مخطط الموضوع

  • بطاقة تواصل

     

    اسم الأستاذ ولقبه: الدكتور عجابي الياس

    جامعة محمد بوضياف بالمسيلة

    كلية الحقوق والعلوم السياسية

    قسم: الحقوق

    الإميل المهني:  ilyas.adjabi@univ-msila.dz

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عنوان المطبوعة البيداغوجية:  محاضرات في مقياس المالية العامة

    الفئة: السنة الثالثة تخصص القانون العام

    السداسي: الخامس

    اسم الوحدة: وحدات التعليم المنهجية

    اسم المادة: المالية العامة

    الرصيد:01

    المعامل:01


  • الأهداف

  • الموضوع الاول: الانعكاسات والتحولات الوظيفية لعلم المالية العامة

    الانعكاسات والتحولات الوظيفية لعلم المالية العامة:

    بعد التطور الحاصل في النظام المالي والاقتصادي الدولي  تبدوا السياسة المالية التقليدية اليوم منهكة ومثقلة بالأعباء والتحديات نتيجة التحولات التي طرأت على النظام الدولي الراهن، هذه المستجدات التي غيرت مفاهيم كثيرة في نظام مالية الدولة أثرت كثيرا على نظرة شعوب الدول لهذا النظام بحكم ما صاحب هذه التغيرات من مخاطر وتحديات وتهديدات غير مسبوقة أضعفت قدرة الوسائل المالية على مواجهتها في ظل واقعها وتركيبتها الراهنة، لذلك تبدوا المالية بوسائلها التقليدية اليوم في حالة إجهاد تام نتيجة الأزمة المتعددة الأبعاد والأوجه التي تهددها بالانهيار خاصة منها الأزمة المالية.

             فالمالية الحديثة هي مجموعة من المفاهيم والأدوات والتقنيات التي تستخدم في إدارة الشؤون المالية بشكل فعال وفعال في العصر الحديث، تركز المالية الحديثة على تحقيق الأهداف المالية والمستدامة للدول والمؤسسات المالية العمومية، وتسعى لتحسين التخطيط والمراقبة المالية وتعزيز الشفافية والمساءلة المالية.

    حيث تستخدم المالية الحديثة التكنولوجيا والأنظمة المعلوماتية لتسهيل وتحسين إجراءات المالية والمحاسبة،  وذلك باستخدام البرمجيات المتقدمة لإدارة الميزانيات والحسابات وتحليل البيانات المالية.

    كما تقوم  المالية الحديثة على تعزيز الشفافية والمساءلة المالية من خلال توفير الأنظمة المالية الحديثة معلومات دقيقة وشفافة حول الإيرادات والنفقات والديون والتزامات المالية الأخرى، مما يمكن المسؤولين والجمهور من مراقبة وتقييم الأداء المالي للحكومة أو المؤسسة المالية، وهو أمر لا مكن توقعه إلا بتطوير أساليب وأدوات للتخطيط المالي وإعداد الموازنات بشكل فعال، تهدف هذه الأساليب إلى تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات وتخصيص الموارد المالية بناءا على الأولويات والأهداف الإستراتيجية.

    الفرع الأول: مراحل تطور ونشأة علم المالية:

    فالتحول الذي طرأ على النظام الدولي الراهن انعكس سلبا كما سبق التوصل إليه، وبدرجة كبيرة على أسلوب عمل النظام المالي وفعاليته في الاضطلاع بالوظائف والمسؤوليات المنوطة بها على نحو وضع مصداقيتها على المحك ، إذ أن النظام المالي  في الوقت الراهن أصبح يتطلب أساليب مالية قوية وأكثر عملية وفعالية في تحقيق التوازن بين الإيرادات المحصلة والنفقات المستهلكة والحاجيات المطلوب إشباعها، ففي حين انصبت كل جهود المتخصصين في علم المالية على دراسة مقترحات الإصلاح كخطوة عملية نحو تجديد هذه الأنظمة التقليدية، إلا أننا نرى بأن أي عملية إصلاح في ظل التوازنات السياسية الهشة التي تعيشها بعض الدول ستؤول إلى الفشل الحتمي، لأن الأمر مرتبط بدرجة أساس بإرادة سياسية جادة وطموحة .

    إن مالية الدولة بالمعنى المذكور لم تكن معروفة في العصور القديمة والقرون الوسطى، فلم تكن مالية الدولة منفصلة عن الملك أو الأمير، بل كانت تختلط ماليتها بحيث كان ينفق الملك أو الأمير على الدولة كما ينفق على أسرته وحاشيته.

    ويرجع السبب في انفصال المالية العامة عن مالية الحاكم إلى ظهور الوعي القومي وتقدم الشعوب، فعندما احتاج الملك أو الأمير إلى فرض الضرائب بدأت الشعوب تطالب بوضع قواعد المالية الدولة وبضرورة موافقة ممثلي الشعب عن تقرير الضرائب وعلى كيفية إنفاق حصيلتها.

    كما أن النفقات العامة بالصورة التي نعرفها في الوقت الحاضر لم تكن موجودة منذ القدم، فإذا أرادت الدولة في الآونة الأخيرة الحصول على أدوات أو مهمات فإنها تلجأ إلى شرائها نقدا بالمناقصة أو الممارسة بحسب الأحوال،  وإذا احتاجت إلى خدمات الأفراد فإنها تعين بعضهم كموظفين وتدفع مرتباتهم نقدا، أما في العصور القديمة لم تكن الأمور تجري على هذا الوضع و إنما كانت تستولي الدولة على ما تحتاج إليه من أموال الأفراد استيلاء جبريا دون مقابل، كما كانت تستخدم في بعض الأحيان الأفراد في أداء المهام العامة سخرة دون أجر، وكانت تسمح في بعض الأحيان الأخرى للأفراد الذين يقومون بأعباء عامة بتحصيل مرتباتهم من الجمهور مباشرة ، فقد كان القضاة مثلا يحصلون رسوما من أصحاب القضايا نظير الفصل في خصوماتهم كأتعابهم. وبذلك لم تكن الدولة تخرج نقودا من ذمتها المالية لمرتبات الموظفين أو لشراء ما تحتاج إليه من مهمات وأدوات كما هو الحال الآن نلخص ذلك في أن المالية العامة باعتبارها مالية منفصلة عن مالية الحاكم قوامها الإنفاق النقدي للحصول على الأموال والخدمات اللازمة للدولة لم تكن موجودة منذ أن وجدت الحكومات بل يرجع وجودها إلى مدة ليست ببعيدة.[1]

    مرت مالية الدولة بثلاثة أشواط: الأول عرف بفترة الدولة الليبرالية التي تميزت بتحديد النفقات والعمل  على  توازن الميزانية العامة للدولة إلى جانب الإصرار على حيادية دور الدولة في الحياة الاقتصادية، أما الثاني فهي فترة الدولة المتدخلة والتي نادى مؤيدو هذا الطرح بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية حتى تتمكن من القضاء على الانحرافات التي يمكن  أن ينزلق فيها اقتصاد الدولة وتعديل وضبط مساره وفق الأهداف النهائية المرسومة من قبل السياسة الاقتصادية.

    ويظهر تدخل  الدولة خلال هذه المرحلة فيما يتعلق بالمالية العامة من خلال الزيادة في النفقات العمومية بسبب ارتفاع  حجم الإعانات الاجتماعية والاستثمارات في التجهيزات إلى جانب إعادة النظر في التوازن الميزاني حيث اعتبر العديد من مفكري تلك المرحلة وعلى رأسهم " جون مينارد كينز" أن العجز الميزاني بإمكانه أن يلعب دور عامل من عوامل التحفيز الاقتصادي لنأتي إلى الشوط الثالث الذي وصلت إليه مالية الدولة وهي المرحلة المعاصرة أين تعددت فيه أساليب تدخل وتسيير المالية العامة.[2]

    الفرع الثاني: التحول في وظيفة علم المالية العامة:

    أمام ارتباط المالية العامة بالنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في الدولة، فلا ك أن أي تطور في هذه النظم والفلسفة التي تسيطر على الجماعة لابد وأن تنعكس على النظم المالية المتبعة في الإدارة، أي أن دور الدولة في المجتمع يحدد نطاق نشاطها المالي المتمثل في إنفاقها لما تحصل عليه من إيرادات عامة بقصد إشباع الحاجات العامة.

    وفي نطاق دراستنا لدور المالية العامة فإننا نميز نوعين من المالية العامة: محايدة ومتداخلة

    أولا: مرحلة الدولة الحارسة :

    هيمنت خلال  هذه الفترة من القرن التاسع عشر(19) فلسفة الفكر الكلاسيكي التي تبنت في مجال المالية العامة مبدأ الحرص على تحديد النفقات والاقتصاد فيها وللوصول إلى ذلك يجب الإبقاء على توازن الميزانية العامة للدولة، ولضمان كل هذا رأى الكلاسيكيون في  تحييد أداء الدولة الاقتصادي الوسيلة المثلى لذلك، فتدخل الدولة حسبهم يؤدي لا محالة إلى زيادة النفقات مما يحدث خللا في  توازن ميزانية الدولة قد ينتج عنه اضطراب في  الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفيما يأتي معالجة ما سبق ذكره في النقاط التالية:[3]

     

    1-          تحديد النفقات:

    يتمثل الهاجس الأول للسلطة التشريعية في الترخيص للسلطة التنفيذية بالقيام إلا  بأداء  النفقات التي لا يمكن التفريط فيها من أجل سير المصالح العمومية الضرورية وهذا بهدف تحميل المكلفين بالضريبة عبء مالي ممكن.

