مخطط الموضوع

  • بطاقة تواصل

     

    اسم الأستاذ ولقبه: الدكتور عجابي الياس

    جامعة محمد بوضياف بالمسيلة

    كلية الحقوق والعلوم السياسية

    قسم: الحقوق

    الإميل المهني:  ilyas.adjabi@univ-msila.dz

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عنوان المطبوعة البيداغوجية:  محاضرات في مقياس حقوق الانسان

    الفئة: السنة الثانية جذع مشترك

    السداسي: الرابع

    اسم الوحدة: وحدات التعليم المنهجية

    اسم المادة: حقوق الانسان

    الرصيد:01

    المعامل:01


  • النظـــــرية العــامة لحــــــقـــوق الإنســـان:

     النظــــــــام القانوني لحقوق الإنسان المشمولة بالحماية:

    من المعلوم أن هناك طوائف ثلاثة لحقوق الإنسان هي أولا ما يطلق عليه اسم الجيل الأول أو  ما يسمى بالحقوق السلبية وتهدف إلى حماية الإنسان ضد أي اعتداء على حريته الفردية مثل ما نصت عليه المواد من 07 إلى 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أما الفئة الثانية أو ما يسمى بالجيل الثاني أو الحقوق الايجابية وتهدف إلى كفالة العدالة الاجتماعية والتخلص من الفقر والمشاركة في جوانب الحياة ألاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،  أما الفئة الثالثة فيطلق على تسميتها بحقوق الجيل الثالث أو الحقوق الجماعية وأبسط مثال على ذلك:  الحق في السلام، و الحق في التنمية،  والحق في بيئة نظيفة، والحق في السيادة على الموارد الطبيعية،  وحق تقرير المصير .[1]

    المطلب الأول: الطبيعة القانونية لحقوق الإنسان محل نظام الحماية:

    الفرع الأول: الحقــــــــــــــــــــــــوق الفـــــــــــــــــــــــــــــــردية "حقــــــــــوق الجـــــــــيل الأول":

    استند التصنيف التقليدي للحقوق والحريات إلى نظريتا القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي اللتان أكدتا على الطابع الفردي للحقوق والحريات في مواجهة الدولة، فالحرية الفردية هي الأصل ، أما الدولة فيقتصر وجودها على أساس احترامها للحقوق والحريات الفردية، وهذا ما يتحقق إذا لم تتدخل الدولة في تنظيم أمور المجتمع إلا في نطاق الحد الأدنى وعلى هذا الأساس وفق قاعدة " الحد من سلطة الحاكم".[2]

     

     أولا :الحـــــــــــــــــق في المحاكـــــــــــــــــــــــــــــمة العــــــــــــــــــــــــــــــادلة:

     العديد من الوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة على حد أدنى من الضمانات اللازمة للمحافظة على حقوق الإنسان،  ذلك أن ارتكاب الشخص لجريمة ما لا يعني أبدا التحرر من كل قيد بخصوص المعاملة الواجبة اتجاه وهو ما نصت عليه المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على اعتبار أن لكل شخص الحق في محاكمه عادله وعلنية من قبل محكمة مستقلة، وهو الحق المنبثق من المبدأ العام في القانون الذي مفاده أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته كما أن لكل شخص الحق في أن يتم إعلامه بطبيعة وسبب الاتهام الموجه إليه بالإضافة  إلى أن لكل شخص الحق في أن يحضر المحاكمة ويدافع عن نفسه وان يختار محاميا يدافع عنه.[3]

     

    ثانــــــــــــــــيا: حقـــــــــــــــــوق الإنسان المرتبــــــــــــــطة بالانتخـــــــــــــــــــــابات:

    تجدر الإشارة إلى أن المشاركة في تسيير الشأن العام داخل الدول تتم عن طريق الانتخاب، هذا الأخير الذي يعد ضمن المبادئ الأساسية  التي تقوم عليها قواعد القانون الدولي المعاصر، التي اعتبرها الكثير من الفقه من الحقوق الأساسية  للإنسان فمن المعلوم أن هذه الحقوق تفترض وجود حقوق أخرى لازمة لسير العملية الانتخابية،  ونقصد بالذكر هنا حرية الرأي، والتعبير  والتجمع، وحرية إنشاء الأحزاب السياسية، وحرية إنشاء الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وحق ممارسة العمل النقابي وغيرها من الحقوق ذات العلاقة،  لذلك أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 46 13 لسنة 1991 على حق كل شخص في المشاركة في تسيير الشؤون العامة داخل بلده، فهو يعد عاملا جوهريا لتمتع الجميع فعليا بعدد من حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما في ذلك الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

    لذلك تعمل الأمم المتحدة على كفاله احترام هذا الحق بالعديد من الوسائل القانونية نذكر منها على سبيل المثال: مراقبه العملية الانتخابية،  حيث تقوم الأمم المتحدة بإرسال مفوضين ومراقبين وملاحظين تابعين لها إلى مختلف دول العالم التي تشهد إجراء انتخابات بغرض السهر على ملاحظة ومراقبه ماذا نزهتها وحيادها في إجراء هذه العملية على أن تقوم في الأخير بإعداد تقرير يرسل إلى مجلس حقوق الإنسان الذي يجتمع من اجل اخذ ما يراه مناسبا من قرارات وتوصيات.

    انطلاقا مما سبق فقد اهتمت اغلب الجهود الدولية على ضرورة التركيز على الحقوق الأربعة الأساسية  والمتمثلة في حق المشاركة في تسيير الشأن العام، والحق في أن يصوت الشخص لمن يراه مناسبا، وحقه أيضا في الترشح وان ينتخب عليه، بالإضافة  إلى الحق في تولي الوظائف العمومية والحق في تقرير المصير ، على اعتبار أن إرادة الشعب هي أساس سلطان السلطات العامة وان هذه الإرادة يجب التعبير عنها في انتخابات نزيهة تجرى بشكل دوري.[4]

     

    ثالثا: حقوق الإنسان والتقدم العلمي والتكنولوجيا:

    لا شك في أن التقدم العلمي والتكنولوجي بالرغم من أثاره الايجابية وفوائده التي لا ينكرها احد يمكن أن يستخدم ضد حقوق الإنسان في بعض الحالات، لذلك ذهب البعض من الفقه إلى التأكيد على الآثار السيئة للاستخدام السيئ للتكنولوجيا وعواقبه الوخيمة التي يصعب تفاديها، والذي يمكن أن تؤثر على الحقوق الإنسانية في حد ذاتها.

    لذلك حرصت الأمم المتحدة في العديد من الوثائق الصادرة عنها على التنبيه إلى هذه الآثار، حيث نصت المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على انه لا يمكن إخضاع أي شخص لتدخلات تعسفية في حياته الخاصة أو موطنه أو مراسلاته، وان كل إنسان له الحق في أن يحميه القانون ضد هذه التدخلات،  كذلك نصت المادة السابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه من المحظور إخضاع أي شخص دون رضاه الصريح للتجارب الطبية أو العلمية،  وجاء أيضا في الإعلان الخاص باستخدام التقدم العلمي والتكنولوجي لصالح السلام ولمنفعة الجنس البشري أن الانجازات العلمية والتكنولوجية يمكن أن يترتب عليها أخطار بالنسبة لحقوق للحقوق المدنية  للفرد أو الجماعة أو الكرامة الإنسانية .

    لذلك يجب على الدول اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع استخدام التطورات العلمية والتكنولوجية في التقليل من التدخل في استفادة الفرد وتمتعه بحقوق الإنسان والحريات الأساسية .

    وفي هذا الخصوص نصت المبادئ التوجيهية لتنظيم ملفات البيانات الشخصية المعدة بالحاسبات الالكترونية على بعض المبادئ التي يجب مراعاتها في هذا الخصوص ونذكر على سبيل المثال:

    - مبدأ المشروعية والنزاهة أي أن يتم جمع البيانات بالطرق المشروعة قانونا.

    - مبدأ التأكد من صحة ودقه البيانات.

    - مبدأ تحديد الغاية التي يجب أن تكون مشروعه.

    - مبدأ حق كل شخص في الوصول إلى البيانات والملفات الخاصة به حق كل شخص في الوصول إلى المعلومة.

    - حق كل شخص في عدم التمييز. [5]

    - مبدأ الأمن وذلك باتخاذ كافه التدابير المناسبة لحماية الملفات من المخاطر الطبيعية كالتلف أو المخاطر البشرية كاطلاع الغير عليها بدون إذن.

    الفرع الثاني :  حقوق الأشخاص الذين هم في وضع مهدد:

      حيث يوجد بعض الأشخاص في وضع قلق أو غير مستقر، حيث تعد المشاكل الخاصة بالوضع والمركز القانوني للأشخاص مهددة وكذلك حقوقهم وحريتهم الأساسية  من المشاكل الصعبة والشائكة على الصعيدين الدولي والداخلي، فهناك طوائف مختلفة من الأشخاص الذين هم في وضع مهدد مثل الأطفال  والنساء والأجانب والشعوب الأصلية واللاجئين والأقليات  والعمال المهاجرين وغيرهم من الفئات يتمتعون بوضعية قانونية خاصة بموجب بأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان التي تمكنهم من مجموعة من الحقوق الأساسية  التي تضمن لهم حياة كريمة وكرامة في مواجهه بقيه الفئات العادية من الناس.[6]

     انطلاقا مما سبق صدرت العديد من المواثيق الدولية متمثلة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الشأن بهذه الفئة من الناس نذكر منها على سبيل المثال:

    1-    حقــــــــــــــــــــــوق الطـــــــــــــــــفل:

    فلقد اهتمت اغلب المنظمات الدولية على غرار الأمم المتحدة بحقوق الأطفال  بالنظر إلى ما يعانوه من اعتداءات على أبسط حقوقهم بسبب ارتفاع معدلات الوفاة بين الأطفال ، نقص العناية الصحية، و سوء المعاملة واستغلالهم في الدعارة والعمالة الخطيرة، والاعتقال التعسفي للأطفال، بالإضافة  إلى الأطفال  ضحايا النزاعات المسلحة الداخلية منها والدولية.

     لذلك أصدرت الأمم المتحدة سنة 1959 إعلانا حول حقوق الأطفال  الذي كلل بعد مجهودات مضنية بإبرام اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي نصت على مجموعة من الضمانات نذكر منها على سبيل المثال:

    - مراعاة الأخذ بعين الاعتبار مصلحة  الأطفال  عند اتخاذ أو إجراء أو إقرار خاص بهم من قبل سلطات الدولة أثناء  ممارستها لعملها التشريعي أو التنفيذي أو القضاء.[7]

    - العمل على احترام حرية  الطفل في إبداء رأيه بخصوص كل مسألة تهمه بالنظر إلى سنة ودرجة نضجه.

    الحق في الحياة والحصول على اسم وجنسيه منذ ميلاده.

    - عدم جواز فصل الطفل عن والديه إلا بقرار من السلطات المختصة مع مراعاة مصلحة الطفل نفسه.

    - حماية الطفل من المعاملات القاسية المادية منها والمعنوية.

    -  الحق في الصحة والتمتع بصحة جيده.

    - الحق في التعليم الأولي المجاني والإلزامي.

    - الحق في الحصول على وقت للراحة واللعب.

    - حماية الدولة للطفل ضد الاستغلال الاقتصادي الذي يضر بتعليمه أو يسيء إلى صحته ورفاهيته.

    - حماية الدولة للطفل ضد الاستعمال غير المشروع للمخدرات.

    - عدم جواز توقيع عقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة على من هم أقل من 18 سنة.

    - عدم جواز إشراك الأطفال  الذين يقل عمرهم عن 18 سنة في النزاعات المسلحة.

