المحور الثالث يبين اختصاصات قاضي التحقيق وكيف يتصل بالدعوى العمومية من خلال الطلب الافتتاحي أو الشكوى المصحوبة بالإدعاء المدني
المحور الثالث
يبين اختصاصات قاضي التحقيق وكيف يتصل بالدعوى العمومية من خلال الطلب الافتتاحي أو الشكوى المصحوبة بالإدعاء المدني وهي محتويات الفصل الثالث
***********************************************
الفصل الثالث
اختصاص قاضي التحقيق وكيفية
اتصاله بالدعوى العمومية
يختص قاضي التحقيق إما محليا أو نوعيا أو شخصيا كما يمكن أن يمتد اختصاصه خارج دائرة المحكمة التي يعمل بها، بل قد يكون له اختصاص دولي كما سنرى .
ويمكننا تعريف الاختصاص بأنه الصلاحية التي يعطيها القانون للقاضي للفصل في نزاع ما؛ وتبعا لهذا يختص قاضي التحقيق اختصاصا شخصيا ومحليا ونوعيا.
أولا-الاختصاص المحلي
حدد المشرع القواعد العامة المتعلقة بالاختصاص المحلي أو الإقليمي لقاضي التحقيق[1] في المادة 40 من قانون الإجراءات الجزائية كما يلي :
إما في المكان الذي وقعت به الجريمة ( مكان تنفيذ الركن المادي فيها ) أو مكان إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في اقترافها( مسكن المتهم ) أو محل القبض على أحد هؤلاء الأشخاص ولأي سبب كان حتى ولو لم يكونوا مقيمين به. تلك هي القاعدة العامة في بناء الاختصاص المحلي وهو من النظام العام لا يجوز مخالفته كما انتهت إلى ذلك المحكمة العليا . غير أن المشرع أجاز تمديد ( توسيع ) عمل قاضي التحقيق إلى جهات أخرى من التراب الوطني حسب الكيفيات المبينة بالمادة 40 مكرر وما بعدها ؛ويمكن تمديد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق للأسباب التالية:
1-تمديد الاختصاص المحلي بسبب نوع الجريمة المرتكبة
يجوز تمديد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى يحددها التنظيم( أي بموجب مرسوم تنفيذي ) وقد صدر بهذا الخصوص مرسوم تنفيذي رقم06-348 المؤرخ في 05/10/2006 وعدل في 2016 مدد بموجبه اختصاص قضاة تحقيق كل من محكمة سيدي امحمد التابعة لمجلس الجزائر إلى ولايات الوسط (ومنها مجلس قضاء المسيلة بكل محاكمه) ومدد اختصاص قاضي التحقيق بقسنطينة إلى ولايات الشرق الجزائري، ومدد اختصاص قاضي التحقيق بمحكمة ورقلة إلى ولايات الجنوب وأخيرا مدد اختصاص قاضي التحقيق بمحكمة وهران إلى ولايات الغرب و ذلك في بعض الجرائم فقط وهي :جرائم المخدرات ، والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبييض الأموال و الإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف. فعندما تقع أية جريمة من هذا النوع بدائرة اختصاص محكمة تابعة لقاضي التحقيق بالجزائر فإن ضباط الشرطة القضائية يباشرون مهمتهم العادية فيحررون المحاضر بشأنها في أصل ونسختين ويقدمون الفاعل أمام وكيل الجمهورية المختص الذي يقرر ما يراه لازما من متابعات بشأنها. كما يقوم وكيل الجمهورية لمكان وقوع جريمة من النوع المبين في المادة 37/2 ق ا ج بإرسال النسخة الثانية من المحضر إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة ذات الاختصاص الإقليمي الموسع الذي يتبعه كما تقضي بذلك المادة 40 مكرر1 المعدلة بالأمر 20-04 .
و فور تلقي وكيل الجمهورية للجهة القضائية ذات الاختصاص الموسع للنسخة الثانية ، إذا ما رأى أن الجريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة المذكورة ، وبعد استشارة النائب العام الذي يتبعه وكيل الجمهورية ، يطالب بالتخلي عن الملف لصالح تلك المحكمة على أن يخضع ضباط الشرطة القضائية العاملون بتلك المحكمة أين تم تحرير المحاضر الأولية لتعليماته مستقبلا. كما يمكن لوكيل الجمهورية المطالبة بملف الإجراءات عندما يكون مختصا وفقا للمادة 40مكرر ق ا ج في أية مرحلة تكون عليها الإجراءات ودائما بعد أخذ رأي النائب العام .
وإذا كان ملف القضية بين يدي قاضي التحقيق وجب عليه إصدار أمر بالتخلي لصالح زميله بالجهة الموسعة وتصبح لهذا الأخير سلطة على ضباط الشرطة القضائية الذين حرروا الملف الأصلي للإجراءات ويتلقون منه التعليمات.
2-تمديد الاختصاص القضائي للقطب الجزائي الوطني المتخصص لمكافحة الجريمة الاقتصادية والمالية.
أنشأ الأمر 20-04 بموجب مادته 211 مكرر قطبا جزائيا وطنيا يقع بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر العاصمة يخضع فيه كل من قاضي التحقيق ورئيس القطب لسلطة رئيس مجلس قضاء الجزائر .