    وهذا يتوافق مع المنطق والمنهج الليبرالي خاصة مع فكرة "البرلمانية" السائدة آنذاك في القرن التاسع عشر أين كان البرلمان بمثابة الممثل الحقيقي والشرعي للسيادة الوطنية، مقابل حذر شديد برز اتجاه السلطة التنفيذية في تسييرها للأموال العمومية.

    2-          توازن الميزانية العامة للدولة

    تحتم التقديرات المتعلقة بالميزانية على أي حكومة القيام تجرد وتعداد احتياجاتها المالية للسنة المقبلة ومن ثم اقتراح جملة من الموارد التي تكون متكيفة مع طبيعة النفقات.

    هذه النفقات، التي يتكون جزء منها من نفقات دائمة وغير منتجة، أما فيما يخص الإيرادات فتظهر الضريبة بمثابة الاقتطاع الأكثر ملائمة مادام أنه مورد متجدد ونهائي.

    تقوم فكره توازن الميزانية العامة للدولة على منطق المفكرين الكلاسيكيين القائلة بأنه: "عند اختلال توان الميزانية تضطر الدولة للاقتراض، حيث تأتي القروض العامة  لزيادة نفقات السنوات القادمة مادام أنه يجب إهتلاكها ودفع الفوائد عنها مما قد يؤدي إلى تضخيم العجز الميزاني".

    لمواجهة مثل هذه الوضعية، تضطر الدولة للاقتراض من جديد مما يجعلها رهينة ظاهرة المديونية والتي تعالج بتقويض الأسس المالية للدولة وعجزها عن تأدية وظائفها في المجتمع.

    دائما وفي سياق التفكير الكلاسيكي لما تعجز الدولة عن الاقتراض ستلجأ لأسلوب آخر يتمثل  في البنك المركزي والإصدار النقدي.

    ستؤدي وضعية مثل هذه إلى تداول أوراق نقدية إضافية والتي من الممكن جدا ألا تتوافق مع الزيادة في الإنتاج مما سيفجر ظاهرة أخرى هي التضخم التي تظهر ملامحها على المستوى  الداخلي بارتفاع رهيب لأسعار السلع والخدمات وعلى المستوى الخارجي بتدهور قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية الأخرى.

    في الأخير، ستدفع هذه السياسة إلى قيام الدولة بتخفيض قيمة العملة المحلية أو إلى تقييم مفرط مضر للمبادلات الخارجية مما يدفع إلى ضرورة تسطير خطة جدية للتقشف الميزاني التي يمكن لها أن تمتص الكتلة الفائضة من المتاحات النقدية.

    ومنه، من المستحسن منذ البداية التقيد بمبدأ التوازن الميزاني عوض أن ترغم الدولة على إتباعه تحت تأثير التضخم.

    3-          حيادية المالية العامة:

    يتمثل دور الحكومة، حسب النظرية الكلاسيكية، في إطار الدولة الليبرالية، في التحكيم أثناء النزاعات بين الأعوان الاقتصاديين دون التدخل في علاقاتهم الاقتصادية ومنه يتم رسم دور الدولة داخل المجتمع الذي لا يتعدى سوى ضمان الأمن الداخلي داخل الإقليم دون التكفل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.


     

    ثانيا: مرحلة الدولة المتدخلة:

    بعد أن سادت الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى في نهاية العشرينات من القرن الماضي وانتشار الكساد العالمي، برزت النظرية الاقتصادية الكينزية، من أجل حماية النظام الرأسمالي من عوامل انهياره الداخلية.

    ولقد لعبت النظرية الكنزية الدور الرئيسي في تغيير أسس النظرية الاقتصادية التقليدية، فانتقدت تلك الأسس واعتبرتها غير كافية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وأنها لا تجول دوما دون حدوث الضغوط التضخمية أو ظهور البطالة الإجبارية وانتشار الكساد، وذلك لوجود تعارض أحيانا بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع.

    وبناءا على ذلك يمكن للدولة أن تصحح  هذا التعارض وتكون أكثر رشدا وكفاءة من القطاع الخاص لأنها دائما تسعى لتحقيق مصلحة المجتمع، لذلك يقع على عاتقها واجب التدخل في النشاط الاقتصادي لمنع حدوث الأزمات الاقتصادية ومعالجتها عند حدوثها، وذلك لضمان الاستقرار الاقتصادي.

    إن تطور دور الدولة في الاقتصاد الرأسمالي أدى إلى تطور مماثل لأهداف النظام المالي فيها، فلم يعد يهدف إلى التمويل فقط بقدر ما أصبح  يهدف إلى التأثير في الحياة الاقتصادية والسياسية للأفراد، ولعل أهم هذه الأهداف:[4]

    1.           المحافظة على الاستقرار الاقتصادي ما أمكن ومعالجة الآثار الاقتصادية السلبية للأزمات الاقتصادية؛

    2.           تحقيق قدر من العدالة في توزيع الدخل القومي، وتقليل التفاوت في حدة الفوارق الاجتماعية دون القضاء على ذلك التفاوت بين الدخول والثروات؛

    3.      ضمان الاستخدام الكفء للموارد الاقتصادية عن طريق ما تحدثه النفقات العامة والإيرادات العامة من آثار في الموارد الخاصة لضمان توجيهها نحو بعض القطاعات والنشاطات الاقتصادية المرغوب فيها؛

    4.           دعم النمو الاقتصادي، وذلك باستخدام الاستثمار العام.

    كل الأهداف السابقة تعني إحداث التوازن الاقتصادي على مستوى الاقتصاد الكلي، وتحقيق التوازن الاجتماعي في المجتمع وليس فقط تحقيق التوازن المالي فيه، وبالتالي  تم التخلي عن مبدأ الحياد المالي وحل محله مبدأ المالية الوظيفية من أجل تحقيق تلك التوازنات، فتحقيق ذلك هو الذي يحدد حجم الإنفاق العام، ولا مانع أن يكون أكبر  من الإيرادات العامة، وبالتالي أصبح من المسموح به حدوث عجز في الموازنة العامة للدولة، وبالتالي سُمح لها باللجوء إلى  القروض العامة أو بإصدار النقود أو العكس باللجوء إلى تكوين احتياط مالي لمواجهة أعباء المستقبل عن طريق الحصول على إيرادات أكبر من نفقاتها وذلك لمعالجة الحالة الاقتصادية التي يكون عليها الاقتصاد من أجل تحقيق الإستقرار الاقتصادي. وبالتالي أصبح من الضروري الاهتمام بالآثار الاقتصادية للنفقات والإيرادات العامة على المكونات الكلية للاقتصاد القومي من دخل، وإنتاج وعمالة واستهلاك...قبل إقرارها.



  • الموضوع الثاني: خصوصية علم المالية العامة:

    اختلف الكتاب حول تعريف المالية العامة نظرا لتعدد الجوانب التي يتناولها هدا العلم، كما اختلف التعريف من فترة إلى أخرى.

    يعرف  الاقتصاديون الكلاسيكيون علم المالية العامة بأنه العلم الذي يدرس المطالب المشتركة للمجتمع ويبحث في حاجاته العامة التي تسعى  الدولة والسلطات المحلية القائمة في لها على توفيرها، وكيفية تدبير المال الذي يكفل وفاء هذه الحاجات  والمطالب على الوجه الأكثر اقتصادا كما يبحث في أساليب الموازنة السنوية بين الدخل والإنفاق فيكفل بهذه الموازنة سير الإدارة الحكومية على نمط مستقر.

    ونلاحظ أن هذا التعريف مقصور على تمويل النفقات العامة والموازنة بين الإيرادات والنفقات، إلا أن واقع  الأمر لا يقتصر على الجانب التمويلي للدولة بل الأهم من ذلك الجانب الحقيقي لنشاطها، الذي يتمثل في استخدام الموارد المادية والبشرية المتاحة للمجتمع والتنافس على هذا الاستخدام مع القطاع  الخاص[1].

    جاء دالتون بتعريف يتمثل في أن المالية العامة تهتم بدراسة كل من الإيرادات ونفقات السلطات العامة وموازنة كل  منها بالأخرى.[2]

    وقد عرفه العلامة آدمز بأنه العلم الذي يبحث في حاجات الدولة وفي الوسائل المادية لسداد هذه الحاجات بأقل نفقه وأكبر نفع.

