاجراءات المدنية والذي بموجبه تبنى المشرع الجزائري نظام التحكيم التجاري الدولي من خلال إلغائه لنص المادة 442 من الأمر 66-154 المتعلق بقانون الاجراءات المدنية وعوضها بأحكام نظمت التحكيم تضمنتها المواد من 458 الى 458 مكرر 28 من ق إ م. وقد جاءت هذه الاحكام متفتحة متشبعة بالفكر القانوني المشجع على التحكيم التجاري الدولي، وعليه بإصداره هذا القانون يكون المشرع الجزائري قد كرّس وجود التحكيم التجاري الدولي وفق احدث التطورات التي يعرقها العالم، ولم يختلف الأمر كثيرا بعد اصدار قانون اجراءات مدنية وادارية جديد رقم 08-09 والذي أكد ذلك التكريس.




        [1]  CH- Jarrosson,La notion d’arbitrage ,LGDJ, Paris,1987, p 369.

        [2] عمر سعد الله، قانون التجارة الدولية (النظرية المعاصرة)، الطبعة الأولى، دار هومة، الجزائر، 2007، ص 273.

        [3] محسن شفيق، التحكيم التجاري الدولي (دراسة في قانون التجارة الدولية)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998، ص 37.

        [4] محمد أبو العينين، المبادئ القانونية التي يقوم عليها التحكيم في الدول العربية والافريقية التي تبنت قانون اليونسترال النموذجي، مجلة التحكيم العربي، العدد الأول، 1999، ص 8.

        [5] أنظر:

        Xavier Linant de bellefonds, Alain Hollande, L’arbitrage, édition puf : Que sais-je, pris, 2003, p 10.

        [6] أحمد عبد الكريم سلامة، التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2006، ص 19.

        [7]  Ph. Fouchard. Arbitrage Commercial international, Librairie Dalloz, Paris, 1965, p 4.

        [8] نقض مدني أبو ظبي، الطعن رقم 554 لسنة 2008 س 2 ق أ بجلسة 25/12/2008، سلسلة مبادئ النقض ص 106 ما بعدها؛ مشار اليه من طرف: أحمد ابراهيم عبد التواب، اتفاق التحكيم (مفهومه، أركانه وشروطه، نطاقه)، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون سنة نشر، ص 20.

        [9] حكم المحكمة الدستورية العليا، 17/12/1994، القية رقم 13، السنة القضائية 15، حكم مشار اليه في: خالد محمد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي (في منازعات المشروعات الدلية المشتركة مع اشارة  لأحدث أحكام القضاء المصري)، الطبعة الأولى دار الشروق، القاهرة 2002، ص 89.

        [10] تمييز حقوق رقم 379/95، مجلة نقابة المحامين، 1997، ص 1157، نقلا عن: محمد وليد العبادي، أهمية التحكيم وجواز اللجوء اليه في منازعات العقود الادارية، دراسة مقارنة، دراسات علوم الشريعة والقانون، العدد الثاني، المجلد 34، الجامعة الأردنية، عمان، الاردن، 2007، ص 359.

        [11] من ذلك النائب العام الفرنسي Merlin، مشار اليه من طرف: علي سالم ابراهيم، ولاية القضاء على التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997، ص 46.

        [12] سيد أحمد محمود، مفهم التحكيم وفقا لقانون المرافعات، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص 39.

        [13] زروق نوال، محاضرات في مقياس التحكيم التجاري الدولي، ملقاة على طلبة السنة الثانية ماستر قانون الأعمال، قسم الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة سطيف 2، 2017/2018، ص 27.

        [14] عيد محمد القصّاص، حكم التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003، ص 76.

        [15] خالد محمد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى، دار الشروق، القاهرة، 2002، ص 112.

        [16] زروق نوال، المرجع السابق، ص 29.

        [17] نبيل اسماعيل عمر، التحكيم في المسائل المدنية والتجارية الوطنية والدولية، الطبعة الثانية، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية مصر، 2005 ص 187.

        [18] خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص ص 114-115.

        [19] زروق نوال، المرجع السابق، ص ص 41-42.

        [20] خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 116.

        [21] عمر سعد الله، المرجع السابق، ص 277.

        [22] زروق نوال، المرجع السابق، ص ص 42-43.

        [23] نصت المادة 1023 ق إ م إ على "يفصل المحكمون وفقا لقواعد القانون".

        [24] سيد أحمد محمود، المرجع السابق، ص 15 وما يليها.

        [25] نفس المرجع ونفس الوضع.

        [26] زروق نوال، المرجع السابق، ص 47.

        [27] محمد داود الزعبي، دعوى بطلان حكم التحكيم في المنازعات التجارية الدولية، دار الثقافة، الأردن، 2011، ص ص 62-63.

        [28] تعويلت كريم، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية، 2019/2020، ص 15.

        [29] تعويلت كريم، المرجع السابق، ص 15.

        [30] نفس المرجع ونفس الموضع.

        [31] عمر سعد الله، المرجع السابق، ص 281.

        [32] زروق نوال، المرجع السابق، ص  32.

        [33] سيد أحمد محمود، المرجع السابق، ص ص 26-27.

        [34] تنص المادة 459 ق م ج على "الصلح عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه".

        [35] بشير الصليبي، الحلول البديلة للنزاعات المدنية، السلطة القضائية، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الاردن.

        [36] نصت المادة 994 ق م ج على الوساطة القضائية هي من صور الوساطة التي يقوم فيها القاضي بإحالة النزاع على الوسيط عند قبول الأطراف إجراء الوساطة، حيث تنص المادة على "يجب على القاضي عرض إجراء الوساطة على الخصوم في جميع المواد، باستثناء قضايا ........اذا قبل الخصوم هذا الاجراء يعين القاضي وسيطا لتلقي وجهة نظر كل واحد منهم ومحاولة التوفيق بينهم، لتمكينهم من ايجاد حل للنزاع".

        [37] تهدف الخبرة القضائية بحسب المادة 125 ق إ م إ الى "توضيح واقعة مادية تقنية أو علمية محة للقاضي".

        [38] سيد أحمد محمود، المرجع السابق، ص 32.

        [39] سيد أحمد محمود، المرجع السابق، ص، ص 35.

        [40] كمال ابراهيم، التحكيم التجاري الدولي، دار الفكر العربي، القاهرة 1991، ص 80.

        [41] ابـن النصيب عبد الرحمـان، الـدعوى التحكيميـة، رسـالة ماجسـتير، جامعـة الحـاج لخضـر، باتنة، الجزائر، 2005، ص 15.

        [42] ابـن النصيب عبد الرحمـان، المرجع السابق، ص 16.

        [43] بسام شيخ العشرة، التحكيم التجاري، منشورات الجامعة الافتراضية السورية، سورية، 2018، ص 20.

        [44] بسام شيخ العشرة، المرجع السابق، ص ص 20-21.

        [45] زروق نوال، المرجع السابق، ص 39.

        [46] بسام شيخ العشرة، المرجع السابق، ص 22.

        [47] المرجع نفسه، ص 23.

        [48] زرق نوال، المرجع السابق، ص 40.

        [49] أنظر: محمد عيساوي، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أكلي محند أولحاج البويرة، 2019/2020، ص ص  17-21.

        [50] تركي نور الدين، المرجع السابق، ص 86.

        [51] عليوش قربوع كمال، التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، الطبعة الثالثة، ديان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 2005، ص 23.

        [52] أنظر: محند اسعد، مؤتمر التحكيم الأوروبي العربي، تونس، سبتمبر 1985؛ مشار اليه من طرف: زروق نوال، المرجع السابق، ص 16.

        [53] Décret n°63-364 du 14/09/1963 portant publication d’un accord-algéro français relatif à l’arbitrage et d’une annexe portant règlement d’arbitrage (signé à Paris le 26/06/1963 JORA 1963 p.966

        [54] حسين فريدة، التنفيذ الجبري لأحكام التحكيم الدولي في المجال الاستثماري بالجزائر، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، تخصص قانون التنمية الوطنية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري تيزي وزو، 2000، ص 16.

        [55] زروق نوال، المرجع السابق، ص 16.

        [56] المرسوم رقم 82-145 مؤرخ في 10/04/1982 المنظم للصفقات العمومية التي يبرمها المتعامل العمومي (الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، عدد 15).

        [57] محمد زغداوي، المرجع السابق، ص 15.


      • المحور الثاني: اتفاقية التحكيم

        المحور الثاني: اتفاقية التحكيم

        تعتبر اتفاقية التحكيم حجر الزاوية في العملية التحكيمية ككل، فهي التي تحدد كل المسائل التي تتعلق بسيرورة العملية التحكيمية، بداية من اختيار المحكمين الي غاية تحديد ميعاد صدور الحكم التحكيمي، وبدونها لا يمكن الحديث عن اللجوء الى التحكيم لافتقاره لأي اساس وسند يرتكز عليه.

        والمشرع الجزائري عندما اعترف بالتحكيم التجاري الدولي كوسيلة بديلة لفض منازعات التجارة الدولية، جعل الأمر موقوفا على الارادة المشتركة للفرقاء في ارتضائهم اللجوء للتحكيم غير أنّ هذه الحرية مقيدة بما تقيد به العقود عموما، وأخضها لتنظيم قانوني تضمنته المواد من 1006 الى 1013 ق إ م إ بالإضافة إلى نص المادة 1040 من نفس القانون، نظمت الأحكام الخاصة لاتفاقية التحكيم، على ضوء هذه المواد سنتعرض لدراسة اتفاقية التحكيم التجاري الدولي عن الطريق التطرق الى مفهومها (مبحث أول) ثم ()

        ولدراسة هذا موضوع يتعين أولا التعرض الى تعريفه، ، ثم بيان صوره، ثم الى تحديد شروط صحته.

        المبحث الأول:

        مفهوم اتفاقية التحكيم

         تعتبر اتفاقية التحكيم عقد رضائي يحدد ملامح العملية التحكيمية برمتها، الا أنّ الفقه والتشريعات المقارنة لم تتفق على تعريف دقيق وموحد لها (مطلب أول)، وتأخذ اتفاقية التحكيم صور واشكال مختلفة تتحد حسب وقت انعقادها (مطلب ثان)، هذا وتتضمن هذه الاتفاقية التعبير عن ارادتين أو أكثر، وتستلزم صحتها توافر شروط شكلية وأخرى موضوعية (مطلب ثالث).

         

         

         

        المطلب الأول

         تعريف اتفاق التحكيم التجاري الدولي

         أضحى من الواضح أن التحكيم لكي يدخل حيز التنفيذ ويأخذ دوره كوسيلة بديلة لفض منازعات التجارة الدولية لا بد من ارادة تتحرك وتمنحه القوة القانونية اللازمة لذلك، هذه الارادة لا تتحرك إلاّ في إطار عقد التحكيم الذي تلتقي فيه إرادة أطراف النزاع القائم أو المحتمل تتجه للاتفاق على عرضه على التحكيم، لذلك سنطرق فيما يلي، الى تعريف الفقه لاتفاق التحكيم التجاري الدولي.

        أولا- التعريف الفقهي لانفاق التحكيم التجاري الدولي: من التعاريف الفقهية التي تصدت لاتفاق التحكيم التجاري الدولي ما يلي:

        عرفه بع الفقه بأنه "الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو اشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة"[1]

        في حين عرفه الأستاذ 'فوشار" على أنه "اتفاق التحكيم يغطي في الحقيقة فكرتين مختلفتين من جهة شرط التحكيم clause compromissoire وهو شرط منصوص عليه في العقد، وينص على أن أي نزاع يمكن أن يثور بسبب هذا العقد يتم الفصل فيه عن طريق التحكيم، ومن جهة أخرى مشارطة التحكيمcompromis d’arbitrage  والتي هي اتفاق بين الطرفين يقومون بموجبه بإخضاع النزاع إلى المحكم أو هيئة تحكيم وتكون بعد ابرام العقد وبعد أن يثور النزاع بين الطرفين"[2].

        كما عرفه الأستاذ Jean ROBERT بأنه "اتفاق يتعهد بمقتضاه الطرفان بأن يتم الفصل في النزاعات الناشئة بينهم عن طريق التحكيم، فما يميز هذا الاتفاق عن الاتفاقات الأخرى كونه اتفاقا إجرائيا، أي ذو طابع منهجي تابع دائما للاتفاق الموضوعي الأصلي الذي وجد من أجله"[3].

        كما عرف على أنه 'عقد تلتقي فيه إرادة المتعاقدين على إحالة النزاع الذي نشأ على العقد المبرم بينهما، أو أي نزاع قد ينشأ بخصوص هذا العقد، على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون اللجوء الى القضاء المختص أصلا بالفصل في هذا النزاع"[4].

        هذا وعرفته المادة 07/1 من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي على أنه "الاتفاق الذي يقرر الأطراف بموجبه عرض كل أو بعض النزاعات القائمة أو المحتمل قيامها بينهم بصدد علاقة قانونية معينة، عقدية كانت أو غير عقدية"[5].

        من خلال هذه التعاريف يتبين أن اتفاقية التحكيم لا تخرج من كونها اتفاقا بين الفرقاء على حل النزاع القائم أو المحتمل نشوبه من قبل شخص أو أشخاص يتم اختيارهم لهذا الغرض.

        ثانيا- التعريف التشريعي لاتفاق التحكيم:

        عرف المشرع المصري اتفاق التحكيم في المادة 10 من قانون التحكيم لسنة 1994 على انه "1-اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء الى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية.

        2- يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع ساء كان مستقلا بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين ...'

        أمّا المشرع الجزائري فقد تبنى مصطلح "اتفاقية التحكيم" بدل اتفاق التحكيم الذي يقصد به مشارطة التحكيم، وذلك في نص المادة 1040/1 ق إ م إ والتي اكتفت بتحديد نطاق الاتفاقية من حيث النزاعات التي يشملها فقط دون التعرض لتعريفها[6].

        وجدير بالذكر أن المشرع الجزائري ميّز بين صورتين لاتفاقية التحكيم بصدد تنظيمه للتحكيم الداخلي، شرط التحكيم واتفاق التحكيم، فنصت المادة 1007 ق إ م إ على " شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم بموجبه الأطراف في عقد متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 أعلاه، لعرض النزاعات التي قد تثار بشأن هذا العقد على التحكيم"، بينما تصدت المادة 1011 من نفس القانون إلى اتفاق التحكيم (مشارطة التحكيم) بقولها " اتفاق التحكيم هو الاتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم".

        ومهما اختلفت التعاريف الفقهية أو القانونية فإنّ اتفاق التحكيم (اتفاقية التحكيم حسب القانون الجزائري) هو عقد بين اطراف العقد الأصلي يتفقون من خلاله على احالة كل أو بعض النزاعات الحالة أو المستقبلية بشأن ابرام أو تنفيذ العقد الأصلي على التحكيم ليفصل فيها بحكم تحكيمي ملزم.

        ويظهر جليا من التعاريف السابقة أن اتفاق التحكيم يرتكز على عدة أمور تبرز جوهره[7]:

        ·       أنّه عبارة عن اتفاق تتلاقى فيه ارادة أطراف علاقة قانونية على احالة كل ما نشأ أو ما قد ينشأ من منازعات عن تلك العلاقة مهما كان اساسها عقدية أو غير عقدية.

        ·       تخويل المحكم أو محكمة التحكيم سلطة الفصل في كل أو بعض المنازعات الناشئة عن هذه العلاقة.

        ·       أنّ الاتفاق على اختيار التحكيم كطريق بديل قد يكون سابقا على نشوء أي نزاع بين الطرفين وذلك ما يسمى "شرط التحكيم"، وقد يكون لاحقا لنشوئه وهو ما يسمى "مشارطة التحكيم".

         

        المطلب الثاني

         صور اتفاقية التحكيم

        يجمع الفقه والقانون على أنّ اتفاقية التحكيم تشمل صورتين، شرط التحكيم (أولا)، ومشارطة التحكيم (اتفاق التحكيم حسب القانون الجزائري) (ثانيا)، على أنّ معيار التمييز بينهما هو الوقت الذي تنشأ فيه كل صورة مقارنة بالوقت التي ينشأ فيه النزاع.

        الفرع الأول: شرط التحكيم (Clause compromissoire)

         ويقصد به ذلك الشرط الذي يرد ضمن بنود ونصوص عقد معين، يتفق من خلاله أطرافه –قبل نشوب أي نزاع- على حسم ما قد يثور بينهم من منازعات بطريق التحكيم.

        كما يعرف أيضا على أنه: احدى صور اتفاق التحكيم، يجسد فكرة التحكيم السابق، لأنه صورة الاتفاق على التحكيم الذي يتعلق بنزاع مستقبل لم ينشأ بعد وقد لا ينشأ أصلا، باعتبار أن النزاع محتمل الحدوث وليس محققا[8].

        وعليه فإن شرط التحكيم يرد على بعض أو كل النزاعات التي تحد في المستقبل سواء بمناسبة تفسير العقد الذي تضمنه أو تنفيذه، فهو لا يرد على نزاع محدد، كما أنّ شرط التحكيم قد يكون مجرد بند من بنود العقد الأصلي وهو الغالب، كما قد يكون قائما بذاته منفصلا عن هذا العقد، ولا يؤثر ذلك في وصفة شرطا للتحكيم ما دام الاتفاق عليه قد تم قبل نشوء أي نزاع بين الفرقاء[9].

        وقد يتضمن اتفاق التحكيم تنظيم جوانب التحكيم من حيث تشكيل المحكمة والتنظيم الاجرائي للتحكيم واختيار القانون الواجب التطبيق...، كما قد يكون اتفاق التحكيم عاما بأن يحيل الى التحكيم كل النزاعات التي قد تثور في المستقبل، وقد يكون خاصا اذا اقتصرت الاحالة للتحكيم على بعض المسائل والموضوعات دون غيرها[10].

        هذا وقد نظم المشرع الجزائري شرط التحكيم في المواد من 1007 الى 1010 ق إ م إ، بحيث نصت المادة 1007 من نفس القانون على " شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم بموجبه الأطراف في عقد متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 أعلاه، لعرض النزاعات التي قد تثار بشأن هذا العقد على التحكيم".

        الفرع الثاني: مشارطة التحكيم (اتفاق التحكيم حسب القانون الجزائري) Le compromis

        تعرف مشارطة التحكيم على أنها الاتفاق بين الفرقاء على عرض نزاع وقع فعلا على التحكيم للفصل فيه بحكم ملزم لهم بدلا من القضاء صاحب الولاية والاختصاص.

        وقد تعرض المشرع الجزائري لهذه الصورة في المادة 1011 ق إ م  بقولها "اتفاق التحكيم هو الاتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم".

        وعليه يمكننا التمييز بين صورتي اتفاقية التحكيم من خلال تحديد الوقت الذي تبرم فيه كل صورة مقارنة بالوقت الذي ينشأ فيه النزاع، فإذا ما تم ابرامها قبل نشأة أي نزاع نكون بصدد شرط التحكيم، أمّا اذا تم ابرامها بعد نشأة النزاع فالأمر يتعلق بمشارطة التحكيم (اتفاق التحكيم).

        المطلب الثالث: شروط صحة اتفاقية التحكيم

        اتفاقية التحكيم عبارة عن اتفاق بين الفرقاء على اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو التي يمكن أن تنشأ بينهما مستقبلا بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، وبما أنّ اتفاقية التحكيم اتفاق يتعين الوقوف على شروط انعقادها، من خلال التعرض للشروط الموضوعية والشكلية في الآتي بيانه:

        الفرع الأول: الشروط الموضوعية لصحة اتفاقية التحكيم

        تعتبر اتفاقية التحكيم بصورتيها (شرط التحكيم، اتفاق التحكيم) عقدا بين الأطراف، يخضع للقواعد العامة للعقود في القانون المدني، وبالتالي يشترط توافر التراضي الصحيح الخالي من العيوب، وأن يرد هذا الأخير على محل موجود ومعين ومشروع، وأن يستند الى سبب مشروع.

        01-       الرضا: اتفاقية التحكيم عبارة عن عقد من عقود القانون الخاص يسوده مبدأ سلطان الارادة وتحكمه القواعد العامة في العقود، وبناء على ذلك لا بد من توافر ركن الرضا الذي يقتضي تطابق ارادتي الطرفين حول كل المسائل التي يتضمنها، كما يشترط لصحة التراضي خلو الارادة من العيوب وذلك تطبيقا للقواعد العامة، كما يجب أن يتمتع الاطراف بالأهلية القانونية اللازمة للتعاقد، والتي تطبق بشأنها القواعد العامة المتعلقة بالأهلية سواء بالنسبة للشخص الطبيعي أو المعنوي، مع ذلك فإنّ الأهلية هنا مقيدة بما يسمى قابلية النزاع للتحكيم، فلا يجوز التحكيم في المسائل التي يمنع فيها التحكيم

        ويقصد بالتراضي هنا تطابق ارادتين أو أكثر واتجاهها الى ترتيب اثار قانونية تبعا لمضمون ما تم الاتفاق عليه، وذلك باقتران قبول وايجاب الاطراف على اختيار التحكيم كطريق لحسم النزاعات التي ثارت بينهم أو التي قد تثر مستقبلا، ويشترط أن يكون هذا التراضي صادرا عن أطراف يتمتعون بالأهلية اللازمة للتعاقد.

        أ- القابلية الشخصية للتحكيم: تنص المادة 1006 ق إ م إ على "يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها.

        لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم.

        ولا يجوز للأشخاص المعنوية العامة أن تطلب التحكيم، ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية".

        ميزت المادة بين أشخاص القانون الخاص وأشخاص القانون العام بخصوص اللجوء الى التحكيم، لذلك سنحاول شرح الموضوع بشيء من التفصيل تاليا:

        01-أهلية اللجوء الى التحكيم بالنسبة لأشخاص القانون الخاص: يفهم من خلال الفقرتين الأولى والثانية من المادة 1006 أعلاه، أنّ المعنيون بها هم الاشخاص الطبيعيون والشركات والمؤسسات الخاصة التي تملك حقوقا (مادية أو معنوية) وتتمتع بحق التصرف فيها، بحيث يمكنها اللجوء بشأنها الى التحكيم وتتمتع في سبيل ذلك بالحرية الكاملة طبقا لمبدأ سلطان الارادة.

        والملاحظ من خلال هذه الفقرة أن المشرع الجزائري لم يضع أي حدود قانونية بالنسبة لأشخاص القانون الخاص من الناحية المبدئية في اللجوء الى التحكيم ماعدا تلك الشروط العامة التي يفرضها القانون والمتعلقة أساسا بأهلية الاداء[11]، وعلى هذا الأساس هناك معادلة بين الحقوق القابلة للتصرف وجوازية اللجوء الى التحكيم.