يهدف إنشاء هذا القطب إلى محاكمة مرتكبي الجرائم الاقتصادية والمالية بالنظر لخطورتهما الإجرامية على المجتمع، وأعطاه اختصاصا وطنيا يشمل كافة إقليم الجمهورية. كما أعطى النص المذكور صلاحيات قضائية مشتركة [2]يمارسها كل من وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق ورئيس القطب من جهة مع وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق ورئيس الجهة القضائية ذات الاختصاص الموسع من جهة ثانية ورجح المشرع اختصاص القطب على حساب الجهة الموسعة عندما تتم المطالبة بالملف من طرف الجهتين في الوقت ذاته حيث تتخلى المحكمة ذات الاختصاص الموسع وجوبا عن ملف الإجراءات لصالح القطب الجزائي الوطني المتخصص.
مواد الاختصاص التابعة للجهتين :
يختص كل من القطب الجزائي الوطني والجهة القضائية ذات الاختصاص الموسع بالنظر في الجرائم التالية :
1- الإهمال الواضح -الذي يرتكبه موظف عمومي كما هو معرف بالمادة2 من قانون مكافحة الفساد - المؤدي إلى سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بحكم وظيفته أو بسببها .
2- جرائم تبييض الأموال كما هي معرفة بالمواد 389مكرر ، مكرر 1 ، مكرر2 ، مكرر3 ق ع .
3-الجرائم المتعلقة بمكافحة الفساد ( الرشوة، اختلاس المال العام ، التبديد الغدر ، التمويل الخفي للأحزاب السياسية...)
4- الجرائم المنصوص عليها بالامر96-22 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج.
5- بعض الجرائم المتعلقة بمكافحة التهريب المنصوص عليها بالامر06-05 ( المواد من 11 إلى 15 )
6- الجريمة المالية والاقتصادية الأكثر تعقيدا؛ والتي عرفها الأمر 20-04 بالمادة 211مكرر3 /2 بأنها : الجريمة التي بالنظر إلى تعدد الفاعلين أو الشركاء أو المتضررين أو بسبب اتساع الرقعة الجغرافية لمكان ارتكاب الجريمة أو جسامة الأضرار المترتبة عليها أو لصبغتها المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو لاستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال في ارتكابها ، تتطلب اللجوء إلى وسائل تحرٍ خاصة أو خبرة فنية متخصصة أو تعاون قضائي دولي.
"
* الاختصاص الحصري لقاضي التحقيق بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر
لم يكتف المشرع بالجهات القضائية ذات الاختصاص الموسع والتي كانت تسمى سابقا بالأقطاب الجزائية الخمسة ، فأضاف لها قطبا جزائيا متخصصا في الجرائم المالية والاقتصادية ، كما أنشأ محكمة بمقر المجلس القضائي للجزائر العاصمة منحها اختصاصا حصريا للمتابعة والتحقيق والمحاكمة في جرائم الإرهاب والتخريب كما هي معرفة بالأمر 95-11 المعدل والمتمم لقانون العقوبات والتي تضمنتها المادة 87مكرر ؛المطات(les tirets) 6-9-10-12-13 والمادة 87 مكرر6 الفقرة 2 من نفس القانون ، والجرائم المنصوص عليها في القانون 05-01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما وخصوصا مادتيه 3 و3مكرر وكذا في الجريمة المنظمة عبر الوطنية ذات الوصف الجنائي والجرائم المرتبطة بها أيا كانت طبيعتها وأعطاها المشرع اختصاصا وطنيا و حصريا لا يمكن لأية جهة قضائية وطنية أن تزاحمها فيها .
نشير إلى أن ضباط الشرطة القضائية عندما يعالجون قضايا من النوع المذكور بالمادة 211مكرر18 من الأمر 20-04 فإنهم يحررون الملفات المتعلقة بها ويوافون بها وكيل الجمهورية لدى محكمة مقر مجلس قضاء الجزائر العاصمة مباشرة دون المرور بوكيل الجمهورية الذي يتبعونه. فإذا افترضنا أن جريمة تتعلق بتبييض الأموال قد تمت وقائعها بمدينة بشار فإن ضباط الشرطة القضائية بهذه المدينة يعالجونها على مستواهم ويتواصلون مباشرة بوكيل الجمهورية بمحكمة الجزائر بداية من التقارير الإخبارية كما يتلقون منه التعليمات الضرورية ، وانتهاء بتقديم الأطراف أمامه وملف الإجراءات مع أدلة الإقناع ، ويتم التحقيق القضائي بهذه المحكمة كما يتلقون الإنابات القضائية من قاضي التحقيق لهذه المحكمة عندما يخطر بالملف وتتخذ بقية الإجراءات الأخرى كما هي معرفة في قانون الإجراءات الجزائية ضمن مجلس قضاء الجزائر ( غرفة الاتهام + محكمة الجنايات )
وإذا رأى وكيل الجمهورية بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر أن الوقائع ليست من اختصاص محكمته فيصدر مقررا يتخلى بمقتضاه عن الملف لصالح وكيل الجمهورية المختص محليا وفي المثال السابق يعيد ملف الإجراءات لوكيل الجمهورية بمحكمة بشار لمواصلة السير في القضية بما يراه مناسبا.
كما يمكن قاضي التحقيق لمحكمة الجزائر أن يصدر أمرا بالتخلي عن القضية لصالح القاضي المختص بها محليا وفي المثال السابق قاضي التحقيق بمحكمة بشار، إذ بعد أن يصير الأمر بالتخلي نهائيا يحول الملف إلى ذلك القاضي بسعي من النيابة مع بقاء أوامر القبض أو الإيداع سارية المفعول.