     وذهب الفكر الحديث إلى تعريف علم المالية العامة بأنها " العلم الذي يدرس السياسة المالية للدولة من خلال الاستعانة بأدواته المالية المخصصة من نفقات عامة وإيرادات عامة وميزانية عامة، بقصد تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لأفراد المجتمع".

    الفرع الثاني: مظاهر خصوصية علم المالية العامة في مواجهة المالية الخاصة: [3]

    أولا: من حيث الهدف:

    تستهدف المالية العامة تحقيق الصالح العام حتى وإن لم يسفر نشاطها المالي تحقيق الربح، في حين أن المالية الخاصة تستهدف تحقيق المنفعة الخاصة المتمثلة في أرباح دورية.

    ثانيا: من حيث أسلوب الإنفاق:

    تعمل الدولة على تحديد نفقاتها أولا ثم  تعيين مقدار ما يلزمها من الإيرادات من مختلف المصادر، مع مراعاة ألا تزيد الإيرادات عن النفقات في الظروف العادية، وذلك باستقطاعها كضرائب  منهم، أما بالنسبة للمالية الخاصة بالأفراد فيتم ضبط الدخل  والأموال المتاحة للاستثمار والتوظيف أولا ثم الإنفاق في حدود من هو متاح له من دخول.

    ثالثا: من حيث أسلوب تعبئة الموارد:

    تتميز المالية العامة باعتمادها على ما تحوزه الدولة من سلطة الإجبار في فرض الضرائب والرسوم، في حين يعتمد المشروع الخاص على إيراداته من التخصيص الاختياري أو التعاقدي مع الغير.

    رابعا: من حيث التنظيم:

    تختلف الطرق الحسابية للدولة عن الطرق التي يتبعها الأفراد، فالدولة يتوجب عليها تثبيت  القيود بالدفاتر الحكومية،  واثبات الإيرادات ا لتي قبضت فعلا  خلال السنة المالية، بينما المشاريع الخاصة تسير على مبدأ استحقاق النفقة أو الإيراد، وذلك لتحميل كل فترة حسابية بإيراداتها ونفقاتها فقطـ، حتى يمكن معرفة المركز المالي للمشروع خلال سنتها المالية.

    خامسا: من حيث التشريع:

    تخضع المالية الخاصة في تكوينها إلى قواعد والتزامات القانون الخاص مثل القانون التجاري وقانون الشركات والقانون المدني باعتباره الشريعة العامة للتصرفات القانونية المختلفة، بينما تخضع المالية العامة  إلى تشريعات القانون العام وبالخصوص القانون الإداري وقانون الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام والقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية وغيرها الكثير من القوانين واللوائح.

    الفرع الثالث : علاقة المالية ببقية العلوم الأخرى:

    أولا: علاقة المالية العامة بالقانون:

    تتمثل في الإطار القانوني والتنظيمي الذي يحكم إدارة الشؤون المالية للدولة، يهدف القانون إلى تحديد السلطات والمسؤوليات والإجراءات المتعلقة بالمالية العامة وضمان النزاهة والشفافية في إدارة الموارد المالية العامة.

    فالمالية العامة تشمل جميع القضايا المالية المتعلقة بإدارة الموارد المالية للدولة، بما في ذلك تحصيل الإيرادات الحكومية، وإدارة النفقات العامة، وإدارة الديون العامة، ووضع الميزانية العامة، يتطلب كل هذا التنظيم والإشراف القانوني لضمان الاستدامة المالية والمساءلة والشفافية.

    على سبيل المثال، القانون يحدد الإجراءات القانونية لتحصيل الضرائب والرسوم والرسوم الحكومية، ويضع القواعد واللوائح لإدارة الإيرادات العامة، كما يحدد القانون القواعد واللوائح المتعلقة بإدارة النفقات الحكومية والمشتريات العامة، ويضع القيود والضوابط على الديون العامة وإصدار السندات الحكومية.

    بالإضافة إلى ذلك، القانون يلعب دورا حاسما في وضع الميزانية العامة واعتمادها، يحدد القانون الإجراءات والضوابط لإعداد ومراجعة الميزانية العامة والتصديق عليها، ويضع القيود والمعايير المتعلقة بالعجز والفائض المالي وحماية استقرار النظام المالي.

    بالتالي، يمكن القول إن القانون يعمل كإطار قانوني للمالية العامة، حيث يحدد القواعد واللوائح والإجراءات القانونية التي يجب اتباعها في إدارة الموارد المالية العامة للدولة، ويهدف ذلك إلى ضمان الشفافية والنزاهة والاستدامة المالية في إدارة المالية العام

    ثانيا: علاقة المالية العامة بالسياسة

     تتمثل في كيفية توجيه وتشكيل القرارات المالية من قبل السياسيين والحكومة، السياسة المالية هي جزء من السياسة الاقتصادية العامة للدولة وتشمل القرارات والإجراءات المتعلقة بإدارة وتوجيه الموارد المالية للدولة.

    تحدد السياسة المالية العامة المبادئ والأهداف التي تستهدفها الحكومة فيما يتعلق بالموارد المالية والنفقات العامة، تشمل هذه الأهداف تحقيق التوازن المالي والاستدامة المالية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

    على سبيل المثال، يتخذ القادة السياسيون قرارات بشأن مستوى الإيرادات الحكومية ووضع السياسات الضريبية وتحديد مستوى النفقات الحكومية وتوجيهها، يتم تحقيق هذه القرارات من خلال وضع الميزانية العامة ووضع الخطط المالية للدولة.

    بالإضافة إلى ذلك السياسة المالية العامة قد تكون مرتبطة بالسياسات الاقتصادية الأخرى مثل السياسات النقدية والسياسات الاستثمارية والسياسات الصناعية، تعمل هذه السياسات معا لتحقيق الأهداف الاقتصادية العامة للدولة.

    لذلك يمكن القول بأن السياسة المالية العامة تعكس الاختيارات والأولويات السياسية للحكومة وتؤثر في توجيه وإدارة الموارد المالية للدولة، تتعامل السياسة المالية العامة مع التحديات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الحكومة وتحاول تحقيق التوازن والاستدامة في إدارة الموارد المالية للدولة.

    ثالثا: علاقة المالية بعلم المحاسبة:

     يعد علم المحاسبة الأساس والأداة الرئيسية التي تستخدمها المالية لتحليل وتوثيق الأحداث المالية وإعداد التقارير المالية، فهو يهتم بتسجيل وتحليل وتفسير البيانات المالية والاقتصادية للأعمال التجارية والمؤسسات الاقتصادية الأخرى، وبفضل تطوره على مر الزمن، فقد أصبح للمحاسبة دور أكثر تعمقًا في تحليل البيانات المالية وتوفير المعلومات المالية الهامة لاتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية.

    وتظهر علاقة المالية العامة بالمحاسبة في العديد من الجوانب على غرار تسجيل الحسابات فعلم المحاسبة يوفر الأسس والمبادئ لتسجيل العمليات المالية والتعاملات المالية بطريقة منهجية ومنظمة، إعداد التقارير المالية حيث يعتبر المحاسبة أداة رئيسية في إعداد التقارير المالية مثل القوائم المالية وتقارير الدخل والتدفقات النقدية، توفر هذه التقارير معلومات هامة لإدارة المالية وأصحاب المصلحة الآخرين لتقييم الأداء المالي واتخاذ القرارات.

    بالإضافة إلى تحليل البيانات المالية حيث يستخدم المحاسبون تقنيات تحليل المحاسبة لفهم الاتجاهات المالية وتحديد أداء الشركة وتقييم صحة المالية وتحليل المخاطر المالية، وأيضا التخطيط المالي فالمحاسبة تساعد في وضع الميزانيات وتقدير التكاليف وتقييم الاستدامة المالية للمشروعات والأعمال التجارية.

    وعليه يمكن القول بان المحاسبة توفر الأدوات والمفاهيم التي تدعم عملية التخطيط والرصد والتحليل المالي في المالية، وتعزز الشفافية والمساءلة المالية.

     

  • الموضوع الثالث: النظام القانوني للإيرادات العمومية:

    يتعلق النظام القانوني للإيرادات العمومية بالقوانين والتشريعات التي تنظم تحصيل الإيرادات وجمع الضرائب والرسوم والمصادر الأخرى للحكومة، يهدف هذا النظام إلى تحقيق العدالة المالية وضمان توفير الموارد اللازمة لتمويل النفقات العامة وتحقيق أهداف الحكومة، وتختلف التشريعات والنظم القانونية للإيرادات العمومية من دولة إلى أخرى، ولكن هناك بعض المبادئ العامة التي تتواجد في العديد من الأنظمة القانونية، ومن بينها القوانين الضريبية التي تحكم الضرائب والرسوم التي يتعين على المواطنين والشركات دفعها للحكومة، تشمل هذه التشريعات تحديد أنواع الضرائب المفروضة والأسس التي يتم استنادها إلى حساب المبالغ المستحقة ومعدلات الضرائب، وأيضا القوانين المالية العامة المتضمنة إدارة الإيرادات العمومية وتحصيلها .