        أمّا الفقرة الثانية من المادة 1006 والسالفة الذكر والتي تنص على "لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم"، يفهم منها أن المشرع الجزائري اجاز –كقاعدة عامة- اللجوء الى التحكيم بخصوص النزاعات التي تتعلق بالمسائل المالية، عدا تلك المتعلقة بحالة الاشخاص[12] وأهليتهم، على اعتبار أن كل المسائل المتعلقة بالعائلة تخرج من دائرة القابلية للتحكيم، كما أدخل المشرع الجزائري استثناء آخر يتعلق بالنظام العام، وعليه فإنّ المسائل المالية التي تتعارض مع النظام العام تخرج هي الأخرى عن القابلية للتحكيم.

        هذا وتخضع الاشخاص المعنوية الخاصة ولا سيما الشركات التجارية لنفس المبدأ، وذلك بعد استيفائها للشروط التي يفرضها القانون لا سيما تلك المتعلقة بالقيد في السجل التجاري[13]، كما يتم تطبيق أحكام القانون الجزائري على الشركات الأجنبية التي تمارس نشاطها في الجزائر[14]، مع التذكير أن تمتع الشخص المعنوي بالأهلية يكون في الحدود التي يضعها عقد انشائه أو التي يقررها القانون[15].

        وعليه فإن أشخاص القانون الخاص -وكقاعدة عامة- لهم كل الحرية في اللجوء الى التحكيم بالنسبة للحقوق التي لهم مطلق التصرف فيها، والاستثناء عدم امكانية اللجوء الى التحكيم بالنسبة لمسائل الحالة والاهلية وفي حدود النظام العام.

        02-أهلية اللجوء الى التحكيم بالنسبة لأشخاص القانون العام: بالنسبة لأشخاص القانون العام -وكقاعدة عامة- لا يمكنهم اللجوء الى التحكيم التجاري الدولي، الاستثناء يكمن في امكانية اللجوء الى ذلك بخصوص علاقاتها الاقتصادية أو في اطار الصفقات العمومية، وذلك ما نصت علية الفقرة الثالثة من المادة 1006 ق إ م إ[16].

        وباستقراء هذه الفقرة نلحظ أنّها تتكلم على نوعين من الأشخاص المعنوية العامة التي يجوز لها اللجوء إلى التحكيم الدولي في علاقاتها الاقتصادية أو في إطار الصفقات العمومية:

        - يتعلق النوع الأول بالمؤسسات العمومية الاقتصادية (EPE)، والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري (EPIC)، التي تتمتع بالاستقلالية في التسيير والتزاماتها التجارية يحكمها القانون التجاري، وعليه فإنّ أموالها قابلة للحجز طبقا لنص المادة 20 من القانون 88-01 المؤرخ في 12/01/1988 والمتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية والمعدل بموجب المرسوم التشريعي رقم 94-08، بحيث وبموجب هذا التعديل أصبحت أموالها قابلة للبيع وعقودها في مجال التجارة الدولية هي عقود تجارية دولية طبقا لأحكام المادة 02 من القانون 88-04 المعدل والمتمم للقانون التجاري[17]، ولا تدخل في نطاق الصفقات العمومية ما عدا الاستثناء الوارد في المادة 02 من القانون 02-250 الصادر في 24/07/2002 والذي ينص على الحالة التي تخضع فيها المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري لقانون الصفقات العمومية، وهي الحالة التي تكلف فيها هذه المؤسسات بإنجاز مشاريع استثمارية تابعة للدولة وممولة من الميزانية العمومية، وما عدا ذلك فهي تخضع للقانون التجاري شأنها شأن المؤسسات الاقتصادية العمومية. 

        - يتعلق النوع الثاني بالمؤسسات العمومية العامة المنصوص عليها في المادة 800/2 ق إ م إ وهي الدولة، الولاية، البلدية، المؤسسات العمومية ذات الصبغة الادارية، فهي تخضع لقانون الصفقات العمومية، ولا يجوز لها اللجوء إلى التحكيم الدولي كقاعدة عامة، لكنها استثناء يمكنها ذلك في الحالات الواردة في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر وفي مادة الصفقات العمومية، ذلك ما تضمنته المادة 975 ق إ م إ[18].

        02- المحل في اتفاقية التحكيم: يتمثل محل اتفاقية التحكيم في اتفاق الفرقاء على عرض نزاعهم على التحكيم بدلا عن القضاء، وقبول القرار الصادر من المحكم أو المحكمة التحكيمية وتنفيذه، وعليه فإنّ محل اتفاقية التحكيم يختلف تماما عن محل العقد الأصلي الذي يتضمن الصفقة المبرمة بين الأطراف في عقد تجاري دولي والذي قد يكون بضاعة أو خدمة أو ... إلخ، في حين يذهب جانب آخر الى أن النحل في اتفاقية التحكيم يتمثل في موضوع النزاع المستبعد نظره من القضاء لصالح التحكيم، والمقصود عنا قابلية النزاع للتحكيم، زمن ثم فإنه لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بحالة الاشخاص وأهليتهم وكذا تلك المتعلقة بالنظام العام[19].

        ومن بين شروط المحل أن يكون مشروعا، ولعل أهم ما يلزم لتوافر هذه المشروعية جواز تسوية النزاع بطريق التحكيم الدولي، على اعتبار أنّ المشرع الجزائري أخرج بعض المسائل من دائرة التحكيم، ويتعلق الأمر بالمسائل المتعلقة بالنظام العام وحالة الاشخاص وأهليتهم[20].

        ولئن كانت مسائل حالة الاشخاص واهليتهم لا تطرح اي اشكال فإنّ مسألة تحديد المقصود من فكرة النظام العام أثار الكثير من اللغط على اعتبار أن هذه الفكرة تتسع وتضيق وفقا للتفسير الذي يمكن اعطاؤه لها من طرف القضاء، ومع غياب الأحكام القضائية الجزائرية في هذا المجال نرى أنه يتعين على القاضي الوطني تفسير النظام العام في مجال التحكيم التجاري الدولي تفسيرا ضيقا ينطوي على قدر من المرونة تتوافق مع حاجات التجارة الدولية وعلى نحو لا يؤدي إلى إعاقتها، فلا يجب أن يتمسك باعتبارات النظام العام الداخلي لتعطيل أحكام التحكيم الدولية، لكن في المقابل كذلك يتعين على القاضي الوطني التعامل بحذر مع إعمال النظام العام الدولي، فالتفسير الضيق في مجال التحكيم التجاري الدولي لا يجب أن يكون على حساب المبادئ السامية للمجتمع الجزائري. 

        03- السبب في اتفاقية التحكيم: يتمثل سبب اتفاقية التحكيم في ارادة الفرقاء لاستبعاد ولاية قضاء الدولة وعقد الاختصاص لمحكمة التحكيم، بما يفره ذلك من مميزات ايجابية تخدم مصالح الاطراف، وهو سبب مشروع في الغالب.

        الفرع الثاني: الشروط الشكلية لصحة اتفاقية التحكيم

        يشترط في اتفاقية التحكيم أن تكون مكتوبة (أولا)، وأن تتضمن تحت طائلة البطلان مجموعة من البيانات الجوهرية (ثانيا).

        أولا-الكتابة: اشترط المشرع الجزائري أن تكون اتفاقية التحكيم مكتوبة في العديد من المواضع، فقد نصت المادة 1008/1 ق إ م  على " يثبت شرط التحكيم، تحت طائلة البطلان، بالكتابة في الاتفاقية الأصلية أو في الوثيقة التي تستند إليها"، كما نصت المادة 1012/1 من نفس القانون على "يحصل الاتفاق على التحكيم كتابيا"، ونصت المادة 1040/2 أيضا على " يجب من حيث الشكل، وتحت طائلة البطلان، أن تبرم اتفاقية التحكيم كتابة، أو بأية وسيلة اتصال أخرى تجيز الإثبات بالكتابة".

               وباستقراء هذه النصوص يتبيّن أنّ المشرع الجزائري اعتبر الكتابة في اتفاقية التحكيم هي كتابة للانعقاد وليست مجرد كتابة للإثبات، ولا أدل على ذلك من عبارة "وتحت طائلة البطلان"، وتجدر الاشارة أيضا أن المقصود من عبارة "أو بأية وسيلة اتصال تجيز الاثبات بالكتابة" التي تضمنتها الفقرة الثانية من المادة 1040 ق إ م إ كل ما من شأنه أن يكشف عن إرادة الفرقاء المتجهة للتحكيم، سواء في مراسلات، برقيات، خطابات، وسواء بالبريد العادي أو بوسيلة من وسائل الاتصال الحديثة على غرار الأنترنت[21]. لتكون هذه الفقرة متجانسة مع نص المادة 02 من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 التي جاء نصها "يقصد (باتفاق مكتوب) شرط التحكيم في عقد أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الاطراف أو الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة أو البرقيات" ، ليكون المشرع الجزائر قد ساير التحولات الحاصلة في مجال القانون الدولي المنظم للتجارة الدولية[22].

        ثانيا-البيانات الإلزامية: عدّد المشرع الجزائري مجموعة من البيانات الجوهرية التي يجب أن تتضمنها اتفاقية التحكيم، ورتّب البطلان على غيابها، وميّز في ذلك بين البيانات الواجب أن يتضمنها كل من شرط التحكيم واتفاق (مشارطة) التحكيم: 

        - بالنسبة لشرط التحكيم: يجب أن يتضمن تعيين المحكمين أو تحديد طريقة تعيينهم، وذلك ما تضمنته المادة 1008/2 ق إ م إ بقولها "يجب أن يتضمن شرط التحكيم، تحت طائلة البطلان، تعيين المحكم أو المحكمين، أو تحديد كيفيات تعيينهم".

        - أمّا مشارطة التحكيم: فيجب تسمية المحكمين أو كيفيات تعيينهم، بالإضافة إلى تحديد موضوع النزاع، وذلك ما نصت علية المادة 1012/2 من نفس القانون بقولها "يجب أن يتضمن اتفاق التحكيم، تحت طائلة البطلان موضوع النزاع وأسماء المحكمين، أو كيفية تعيينهم".

        ويعتبر تحديد موضوع النزاع في مشارطة التحكيم أمر منطقي جدا على اعتبار أن ابرام مشارطة التحكيم يكون بعد نشوب النزاع، عكس شرط التحكيم الذي يتم ابرامه بخصوص نزاعات مستقبلية محتملة قد تقع وقد لا تقع.



        [1]  أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والتحكيم الاجباري، الطبعة الخامسة، منشأة المعارف، مصر، 1988، ص 15.

        [2]  نور الدين بكلي، الطرق البديلة لحل المنازعات، الصلح والوساطة والتحكيم، مجلة المحكمة العليا، الجزء الأول، قيم الوثائق، الجزائر، 2009، ص 262.

        [3]  FOUCHARD (PH), GAAILLARD (E), GOLDMAN (B), Traire de l’arbitrage international , Editions LITEC-DELTA, Paris 1996, p 209.                                    

        [4]  محمد ابراهيم خيري الوكيل، علاء الدين محي الدين مصطفى، اتفاق التحكيم في العقود الادارية الدولية في النظام السعودي والانظمة القانونية المقارنة، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض، المملكة العربية السعودية، 2014، ص 16.

        [5]  أنشأت الجمعية العامة للأم المتحدة بموجب اللائحة رقم 2205 المؤرخة في 17/12/1966 لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري، وقد اعتمدت هذه اللجنة القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي في 21 جوان 1985 عدلته في 07 جويلية 2007، ودعت الدول الى اعتماده في قوانينها الداخلية الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي؛  للاطلاع على هذا القانون يمكن تصفح الموقع:  www.uncitral.org

        [6]  نصت المادة 1040/1 ق إ م إ على "تسري اتفاقية التحكيم على النزاعات القائمة والمستقبلية".

        [7]  

        [8]  زروق نوال، المرجع السابق، ص 54.

        [9]  شعران فاطمة، اتفاق التحكيم التجاري الدولي في التشريع الجزائري "دراسة مقارنة"، المجلة الجزائرية للحقوق العلوم السياسية، العدد الثاني، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة تيسمسيلت، ديسمبر 2016، ص 15.

        [10]  المرجع نفسه، ص ص 15-16.

        [11]  تنص المادة 40 من القانون المدني الجزائري على " كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية، وسن الرشد تسعة عشر سنة (19) كاملة".

        [12]  تعتبر الحالة من أكثر المصطلحات القانونية غموضا، وذلك على أساس أن جل التعريفات المقترحة لها مرنة تسمح بصرفها إلى معان أخرى، مما يؤدي إلى الخلط بينها وبين غيرها من المصطلحات، ومن هذه التعريفات: أنها تلك الميزات الطبيعية والصفات التي ينفرد بها الشخص داخل دولة معينة أو أسرة ، فتحدد مركزه القانوني بين أفراد المجتمع حيث تؤثر في ما يكون له من حقوق وما يقع  عليه من واجبات، وفي بعض الأحيان يرتب القانون أثار معينة على انتماء الشخص إلى دين معين،  فينبغي تحديد مركز الفرد من حيث الانتماء إلى هذه العناصر كخطوة أولية، ذلك أن الحالة مركز قانوني ملازم لشخصية الإنسان طوال حياته، لذا وجب أن تقوم تلك العناصر على أسس من الواقع  كالسن والجنس، الصحة أو أن تقوم على أسس قانونية كالزواج والحجر؛ أنظر: نبيل ابراهيم سعد، المدخل الى القانون، نظرية الحق، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2010، ص 151؛ وأنظر أيضا: صلاح الدين جمال الدين، القانون الدولي الخاص، الجنسية وتنازع القوانين، الطبعة الاولى، دار الفكر الجامعي، مصر، 2008، ص 378.

        [13]  تنص المادة 549 من القانون التجاري على "لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية الا من تاريخ قيدها في السجل التجاري..."

        [14]  تنص الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة 10 من القانون المدني الجزائري على "أما الاشخاص الاعتبارية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها، يسري على نظامها القانوني قانون الدولة التي يوجد فيها مقرها الاجتماعي الرئيسي والفعلي.

         غير أنه اذا مارست الاشخاص الاعتبارية الاجنبية نشاطا في الجزائر، فإنها تخضع للقانون الجزائري"

        [15]  تنص المادة 50/1 من القانون المدني الجزائري على "يتمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق الا ما كان منها ملازما لصفة الانسان، وذلك في الحدود التي يقررها القانون".

        [16]  تنص المادة 1006/3 ق إ م إ على " ولا يجوز للأشخاص المعنوية العامة أن تطلب التحكيم، ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية".

         

        [17]  القانون رقم 88-04 مؤرخ في 12 يناير سنة 1988 يعدل و يتمم الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر سنة 1975 و المتضمن القانون التجاري، ويحدد القواعد الخاصة المطبقة على المؤسسات العمومية الاقتصادية. (ج ر مؤرخة في 23 جمادي الأولى عام 1408 ه).

        [18]  تنص المادة 975 ق إ م إ على " لا يجوز للأشخاص المذكورة في المادة 800 أعلاه أن تجري تحكيما إلاّ في الحالات الواردة في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر وفي مادة الصفقات العمومية".

        [19]  أنظر: زروق نوال، المرجع السابق، ص 58.

        [20]  تنص الفقرة الثانية من المادة 1006 ق إ م إ على "لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم".

        [21]  أنظر: عيساوي محمد، المرجع السابق، ص 43.

        [22]  أنظر في هذا الشأن: عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص 34.


      • المحور الثالث: محكمة التحكيم التجاري الدولي

        المحور الثالث: محكمة التحكيم التجاري الدولي

               نتناول في هذا المحور محكمة التحكيم التجاري الدولي من خلال التعرض الى تشكيلة المحكمة في مطلب أول، ثم قبول المحكم لمهمته، عزله واستبداله في مطلب ثان.

        المطلب الأول

         تشكيل محكمة التحكيم

        إن محكمة التحكيم هي محكمة ظرفية أو مؤقتة يخضع تعيين المحكمين فيها لإرادة أطراف اتفاقية التحكيم، وهو ما نصت عليه المادة 1041/1 من قانون الاجراءات المدنية والادارية[1].

        ومن ثمة يلاحظ أن المشرع الجزائري قد أقر نمطين اثنين لتعيين المحكم أو المحكمين، معتمدا على الإرادة يتمثلان في: التعيين المباشر و التعيين غير المباشر.

        أما في حالة غياب التعيين (غياب الإرادة) أو وجود صعوبة في تعيين المحكم، فيرجع الأمر إلى القاضي[2].  

        الفرع الأول

        تعيين المحكمين

        أقر المشرع الجزائري نمطين لتعيين المحكمين هما: التعيين المباشر والتعيين غير المباشر وذلك في الفقرة الأولى من المادة 1041 المشار إليها أعلاه، وأما الفقرة الثانية مـــــــن هذه المادة فقد حددت كيفية التعيين من قبل القاضي، وذلك في حالة غياب التعيين من قبل الأطراف أو صعوبة ذلك  لذلك سنتناول الموضوع في ثلاثة فروع.

         

        أولا- التعيين المباشر من قبل الأطراف

              تنص المادة ( 1041/1  ق إ م إ ج) على ما يلي "يمكن للأطراف مباشرة ... تعيين المحكم أو المحكمين" ، ويعني ذلك أن أطراف النزاع يمكنهم مباشرة تعيين المحكم أو المحكمين في اتفاقية التحكيم سـواء في (شرط التحكيم ) قبل وقوع النزاع، أو في( اتفاق التحكيم ) بعد وقوع النزاع. 

        وقد يتفق الأطراف على محكم فرد أو عدة محكمين، إذ تنص المادة( 1017 ق إ م إ ج ) على ما يلي "تتشكل محكمة التحكيم من محكم أو عدة محكمين بعدد فردي".

        ثانيا- التعيين غير المباشر للمحكم أو المحكمين

                يكون ذلك بالرجوع الى نظام تحكيمي، أو بالرجوع للقاضي، وذلك كما يلي:

        01- التعيين غير المباشر بالرجوع إلى نظام تحكيمي: تنص المادة(1041/1 ق إ م إ ج) على ما يلي " يمكن للأطراف... بالرجوع إلى نظام التحكيم تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد شروط تعينهم... " ، ويعني ذلك أن لأطراف النزاع اللجوء إلى مؤسسة تحكيم دولية دائمة كغرفة التجارة الدولية، أو إقليمية كمركز القاهرة للتحكيم التجاري الدولي، ويكون لهذه المؤسسة تعيين المحكمين للفصل في النزاع المطروح، وفي هذه الحالة فإن تكوين محكمة التحكيم يكون وفق الأحكام التي قبل بها الأطراف مسبقا[3].

         02- التعيين غير المباشر بالرجوع إلى القاضي:

               قد يعترض تشكيل محكمة التحكيم بعض الصعوبات، كأن يمتنع أو يتقاعس أحد الأطراف في تعيين محكمه، عندئذ -وحماية للطرف حسن النية- يتدخل القاضي الوطني من أجل حل هذا الإشكال وهذا ما أخذت به عديد التشريعات[4].

              أما إذا خلت اتفاقية التحكيم من تحديد الجهة القضائية المختصة فإن هذا الاختصاص يؤول إلى المحكمة التي تقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه، وهو ما نصت عليه 1042 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد بقولها: "إذا لم تحدد الجهة القضائية المختصة في اتفاقية التحكيم يؤول الاختصاص إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان التنفيذ"

              وعلى العموم فإن المحكم يعتبر "قاض خاص"  ولا يعد وكيلا عن أي من طرفي النزاع، بل يتمتع بالاستقلالية الكاملة اتجاههم.

        الفرع الثاني

        قبول المحكم لمهمة التحكيم، عزله، استبداله ورده

        سنتناول هذا المطلب في ثلاثة مطالب كما يلي :

        أولا: قبول المحكم لمهمة التحكيم

              إن تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفيات تعيينهم يعتبر مجرد ترشيح لهم، لأنّ التعيين يقتضي قبولهم صراحة القيام بهذه المهمة وهو ما أكدته المادة 1051 ق إ م[5]، وقد أضاف المشرع المصري شرط الكتابة في المادة 1/16  من القانون 94/27 بقولها ''يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة "، إلاّ أنّ الكتابة هي مجرد وسيلة لإثبات قبول المحكمين لمهمتهم المسندة إليهم، ولا تعد شرط لصحة التحكيم أو إجراءاته، وعلى ذلك فإنّ شروع المحكم في مهمته أو قيامه بها بالفعل يعد دليلا قاطعا على قبوله المهمة، مثل حضوره جلسة التحكيم الأولى، وتحريره محضر...الخ.

        ومن ثم يعتبر اتفاق الأطراف على تعيين المحكم قائما على شرط واقف، وهو قبوله لمهمة التحكيم وبقبول المحكمين للمهمة المسندة إليهم يعد تشكيل محكمة التحكيم تاما مكتملا، وتاريخ هذا القبول هو بمثابة تاريخ بدأ محكمة التحكيم في مباشرة المهمة الموكلة إليها[6].

        جدير بالذكر أن المشرع الجزائري لم يضع شروطا خاصة يجب توافرها  في المحكم، سوى شرط واحد وهو ضرورة تمتعه بحقوقه المدنية وهو ما نصت عنه( المادة  1014 ق إ م  إ ج).

         كما يلاحظ أن القانون  النموذجي  للتحكيم الدولي لسنة 1985 لم يقيد حرية الأطراف في اختيار المحكمين بأي شرط، وكذلك هو الأمر لأغلب التشريعات، إلا أن البعض منها  تشترط في المحكمين أن يكونوا من ذوي الخيرة وحسن السيرة والسلوك، والبعض الاخر اشترط شروط أخرى، فنجد مثلا المادة 04 من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم46 ، والمادة 04لقانون التحكيم للجمهورية العربية اليمنية رقم33 لسنة 1981 ، تشترط لصحة التحكيم أن يكون المحكم عدلا عارفا بدور القضاء وبالقواعد العرفية، كما أن بعض التشريعات تقضي بأن يكون المحكم من بين مواطنيها كتشريعات أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا وشيلي، أما القانون الاسباني فيشترط أن  يكون المحكم من ذوي مهن معينة، حيث يقتضي أن يكون المحكم من بين المحامين[7].

         

         

         

         

        الفرع الثاني

        عزل واستبدال المحكمين

             يخضع عزل واستبدال المحكمين لنفس شروط تعيينهم التي تضمنها المادة (1041/1 ق إ م إ)[8] وذلك ما سوف نحاول تناوله تاليا:

        أولا: رد المحكمين

               رد المحكم يعني طلب تنحيته عن المشاركة في عملية التحكيم لأسباب تجعل من يطلب الرد من أطراف النزاع غير مطمئن إلى أن المحكم المطلوب رده سوف يتولى مهمته دون تحيز أو محاباة للطرف الاخر[9].