     وجوب تمتع الأطفال  المنتمين إلى أقليات  سكانية بحياتهم الثقافية وديانتهم ولغتهم الخاصة بهم، والملاحظ في هذا الصدد على اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 أخذها بنظام الكفالة المقرر في الشريعة الإسلامية بالنسبة للأطفال المحرومين مؤقتا أو بصفه دائمة من أسرهم،  في هذه الحالة يكون الطفل من حقه الحصول على عناية خاصة والتي يمكن أن تشمل الكفالة المقررة وفقا للشريعة الإسلامية أو التبني أو الإيداع في مؤسسات مناسبة للرعاية بالأطفال.

     كما أكدت الاتفاقية كذلك على أن التوجيه الأبوي لا غنى عنه للنمو المتكامل للطفل. [8].

     

     

    2-    حقـــــــــــــــــــــــــــــوق المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأة:

    اهتمت الأمم المتحدة بالمرأة فأصدرت العديد من الاتفاقيات والإعلانات الخاصة بها لعل من أبرزها اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة لسنة 1952، وإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة لسنة 1967، واتفاقية حماية حقوق النساء والأطفال  في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لسنة 1974، بالإضافة  إلى اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة 1979.

    هذا وقد أقرت الأمم المتحدة في العديد من قراراتها وتوصياتها بحقوق المرأة ونددت بالاعتداءات عليها على غرار ما أقرتها الجمعية العامة في قرارها رقم 51 /115 لسنة 1996 عندما أدانت استخدام الاغتصاب كسلاح حرب وكأداة للتطهير العرقي واعتبار الاغتصاب أثناء  النزاعات المسلحة جريمة حرب بل وفي بعض الأحيان جريمة ضد الإنسانية وعملا من أعمال إبادة الجنس البشري جينوسايد.[9]

    3-     حقــــــــــــــــــــــوق الأجــــــــــــــــــــــــانـــــــــــــــــــب:

    إن قيام الدول الحديثة باحترام حقوق الأفراد من غير الوطنيين المقيمين فوق إقليمها لدليل على مدى تطورها ورقيها ومدى تمتعها بالحس الإنساني،فمن المعروف في فقه القانون الدولي أن هناك نظريتان فقهيتان تتنازعان الوضع القانوني للأجانب فوق إقليم الدولة،

    النظرية الأولى هي نظريه المساواة... وتعطي للأجانب نفس الحقوق التي يتمتع بها الوطني لا أكثر ولا أقل، وهي نظريه نادرة التطبيق في الممارسات الدولية.

    أما النظرية الثانية هي نظرية الحد الأدنى ومقتضاها أن هناك حدا أدني من الحقوق التي يجب على كل دولة أن تمنحها للأجانب المقيمين فوق إقليمها، بحيث لا يمكن النزول عنه ومخالفته وإلا أصبحت الدولة مسؤولة على الصعيد الدولي.

    فقد استقر القانون الدولي العرفي على منح الأجانب المقيمين فوق إقليم دولة ما بعض الحقوق التي تمثل الحد الأدنى الذي  لا غنى عنه لكل إنسان،  ونقصد بهذه الحقوق:
    -
    ضرورة  الاعتراف للأجنبي بالشخصية القانونية ونقصد بالذكر هنا الاعتراف بأهليته في القيام بكافة التصرفات القانونية بالرغم من وضع بعض الدول لقيود مختلفة على تملك الأجانب للأموال الثابتة أو ممارستهم لبعض المهن.

    - حرية  العقيدة وممارسة الشعائر الدينية.[10]

    - حرمة المسكن وحرمة ذات الأجنبي، إذ لا يجوز القبض عليه إلا في الأحوال المنصوص عليها قانونا ما لم يكن من المتمتعين بنوع ما من أنواع الحصانة كالدبلوماسيين مثلا.

    - الحق في الحياة وفي الأمن الشخصي.

    - الحق في الحماية ضد أي تدخل غير مشروع بشأن الحياة الخاصة أو الأسرة أو  المسكن أو  المراسلات.

    - الحق في المساواة أمام المحاكم.

    - الحق في اختيار الزوجة وفي الزواج وتأسيس الأسرة.

     الحق في حرية التفكير والرأي والاعتقاد والدين.

     الحق في الاحتفاظ بلغة الأجنبي وثقافته وتقاليده.

     الحق في أن ينقل الأجنبي إلى الخارج ما يوفره من أموال مع مراعاة القوانين الخاصة بالعملة الوطنية.

    - الحق في مغادرة البلد الذي يقيم فيه.

    - الحق في التجمع السلمي.

    - حرية  الانتقال داخل إقليم الدولة مع مراعاة القوانين الخاصة بذلك.

    - عدم إخضاع الأجنبي للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو  لا إنسانية أو مهينة.

    - الحق في ظروف عمل صحية وآمنة وأجور عادلة.

    - الحق في الانضمام إلى النقابات والتنظيمات.

    - الحق في الحماية الصحية والعلاج الطبي والضمان الاجتماعي والتعليم والراحة.

    - عدم جواز حرمان الأجنبي من أمواله التي اكتسبها بطريقة مشروعة.[11]

    - حق الأجنبي في الاتصال بالقنصلية أو البعثة الدبلوماسية للدولة التي هو من رعاياها، وعند عدم وجودها الاتصال بالقنصلية أو البعثة الدبلوماسية لأي دولة أخرى مكلفة بحماية مصالح الدولة التي هو من رعاياها في الدولة التي يقيم فيها.[12]

     

     4-  حقــــــــــــــــــــوق الشـــــــــــــــــــعوب الأصلـــــــــــــــــــــــــــية:

     تمثل الشعوب الأصلية في الأشخاص وفروعهم الذين يعيشون في إقليم ما قبل أن يأتي المهاجرون إلى هذا الإقليم ويصبحون أغلبية فيه على اثر الغزو أو الاحتلام،  وأبسط مثال على ذلك وضعية الهنود الحمر في القارة الأمريكية.

     ونظرا لأهمية المسألة فقد أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة سنة 1982 مجموعة عمل خاصة بالسكان الأصليين ، كما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 50 /157 لسنة 1995 برنامج أنشطة العقد الدولي لشعوب العالم الأصلية.[13]

     - 5حقـــــــــــــــــــــــوق اللاجــــــــــــــــــــــــــــئين:

    من المعلوم أن الشخص قد يضطر إلى اللجوء إلى دولة أخرى، وفي نفس الوقت يمكن لجماعة من السكان الهجرة جماعة إلى دولة أخرى بسبب انتهاكات حقوق الإنسان أو النزاعات السياسية أو العرقية أو الدينية أو عدم التسامح الاثني، أو الأوضاع الاقتصادية السيئة، أو استخدام العنف على نطاق واسع،  الأمر الذي من شأنه أن يساهم في زيادة عدد اللاجئين والأشخاص المهجرين داخل الدولة الواحدة.

     ولقد اهتمت الأمم المتحدة بحقوق اللاجئين من خلال دعوة مؤتمر الأمم المتحدة بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية الذي تبنى الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1950،
    كما تبنت البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين، واعتماد النظام الأساسي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سنة 1950 ، وتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان الخاص بالملجأ الإقليمي بموجب قرارها رقم 2312 لسنة 1967.

    ولعل من ابرز قرارات الجمعية بهذا الشأن قرارها رقم 51 73 لسنة 1996 الذي أدان استغلال اللاجئين القصر الذين لا يصطحبهم ذووهم، بما في ذلك استخدامهم كجنود أو دروع بشرية في النزاع المسلح أو تجنيدهم الإجباري في القوات المسلحة، أو أي أفعال أخرى تعرض للخطر سلامتهم وأمنهم الشخصي.[14]

     في مقابل ذلك تهتم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأوضاعهم وحل مشاكلهم يجب مراعاته بخصوص ذلك ما قررته على سبيل المثال بخصوص طالبي اللجوء في حالات النزوح الجماعي على نطاق واسع من أنهم يجب أن يتمتعوا كحد أدنى بالحقوق الآتية:

     - عدم جواز معاقبتهم أو معاملتهم بسوء بسبب أن وجودهم في البلد غير مشروع.

     - الحقوق المدنية  الأساسية  المعترف بها دوليا.

     - تمكينهم من كل مساعدة ضرورية بما في ذلك الطعام والمأوى والتسهيلات الصحية اللازمة.

     عدم التمييز بينهم على أساس الجنس أو الدين أو الانتماء السياسي أو الجنسية أو بلد المنشأ أو الإعاقة الجسمية.

     - يجب احترام وحدة الأسرة.

     - بذل كل مساعدة ممكنة للتواصل إلى معرفة الأقارب وتمكينهم من الاتصال بهم من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة للتواصل فيما بينهم والتنقل إليهم بشتى الطرق.

    -  تمكينهم من إرسال وتلقي الخطابات.

    -  اتخاذ ما يلزم لتسجيل المواليد والوفيات والزواج.

    -  المساعدة في الحصول على حد دائم ومرض.

    -  اتخاذ كافه التسهيلات لرجوعهم الاختياري. [15]

    7- حقـــــــــــــوق العمـــــــــــال المهـــــــــــــاجـــــــــرين وأفــــــــــــــــــراد أســــــــــــــرهــــــــــــــــــــم:

     بالرغم من ما تقدمه منظمة  العمل الدولية باعتبارها منظمة متخصصة في مجال العمال وظروف العمل الخاصة بهم، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة آلة على نفسها أيضا الاهتمام بهذا الموضوع باعتباره يمس بصفة مباشرة بالحقوق الأساسية  للإنسان وذلك من خلال تبنيها سنة 1990 الاتفاقية الدولية لحقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم[16] التي نصت على حماية حقوق مختلف فئات العمال المهاجرين وأفراد أسرهم سواء كانوا في وضع مشروع أو في وضع غير مشروع،  بالإضافة  إلى فئات خاصة بهم على غرار عمال الحدود والعمال الموسميون والعمال المتجولون والعمال المرتبطون بمشروع معين والعمال المرتبطون مؤقتة .[17]

     

    8- حقــــــــــــــــوق الأشخـــــــــــــــــــاص الضعــــــــــــــــفاء بدنـــــــــــــــــيا أو عقلـــــــــــــــــــــــــيا:

    لم تنسى الأمم المتحدة في غمرة اهتمامها بمسائل حقوق الإنسان حقوق الأشخاص الذين لديهم ضعف عقلي أو بدني على أساس أنهم عمليا هم أولى من غيرهم بالرعاية وقد أصدرت الأمم المتحدة في هذا الشأن العديد من المواثيق الدولية على غرار الإعلان الخاص بحقوق الأشخاص المتخلفين عقليا الذي تبنته الجمعية العامة والذي نص على أن للشخص المتخلف عقليا نفس الحقوق التي يملكها الإنسان.

     بالإضافة  إلى الإعلان الخاص بحقوق المعوقين وأيضا مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي أيضا الأشخاص المتقدمين في السن يا مما لا شك فيه أن للشيخوخة أحكامها الخاصة هذه الخصوصية التي تستمد من كون عدد هؤلاء الأشخاص في تزايد مستمر أكثر من أي وقت مضى وأنهم في حاجه إلى قدر من المعاملة يأخذ في الحسبان وضعيتهم الخاصة بالشكل الذي يضمن لهم اعتناء اللازم بهم صحيا واجتماعيا والمحافظة على كرامتهم ومراعاة وضعهم الخاص.[18]

    الفرع الثــــــــــــــــــــالث: الحقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوق الجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــماعـــــــــــــــــــــية :

    إلى جانب الحقوق الفردية أو حقوق الجيل الأول والثاني اهتمت الأمم المتحدة أيضا بالحقوق الجماعية والتي يطلق على تسميتها بحقوق الجيل الثالث، ويرجع ذلك على ما يبدو إلى أن حقوق الإنسان دائما ما تكون مترابطة وغير قابلة للانفصال وبالتالي يجب عدم الاهتمام ببعضها وإهمال بقية الحقوق الأخرى  إعمالا لما يعرف في القانون الدولي لحقوق الإنسان بعدم قابليه حقوق الإنسان للتجزئة.