    بالإضافة إلى القوانين الجمركية التي تنظم جمارك الدولة والرسوم الجمركية على الواردات والصادرات حيث تحكم هذه التشريعات تصنيف البضائع وتحدد الرسوم الجمركية المفروضة والإجراءات الجمركية المتعلقة بالتفتيش والمراقبة.

    كل ذلك دون أن نغفل دور القوانين المالية الخاصة التي من شأنها ضمان مصادر الأخرى للإيرادات العمومية مثل العائدات العقارية والإيرادات من الشركات المملوكة للدولة،

     

    ثانيا:  الرسوم:

    تحتل الرسوم المرتبة الثانية من حيث الأهمية في ترتيب مصادر الإيرادات العامة للدولة بعد أملاك الدومين الخاص والعام بحيث تتميز بأنها من الإيرادات التي تدخل خزينة الدولة بصفه دورية ومنتظمة مما يتيح استخدامها من قبل الدولة في تمويل نفقاتها العامة المصلحة العمومية، فالرسوم هي عبارة قال مبالغ ماليه يدفعها الأفراد مقابل الخدمات الخاصة التي يحصلون عليها من المرافق والمؤسسات العمومية فهي مقابل التي تقابلها التي تقدمها الدولة الرسم على القيمة المضافة ورسوم التسجيل القضائي وغيرها.

    1-      تعريف الرسم:

    هو عبارة عن مبلغ نقدي يدفعه الفرد بصفه جبريه إلى الخزينة العمومية للدولة بواسطة إحدى هيئتها العامة مقابل مصلحة أو منفعة خاصة احصل عليها الفرد النفع العام الذي يعود على المجتمع ككل.[1]

    2-      خصائص الرسم:

    انطلاقا من تعريف الرسم تتجلد أن خصوصية طبيعته القانونية من خلال تميزه عن بقيه الإيرادات المشابهة بمجموعه من الخصائص نذكرها على النحو الآتي.

    أ‌-      الصفة النقدية للرسم:

    مع تطور المالية للدولة الحديثة وبعد أن أصبحت النقود هي الوسيلة الأكثر انتشارا في التعاملات المالية المختلفة للدولة، أصبح من المنطق أن يتم دفع الرسوم في صورة النقدية في الدولة تقوم بنفقاتها العامة في سوره النقدية ومن ثم فإنها تحصل على إرادتها أيضا في صوره النقدية وعليه فلا يمكن أن يتصور أن يتم جباية الرسم في صوره عينيه كما كان سابقا أو بالعمل لفترة زمنية معينة لصالح الإدارة العمومية أن يتم فرض الرسوم في صورة النقدية هبايتها على نفس الصورة كما تنص القوانين واللوائح في هذا المجال.

    ب - صفه الإجبار:

     فمن المتعارف علي في قوانين الجباية والرسم والضريبة ان يتم دفع الرسوم جبرا من جانب من جانب الأشخاص الذين يطلبون الخدمة العمومية بالرغم من الجدل الفقهي الذي أثاره الفقهاء حول مفهوم الجبر والإكراه في عمليه التحصيل على اعتبار ان هذا العنصر الأخير لا يتجلى إلا عند طلب الخدمة وبالتالي فان الشخص الطالب يكون له مطلق الحرية في طلب الخدمة من عدمه فإذا طلب الخدمة فهو ملزم على نحو وجوبي بدفع قيمه الرسم المقررة ، أما إذا امتنع عن طلبها فبطبيعة الحال لا يلزم بدفع أية رسوم.[2]

     ويمكن القول في هذا الصدد أن عنصر الجبر والإكراه في دفع الرسوم يأخذ أساسه القانونين من سلطة الامتياز التي تتمتع بها الدولة دون غيرها من الأشخاص الأخرى حتى تتمكن من فرض سيادتها وقراراتها الضرورية لتسيير مرافقها العمومية لذلك تستقل الدولة بواسطة مؤسساتها الدستورية بوضع القواعد القانونية الملزمة المتعلقة بالرسوم، ولتي على أساسها تجبر جميع مواطنها أفرادا ومؤسسات على دفع رسم القانون في مقابل جميع الخدمات التي تقدمها الهيئات والمؤسسات العمومية.[3]

     وإذا أردنا أن نقدم بعض الأمثلة عن هذه الرسوم فالحياة العملية بها فنذكر على سبيل المثال الرسم المقرر لاستخراج رخصة سياقة سيارات، والرسم الخاص بجوازات السفر وتأشيرات الدخول إلى البلاد أو الخروج منها رسوم التسجيل المدرسي رسوم التسجيل الجامعي والرسوم القضائية بشتى أنواعها والرسم على القيمة المضافة.




    المطلب الأول: الطبيعة القانونية للإيرادات العمومية:

    لقد أدى اتساع دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية وتحول وظائفها من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة في النشاط الاقتصادي إلى اتساع وازدياد حجم النفقات العامة وتنوع صورها، وهو الأمر الذي أدى إلى اتساع مجال الإيرادات العامة وتوسعي مصادرها حتى تتمكن الدولة من تغطيه جميع أوجه نفقاتها العامة، الدولة بذلك تحصل على إراداتها من مصادر متعددة فعلى سبيل المثال المداخيل المتحصلة من إيراداتها المنبثقة عن أملاكها ومشاريعها الاقتصادية ونقصد بالذكر كل من الدومين العام والدومين الخاص إضافة إلى الرسوم والضرائب والقروض والإصدار النقدي وغير ذلك من المصادر.

     انطلاقا من هنا واجب الذكر في دور الدولة المتسارع في الوقت الراهن قد جعل من الإيرادات العامة أداة المالية تستخدمها الدولة للتوجيه الاقتصادي والاجتماعي كما هو الحال بشان نفقات العامة كما سبق ذكر، كما تستخدمها أيضا كاداه لمحاربه بعض الأزمات الاقتصادية كالتضخم والانكماش وإعادة توزيع الدخل بحيث لم يعد يقتصر دور الإيرادات العامة على تغطيه النفقات تعرف عليها وفقط بل امتد لتحقيق أهداف اقتصاديه اجتماعيه  وحتى سياسيه.

    الفرع الأول: خصوصية الإيرادات العامة:

    من المتعارف عليه قانونا أن الإيرادات العامة انطلاقا من اعتبارها وسيلة أو آلية مالية تعرف على أنها مجموعة مداخيل التي تحصل عليها الدولة من المصادر المختلفة من اجل تغطية نفقاتها العب وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.

    وتختلف صور هذه الإيرادات العامة باختلاف طبيعتها في حد ذاتها أو باختلاف خصائصها أو باختلاف خصوصية تحصيلها حيث ذهب البعض من الفقه إلى تقسيمها بنفس طريقه تقسيم النشاط الخاص مثل إيرادات ممتلكات الدولة الخاصة وإيرادات متعلقة بالنشاط العام والتي لا يمكن أن نجدها في إيرادات الأفراد ومثالها الرسوم والضرائب والغرامات المالية وغيرها.

     في حين ذهب البعض الآخر من المتخصصين المالية إلى التمييز بين مصادر الإيرادات العامة على أساس عنصر الإجبار، فهناك مصادر إرادية تقوم على أساس عنصر الإجبار بالدولة في الحصول على الإيراد استنادا إلى امتيازاتها السيادية مثل الضرائب والغرامات المالية التي تفرضها المحاكم كعقوبات جزائية وتصب مباشره في الخزينة العمومية بالإضافة إلى التعويضات الواجب دفعها للدولة وكذلك القروض الإجبارية التي تلجا فيها الدولة إلى إجبار الأفراد على التنازل عن جزء من دخولهم لفترة معينه مع التزام الدولة بعد انتهاء هذه الفترة برد هذا الجزء إلى الأفراد، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلا أن الدولة بإمكانها أن تعفي نفسها سلطاتها السيادية من دفع أي فائدة على هذه القروض مثل ما يتعلق الأمر القروض الموجهة إلى على البطالة أو القروض الموجهة إلى دعم الاستثمار المحلي والمنتوج المحلي والقروض الممنوحة في إطار  الدعم الفلاحي.