             لذلك أعطى القانون الحق للأطراف في رد هؤلاء المحكمين المشكوك فيهم، حيث نص المشرع على ذلك في المادة( 1016 ق إ م إ ج) التي تناولت مسالة رد المحكمين في حالات وردت على سبيل الحصر وهي:

        01- عندما لا تتوفر في المحكم المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف.

        02- عندما يوجد سبب رد منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل الأطراف.

        03- عندما تتبين من الظروف شبهة مشروعة في استقلاليته، لاسيما بسبب وجود مصلحة أو علاقة اقتصادية، أو عائلية مع أحد الأطراف مباشرة أو عن طريق وسيط.

               وتقضي الفقرة الثانية من نفس المادة بأنه لا يجوز طلب رد المحكم من الطرف الذي كان قد عينه أو شارك في تعيينه إلا لسبب علم به بعد التعيين، على أنه يتعين على محكمة التحكيم إطلاع الطرف الآخر دون تأخير بسبب الرد ( فقرتين 5 و 6 من نفس المادة)، وفي حالة النزاع إذا لم يقم الأطراف بتسوية إجراءات الرد يفصل القاضي المختص وفقا للفقرة 6 بأمر بناءا على طلب الطرف المعني بالتعجيل على أن لا يقبل هذا الأمر أي طريق من طرق الطعن كما جاء في الفقرة 7من هذه المادة.

            جدير بالذكر أنه إذا ما شرع المحكمون في مهمتهم فانه لا يجوز لهم التخلي عن هذه المهمة، كما لا يجوز ردهم في هذه الحالة إلا إذا ظهر سبب من أسباب الرد بعد تعيينهم وهو ما نصت عليه المادة ( 1021/01 ق إ م إ ج).



        [1]  تنص الفقرة الألى من المادة 1041 ق إ م إ على " بقولها "يمكن للأطراف مباشرة أو بالرجوع إلى نظام التحكيم، تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد شروط تعيينهم وشروط عزلهم واستبدالهم "

        [2]  وهو ما نصت عليه المادة(1041/2  ق إ م إ ج ) بقولها "في غياب التعيين، وفي حالة صعوبة تعيين المحكمين أو عزلهم أو استبدالهم يجوز للطرف الذي يهمه التعجيل القيام بما يلي:

         -رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر.

         -رفع الأمر إلى رئيس محكمة الجزائر، إذا كان التحكيم يجري في الخارج واختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر.''

         

        [3]  خالد محمد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى 2002، دار الشروق، القاهرة، ص203

        [4]  من بينها المشرع الجزائري في المادة( 1041/2 ق إ م إ ج) بقولها '' في غياب التعيين وفي حالة صعوبة تعيين المحكمين أو عزلهم أو استبدالهم يجوز للطرف الذي يهمه ...القيام بما يلي:

        1-رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي يقــع في دائـرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر.

        2-رفع الأمر إلى رئيس محكمة الجزائر، إذا كان التحكيم يجري في الخارج واختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر."

        [5]  وهو ما نصّت عليه المادة 1051 ق إ م إ بقولها: "لا يعد تشكيل محكمة التحكيم صحيحا إلاّ إذا قبل المحكم أو المحكمون بالمهمة المسندة إليهم".

        [6]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 209.

        [7]  نفس المرجع، ص 212

        [8]  نصت المادة 1041/1 على "يمكن للأطراف مباشرة أو بالرجوع لنظام التحكيم ... أو تحديد شروط تعيينهم وشروط عزلهم أو استبدالهم''.

        [9] فوزي محمد سامي، رد المحكم، مجلة التحكيم، ملحق العدد الثامن، اكتوبر 2010 ، ص 762.

         


      • المحور الرابع: خصومة التحكيم

        المحور الرابع: الخصومة التحكيمية

        إذا اتفق الأطراف في اتفاق التحكيم على الإجراءات المتبعة في حل النزاع فعلى الهيئة التحكيمية العمل بذلك، و في حالة غياب النص على مراحل التحكيم، أي إجراءات الخصومة أمامها تقوم هي بنفسها بتحديد الإجراءات، هذا في التحكيم الاتفاقي، أما في التحكيم النظامي المؤسسي فان الأطراف يخضعون تلقائيا للإجراءات التي تحددها تلك الهيئات المتخصصة إلا إذا نصت صراحة على اتباع إجراءات أخرى[1].

         لهذا سنتناول الموضوع في مبحثين، يتضمن الأول بداية إجراءات التحكيم، أما الثاني فيتضمن أهم الإجراءات المتبعة في نظر النزاع.

        المبحث الأول

        بدأ إجراءات التحكيم

               لم يحدد المشرع الجزائري موعدا لبدء الإجراءات بطرق حتمية، حيث ترك لإرادة طرفي النزاع حرية بدأ هذه الإجراءات بناء على الاتفاق الذي بينهما، وفي حالة غياب هذا الاتفاق فإن إجراءات التحكيم تبدأ من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم من المدعي وهو ما نصت عليه المادة 03/2  ق ن ت ت د بقولها "تعتبر اجراءات التحكيم قد بدأت في التاريخ الذي يتسلم فيه المدعى عليه الاشعار بالتحكيم"، ويتفق طرفا النزاع على أن إجراءات التحكيم تبدأ من تاريخ حضورهم جميعا أمام محكمة التحكيم، أو بإعلان أحدهما للآخر بطلب التحكيم، أو بسريان تاريخ معين،  أو بقبول المحكم لمهمة التحكيم أو بأي إجراء آخر يتفق عليه الطرفان، أو من تاريخ التقدم بطلب التحكيم إلى سكرتارية الهيئة المختصة (المادة 8 من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس)، حيث تقضي بأن على أي طرف يرغب في اللجوء إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية أن يوجه طلبا إلى سكرتارية اللجنة المعنية بالطلب.

        وقد تبدأ إجراءات التحكيم بمعرفة محكمة التحكيم نفسها، حيث يقوم المحكم خلال 30 يوما على الأكثر من قبوله التحكيم بإخطار الخصوم بتاريخ أول جلسة لنظر النزاع[2].

        وتمر إجراءات التحكيم في بعض الأحيان بمرحلة تمهيدية قبل تصدي محكمة التحكيم للفصل في موضوع النزاع ، وذلك في التحكيم المنظم أو المؤسسي، وهذه المرحلة تكون ذات أهمية قصوى في شرط التحكيم، حيث أن الأطراف لا تعلم شيئا عن موضوع النزاع أو إجراءاته، حيث أنها لم تقم بشيء سوى مجرد الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم بشأن ما قد يثور من منازعات، وفي هذه المرحلة التمهيدية تتعدد الجلسات بين الأطراف لإعداد وثيقة تحدد مهمة المحكم وإجراءات التحكيم وتحديد نقاط الخلاف، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى سرعة الفصل في التحكيم وتقليص النفقات.

        وهذه الوثيقة قد لا تتضمن بعض المسائل محل الخلاف بين الأطراف ،والتي تترك في الغالب لمحكمة التحكيم تتصدى لها أثناء النظر في الموضوع محل التحكيم.

        ويعد تحديد لغة التحكيم أمر ضروري بالنسبة لأطراف النزاع في التحكيم التجاري الدولي، ولذا فإنه يفضل أن يسبق الاتفاق على لغة يفهمها الطرفان تفاديا لنفقات الترجمة، أما بالنسبة للتحكيم المؤسسي فإن مؤسسات التحكيم هي التي تحدد اللغة التي يجري بها التحكيم مراعية في ذلك معرفة طرفي النزاع للغة مشتركة وإلمام محكمة التحكيم بلغة العقد مصدر النزاع، وهذا ما قررته الفقرة 3 من المادة 15 من نظام غرفة التجارة الدولية، حيث تقضي أن المحكم يحدد اللغة أو اللغات التي يجري بها التحكيم، مراعيا في ذلك الظروف ولا سيما لغة العقد [3].

        وبهذا الخصوص فإن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على لغة التحكيم التجاري الدولي، ولكن علينا هنا أن نفرق بين أمرين:

        -  إذا كان التحكيم التجاري الدولي يتم في الجزائر:  فإنه وطبقا لمقتضيات الفقرة 4 من المادة  08 من ق إ م إ ج فإن الأحكام القضائية تصدر باللغة العربية، و إلا كانت معرضة للبطلان الذي يثيره القاضي من تلقاء نفسه، وهذا في رأي الفقه ما يجب أن يسري على أحكام التحكيم الدولي الصادرة في الجزائر.

        - إذا كان التحكيم التجاري الدولي يتم في الخارج: فإنه و طبقا للفقرة الثانية من نفس المادة يجب أن تقدم الوثائق والمستندات باللغة العربية أو مصحوبة بترجمة رسمية إلى هذه اللغة، تحت طائلة عدم القبول.

        ويعتبر تحديد مكان التحكيم أمرا في غاية الأهمية، ولذا فإنه في التحكيم الخاص غالبا ما يتم تحديده بواسطة أطراف النزاع، ويرى جانب من الفقه أن هذا الاختيار يجب أن يراعي عناصر التحكيم المختلفة كالمكان الذي توجد به البضائع و الوثائق أو مكان إقامة المحكمين، كما يجب أن تتوافر في هذا المكان اعتبارات الحيدة و الملاءمة حيث يمكن استدعاء الشهود و الخبراء بسهولة، و حيث تتوفر أماكن للاجتماعات وإقامة الخصوم  ووجود الاتصالات المختلفة التي تسهل من عملية التحكيم .

         أما بالنسبة إلى التحكيم المؤسسي فان قواعد لوائح مراكز التحكيم الدائمة تحدد مكان التحكيم طبعا مع ضرورة مراعاة الاعتبارات السابقة التي تجمع بين الحيدة و الملاءمة بالنسبة لمراكز التحكيم الدائمة[4].

        المبحث الثاني

        أهم الإجراءات المتبعة في نظر النزاع

        في البداية على الهيئة التحكيمية التأكد من اختصاصها في نظر النزاع، واذا وجدت انها مختصة طبقا لاتفاقية التحكيم فإنها تواصل إجراءاتها و تعقد جلساتها التي يجب ان تحترم فيها مبدأ الوجاهية بتمكين كل طرف من إبداء أوجه دفاعه، وهو ما نصت عنه المادة( 1056/04 ق إ م إ) التي رتبت إمكانية الطعن بالبطلان في حالة مخالفة هذا المبدأ.                                         

        ويجب هنا أيضا احترام مبدأ المساواة بين الطرفين أمام الهيئة التحكيمية، و هو ما نصت عليه مختلف القوانين والاتفاقيات الدولية في شأن التحكيم التجاري الدولي.

        هذا و يجب التذكير أن سير إجراءات الدعوى يشبه إلى حد ما نظام سير الدعوى العادية طبقا لنص المادة ( 1019 ق إ م إ ج)، و تتمثل أهم الإجراءات المتبعة في هذا الصدد في الاتي :

        المطلب الأول

        تقديم الأدلة

        لقد أعطى المشرع الجزائري فرصة تقديم الأدلة سواء لأطراف النزاع، أو لمحكمة التحكيم التي تستطيع البحث و التحري على الأدلة، و هو ما نصت عليه المادة ( 1047 ق إ م إ ج) بقولها " تتولى محكمة التحكيم البحث عن الأدلة"، و لها في سبيل ذلك طلب مساعدة السلطة القضائية لما لهذه الأخيرة من سلطة لفرض قراراتها، حيث انه و بمقتضى المادة( 1048 ق إ م إ ج )فانه يكون لمحكمة التحكيم مباشرة أو للأطراف بالاتفاق معها أو للطرف المعني بالتعجيل بعد ترخيص محكمة التحكيم أن يطلبوا بناء على عريضة مساعدة القاضي المختص الذي يطبق قانون بلده فيما يخص الإجراءات، و قد أخـذ المشرع الجـزائري هنا بالقانون السويسري في المادة 184[5].

        ولمحكمة التحكيم في سبيل البحث عن الأدلة أن تستمع للأطراف وللشهود المقدمين من الأطراف أو معاينة الأماكن، أو سماع تقارير الخبراء واستماع الخصوم، وهذا ما  نصت عليه المادة 15 من نظام (CNUDCI).

             وفي هذا الصدد أيضا وحسب المادة (1022 ق إ م إ ) يجب على أطراف النزاع تقديم مستنداتهم قبل انقضاء التحكيم بـ 15 يوم على الاقل وإلا فصل المحكم بناء على ما قدم اليه خلال هذا الأجل.

            و مهما يكن من أمر فإنّ طرق تقديم الأدلة تأخذ عدة أشكال حسب إرادة الأطراف وحسب اقتناع المحكمين والتي يمكن أن تشتمل على[6]:

        - تقديم اوراق تحتوي على كل معلومات النزاع .

        - ايداع شهادات كتابية او تقديم شهود.

        - ايداع تقارير الخبرة عن النزاع.

        - فحص موضوع النزاع، وغيرها من الطرق التي تؤدي الى اقناع الهيئة التحكيمية.

        هذا ويتم تبادل الأوراق والمذكرات طيلة فترة النظر في النزاع .

        المطلب الثاني

         اتخاذ الاجراءات المؤقتة والتحفظية

        من الإجراءات الأساسية التي تقوم بها الهيئة التحكيمية إمكانية اتخاذ إجراءات تحفظية أو مؤقتة وهذا حسب طبيعة النزاع، و تتخذ هذه الاجراءات بطلب من أطراف النزاع، وهو ما نصت عليه المادة ( 1046 ق إ م إ) بقولها "يمكن لمحكمة التحكيم أن تأمر بتدابير مؤقتة أو تحفظية بناء على طلب احد الاطراف، مالم ينص اتفاق التحكيم على خلاف ذلك"، كما تخضع عملية اتخاذ هذه الإجراءات لإمكانية تقديم ضمانات مناسبة، وهذا بطلب من الهيئة التحكيمية وفقا للفقرة 3 من نفس المادة بقولها "يمكن لمحكمة التحكيم او للقاضي ان يخضع التدابير المؤقتة او التحفظية لتقديم الضمانات الملائمة من قبل الطرف الذي طلب هذا التدبير".

               وتظهر أهمية هذه الإجراءات في حالة النزاعات التي يكون موضوعها مصالح تجارية لا تقبل التعطيل، سواء بسبب طبيعة إنتاجها ( قابلة للهلاك او مرتبطة بمدة معينة )، غير أنه ليس للمحكمين إرغام الطرف المعني بهذا الإجراء بسبب افتقارها لسلطة الالزام، ولذلك يتم الاستعانة بقضاء الدولة الذي يطبق في هذه الشأن قانونه[7].

        ويلاحظ بان الطرف المعني لا يمكن له اللجوء مباشرة إلى القضاء الوطني لطلب هذه الإجراءات بل ينبغي له طلبها من الهيئة التحكيمية التي تكون مختصة أصلا، أما دور القضاء فهو احتياطي يرجع إليه المحكمين عند رفض الامتثال لهذه الإجراءات[8].

        المطلب الثالث

        انتهاء اجراءات التحكيم

        تنتهي إجراءات التحكيم بصدور حكم في موضوع النزاع، وقد تنتهي بغير النهاية الطبيعية وذلك اذا توصل الاطراف إلى تسوية النزاع موضوع التحكيم، وعلى محكمة التحكيم اثبات هذه التسوية في الحكم الصادر بإنهاء اجراءات التحكيم، كما تنتهي اجراءات التحكيم اذا انقضى الميعاد المحدد لصدور حكم في التحكيم، سواء كان هذا الميعاد متفق عليه أو محدد قانونا، كما تصدر محكمة التحكيم حكما بإنهاء إجراءات التحكيم إذا ما اتفق أطراف النزاع على هذا الإنهاء إعمالا لـــ"مبدأ سلطان الإرادة"، كما تنتهي إجراءات التحكيم إذا تعذر على محكمة التحكيم الاستمرار في نظره كما لو اتضح أن ثمة حكم قضائي نهائي قد صدر في موضوع النزاع، أو تعذر الوصول إلى الحقيقة من واقع المستندات وتنتهي إجراءات التحكيم أيضا بترك طالب التحكيم لدعواه، وترك الخصومة معناها أن يتنازل المدعي عنها وعن إجراءاتها، ومبررات الترك كثيرة، أهمها أن المدعي يرى أنه تسرع في رفع دعواه قبل تجهيز الأدلة اللازمة، أو يكون قد أقام دعواه وفق إجراءات معينة، ورغم أن الترك يعني التنازل عن إجراءاتها فإن المدعي يظل محتفظا بأصل الحق موضوع دعواه، ومن ثمة يستطيع طالب الترك أن يبدأ إجراءات تحكيم جديد طالما أن أصل الحق لم يسقط بالتقادم أو لانقضاء أجل التحكيم[9].

        وفي القانون الجزائري فقد نصت المادة( 1024 ق إ م إ ج) على حالات انتهاء التحكيم وردت على سبيل الحصر بقوله: " ينتهي التحكيم:

        1- بوفاة أحد المحكمين أو رفضه القيام بمهمته بمبرر أو تنحيته أو حصول مانع له، ما لم يوجد شرط مخالف، أو إذا اتفق الأطراف على استبداله أو استبداله من قبل المحكم أو المحكمين الباقين، وفي حالة غياب الاتفاق تطبق أحكام المادة 1009 أعلاه.

        2- بانتهاء المدة المقررة للتحكيم، فإذا لم تشترط المدة، فبانتهاء مدة 04 أشهر.

        3- بفقد الشيء موضوع النزاع أو انقضاء الدين المتنازع فيه.

        4-بوفاة أحد أطراف العقد.



        [1]  محمد كولا، تطور التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، الطبعة الاولى 2008، منشورات بغدادي الجزائر، ص 228

        [2]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 215.

        [3]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 218.

        [4]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 216.          

        [5]  عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص 53.

        [6]  محمد كولا، المرجع السابق، ص 231.

        [7]  محمد كولا، المرجع السابق، ص 232.

        [8]  بن نصيب عبد الرحمان، محاضرات في الطرق البديلة لحل المنازعات، ص 15.

        [9]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 228.

         


      • المحور الخامس: حكم التحكيم

        المحور الخامس: حكم التحكيم

        تصدر محكمة التحكيم حكمها وفق الشروط الشكلية والموضوعية المحددة في اتفاقية التحكيم، ويكون هذا الحكم قابلا للتنفيذ، كما يمكن أن يكون محلا للطعن، ويمثل حكم التحكيم المرحلة النهائية لدعوى التحكيم، حيث يصدر ضمن الإجراءات وحسب الشكل الذي يتفق عليه الأطراف، وفي غياب الاتفاق يصدر حكم التحكيم من:

        - المحكم الوحيد.

        - بالأغلبية عند تعدد المحكمين، ويكون هذا الحكم مكتوبا ومسببا ومعين المكان، مؤرخا وموقعا، كما يمكن أن يتضمن حكم التحكيم رأي المحكم الذي يمثل رأي الأقلية، ويوقع حكم التحكيم من قبل كافة المحكمين سواء الموافقين منهم على الحكم أو المتحفظين عليه، وإذا رفض أحد المحكمين توقيعه يجب الإشارة إلى هذا الرفض في حكم التحكيم من قبل المحكمين الآخرين، ويرتب الحكم أثره باعتباره موقعا من جميع المحكمين كما ورد في المادة  1029 ق إ م إ ج.

        كما تجدر الإشارة إلى أن حكم التحكيم الذي يكتسي الصبغة النهائية هو الحكم الفاصل في موضوع النزاع بشكل جذري مما يكسبه قوة الشيء المقضي فيه، وهو ما سنتناوله بالتفصيل من خلال التعرض إلى ماهية وأنواع أحكام التحكيم في المطلب الأول، و إصدار حكم التحكيم في المطلب الثاني، و أخيرا بيانات حكم التحكيم في المطلب الثالث.

        المطلب الأول

        ماهية حكم التحكيم و أنواعه

        سنتناول في هذا المطلب فرعين يتضمن الأول ماهية حكم التحكيم وفي الثاني انواعه. 

         

         

        الفرع الأول

        ماهية حكم التحكيم

        أمام غياب تعريف قانوني لحكم التحكيم سواء على مستوى التشريعات الوطنية لكل دولة أو في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي عنت بتنظيم كل ما يتعلق بالتحكيم فإن الفقه تصدى لهذه المهمة وانقسمت الآراء في صدد تعريف الحكم التحكيمي إلى اتجاهين.

        أولا: الاتجاه الموسع لتعريف حكم التحكيم: وهو الاتجاه الذي يوسع من نطاق حكم التحكيم على نحو يجعله يشمل بالإضافة إلى الأحكام التي تفصل في المنازعة بشكل كلي أيضا تلك التي تفصل في أحد عناصر المنازعة بشكل جزئي.

        فقد ذهب الأستاذ "كويلارد" إلى تعريف الحكم التحكيمي بأنه "القرار الصادر عن المحكم الذي يفصل بشكل قطعي على نحو كلي أو جزئي في المنازعة المعروضة عليه سواء تعلق هذا القرار بموضوع المنازعة ذاتها أو بالاختصاص أو بمسالة تتعلق بالإجراءات أدت بالمحكم إلى الحكم بإنهاء الخصومة".

        وبالتالي فإنّ الإجراءات التي يتخذها المحكمون والتي لا تفصل في النزاع على غرار إجراءات التحقيق في الدعوى لا تعتبر أحكاما بل تعتبر مجرد إجراءات إدارية ذات طابع قضائي لا يجوز الطعن فيها[1].

        أما القرارات الصادرة عن المحكم والمتعلقة بالفصل في اختصاص المحكمة أو تحديد القانون الواجب التطبيق أو بصحة العقد أو بتقرير مسؤولية أحد الأطراف فإنّها تعتبر أحكاما تحكيمية حقيقية حتى ولولم تفصل في المسائل المتنازع عليها على نحو كلي ولا يمكن ترجمتها في صورة إلزام مالي مباشر[2].

        كما يرى هذا الاتجاه أنّ القرارات الصادرة عن محكمة التحكيم والتي لا تفرض على الأطراف إلاّ بناء على قبولهم الصريح لها لا تعد من قبيل الأحكام التحكيمية فالقرار الصادر عن المحكمة التحكيمية والذي أطلق عليه قرار من الدرجة الأولى لا يتحول إلى حكم تحكيمي إلاّ إذا وافق الأطراف على مشروعه وفي حالة تحقق هذا القبول تعرض المنازعة على محكمة تحكيمية من الدرجة الثانية تصدر حكم نهائي لا يمكن أن يكون محلا للطعن فيه بالبطلان وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في 1 يونيو1987[3].