     ولعل من ابرز الحقوق الجماعية المعترف بها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان نذكر ما يلي:

     

    1- الحـــــــــــــــــــــــق في التنمـــــــــــية:

    يعتبر الحق في  التنمية من الحقوق الجماعية للإنسان ولا شك أن تحقيق التنمية يوجب ضرورة  عدم الاعتداء على الحقوق الفردية للإنسان، كما يجب أن لا يكون مجرد موضوع لها وفقط، وإنما فاعلا يعمل على تحقيقها، من هنا يمكن القول أن الانتهاكات الجوهرية لحقوق الإنسان تعد من أكبر المعوقات التي تقف في طريق التنمية.

     في هذا السياق لم تتوانى الأمم المتحدة عن وضع قواعد قانونية تحكم هذا الحق المتفرع عن حقوق الإنسان من خلال تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 40 128 لسنة  1986 الإعلان الخاص بالحق في التنمية،  وهو الذي نص على مايلي:

    - الحق في التنمية هو من حقوق الإنسان التي لا يمكن التنازل عنها والذي بمقتضاه يكون لكل إنسان ولكل الشعوب الحق في المشاركة والمساهمة في التمتع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية  والثقافية والسياسية- .

    - يتضمن الحق في التنمية الممارسة الكاملة لحق الشعوب في تقرير مصيرها بما في ذلك سيادتها الكاملة على كل مواردها وثرواتها الطبيعية.

     - الإنسان هو أساس الحق في التنمية ويجب أن يكون المشارك المستفيد الأساسي منه.[19]

     -  ضرورة  اتخاذ الخطوات اللازمة على المستوى الدولي والداخلي لكفالة الحق في التنمية.

    - تقع مسؤولية التنمية على الإنسان بصفه فردية أو جماعية.

     - الحق في التنمية ذو طبيعة مزدوجة، فهو حق للدول وواجب عليها في نفس الوقت، إذ يجب عليها تحقيق التنمية من أجل تحسين رفاهية شعوبها.

     - تقع على الدول مسؤولية خلق الظروف الدولية والوطنية التي تساعد على تحقيق الحق في التنمية.

     - يتطلب انجاز الحق في التنمية الاحترام الكامل لمبادئ القانون الدولي الخاصة بالتعاون والعلاقات الودية بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة.

     - على الدول واجب التعاون فيما بينها لكفالة التنمية وإزالة المعوقات التي تعترضها.

    - يجب على الدول اتخاذ خطوات حثيثة للقضاء على الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان والشعوب الناجمة عن الفصل العنصري وكل أشكال التمييز العنصري والاستعمار والاحتلال والسيطرة الأجنبية والعدوان والتدخل الأجنبي وتهديد السيادة الوطنية والتهديد بالحرب وعدم الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها. [20]

     - على الدول اتخاذ خطوات حثيثة لإزالة عوائق التنمية الناجمة عن فشلها في كفاله الحقوق المدنية  والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

     - على الدول المساهمة  في تحقيق السلم والأمن الدولي خصوصا عن طريق نزع السلاح الكامل والشامل مع توجيه موارد نزع السلاح نحو التنمية خصوصا في الدول النامية.[21]

    2- حـــــــــــــــــــق التقـــــــــــــــــــــــــــــــــرير المصــــــــــــــــــــــــــــــــــــير:

    لقد أخذ مبدأ حق تقرير مصير الشعوب حيزا كبيرا من اهتمام منظمة  الأمم المتحدة والكثير من المنظمات الإقليمية الأخرى  على غرار الاتحاد الإفريقي، حيث أكدت جميع هذه المنظمات على شرعيه كفاح الشعوب على استقلالها والتخلص من السيطرة الاستعمارية الأجنبية والاحتلال العسكري بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك استخدام الكفاح المسلح،
    والملاحظ بهذا الصدد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يتضمن أي نص صريح بخصوص حق الشعوب في تقرير مصيرها[22] ، في مقابل ذلك نص ميثاق الأمم المتحدة في العديد من أحكامه على هذا الحق الجوهري باعتباره مبدأ أصيلا تنبثق منه وتتفرع عنه معظم حقوق الإنسان الأخرى،  فلا يمكننا الحديث عن حق الإنسان في الحرية  وحق الإنسان في التنقل وحق الإنسان في إبداء الرأي، وحق الإنسان في ممارسة السياسة، وحق التجمع وإنشاء الجمعيات، وحق المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية، وحق الترشح والانتخاب، والحق في الديمقراطية التشاركية إلا إذا تم ضمان تمتعه بحق تقرير مصيره.

     ففي ظل المسار الطبيعي للشعوب في البحث عن حريتها وانطلاقا من أن استمرار الاستعمار يحول دون تمتع الشعوب بتنمية التعاون الاقتصادي الدولي، ويحول دون التطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للشعوب الخاضعة للاستعمار ، ولأن عملية التحرر لا يمكن مقاومتها أو التراجع عنها، فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة في قرارها الشهير  رقم 1514 في سنة 1960 والذي أعلنت فيه على ما يلي:

    - ضرورة  وضع نهاية سريعة وغير مشروطة لجميع أوجه الاستعمار بكافه صوره ومظاهره.

    - خضوع الشعوب للسيطرة الأجنبية يعتبر إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية.

    - إن عدم الاستعداد السياسي أو الاقتصادي أو التعليم الاجتماعي لا يجوز أن يتخذ ذريعة لتأخير الاستقلال.

    - ضرورة  اتخاذ الخطوات الضرورية لنقل السلطات إلى شعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي.

     في هذا السياق يجدر التنبيه والإشارة إلى ضرورة  عدم الخلط بين الأعمال التي تعد من صميم أعمال حق الشعوب في تقرير مصيرها عن طريق الكفاح المسلح عن غيرها من الأعمال التي تعد من قبيل أعمال الإرهاب الدولي.

     فالفرق بينهما واضح،  فبينما اللجوء إلى القوة للتخلص من السيطرة الاستعمارية ومقاومة الاحتلال الحربي يعد أمرا مشروعا، فإن الأعمال الإرهابية بخصائصها تعد أعمالا غير مشروعه،[23] لذلك فإنما تذهب إليه بعض الدول من أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة هي أعمال إرهابية باطل أريد بها باطل، ولا أساس له من الصحة سواء من الناحية الشرعية أو  من الناحية العملية التطبيقية.

     وهو ما أكده المؤتمر الدولي حول حقوق الإنسان لسنة 1968 الذي خلص إلى أن إخضاع وقهر أي شعب بواسطة شعب آخر  يعد انتهاكا خطيرا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث قرر المؤتمر حق المقاتلين الذين يدافعون من أجل حرية  بلادهم وتحريرها من الاستعمار والاحتلال الحربي، في أن يعاملو إذا وقعوا في الأسر معامله أسرى الحرب وفقا لاتفاقية جنييف لسنة 1949، كما اعتبر البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1949 حروب التحرير الوطنية الهادفة والطامحة إلى حق تقرير المصير من قبيل النازعات ذات الطابع الدولي.[24]

    4-    حــــــــــــــق الشعــــــــــــــــــــــــوب في الســـــــــــــــــــــلام:

    السلم أو السلام في فقه القانون الدولي هو سيادة حالة اللاحرب والامتناع عن استعمال القوة فيما بين الأمم بهدف الوصول إلى حالة دائمة ومستمرة من السلم، والعمل على محاولة القضاء على أسباب ودوافع الحروب، وهو ما تسعى إلى تحقيقه منظمة الأمم المتحدة من خلال نظامها لحفظ السلم والأمن الدوليين[25]، كما يذهب البعض إلى تعريف السلم الدولي بأنه العمل على منع الحروب بين الدول والتي تؤدي إلى حرب عالمية، ويستمد هذا التعريف أساساه من حقيقة أن الأمم ما نشأت إلا نتيجة حرب عالمية- الحرب العالمية الثانية-  وبالتالي فإن هدفها الرئيسي هو الحيلولة دون قيام مثل هذه الحروب مرة ثانية والتي تهدد السلم والأمن الدوليين.[26]

                                   انطلاقا من هنا يمكن القول أن السلام الدولي هو تعبير عن حالة الهدوء والسكينة وغيبة القلاقل العسكرية منها أو السياسية كالاضطرابات العنيفة والحروب وأعمال العنف[27] سواء الداخلية منها أو الدولية.

                    هذا وقد ذهب البعض من المهتمين بالشؤون الدولية إلى أوسع من ذلك، عندما عرفوا السلم الدولي في القانون الدولي العام بأنه: « الاتجاه الذي يرمي إلى مقاومة ظاهرة الحرب والنزاع المسلح في العلاقات البشرية والدولية، وتحقيق المجتمع الإنساني الذي يسوده السلام والإخاء والمحبة»[28]، حيث ينطلق هذا التعريف من منطلق أن السلم هو الأمنية التي يهدف البشر إلى تحقيقها في عالمنا هذا، فالسلام الدولي كما يقول الرئيس الأمريكي الأسبق فرونكلن روزفلت Franklin Roosevelt :« يأتي من داخل النفس البشرية ويجب أن يكون له مكان في الإيمان المستقر في هذه النفس».[29]

                    وتجدر الإشارة هنا إلى أنه نتيجة الأهمية المتزايدة للسلم الدولي في القانون الدولي المعاصر، فإنه لم يعد يقتصر فقط على حالة الحرب والاضطراب المنصوص عليها في الميثاق الأممي، بل تطور إلى أكثر من ذلك ليصبح من أهم الحقوق الأصلية للإنسان، وهو ما نص عليه الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) عندما ربط بين حقوق الإنسان والسلم على اعتبار أن الحروب تولد في عقول البشر، ولذلك يجب أن تبنى حصون السلام في عقولهم[30]، وهي نفس العبارة التي تداول ذكرها في الفقرة الأولى من ديباجة العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966[31]، فالسلم بهذا المفهوم يعد شرطا مسبقا لحقوق الإنسان، وهو ما كرسه الإعلان الخاص بإعداد المجتمعات للعيش في سلام المعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب التوصية رقم 33/73 بتاريخ 15/12/1978 الذي أقر بأن الحق الأصلي لكل أمة ولكل إنسان بغض النظر عن العنصر أو المعتقد أو الدين أو اللغة أو الجنس هو العيش بسلام، هذا الحق الذي اعترف به بصفة قانونية بمناسبة إعلان الجمعية العامة الخاص بحق الشعوب في السلم المؤرخ في 12/11/1984 عندما أقرت بصفة رسمية على أن المحافظة على الحياة السلمية للشعوب هو واجب مقدس يقع على عاتق كل دولة من الدول[32]، هذا من منظور القانون الدولي.