    الفرع الثاني: صور الإيرادات العمومية:

     انطلاق من كل ما سبق تتجلى بوضوح الصور المختلفة والعديدة للإيرادات العامة التي تنتظم في إطار التقسيمات تختلف بحسب طبيعتها، وهو الأمر الذي يمكن دراسته من خلال النقاط الآتي بيانها:

    أولا: الإيرادات العمومية الاقتصادية:

    ويقصد بها الإيرادات التي تحصل عليها الدولة مقابل الخدمات التي تقدمها للأفراد في مقابل الحصول على خدمه عموميه أو منفعة خاصة وهي تشمل بذلك كل من دخل الدومين العام ودخل الدومين الخاص والمبالغ المحصلة من الرسوم ونتناولها على النحو التالي:

    1-     إيرادات العامة من ممتلكات الدولة:

     ويقصد بالدومين في هذا الإطار كل ما تملكه الدولة من أموال سواء أموال عقاريه أو منقولة وسواء كانت هذه الملكية ملكيه عامه أو خاصة ويقصد بهذه الأخيرة الأملاك أو الأموال الوطنية العامة هو الأموال والأملاك الوطنية الخاصة[1]:

    أ‌-      الدومين العام:

    ويقصد به مجموعه الأموال التي تمتلكها الدولة أو الأشخاص العامة وتكون معده للاستعمال العام بهدف تحقيق خدمه عموميه وهي بهذه الصفة تخضع لأحكام القانون العام ولعل من ابرز هذه الأمثلة نجد الطرقات العمومية الموانئ والمطارات الحدائق العمومية وأبنية الوزارات والمصالح العامة وغيرها من المؤسسات العمومية الأخرى، وكمبدأ عام فان استعمال او استخدام هذه الممتلكات من جانب الجمهور يتم بطريقه مجانية دون اي مقابل وان كان من الممكن ان تفرض عليه الدولة في حالات معينه رسوما في الكثير من الأحيان تكون رمزيه في مقابل الانتفاع بها، ومن أمثله ذلك فرض الرسوم فرض بعض الرسوم على استعمال الحدائق العمومية بغرض تغذيه بعض النفقات العامة التي تتطلبها هذه المرافق من اجل تنظيمها وتسيرها نظافتها وصيانتها محافظتي على أمنها.[2]

     وتجدر الإشارة بهذا الصدد أن فرض هذه الرسوم لا يعني اعتبار الدومين العام مصدرا للإيرادات العامة إذ انه مال عام معد للاستخدام العام فالغرض منه تقديم خدمات عموميه وليس الحصول على أرباح خزينة العمومية وبالتالي فهي لا تمثل مصدرا للإيرادات العامة.

    الإتاوات:

    تقوم الدولة في ايطالي وظيفتها الاجتماعية والاقتصادية والتنموية بإنشاء العديد من المشاريع ذات المنفعة العامة مثل شقه الطرق وإقامة الجسور والمعابر وتنظيم المدني وتقسيمها، وهي كلها مشاريع ذات نفع عام لجميع أفراد المجتمع، إذا قامت الدولة بإنشاء شارع جديد مثلا أو إيصال المياه كهرباء إلى منطقة جديدة أو إنشاء خطوط المترو أو الترام إلى منطقه غير مستغله فسيؤدي ذلك حتما إلى نفع عام يتمثل في تعمير هذه المناطق وتحسين أحوال الصحة والأمن بها

    هذه المشاريع العمومية من شانها ان تطفي على هذه الأراضي الواقعة في هذه المنطقة قيمه لم تكن تتمتع بها من قبل، فإذا أراد ملاك الأراضي أو العقارات المبنية في المنطقة بيعها فلا شك أنهم سيحصلون على أسعار مرتفعة نتيجة هذه التحسينات التي أضفت إلى المنطقة ولما كانت هذه المشاريع العامة هي سبب المباشر لهذه الزيادة الرأسمالية في قيمه العقارات فانه من الطبيعي جدا ان تحصل الدولة على مقابل لهذه المنافع التي أدتها لطبقة الملاك العقاريين وهذا المقابل هو ما يسميه علماء المالية العامة بالإتاوة مقابل التحسين

    انطلاقا من هنا يمكن القول بان الإتاوة هي مبلغ من المال تحدده الدولة ويدفعه بعض أفراد طبقات ملاك العقارات نظيره مشروع عامه يقصد به تحقيق مصلحه عامه بطريقه مباشره، ومصلحه خاصة هؤلاء الملاك تتمثل في ارتفاع القيمة الرأسمالية لعقاراتهم.[1]







  • الموضوع الثالث :النظام القانوني للنفقة العامة:

    النفقة العامة هي مصطلح يشير إلى الإنفاق الحكومي أو الإنفاق العام الذي يتم من قبل الحكومة أو السلطات العامة لتلبية احتياجات المجتمع وتوفير الخدمات العامة. النظام القانوني للنفقة العامة يختلف من بلد لآخر، وتوجد تشريعات محددة تنظم كيفية إدارة وتوزيع الأموال العامة.

    إذ يتضمن النظام القانوني للنفقة العامة مجموعة من القوانين واللوائح التي تحدد الإجراءات المالية والإدارية المتعلقة بالإنفاق الحكومي، يشمل ذلك قوانين الميزانية العامة وقوانين الضرائب والقوانين المتعلقة بالمشتريات العامة والمناقصات.

    المطلب الأول: معالم خصوصية النفقات العمومية:

    تتباين مدى خصوصية النفقات العامة بين الدول وتتأثر بالنظام القانوني والتشريعات الخاصة بكل دولة، ومع ذلك فإن معظم الأنظمة القانونية تنص على بعض الاستثناءات ، وفيمايلي نقوم بعرض أهم معالم الخصوصية:

    الفرع الأول: النفقة العامة مبلغ نقدي:

    تقوم الدولة بواجباتها في الإنفاق العام باستخدام مبلغ من النقود ثمناً لما تحتاجه من منتجات سلع وخدمات من أجل تسيير المرافق العامة وثمناً لرؤوس الأموال الإنتاجية التي تحتاجها للقيام بالمشاريع الاستثمارية التي تتولاها، والمنح والمساعدات والإعانات المختلفة من اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها .

    ومما لا شك فيه أن استخدام الدولة للنقود هو أمر طبيعي ويتماشى مع الوضع القائم في ظل اقتصاد نقدي تقوم فيه جميع المبادلات والمعاملات بواسطة النقود ومن ثم تصبح النقود هي وسيلة الدولة للإنفاق شأنها في ذلك شأن الأفراد.

     وبالرغم من أن الإنفاق العام قد ظل لفترة طويلة من الزمن يتم في صورة عينية - كقيام الدولة بمصادرة جزء من ممتلكات الأفراد أو الإستيلاء جبرا على ما تحتاجه من أموال ومنتجات دون تعويض أصحابها تعويضاً عادلا، أو إرغام الأفراد على العمل بدون أجر (السخرة) - إلا أن هذا الوضع قد اختفى بعد انتهاء مرحلة اقتصاد المقايضة،[1] أو كما يسمى بالتبادل العيني، وبعد أن صارت النقود هي الأداة الوحيدة في التعامل والمبادلات.

    واستنادا إلى ذلك لا تعتبر الوسائل غير النقدية التي قد تتبعها الدولة، للحصول على ما تحتاجه من منتجات أو منح المساعدات من قبيل النفقات العامة، كذلك لا تعتبر نفقات عامة المزايا العينية مثل السكن المجاني، أو النقدية كالإعفاء من الضرائب أو الشرفية كمنح الألقاب والأوسمة التي تقدمها الدولة لبعض القائمين بخدمات عامة أو لغيرهم من الأفراد.

     ولا يقلل من ذلك أنه في بعض الحالات الاستثنائية التي قد يتعذر على الدولة تماما الحصول على احتياجاتها عن طريق الإنفاق النقدي مثل أوقات الحروب والأزمات الحادة، قد تعد بعض الوسائل غير النقدية من قبيل النفقات العامة، إلا أن ذلك استثناء لا يجب التوسع فيه بأي حال من الأحوال.

    الفرع الثاني: النفقة العامة يقوم بها شخص عمومي:

    وفقاً لهذا العنصر، لا يعتبر المبلغ النقدي الذي ينفق لأداء خدمة عامة من قبيل النفقة العامة إلا إذا صدر من شخص عام، ويقصد بالأشخاص العامة الدولة بما في ذلك الهيئات والمؤسسات العامة ذات الشخصية المعنوية والولايات في الدول الاتحادية، أو قد تكون أشخاص عامة محلية كمجالس المحافظات والمدن والقرى في الدول الموحدة.

    وعلى هذا فإن النفقات التي ينفقها أشخاص خاصة طبيعية أو اعتبارية لا تعتبر نفقة عامة حتى ولو كانت تهدف إلى تحقيق نفع عام، مثال ذلك إذا قام شخص ببناء مستشفى ثم تبرع بها للدولة فإن هذا الإنفاق لا يعد عاماً، ذلك أن الأموال التي قام بإنفاقها تعد أموالاً خاصة وليست عامة بالرغم من عمومية الهدف ومن ثم يعد من قبيل الإنفاق الخاص.[2]

    تنقسم النفقات العامة وفقا للهدف منها، أو كما يفضل تسميتها بالتقسيم الوظيفي أي تبعا لاختلاف وظائف الدولة، إلى ثلاث نفقات أساسية هي:   نفقات إدارية،   نفقات اجتماعية،   نفقات اقتصادية.

    أولا: النفقات الإدارية:

    ويقصد بها النفقات التي تتعلق بسير المرافق العامة واللازمة لقيام الدولة، وتشتمل هذه النفقات على نفقات الدفاع والأمن والعدالة والجهاز السياسي، وهي نفقات تواجه الاحتياجات العامة في المجالات التقليدية والضرورية لحماية الأفراد داخلياً وخارجياً وتوفير العدالة فيما بينهم وتنظيم الشئون السياسية لهم.