        هذا وذهبت محكمة استئناف باريس بتاريخ 5 مارس 1994 إلى أن المقصود بحكم التحكيم أعمال المحكمين التي تفصل بشكل حاسم ونهائي كليا أو جزئيا في النزاع المعروض عليهم سواء تعلق الأمر بالموضوع أو الاختصاص أوفي مسالة إجرائية تؤدي بهم إلى إنهاء الخصومة.

        ولقد تعرضت هذه التعريفات الموسعة لحكم التحكيم الى انتقادات لاذعة من جانب من الفقه كونها تدخل في تعريف الحكم بعض من أوصافه فالحكم له جوهر وله أوصاف وله آثار ولا  يجوز خلط هذه الأمور معا[4].

            ثانيا: الاتجاه المضيق لتعريف حكم التحكيم

        ذهب جانب من الفقه السويسري إلى أنّ القرارات الصادرة عن محكمة التحكيم والتي لا تفصل في طلب محدد ـــــ ولو اتصل بموضوع المنازعة ـــــ لا تعد أحكاما تحكيمية إلاّ إذا أنهت بشكل كلي أو جزئي منازعة التحكيم ويعتبر هذا الاتجاه استثناء عن ما ذهب اليه غالبية الفقه السويسري الذي تبنى الاتجاه الموسع.

        واستنادا إلى التعريف الضيق فإنّ القرارات التي تفصل في المسائل المتصلة بالموضوع كصحة العقد الأصلي ومبدأ المسؤولية لا تعد أحكاما تحكيمية ولا تعدو أن تكون مجرد أحكاما تحضيرية وأولية لهذا لا يمكن أن تكون محلا للطعن[5].

        ويرى الأستاذ "محمد بدران" أن حكم التحكيم يجب أن يكون قاصرا على الأحكام التي تصدرها محكمة التحكيم والتي تفصل بشكل نهائي في القضايا التي تناولها مما يعني ضرورة التميز بين الأحكام المتعلقة بالموضوع وبين الأوامر والتوجيهات الإجرائية المتعلقة بسير إجراءات التحكيم التي تساعد على دفع التحكيم إلى الأمام وعليه فأّن مسائل مثل تناول الأدلة المكتوبة وتجهيز الوثائق وعقد الجلسات لا تعتبر من قبيل الأحكام التحكيمية[6].

        ثالثا: الاتجاه الراجح

        من خلال عرضنا لما ذهب اليه الاتجاهين السابقين بخصوص تعريف حكم التحكيم يظهر أنّ غالبية الفقه تبنى الاتجاه الموسع بحجة أنّ اختيار الأطراف للتحكيم كوسيلة بديلة للاحتكام اليها كان بهدف التوصل إلى حلول ملائمة لهذا النزاع دون أي خصومة فكان لابد من الأخذ بهذا المعنى الموسع للحكم التحكيمي بغية تلافي استمرار الأطراف في النزاع في حالة حكمه مثلا باختصاصه على الرغم من أن هذا الحكم لو طعن فيه بالبطلان أمام القضاء المختص لانتهى الأمر ببطلانه وفقد المحكم اختصاصه بالفصل في موضوع المنازعة وعلى الرغم من أن هذه المسألة لا تتعلق بموضوع النزاع بشكل مباشر إلاّ أنّها تفصل فيه ولو بشكل جزئي واستنادا لهذا يمكن أن تستثنى مجموعة من القرارات والتي لا تعتبر أحكاما تحكيمية بالمعنى الفني الدقيق فالقرارات الصادرة عن محكمة التحكيم والمتعلقة بتحديد زمان ومكان انعقاد الهيئة التحكيمية أو تأجيل نظر الدعوى للاطلاع والاستعداد لا تعد أحكاما تحكيمية فمحكمة التحكيم لا تستنفذ بها ولايتها ونفس الشيء بالنسبة للقرارات التي تهدف إلى إعداد الخصومة للفصل فيها مثل القرار بانتداب خبير أو معاينة مكان أو سماع شهود[7].

        الفرع الثاني

        أنواع حكم التحكيم

                 تختلف أنواع حكم التحكيم باختلاف الزاوية التي ينظر منها، وذلك كما يلي:

        01- الحكم النهائي: وهو الحكم الذي يفصل في النزاع و يحوز حجيه الشيء المقضي فيه بمجرد صدوره (م 1031 ق ا م ا ج )، و فيه يتخلى المحكم عن النزاع بمجرد الفصل فيه م  1031 ق ا م ا ج .

        02 - الحكم الجزئي: لا يفصل إلا في جزء من النزاع، كالحكم المتعلق بالاختصاص أو بالقانون الواجب    التطبيق (المادة 1049 ق ا م ا ج).

        02 - الحكم المصادق على اتفاق الأطراف: قد يتفق الأطراف على حل النزاع القائم بينهما قبل الفصل فيه من قبل محكمة التحكيم، فيعرضونه أمامها للمصادقة عليه و إعطائه قوة الالزام (م 1049 ق إ م إ).

        4- الحكم الغيابي: يكون عند عدم حضور احد الأطراف و عدم حضور من يمثله أمام محكمة التحكيم، و طبعا الحكم الغيابي هو الآخر يتصف بالنهائية، أي انه حائز لقوة الشيء المقضي فيه و ذلك بغرض منع المدعي عليه من المماطلة.

        5- الحكم التحضيري: و هو بدوره  قابلة للنفيذ بأمر من رئيس المحكمة الذي صدر في دائرة اختصاصها وذلك حسب نص المادة 1035 ق ا م ا ج.

        6- حكم التحكيم الإضافي: قد تغفل محكمة التحكيم بعد إصدارها للحكم التحكيمي الفصل في بعض الطلبات التي تقدم بها الطرفين، و من ثم يكون لكل طرف الطلب من محكمة التحكيم إصدار حكم إضافي لهذه الطلبات خلال 30 يوم من تاريخ استلام الحكم،مع العلم أن محكمة التحكيم لا يمكنها إصدار حكم إضافي من تلقاء نفسها[8].

        هناك تقسيمات أخرى على النحو الموالي:

        أولا : من حيث حسما لنزاع: فأحكام التحكيم تنقسم إلى الاحكام التي تفصل في النزاع المعروض على المحكم للفصل فيه بصفة قطعية، وأحكام أخرى تفصل في جزء من الخصومة فقط.

        01 – أحكام التحكيم المنهية للخصومة أو القطعية: وهي الأحكام التي تحسم النزاع لأنّها تفصل في كل المسائل المتنازع عليها، حيث تتضمن انتهاء المحكم من مهمته على نحو تام يؤدي إلى استيفاء ولايته  وبالتالي يعتبر هذا الحكم نهائي سواء فيما يتعلق بإنهائه لإجراءات التحكيم وبالتالي مهمة المحكم، أو فيما يتعلق بحله للنزاع برمته. وقد نص عليها المشرع الجزائري في المادة 1031 ( ق إ م إ)، وكذا المادة 21 فقرة 1 من لائحة التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس بأن حكم التحكيم النهائي هو الذي ينهي الإجراءات التحكيمية[9].

        02 – أحكام التحكيم الجزئية: وهي الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم في مرحلة قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة، فهي قد تفصل أو قد تنهي بعض المسائل الجزئية من النزاع، ولكنها لا ترتقي لحكم منهي للخصومة بل أحكام تنظم سير هذه الخصومة[10].

        ولإصدار الأحكام الجزئية أهمية بالغة باعتبارها تلعب دور في حل المنازعات المعقدة، والتي تتفرع عنها الكثير من المشاكل المستقلة إذ أن صدور هذه الأحكام الجزئية ولاسيما من قبل هيئات التحكيم ذات الخبرة قد يفيد كلا الطرفين، حيث أن هذه الأحكام قد الجهد والمال والوقت بمجرد صدورها، وهناك من يطلق عليها صفة النهائية باعتبارها ملزمة للأطراف في الجزئية التي صدرت فيها.

        ويصدر المحكم هذه الأحكام في الحالات التي تمنح فيها للمحكمين السلطة للفصل في جزء من المنازعة[11]، ومثال ذلك الحكم الصادر لتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، أو القرار الخاص باختصاص المحكم، أو الذي يحدد مسؤولية أحد الأطراف دون التعرض إلى مقدار التعويض[12].

        ثانيا: من حيث حضور الأطراف: وتنقسم أحكام التحكيم من هذا المنظور إلى أحكام حضورية من جهة وأحكام غيابية من جهة أخرى.   

        01– حكم التحكيم الحضوري: وهو الحكم الذي يصدر بناء عن الوثائق والمذكرات المقدمة من قبل المدعي والمدعى عليه خلال المرحلة السابقة، وذلك بحضور الطرفين لهذه الإجراءات وتقديم دفوعهما وطلباتهما، مما يدل على احترام حق الدفاع ومعاملة الأطراف على قدم المساواة.

        02– حكم التحكيم الغيابي: وهي الحالة التي يصدر فيها حكم التحكيم برغم من عدم حضور أحد أطراف المنازعة لجلسات التحكيم، بشرط أن يكون هذا الطرف قد تم تبليغه وإعلامه بمواعيد الجلسات مما يؤكد مراعاة حق الدفاع والمعاملة المتساوية للأطراف، وبالتالي فإن غياب هذا الطرف لا يؤثر على سير إجراءات التحكيم، وعلى هيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم وإصدار حكم للنزاع استنادا غلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها، وهذا ما نصت عليه قواعد اليونسترال حيث اعتبرت أن عدم حضور أحد الطرفين أو عدم إبداء دفاعه لا يعتبر تسليما منه بادعاءات الطرف الأخر، وإذا لم يحضر أحد الطرفين أو لم يبدي دفاعه في أي مرحلة من مراحل الاجراءات يجوز لطرف الأخر أن يطلب من المحكمة أن تفصل في المسالة المطروحة عليها وتصدر حكما، لكن يجب على المحكمة قبل أن تصدر هذا الحكم أن تخطر الطرف الذي لم يحضر أو لم يبدي دفاعه، أو تعطيه مهلة إلا إذا كانت مقتنعة أن ذلك الطرف ليس في نيته القيام بذلك[13].

        ثالثا: من حيث الفترة التي يصدر فيها: وتنقسم الاحكام التحكيمية في هذا الصدد إلى أحكام صادرة قبل الفصل في موضوع النزاع, و أخرى بعد الفصل في موضوع النزاع.

        01 – الأحكام الصادرة قبل الفصل في موضوع النزاع: يشمل هذا النوع كل الأنواع التي سبق ذكرها سواء الحاسمة للنزاع أو الجزئية، وسواء كانت حضورية أو غيابية.

        02 – الأحكام الصادرة بعد الفص في موضوع النزاع: الأصل أن بصدور الحكم الفاصل في النزاع تنتهي مهمة المحكم ولا يحق له فيما بعد تعديل هذا الحكم، إلا أن هذا الأصل يرد عليه استثناء لأنه في بعض الأحيان قد يصدر الحكم ويكتنفه بعض الغموض ويصعب معه الوصول إلى الحقيقة، أو يقع المحكم في بعض الأخطاء المادية أو الكتابية أو الحسابية والتي لا يؤدي تصحيحها إلى تعديل الحكم، أو قد يغفل المحكم الفصل في بعض الطلبات التي طلبها الأطراف أثناء سير الدعوى[14].

        ولهذه الأسباب تمتد مهمة المحكم إلى ما بعد صدور الحكم التحكيمي، وتتمثل هذه الأحكام التي يمكن أن يصدرها في حالة توفر الحالات المذكورة فيما يلي:

        أ – أحكام التحكيم الإضافية: وهي الأحكام التي يلجأ المحكم إلى إصدارها بطلب من أطراف النزاع في حالة إغفاله الفصل في مسألة سبق وأن طلبها الأطراف أثناء السير في الخصومة ولم يقم المحكم بالفصل فيها، المادة 1030 من قانون الإجراءات المدنية والادارية[15].

        ب – أحكام التحكيم التفسيرية: وفي هذه الحالة يجوز لكل من طرفي النزاع أن يطلب من هيئة التحكيم تفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض.

        هذا ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمما لحكم التحكيم وهذا ما نص عليه المشرع المصري في المادة 49 من قانون التحكيم المصري[16]، أما المشرع الجزائري فقد اكتفى بالنص على إمكانية إصدار مثل هذه الأحكام دون تحديد تفاصيل ذلك وهذا بموجب المادة 1030 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

           جـــ – تصحيح حكم التحكيم: يصدر هذا الحكم في الحالة التي يعتري فيها الحكم التحكيمي خطأ مادي بحت، ويقصد به الخطأ في التعبير وليس في التفكير، أي أن المحكم استخدم أسماء وأرقام غير تلك التي كان يجب أن يستخدمها للتعبير عما في ذهنه، وقد عرفت محكمة النقض المصرية الأخطاء المادية بأنها بقولها: "تلك الأخطاء التي ترتكبها المحكمة في التعبير عن مرادها ولا تأثير لها على ما انتهى إليه الحكم في قضائه، أو أنّها الأخطاء التي لا تؤثر على كيان الحكم بحيث تفقده ذاتيته وتجعله مقطوع الصلة بالحكم الصحيح".

        فالأخطاء الكتابية هي التي تشمل كل أخطاء السهو التي تظهر في الحكم، سواء كانت أسماء أو أرقام أو بيانات غير تلك التي يجب ظهورها، أو الخطأ في ذكر رقم العقار محل النزاع، أو في تاريخ إصدار الحكم ... الخ، أما الأخطاء الحسابية فهي الخطأ في العمليات الحسابية سواء بجمعها أو بطرحها أو بضربها[17].

        وبالتالي لا يصح أن يصبح التصحيح وسيلة لإعادة النظر، وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها الهيئة التحكيمية عند تطبيقها للقانون الواجب التطبيق، أو مراجعة تقديرها لما ارتأته محققا للعدالة اذا كانت مفوضة للحكم وفقا لقواعد العدالة والإنصاف وإذا تجاوزت الهيئة حدود التصحيح المادي على هذا النحو جاز التمسك ببطلان قرارها[18].

        المطلب الثاني

          إصدار حكم التحكيم

        يقتضي الأمر هنا التطرق إلى ميعاد صدوره وكيفية ذلك.

        تصدر محكمة التحكيم حكمها وفق الشروط الشكلية والموضوعية المحددة في اتفاقية التحكيم ويكون هذا الحكم قابلا للتنفيذ، كما يمكن أن يكون محلا للطعن، ويمثّل حكم التحكيم المرحلة النهائية لدعوى التحكيم، حيث يصدر ضمن الإجراءات وحسب الشكل الذي يتفق عليه الأطراف

        الفرع الأول

         ميعاد صدور حكم التحكيم

        يلتزم المحكمون إصدار حكم التحكيم خلال الأجل الذي حدّده أطراف النزاع، وفي غياب هذا التحديد فخلال مهلة 04 أشهر تبدأ من تاريخ تعيينهم أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم ذلك ما تطرقت له الفقرة الاولى من نص المادة 1018 ق إ م إ[19]، ويمكن تمديد هذه المدة طبقا لمقتضيات الفقرة 02 من نفس المادة وذلك بموافقة الأطراف، وفي حالة عدم الموافقة عليه يتم التمديد وفقا لنظام التحكيم، وفي غياب ذلك يتم من طرف رئيس المحكمة المختصة[20].

        الفرع الثاني

        كيفية إصدار حكم التحكيم

        تصدر محكمة التحكيم حكمها وفق الإجراءات وحسب الشكل الذي يتفق عليه الأطراف، وفي غياب الاتفاق يصدر حكم التحكيم من:

        1- حالة المحكم الفرد: يكون صدور حكم التحكيم في هذه الحالة أيسر وأسهل، حيث يتكون رأي المحكم بشكل فردي محايد لا تعقيب عليه من أي طرف.

        2- حالة تعدد المحكمين: هنا تصدر الأحكام بالأغلبية[21]، ويكون هذا الحكم مكتوبا ومسببا ومعين المكان مؤرخا وموقعا، كما يمكن أن يتضمن حكم التحكيم رأي المحكم الذي يمثل رأي الأقلية، ويوقع حكم التحكيم من قبل كافة المحكمين سواء الموافقين منهم على الحكم أو المتحفظين عليه، وإذا رفض أحد المحكمين توقيعه يجب الإشارة إلى هذا الرفض في حكم التحكيم من قبل المحكمين الآخرين، و يرتّب الحكم أثره باعتباره موقعا من جميع المحكمين كما ورد في المادة  1029 ق إ م إ.

         

         

         

        المطلب الثالث

        بيانات حكم التحكيم

        إنّ حكم التحكيم شأنه شأن الأحكام القضائية العادية يجب أن تتوافر فيه البيانات الشكلية والموضوعية، وهو ما جاء في المواد 1028، 1029، 1030 من قانون الاجراءات المدنية والادارية بالنسبة للبيانات الشكلية، والمواد 1027، 1030/2  بالنسبة للبيانات الموضوعية .

        الفرع الأول

        البيانات الشكلية

        وتتمثل البيانات الشكلية في الكتابة، وفي بعض البيانات الواجب توافرها في الحكم التحكيمي.

        أولا- الكتابة: تعتبر الكتابة شرط لوجود حكم التحكيم وليست مجرد وسيلة لإثباته، وبالتالي لا عبرة  بالحكم الشفوي، فلكي يتسنى إيداعه لدى القاضي المختص لإضفاء الصيغة التنفيذية عليه وجب أن يكون مكتوبا، وهو ما نصت عليه صراحة قواعد اليونسترال في المادة 31 منه، وكذا المادة 48/2 من اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار[22].

        والمشرع الجزائري لم ينص صراحة على كتابة الحكم، غير أنه بالرجوع إلى نصوص المواد (1027، 1028 و 1029) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يتضح وأنه أشار ضمنيا للكتابة.

        وتتم الكتابة باللغة التي جرى بها التحكيم، سواء كانت اللغة العربية، أو أي لغة أخرى حددها اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم.

        ثانيا-البيانات الالزامية الواجب تضمينها للحكم التحكيمي: اشترط المشرع الجزائري في المادة 1028 ق إ م إ[23] أن يتضمن الحكم التحكيمي مجموعة من البيانات الالزامية تتعلق مجملها بتحديد هوية المحكمين وهوية الأطراف وموكليهم إن وجدو وتاريخ الحكم التحكيمي ومكانه.

         01 – ذكر أسماء المحكمين: فقد جرت العادة على ذكر أسمائهم وصفاتهم وعناوينهم وإسم الطرف الذي عينه وكيفية تعين المحكم الرئيس.

         02– ذكر هوية أطراف النزاع وموكليهم: وهم المدعى والمدعى عليه حيث يتم ذكر الاسم الكامل لكل طرف وعنوانه وإذا كان شخص معنوي فيذكر اسم الشخص المعنوي ومركز أعماله، بالإضافة الى أسماء المحامين أو المستشارين لكل طرف في حالة وجودهم[24].

        03 – ذكر تاريخ ومكان إصدار الحكم التحكيمي: ولذكر تاريخ صدور الحكم أهمية بالغة فمن خلاله يتحدد ما إذا كان الحكم قد صدر ضمن المدة المقررة سواء باتفاق الأطراف أم بنص القانون، لأن صدوره بعد فوات الأوان يجعل الحكم باطلا، كما أن لذكر مكان صدور الحكم أهمية في تحديد نوع القرار أجنبي أو وطني، والمبدأ المستقر عليه في المجال الدولي أن مكان التحكيم هو مكان صدور الحكم وإن جرت المداولات في أماكن مختلفة وهذا ما نصت عليه المادة 16 من قواعد الاونسترال، وفي حالة عدم ذكره لا يؤدي ذلك إلى بطلان القرار إنما تقام قرينة بأنه مكان التحكيم، كذلك لذكر مكان التحكيم أهمية أخرى تتمثل مي معرفة الجهة القضائية المختصة في نظـر إمكانية إبطال الحكم[25]

        ويعتبر تاريخ صدور الحكم ومكانه من الأمور المهمة في التحكيم التجاري الدولي، فمن جهة يمكن التأكد من صدور حكم التحكيم قبل انتهاء مهلة التحكيم، لأنه بانتهاء هذه المهلة تفقد محكمة التحكيم سلطتها في الفصل في النزاع، وبصدور الحكم تنتهي إجراءات التحكيم[26]،

        04 – توقيع المحكمين: وقد نص المشرع الجزائري عليه في المادة 1029 ق إ م إ[27]  حيث أشار من خلالها إلى أن أحكام التحكيم توقع من جميع المحكمين وفي حالة امتناع الأقلية عن التوقيع يشير بقية المحكمين إلى ذلك ويرتب الحكم أثاره باعتباره موقعا من جميع المحكمين،                                    

        ولم يستلزم المشرع الجزائري ضرورة بيان أسباب عدم توقيع الأقلية، على عكس القانون المصري الذي اشترط ذلك، وإنما اقتصر فقط على ضرورة الإشارة إلى واقعة رفض الأقلية التوقيع على الحكم واعتبر الحكم الموقع من الأغلبية كأنه موقعا من جميع المحكمين.

        05 – الإشارة إلى اتفاق التحكيم: هناك بعض القوانين تستوجب الإشارة إلى اتفاق التحكيم عكس البعض الاخر كما هو الحال بالنسبة للمشرع الجزائري الذي لم يشر أليها في المادة 1028 ق إ م إ لكن غالبا ما تتم الاشارة إليها في معظم القرارات التحكيمية الدولية بهدف توضيح التفاصيل التي اتفق الاطراف عليها حول كيفية إجراء التحكيم.     

        الفرع الثاني

         البيانات الموضوعية

        يجب أن يتضمن الحكم التحكيمي -بالإضافة إلى البيانات الشكلية- مجموعة من البيانات الموضوعية تتمثل في الآتي:

        - أن يتضمن حكم التحكيم عرضا موجزا للنزاع، من خلال تضمينه الوقائع الرئيسية التي دار حولها الخلاف وكذا الادعاءات الأساسية للخصوم وأهم ما تم تقديمه في سبيل تأييدها، يبين هذا العرض موضوع الدعوى وأسبابها، ولا يكفي أن يحيل الحكم على الأقوال والطلبات التي ذكرها الخصوم في اتفاق التحكيم، إذ أن المشرع قد أوجب اشتمال الحكم على هذا البيان وهو ما يعني ضرورة ذكره في صلب الحكم[28].

        -  أن يتضمن منطوق الحكم: وهو ما توصلت إليه الهيئة التحكيمية من نتائج نهائية في كيفية حسم النزاع بالفصل في طلبات الخصوم، ويمثل الرأي الأخير للمحكم أو الهيئة، فهو الذي يبين الحكم على أحد الأطراف لمصلحة الطرف الأخر أو ما يجب ان يقوم به كل منهما لكي ينتهي النزاع، ويجب ألا يخرج عن موضوع النزاع وان يفصل في كل المسائل المطروحة، وفي حالة إغفال ذلك جاز للطرفين الطلب من المحكمين إصدار أحكام إضافية أو تفسيرية أو تصحيحية والتي سبق ذكرها.