3- تمديد الاختصاص القضائي للقطب الجزائي الوطني المتخصص لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال
أسند المشرع للقطب الجزائي المتخصص المنشأ على مستوى محكمة مقر مجلس الجزائر بموجب المادة 211 مكرر22 من الأمر 21/11 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية جرائم متصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال والجرائم المتصلة بها. وتتجلى مهمته في المتابعة والتحقيق والحكم في هذه الجرائم . وقد عرف القانون المذكور هذه الجرائم بقوله :'' يقصد بمفهوم هذا القانون ، بالجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ، أي جريمة ترتكب أو يُسهِّلُ ارتكابها استعمال منظومة معلوماتية أو نظام للاتصالات الالكترونية أو أي وسيلة أخرى أو آلية ذات صلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال.'' وقد منح القانون لكل من وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بهذا القطب المتخصص في هذا النوع من جرائم المعلوماتية والجرائم المتصلة بها اختصاصا حصريا على كافة تراب الوطن خارج نطاق اختصاصهما التقليدي بالمحكمة التي يمارسون بها وظائفهم عادة. وجاءت المادة 211مكرر24 من ذات الأمر لبيان تلك الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال معددة إياها كالتالي :
-الجرائم الماسة بأمن الدولة أو بالدفاع الوطني( تاركا تفسير هذه الجرائم للفقه والقضاء )
-جرائم نشر وترويج أخبار كاذبة بين الجمهور من شأنها المساس بالأمن أو السكينة العامة أو استقرار المجتمع.
- جرائم نشر وترويج أنباء مغرضة تمس بالنظام والأمن العموميين ذات الطابع المنظم أو العابر للحدود الوطنية.
- جرائم المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات المتعلقة بالإدارات والمؤسسات العمومية[3].
- جرائم الاتجار بالأشخاص(303مكرر 4 وما بعدها من القانون 0901 المعدل لقانون العقوبات ) أو بالأعضاء البشرية ( 303مكرر 16 من القانون 09-01 أو تهريب المهاجرين( 303 مكرر 30 من القانون09-01)
- جرائم التمييز وخطاب الكراهية (القانون20-05 )
كما أضاف الأمر .../21 نوعا من الجرائم سماها بالجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال الأكثر تعقيدا على غرار الجرائم الاقتصادية الأكثر تعقيدا ، ثم عرفها في المادة 211مكرر 26 بأنها : '' يقصد بالجريمة المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال الأكثر تعقيدا بمفهوم هذا القانون ، الجريمة التي بالنظر إلى تعدد الفاعلين أو الشركاء أو المتضررين أو بسبب اتساع الرقعة الجغرافية لمكان ارتكاب الجريمة أو جسامة آثارها أو الأضرار المترتبة عليها أو لطابعها المنظم أو العابر للحدود الوطنية أو لمساسها بالنظام أو الأمن العموميين ، تتطلب استعمال وسائل تحر خاصة أو خبرة فنية متخصصة أو اللجوء إلى تعاون قضائي دولي.''
وأخيرا نزع القانون المذكور صلاحية المتابعة والتحقيق والمحاكمة من القطب المذكور ومنحها للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي إذا كانت الجريمة معلوماتية ولها طابع اقتصادي أو مالي.(م 211مكرر 28)
4-تمديد الاختصاص إلى بعض الجرائم المرتكبة من طرف بعض المسؤولين
ونعني بهم أحد قضاة المحكمة أو أحد ضباط الشرطة القضائية ( ورؤساء البلديات) الذين قد يرتكبون جنايات أو جنح . وحرصا على نزاهة التحقيق وتكريسا لاستقلالية القاضي وعدم وضعه في موقف محرج، فإن المشرع ارتأى عرض الملف على قاضٍ للتحقيق غير القاضي الذي وقعت الجريمة بدائرة اختصاصه، ويتم الإجراء بعرض الملف على النائب العام لدى المجلس القضائي الذي يقرر المتابعة ويعرض الملف على رئيس المجلس القضائي لاختيار قاضٍ للتحقيق يسند إليه ملف الإجراءات .[4]
أما إذا تعلق الاتهام بأحد أعضاء المجلس القضائي ونعني بهم نائب الرئيس ومساعدو النائب العام ورؤساء الغرف والمستشارون (ما عدا النائب العام والرئيس) أو رئيس محكمة أو وكيل جمهورية فإن الأمر يرفع إلى النائب العام لدى المحكمة العليا الذي يرفع القضية للرئيس الأول للمحكمة العليا لتعيين أحد قضاة التحقيق خارج دائرة اختصاص المجلس القضائي الذي يعملون بدائرة اختصاصه للتحقيق معهم( م 575 ق ا ج )تجدر الإشارة إلى أن التحقيق يمس كذلك الشركاء بصرف النظر عن صفاتهم ( م 578 ق ا ج )كما يجوز الادعاء بالحق المدني أمام جهة التحقيق التي تقوم بالإجراء.