                    أما من جانب الفقه الإسلامي فقد قرر الإسلام السلم على أنه أصل من أصول العلاقات الإنسانية الدولية، بحيث لا يسمح للمؤمنين بالتدخل في شؤون الدول إلا لحماية الحريات العامة أو لإغاثة المظلومين، فالتدخل هنا يكون لمنع الفتنة في الدين على أساس احترام حق كل دولة في الوجود وحقها في أن تكون سيدة نفسها والدفاع عن أراضيها وسيادتها ولا فرق في ذلك بين دولة راقية متحضرة وأخرى غير راقية، فالسلم في الإسلام حق طبيعي لكل جماعة من الناس تماما كما يتمتع به الأفراد.[33]

    5-    حق الشعوب في السيادة على مواردها الطبيعية:

    لقد اعترفت اغلب التشريعات الدولية والداخلية على حق الدول في استغلال والسيطرة على ثرواتها الموجودة فوق أقاليمها، غير أنه من الناحية العملية والواقعية يمكن أن تحاول بعض الدول أو بواسطة رعاياها عرقلة الاستفادة من هذا الحق استنادا إلى ادعاءات قانونية وأخرى غير قانونية، غير أن ذلك لا يمكن أن يبرر بأي حال من الأحوال أن يحرم بلد ما من الثروات التي يملكها والتي تحافظ على وجوده واستمراريته.

     في سبيل ذلك نص الإعلان الخاص بالسيادة على الموارد الطبيعية المنبثق عن قرار الجمعية العامة رقم 1803 المؤرخ في 14 ديسمبر 1962 على أن تصرف الدول في ثرواتها هو حق لا يمكن التنازل عنه، هذا الإعلان الذي توج بإنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد قائم على أساس تأكيد السيادة  الدائمة والكاملة لكل دولة على مواردها الطبيعية  وأنشطتها الاقتصادية، ومن اجل المحافظة على ثرواتها تملك كل دولة  الحق في أن تمارس رقابة فعالة على ثرواتها، وان تستغلها بالوسائل المناسبة التي تتوفر عليها، بما في ذلك الحق في تأميمها أو نقل ملكيتها إلى رعاياها، انطلاقا من اعتبار هذا الحق هو تعبير عن السيادة  الدائمة والكاملة للدولة، ولا يمكن أن تخضع أي دولة  لأي ضغط اقتصادي أو سياسي أو غيره يهدف إلى منع ممارستها الحرة والكاملة لهذا الحق الذي لا يمكن التنازل عنه.[34]

     هذا وتنص المادة الثانية الفقرة الثالثة من ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول لسنة 1974 على انه لكل دولة  حق تأميم أو نزع ملكية الأموال الأجنبية، وفي هذه الحالة يجب عليها أن تدفع تعويضا عادلا مع الأخذ في الاعتبار قوانينها ولوائحها وكل الظروف التي تقدر أنها مناسبة.

     كما نصت  المادة  الأولى  الفقرة الثانية من العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية  والسياسية على أن يملك كل شعب حق التصرف بحرية  في ثرواته وموارده الطبيعية  دون إضرار بالالتزامات التي تنجم عن التعاون الاقتصادي الدولي والذي يستند إلى مبدأ المنفعة المتبادلة في القانون الدولي.

    بالإضافة إلى ذلك نصت المادتان 25 و 47 من العهدين على أنه  لا يجوز تفسير أي نص من نصوص العهد الحالي باعتبارها تمس الحق الثابت لكل الشعوب في الاستفادة والاستخدام الحر والكامل لثرواتهم ومواردهم الطبيعية. [35]

    6-    الحــــــــــــــــــــــــــــق في بيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــئة نظيـــــــفة وصحـــــــــــــــــية ومستــــــــــــدامة :

    وهو الحق الذي أكده وكرسه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 300 في دورته السادسة والسبعين بتاريخ  28 يوليو 2022 ، عندما أكد على حق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة تأكيدا لما سبق النص عليه في كل من ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان برنامج عمل فيينا،  ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية بستوكهولم،  وإعلان ريو  بشأن البيئة والتنمية الذي أكد بأن حماية البيئة بما في ذلك النظم الايكولوجية من شأنه أن يساهم في تحقيق وتعزيز رفاهية الإنسان والتمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان لفائدة الأجيال الحاضرة والمقبلة.

     على اعتبار أن اثر تغير المناخ والإدارة والاستخدام غير المستدامين للموارد الطبيعية،  وتلوث الهواء والتربة والماء، والإدارة غير السليمة للمواد الكيميائية والنفايات،  وما ينتج عنها من فقدان التنوع البيولوجي وتراجع الخدمات التي توفرها النظم الايكولوجية،[36]  هي كلها أمور من شأنها أن تأثر في التمتع ببيئة نظيفة وصحية ومستدامة وان للأضرار البيئية آثار سلبية مباشرة وغير مباشرة في التمتع الفعلي بجميع حقوق الإنسان.

     انطلاقا من هنا فقط اعترفت اغلب الدول المنظمة إلى الأمم المتحدة في هذا القرار بشكل من أشكال الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة بواسطة الاتفاقيات الدولية وفي دساتيرها أو تشريعاتها وقوانينها وسياساتها الوطنية،  حيث اعترفت بالحق في بيئة نظيفة وصحية باعتباره حقا من حقوق الإنسان، كما اعترفت أيضا بارتباطه بجميع الحقوق الأخرى وبقواعد القانون الدولي[37]

     

    7-    الحــــــــــــــــــــــــــق في الجـــــــــــــــــــــــــــــــنســــــــــــــــــــــــــــــــية:

     نصت  العديد من المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة على الحق في الجنسية  وهذا ما نصت عليه المادة  15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت صراحة على أن لكل فرد حق التمتع بجنسيه ما ولا يجوز تعسفا حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير هذه الجنسية،  وهو ما أكدته لجنه حقوق الإنسان في قرارها رقم 36 لسنة 1997 عندما اعتبرت أن الحق في الجنسية  يعد حقا من حقوق الإنسان التي لا يمكن المساس بها،  إذ أن الحرمان التعسفي من الجنسية  استنادا إلى أسس عنصرية أو وطنية أو اثنية أو دينيه يعد انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

    لذلك يجب على الدول الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أو إصدار  أي تشريع يميز بين الأشخاص أو المجموعات استنادا إلى العنصر أو اللون أو المنشأ الوطني أو الإثني، وذلك بإلغاء تمتعهم من مساواة الجنسية  وكذلك إلغاء مثل هذا التشريع إن كان موجودا[38]

     




  • الموضوع الثــاني:مقــومات حقـوق الإنسان:

    من المتعارف عليه في فقه القانون الدولي والداخلي أن حقوق الإنسان هي حقوق مشتركة، يشترك في التمتع بها جميع البشر دون تمييز ودون اعتبار لأي صفة كانت سواء على حسب اللون أو العرق او الدين او اللغة أو الثقافة أو التوجه السياسي أو الاجتماعي،  ودون مزية من أي سلطة أو جهة معينة بذاتها.

    و تتنوع حقوق الإنسان في ذاتها بين الحقوق الأساسية  مثل الحق في الحياة والكرامة الإنسانية  وهي كلها حقوق مرتبطة بالنفس البشرية ولا يمكن الاستغناء عنها،  إضافة إلى الحقوق المرتبطة بالعيش الكريم للإنسان مثل الحق في الغذاء والمشرب والصحة والحرية  والعيش الكريم، بما تضمنه هذه الحقوق من قدرة الإنسان في الاستمرار والمواصلة في عيش الحياة المناسبة.

     انطلاقا من ما سبق اكتسبت حقوق الإنسان في الوقت الحاضر مجموعة من المقومات الذاتية والموضوعية التي مكنتها من احتلال المكانة المهمة في مختلف التشريعات الدولية الداخلية،  ولعل من ابرز هاته المقومات نذكر ما يلي:

     

    الفرع الأول: عالمـــية حقــــــوق الإنسان وعــــدم قـــابلــــــــيتها للتصـــرف فــــــــيها:

     يعتبر مبدأ عالمية حقوق الإنسان من أهم المبادئ القانونية التي يهدف القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى تجسيدها وتكريسها على أرض الواقع داخل المجتمع الدولي المعاصر، ويهدف هذا المبدأ إلى اعتبار جميع الناس متساويين في التمتع بنفس الحقوق دون تمييز وبكل حيادية وموضوعية. [1]

    وهو الأمر الذي أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بادئ ذي بدء، وأكدته بعده مختلف الاتفاقيات والإعلانات الدولية ذات العلاقة بحماية حقوق الإنسان.

     كما تعد حقوق الإنسان أيضا غير قابلة للتصرف، بما يفيد أنه لا يمكن تحت أي ذريعة كانت وتحت أي سبب كان أن يتم حرمان أي شخص من التمتع بها إلا استثناءا في الحالات المحددة وفقا للإجراءات القانونية الواجبة التطبيق المعمول بها داخل الدول.

      انطلاقا من هنا يمكن أن تقوم أي دولة  بضبط الممارسة العملية والفعلية لحق من حقوق الإنسان وتقييدها حماية للنظام العام بدرجة أولى، وحماية لحقوق الأشخاص الآخرين بدرجة ثانية،  وذلك اعتبارا للمبدأ القانوني المتعارف عليه المبني على أساس ( تنتهي حرية  بعض الأشخاص عند بداية حرية  الأشخاص الآخرين)،  وهو ما أكده الفقه القانوني أيضا عندما ذهب إلى اعتبار أن السلطة المطلقة أو الحرية  المطلقة مفسدة مطلقة.

    انطلاقا من هنا يمكن للجهات المختصة أن تقوم بتقييد حرية  شخص في التنقل في حالة ما إذا كان مشتبها به أو متهما بارتكابه جريمة يعاقب عليها القانون، كما يمكن تقييد حرية  الأشخاص في التجمع وإقامة الأعراس والحفلات إذا كان ذلك يؤثر على السكينة العامة للمواطنين.

     

    الفرع الثاني: حـــــــــــــقــــــــــــــــــــوق الإنسان هي حقــــــــــــوق مـــــــــــــترابـــــــطة وغـــــــــــير قــــــــــــابلة للتـــــــــــــــجــــــــــــــزئة:

     حقوق الإنسان بهذا المفهوم متآزرة وغير قابلة للتجزئة، بحيث لا يمكن هل نستفيد أو نتمتع بمجموعة معينة من هذه الحقوق بشكل مستقل عن الحقوق الأخرى ،  فعلى سبيل المثال لا يمكننا أن نشهد التمتع الكامل في ممارسة الحقوق المدنية والسياسية إذا تمتعنا بحقوقنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مترابطة مع بعض،  بل أكثر من ذلك إذ قد ينعكس انتهاك الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية سلبا على تمتع الأشخاص بحقوقهم المدنية والسياسية،  وخلاصة ذلك أن العلاقة بين الحقوق المختلفة هي علاقة تكاملية إذ تكمل بعضها البعض وترتبط فيما بينها ارتباطا وثيقا فهي تدور في علاقة تأثير سواء إيجابا أو سلبا.[2]





  • الموضوع الثالث: المتغيرات المؤثرة في مفهوم حقوق الإنسان

    عـوامل توسـع مفهـوم حقوق الإنسان:

          لعل من أبرز العوامل التي كان لها الأثر الكبير في تغيير النظرة لمفهوم حقوق الإنسان نذكر ما يلي:

    الفرع الأول: توسع تفسير أحكام القانون الدولي:

    لقد كان لعامل الأمن دورا في اختلاف سياسات ووجهات نظر الدول نحو أسلوب مساهمتها في حماية استقراره، وقد أدى هذا الاختلاف إلى إعادة النظر في الكثير من قواعد القانون الدولي خاصة تلك المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، سواء بتطوير تلك القواعد أو بخلق قواعد أخرى جديدة تساير الأوضاع الدولية القائمة.[1]

    فقد افرز الإدراك المتزايد لأهمية حماية حقوق الإنسان لبناء الدولة الحديثة، واقعا جديدا مبني على ضرورة إبرام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الشأن بوصفها مصدرا من مصادر القانون الدولي حسب نص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية[2]، بمقتضاها اتجه المجتمع الدولي إلى تكريس الدبلوماسية الإنسانية القائمة على أساس المساعدة والإغاثة الإنسانية من خلال حماية السكان من خطر الفقر والأمراض والمجاعة والهجرات الجماعية والتلوث البيئي التي تعتبر سببا في نشوب الاعتداءات المسلحة وتفاقمها، كما أدى  هذا التطور أيضا إلى إقرار مبدأ المسؤولية الجنائية للفرد والجماعات من خلال إقامة المحاكم الجنائية الدولية والمختصة بمعاقبة منتهكي الحقوق الأساسية  للإنسان التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين.