     

    ثانيا: النفقات الاجتماعية:

    وهي النفقات التي تتعلق بالأهداف والأغراض الاجتماعية للدولة والتي تتمثل في الحاجات العامة التي تؤدي إلى التنمية الاجتماعية للأفراد، وذلك عن طريق تحقيق قدر من الثقافة والتعليم والصحة للأفراد، وتحقيق قدر من التضامن الاجتماعي عن طريق مساعدة بعض الأفراد أو الفئات التي توجد في ظروف تستدعى المساندة (إعانة الأسر كبيرة العدد ذات الموارد المحدودة منح إعانة للعاطلين...) .[1]

    ويشمل هذا النوع من النفقات تلك المتعلقة بالتعليم والصحة والنقل والمواصلات والإسكان، وتعتبر النفقات على قطاع التعليم أهم بنود النفقات الاجتماعية نظراً لما يرتبط بها من قياس درجة تقدم المجتمع، في كل من البلاد المتقدمة والنامية على السواء، ولذلك تخصص الدول عادة، الجزء الأكبر من الإنفاق العام في البلاد المتقدمة على هذا القطاع بسبب ضخامة، النفقات العامة على التعليم، من ناحية وعلى التأمينات الاجتماعية من ناحية أخرى.

    ثالثا:  النفقات الاقتصادية:

    ويقصد بها تلك النفقات التي تقوم بها الدولة لتحقيق أغراض اقتصادية بصورة أساسية، ويسمى هذا النوع من النفقات بالنفقات الاستثمارية حيث تهدف الدولة من ورائها إلى زيادة الإنتاج القومي وخلق رؤوس الأموال الجديدة.

    وتشمل هذه النفقات كل ما ينفق على مشروعات الصناعة والقوى الكهربائية والري والصرف أضف إلى ذلك كافة الإعانات الاقتصادية التي تمنحها الدولة للمشروعات العامة والخاصة.

    وقد استتبع هذا التحويل كبر الوحدة الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية مما يستلزم نفقات كبيرة من جهة وتدبير وسائل التمويل اللازمة لقيام هذه الوحدات الإنتاجية من جهة أخرى، وهو أمر يتطلب تدخل الدولة مباشرة نظراً لضعف مستوى الإدخار الفردي في البلاد النامية وعدم وجود أسواق مالية تضمن حاجات التمويل.[2]

    يمكن أن تقسم النفقات العامة، وفقاً لمعيار استخدام القوة الشرائية أو نقلها ومدى تأثيرها على توزيع الدخل القومي إلى نفقات حقيقية ونفقات تحويلية.

    أولا: النفقات الحقيقية:

    تلك النفقات التي تقوم بها الدولة مقابل الحصول على سلع أو خدمات أو رؤوس أموال إنتاجية كالمرتبات وأثمان المواد والتوريدات والمهمات اللازمة لسير المرافق العامة التقليدية والحديثة والنفقات الاستثمارية أو الرأسمالية.

    فالإنفاق الحقيقي يتمثل في استخدام الدولة للقوة الشرائية وينتج عنها حصولها على السلع والخدمات والقوة العاملة فالإنفاق هنا يمثل المقابل أو ثمن الشراء الذي تدفعه الدولة للحصول عليها.

     فالدولة هنا تحصل على مقابل للإنفاق كما تؤدي إلى زيادة الدخل القومي زيادة مباشرة في الناتج القومي أي خلق إنتاج جديد.

    ثانيا: النفقات التحويلية:

    فهي تلك التي لا يترتب عليها حصول الدولة على مقابل من سلع أو خدمات أو رؤوس أموال، بل بموجبها تقوم الدولة بتحويل جزء من الدخل القومي من الطبقات الاجتماعية مرتفعة الدخل إلى الطبقات الاجتماعية الأخرى محدودة الدخل.[1]

    فالإنفاق الناقل يؤدي إلى نقل القوة الشرائية من طائفة إلى أخرى مما يؤدي إلى زيادة القوة الشرائية لبعض الأفراد وبمقتضى ذلك فأن النفقات التحويلية تنفقها الدولة دون اشتراط الحصول على مقابل لها في صورة سلع وخدمات من المستفيدين منها، ومن ثم فإنها لا تؤدي إلى زيادة الدخل القومي بشكل مباشر، ومن أمثلتها الإعانات والمساعدات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة التي تمنحها أو تقدمها الدولة للأفراد أو المشاريع، ومساهمة الدولة في نفقات التأمين الاجتماعي والمعاشات أي أن الدولة تهدف منها إعادة توزيع الدخل ولو بصورة جزئية لمصلحة هذه الفئات.

    الإعانات الاجتماعية: هي تلك التي تمنحها الدولة للأفراد استجابة لحاجة فردية (الفقر أو وقوع الكارثة أو اجتماعياً بقصد زيادة السكان في المجتمعات التي تشجع النسل، أو للهيئات الخاصة التي تقوم بخدمات اجتماعية كالنوادي والجمعيات).

    أما الثانية فهي تلك الإعانات الاقتصادية (النفقات التحويلية الاقتصادية التي تمنح من جانب الدولة لبعض المشاريع الخاصة والعامة بغرض خفض أثمانها رغبة في زيادة الاستهلاك أو بغرض خفض إنتاجها الإعفاء من الضريبة مثل الرسوم الجمركية أو الضريبة على أرقام الأعمال أو رسوم (الدمغة كإعانة غير مباشرة، وإن كانت في هذه الحالة الأخيرة تتعلق بجانب الإيرادات وليس بجانب الإنفاق العام.[2]

    1-    إعانات الاستغلال :

    وهي الإعانات التي يقصد منها الإبقاء على ثمن بعض المنتجات أقل من ثمن التكلفة بقصد تحقيق الاستقرار في الأثمان ولتفادي مخاطر التضخم، ومن أجل تحقيق ذلك، تمنح الإعانة في مرحلة معينة من مراحل دورة الإنتاج، بقصد وصول السلعة إلى يد المستهلك في المرحلة النهائية بثمن أقل من ثمن تكلفتها، ويترتب على ذلك حدوث تباين بين السعر الاقتصادي للسلعة، والسعر الاجتماعي لها (السعر المدعوم، فهي تعد إعانة غير مباشرة لمستهلكي هذه السلع ويكون مقدارها معلوماً مقدماً للمشروعات التي تتلقاها .

    2-     إعانات تحقيق التوازن :

    هي إعانات مباشرة تمنح بعد تحديد نتيجة النشاط بهدف تغطية بعض أو كل العجز الذي قد يعترض سير أحد المشاريع ذات الفائدة العامة ويعرضها للخطر، مثال ذلك الإعانة التي تمنح لشركات الملاحة أو الطيران أو السكك الحديدية.

    هذه الإعانة لا يجب أن تدخل كقاعدة عامة في الحساب عند تحديد ثمن البيع.


    الفرع الثالث: النفقات العامة من حيث دوريتها:

    أولا: النفقات العادية :

    ويقصد بالنفقات العادية تلك التي تتكرر بصورة دورية منتظمة في ميزانية الدولة أي كل سنة مالية، ومن أمثلتها مرتبات العاملين وأثمان الأدوات اللازمة لسير المرافق العامة ونفقات تحصيل الضرائب ،وغيرها، والمقصود بالتكرار هنا ليس تكرار كميتها أو حجمها، ولكن تكرار نوعها في كل ميزانية حتى لو اختلف مقدارها من وقت لآخر.

    ثانيا: النفقات العامة غير العادية:

     فهي تلك التي لا تتكرر بصورة دورية منتظمة في ميزانية الدولة ولكن تدعو الحاجة إليها، مثل نفقات مكافحه وباء طارئ أو إصلاح ما خلفته كوارث طبيعية أو نفقات الحرب..الخ.[1]

    وإذ كان تسديد النفقات العادية يتم من إيرادات عادية، فإن النفقات غير العادية تسدد من إيرادات غير عادية كالقروض، وهنا مكمن الخطر حيث أنه قد يحدث في بعض الأحيان أن تسئ السلطات المالية في الدولة استخدام النفقات غير العادية ويظهر ذلك عادة عندما يحدث عدم توازن أو عجز في ميزانية الدولة فتعمد إلى تجنيب بعض النفقات واعتبارها غير عادية لكي يتم الوفاء بها عن طريق القروض بدلاً من الضرائب، وبذلك تظهر الميزانية متوازنة ولذلك يجب عدم التوسع في تعريف ما يعتبر غير عادي من النفقات.

    أضف إلى ذلك أن القروض والإصدار النقدي التي يمكن اللجوء إليها لتغطية النفقات غير العادية لم تعد إيرادات غير عادية بسبب ازدياد لجوء الدولة إليها في نطاق السياسة المالية بحيث أصبحت مع كثرة اللجوء إليها.