وإذا كان مرتكب الجناية أو الجنحة أثناء مباشرة مهامه أو بمناسبتها أحد أعضاء الحكومة [5] ( وزير أو وزير منتدب أو كاتب دولة ) أو أحد قضاة المحكمة العليا[6] أو أحد قضاة مجلس الدولة أو محكمة التنازع أو أحد الولاة أو رئيس مجلس قضائي أو رئيس محكمة إدارية ، أو نائب عام لدى مجلس قضائي أو محافظ دولة بالمحكمة الإدارية فإن وكيل الجمهورية الذي يخطر بالقضية يحيل ملفها على النائب العام لدى المحكمة العليا بالطريق السلمي ، أي بواسطة النائب العام ثم هذا الأخير يرفعه إلى النائب العام بالمحكمة العليا الذي بدوره يخطر الرئيس الأول للمحكمة العليا الذي يعين محكمة لمباشرة إجراءات المتابعة والتحقيق والمحاكمة وبهذا يكون المشرع قد أزال ما يسمى بالامتياز القضائي الذي كان يخص هذه الفئات .
تجدر الملاحظة أن تحريك الدعوى العمومية تقوم به النيابة العامة لوحدها ولا يجوز للضحية تحريكها بموجب الشكوى المصحوبة بالإدعاء المدني وهنا يكون المشرع قد أغلق الباب في وجه المضرور من الجريمة في ملاحقة هذه الفئات .
من جهة أخرى فإن حكم الفقرة الأولى من المادة 573 ق ا ج لا يطبق إذا كانت الفئات المذكورة أعلاه قد ارتكبت إحدى الجرائم التي تدخل في اختصاص القطب الجزائي المالي والاقتصادي المنشأ بموجب المادة 211 مكرر وما بعدها من قانون الإجراءات الجزائيــــة.
4-تمديد الاختصاص إلى الجنايات والجنح المرتكبة على ظهر المراكب أو متن الطائرات
تختص الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجرائم الموصوفة جنايات والجنح المرتكبة على متن السفن التي تحمل الراية الجزائرية بصرف النظر عن جنسية مرتكبها عندما تقع في عرض البحر أو البحر العام [7]، أي خارج المياه الإقليمية الوطنية ( 12 ميلا بحريا ) كما تختص بها أيضا عند وقوعها على ظهر سفينة أجنبية راسية في ميناء جزائري( م590 ق ا ج )كما تختص هذه الجهات أيضا بنظر الجنايات والجنح المرتكبة على ظهر الطائرات الجزائرية مهما كانت جنسية مرتكبها ، وكذلك عندما يكون الفاعل جزائريا أو الضحية جزائريا ولو كانت الطائرة أجنبية أو في حالة هبوط الطائرة بمطار جزائري بعد وقوع الجريمة .وتختص بنظرها محكمة مكان هبوط الطائرة أو مكان القبض على الفاعل إذا غادر المطار وقبض عليه في دائرة اختصاص محكمة أخرى ( م 591 ق ا ج ).
5-تمديد الاختصاص بسبب الارتباط[8]
تكون الجرائم مرتبطة إما ارتباطا بسيطا أو ارتباطا وثيقا لا يقبل التجزئة. وقد نص المشرع على حالات الارتباط البسيط في المادة 188 ق ا ج معددا حالاتها الأربع وهي ليست على سبيل الحصر بل على سبيل البيان كما انتهت إليه المحكمة العليا في أحد قراراتها. [9] كما أنها تقوم على معايير منها وحدة الزمان والمكان أو اتحاد القصد ووحدة الغرض ( تدبير إجرامي واحد )[10] أو عندما تجمعهم رابطة السببية مثل قيامهم ببعض الجرائم لتسهيل ارتكاب أخرى كسرقة وسائل تستعمل في سرقات أخرى أو في حالة إخفاء متحصلات الجرائم وهذه تجمعها وحدة محل الجريمة ؛ لكنه مع ذلك لم يعرف الارتباط تاركا مجاله للفقه الذي عرفه بأنه : "الصلة التي تجمع عدة جرائم بعضها بعضا دون أن تمنع من بقاء كل جريمة مستقلة عن الأخرى "
أما الارتباط الوثيق فلم يعرفه المشرع و مع ذلك يمكن تعريفه بأنه الارتباط بين مجموعة من الجرائم لا يمكن الفصل بينها أو لا تقبل التجزئة فيقضى بضمها وتمديد الاختصاص. فعندما نكون أمام جريمة تزوير يتعدد فيها الفاعلون وتكون الأدلة مشتركة بينهم فيجب إحالتها على جهة واحدة تفاديا لصدور أحكام متعارضة ولحسن سير العدالة أيضا وهو ما يعرف بضم القضايا .