          وعليه فإن بناء سلم دائم بين الدول يعكس تطورا فكريا كبيرا نحو التوسع في مفهوم السلم بحيث أصبح يشمل أبعادا إيجابية عديدة، فلم يعد السلم محصورا في مجرد تحريم القتال المسلح، ولكنه أصبح يفترض أيضا ضرورة التعاون الدولي في معالجة القضايا الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أساس المساواة في الحقوق بين الشعوب.[3]

    الفرع الثاني: تغير مبررات ومظاهر الخلافات الدولية :

    وهي حتمية افترضها التطور الحاصل على مستوى العلاقات الدولية والتي أثرت على طبيعة وملامح النزاعات الدولية المعاصرة، فطموح الدول في توسيع نفوذها الثقافي والاقتصادي وما يقابلة ذلك من طموح الشعوب نحو تحقيق استقلالها وتكريس مبادئ الديمقراطية قد خلق نوع من الاضطراب وعدم الاستقرار الداخلي والخارجي نتيجة التفاوت بين هذه المطالب وواقع المجتمع الدولي الذي تعيش فيه، الأمر الذي أدى إلى  نشوب النزاعات المسلحة الدولية والداخلية كالحروب الأهلية التي تقوم بين أفراد الدولة الواحدة، لكن هذه الأسباب التقليدية ما فتأت أن تقزمت مع ظهور أسباب جديدة لم تكن معروفة، فرضها فرضا الواقع الجديد الذي تسير في ظله العلاقات الدولية.

    فظهور الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية ذات التأثير الواسع على القدرات المالية للدول، والرغبة في تحسين المستوى المعيشي وزيادة الدخل الوطني، وعدم توفر الغذاء بسبب الجفاف كما يحدث في الصومال، وانخفاض مصادر المياه التي اعتبرها أغلب المختصين بأنها ستصبح السبب الرئيسي لجميع النزاعات والحروب المسلحة في المستقبل نتيجة الانحصار الكبير لمنابع المياه الصالحة للشرب خاصة في الشرق الأوسط، إضافة إلى تقلص موارد الطاقة ذات الاستهلاك الواسع، وانحصار التربة الصالحة للزراعة بسبب التصحر، والتلوث البيئي المتفاقم وما انجر عنه من هجرات بشرية جماعية، كلها أسباب من شأنها أن تساهم في تهديد استقرار السلم والأمن الدوليين، وهو الأمر الذي يفتح المجال أمام منظمة الأمم المتحدة لإعمال نظامها لحفظ السلام العالمي الذي يتطلب آليات تنفيذ تتجاوز الجزاءات والعقوبات الدولية المنصوص عليها في الفصل السابع من الميثاق العديمة الجدوى في مثل هذه الحالات.

     

    الفرع الثالث: التنافس الدولي وظهور قوى دولية جديدة:

    لقد شهد عالم ما بعد الحرب الباردة (1945-1989) تغييرا وتطورا كبيرا في إطار ما يمكن أن يسمى بأكبر ثورة شهدها العالم المعاصر الحديث، وذلك نتيجة تحرر عدد كبير من الشعوب المستعمرة عن طريق ممارستها لحقها في تقرير المصير، وما انجر عنه من ظهور عدد كبير من الدول حديثة الاستقلال التي أخذت شيئا فشيئا تحتل مكانة متقدمة في الحياة الدولية عن طريق تأكيد احترام وجودها في أكبر المحافل الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة ممثلة في مجموعة الـ77، وحركة عدم الانحياز، حيث قامت هذه الدول بممارسة العديد من الضغوط بما لها من أغلبية للدفاع عن مصالحها المشروعة في مجال تصفية الاستعمار، والتفرقة العنصرية، وحق تقرير المصير، ومكافحة الأمراض والفقر والمجاعة ومكافحة الإرهاب، حيث لعبت هذه القوى الجديدة دورا فعالا في مجالات حفظ السلم والأمن الدوليين إلى أن أصبح لها وزن في مواجهة القوى الدولية.[4]

    الفرع الرابع: انعكاسات التكنولوجيا الحديثة:

    لقد عرف العالم وفي فترة وجيزة من الزمن تطورا صناعيا وتكنولوجيا لم يسبق له مثيل في حياة البشرية، ولقد كان لهذا التطور أثره المباشر على قواعد القانون الدولي وبالتالي على أسلوب تعامل الدول مع تلك القواعد خاصة قواعد حفظ السلام العالمي.

    ولعل من أبرز مجالات التطور نجد مجال النقل والاتصالات ومجال تطوير أسلحة الدمار الشامل والتنافس التكنولوجي في مجالات استخدام الفضاء الخارجي[5]، فلقد أفقد التطور المستمر لوسائل النقل وأساليب الاتصال الحديثة ما كان للمسافات والأبعاد من أهمية لدرجة أنه غير من نظرة الدول لمفهوم سيادتها، بحيث لم تعد قادرة على الاعتماد على وسائلها الذاتية لحماية أمنها واستقرارها بل أصبحت تأثر وتتأثر بما حولها، وهذا الأخير يشكل في حد ذاته تهديدا لأمنها، خاصة ما إذا علمنا بأن مثل هذه التطورات ليست في متناول جميع الدول،  بل هي حكر فقط على الدول المتقدمة التي يمكنها الحصول على ما تريده من معلومات عسكرية أو اقتصادية أو جغرافية لأي دولة أخرى عن طريق الأقمار الصناعية الفضائية والطائرات الذكية بدون طيار.

    أما في مجال تطور أسلحة الدمار الشامل فقد عرف العالم ثورة في هذا المجال بعد صنع القنابل الذرية والهيدروجينية والصواريخ ذات الرؤوس النووية والغازات القاتلة كغاز الخردل مثلا والذي يعني استخدامها فناء العالم كله، فقد أصبح التهديد باستخدام هذه الأسلحة واستخدامها في أحيانا أخرى، وسيلة لممارسة الضغط والمساومة لإحداث تعديلات في الأوضاع الدولية بما يتناقض ويتنافى مع قواعد القانون الدولي المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، مما أحبط عمل الأمم المتحدة التي أصبحت بأمس الحاجة إلى تفعيل آلياتها عن طريق استحداث وسائل جديدة لمواجهة هذه التحديات.[6]



  • الموضوع الرابع: مساهمة المنظمات الدولية الإقليمية في حماية حقوق الإنسان

    مساهمة المنظمات الدولية الإقليمية في حماية حقوق الإنسان:

    تلعب المنظمات الإقليمية دورا مكملا للدور الذي تقوم به أجهزة الأمم المتحدة ، حيث تعمل هذه المنظمات على وضع أحكام وقواعد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان محل التطبيق والتنفيذ على ارض الواقع ، كما تعمل على وضع الآليات التشريعية ممثلة في الاتفاقيات المنشاة لها والآليات المؤسساتية ممثلة في الأجهزة التي تستحدثها والمختصة في مراقبة مدى التزام الدول الأعضاء فيها بأحكام الاتفاقية ذات العلاقة بحقوق الإنسان المنبثقة هي الأخرى عن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان المتعارف عليها في القانون الدولي.

    وفي هذا الصدد تتعدد المنظمات الدولية الإقليمية الناشطة في هذا المجال ، ولعل من أهمها وأبرزها فعالية في حماية حقوق الإنسان نذكر المنظمات التالية:

    المطلب الأول: منظمة مجلس أوروبا:

    يعتبر مجلس أوروبا أقدم شكل من أشكال التنظيم عرفة القارة الأوروبية في العصر الحديث بما تضمنته من أحكام سامية وقواعد قانونية دولية ترقى لان تكون احدث ما عرفته البشرية في مجال الاعتراف بحقوق الإنسان، فقد أنشاء مجلس أوروبا سنة 1949 مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإنشاء منظمة الأمم المتحدة ، يظم حاليا 47 دولة أوروبية منها 27 دولة منظمة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يعد منظمة إقليمية مستقلة تماما في أهدافها وتنظيمها عن مجلس أوروبا.

    ولعل من أهم انجازات هذا المجلس في مجال حقوق الإنسان نذكر :

    الفرع الأول: الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة 1950:

    هي معاهدة دولية تهدف لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في قارة أوروبا، و هي أول إتفاقية يعقدها مجلس أوروبا حيث وضع مسودتها سنة 1950،[1] و دخلت حيز التنفيذ في 3 ديسمبر 1953 بعد تصديق 10 دول عليها وقد جاءت لتكريس هدف أوروبا وهو خلق إتحاد وثيق بين الدول الأوروبية على أساس تعزيز الحرية والديمقراطية.

    لعبت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان دورا هاما في تطوير الوعي حول حقوق الإنسان في أوروبا، وقد تم إنشاء هذا النظام الإقليمي أو القاري لحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء أوروبا  ومراعات منها، استندت هذه الاتفاقية إلى الإلهام الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وتعتبر ردا من قوات الحلفاء على الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي حدثت خلال فترة الحرب والعمل على محاولة تجنبها مستقبلا.

    تضم الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ديباجة و 66 مادة موزعة على ثلاثة أبواب، يتعلق الباب الأول بتبيان الحقوق و الحريات التي يعترف بها لكل شخص يخضع للولاية القضائية للأطراف المتعاقدة. كما أضيف إلى الاتفاقية 14 بروتوكولا إضافيا وذلك بهدف توسع أحكام الاتفاقية بمزيد من الحقوق و الحريات.

     وتجدر الإشارة إلى أنه قد تمت صياغة الاتفاقية بصورة مشابهة لاتفاقيات ومواثيق سابقة مثل القانون الحقوقي الإنكليزي وميثاق الحقوق في الولايات المتحدة الأمريكية والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان، وقد تضمنت مواد عديدة منها ما يتعلق  بإنشاء أجهزة تنفيذية إقليمية لحماية حقوق الإنسان تتمثل في اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان وقد حددت نصوص الاتفاقية آلية تشكيلها واختصاصاتها واعتبرت أحكام المحكمة أحكاما نهائية وملزمة لكل الأطراف في المعاهدة، ومنها ما يتعلق بعدم جواز تفسير أي نص في المعاهدة على أنه انتقاص لأي حق من حقوق الإنسان.[2]

    الفرع الثاني : المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان :

    هي هيئة قضائية دولية متخصصة في قضايا ومسائل حقوق الإنسان وذات اختصاص إقليمي  أنشأت استناد إلى أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة 1950 بموجب نص المادة 19 المعدلة بموجب البروتوكولات الملحقة بها لاحقا بها، و التي أسست إلى جهاز قضائي يسهر على رقابة مدى التزام دول مجلس أوروبا بقواعد احترام حقوق الإنسان ، وهو ما تم فعلا سنة 1959 أين تم إنشاء المحكمة وحملت تسمية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، وتم الاتفاق على أن يكون مقرها بمدينة ستراسبورغ الفرنسية .