        جدير بالذكر انه يمكن تجزئة منطوق حكم التحكيم خاصة إذا تعددت المسائل المتنازع عليها بين لأطراف، كما يمكن أيضا أن يلحق البطـلان بعض أجزاء الحكم دون البعض الآخـر.

        - التسبيب: يجب أن يكون حكم التحكيم مسببا فمن خلال نص المادة 1027/2 ق إ م إ[29] فإن تسبيب حكم التحكيم من الالتزامات التي تقع على عاتق المحكم، وعدم التسبيب يؤدي إلى بطلان الحكم طبقا للفقرة الثالثة من نص المادة 1056 ق إ م إ، ذلك لأن التسبيب يعتبر من أهم ضمانات التقاضي، ويضمن حسن أداء المحكمين لمهمتهم، ويبين مدى استيعابهم لوقائع النزاع و دفوع الخصوم، من خلال ما يشتمل عليه الحكم من أسباب واقعية وقانونية اعتمدت عليها الهيئة في إصداره .

         

        وكما سلف البيان فإن إجراءات التحكم -وكقاعدة عامة- تنتهي بصدور حكم ينهي الخصومة، غير أنّ المشرع الجزائري في المادة 1030/2 ق إ م إ[30] أورد ثلاث استثناءات على هذه القاعدةـ نتناولها تباعا تاليا:

        المطلب الرابع

         تفسير حكم التحكيم وتصحيح أخطائه المادية

        سنتناول هذ المطلب في ثلاثة فروع كما يلي:

        الفرع الاول

        تفسير حكم التحكيم

        يجوز لكل من طرفي النزاع أن يطلب من هيئة التحكيم تفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض، ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمما لحكم التحكيم وهذا ما نص عليه المشرع المصري في المادة 49 من قانون التحكيم المصري[31]، أما المشرع الجزائري فقد اكتفى بالنص على إمكانية إصدار مثل هذه الأحكام دون تحديد تفاصيل ذلك وهذا بموجب المادة 1030 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

        وينحصر دور محكمة التحكيم هنا فقط في إزالة الغموض، وليس لها أن تقوم بتغيير الحكم أو تعديله حيث أن حكم التفسير يعتبر جزء مكملا او متمما لحكم التحكيم الذي يفسره.

              هذا وقد يتعذر عودة محكمة التحكيم للانعقاد من أجل التفسير، كحالة وفاة أحد الحكمين مثلا، ففي هذه الحالة يجب تشكيل محكمة تحكيم جديدة لنظر التفسير، وهو ما نصت عليه المادة 50 من اتفاقية واشنطن لسنة 1965 المتعلقة بتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى[32].

        الفرع الثاني

        تصحيح الأخطاء المادية

        يصدر هذا الحكم في الحالة التي يعتري فيها الحكم التحكيمي خطأ مادي بحت، ويقصد به الخطأ في التعبير وليس في التفكير، أي أن المحكم استخدم أسماء وأرقام غير تلك التي كان يجب أن يستخدمها للتعبير عما في ذهنه، وقد عرفت محكمة النقض المصرية الأخطاء المادية بأنها بقولها: "تلك الأخطاء التي ترتكبها المحكمة في التعبير عن مرادها ولا تأثير لها على ما انتهى إليه الحكم في قضائه، أو أنّها الأخطاء التي لا تؤثر على كيان الحكم بحيث تفقده ذاتيته وتجعله مقطوع الصلة بالحكم الصحيح".

        فالأخطاء الكتابية هي التي تشمل كل أخطاء السهو التي تظهر في الحكم، سواء كانت أسماء أو أرقام أو بيانات غير تلك التي يجب ظهورها، أو الخطأ في ذكر رقم العقار محل النزاع، أو في تاريخ إصدار الحكم ... الخ، أما الأخطاء الحسابية فهي الخطأ في العمليات الحسابية سواء بجمعها أو بطرحها أو بضربها[33].

        وبالتالي لا يصح أن يصبح التصحيح وسيلة لإعادة النظر، وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها الهيئة التحكيمية عند تطبيقها للقانون الواجب التطبيق، أو مراجعة تقديرها لما ارتأته محققا للعدالة اذا كانت مفوضة للحكم وفقا لقواعد العدالة والإنصاف وإذا تجاوزت الهيئة حدود التصحيح المادي على هذا النحو جاز التمسك ببطلان قرارها[34].

        الفرع الثالث

        حكم التحكيم الإضافي

        نصت على ذلك المادة 39 من قواعد اليونسترال المنقحة سنة 2010 بقولها " 1- يجوز لأي طرف ان يطلب من هيئة التحكيم في غضون 30 يوما من تاريخ تسلمه الأمر بإنهاء الاجراءات او قرار التحكيم وبشرط اشعار الاطراف الاخرين بهذا الطلب، ان تصدر قرار تحكيم، او قرار تحكيم اضافيا بشأن ما لم تفصل فيه من طلبات قدمت اثناء اجراءات التحكيم.

        2- اذا رات هيئة التحكيم ان طلب اصدار قرار تحكيم، او قرار تحكيم اضافي له ما يسوغه، اصدرت قرارها او اكملته في غضون 60 يوما من تاريخ تسلم الطلب، ويجوز لهيئة التحكيم، عند الضرورة، ان تمدد المهلة التي يجب ان تصد ذلك القرار في غضونها .

        3- في حال اصدار قرار تحكيم او قرار تحكيم اضافي، من هذا القبيل، تسري احكام الفقرات 2 ال 6 من المادة 34 ". 

         

        الفرع الرابع

        آثار الحكم التحكيمي

        ثار خلاف فقهي حول الوقت الذي يرتب فيه القرار التحكيمي أثاره، فهناك من أعتبره من تاريخ اكتساب هذا القرار للحجية القطعية، وهناك من قال من تاريخ إيداعه لدى المحكمة المختصة، في حين ذهب جانب أخر إلى الأخذ بتاريخ صدور الحكم، ويعتبر هذا الرأي الأخير هو الراجح، أما القانون الفرنسي فيعتبره من تاريخ تبليغ الأطراف.

        كما نصت معظم التشريعات إلى أن الحكم يكتسب حجية الشيء المقضي فيه منذ صدوره حتى ولو كان إيداعه في المحكمة ملزما، لأن هذا الإجراء لا علاقة له بحجية الأمر المقضي فيه، إنّما من أجل تمكين المحكمة من ممارسة رقابتها على الحكم وإصباغ الصيغة التنفيذية عليه أو الطعن فيه.

        هذا ويترتب على صدور حكم التحكيم آثارا سواء بالنسبة لطرفي النزاع أو بالنسبة للمحكمة التحكيمية.

        أولا: آثار الحكم التحكيمي بالنسبة للخصوم

        يرتµب الحكم التحكيمي آثارا بالنسبة لأطراف النزاع تتمثل في الآتي: 

        01: الالتزام بتنفيذ الحكم التحكيمي

        يقع على عاتق طرفي النزاع التنفيذ الارادي حكم التحكيم بمجرد صدوره، تجسيدا لاتفاق التحكيم المبرم بينهما، بحيث في العادة يتم تضمينه صراحة ما يفيد ذلك "أن حكم التحكيم يعتبر ملزما ونهائيا" حيث تشير الإحصائيات أنّ 90 بالمئة من الأحكام الصادرة عن غرفة التجارة الدولية تم تنفيذها إراديا[35].

        لكن ذلك لا يعني أبدا عدم إمكانية الطعن في هذا الحكم، بحيث يجوز الطعن فيه متى توفرت أسباب ذلك والتي تختلف من تشريع لآخر، فالمشرع الجزائري كرّس امكانية الطعن ببطلان حكم التحكيم الصادر في الجزائر عن طريق دعوى أصيلة اذا توافر أحد الأسباب التي تضمنتها المادة 1056 ق إ م  كما كرّس امكانية استئناف القرار القاضي بعدم الاعتراف وعدم التنفيذ مطلقا، وكذا القرار القاضي بالاعتراف والتنفيذ اذا توافرت حالة من الحالات التي تضمنتها المادة 1056 ق إ م إ.

        02- حجية حكم التحكيم: يتمتع حكم التحكيم بالحجية بمجرد صدوره فتعترف له القوانين وانظمة التحكيم بحجية الامر المقضي به[36] في مواجهة اطراف النزاع في المسائل التي فصل فيها المحكم، ويترتب على هذه الحجية أثران هامان، أثر ايجابي يتمثل في الزام القضاء باحترام حكم التحكيم في أي دعوى يقار فيه هذا الحكم كمسألة أولية، والآخر سلبي يتمثل في استبعاد القضاء عن الفصل في نفس الدعوى المقضي فيها بنفس الخصومة ولذات السبب، لكن ومع ذلك فقد ثار جدل حول الأثر الثاني بحيث يرى البعض بأن الأطراف الذين اتفقوا على اخضاع نزاعاتهم لتحكيم يمكنهم الاتفاق على عدم الرضا بالحكم الصادر عن المحكمون، وبالتالي عرض نزاعهم على جهة اخرى سواء كانت قضائية أو تحكيمية[37].

        ثانيا: آثار القرار التحكيمي بالنسبة للمحكمين

        وتتمثل هذه الأثار فيما يلي:

            01- رفع ولاية المحكم عن النزاع

        بصدور الحكم التحكيمي تنتهي ولاية المحكم في النزاع الذي تم حسمه ويعني بذلك عدم إمكانية الرجوع مرة ثانية للنظر فيه أو إعادة النظر في القرار الذي اتخذته الهيئة التحكيمية، إلاّ أنه يمكن للمحكم من تلقاء نفسه أو بطلب من أطراف النزاع أن يقوم بتصحيح الأخطاء المادية أو إكمال النقص بسبب إغفال الفصل في أحد الطلبات أثناء المرافعة أو تفسير القرار، كما أما إذا تم إيداع الحكم لدى المحكمة فلها أن تطلب من المحكم القيام بالتصحيحات السابقة.

            02- استحقاق المحكم للأجور المتفق عليها: وهذه الأجور يتم تحديدها في إطار مصاريف التحكيم التي سبقت الإشارة إليها إلا أنه من جهة أخرى فالمحكم تقع عليه مسؤولية الإهمال وبالتالي يحق للطرفين مطالبته بالتعويض بسبب الأضرار التي لحقت بهم[38]. 

        المبحث الرابع

        القانون الواجب التطبيق على دعوى التحكيم

        بعد تشكيل الهيئة التحكيمية وقبولها النظر في النزاع، يقع على عاتقها واجب تحديد القانون الواجب التطبيق، وهنا ينبغي البحث عن القانون الذي تطبقه على المسائل المتعلقة بالإجراءات، ثم بعد ذلك تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع[39].

        تعتبر مسألة القانون الواجب التطبيق على دعوى التحكيم في غاية الصعوبة، سواء من الناحية الإجرائية أو من الناحية الموضوعية، ويقصد بالقانون الواجب التطبيق على دعوى التحكيم كما عرفه جانب من الفقه على أنه: "مجموعة القواعد القانونية التي يرى المحكم أنّها الملائمة للتطبيق أيا كان مصدرها"[40].

        وقد تختلف الاعتبارات التي تدفع الأطراف أو محكمة التحكيم إلى اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، عن غيرها من الاعتبارات التي تدفعهم إلى اختيار القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، وقد أكد القضاء الفرنسي على مبدأ الفصل بين القانون الواجب التطبيق المسألتين، ولذا وجبت التفرقة بين المسائل الإجرائية والمسائل الموضوعية، رغم وجود شبه استحالة في وضع ضابط أو حد فاصل بين المسألتين، بالرغم من الاهمية البالغة  لهذه التفرقة التي تتجلى من زاويتين:

        أولا- من حيث سلطة المحكم في الخروج عن القاعدة القانونية التي تنظم الإجراءات، وذلك لأنّ القواعد الإجرائية هي مجرد وسيلة لإظهار كافة جوانب الحقيقة أمام المحكم وليست غاية في ذاتها، ومن ثم فإنّ تجاوز المحكم عن الالتزام بتطبيقها لا يعد عيبا ما دام ذلك محققا للغرض منها، غير أنّه ملزم بتطبيق القواعد الواجبة التطبيق على موضوع النزاع .

        ثانيا- تظهر أهمية التفرقة أيضا في نطاق القانون الدولي الخاص، حيث المنهج التقليدي القائم على قاعدة التنازع، حيث يتوقف تحديد القانون الواجب التطبيق على المسألة المتنازع فيها، على تحديد طبيعة هذه المسألة وإدراجها في أحد الأفكار المسندة تمهيدا لإعمال القانون الذي يشير إلى ضابط الإسناد[41]، والذي يمثل عنصرا في قاعدة الإسناد (قاعدة تنازع القوانين)، ويذهب الفقه الراجح إلى اعتبار مسألة التفرقة بين المسائل الإجرائية والموضوعية عملية تكييف يحكمها قانون القاضي المعروض عليه النزاع، أو بعبارة أخرى أن تكييف المسألة وكونها أنها من الإجراءات أم تتعلق بالموضوع، يكون وفقا للسائد في دولة مقر التحكيم.

         

         

        المطلب الأول

        القانون الواجب التطبيق على مسائل الاجراءات

        يقتضي الأمر في هذا الموضوع بيان دور إرادة الأطراف في تحديد إجراءات التحكيم كما يقتضي كذلك تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم في حالة عدم اتفاق الأطراف على قانون محدد واجب التطبيق على هذه الإجراءات.

        الفرع الأول

         اختيار القانون الواجب التطبيق من قبل الأطراف

        استقر الفقه والقضاء والمعاهدات الدولية، ولوائح مراكز ومنظمات التحكيم الدائمة على خضوع إجراءات التحكيم لمبدأ سلطان الإرادة، حيث يقوم أطراف النزاع بأنفسهم بوضع إجراءات التحكيم، وقد يتفقون على تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في قانون وطني، كما أن للأطراف الاتفاق على إتباع القواعد الإجرائية المعمول بها في مركز أو منظمة دائمة للتحكيم كغرفة التجارة الدولية بباريس مثلا، ولا بد من أن تكون إرادة الأطراف في تحديد الإجراءات واضحة وصريحة.

              إن حرية الأطراف في اختيار مكان التحكيم تعني بطريق غير مباشر حريتهما في اختيار القانون الذي تنص قواعده على خضوع التحكيم للإجراءات النافذة في مكان التحكيم ذاته (مع الإشارة هنا إلى أن مسألة مقر التحكيم لم تطرح في القانون الجزائري)، مما يعطي لمحكمة التحكيم التي تنظر النزاع سلطة واسعة في تفسير إرادة الأطراف، وقد ذهب بعض الشراح إلى تخويل محكمة التحكيم فرصة الكشف عن القانون الذي عينته الإرادة الضمنية للأطراف في حالة سكوتهم عن تحديد هذا القانون صراحة، وهذا ما انتهت اليه هيئة التحكيم في النزاع بين الحكومة الليبية وشركة البترول البريطانية في الحكم الصادر بتاريخ:10/10/1973 عندما طبقت القانون الدانماركي على إجراءات التحكيم باعتباره القانون الذي اتجهت إليه إرادة الطرفين الضمنية المستفادة من الاتفاق على إجراءات التحكيم في هذه الدولة[42].

        وعندما يجري التحكيم في الجزائر ويخضع لقواعد إجرائية غير القواعد الجزائرية، فتدويل القواعد الإجرائية لا يخل بالنظام العام الإجرائي، إلّا إذا كان هناك مساس بمبدأ المساواة بين الأطراف، ومبدأ وجاهية المحاكمة[43]،  حيث ووفقا للمواد (1058/1 و 1056/4 و6 ق إ م إ) فإنّ عدم احترام ذلك يرتب  الطعن ببطلان حكم التحكيم.

        وفي هذا الاطار ومن خلال نص المادة 1043/1 ق إ م إ يمكن أن يكون الاختيار مباشرا، أي أنّ أطراف النزاع يحددون صراحة وبوضوح القانون الذي يحكم الإجراءات، أو أن يتفقوا على الإحالة على القواعد الإجرائية المعمول بها في منظمة أو مركز من مراكز التحكيم الدائمة في داخل الدولة أو خارجها، وهذه القواعد يتم تطبيقها في حالة عدم الاتفاق على قواعد إجرائية في الأصل، أو في حالة عدم تغطية القواعد المتفق عليها لمسألة أو أكثر من المسائل الإجرائية.[44]

        وعليه يكون المشرع الجزائري قد أعطى الأهمية والأولوية لمبدأ سلطان الإرادة، من خلال منحه حرية مطلقة لطرفي النزاع  في اختيار القانون الذي يحكم الاجراءات ولو لم يكن له علاقة بموضوع النزاع أو أطرافه.

        الفرع الثاني

         اختيار القانون الواجب التطبيق من قبل المحكم

        جاء هذا الحل استثنائيا واحتياطيا عندما تغفل إرادة أطراف النزاع عن تحديد القانون الذي يحكم إجراءات التحكيم، كما تتولى محكمة التحكيم هذه المهمة عند تفويضها للقيام بذلك من قبل أطراف النزاع وفي هذا الصدد تتمتع محكمة التحكيم بما يتمتع به أطـــراف النزاع من حرية وإمكانيات بشأن ضبط القواعـد الإجرائية، كما لها أيضا الأخذ بالإجراءات النافذة في قانون إجرائي لدولة معينة ،أو إتباع النظام الإجـــرائي المعتمد في لائحة منظمة أو مركز من مراكز التحكيم الدائمة[45]، وهذه الحرية التي تتمتع بها محكمة التحكيم ليست حرية بغير قيود، حيث أن هناك رقابة وطنية فعالة تمارس من قبل السلطات المختصة في دولة مقر التحكيم أو في دولة تنفيذ الحكم، أو بعبارة أخرى يتعين على المحكم الالتزام بالنصوص الإجرائية الآمرة في قانون دولة مقر التحكيم وكذا في قانون الدولة أو الدول المرجح تنفيذ الحكم فيها[46].

        المطلب الثاني

        القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع

               إنّ تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع لا يقل أهمية عن تحديد القانون المطبق على الإجراءات، وليس لزاما على الأطراف اختيار نفس القانون الذي يحكم الاجراءات، بل قد يختلف القانون الذي يحكم موضوع النزاع عن ذلك الذي يحكم الاجراءات، واختيار القانون المطبق على موضوع النزاع له أهمية بالغة في العقود الدولية، إذ على أساسه يتم التأكد من مدى صحة بنود العقد، وفي حالة غموضها أو عدم كفايتها يتم الاستناد الى هذا القانون الموضوعي لتكملة ذلك[47].  

        ونظرا لدور الإرادة في التحكيم فلا تزال غالبية النظم القانونية تحترم إرادة الأطراف فيما يتعلق باختيارها للقواعد التي تحكم موضوع النزاع، ويمكن لإرادة الأطراف أن تحدد القواعد التي ستطبق على موضوع النزاع مباشرة، أو قد تحيل إلى قواعد التنازع لدولة معينة يتم على ضوئها تحديد تلك القواعد، ومن ثم فإن إرادة الأطراف قد تختار قواعد وطنية لحكم النزاع، وقد تختار قواعد التجارة الدولية، كما يمكن لإرادة الأطراف تخويل محكمة التحكيم سلطة اختيار القواعد الملائمة، أي أن إرادة الأطراف غائبة في هذه الحالة.

        الفرع الأول

         اختيار القانون الواجب التطبيق من قبل الأطراف

        استقر الفقه والقضاء على حرية طرفي النزاع في اختيار القواعد الموضوعية التي يطبقها المحكم على النزاع المعروض عليه، وتؤكد أحكام التحكيم على المبدأ القاضي باستقلال الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع المطروح أمام المحكم[48] .

        وهذا الاختيار يجب أن يكون مكتوبا، وأن يكون واضحا وصريحا تتضمنه اتفاقية التحكيم، وفي حالة مخالفة المحكم لإرادة الأطراف جاز لهم رفع دعوى البطلان ضد حكم التحكيم وهذا ما نصت عليه المادة  1056/3 ق إ م إ .

               هذا وجدير بالذكر ان المشرع الجزائري كان واضحا تماما عندما استعمل مصطلح  "قواعد القانون"  (les règles de droit ) بدل مصطلح" القانون " (loi)، وذلك في نص المادة  1050 ق إ م إ:  "تفصل محكمة التحكيم في النزاع عملا بقواعد القانون الذي اختاره الأطراف ...ويفهم من هذا أنه يمكن للأطراف اختيار قانون وطني، ويقصد بالقانون الوطني القواعد الموضوعية فيه، أي أنّه لا يتم في هذا الشأن إعمال قواعد الإسناد لذلك القانون.

        وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ القوانين في مجال التحكيم التجاري الدولي تسمح باختيار قانون محايد كما يمكن أيضا اختيار عدة قوانين، كأن يوجه كل قانون لحل جزء من النزاع، غير أنّه لا يعتد باختيار قانون يلغي العقد.

              ويذهب جانب من الفقه إلى وجوب إعمال القواعد الموضوعية للتجارة الدولية (Lex Mercatoria) كلما أحال إليها الطرفان، وإذا تخلفت الإحالة الصريحة فإنّه يمكن استخلاص الإرادة الضمنية للطرفين من بعض المؤشرات، كما هو الحال عند اختيار الفصل في النزاع عن طريق مركز من مراكز التحكيم الدولي[49].

        الفرع الثاني

         اختيار القانون الواجب التطبيق من قبل المحكم

        تشير التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية في مجال التحكيم التجاري الدولي إلى وجود اتجاهين في هذا الصدد: فالاتجاه الأول يرى أن المحكم ملزم بتحديد القانون الواجب التطبيق على الموضوع من خلال قواعد التنازع، بينما الاتجاه الثاني يعطي للمحكم سلطة التحديد المباشر دون الاعتماد على قواعد التنازع.

        أولا- قواعد التنازع وتحديد القانون الواجب التطبيق[50]

        يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى وجوب الاعتماد على قاعدة تنازع القوانين لتحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع المطروح للتحكيم، وذلك بضرورة الاعتداد بنظام التنازع في الدولة التي يحمل المحكم جنسيتها، غير أنّ هذا الرأي تعترضه صعوبة عملية عند تعدد المحكمين واختلاف جنسياتهم.

            ويرى البعض ضرورة الأخذ بنظام التنازع في دولة مقر التحكيم، و رغم أن هذا الرأي يلقى قبولا وتأييدا، غير أنه يعاب عليه أن تحديد مقر التحكيم من قبل الأطراف غالبا ما يستند إلى اعتبارات الحيدة وقد يكون لدولة هذا المقر صلة بموضوع النزاع.