  • الموضوع الرابع: الميزانية العامة كأداة قانونية لعلم المالية العامة:

    خصائص الميزانية العامة:

    ويمكن حصر أهم خصائص الميزانية العامة للدولة في ما يلي:[1]

    أولا: التخطيط المستقبلي:

    من أهم خصائص الميزانية هي أنها مجرد تقديرات أو تخمينات توضع على أساس فترة ماضية بهدف الإنفاق خلال فترة لاحقة (مستقبلية)، وهذا الفرق  الزمني يتيح فرصا للمناقشات وإبداء الآراء لتعديل وتحديد بعض بنودها.

    ثانيا: الإعداد المستمر لخطة الميزانية:

    إن خطة الميزانية توضع  عادة لفترة زمنية محددة (سنة واحدة) وهذا يعني أن  من  واجبات أمانة الخزينة إعداد خطة بل خطط مالية أخرى للسنوات القادمة، والتي تتم الموافقة والمصادقة عليها من  قبل المؤتمرات الشعبية ومؤتمر الشعب العام، وبهذه الطريقة تخضع السلطة التنفيذيةللمساءلة بصفة دورية  أمام مؤتمر الشعب العام.

    ثالثا: التنفيذ الإلزامي:

    الخطة المالية الموضوعة  لها خاصيتان  تتميز بهما وهي الإلتزام القانوني والالتزام السياسي  بالتنفيذ  من قبل الإدارات والمصالح العامة(السلطة التنفيذية)، والخاصية القانونية تتمتع بها  خطة الميزانية المصادق عليها فقط، والتي  تتكون من  مجموعة من  الخطط الخاصة بكل أمانة لجنة شعبية عامة أو نوعية.

    رابعا: التوازن بين الاحتياجات  والإمكانيات العامة:

    توضع خطة  الميزانية بشرط وجود التوازن  بين حجم النفقات المقترحة والمصادر المالية اللازمة لتغطيتها، ويعد هذا التوازن مطلبا ضروريا من الناحية السياسية، وليس من النواحي الاقتصادية، ذلك لأنه بمثابة توازن دفتري(محاسبي)  لا يمكن تحقيقه  خلال فترة الميزانية، في حين أن التوازن يعتبر ضروريا بالنسبة  للتخطيط المالي طويل الأجل.

    خامسا: تنظيم الإرادات والنفقات:

    إن خطة الميزانية والتخطيط المالي طويل الأجل هما برامج عمل مستقبلية، وتنظيم وتبويب البيانات الخاصة بكل   منهما يعد من الأساسيات، حيث يمكن تشكيل مجموعات بهدف معرفة حجم وأهمية كل بند من البنود  المختلفة على حدا، فالمجموعات الكبيرة (بدون تفاصيل جزئية) تعطي السلطة التنفيذية إمكانيات أكبر مرونة في الإدارة.                                                                                                                                                                                

    الفرع الثالث: مقومات الميزانية العمومية:

    للميزانية أهمية من الناحية السياسية ومن الناحية الاقتصادية ومن الناحية القانونية[2]

    أولا: المقومات السياسية:

    جعل اعتماد الميزانية في جميع الدول ذات النظام النيابي اختصاص البرلمان، ويعتبر هذا الاختصاص من أخر  اختصاصاته. وتتجلى هذه الخطورة في أن اعتماد الميزانية يمكن البرلمان من فحص النظام الإداري للدولة ومناقشة البرنامج السياسي للحكومة. وإن احتياج السلطة التنفيذية لمصادقة البرلمان على الاعتمادات المالية اللازمة لها، يعد أمضى سلاح يستطيع البرلمان أن يشهره في وجه الحكومة لإكراهها على قبول وجهة نظره أو لإجبارها على الاستقالة برفض الميزانية.

    ثانيا: المقومات الاقتصادية:

    تعتبر ميزانية الدولة أداة لإعادة توزيع الدخل القومي، فتقتطع بواسطة الضرائب والرسوم جانبا من دخول بعض الأفراد لتعيد توزيعها عن طريق النفقات العامة( مرتبات الموظفين ومعاشات الضمان الاجتماعي والأشغال العامة) على غيرهم من الأفراد. وينبغي على ذلك أن الدولة تستطيع برفع نسبة ما تستولي عليه من دخول البعض، وبزيادة ما توزعه على البعض الآخر، أن تعدل وضع مختلف الدخول والثروات، وأن تحدث انقلابا في نظام الطبقات الاجتماعية.

    ثالثا: الأهمية القانونية:

    تمر الميزانية بالأدوار التي يمر بها كل قانون، ولذا فهي تعتبر قانونا من حيث الشكل، وإن كانت تعد- حسب الرأي الراجح- عملا إداريا من حيث الموضوع، يقصد به تنظيم إرادات ونفقات الدولة في حدود القوانين القائمة الخاصة بتنظيم المرافق العامة وسن الضرائب. وإذا اقتضى الأمر تغييرا في هذه القوانين الموجودة تعد لها السلطة التشريعية أو تسن قوانين أخرى تحل محلها.[3]

    فمن حيث موارد الدولة،ليست لميزانية الإيرادات المستمدة من غير الضرائب أية صفة قانونية، لأنها مجرد تقدير مالي لدخل الدولة المنتظر من أراضي الدومين أو المشروعات الاقتصادية التي تتولاها، والسند القانوني لتحصيلها أعمال قانونية خلاف الميزانية كعقود البيع أو الإيجار، أما الإيرادات المستمدة من الضرائب فهذه بدورها تقدير لما ينتظر أن يأتي تنفيذ القوانين الضرائب.

    ومن ناحية النفقات، يجيز البرلمان للسلطة التنفيذية الإنفاق على السير المرافق التي تنظمها القوانين في حدود التقديرات الواردة بالميزانية. ولكن وجود اعتماد في الميزانية لا يعتبر إلزاما للسلطة التنفيذية بإنفاقه.

    المطلب الثاني :مبادئ الميزانية العامة:

    ويمكن إيجاز هذه المبادئ في النقاط التالية:

    الفرع الأول: مبدأ الإعلان على خطة الميزانية

    إن هذا المبدأ يؤكد على ضرورة الإعلان عن خطة الميزانية القادمة، ومعرفة كافة أفراد المجتمع بها، وذلك منذ إعدادها والموافقة عليها وتنفيذها ثم متابعة المسؤولين عن التنفيذ ومحاسبتهم أو تبرئتهم.

    إن إطلاع أفراد المجتمع يعتبر ضروريا للتعرف على مجريات الأحداث، وإمكانية الاطلاع هذه لا تتحقق إلا بالمشاركة الفعلية في مناقشات المؤتمرات الشعبية وما تتخذه من قرارات سياسية.[4]

     

     

    الفرع الثاني: مبدأ الوضوح :

    إن المبدأ الأول(مبدأ الإعلان) يستوجب توفر مبدأ آخر هو مبدأ الوضوح، ويقصد به أن الأرقام والحسابات الخاصة بالمال العام يجب أن تكون معروضة بصورة تفصيلية واضحة، ولهذا فإن المبدأ الأول  ملازم للمبدأ الثاني.

    وعلى هذا الأساس فإن خطة الميزانية والحسابات الخاصة بها تصاغ بكل واضح ومفهوم، بحيث يتمكن أفراد المجتمع من غير المتخصصين من متابعتها، ويفضل أن ترفق خطة الميزانية بشروحات توضيحية وافية.

    الفرع الثالث: مبدأ اليقين

    إن خطة الميزانية  توضع لفترة زمنية مقبلة، أي أن الإيرادات أو النفقات الخاصة بخطة الميزانية هي مجرد تقديرات ، ومبدأ اليقين يعني ضرورة أن تكون هذه النفقات والإيرادات أكثر واقعية، عند توفر الظروف الاعتيادية(الطبيعية)، أي أن الإيرادات المقترحة ستتحقق جبايتها وكذلك النفقات المقترحة ستكون متقاربة مع النفقات الفعلية.

    ولابد من ملاحظة أن  مبدأ  اليقين يستند أساسا على  مبدأ العقلانية الاقتصادية، وهذا يعني الإبتعاد عن خفض مقصود للإيرادات أو زيادة مقصودة للنفقات العامة، حيث أن ذلك يتنافى مع المبدأ الاقتصادي العقلاني.  [5]

     

     

    الفرع الرابع:مبدأ الشمولية:

    المقصود بهذا المبدأ هو أن تظهر  جميع الإيرادات والنفقات في خطة الميزانية العامة، ولا يغفل بعضها أو جزء منها،  وهذا يعني وجوب حصر جميع الإمكانات والقدرات المالية ضمن خطة الميزانية، بحيث يمكن تقديم صورة متكاملة حول برنامج عمل اللجان الشعبية خلال الفترة القادمة إلى المؤتمرات الشعبية أو مؤتمر الشعب العام.

     الفرع الرابع: مبدأ الإجمالي:

    هذا المبدأ يعني ظهور الإيرادات والنفقات، كل على حدا، بصورة إجمالية (كلية) في خطة الميزانية، والمقصود بذلك هو أن نفقات جباية الإيرادات العامة لا تخصم مسبقا من إيرادات الضرائب والرسوم، فالمقصود هو القيمة الإجمالية وليس القيمة الصافية.