    المطلب الثاني: منظــــــمة جــــــــامـــــــــــــعة الدول العربــــــــــــــية:

    وهي منظمة سياسية دولية حكومية إقليمية تضمن الدول الناطقة باللغة العربية كقاسم مشترك بينها، تأسست في القاهرة يوم 22 مارس 1945 وهر بذلك تعد من أقدم المنظمات الدولية الإقليمية في العالم بحكم أنها عاصرة إنشاء الأمم المتحدة ، وتتشكل الجامعة في الوقت الراهن من 22 دولة عضو .

    الفرع الأول: أهداف منظمة الجامعة العربية ونظام عملها:

    فبالرغم أن معالم التنظيم الإقليمي في فترة إنشاء الجامعة العربية كان غير واضح من جانب القانون الدولي ، إلا أن صدور ميثاق الأمم المتحدة المتضمن في فصله السابع الطبيعة القانونية للمنظمات الإقليمية التي يمكن للدول الأعضاء فيها إنشائها وتنظيم العلاقة بينهما والدور الذي يمكن أن تلعبه في سبيل تحقيق السلم والأمن وحماية حقوق الإنسان في العالم وهو الأمر الذي تسعى لتحقيقه المنظمة الأممية، حيث نص الميثاق الاممي  في مادته 52 على انه: " 1- ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحا فيها ومناسبا ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد "الأمم المتحدة" ومبادئها.

    2. يبذل أعضاء "الأمم المتحدة" الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم تلك الوكالات كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالات وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن.

    3. على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمن  . . . ".

    كما يمكن للمنظمات الإقليمية المساهمة في عملية حفظ السلم الدولي من خلال ما يمكن أن تقدمه من مساعدات قانونية وتقنية وسياسية وحتى عسكرية إذا تطلب الأمر ذلك في إطار من الشرعية الدولية التي يتطلبها العمل الدولي وفق أحكام القانون الدولي العام ، في هذا الإطار نصت المادة 53 من الميثاق على انه : "  يستخدم مجلس الأمن تلك التنظيمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع، كلما رأى ذلك ملائما، ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه. أما التنظيمات والوكالات نفسها فإنه لا يجوز بمقتضاها أو على يدها القيام بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن المجلس، ويستثنى مما تقدم التدابير التي تتخذ ضد أية دولة من دول الأعداء المعرفة في الفقرة 2 من هذه المادة مما هو منصوص عليه في المادة 107 أو التدابير التي يكون المقصود بها في التنظيمات الإقليمية منع تجدد سياسة العدوان من جانب دولة من تلك الدول، وذلك إلى أن يحين الوقت الذي قد يعهد فيه إلى الهيئة، بناء على طلب الحكومات ذات الشأن، بالمسؤولية عن منع كل عدوان آخر من جانب أية دولة من تلك الدول. "

    من هنا جاء ميثاق الجامعة العربية من اجل تجسيد رغبة الدول العربية في بناء مؤسسة دولية تعني بالشؤون والمسائل المشتركة بينهما وتوطيد علاقة الأخوة وحسن الجوار المبنية على أساس احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطن العربي وفق ما تقتضيه جميع المواثيق الدولية ذات العلاقة  حسب ما نصت عليه المادة الثانية : " الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، و تنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها و سيادتها، والنظر بصفة عامة في شئون البلاد العربية و مصالحها.

      كذلك من أغراضها تعاون الدول المشتركة فيها تعاوناً وثيقاً بحسب نظم كل دولة منها و أحوالها في الشؤون الآتية: - الشئون الاقتصادية و المالية، و يدخل في ذلك التبادل التجاري والجمارك، والعملة، وأمور الزراعة والصناعة. - شؤون المواصلات، و يدخل في ذلك السكك الحديدية، والطرق، و الطيران، و الملاحة، و البرق، و البريد، -شؤون الثقافة، - شؤون الجنسية، والجوازات، و التأشيرات، وتنفيذ الأحكام و تسليم المجرمين،  -الشؤون الاجتماعية.  - الشؤون الصحية.

    ومن اجل القيام بأعماله ونشاطاته تتألف الجامعة العربية من مجلس الجامعة حسب المادة الثالثة يتألف من ممثلي الدول المشتركة في الجامعة ، و يكون لكل منها صوت واحد مهما يكن عدد ممثليها،  وتكون مهمته القيام على تحقيق أغراض الجامعة ، و مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول المشتركة فيها من اتفاقات في الشؤون المشار إليها في المادة السابقة، كما وينعقد مجلس الجامعة انعقاداً عادياً مرتين في السنة، في كل من شهر مارس وسبتمبر، وينعقد بصفة غير عادية كلما دعت الحاجة الى ذلك بناء على طلب دولتين من دول الجامعة حسب ما نصت عليه المادة الحادية عشر .

    هذا وتتألف الجامعة أمانة عامة دائمة تتألف من أمين عام وأمناء مساعدين، وعدد كاف من الموظفين.ويعين مجلس الجامعة بأكثرية ثلثى دول الجامعة، الأمين العام، ويعين الأمين العام، بموافقة المجلس، الأمناء المساعدين والموظفين الرئيسيين فى الجامعة، ويضع مجلس الجامعة نظاماً داخلياً لأعمال الأمانة العامة وشئون الموظفين.[3]

    وعلى العموم تسهر الجامعة العربية انطلاقا من ميثاقها على توثيق الصلات بين الدول العربية.

    والحفاظ على استقلال الدول الأعضاء.

    -               تنسيق الخطط والسياسات بين الدول الأعضاء.

    -               تحقيق التعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية، وغيرها.

    -                 النظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها.

    -               التعاون مع الهيئات الدولية لكفالة الأمن والسلام وتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.

    معتمد في ذلك مجموعة من الأجهزة والوكالات المتخصصة المنشاة خصيصا لهذا الغرض نذكر منها:

    -               مجلس الوحدة الاقتصادية العربية.

    -               منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول.

    -               المنظمة العربية للتنمية الإدارية.

    -               اتحاد إذاعات الدول العربية.

    -               المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

    -               المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة.

    -               الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري.

    -               منظمة العمل العربية.

    -               المنظمة العربية للتنمية الزراعية.

    -               المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية.

    -               الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب.[4]

    -               الهيئة العربية للطاقة الذرية.

    -               المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين.

    -               الهيئة العربية للطيران المدني.

    -               المنظمة العربية لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات.

    -               الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

    -               المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا.

    -               المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات.

    -               صندوق النقد العربي.

    -               والهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي.

    وترفع هذه المنظمات تقاريرها السنوية إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورة سبتمبر من كل عام. [5]

    الفرع الثاني : ميثاق منظمة الجامعة العربية لحقوق الإنسان:

    تأكيدا على الاحترام الواجب لحقوق الإنسان [6]والتزاما منها بجميع الصكوك والمواثيق الدولية ذات الشأن ، قامت الدول العربية في إطار جامعة الدول العربية بإبداء حسن نيتها اتجاه جميع القضايا العادلة المتعلقة بحقوق الإنسان المكرسة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المختلفة ، تجسدت حسن النية هذه في إصدار ميثاق الجامعة العربية الخاص بحقوق الإنسان في 23 ماي 2004 بمناسبة انعقاد القمة العربية السادسة عشر في العاصمة تونس ، وهو الذي يعتبر سابقة تاريخية في العمل العربي المشترك الذي تأثر بما وصل إليه التنظيم الدولي من تطور في مجال حقوق الإنسان.

    حيث نصت المادة الأولى منه على أن :" يهدف هذا الميثاق في إطار الهوية الوطنية للدول العربية والشعور بالانتماء الحضاري المشترك إلى تحقيق الغايات الآتية:

    1-        وضع حقوق الإنسان في الدول العربية ضمن الاهتمامات الوطنية الأساسية التي تجعل من حقوق الإنسان مثلاً سامية وأساسية توجه إرادة الإنسان في الدول العربية وتمكنه من الارتقاء نحو الأفضل وفقاً لما ترتضيه القيم الإنسانية النبيلة.

    2-        تنشئة الإنسان في الدول العربية على الاعتزاز بهويته وعلى الوفاء لوطنه أرضا وتاريخا ومصالح مشتركة مع التشبع بثقافة التآخي البشري والتسامح والانفتاح على الآخر وفقا لما تقتضيه المبادئ والقيم الإنسانية وتلك المعلنة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

    3-        إعداد الأجيال في الدول العربية لحياة حرة مسئولة في مجتمع مدني متضامن وقائم على التلازم بين الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات وتسوده قيم المساواة والتسامح والاعتدال.

    4-           ترسيخ المبدأ القاضي بأن جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة." .

     

    وتأكيدا لذلك نصت المادة الثانية على انه: " 1- تتعهد كل دولة طرف في هذا الميثاق بأن تكفل لكل شخص خاضع لولايتها حق التمتع بالحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الميثاق من دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو المعتقد الديني أو الرأي أو الفكر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو الإعاقة البدنية أو العقلية.

    2- تتخذ الدول الأطراف في هذا الميثاق التدابير اللازمة لتأمين المساواة الفعلية في التمتع بالحقوق والحريات كافة المنصوص عليها في هذا الميثاق بما يكفل الحماية من جميع أشكال التمييز بأي سبب من الأسباب المبينة في الفقرة السابقة.

     3- الرجل والمرأة متساويان في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات في ظل التمييز الايجابي الذي أقرته الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية الأخرى والتشريعات والمواثيق النافذة لصالح المرأة.

    وتتعهد تبعا لذلك كل دولة طرف باتخاذ كل التدابير اللازمة لتأمين تكافؤ الفرص والمساواة الفعلية بين النساء والرجال في التمتع بجميع الحقوق الواردة في هذا الميثاق."

    وقد أسس هذا الميثاق العربي آلية لمراقبة حسن تطبيق الدول الأطراف فيه لالتزاماتهم من خلال اختصاصات لجنة حقوق الإنسان العربية بموجب المادة 47 من الميثاق الحقوق ، والتي تضم 7أعضاء من مواطني الدول الأعضاء في المنظمة  ، يعملون بصفتهم الشخصية ويبحثون في التقارير الأولية والدورية التي ترسلها الدول الأطراف إلى اللجنة والتي تقوم بصياغة تقاريرها وتوصياتها بخصوص هذه التقارير، وفي سبيل ذلك تتعهد الدول الأطراف حسب المادة 48 من الميثاق[7]  بتقديم تقارير بشأن التدابير التي اتخذتها لإعمال الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الميثاق وبيان التقدم المحرز للتمتع بها، ويتولى الأمين العام لجامعة الدول العربية بعد تسلمه التقارير إحالتها إلى اللجنة للنظر فيها، تقوم الدول الأطراف بتقديم التقرير الأول إلى اللجنة خلال سنة من تاريخ دخول الميثاق حيز التنفيذ بالنسبة لكل دولة طرف وتقرير دوري كل ثلاثة أعوام . ويجوز للجنة أن تطلب من الدول الأطراف معلومات إضافية ذات صلة بتنفيذ الميثاق.

      تدرس اللجنة التقارير التي تقدمها الدول الأطراف بحضور من يمثل الدولة المعنية لمناقشة التقرير، على ان تحيل اللجنة تقريرا سنويا يتضمن ملاحظاتها وتوصياتها إلى مجلس الجامعة عن طريق الأمين العام، وتعتبر تقارير اللجنة وملاحظاتها الختامية وتوصياتها وثائق علنية تعمل اللجنة على نشرها على نطاق واسع.