6 -تمديد الاختصاص لداعي الأمن العمومي أو لحسن سير القضاء أو لقيام شبهة مشروعة
ضمانا من المشرع لحياد القاضي وتحقيقا للعدالة فقد سمح للمحكمة العليا أن تأمر بتخلي أية جهة قضائية عبر الوطن عن التحقيق في قضية ما ( جناية – جنحة –وحتى المخالفة ) أو المحاكمة فيها لداعي الأمن العمومي وإحالتها على جهة قضائية من نفس الدرجة ( م 548 ق ا ج ) لمنع الجمهور من إحداث الشغب والاضطرابات الماسة بالنظام العام كما حدث مع قضايا وقعت بمدينة غرداية وتمت محاكمة المتورطين فيها بمجلس قضاء المسيلة و قسنطينة خلال سنة 2016 وكذلك في قضية قاتل الرئيس بوضياف بمدينة عنابة أين أمرت المحكمة العليا بتخلي مجلس قضاء عنابة عن نظر القضية لصالح مجلس الجزائر.ويتم تقديم عريضة التخلي لداعي الأمن العمومي من طرف النائب العام لدى المحكمة العليا أما إذا كان السبب هو الشبهة المشروعة فيجوز تقديمها من النائب العام لدى المحكمة العليا أو من النائب العام لدى المجلس القضائي أو من المتهم أو من المدعي المدني ( م549 ق ا ج ) وتبلغ العريضة في كل الحالات إلى أطراف الدعوى لإيداع مذكرة بأوجه دفاعهم لدى رئيس أمانة ضبط الغرفة في خلال 10 أيام ( م 551 ق ا ج )
7-تمديد الاختصاص إلى الجرائم الواقعة خارج التراب الوطني( الاختصاص الدولي )
تقضي القاعدة العامة أن القانون الجزائي يطبق على إقليم الدولة البري والبحري والجوي تطبيقا لمبدأ إقليمية النص العقابي ( م 3 ق ع ). غير أنه قد يحصل أن تقع جرائم تمس بسيادة الدولة الجزائرية أو بأمنها أو بعملتها الوطنية ، فيصبح قضاؤها مختصا عن طريق التمديد بعنوان المادة 582 ق ا ج على أن تتوفر الشروط التالية :
أن يكون مرتكبها جزائري الجنسية ولم تتم محاكمته في الخارج عن تلك الواقعة التي تشكل جناية أو جنحة في نظر القانون الجزائري ولا عبرة للتكييف القانوني الأجنبي أو لتكييف القاضي الأجنبي وأن يعود ذلك الجزائري لأرض الوطن وألا يكون قد حوكم من أجلها في البلد الأجنبي أو قضى العقوبة المحكوم بها عليه أو سقطت عنه بالتقادم أو حصل العفو عنها.
أما الأجنبي الذي يرتكب جريمة بالخارج ضد أمن الدولة الجزائرية أو مصالحها الأساسية أو المحلات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية أو أعوانها أو تزييف لنقود أو أوراق مصرفية وطنية متداولة قانونا بالجزائر أو أي جناية أو جنحة ترتكب إضرارا بمواطن جزائري بالخارج فإن القضاء الجزائري يصبح مختصا بنظرها وهي الأحكام التي جاء بها تعديل المادة 588 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري بالأمر 15/02 نظرا لوقوع اعتداءات على مصالح جزائرية بالخارج ولا سيما المقرات الدبلوماسية ( في المغرب و في العراق وفي مالي ومحاولات في ليبيا من طرف الجماعات الإرهابية المسلحة هناك)بل وصل الأمر إلى الاعتداء على مهاجرين جزائريين غير شرعيين ( حراقة ) إلى درجة القتل كما حصل مع المسمى ب – م الذي مات في أحد المعتقلات باسبانيا وتدخلت السلطات الجزائرية وعلى رأسها وزارة العدل التي أمرت نيابة الجمهورية بفتح تحقيق في الموضوع عملا بالمادة 588 المعدلة حديثا في 2015.
كما نص القانون 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما في المادة 21 منه على منح الاختصاص للقضاء الجزائري في هذا النوع من الجرائم إذا ارتكبت بالخارج وكان ضحيتها جزائري أو أجنبي مقيم بالجزائر على أن تكون المحكمة المختصة هي محكمة محل إقامة المضرور أو موطنه المختار .
ثانيا - الاختصاص النوعي
الأصل أن قاضي التحقيق يختص بالتحقيق في جميع القضايا المحالة إليه بموجب طلب افتتاحي أو بشكوى مصحوبة بادعاء مدني أيا كانت طبيعتها أو نوعها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ويسند نظرها إلى جهات قضائية ذات طبيعة خاصة أو استثنائية كمحاكم الأحداث والمحاكم العسكرية والمجالس الخاصة بقمع الجرائم الاقتصادية المحدثة بالأمر الصادر في 21/06/1966 الملغاة بالقانون 90/22 في 18/08/90 ومحكمة أمن الدولة المنشأة بالمادتين 327-18 و 327-26 من قانون الإجراءات الجزائية الملغاة في 25/04/89 والمجالس الخاصة بمحاكمة جرائم الإرهاب والتخريب المنشأة بموجب المرسوم التشريعي 92/03 الملغى ، مع الملاحظ أن المشرع الجزائري أزال هذه التفرقة بين أنواع الجرائم وأبقى على اختصاص قضاء الأحداث والقضاء العسكري فقط كقضاء استثنائي.هذا وتعد قواعد الاختصاص النوعي من النظام العام ويترتب على مخالفتها البطلان .
ثالثا-الاختصاص الشخصي
يختص قاضي التحقيق بالتحقيق مع جميع الأشخاص كأصل عام غير انه يصبح غير مختص شخصيا إذا كان مرتكب الجريمة عسكريا طبقا للمادة 25 من قانون القضاء العسكري أو إذا كانت الواقعة جنحة مرتكبة من متهم حدث أو جناية عندما لا يكون هو القاضي المعين والمكلف بالتحقيق في جنايات الأحداث مثلما أصبحت تنص عليه المادة 62/2 من قانون حماية الطفل رقم 15-12 .
طرق اتصال قاضي التحقيق بالدعوى
(La saisine du juge d’instruction )
إن اختصاص قاضي التحقيق بالتحقيق في القضية مرهون بإجراء ين هما :الطلب الافتتاحي[11] و الشكوى المصحوبة بالادعاء المدني على التفصيل الآتي .