        ويرى آخرون وجوب الأخذ بنظام التنازع في الدولة التي سوف يتم فيها تنفيذ حكم التحكيم، و يعاب على هذا الرأي أنه يتعذر تحديد هذه الدولة التي سوف يتم تنفيذ حكم التحكيم فيها، فضلا عن أن تنفيذ حكم التحكيم يمكن أن يتم في أكثر من دولة.

        وجرّاء هذه الانتقادات اعتنق الفقه الغالب المعيار القائل بضرورة ترك المحكم حرا في الاختيار والأخذ بقاعدة التنازع التي تبدو له أكثر ملاءمة تبعا لظروف النزاع.

        ثانيا- حالة التحديد المباشر للقانون الواجب التطبيق:

        منح المشرع الجزائري للأطراف ولمحكمة التحكيم سلطة التحديد المباشر للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع دون الالتزام بالأخذ بنظام تنازع معين للوصول عن طريقه إلى هذا القانون، أسوة بالعديد من التشريعات الأوربية كالقانون السويسري والفرنسي، وقد سار على هذا النهج العديد من التشريعات العربية.

        أخذ المشرع الجزائري في المادة 1050 ق إ م إ بالمادة 187/1 من القانون السويسري والمادة  1496 ق إ م ف الجديد التي تنص على ما يلي: "يفصل المحكم في النزاع وفقا لقواعد القانون التي اختارتها الأطراف، وفي غياب ذلك الاختيار وفقا لقواعد القانون التي تعتبر ملائمة، يأخذ في كل الحالات بعين الاعتبار الأعراف التجارية"، وبهذا يكون المشرع الجزائري قد ذهب إلى أبعد ما ذهبت إليه هذه النصوص ويبدو ذلك في السلطة المخولة للمحكم: حيث أن المشرع الجزائري لم ينقل القيد الموجود في القانون السويسري الذي ينص على أنه عند عدم اختيار القانون من قبل الأطراف فالمحكم يفصل في النزاع وفق قواعد القانون التي تكون لها علاقة وثيقة بموضوع النزاع، كما لم يأخذ بالنص الفرنسي المحتشم الذي يطلب من المحكم أن يأخذ بعين الاعتبار أعراف التجارة.

        وهكذا يكون المشرع الجزائري قد تحرر من الإسناد إلى قانون وطني، وبالتالي يحرر المحكم من الخضوع لأي منهج لتنازع القوانين، ويكون بذلك قد اندمج في التوجه الحالي للتحكيم التجاري الدولي بإعطائه الدور الأول لإرادة الأطراف والمحكم، ورفع كل لبس عن تطبيق أعراف التجارة، وعلى هذا الأساس يطبق المحكم مباشرة قواعد القانون والأعراف الملائمة دون المرور بأي نظام وطني تنازعي، وهكذا يكون القانون الجزائري قد انظم إلى قضاء تحكيمي مكرس.

        غير أن قواعد القانون والأعراف التي يختارها المحكم تكون لها علاقة عضوية موضوعية بالعقد الذي يدور حوله النزاع، وفي كل الحالات على المحكم أن يراعي القواعد الآمرة والنظام العام الدولي، لأن ذلك يؤثر على تنفيذ الحكم[51].



        1 حفيظة السيد حداد، الوجيز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان،2007  ص ص 294 -295 .

        [2]  إبراهيم رضوان الجغيبر، المرجع السابق، ص32.

        [3]  حفيظة السيد الحداد، المرجع السابق، ص 296.

         إبراهيم رضوان الجغيبر، المرجع السابق، ص ص 32 -33 .  [4]

         حفيظة السيد حداد، المرجع السابق، ص297 . [5]

        1 ابراهيم رضوان الجغيبر، المرجع السابق، ص34.

         حفيظة السيد حداد، المرجع السابق، ص ص 300-301 .[7]

        [8]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 245.

         

         محمد مختار بربري، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999 ، ص163 .  [10]

         إبراهيم رضوان الجغيبر، المرجع السابق، ص63 . [11]

         محمد فوزي سامي، المرجع السابق، ص[12]

         حفيظة السيد حداد، المرجع السابق، ص ص312-313 .[13]

         إبراهيم رضوان الجغيبر، المرجع السابق، ص 67 .[14]

        [15]  تنص المادة 1030/2 ق إ م إ على "غير أنه يمكن للمحكم تفسير الحكم، أ تصحيح الاخطاء المادية والاغفالات التي تشوبه، طبقا للأحكام الواردة في هذا القانون".

         حفيظة السيد حداد، المرجع السابق، ص315 . [16]

         إبراهيم رضوان الجغيبر، المرجع السابق، ص ص 70 - 71 . [17]

         محمود مختار بريري ، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003 ، ص 203 .[18]

        [19]  نصت المادة 1018/1 ق إ م إ على "يكون اتفاق التحكيم صحيحا ولو لم يحدد أجلا لإنهائه، وفي هذه الحالة يلزم المحكمون بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة (04) أشهر تبدأ من تاريخ تعيينهم أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم".

        [20]  نصت المادة 1018/2 ق إ م إ على "غير أنه يمكن تمديد هذا الأجل بموافقة الأطراف، وفي حالة عدم الموافقة عليه، يتم التمديد وفقا لنظام التحكيم، وفي غياب ذلك، يتم من طرف رئيس المحكمة المختصة"

        [21]  تنص المادة 1026 ق إ م إ على "تصدر أحكام التحكيم بأغلبية الأصوات".

        [22] لزهر بن سعيد، التحكيم التجاري الدولي، دار هومة، الجزائر، 2012، ص 342. 

        [23]  نصت المادة 1028 ق إ م إ على هذه البيانات على سبيل الحصر بقولها: "يتضمن حكم التحكيم البيانات التالية:

        1- اسم ولقب المحكم أو المحكمين.

        2- تاريخ صدور الحكم.

        3- مكان إصداره.

        4- أسماء وألقاب الأطراف وموطن كل منهم وتسمية الأشخاص المعنوية ومقرها الاجتماعي.

        5- أسماء وألقاب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف عند الاقتضاء".

         محمد فوزي سامي، المرجع السابق، ص 316 .  [24]

         إبراهيم رضوان الجغيبر، المرجع السابق، ص 46 .[25]

        [26]  نصت على ذلك المادة 1030 ق إ م إ بقولها: "يتخلى المحكم عن النزاع بمجرد الفصل فيه".

        [27]  تنص المادة 1029 ق إ م إ على " توقع أحكام التحكيم من قبل جميع المحكمين.

        وفي حالة امتناع الأقلية عن التوقيع يشير بقية المحكمين إلى ذلك، ويرتب الحكم أثره باعتباره موقعا من جميع المحكمين.

        [28]  تنص المادة 1027/1 ق إ م إ على " يجب أن تتضمن أحكام التحكيم عرضا موجزا لادعاءات الأطراف وأوجه دفاعهم".

        [29]  تنص الفقرة الثانية من المادة 1027 ق إ م إ على " يجب أن تكون أحكام التحكيم مسببة".

         

        [30]  تنص الفقرة الثانية من المادة 1030 ق إ م إ على "غير أنه يمكن للمحكم تفسير الحكم، أو تصحيح الأخطاء المادية والإغفالات التي تشوبه، طبقا للأحكام الواردة في هذا القانون".

         حفيظة السيد حداد، المرجع السابق، ص315 . [31]

        [32]  عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص 60.

         إبراهيم رضوان الجغيبر، المرجع السابق، ص ص 70-71 . [33]

         محمود مختار بريري، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003 ، ص 203 .[34]

         محمد فوزي سامي، المرجع السابق، ص 343 ، 344 . [35]

        [36] يقصد بحجية الأمر المقضي به "الحكم الصادر الذي يحمل عنوان الحقيقة بخصوص ما فصل فيه، بالنسبة لأطراف الدعوى، وفي حدود الاساس الذي قدمت عليه هذه الدعوى، فلا يجوز اثارة نفس النزاع مؤسسا على نفس الاسباب بين نفس الأطراف الذين صدر الحكم في مواجهتهم"؛ محمود مختار أحمد بريري، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2014، ص 255.

        [37] أنظر: محمد عيساوي، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أكلي محند أولحاج، البويرة، 2019/2020، ص  71.

         محمد فوزي سامي، المرجع السابق، ص ص 348 - 349 . [38]

        [39]  محمد كولا، المرجع السابق، ص 187.

        [40]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 247

        [41]  المرجع نفسه، ص ص 248-249.

        [42]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 251.

        [43]  عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص 49.

        [44]  نصّت المادة 1043/1 ق إ م إ على ما يلي: "يمكن أن تضبط في اتفاقية التحكيم الإجراءات الواجب إتباعها في الخصومة مباشرة أو استنادا على نظام تحكيم، كما يمكن إخضاع هذه الإجراءات إلى قانون الإجراءات الذي يحدده الأطراف في اتفاقية التحكيم".

        [45] وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 1043  لمشار إليها أعلاه بقولها : "إذا لم تنص الاتفاقية على ذلك، تتولى محكمة التحكيم ضبط الإجراءات، عند الحاجة، مباشرة أو استنادا إلى قانون أو نظام التحكيم".

        [46]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 259

        [47]  محمد كولا ، المرجع السابق، ص 200

        [48] خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 260.

         

        [49]  خالد محمد القاضي، المرجع السابق، ص 265.

        [50]  عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص 54.

         عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص ص 54-55[51]


      • المحور السادس: الاعتراف بأحكام التحكيم التجاري الدولي وتنفيذها



        المحور السادس: الاعتراف بأحكام التحكيم التجاري الدولي وتنفيذها

        يعتبر الهدف من اللجوء للتحكيم التجاري الدولي كوسيلة بديلة لفض منازعات التجارة الدولية هو الفصل في النزاع بالفعالية المرجوة والوصول إلى تنفيذ حكم التحكيم من دون أي إشكال، لذلك كانت النصوص المنظمة لشروط واجراءات الاعتراف والتنفيذ في قانون معين تحظى بعناية خاصة في تحديد فعالية نظام التحكيم في قانون دولة التنفيذ، حيث يتوقف عليها تحديد مكانة هذه الوسيلة من الوسائل البديلة للفصل في المنازعات الدولية، وعليه فإنّ الغلو في الشروط المتطلبة للاعتراف بهذه الاحكام وتنفيذها من شأنه أن يهدم كل جدوى من اللجوء الى التحكيم أساسا، ثم أنّ من شأن تعقيد هذه الاجراءات اعادتنا إلى التعقيدات التي أراد الأطراف تلافيها من وراء تجنب اللجوء للقضاء واللجوء إلى هذا الخيار.

        ومهما يكن من أمر فإنّ الفقه يكاد يجمع على أنّ غالبية الأحكام التحكيمية يتم تنفيذها على الفور وبشكل رضائي، لكن أحيانا قد يتعنت الطرف الذي صدر الحكم في غير صالحه فيكون من الضروري تدخل الدول لضمان تنفيذه، وعليه وبغية إدماج حكم التحكيم الدولي في النظام القانوني الجزائري بما يسمح له بترتيب كل اثاره في الاقليم الجزائري يتعين الاعتراف به أولا، ولكي يتسنى تنفيذه يجب أن تضفى عليه الصبغة التنفيذية من طرف المحكمة المختصة، لذلك سنتناول تاليا، الاعتراف بحكم التحكيم الدولي (مطلب أول) ثم تنفيذه في (مطلب ثان).

        في أغلب الأحكام التحكيمية الدولية يكون الاعتراف بحكم التحكيم ملازما للتنفيذ، فطالب التنفيذ يمر حتما بعملية الاعتراف أولا، ثم الأمر بإعطاء الصيغة التنفيذية إلاّ أنّ هذه القاعدة لا تعد مطلقة، حيث يمكن أن تكون أحكاما تحكيمية دولية تحتاج الى الاعتراف دون الأمر بالتنفيذ؛ كالحكم الذي لا يحتوي على الزام ومثاله رفض الدعوى، وهذه الحالة يلجأ الى الاعتراف به ليكسبه حجية الشيء المقضي فيه[2].

        وبخصوص تنظيم المشرع الجزائري للمسألة فقد أورد فرعا خاصا بالاعتراف بالحكم التحكيمي الدولي، وفرعا خاصا بتنفيذ أحكام التحكيم الدولية، وعلى هذا الأساس قد يتبادر الى الأذهان أنّ الإجراءين مختلفين غير أنّ الحقيقة غير ذلك، بدليل خضوعهما لذات الشروط والإجراءات.

        المبحث الأول

        الاعتراف بحكم التحكيم التجاري الدولي

        تتعلق مسألة الاعتراف في الجزائر بأحكام التحكيم الدولية الصادرة في مجال التجارة الدولية سواء كان ذلك في الجزائر أو في الخارج، من خلال عدم تمييزه بين هذه الأحكام، ويرجع أصل إدماج هذا المفهوم في القانون الجزائري إلى اتفاقية نيويورك لسنة 1858 والتي انظمت اليها الجزائر سمة 1988 والمتعلقة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، طبقا لأحكام المادة الأولى منها[3].

        وطلب الاعتراف بالحكم التحكيمي إجراء يلجأ إليه صاحب المصلحة قبل التنفيذ؛ لتفادي مطالبته حول نفس النزاع أمام قضاء الدولة، من خلال دفعه بحجية الشيء المقضي فيه، والتي لا يكتسبها حكم تحكيمي إلاّ بعد الاعتراف به.

        يقصد بالاعتراف صدور حكم التحكيم بشكل صحيح وملزم للأطراف، أما التنفيذ فمعناه أن يطلب الخصم المحكوم له من القضاء إلزام المحكوم عليه بتنفيذ ما جاء بالحكم التحكيمي جبرا عنه، وذلك بموجب الإجراءات التنفيذية[4]، وعليه فإنّ الاعتراف إجراء لإثبات حكم التحكيم أمّا التنفيذ فهو إجراء لإعمال هذا القرار، والحصول على أمر الاعتراف لا يعني بالضرورة حصول التنفيذ، بينما الحصول على التنفيذ فيعني بالضرورة أن الاعتراف قد تم.

         

        المطلب الأول

        شروط الاعتراف بحكم التحكيم الدولي وتنفيذه

        ميز المشرع الجزائري بين عمليتي الاعتراف بحكم التحكيم الدولي وتنفيذه، لكنه في المقابل أخضعهما لنفس الشروط، وذلك ما تجسد في نص المادة 1051 ق إ م إ التي نصّت على "يتم الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي في الجزائر إذا أثبت من تمسك بها وجودها، وكان هذا الاعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي.

        وتعتبر قابلة للتنفيذ في الجزائر وبنفس الشروط، بأمر صادر عن رئيس المحكمة التي صدرت أحكام التحكيم في دائرة اختصاصها أو محكمة محل التنفيذ إذا كان مقر محكمة التحكيم موجودا خارج الإقليم الوطني".

        وبالتالي فإن نص المادة أخضع عملتي الاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه لشرطين شرطا شكليا يتمثل في اثبات وجود الحكم التحكيمي، وشرطا موضوعيا وهو عدم مخالفته للنظام العام الدولي.

        - الشرط الأول: إثبات وجود الحكم التحكيمي: يتم إثبات وجود حكم التحكيم بتقديم أصل هذا الحكم مرفقا باتفاقية التحكيم، أو بتقديم نسخ عنهما مستوفية للشروط المطلوبة لإثبات صحتها، وذلك ما تطرقت له المادة 1052 ق إ م إ بقولها "يثبت حكم التحكيم بتقديم الأصل مرفقا باتفاقية التحكيم أو بنسخ عنهما، تستوفي شروط صحتها"، يتم إيداعها بأمانة ضبط الجهة القضائية المختصة من الطرف المعني بالتعجيل وهي نفس الشروط التي نصّت عليها المادة الرابعة من اتفاقية نيويورك لسنة 1958[5]، وزادت عليها شرط الترجمة[6]، وهو الشرط الذي تضمنته الفقرة الثانية من المادة 08 ق إ م إ[7].

               على أنّه إذا كان إثبات وجود حكم التحكيم شرطا ضروريا فإنّ امكانية الاعتراف أو التنفيذ تبقى مقرونة مع ذلك بوجوب توافر شرط آخر وهو وجوب أن يكون هذا الحكم غير مخالف للنظام العام الدولي.

        الشرط الثاني: عدم مخالفة حكم التحكيم للنظام العام الدولي:

        والمقصود هنا ليس النظام العام الوطني الذي يتم إعماله بخصوص الحالات التي يكون فيه التحكيم داخليا، إنّما المقصود به هنا هو تلك الصورة المخففة للنظام العام الجزائري التي تتماشى ومقتضيات المرونة التي تتسم بها التجارة الدولية سواء تعلق الأمر بالقواعد الموضوعية أو الإجرائية، وفي الآتي بيان لذلك:

        01: حالات مخالفة النظام العام ذات الطابع الإجرائي

        هناك بعض الإجراءات التي تعتبر من صميم النظام العام يتعيّن على المحكّم الالتزام بها حتى يتلاءم حكمه مع مقتضيات النظام العام، وهي تمثّل الحد الأدنى من الضمانات التي ترد على حرية كل من المحكّم والخصوم بغية الوصول إلى حكم يتمتع بالاحترام، تتعلق هاته العيوب بخصومة التحكيم وسيرها، فقد ترتكب اثناءها وتشكّل مادة مرجعية يتأسّس عليها الطعن بالبطلان من المحكوم ضده في حكم التحكيم التجاري الدولي، ومن الحالات على مخالفة القواعد الإجرائية للنظام العام الآتي تفصيله:

        أولا- إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون: أعطى المشرع الجزائري حرية كبيرة للخصوم في اختيار المحكمين الذين سيتولون مهمة الفصل في النزاع، لكنه في المقابل لم يغفل عن إيراد بعض الشروط الواجب توافرها في شخص المحكم مثل التي عددتها المادة 1014 ق إ م إ[8]، لذلك فمن المتصور عدم الاعتراف بحكم صدر من محكم ناقص الأهلية أو غير محايد، أو من تشكيلة تحكيمية مكونة من عدد زوجي، أو من هيئة تحكيمية تم رد أحد أعضائها أو عزله أو تنحيته دون استبداله، أو تم تعيينهم بطريقة مخالفة لما اتفق عليه الفرقاء في اتفاقية التحكيم، أو انفرد أحد الخصوم بتعيين المحكم الفرد، أو انفرد أحد المحكمين المختارين بتعيين الرئيس بمفرده، وكل مخالفة متعلقة بالنظام العام في التقاضي...إلخ.

        ثانيا- عدم تسبيب الحكم أو تناقض الأسباب: يعتبر تسبيب الأحكام والقرارات من النظام العام في الجزائر، ولا أدل على ذلك من تكريسه دستوريا في المادة 169 منه[9]، كما تطرقت له الفقرة 05 م 1056 ق إ م إ[10]، وتعني قاعدة التسبيب ذكر الحجج الواقعية والقانونية التي أدّت إلى صدور الحكم، فيجب على المحكم أن يبيّن الوقائع والأدلة التي استند إليها قراره وأن يحدّد المبدأ القانوني الذي صدر تطبيقا له، هذا ويهدف التسبيب إلى إعطاء خاسر الدعوى توضيحات كافية عن أسباب خسارته من حيث الوقائع ومن حيث القانون، وعدم التسبيب يعد عيبا مؤثرا على أساسه يكون الحكم عرضة لعدم الاعتراف به أو تنفيذه، ونفس المآل إذا وجدت الأسباب لكنها كانت متناقضة.

        ثالثا- عدم مراعاة مبدأ الوجاهية: احترام مبدأ الوجاهية يعد من أهم المبادئ المتصلة باحترام حقوق الدفاع والتي تعد هي الأخرى ذات صلة وثيقة بالنظام العام، وهو من المبادئ العامة التي يقوم عليها نظام التحكيم، حيث يقتضي تهيئة الفرص المتكافئة للخصوم لإبداء دفاعهم وعرض وجهات نظرهم، لذا من شأن الإخلال به عدم الاعتراف به وبالتالي عدم تنفيذه.

        02- مخالفة مضمون حكم التحكيم للنظام العام الدولي

        تتم مخالفة مضمون حكم التحكيم التجاري الدولي للنظام العام الدولي عندما يخالف هذا الحكم في نتيجته المادية الملموسة التي يرتّبها في لحظة قيام القاضي المختص بالفحص والمراقبة الشكلية له مع المبادئ الأساسية السائدة، والعبرة هنا ليست بتعلق حكم التحكيم بمسألة تمس النظام العام وإنّما بتضمنه فعلا ما يصطدم بالنظام العام، كما لو ألزم المحكوم عليه بدين ناتج عن تجارة غير مشروعة، كتجارة الرقيق والأسلحة والمخدرات أو  تجارة تحتكرها الدولة، أو استند حكم التحكيم إلى أسباب عنصرية أساسها التمييز في اللون أو العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس، أو على مسائل تقوم في جوهرها على الرشوة والفساد والاستغلال والتخريب[11].

        المطلب الثاني

        إجراءات الاعتراف بحكم التحكيم الدولي وتنفيذه

                على غرار ما قام به المشرع الجزائري بخصوص شروط الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه فقد وحّد أيضا الإجراءات الواجب اتباعها لاستصدار الأمر بالاعتراف أو التنفيذ، حيث وعملا بمقتضيات نص المادة 1053 ق إ م إ[12] يكون طلب الاعتراف أو التنفيذ عن طريق عريضة مرفقة بأصل الحكم واتفاقية التحكيم أو نسخ عنهما مستوفية لشروط صحتهما، مع الترجمة الرسمية كما سبق بيانه، تقدم من قبل الطرف الذي يهمه التعجيل إلى أمانة ضبط الجهة القضائية المختصة.

                أما بخصوص الجهة القضائية المختصة بالنظر في الطلب[13]، فإنّ نص المادة 1051/1 ق إ م إ[14] نجده قد تضمنت الاختصاصين النوعي والمحلي، فبالنسبة للاختصاص النوعي فإنّ طلبات الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي أو تنفيذها هي من اختصاص رئيس المحكمة، أما الاختصاص المحلي فإنّ الأمر متوقف على مكان صدور الحكم التحكيمي (مقر التحكيم)، فإذا صدر حكم التحكيم في الخارج (عبرت المادة عن ذلك بقولها" إذا كان مقر محكمة التحكيم موجودا خارج الإقليم الوطني') فن الجهة القضائية المختصة هي محكمة محل التنفيذ، أما إذا صدر الحكم داخل الاقليم الجزائر فإن الاختصاص يعود للمحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصها[15].

                هذا وتجدر الاشارة إلى أنّ المشرع الجزائري بخصوص تنفيذ أحكام التحكيم الدولي فقد وحدها مع تنفيذ أحكام التحكيم الداخلي، ذلك ما يفهم من نص المادة 1054 التي أحالت على المواد من 1035 الى 1038 وهي المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الداخلي، وطبقا لهذه المواد فإنّ حكم التحكيم الدولي يكون قابلا للتنفيذ سواء كان نهائيا أو جزئيا أو مجرد حكم تحضيري، ولرئيس المحكمة صلاحية النظر في الطلب، فله صلاحية قبوله كما له صلاحية رفضه، مع الإشارة إلى أنّ هذه الاجراءات غير وجاهية[16].