    الفرع الثالث : المحكمة العربية لحقوق الإنسان:

    تيمنا بما وصلت آليات حماية حقوق الإنسان في العالم في إطار المنظمات الإقليمية من إنشاء هيئات قضائية دولية تعني بالنظر في جميع المسائل ذات العلاقة المباشرة بحقوق الإنسان على غرار ما وصلت إليه منظمة مجلس أوروبا من خلال الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان  لسنة 1950 والتي جسدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على ارض الواقع سنة 1959، وأيضا المحكمة الإفريقية لحماية حقوق الإنسان والشعوب المنشاة سنة 1998 بموجب البرتوكول الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.، ومحكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان لسنة 1979 المنشاة بموجب الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.

    جاء الدور على الدول العربية بالرغم أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان ولم ينص على تأسيس محكمة عربية متخصص في مجال حقوق الإنسان كمظهر من مظاهر إصلاح الجامعة العربية ، هذا المقترح الذي رعته وتبنته دولة البحرين في اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى جدول أعمال القمة في دورته 137 المنعقدة في العاصمة الدوحة بقطر  في 15 ديسمبر 2012 أين كرس الاقتراح في القرار رقم 7489 بتاريخ 10 مارس 2012 هذا القرار الذي كلف مجموعة من الخبراء العرب بمناقشة وإعداد القانون الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، هذا القانون الأساسي الذي وافقت عليه الدول العربية من حيث المبدأ بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربية بالكويت سنة 2014 ، وتتويجا لذلك اقر مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري في دورته العادية 142 النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان بموجب القرار رقم: 7790 بتاريخ: 07 سبتمبر 2014.[8]

    الفرع الرابع: واقع منظمة الجامعة العربية:

    بعد حوالي 70 سنة من إنشاء جامعة الدول العربية و دخول ميثاقها حيز النفاذ، لا زالت هذه الأخيرة تواصل مسيرتها المضطربة في ظروف دولية مغايرة تماما للظروف التي أنشأت فيها وعلى وجه الخصوص المسائل المتعلقة بالأمن والسلم العربي التي شهدت متغيرات جديدة أملتها التطورات و التحولات الحاصلة على المجتمع الدولي،حيث أصبح الإرهاب الدولي و الانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان ، و الحروب الأهلية ، و التبعات الناجمة عن التلوث البيئي ، و الجريمة المنظمة ، و تجارة المخدرات و انتشار الأوبئة و الأمراض ، والهجرة غير الشرعية ، و الاستعمار  والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ، كلها تشكل مصادر مهددة للأمن و الاستقرار داخل الدول العربية ، على غرار ما نشهده حاليا في اليمن و سوريا و ليبيا و لبنان و فلسطين و الصحراء الغربية، وعليه فلا يوجد أي تطور واضح لطبيعية المهام التي بتعيين على منظمة الجامعة الدول العربية القيام بها لمجابهة هذه الحتميات في ظل محدودية صلاحياتها ومهامها المنصوص عليها في ميثاقها .

    فإذا رجعنا إلى واقع المنظمة في الظروف الدولية الراهنة ، فإننا لا نستطيع أن ننكر أن غالبية الرأي العام العربية يحمل نظرة غير متفائلة بخصوص دورها في لم شمل الدول العربية المنظمة لها و توحيد مواقف إنجاحها .

     

     

     

     

     

     

     

     

    المطلب الثالث: منظــــــمة الدول الأمريكية:

    تجدر الإشارة في هذا الصدد بان الدول الأمريكية كانت من الدول  السباقة في المجتمع الدولي المعاصر إلى تقنين مختلف صور وأنواع حقوق الإنسان  التي كانت ترى انه من الواجب احترامها ووضع الآليات القانونية الكفيلة بتمكين شعوبها من الانتفاع بها، ويتجلى هذا السبق في تبني دول الأمريكيتين سنة 1948 أي قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لإعلان خاص بهم موسوم بالإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان المعتمد في مدينة بوغوتا عاصمة كولومبيا .[9]

    ومنظمة الدول الأمريكية هي منظمة دولية إقليمية اعتمدت بموجب ميثاق سان جوزيه في 30 أبريل 1948 والذي دخل حيز النفاذ سمة 1951، مقرها الرئيسي  بالولايات المتحدة الأمريكية، الولايات المتحدة عدد أعضاؤها ال35 هم البلدان المستقلة في القارة الأمريكية، وتهدف المنظمة إلى تأمين دفاع ذاتي جماعي بين الدول الأعضاء، وتعاون إقليمي مشترك قائم على أساس مبدأ حسن النية و حسن الجوار وتسوية الخلافات والأزمات الدولية التي يمكن أن تنشأ بينهم بالطرق السلمية. ويورد ميثاق المنظمة المبادئ المرشدة للجماعة، وتتضمن أهمية احترام القانون الدولي، والعدالة الاجتماعية، والتعاون الاقتصادي، والمساواة بين جميع الشعوب.

    على العموم يمكننا تقييم التجربة الأمريكية في مجال حماية حقوق الإنسان من خلال النقاط التالية:

     

     

    الفرع الأول: الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان:

    وهي تعد من أهم المساهمات القانونية التي قدمتها منظمة الدول الأمريكية للمجتمع الدولي في الوقت المعاصر و القانون الدولي لحقوق الإنسان على حد سواء، وقد اعتمدت في 22 نوفمبر 1969 ودخلت حيز النفاذ 18 جويلية 1987 ، اين تعهدت الدول الأطراف بضرورة العمل والسعي الى فرض الاحترام الحقوق والحريات المعترف بها في هذه الاتفاقية وبأن تضمن لكل الأشخاص الخاضعين لولايتها القانونية الممارسة الحرة والكاملة لتلك الحقوق والحريات دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الآراء السياسية أو غير السياسية أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الوضع الاقتصادي أو المولد أو أي وضع اجتماعي آخر.

    ولعل من اهو وابرز الحقوق المشمولة بالحماية و المتضمنة في الاتفاقية نذكر:

    1-    الحق في الحياة، إذ لكل إنسان الحق في أن تكون حياته محترمة، هذا الحق يحميه القانون، وبشكل عام، منذ لحظة الحمل، ولا يجوز أن يحرم أحد من حياته بصورة تعسفية، حسب المادة الأولى من الاتفاقية.

    2-   تحريم الرق والعبودية والعقاب بالأشغال الشاقة ، حيث لا يجوز إخضاع أحد للعبودية أو الرق غير الإرادي، فهما محظوران بكل أشكالهما، وكذلك الاتجار بالرقيق والنساء، كما لا يجوز إكراه أحد على السخرة أو العمل الإلزامي، وفي البلدان التي تجيز المعاقبة على بعض الجرائم بالسجن مع الأشغال الشاقة ، حسب نص المادة السادسة.

    3-   الحق في الحرية الشخصية والجسدية، حيث لكل شخص حق في الحرية الشخصية وفي الأمان على شخصه، كما لا يجوز أن يحرم أحد من حريته الجسدية إلا لأسباب وفي الأحوال المحددة سلفاً في دساتير الدول الأطراف، أو في القوانين الصادرة طبقاً لهذه الدساتير، حسب مقتضيات المادة السابعة.

    4-   الحق في المحاكمة العادلة، اذ لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية وتجريها خلال وقت معقول محكمة مختصة مستقلة غير متحيزة كانت قد أسست سابقاً وفقاً للقانون، وذلك لإثبات أية تهمة ذات طبيعة جزائية موجهة إليه أو للبت في حقوقه أو وجباته ذات الصفة المدنية أو المالية أو المتعلقة بالعمل أو أية صفة أخر ، كما لكل متهم بجريمة خطيرة الحق في أن يعتبر بريئاً طالما لم تثبت إدانته وفقاً للقانون، حسب المادة الثامنة من الاتفاقية.

    5-   الحق في حرية الضمير والدين. وهذا الحق يشمل حرية المرء في المحافظة على دينه أو معتقداته أو تغييرهما، وكذلك حرية المرء في المجاهرة بدينه أو معتقداته ونشرهما سواء بمفرده أو مع الآخرين سراً وعلانية، كما لا يجوز أن يتعرض أحد لقيود قد تعيق حريته في المحافظة على دينه أو معتقداته أو تغييرهما، و لا تخضع ايضا حرية إظهار الدين أو المعتقدات إلا للقيود التي يرسمها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين أو حرياتهم، حسب المادة 21 .

    6-     حرية الفكر والتعبير فلكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، دونما اعتبار للحدود، سواء شفاها أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني أو بأية وسيلة يختارها، حسب المادة الثالثة عشر.

    7-   حق الاجتماع والتجمع حسب المواد 15 و 16 من الاتفاقية ، حيث يتمتع الأشخاص بحق الاجتماع السلمي بدون سلاح، بحيث  لا يجوز فرض قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك المفروضة طبقاً للقانون والتي تشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لمصلحة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام، أو لحماية الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين أو حرياتهم.

    8-   الحق في المشاركة في الحكم من خلال المشاركة في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية، بالإضافة إلى الحق في أن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، وتضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين على قدم المساواة مع الجميع.

    الفرع الثاني: لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان:

    تتكون اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان المستحدثة بموجب المادة 34 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان من سبعة أعضاء يتمتعون بصفات خلقية عالية ومشهود لهم بالكفاءة في ميدان حقوق الإنسان وينتخبون بصفتهم الشخصية من قبل  الجمعية العامة للمنظمة لمدة أربع سنوات، ويمكن إعادة انتخابهم مرة واحدة فقط. إلا أن ولاية ثلاثة من الأعضاء المختارين في الانتخاب الأول تنتهي بانقضاء عامين. وتحدد الجمعية العامة أسماء أولئك الأعضاء الثلاثة بالقرعة فور الانتهاء من ذلك الانتخاب، من بين قائمة بأسماء المرشحين المقترحة من طرف حكومات الدول الأعضاء.

     لذلك فلكل دولة حسب المادة 36  أن ترشح ثلاثة أشخاص كحد أقصى، يكونون من مواطني الدول التي ترشحهم أو أية دول أخرى أعضاء في منظمة الدول الأمريكية، على أن يكون احدهم مواطناً من دولة غير تلك التي اقترحت اللائحة.

    وفي سبيل تحقيق اهدافها في حماية حقوق الانسان داخل الدول الاعضاء فيها تقوم اللجنة بالمهام والصلاحيات الآتي بيانها:

    -          أن تنمي الوعي بحقوق الإنسان لدى شعوب القارة الأمريكية.

    -       أن تتقدم من حكومات الدول الأعضاء بتوصيات، كلما رأت ذلك مناسباً، لاتخاذ إجراءات تدريجية لمصلحة حقوق الإنسان ضمن إطار القوانين الداخلية والمبادئ الدستورية لتلك الدول، ولاتخاذ التدابير المناسبة لتعزيز التقيد بتلك الحقوق.

    -          أن تعد الدراسات والتقارير التي تراها مناسبة لأداء مهمتها.

    -          أن تطلب إلى حكومات الدول الأعضاء تزويدها بمعلومات عن الإجراءات التي اتخذها في مسائل حقوق الإنسان.

    -       أن تجيب، من خلال الأمانة العامة لمنظمة الدول الأمريكية، على الاستيضاحات التي تتقدم بها الدول الأعضاء حول مسائل تتعلق بحقوق الإنسان، وأن تزود تلك الدول – في حدود إمكاناتها – بالخدمات الاستشارية التي تطلبها.

    -       أن تتخذ العمل المناسب في شأن العرائض وسواها من التبليغات بحسب صلاحياتها، تقوم اللجنة برفع تقرير سنوي إلى الجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية.