أولا: الطلب الافتتاحي
لا يمكن قاضي التحقيق أن يخطر نفسه بنفسه لمباشرة التحقيق القضائي بل عليه أن يقوم بذلك انطلاقا من أحد الإجراءين السابقين وهذا تطبيقا لمبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق( م1 مكرر ق ا ج والمادة 67و 68 ق ا ج )
وتكملة لذلك ،لا يمكن قاضي التحقيق اتخاذ المبادرة للتحقيق تلقائيا في الوقائع التي تصل إلى علمه، بل أن وكيل الجمهورية هو المختص أصلا بتحريك الدعوى العمومية والتماس التحقيق القضائي فيها وفقا لما يتمتع به من سلطة تقديرية ما لم يكن ملزما باتخاذ إجراءات التحقيق ( الجنيات وجنح الأحداث وفي الحالات الخاصة) مع الإشارة إلى أنه حتى إذا وجد كل من قاضي التحقيق و وكيل الجمهورية في مكان الحادث لا يمكن للأول أخذ المبادرة و الشروع في التحقيق إلا بطلب من وكيل الجمهورية الحاضر معه.
نشير إلى أنه لا يعتبر طلبا افتتاحيا لتحريك الدعوى العمومية ذلك الذي من خلاله يقوم وكيل الجمهورية بتوجيه الطلب لقاضي التحقيق من أجل البحث عن أسباب الوفاة طبقا للمادة 62 /4 ق ا ج ولأحكام قانون الحالة المدنية وإنما هو طلب استثنائي لا يعقبه إصدار قاضي التحقيق لأي أمر. وبمجرد نهاية مهمته يعيد الملف لوكيل الجمهورية للتصرف فيه بفتح تحقيق ضد شخص مسمى أو ضد مجهول أو لحفظه إذا توفرت شروط ذلك[12].
1- مضمون الطلب الافتتاحي
-الوثائق التي يستند عليها و المتمثلة في محاضر جمع الاستدلالات ( محاضر الشرطة القضائية ) مع الإشارة إلى رقمها وتاريخ تحريرها.
-تعيين القاضي المحقق باسمه الشخصي و الغرفة التي يشتغل بها ( غ 1، غ2...)ويجوز أن يشترك في التحقيق الواحد أكثر من قاض يلحق به على أن ينسق القاضي الأصلي العمل وهو المسؤول عن إجراءات الحبس المؤقت والرقابة القضائية و أوامر التصرف في القضية (م70 المعدلة بالقانون 06- 22 )
-تحديد هوية المتهم وتاريخ ميلاده - لمعرفة ما إذا كان بالغا أو حدثا - إذا كانت معروفة. و يجوز أن يوجه الطلب ضد شخص غير مسمى ( ضد مجهول ) وكل من يسفر عليه التحقيق .
-يجوز أن يوجه التحقيق إلى شخص معنوي محدد سواء بمفرده أو بمعية الشخص الطبيعي مرتكب الجريمة.
-الوقائع المنسوبة للمتهم ( السرقة ، القتل ، المتاجرة بالمخدرات .....) ويوم ومكان وقوعها و النصوص الجزائية التي تحكمها.
-التماسات النيابة مثل إيداع المتهم رهن الحبس المؤقت ، تسليط الرقابة القضائية عليه ، أو عبارة إصدار أمر مناسب، تعيين خبير ...الخ
-تأريخ الطلب(date) مع ختمه(cachet) والتوقيع الخطي (signature) لوكيل الجمهورية.
2- جزاء تخلف بعض البيانات
إذا لم يتم توقيع الطلب أو ختمه أو تأريخه ترتب على ذلك بطلانه وهو ما انتهى إليه القضاء الفرنسي في 23/01/1973)[13] معتبرا هذه الشكلية إجراء جوهريا و لا يمكن لطلب افتتاحي غير موقع وغير مختوم من طرف وكيل الجمهورية أن ينتج عنه إخطار صحيح (une saisine régulière ) لقاضي التحقيق لمباشرة هذا الإجراء بل إن ما يتبعه من إجراءات يكون باطلا أيضا.
3- آثار الطلب الافتتاحي
و من آثار هذا الطلب انقطاع التقادم بخصوص جميع الوقائع المشار إليها في الطلب وكذلك ينتج عنه اتصال قاضي التحقيق بالدعوى و خروجها من حوزة النيابة وينتج عن ذلك ما يلي .
أ-عينية الدعوى أو التقيد بالوقائع ([14] (La saisine in rem
و معنى ذلك أن قاضي التحقيق يحقق في الوقائع المنسوبة للمتهم من طرف النيابة العامة ( جهة الاتهام ) فقاضي التحقيق مطلوب منه تحقيق في وقائع فإذا ما توصل إلى وقائع أخرى لم يشر إليها الطلب الافتتاحي فعليه إخبار النيابة بها و التي يمكنها حينئذ تقديم طلب إضافي بالتحقيق في هذه الوقائع المستجدة ( م 67/4 ق ا ج ).و مع هذا فإن المبدأ لا يقيد قاضي التحقيق بخصوص إعادة تكييف الواقعة تكييفا مغايرا لوصف جهة الاتهام على ضوء دراسة الواقعة [15]لا سيما إذا علمنا أن له الصفة في التحقيق في جميع ظروف وملابسات القضية أو الوقائع التي تعدل أو ترفع من درجة خطورتها فضلا عن انه لا يملك مكنة عدم التحقيق فيها .