                كما تجدر الاشارة أيضا إلى أنّ المشرع لم يقيد تقديم الطلب بميعاد معين، وعليه يمكن القول أن هذا الميعاد يخضع للقواعد العامة المتعلقة بسقوط الاحكام القضائية بالتقادم[17].

                وتقضي المادة 1036 ق إ م إ بتسليم رئيس أمناء الضبط نسخة رسمية ممهورة بالصيغة التنفيذية من حكم التحكيم لمن يطلبها من الأطراف[18]، كما يفهم من عبارات المادة 1037 ق إ م إ أنّه لا يوجد ما يمنع من أن يكون حكم التحكيم مشمولا بالنفاذ المعجل[19]، كما تشير المادة 1038 ق إ م إ بأن حكم التحكيم تقتصر حجيته في مواجهة أطراف النزاع دون أن يتعدى ذلك للغير[20]

                ومهما يكن من أمر فإنّ حكم التحكيم يكون قابلا للتنفيذ بموجب أمر صادر عن رئيس المحكمة المختص المحدد بالفقرة 02 من المادة 1051 ق إ م إ بذيل أصل الحكم أو بهامشه ويتضمن الإذن لكاتب الضبط بتسليم نسخة ممهورة بالصيغة التنفيذية لمن يطلبها من الأطراف.

                وأمّا بخصوص سلطات القاضي الآمر بتنفيذ حكم التحكيم الدولي فإنّها لا تتعدى نطاق رقابتها على حكم التحكيم الدولي من الجانب الشكلي دون أي تطرق للموضوع، فلا يجوز له النظر مثلا فيما إذا كان المحكم قد طبق القانون أم لا، أو أنّ الحكم عادل أو لا، لأنّ من شأن ذلك المسّاس بالتحكيم كطريق بديل عن القضاء كما يعد تجاوزا للسلطة، لذلك يمكن القول أنّ النظر في طلب الأمر بالاعتراف أو التنفيذ لا يعد استئنافا أمام القضاء، بل لا يعدو أن يكون مجرد رقابة قضائية شكلية بالمفهوم الضيق، خاصة بالنسبة لحكم التحكيم الدولي[21].


        المبحث الثاني

        الطعن في حكم التحكيم التجاري الدولي

                تعتبر مسألة الطعن في أحكام التحكيم من المسائل التي تبيّن مدى القوة الالزامية التي تتمتع بها هذه الأحكام، وكذا السلطات المتاحة للقضاء الوطني للرقابة عليها، والتي قد تؤثر بشكل كبير ومباشر على فعّالية نظام التحكيم، ولئن كان من الضروري فتح باب الطعن ضد أحكام المحكمين باعتبارها عمل إنساني يعتريه السهو الخطأ، فإنّ التوسع في طرق الطعن واخضاعها لنفس الأحكام التي تخضع لها في الأحكام القضائية من شأنه أن يعدم كل جدوى من اللجوء للتحكيم كطريق بديل للقضاء[22].

                لذلك يبدو من خلال الاطلاع على نصوص قانون الاجراءات المدنية والادارية أنّ المشرع الجزائري قد خفّف وبشكل كبير من الرقابة القضائية التي يخضع لها حكم التحكيم التجاري الدولي فعلى عكس ما نصّت عليه القواعد المنظمة للتحكيم الداخلي، نجده قد استبعد طرق الطعن التقليدية ضد أحكام التحكيم التجاري الدولي، وكرّس طريق طعن خاص ووحيد يتمثل في الطعن بالبطلان ضد أحكام التحكيم الصادرة في الجزائر، في حين لا يقبل الحكم الصادر بالخارج لأي طريق من طرق الطعن، بل سمح فقط برفض الاعتراف بالحكم أو رفض تنفيذه اذا توافرت حالة من الحالات التي تضمنتها المادة 1056 ق إ م إ، وجعل الأمر الصادر في مسألة الاعتراف بحكم التحكيم الدولي وتنفيذه قابلا للاستئناف.

                لذلك فإن طرق الطعن المتاحة في مواجهة حكم التحكيم الدولي هي الطعن بالبطلان (الطعن المباشر)، والطعن بالاستئناف ضد الأمر الصادر بشأن طلب الاعتراف والتنفيذ (الطعن غير المباشر).

        المطلب الأول

        الطعن بالاستئناف (الطعن غير المباشر)

                يقصد بالطعن غير المباشر ذلك الطعن الذي لا يهاجم حكم التحكيم في حد ذاته، وإنّما يهاجم الأمر القضائي الذي صدر بشأنه، فيمنع بذلك حكم التحكيم من ترتيب آثاره القانونية، يتمثل الطعن غير المباشر في الاستئناف الذي يكون موجها ضد الأمر القضائي الصادر بشأن منح أو رفض الاعتراف والتنفيذ، ولا يكون في مواجهة حكم التحكيم الذي صدر خارج الجزائر بشكل مباشر[23].

                إنّ المحكمة المختصة بالفصل في طلب التنفيذ قد تأمر بالاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الدولي أو ترفضه، والمشرع الجزائري فرق بين الأمرين في مسألة الطعن بالاستئناف:

        أولا- الاستئناف في الأمر الرافض للاعتراف أو لتنفيذ حكم التحكيم الدولي

        نصت المادة 1055 ق إ م إ على " يكون الأمر القاضي برفض الاعتراف أو برفض التنفيذ قابلا للاستئناف"، وعليه يمكن استئناف الأمر القضائي الرافض للاعتراف أو تنفيذ الحكم الدولي سواء كان صادرا في الجزائر أو خارجها، ويكون ذلك أمام المجلس القضائي التي تقع  في دائرة اختصاصه المحكمة المصدرة للأمر، وذلك خلال أجل شهر واحد من تاريخ التبليغ الرسمي لأمر رئيس المحكمة، وهو ما نصت عليه المادة 1057 ق إ م إ، يكون هذا الاستئناف مطلقا دون حصره في حالات معينة باعتباره استئناف عام مثله مثل الاستئناف في القواعد العامة، وكذا لأنّ المشرع الجزائري أخذ بمبدأ الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الدولي كأصل عام ومآل طبيعي ، وما عدا ذلك من أوامر يعتبر استثناء يقبل الاستئناف مطلقا[24].

        ويقتصر دور المجلس القضائي على التأكد من الوجود المادي لحكم التحكيم الدولي واتفاقية التحكيم من جهة، ومراقبة عدم مخالفة الحكم للنظام العام الدولي من جهة أخرى، وذلك لكون أن الاعتراف والتنفيذ هو الأصل بينما يكمن الاستثناء في الرفض[25].

        ثانيا- الاستئناف في الأمر الصادر بالموافقة على الاعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم الدولي

        على عكس الاستئناف الموجه ضد الأمر القاضي بمنح الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الدولي، يعتبر الاستئناف الموجه ضد الأمر القاضي بالاعتراف أو بالتنفيذ استئنافا خاصا، كونه لا يجوز إلاّ في حالات حدّدتها المادة 1056 ق إ م إ على سبيل الحصر[26]، ولعل الحكمة في ذلك تكمن في منع كل محاولة من شأنها عرقلة التحكيم، كما أنه يخص فقط الحالة التي يكون فيها حكم التحكيم التجاري الدولي صادرا خارج الجزائر فقط، بينما الامر القاضي بتنفيذ الحكم الدولي الصادر في الجزائر لا يقبل الاستئناف عملا بما جاء في نص المادة 1058/2 ق إ م إ[27]، غير أن الطعن ببطلان حكم التحكيم في هذه الحالة يستتبع بالضرورة الطعن في ذلك الأمر أو حتى تخلي المحكمة عن نظر طلب التنفيذ اذا لم يتم الفصل فيه بعد، ولعل الغاية من ذلك تكمن في الاكتفاء بطريق طعن واحد وتفادي ازدواجية الطعن، من خلال عدم الجمع بين استئناف الأمر بالتنفيذ والطعن بالبطلان[28].

        ثالثا: أوجه الطعن في حكم التحكيم الدولي:

        01- الحالات المتعلقة بالاستئناف الخاص: تضمنت المادة 1056 ق إ م إ تعداد الحالات التي يمكن من خلالها استئناف الأمر القاضي بالاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الدولي الصادر خارج الجزائري، وهي نفسها حالات واوجه الطعن بالبطلان في حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر تتمثل هذه الحالات في الآتي بيانه:

        01- حالات المتعلقة باتفاقية التحكيم واجراءات الخصومة: يمكننا تقسيم هذه الحالة النقاط التالية

        أ‌-                التحكيم بدون اتفاقية تحكيم: يعد اتفاق التحكيم من بين الأسباب التي قد يرتكن إليها الأطراف من أجل طلب بطلان حكم التحكيم الدولي، فإذا ادعى أحد الأطراف عدم وجود هذا الاتفاق، ولم يستطع الطرف الآخر اثبات وجوده توجب على القاضي إبطال الحكم، وقد يكون الحال أنّ الطرفان قد عينا في الاتفاق خبيرا أو سيطا وليس محكما، ويمكن أن يثار هذا الدفع أيضا في حالة وجود اتفاق تحكيم في عقد ضمن مجموعة عقود متتالية ونشأ خلاف حول استقلالية هذه العقود من عدمها[29]، كما يمكن أن تتعلق هذه الحالة بالمنازعة في تطابق إرادة الأطراف أصلا باللجوء إلى التحكيم، ويمكن أن تتحقق بغياب أحد أركان الاتفاق، أو اذا لم يتوافر شرط الكتابة، ففقي هذه الحالات لا وجود لاتفاق التحكيم أصلا وبالتالي لا يمكن تصور صدور حكم التحكيم على أساس ذلك[30].

        أمّا حالة بطلان اتفاق التحكيم فمن بين الحالات والأسباب التي تؤدي إلى بطلان حكم التحكيم وعدم قابليته للاعتراف والتنفيذ عدم توافر أركان الاتفاق من رضا ومحل وسبب وكتابة وكذا إذا شاب إرادة الاطراف عيب من عيوب التراضي من غلط واكراه وتدليس استغلال، بالإضافة الى عدم توافر الأهلية اللازمة لدى أطراف النزاع، والأهلية المتطلبة هي أهلية التصرف لأنّ التحكيم ينطوي على التزامات متبادلة على أطرافه، بالإضافة الى اشكالية القابلية الشخصية للتحكيم فنجد مثلا أن المادة 1006 ق إ م إ تمنع الأشخاص المعنوية العامة أن تطلب التحكيم ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية لذلك يجب مراعاة ذلك تحت طائلة بطلان اتفاقية التحكيم[31].

        ومن الأسباب أيضا اعتبار موضوع النزاع غير قابل للتحكيم بسبب أنه من المسائل التي لا يجوز فيها الصلح كونه من المواضيع التي تتعلق بالحالة الشخصية أو بسبب مخالفتـــه  للنظام العام فإنه يترتب على عدم القابلية للتحكيم بطلان اتفاق التحكيم المبرم بشأن هذا الموضوع .

               وأمّا بخصوص حالة انقضاء مدة التحكيم فتثار في الحالة التي تصدر فيها محكمة التحكيم حكمها خارج المدة التي حددها الأطراف، أو خارج المدة التي حددها القانون الواجب التطبيق في حالة عدم وجود مدة اتفاقية، فيجوز للطرف صاحب المصلحة الطعن ببطلان هذا الحكم على أساس أنه صدر بناء على اتفاق انقضت مدته[32].

        هذا ويعتبر المشرع الجزائري في المادة 1018 ق إ م إ اتفاق التحكيم صحيحا ولو لم يحدد أجلا لإنهائه غير أنّه يلزم المحكمون بإتمام مهمتهم في ظرف 04 أشهر من تاريخ تعيينهم أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم، ويمكن تمديد الأجل بموافقة الأطراف وإلاّ تم تمديده وفقا لنظام التحكيم وفي غياب ذلك يتم من قبل رئيس المحكمة المختصة[33].

        ب- اذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون: يجب أن تتوافر في المحكم الشروط التي اتفق عليها أطراف النزاع بالإضافة الى الشروط القانونية، كما وجب قبول المحكمون للمهمة المسندة اليهم، وأن تتشكل محكمة التحكيم من محكم واحد، أو مجموعة بعدد وتري[34].

               ومن المخالفات الحاصلة في هذا المقام والتي تؤدي الى امكانية ابطال حكم التحكيم أو عدم قابليته للاعتراف والتنفيذ ما يلي:

        - كون المحكم المعين هو شخص معنوي لا شخص طبيعي خلافا لـنص المادة 1014 ق إ م إ، فإذا صدر القرار التحكيمي عن شخص معنوي وقع باطلا، ولتفادي الإبطال تضمنت المادة 1014/2 من نفس القانون إشارة إلى تعيين اتفاقية التحكيم شخصا معنويا تولى هذا الأخير تعيين عضو أو أكثر من أعضائه بصفة محكم، ويشترط أن يصدر القرار عن المحكم بصفته هذه وليس كمفوض عن الشخص المعنوي وإلا اعتبر كأنه صادر من هذا الشخص المعنوي بالذات وتعرض للإبطال.

         - قيام سبب الرد في شخص المحكم عند تعيينه دون اطلاع الطرفين المتنازعين عليه وقبوله بالمهمة رغم ذلك، فالقرار الذي يصدر عن المحكم في هذه الحال يعد صادرا عن محكم معين خلافا للقانون ويكون بالتالي عرضة للإبطال.   

         - تعيين المحكم أو المحكمين من قبل شخص ثالث مكلف بتنظيم التحكيم، و ذلك بإقدام هذا الشخص الثالث على تعيين المحكم دون أن يقبل به جميع الأطراف و قيام المحكم بدوره رغم ذلك بإصدار قرار يحسم النزاع[35].

             فيكون تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون إذا جاء مخالفا لما ينص عليه اتفاق التحكيم لأن العقد قانون المتعاقدين، أو جاء مخالفا لقواعد التحكيم المتفق عليها بين الطرفين، كما يكون التشكيل مخالفا للقانون أيضا إذا تم تعيين أحد المحكمين أو المحكم الفرد بالمخالفة لأحكام المادة 1041 ق إ م إ التي توجب رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم إذا كان التحكيم الدولي يجري في الجزائر، أو إلى رئيس محكمة الجزائر إذا كان التحكيم يجري خارج الجزائر، و وإذا لم تحدد الجهة القضائية المختصة في اتفاقية التحكيم يؤول الاختصاص إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان التنفيذ وفقــــــا للمادة 1042 من ق  م إ[36].

        جــ - فصل هيئة التحكيم بما يخالف المهمة المسندة اليها: تتحدد مهمة المحكم أو محكمة التحكيم بوثيقة المهمة التي يستلمونها مع بداية مهمتهم، ويلتزمون باحترامها تحت طائلة تعرض حكمهم للبطلان أو عدم الاعتراف به وعدم تنفيذه، بالتالي يجوز الطعن بالبطلان على حكم التحكيم إذا فصل في مسائل لم يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق لمخالفة المهمة التي عهد بها الأطراف إليه.

        د- عدم احترام مبدأ الوجاهية: هي حالة عامة تتعلق بجميع الأحكام القضائية ويقصد بها وجوب تبليغ الطرف الآخر بكل مستند أو مسعى أو وسيلة اثبات يقدمها الطرف الى المحكمة وهي ايضا تأمين حق الدفاع وقاعدة المساواة بين الاطراف من اجل تحقيق ما يسمى المخاصمة أو المحاكمة العادلة، ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ الاساسية للمحاكمة العادلة ومن شأن عدم احترامه تعريض الأمر القاضي بالاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي الى الاستئناف وبالتالي امكانية عدم الاعتراف به وبطلانه[37].

         02- الحالات المتعلقة بالحكم ذاته: تندرج ضمن هذه الحالة الاسباب التالية:

        أ- انعدام التسبيب أو التناقض في الأسباب: اعتبر المشرع الجزائري في الفقرة الخامسة من المادة 1056 ق إ م إ أنّ عدم تسبيب الحكم أو كان هناك تناقض في الأسباب يعتبر من الحالات التي تبيح استئناف الأمر القاضي بالاعتراف والتنفيذ، ولعل الحكمة من ذلك تكمن في حمل المحكمين على إيجاد حل عقلاني معلل واجتناب التسرع في الفصل في النزاع أو الارتكاز على تعليل متناقض أو غير مقنع[38].

        ب- مخالفة الحكم للنظام العام الدولي: سبق شرح هذه الحالة.

        المطلب الثاني

        الطعن بالبطلان (الطعن المباشر)

        يقصد بالطعن المباشر لأحكام التحكيم ذلك الطعن الذي يهاجم حكم التحكيم في حد ذاته وهو الطعن بالبطلان، ويعد هذا الأخير طعنا خاصا تنفرد به أحكام التحكيم دون أحكام القضاء، تضمنه الفقرة الأولى من نص المادة 1058 ق إ م إ بقولها "يمكن أن يكون حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر موضوع طعن بالبطلان في الحالات المنصوص عليها في المادة 1056 أعلاه"، ومن خلال هذا النص يتبين أنّ الطعن بالبطلان يقتصر فقط على أحكام التحكيم الصادرة في الجزائر في مجال التحكيم التجاري الدولي، دون تلك الصادرة خارج الجزائر والتي لا يمكن الطعن فيها مباشرة عن طريق البطلان، وإنّما يمكن الطعن فيها بصورة غير مباشرة بطريق الاستئناف في الأمر الصادر بخصوص الاعتراف والتنفيذ على النحو السالف بيانه.

         في حين نصّت الفقرة الثانية من نفس المادة على "لا يقبل الأمر الذي يقضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي المشار إليه أعلاه أي طعن، غير أنّ الطعن ببطلان حكم التحكيم يرتّب بقوة القانون الطعن في أمر التنفيذ أو تخلي المحكمة عن الفصل في طلب التنفيذ، إذا لم يتم الفصل فيه"، وهذا يعني أنّ الطعن بالبطلان يؤدي إلى الطعن ضد الأمر الصادر من قاضي التنفيذ، على اعتبار أنّ الطعن في الأصل يترتب عليه بالضرورة الطعن فيما بني عليه، وفي حالة ما إذا لم يتم الفصل في طلب التنفيذ يتخلى القاضي عن الفصل فيه.

        الفرع الأول

        خصائص الطعن ببطلان حكم التحكيم الدولي:

        يتميز الطعن بالبطلان بأنّه طعن مباشر باعتباره يرمي الى ابطال حكم التحكيم نفسه، كما تتميز هذه الدعوى بأنها تتماشى مع خصوصية التحكيم وتضمن عدم اللجوء الى مراجعة الحل الذي توصلت اليه محكمة التحكيم، وبكونها ذات طبيعة مختلطة، حيث تجمع بين خصائص النقض والاستئناف، ويتجلى اقترابها من الطعن بالنقض من خلال حصر الحلات التي تسمح برفعها فيها (حددتها المادة 1056)، كما أنّها لا تؤدي الى التصدي لموضوع النزاع من جديد، حيث يقتصر دور الجهة القضائية المختصة بالتأكد فقط من توفر الحالات المثارة والحكم ببطلان الحكم، بينما يظهر اقترابها من الاستئناف في كونها ترفع أمام محكمة الدرجة الثانية[39].

        ترفع دعوى الطعن بالبطلان في حكم التحكيم المنصوص عليه في المادة 1058 ق إ م إ أمام المجلس القضائي الذي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصه (لأنّ الطعن بالبطلان يخص فقط أحكام التحكيم الدولي الصادرة في الجزائر فقط)، ويقبل هذا الطعن من تاريخ النطق بالحكم دون الحاجة إلى انتظار التبليغ، ويمتد الأمر إلى غاية شهر واحد من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر القاضي بالتنفيذ، ومعنى ذلك أنّ آجال الطعن تبقى مفتوحة طيلة الفترة السابقة للتبليغ الرسمي للأمر، ويضاف إليها شهر واحد ابتداء من تاريخ التبليغ الرسمي[40].

        الفرع الثاني

        آثار رفع دعوي البطلان

        تنص المادة 1060 ق إ م إ على " يوقف تقديم الطّعون وأجل ممارستها، المنصوص عليها في المواد  1055 و1056 و1058، تنفيذ أحكام التحكيم"، وعليه يترتب على رفع دعوى بطلان حكم التحكيم الدولي وقف تنفيذ حكم التحكيم المطعون فيه إلى حين فصل المجلس القضائي في دعوى البطلان بتأييدها أو رفضها، كما أنّ آجال ممارسة هذه الطعون موقفة هي الأخرى للتنفيذ، أي أنّ الطرف الذي يريد التنفيذ عليه انتظار نهاية المدة المخصّصة للطعن، وفي حالة رفع الطعن فإنّه عليه الانتظار حتى الفصل فيه، ورفع الطعن بالبطلان يرتّب بقوة القانون الطعن في أمر التنفيذ أو تخلي المحكمة الفصل في طلب التنفيذ إذا لم يتم الفصل فيه[41].

        واذا ما تم قبول الطعن بالبطلان فإنّه يؤدي إلى آثار مزدوجة، من جهة فإنّ بطلان حكم التحكيم يؤدي الى اختفائه من الوجود القانوني، ويفقد قوة الشيء المقضي فيه، بل ويفقد كل قيمة قانونية، ومن جهة أخرى يبقى اتفاق التحكيم ما دام يمكن تطبيقه على النزاعات المستقبلية.

         

        المطلب الثالث

        الطعـــــــن بالنقض

        تنص المادة 1060 من قانون الاجراءات المدنية والادارية على " تكون القرارات الصادرة تطبيقا للمواد 1055 و1056 و1058 أعلاه، قابلة للطعن بالنقض"، وعليه يمكن الطعن بالنقض في القرارات الصادرة بخصوص الطعن بالاستئناف والطعن بالبطلان، واكتفى المشرع الجزائري بهذه المادة الوحيدة لتنظيم المسألة، ولم يحدد مواعيد أو أسباب خاصة به، ويبدو أنّ الأمر منطقي على اعتبار أنّ محل الطعن هنا هو قرارات قضائية صادرة المجالس القضائية الوطنية، وليس حكما تحكيميا.