     

    الفرع الخامس: مبدأ الوحدة:

    يقصد بهذا المبدأ أن تكون الإيرادات والنفقات المقدرة تشكل وحدة واحدة ضمن خطة الميزانية، وهذا يعني عدم وجود ميزانيات جانبية، إن الالتزام بهذا المبدأ يوفر صورة أكثر وضوحا تسهل عملية المراقبة والمتابعة.[6]

    الفرع السادس: مبدأ التغطية الكاملة:

     يقصد به أن تكون جميع الإيرادات العامة كافية لتغطية جميع النفقات العامة، وهذا المبدأ يعني أن تخصيص إيرادات محددة لتغطية نوع محدد من النفقات مرفوض أصلا.

    الفرع السابع: مبدأ التخصيص:

    المقصود هو تحديد أعمال السلطة التنفيذية بخطة الميزانية وبالنفقات المسموح بها، بحيث تصرف الأموال  لتحقيق أهداف محددة، ويكون التصريف ضمن المقادير المقترحة وفي خلال الفترة الزمنية المحددة.

    الفرع الثامن: مبدأ الأسبقية:

    حسب هذا المبدأ يتم إعداد خطة الميزانية قبل بداية فترة الميزانية التي وضعت من أجلها الخطة، وهذا ما يستدعي إعداد الخطة وعرضها على المؤتمرات الشعبية والمصادقة عليها فترة زمنية قصيرة نسبيا.


     

    الفرع التاسع: مبدأ السنوية:

    هذا المبدأ يخص إعداد خطة الميزانية أيضا وله أهمية سياسية، حيث تجبر السلطة التنفيذية بين الفترة والأخرى على عرض كل ما قامت به من إنجازات أمام السلطة التشريعية، بهدف إمكانية العمل من عدمه، كما أن هذا المبدأ  يهدف إلى  تضييق صلاحيات السلطة التنفيذية.[7]

     

    الفرع العاشر: مبدأ توازن الميزانية:

    إن هذا المبدأ يؤكد علة ضرورة تغطية النفقات المقدرة  مسبقا بالإيرادات المقترحة، وبغض النظر عما إذا كان هذا التوازن بصورة شكلية أو حقيقية.

    والتطابق الشكلي يعني أن جميع ما جاء في خطة الميزانية من نفقات يجب أن يغطى بالإيرادات التي تضمنتها الخطة أيضا، حيث  أن المشرع أكد على ضرورة التقيد بتغطية النفقات المخططة بواسطة الإيرادات المخططة أيضا، والإمتناع عن اتخاذ القرارات بالصرف أو الإنفاق دون معرفة تأثير ذلك على خزينة المجتمع.

    أما فيما يتعلق بالتوازن الحقيقي فإنه يعني تغطية النفقات بالكيفيات التالية:[8]

    ·      تغطية النفقات بواسطة الإيرادات المتحصل عليها من العاملين في النشاطات الاقتصادية (ضرائب ورسوم)؛

    ·            تغطية النفقات بواسطة التمويل بالعجز، وطلب القروض.

    المطلب الثالث: تبويب الميزانية العامة:

    حتى يستطيع المتخصص والتشريعي والسياسي وحتى المواطن العادي قراءة وثيقة الميزانية العامة وحتى يمكن التعرف على هيكل الإيرادات والنفقات العامة فإنها لا بد أن تعرض في صورة مجموعة من التقسيمات التي تشمل برامج وأنشطة الجهات المختلفة ونوعية الإنفاق والإيراد والوظيفة التي يؤديها كل إنفاق ومصادر تمويله ويقصد بتقسيمات الميزانية الطرق المختلفة التي يتم بها عرض النفقات والإيرادات على البرلمان من اجل التعرف على هيكلها ومعرفة مدى توظيفها ومساهمتها في تحقيق أهداف خطة التنمية الاقتصادية. وتعرض الميزانية العامة في نوعين من التقسيمات تختلف باختلاف الغرض من طريقة العرض، وهي كالتالي:[9]

    الفرع الأول: التقسيم الإداري:

    يتمثل التقسيم الإداري، وهو الأسلوب التقليدي، لإعداد وتحضير الميزانية العامة، في تقسيم وتصنيف وتبويب النفقات والإيرادات وفقا للوحدات الحكومية في الدولة. ويحقق هذا التقسيم عدة مزايا: فكل وحدة تساهم  في تحضير وإعداد ميزانية الدولة من خلال قيامها بتحديد حجم النفقات المستقبلية وإيراداتها المتوقعة خلال  السنة المالية المقبلة، إذ  تعد كل وحدة من وحدات الدولة هي الأقدر على تحديد حجم نفقاتها وإيراداتها، كما أن التقسيم الإداري يمكن السلطة التشريعية من مناقشة واعتماد ومراقبة الميزانية بسهولة عن طريق دراسة الوضع المالي لكل وحدة حكومية على حدا، ولذا لا تكاد دولة واحدة لا تستخدم هذا التقسيم في ميزانيتها العامة.

    إلا أن ما يعاب على هذا التقسيم أنه غير كاف، لأنه لا يعكس مطلقا درجة كفاءة أي وحدة من وحدات الدولة بالمقارنة مع غيرها من الوحدات. كما أنه لا يسمح بمتابعة النشاط الحكومي ودراسة تطور توزيع الموارد العامة، علة مختلف وظائف الدولة، بصورة تسمح بتقسيم هذا النشاط بأسلوب اقتصادي.

     

    الفرع الثاني: التقسيم الوظيفي:

    يقوم هذا التقسيم على أساس تصنيف النفقات العامة وتبويبها في مجموعات متجانسة، تخصص كل مجموعة لوظيفة معينة من وظائف الدولة. فالمعيار المتبع في هذا التقسيم هو نوع الوظيفة أو الخدمة التي ينفق المال العام من أجلها. بغض النظر عن الوحدة أو الجهاز الحكومي الذي يقوم بالإنفاق أو طبيعة الأشياء المختصة بهذه النفقات.

    وما هو  جدير بالذكر، أن للتقسيم الوظيفي أهمية  كبيرة في إعداد وتحضير ميزانية الدولة،  إذ يحقق العديد من المزايا: فإن  تقسيم وتصنيف وتبويب النفقات العامة في مجموعات متجانسة،  تخصص كل منها لوظيفة معينة من وظائف الدولة، يجعل  من اليسير على الشخص العادي، غير المتخصص،  الوصول إلى كل ما يخص النشاط الحكومي واتجاهات الدولة الاقتصادية، خاصة بالنسبة لحجم  القطاع العام ودرجة أهميته في الاقتصاد القومي.  كما يسمح هذا التقسيم بإجراء مقارنة فيما يتعلق بالنفقات العامة وكيفية توزيعها على وظائف الدولة واتجاهات هذا التوزيع. وأخيرا فبواسطته يمكن تحليل النشاط الحكومي، والوقوف على التغيرات التي تحدث في طبيعة هذا النشاط ونطاقه من عام لآخر.

    بالنسبة للإيرادات فإن تقسيمها يكون مبسط ولا يخصص لأنه يخضع لقاعدة عدم تخصيص الإيرادات.

    وقد أخذت النظريات الحديثة بشأن أساليب إعداد وتحضير الميزانية بالعديد من الأساليب الحديثة والمتمثلة في:[10]

    اولا: ميزانية  الأداء: إعادة تقسيم جانب النفقات العامة للميزانية بحيث يظهر كل ما تنجزه الدولة من  أعمال  وليس ما تشتريه من  سلع وخدمات، فالقائمون على إعداد الميزانية لا يهتمون  بتحديد عناصر الإنتاج المستعملة في  كل وحدة حكومية (أجور عمال مواد البناء مثلا) بل  يهتمون بتحديد المنتج النهائي من  استخدام هذه العوامل (إنشاء مستشفى،  بناء مدرسة...).

    ثانيا: ميزانية التخطيط  والبرمجة: تهدف طريقة الإعداد هذه إلى تحقيق  الاستخدام الأمثل والرشيد للموارد العامة بأفضل صورة ممكنة. يمثل التخطيط، الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها في المدى الطويل، أما البرمجة، تتعلق بالبدائل المختلفة الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف المحددة مع تقدير العبء المالي لكل بديل، والأساليب الأكثر ملائمة لتحقيق هذه الأهداف.

    ثالثا: الإدارة  بالأهداف: تتطلب أن يتم تخصيص اعتمادات الميزانية وفقا للأهداف الفرعية التي تسعى كل إدارة أو مصلحة حكومية تحقيقها. [11]

    رابعا: الميزانية ذات الأساس الصفر: يتم تحليل البيانات ودراسة الجدوى وتقييم كافة الأنشطة والبرامج سنويا، على اعتبار أنها  أنشطة وبرامج جديدة غير مرتبطة باعتمادات سابقة. وهي تؤدي إما إلى تطوير وتحسبن البرامج أو النشاط  أو تخفيضها  أو إلغاء النشاط أو البرنامج نفسه إذا ثبت عدم جدواه وبغض النظر عن المرحلة التي وصل إليها البرنامج.



  • قائمة المراجع