ويؤدي هذا المبدأ إلى نتيجة أخرى وهي إن قاضي التحقيق المكلف بالتحقيق في واقعة السرقة تجاه متهم معين بذاته لا يمكنه أن يحقق في خيانة أمانة قام بها المتهم نفسه ولا في جريمة إخفاء أشياء مسروقة ولا يجوز له التحقيق أيضا في جرائم سرقات أخرى متزامنة مع الوقائع الواردة في الطلب الافتتاحي وإذا تضمن الطلب الافتتاحي جريمة الإجهاض ضد مجهول فلا يجوز للمحقق أن يحقق في وقائع مماثلة وصلت إلى علمه إلا إذا تلقى بشأنها طلبا إضافيا.[16]
ب-تنحية الملف من قاضي التحقيق
يمكن لوكيل الجمهورية طلب تنحية الملف من قاضي التحقيق لحسن سير العدالة و إسناده لقاض آخر فيرفع الطلب إلى رئيس غرفة الاتهام للبت فيه بقرار غير قابل لأي طعن في خلال 30 يوما( م 71/4 ق ا ج ) بعد استطلاع رأي النائب العام مع الملاحظة أن لكل من الضحية والمتهم الحق في إتباع هذا المسلك.
ما يلاحظ على النص هو هلامية مصطلح " حسن سير العدالة dans l’intérêt d’une bonne administration de la justice » الذي يفتقد إلى الضوابط مما يجعل قاضي التحقيق محل اتهام بعدم قدرته على تسيير الملف الذي بين يديه وفقا لما يتطلبه النص .
ج- عدم تقيد قاضي التحقيق بالأشخاص (saisine in personam)
إذ ما تبين لقاضي التحقيق أثناء مجريات التحقيق وجود أشخاص آخرين ساهموا في ارتكاب الجريمة بصفتهم فاعلين أصليين أو شركاء ولم يشر إليهم وكيل الجمهورية في الطلب الافتتاحي جاز لقاضي التحقيق توجيه الاتهام لهؤلاء الأشخاص مع عرض الأمر على النيابة العامة ( م 67/3 ق إ ج والتي جاء فيها "ولقاضي التحقيق سلطة اتهام كل شخص ساهم بصفته فاعلا أو شريكا في الوقائع المحال تحقيقها إليه"
د- عدم جواز التراجع عن المتابعة الجزائية من طرف النيابة أو تغيير طريقها[17].
كما هو معلوم فالدعوى العمومية ملك للمجتمع إذا ما حركتها النيابة لا يجوز لها التنازل عنها أو التراجع مهما كانت الأسباب إلا إذا وجد نص قانوني مخالف لهذا المبدأ . كما أن متابعة أشخاص أمام التحقيق عن واقعة محددة تمنع النيابة من متابعتهم بموجب الاستدعاء المباشر عن الواقعة نفسها. و إذا ما استفاد الشخص المتابع بإجراءات التحقيق بأمر انتفاء وجه الدعوى فلا يمكن للنيابة متابعته بموجب إجراء آخر مثل الاستدعاء المباشر حول تلك الوقائع...وهو الشيء نفسه الذي ينطبق على الطرف المدني الذي يحرك الدعوى بموجب شكوى مصحوبة بادعاء مدني لا يمكنه اتخاذ سبيل آخر ويكون العكس صحيحا إذا ما قامت النيابة أو الطرف المدني بتحريك الدعوى بموجب إجراءات الاستدعاء المباشر أمام قسم الجنح ثم تهمله وتسلك طريق الادعاء المدني أمام قاضي التحقيق.
أما الإجراء الثاني الذي يتصل بموجبه قاضي التحقيق بالدعوى العمومية فهو الشكوى المصحوبة بادعاء مدني.
ثانيا : الشكوى المصحوبة بادعــــاء مدني طبقا للمادة 72 وما بعدها ق ا ج
الأصل أن تحريك الدعوى العمومية من اختصاص النيابة العامة لكن يجوز للمضرور بصفة استثنائية تحريكها ( م 1مكرر /2 ق ا ج )[18] بأن يسلك طريق الشكوى المشفوعة بادعاء مدني يقدمها بين يدي قاضي التحقيق ( المدني ) المختص نوعيا ، فلا يجوز الادعاء المدني أمام قاضي التحقيق (العسكري ) لأن تحريك الدعوى العمومية موكول لوزير الدفاع وحده ولا يمكن للطرف المضرور أن يشاركه فيها على غرار القاضي المدني، والمختص محليا كذلك بالنظر لمقتضيات المادة 40 ق ا ج مع جواز إحالته على القاضي المختص عملا بالمادة 77 ق ا ج.