        لذلك لا مناص من الرجوع الى القواعد العامة في تنظيم مسألة الطعن بالنقض، حيث يكون أمام المحكمة العليا اذا توافر وجه من أوجه الطعن التي حددتها المادة 358 من قانون الاجراءات المدنية والادارية بقولها "لا يبنى الطعن بالنقض إلا على وجه واحد أو أكثر من الأوجه الآتية:

        1 - مخالفة قاعدة جوهرية في الإجراءات،

        2 - إغفال الأشكال الجوهرية للإجراءات،

        3 - عدم الاختصاص،

        4 - تجاوز السلطة،

        5 - مخالفة القانون الداخلي،

        6 - مخالفة القانون الأجنبي المتعلق بقانون الأسرة،

        7 - مخالفة الاتفاقيات الدولية،

        8 - انعدام الأساس القانوني،

        9 - انعدام التسبيب،

        10 - قصور التسبيب،

        11 - تناقض التسبيب مع المنطوق،

        12 - تحريف المضمون الواضح والدقيق لوثيقة معتمدة في الحكم أو القرار،

        13 - تناقض أحكام أو قرارات صادرة في آخر درجة، عندما تكون حجية الشيء المقضي فيه قد أثيرت بدون جدوى، وفي هذه الحالة يوجه الطعن بالنقض ضد آخر حكم أو قرار من حيث التاريخ، وإذا تأكد هذا التناقض، يفصل بتأكيد الحكم أو القرار الأول،

        14 - تناقض أحكام غير قابلة للطعن العادي. في هذه الحالة يكون الطعن بالنقض مقبولا، ولو كان أحد الأحكام موضوع طعن بالنقض سابق انتهى بالرفض. وفي هذه الحالة يرفع الطعن بالنقض حتى بعد فوات الأجل المنصوص عليه في المادة  354  أعلاه، ويجب توجيهه ضد الحكمين، وإذا تأكد التناقض، تقضي المحكمة العليا بإلغاء أحد الحكمين أو الحكمين معا،

        15 -  وجود مقتضيات متناقضة ضمن منطوق الحكم أو القرار،

        16 - الحكم بما لم يطلب أو بأكثر مما طلب،

        17 - السهو عن الفصل في أحد الطلبات الأصلية،

        18 - إذا لم يدافع عن ناقصي الأهلية".


        قائمة المراجع

        01- الكتب:

         

        - أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والتحكيم الاجباري، الطبعة الخامسة، منشأة المعارف، مصر، 1988.

        - أحمد الورفلي، التحكيم الدولي في القانون التونسي، مجمع الأطرش للنشر وتوزيع الكتاب المختص، تونس، 2006.

        - أحمد عبد الكريم سلامة، التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2006.

        أحمد ابراهيم عبد التواب، اتفاق التحكيم (مفهومه، أركانه وشروطه، نطاقه)، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون سنة نشر.

        - أمجد هندي، نفيذ أحكام المحكمين، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2003.

        - بسام شيخ العشرة، التحكيم التجاري، منشورات الجامعة الافتراضية السورية، سورية، 2018.

        - بشير الصليبي، الحلول البديلة للنزاعات المدنية، السلطة القضائية، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الاردن.

        - حفيظة السيد حداد، الوجيز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان،2007. 

        - خالد محمد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى، دار الشروق، القاهرة، 2002.

        - سيد أحمد محمود، مفهم التحكيم وفقا لقانون المرافعات، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.

        - صلاح الدين جمال الدين، القانون الدولي الخاص، الجنسية وتنازع القوانين، الطبعة الاولى، دار الفكر الجامعي، مصر، 2008.

        - علي سالم ابراهيم، ولاية القضاء على التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997.

        - عليوش قربوع كمال، التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، الطبعة الثالثة، ديان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 2005.

        - عمر سعد الله، قانون التجارة الدولية (النظرية المعاصرة)، الطبعة الأولى، دار هومة، الجزائر، 2007.

        - عيد محمد القصّاص، حكم التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003.

        - كمال ابراهيم، التحكيم التجاري الدلي، دار الفكر العربي، القاهرة 1991.

        - لزهر بن سعيد، التحكيم التجاري الدولي، دار هومة، الجزائر، 2012.

        - محسن شفيق، التحكيم التجاري الدولي (دراسة في قانون التجارة الدولية)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998.

        - محمد ابراهيم خيري الوكيل، علاء الدين محي الدين مصطفى، اتفاق التحكيم في العقود الادارية الدولية في النظام السعودي والانظمة القانونية المقارنة، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض، المملكة العربية السعودية، 2014.

        - محمد داود الزعبي، دعوى بطلان حكم التحكيم في المنازعات التجارية الدولية، دار الثقافة، الأردن، 2011.

        - محمد مختار بربري، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999.

        - محمود مختار بريري ، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003.

        - نبيل اسماعيل عمر، التحكيم في المسائل المدنية والتجارية الوطنية والدولية، الطبعة الثانية، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية مصر، 2005.

        02- المقالات:

        - قبايلي محمد، طرق الطعن في الحكم التحكيمي التجاري، مجلة الدراسات والبحوث القانونية، المجلد 02، العدد 03، جامعة محمد بوضياف المسيلة، جانفي 2017.

        - أكثم أمين الخولي، تنفيذ أحكام التحكيم الدولية طبقا للقانون الجزائري الجديد، مجلة التحكيم، عدد 5، 2010  ص 109.

        -  نور الدين بكلي، الطرق البديلة لحل المنازعات، الصلح والوساطة والتحكيم، مجلة المحكمة العليا، الجزء الأول، قيم الوثائق، الجزائر، 2009

        - فتحي كمال دريس، الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي التجاري الدولي في الجزائر تطبيقا لقواعد اتفاقية نيويورك وقانون الاجراءات المدنية والادارية 08-09، مجلة البحوث والدراسات، المجلد 17، العدد 02، جامعة الوادي، الجزائر 2020

        - شعران فاطمة، اتفاق التحكيم التجاري الدولي في التشريع الجزائري "دراسة مقارنة"، المجلة الجزائرية للحقوق العلوم السياسية، العدد الثاني، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة تيسمسيلت، ديسمبر 2016

        محمد وليد العبادي، أهمية التحكيم وجواز اللجوء اليه في منازعات العقود الادارية، دراسة مقارنة، دراسات علوم الشريعة القانون، العدد الثاني، المجلد 34، الجامعة الأردنية، عمان، الاردن، 2007.

        - محمد أبو العينين، المبادئ القانونية التي يقوم عليها التحكيم في الدول العربية والافريقية التي تبنت قانون اليونسترال النموذجي، مجلة التحكيم العربي، العدد الأول، 1999.

         

        03- الرسائل المذكرات:

        - حسين فريدة، التنفيذ الجبري لأحكام التحكيم الدولي في المجال الاستثماري بالجزائر، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، تخصص قانون التنمية الوطنية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري تيزي وزو، 2000.

        - ابـن النصيب عبد الرحمـان، الـدعوى التحكيميـة، رسـالة ماجسـتير، جامعـة الحـاج لخضـر، باتنة، الجزائر، 2005.

        - ممدوح عبد العزيز العنزي ، بطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2006

        حفيظة السيد الحداد، الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2007

        فوزي محمد سامي، رد المحكم، مجلة التحكيم، ملحق العدد الثامن، اكتوبر 2010

        محمد كولا، تطور التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، الطبعة الاولى، منشورات بغدادي، الجزائر، 2008.

         

        04-المحاضرات:

        - محمد عيساوي، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أكلي محند أولحاج، البويرة، 2019/2020.

        - محمودي سميرة، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد البشير الابراهيمي، 2019/2020

        - تعويلت كريم، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية، 2019/2020.

        - زروق نوال، محاضرات في مقياس التحكيم التجاري الدولي، ملقاة على طلبة السنة الثانية ماستر قانون الأعمال، قسم الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة سطيف 2، 2017/2018

         

        05- المراجع باللغة الأجنبية:

         

        - Philippe Fouchard : « L’arbitrage commercial international » II. Librairie Dalloz. Paris. 1965.

        - CH- Jarrosson ,La notion d’arbitrage ,LGDJ, Paris,1987.

         - Xavier Linant de bellefonds, Alain Hollande, L’arbitrage, édition puf : Que sais-je, pris, 2003.

        -Ph. Fouchard. Arbitrage Commercial international, Librairie Dalloz, Paris, 1965.

        - FOUCHARD (PH), GAAILLARD (E), GOLDMAN (B), Traire de l’arbitrage international , Editions LITEC-DELTA, Paris 1996.



        [1] Philippe Fouchard : « L’arbitrage commercial international » II. Librairie Dalloz. Paris. 1965. P 01.

         

        [2]  أحمد الورفلي، التحكيم الدولي في القانون التونسي، مجمع الأطرش للنشر وتوزيع الكتاب المختص، تونس، 2006، ص 724.

        [3]  تنص المادة الاولى من اتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، على "تطبيق الاتفاقية الحالية للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في اقليم دولة غير التي يطلب اليها الاعتراف وتنفيذ هذه الاحكام على اقليمها...".

        [4]  أمجد هندي، نفيذ أحكام المحكمين، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2003 ، ص ص 23-24.

        [5]  نصت المادة 04/1 من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 على ""1- للحصول على الاعتراف والتنفيذ المذكورين في المادة السابقة، يقوم الطرف الذي يطلب الاعتراف والتنفيذ وقت تقديم الطلب، بتقديم ما يلي:

        أ‌-       القرار الأصلي مصدقا عليه حسب الأصول المتبعة أو نسخة منه معتمدة حسب الأصل؛

        ب‌-      الاتفاق الأصلي المشار اليه في المادة الثانية أو صورة منه معتمدة حسب الأصول".

        [6]  نصّت الفقرة الثانية من المادة 04 من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 على: "2- متى كان الحكم المذكور أو الاتفاق المذكور بلغة خلاف اللغة الرسمية للبلد الذي يحتج فيه بالقرار وجب أن تكون الترجمة معتمدة من موظف رسمي أو مترجم محلف أو ممثل دبلوماسي أو قنصلي".

        [7]  تنص المادة 08/2 ق إ م إ على "يجب أن تقدم الوثائق والمستندات باللغة العربية أو مصحوبة بترجمة رسمية الى هذه اللغة، تحت طائلة عدم القبول".

        [8] تنص المادة 1014 ق إ م إ على "لا تسند مهمة التحكيم لشخص طبيعي، إلاّ إذا كان متمتعا بحقوقه المدنية.

        إذا عينت اتفاقية التحكيم شخصا معنويا، تولى هذا الأخير تعيين عضو أو أكثر من أعضائه بصفة محكم".

        [9] تنص المادة 169/1 من الدستور الجزائري علي "تعلل الأحكام والأوامر القضائية".

        [10] تنص الفقرة 05 من المادة 1056 ق إ م إ ج على "إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب".

        [11] أنظر: مصون منير شقير، المرجع السابق، ص 3871.

        [12]  تنص المادة 1053 ق إ م على " تودع الوثائق المذكورة في المادة 1052 أعلاه، بأمانة ضبط الجهة القضائية المختصة من الطرف المعني بالتعجيل".

        [13]  لم تنص المادة 1051 من قانون الاجراءات المدنية والادارية على الجهة القضائية المختصة بطلبات الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي، وانما تطرقت في فقرتها الألى الى شروط الاعتراف فقط، ولذا فإن كان طلب الاعتراف فرعي من خلال ارتباطه بالتنفيذ فان الاختصاص يعود للمحكمة التي صدر الحكم في دائرة اختصاصها اذا كان الحكم صادر في الجزائر بالطبع، وأمّا اذا كان طلب الاعتراف أصلي فإن الاختصاص يؤول الى محكمة  محل التنفيذ بخصوص الاحكام الصادر خارج الاقليم الجزائري.

        [14] تنص الفقرة الثانية من المادة 1051 ق إ م  على " وتعتبر قابلة للتنفيذ في الجزائر وبنفس الشروط، بأمر صادر عن رئيس المحكمة التي صدرت أحكام التحكيم في دائرة اختصاصها أو محكمة محل التنفيذ إذا كان مقر محكمة التحكيم موجودا خارج الإقليم الوطني".

        [15]  ساوى المشرع الجزائري بين أحكام التحكيم التجاري الدولي وأحكام التحكيم الداخلي من حيث اجراءات التنفيذ، فالمادة 1054 ق إ م إ تحيل في مسألة تنفيذ أحكام التحكيم الدولي الى الماد 1035 الى 1038 والتي تندرج ضمن الفصل الخامس المتعلق بتنفيذ أحكام التحكم الداخلي، وهذا ما يشكّل ضما ة هامة للمستثمرين الاجانب بعدم تفضيل الأحكام التحكيمية الداخلية عن الدولية من حيث التنفيذ؛ أنظر: زروق نوال، المرجع السابق، ص ص 91-92.

        [16]  أنظر في هذا الشأن: عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص 64.

        [17]  تنص المادة 630/1 ق إ م  على "تتقادم الحقوق التي تتضمنها السندات التنفيذية بمـضي خمس عشرة (15)  سنة كاملة ابتداء من تاريخ قابليتها للتنفيذ.

        [18]  تنص المادة 1036 ق إ م إ على  "يسلم رئيس أمناء الضبط نسخة رسمية ممهورة بالصيغة التنفيذية من حكم التحكيم لمن يطلبها من الأطراف".

        [19]   تنص المادة 1037 ق إ م إ على  "تطبق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل للأحكام على أحكام التحكيم المشمولة بالنفاذ المعجل".

        [20]   تنص المادة 1038 ق إ م إ على  "لا يحتج بأحكام التحكيم تجاه الغير".

        [21]  فتحي كمال دريس، الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي التجاري الدولي في الجزائر تطبيقا لقواعد اتفاقية نيويورك وقانون الاجراءات المدنية والادارية 08-09، مجلة البحوث والدراسات، المجلد 17، العدد 02، جامعة الوادي، الجزائر 2020، ص 133.

        [22]  تعويلت كريم، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية، 2019/2020، ص 78.

        [23]  زروق نوال، المرجع السابق ص 93.

        [24]  تنص المادة 1057 ق إ م  على "يرفع الاستئناف أمام المجلس القضائي خلال أجل شهر واحد من تاريخ التبليغ الرسمي لأمر رئيس المحكمة."

        [25]  فتحي كمال دريس، المرجع السابق ص 134.

        [26]  نصت المادة 1056 ق إ م إ على "لا يجوز استئناف الأمر القاضي بالاعتراف أو بالتنفيذ إلا في الحالات الآتية:

        1 - إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الاتفاقية،

        2 - إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون،

        3 - إذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف المهمة المسندة إليها،

        4 - إذا لم يراع مبدأ الوجاهية،

        5 - إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب،

        6 - إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الدولي".

        [27] تنص الفقرة الثانية من المادة 1058 ق إ م إ على "لا يقبل الأمر الذي يقضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي المشار إليه أعلاه أي طعن، غير أن الطعن ببطلان حكم التحكيم يرتب بقوة القانون الطعن في أمر التنفيذ أو تخلي المحكمة  عن الفصل في طلب التنفيذ، إذا لم يتم الفصل فيه".

        [28] تعويلت كريم، المرجع السابق، ص 80.

        [29]  قبايلي محمد، المرجع السابق، ص 187.

        [30]  تعويلت كريم، المرجع السابق، ص 83.

        [31] أكثم أمين الخولي، تنفيذ أحكام التحكيم الدولية طبقا للقانون الجزائري الجديد، مجلة التحكيم، عدد 5، 2010  ص 109.

        [32] حفيظة السيد الحداد، الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2007، ص 419.

        [33] أنظر المادة 1018 من قانون الاجراءات المدنية والادارية.

         [34]  قبايلي محمد، المرجع السابق، ص ص 188-189.

        [35] ممدوح عبد العزيز العنزي ، بطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2006، ص ص 133-134 .

        [36] أكثم أمين الخولي ، المرجع السابق ، ص 109 .

        [37]  أنظر: محمودي سميرة، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد البشير الابراهيمي، 2019/2020، ص 97.

        [38]  أنظر: تعويلت كريم، المرجع السابق، ص 87.

         

        [39]  تعويلت كريم، المرجع السابق، ص 81.

        [40]  تنص المادة 1059 ق إ م إ على " يرفع الطعن بالبطلان في حكم التحكيم المنصوص عليه في المادة 1058 أعلاه، أمام المجلس القضائي الذي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصه. ويقبل الطعن ابتداء من تاريخ النطق بحكم التحكيم.

        لا يقبل هذا الطعن بعد أجل شهر واحد (1) من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر القاضي بالتنفيذ".

        [41] قبايلي محمد، طرق الطعن في الحكم التحكيمي التجاري، مجلة الدراسات والبحوث القانونية، المجلد 02، العدد 03، جامعة محمد بوضياف المسيلة، جانفي 2017، ص 186.


      • قائمة المراجع

        قائمة المراجع

        01- الكتب:

         

        - أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والتحكيم الاجباري، الطبعة الخامسة، منشأة المعارف، مصر، 1988.

        - أحمد الورفلي، التحكيم الدولي في القانون التونسي، مجمع الأطرش للنشر وتوزيع الكتاب المختص، تونس، 2006.

        - أحمد عبد الكريم سلامة، التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2006.

        أحمد ابراهيم عبد التواب، اتفاق التحكيم (مفهومه، أركانه وشروطه، نطاقه)، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون سنة نشر.

        - أمجد هندي، نفيذ أحكام المحكمين، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2003.

        - بسام شيخ العشرة، التحكيم التجاري، منشورات الجامعة الافتراضية السورية، سورية، 2018.

        - بشير الصليبي، الحلول البديلة للنزاعات المدنية، السلطة القضائية، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الاردن.

        - حفيظة السيد حداد، الوجيز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان،2007. 

        - خالد محمد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى، دار الشروق، القاهرة، 2002.

        - سيد أحمد محمود، مفهم التحكيم وفقا لقانون المرافعات، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.

        - صلاح الدين جمال الدين، القانون الدولي الخاص، الجنسية وتنازع القوانين، الطبعة الاولى، دار الفكر الجامعي، مصر، 2008.

        - علي سالم ابراهيم، ولاية القضاء على التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997.

        - عليوش قربوع كمال، التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، الطبعة الثالثة، ديان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 2005.

        - عمر سعد الله، قانون التجارة الدولية (النظرية المعاصرة)، الطبعة الأولى، دار هومة، الجزائر، 2007.

        - عيد محمد القصّاص، حكم التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003.

        - كمال ابراهيم، التحكيم التجاري الدلي، دار الفكر العربي، القاهرة 1991.

        - لزهر بن سعيد، التحكيم التجاري الدولي، دار هومة، الجزائر، 2012.

        - محسن شفيق، التحكيم التجاري الدولي (دراسة في قانون التجارة الدولية)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998.

        - محمد ابراهيم خيري الوكيل، علاء الدين محي الدين مصطفى، اتفاق التحكيم في العقود الادارية الدولية في النظام السعودي والانظمة القانونية المقارنة، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض، المملكة العربية السعودية، 2014.

        - محمد داود الزعبي، دعوى بطلان حكم التحكيم في المنازعات التجارية الدولية، دار الثقافة، الأردن، 2011.

        - محمد مختار بربري، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999.

        - محمود مختار بريري ، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003.

        - نبيل اسماعيل عمر، التحكيم في المسائل المدنية والتجارية الوطنية والدولية، الطبعة الثانية، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية مصر، 2005.

        02- المقالات:

        - قبايلي محمد، طرق الطعن في الحكم التحكيمي التجاري، مجلة الدراسات والبحوث القانونية، المجلد 02، العدد 03، جامعة محمد بوضياف المسيلة، جانفي 2017.

        - أكثم أمين الخولي، تنفيذ أحكام التحكيم الدولية طبقا للقانون الجزائري الجديد، مجلة التحكيم، عدد 5، 2010  ص 109.

        -  نور الدين بكلي، الطرق البديلة لحل المنازعات، الصلح والوساطة والتحكيم، مجلة المحكمة العليا، الجزء الأول، قيم الوثائق، الجزائر، 2009

        - فتحي كمال دريس، الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي التجاري الدولي في الجزائر تطبيقا لقواعد اتفاقية نيويورك وقانون الاجراءات المدنية والادارية 08-09، مجلة البحوث والدراسات، المجلد 17، العدد 02، جامعة الوادي، الجزائر 2020

        - شعران فاطمة، اتفاق التحكيم التجاري الدولي في التشريع الجزائري "دراسة مقارنة"، المجلة الجزائرية للحقوق العلوم السياسية، العدد الثاني، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة تيسمسيلت، ديسمبر 2016

        محمد وليد العبادي، أهمية التحكيم وجواز اللجوء اليه في منازعات العقود الادارية، دراسة مقارنة، دراسات علوم الشريعة القانون، العدد الثاني، المجلد 34، الجامعة الأردنية، عمان، الاردن، 2007.

        - محمد أبو العينين، المبادئ القانونية التي يقوم عليها التحكيم في الدول العربية والافريقية التي تبنت قانون اليونسترال النموذجي، مجلة التحكيم العربي، العدد الأول، 1999.

         

        03- الرسائل المذكرات:

        - حسين فريدة، التنفيذ الجبري لأحكام التحكيم الدولي في المجال الاستثماري بالجزائر، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، تخصص قانون التنمية الوطنية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري تيزي وزو، 2000.

        - ابـن النصيب عبد الرحمـان، الـدعوى التحكيميـة، رسـالة ماجسـتير، جامعـة الحـاج لخضـر، باتنة، الجزائر، 2005.

        - ممدوح عبد العزيز العنزي ، بطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2006

        حفيظة السيد الحداد، الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2007

        فوزي محمد سامي، رد المحكم، مجلة التحكيم، ملحق العدد الثامن، اكتوبر 2010

        محمد كولا، تطور التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، الطبعة الاولى، منشورات بغدادي، الجزائر، 2008.

         

        04-المحاضرات:

        - محمد عيساوي، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أكلي محند أولحاج، البويرة، 2019/2020.

        - محمودي سميرة، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد البشير الابراهيمي، 2019/2020

        - تعويلت كريم، محاضرات في التحكيم التجاري الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية، 2019/2020.

        - زروق نوال، محاضرات في مقياس التحكيم التجاري الدولي، ملقاة على طلبة السنة الثانية ماستر قانون الأعمال، قسم الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة سطيف 2، 2017/2018

         

        05- المراجع باللغة الأجنبية:

         

        - Philippe Fouchard : « L’arbitrage commercial international » II. Librairie Dalloz. Paris. 1965.

        - CH- Jarrosson ,La notion d’arbitrage ,LGDJ, Paris,1987.

         - Xavier Linant de bellefonds, Alain Hollande, L’arbitrage, édition puf : Que sais-je, pris, 2003.

        -Ph. Fouchard. Arbitrage Commercial international, Librairie Dalloz, Paris, 1965.

        - FOUCHARD (PH), GAAILLARD (E), GOLDMAN (B), Traire de l’arbitrage international , Editions LITEC-DELTA, Paris 1996.


      • الموضوع 11