    الفرع الثاني: المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان:

    تعتبر المحكمة الجهاز القضائي لمنظمة الدول الأمريكية التي تعني بجميع المسائل والشؤون المتعلقة بحقوق الإنسان، وتتميز باختصاصها الضيق الذي ينحصر وفقط في النزاعات التي تكون فيها إحدى الدول الأعضاء طرفا فيها وفقط حسب المادة 61 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.

    وتتألف المحكمة من سبعة قضاة من مواطني الدول الأعضاء في المنظمة، ينتخبون بصفتهم الفردية من بين الفقهاء المتمتعون بأعلى الصفات الخلقية ومشهود لهم بالكفاءة في ميدان حقوق الإنسان، ويملكون المواصفات المطلوبة لممارسة أعلى الوظائف القضائية بحسب قانون دولة جنسيتهم أو الدولة التي ترشحهم على ان لا يكون أي قاضيين مواطنين من الدولة ذاتها.

    هذا وينتخب قضاة المحكمة بالاقتراع السري بالأغلبية المطلقة لأصوات الدول الأطراف في هذه الاتفاقية داخل الجمعية العامة للمنظمة، فلكل دولة طرف أن تقترح ثلاثة مرشحين كحد أقصى من مواطني الدولة المقترحة أو أية دولة أخرى عضو في منظمة الدول الأمريكية على الأقل يجب أن يكون احدهم من غير مواطني الدولة المقترحة حسب ما نصت عليه المادة 53 من الاتفاقية محل الدراسة.

    يمارس قضاة المحكمة مهامهم لمدة ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، غير أن عهدة الثلاثة القضاة المنتخبين في الانتخاب الأول تنتهي بانقضاء ثلاث سنوات.

    وقد نصت الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان على الاختصاصات الممنوحة للمحكمة وحددتها على النحو التالي:

    -      يمكن للدول الأعضاء في المنظمة استشارة المحكمة بشأن تفسير هذه الاتفاقية أو أية معاهدات أخرى تتعلق بحماية حقوق الإنسان في الدول الأمريكية. ويمكن أيضاً للهيئات المنصوص عليها في الفصل العاشر من ميثاق منظمة الدول الأمريكية المعدل ببروتوكول بوينس إيرس، ضمن نطاق اختصاصها، أن تطلب استشارة المحكمة.

    -      يمكن للمحكمة، بناء على طلب دولة عضو في المنظمة أن تزود تلك الدولة بآراء حول مدى انسجام أي من قوانينها الداخلية مع الوثائق الدولية.

    -      ذا وجدت المحكمة أن ثمة انتهاكاً لحق أو حرية تصونها هذه الاتفاقية، تحكم المحكمة أنه يجب أن تضمن للفريق المتضرر التمتع بحقه أو حريته المنتهكة. وتحكم أيضاً، إذا كان ذلك مناسباً، أنه يجب إصلاح الإجراء أو الوضع الذي شكل انتهاكاً لذلك الحق أو تلك الحرية وأن تعويضاً عادلاً يجب أن يدفع للفريق المتضرر.

    -         تتخذ المحكمة التدابير المؤقتة التي تراها ملائمة في القضايا التي هي قيد النظر.

    -      ترفع المحكمة إلى كل دورة عادية للجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية تقريراً عن أعمالها خلال العام المنصرم لتنظر فيه الجمعية العامة. ويتحدد بصورة خاصة القضايا التي لم تلتزم فيها دولة ما بحكم المحكمة، وتقدم أية توصيات مناسبة.

     

     



  • الموضوع الخامس: المبحث الأول: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

    يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس بفرنسا يوم 10 ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف في دورتها 3 هو المرجعية القانونية الأساسية لجميع النصوص القانونية الصادرة في المجتمع الدولي سواء على المستوى الداخلي والمتمثلة في مختلف التشريعات والقوانين الوطنية الداخلية او على المستوى الدولي العالمي والإقليمي ممثلة في مختلف الصكوك والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات ذات العلاقة بحقوق الإنسان و المصادق عليها من قبل دول المجتمع الدولي .

    لذلك يعد هذا الإعلان بمثابة البنيان والأساس القانوني الذي تؤسس بموجبه جميع النصوص القانونية المعنية بحقوق الإنسان في العالم،

    المطلب الأول : الطبيعة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

    لقد أقرت قرار الجمعية العامة المتضمن الإعلان بان  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم، كما يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته، واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام، ومن خلال التعليم والتربية، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، وكما يكفلوا بالتدابير المطردة الوطنية والدولية، الاعتراف العالمي بها ومراعاتها الفعلية، فيما بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها وفيما بين شعوب الأقاليم الموضوعة تحت ولايتها على السواء.

    لقد اختلف الفقه الدولي في تحديد الطبيعة القانونية لهذا الإعلان وقوته القانونية الملزمة، وانقسموا حوله بين من أضفى على أحكامه القوة الملزمة ، وبين من نفى ذلك باعتبارها أحكام أخلاقية أكثر منها قانونية.

    الفرع الأول: إلزامية أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

    ذهب جانب كبير من الفقه الدولي خاصة منهم المعاصرين إلى إضفاء صفة الإلزام على قواعد الإعلان باعتباره ذو وثيقة مرجعية في القانون الدولي تتمتع بطبيعة قانونية سامية مقبولة في لدى اغلب أعضاء الجماعة الدولية من دول ومنظمات وكيانات المجتمع المدني المختلفة ، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان يستمد قوته القانونية الملزمة من قوة أحكام ميثاق الأمم المتحدة نفسها  بحكم أنها الأسبق في الوجود .

    وعليه  فالاعتراف بنوع من السمو لهذا الإعلان من شانه ان  يجعله مرجعية لجميع الأعمال القانونية الصادرة عن مختلف مكونات المجتمع الدولي من معاهدات واتفاقيات وحتى تصرفات انفرادية، فالإعلان هنا يضفي على هذه القرارات الشرعية الدولية التي توجب تطبيقها واحترامها وعليه يمكن القول بان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هنا هو حامي شرعية القانون الدولي لحقوق الإنسان.

    الفرع الثاني: أساس إلزامية قواعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

    يستمد الإعلان العالمي أساسه القانوني بوصفه مرجعية قانونية لجميع الالتزامات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان  التي ترتضيها الدول، فهي لا تعدوا أن تكون من النتائج المترتبة على علاقة الإعلان بميثاق الأمم المتحدة ، حيث نص ديباجة الإعلان على أنه: « ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره، وبتساوي الرجال والنساء في الحقوق، وحزمت أمرها على النهوض بالتقدم الاجتماعي وبتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية أفسح، ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالعمل، بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان تعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية،  »، هذه المادة التي اعتبرت الميثاق الأممي بمثابة ورجعية قانونية للإعلان نفسه ، وبالتالي فإنه يجب على جميع الاتفاقيات الدولية السابقة أو اللاحقة على إبرامه أن لا تتعارض مع أحكامه بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان [1].

                وتجدر الإشارة إلى أن طبيعة النزاع الناجم عن هذه العلاقة، قد يختلف باختلاف الأسبقية الزمنية لإحدى الالتزامات عن الأخرى، وأيضا باختلاف أطرافه.

                فإذا كنا بصدد التنازع بين الالتزامات الناشئة عن الميثاق والالتزامات الواردة في المعاهدات الدولية المبرمة بين الدول الأعضاء، فإنه يسري عليها حكم المادة 103 من الميثاق الأممي والذي يعد إعمالا للقواعد العامة التي تحكم تنازع نصوص المعاهدات الدولية المتعددة، بحيث أنه لو كان الميثاق هو الأسبق في الإبرام على المعاهدة التي تثير التنازع فالعبرة هنا بأحكام  الإعلان العالمي لا المعاهدة.

                ومما سبق عرضه يتضح أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ذو طبيعة تعاهدية بامتياز يستمد قوة القانونية من قوة الميثاق نفسها إلا انه لا يعد جزأ منه.

    فهو بدرجة أولى المرجعية الدولية لجميع المعاهدات المبرمة من قبل الجماعة الدولية، فهو يمكن السلطة العليا في المحافظة على أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان[2]، وهو بدرجة ثانية معاهدة دولية يلتزم أعضاؤها بمبادئها ويسعون لتحقيق أهدافها، وهو بدرجة ثالثة هو الوثيقة الأسمى في القانون الدولي لحقوق الإنسان والمقرر على كافة النظام الدولي الى جانب كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

    المطلب الثاني:

    افتقار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للقوة الملزمة:

    في مقابل ما سبق الإشارة إليه، يتجه الكثير من الفقه الدولي إلى عدم الاعتراف بالقوة القانونية الملزمة لأحكام الإعلان العالمي، وينطلقون في طرحهم هذا من الحجج والنقاط الآتي بيانها:

    الفرع الأول: يعتبرون أن الإعلان العالمي هو  مجرد وثيقة شرفية ذات قيمة أخلاقية وأدبية أكثر من كونها ذات قيمة قانونية، على اعتبار ان ديباجة الإعلان قد اعترفت في حد ذاتها بهذه الحقيقة عندما نصت على : " تنشر على الملأ هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم ... " .

    الفرع الثاني: كما يستدل أنصار هذا الطرح بان الإعلان العالمي لم يتضمن أي نص يفيد بحجية وإلزامية نصوصه في مواجهة الدول والكيانات المخاطبة به.، وعليه فلا يمكننا إضفاء الفقه الإلزامية لقواعده التي نفت على نفسها أنها ملزمة أصلا، وفق القاعدة المتعارف عليها بان فاقد الشيئ لا يعطيه.

    الفرع الثالث: وفي نفس السياق أكد البعض من فقهاء القانون الدولي بان قواعد الإعلان العالمي لا تعدوا ان تكون من الناحية القانونية النظرية والعملية عبارة عن توصيات فقط، ويستدلون في ذلك في كون الإعلان العالمي صادر من الناحية القانونية في شكل توصية أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وكما هو متعارف عليه في القانون الدولي بان التوصيات عبارة عن أعمال وتصرفات قانونية غير ملزمة ، التوصية الصادرة عن الجمعية العامة هي عبارة عن دعوة معينة تتوخى المنظمة من الدول الأعضاء فيها السير على هداها لتحقيق المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي، وقد عرفها الدكتور محمد طلعت الغنيمي بقوله: «إرادة تصدر عن المنتظم الدولي لا تتضمن معنى الأمر والإلزام بذاتها ولكنها تتضمن مجرد نصيحة أو رغبة أو دعوة».[3]

    فإذا كانت الجمعية العامة بوصفها جهاز تداولي تعمل بواسطة إصدار هذه التوصيات التي تعبر عن المواقف الرسمية للدول الأعضاء فيها، فإن تكرار مثل هذه التوصيات في بعض المواضيع من شأنه الكشف عن قانون دولي عرفي. [4]

    الفرع الرابع: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو عبارة عن عرف دولي، حيث اعتبرها جانب من الفقه بأنها عادة ما تشكل تدوينا لعرف دولي إلزامي وبالتالي فهي تنفذ بشكل ديمقراطي ما دامت أنها تحوز على الأغلبية.[5]

    انطلاقا مما سبق ، وبالرغم من الجدل القائم حول القيمة القانونية لأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، فان هذا الأخير قد فرض احترامه لدى جميع مكونات المجتمع الدولي لدرجة أن اغلب الدساتير في العالم أسست عليه أحكامها ونصت على وجوب وضرورة احترامه والعمل على تجسيده وتكريس قواعده على ارض الواقع بما في ذلك الدستور الجزائري الذي نص صراحة في التعديل الدستوري لسنة 2020 ، حيث أكد المؤسس الدستوري في الديباجة على انه: " يعبر الشعب الجزائري عن تمسكه بحقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر".[6]