وتقدم الشكوى ضد الفاعل وشركائه في جناية أو جنحة فقط بينما استثنى المشرع مواد المخالفات من هذا الإجراء بعد أن كان مسموحا به، وهو ما يستفاد من نص المادة 72 ق ا ج المعدلة بموجب القانون 06/22 المؤرخ في 20/12/2006. ونشير هنا إلى أن قاضي التحقيق غير ملزم بتكييف المدعي المدني ، بل أنه مكلف بوضع الوصف القانوني للوقائع المشار إليها بالشكوى ، فضلا عن شرط يخص المضرور وهو أن يكون الضرر اللاحق به ضررا مباشرا ناتجا عن الجناية أو الجنحة المطلوب التحقيق فيها تحت طائلة عدم قبول الإدعاء[19] وألا يوجد هناك مانع يحول دون إقامة الدعوى العمومية كأن تكون الجريمة وقعت خارج التراب الوطني أين تختص النيابة العامة وحدها بحق الملاحقة طبقا للمادة 587 من قانون الإجراءات الجزائية أو أن يكون الفاعل ممن عددتهم المادة 573 ، وألا يصدر في الجريمة أمر أو قرار نهائي بألا وجه للمتابعة أين تصبح النيابة وحدها مختصة بحق تقديم طلب جديد بعنوان المادة 175 /3 ق ا ج ؛ وألا يوجد مانع من موانع تحريك الدعوى العمومية كالسرقة بين الأصول والفروع أو أن يتطلب القانون شرط الإذن كما هو الحال بالنسبة لأعضاء البرلمان ( م 126-127-128 من الدستور) أو عندما يتم التحقيق وفقا لإجراءات خاصة كما هو الشأن بالنسبة لأعضاء الحكومة والقضاة والولاة وضباط الشرطة القضائية (المواد من 573الى 577 ق ا ج ).وألا تكون الدعوى العمومية قد انقضت طبقا للمادة 6 ق ا ج أو أن الوقائع لا تحمل وصفا جزائيا، أو لوجود سبب من أسباب الإباحة بعنوان المواد 39-40 ق ع وقد عبر عنها المشرع وجمعها في المادة 73/3 ق ا ج
1-إجراءات الإدعاء المدني لتحريك الدعوى العمومية
يحرر المضرور شكوى مكتوبة [20]يودعها لدى أمانة ضبط قاضي التحقيق سواء بنفسه بعد أن يؤرخها ويوقعها أو بواسطة محاميه، يسرد فيها مختصرا للوقائع المطلوب التحقيق فيها ، ذاكرا تاريخ وقوعها ومكانه والأشخاص الذين يعتقد أنهم قاموا باقترافها مع تحديد عناوينهم إذا كانوا معروفين لديه لتمكين القاضي من استدعائهم؛ علما أنه يجوز للمدعي مدنيا أن يوجه شكواه ضد مجهول[21]،كما يجوز له أن يوجهها ضد الشخص المعنوي. كما يجب أن تتضمن فضلا عن ذلك اسم المدعي المدني ولقبه وموطنه فإن لم يكن له موطن بدائرة اختصاص المحكمة وجب عليه اختيار موطن له بدائرتها ويمكن أن يكون موطن المحامي هو الموطن المختار في هذه الحالة.وإذا لم يقم بتعيين موطن لا يمكنه الاحتجاج بعدم تبليغه بالإجراءات ويبقى ادعاؤه صحيحا .[22]كما يتعين على المدعي المدني أن يصرح بأنه ينتصب طرفا مدنيا للمطالبة بحقوقه قِبَلَ المشتكى منه صراحة ، لأن الأمر يتعلق بشكوى مع مطالبة مدنية وليس ببلاغ فقط كما يحصل أمام الضبطية القضائية وأمام النيابة العامة حتى وإن كانت محاضرهما تشير إلى أن الشخص يطالب بحقوقه المدنية مستقبلا وهو سؤال جوهري قد يترتب عنه حفظ القضية في غياب تأكيد الشكوى عندما تكون شرطا لازما للمتابعة.
أخيرا وجب على المحقق أن يحدد مبلغ الكفالة وهو مبلغ مالي نقدي يدفعه المدعي بالحق المدني من ماله الخاص [23]بين يدي أمين الضبط المكلف بالصندوق تحت طائلة رفض الإدعاء المدني إلا إذا استفاد من المساعدة القضائية.[24]
2-إجراءات الادعاء المدني أثناء سير التحقيق
في هذه الحالة يكون التحقيق قد بدأ إما بادعاء مدني من شخص وتدخل شخص ثان وثالث للانتصاب أطرافا مدنية كما يحصل عادة في جرائم السرقة حيث يفتتح التحقيق وما أن يعلم الضحايا المتأخرون بالقبض على الفاعل وملاحقته حتى يتوجهون إلى مكتب قاضي التحقيق وتنصيب أنفسهم أطرافا مدنية وإما في حالة فتح التحقيق بمعرفة النيابة بموجب طلب افتتاحي لإجراء التحقيق وفي الحالتين يكون الانضمام جائزا كما نصت عليه المادة 74 ق ا ج ما لم تتم المنازعة فيه من طرف النيابة أو المتهم أو تلقائيا من طرف قاضي التحقيق ( م74/2-3 ق ا ج ).
3-آثار الإدعاء المدني
يؤدي الإدعاء المدني إلى تحريك الدعوى العمومية ويصبح المدعي مدنيا مسئولا عن نتائجها عندما تنتهي إلى أمر بألا وجه للمتابعة.كما يؤدي قبول الادعاء المدني إلى وجوب عرض الشكوى على وكيل الجمهورية لإبداء الرأي في خلال 5 أيام ، إما بالموافقة وعندها يقدم طلبا افتتاحيا ضد شخص مسمى عندما تكون الشكوى حسب النيابة مؤسسة ولها ما يؤيدها ،وفي الحالة العكسية يقدم وكيل الجمهورية طلبا ضد شخص غير مسمى أو كل من يكشف عنه التحقيق ؛أو بالاعتراض على تحريك الدعوى العمومية عندما يرى مانعا من تحريكها أو أنها تكتسي الطابع المدني ...الخ وفي هذه الحالة إذا أراد قاضي التحقيق مع هذا مواصلة التحقيق صار ملزما بإصدار أمر مسبب مخالفا لطلبات النيابة التي يجوز لها أن تستأنفه أمام غرفة الاتهام.كما يجوز للمدعي مدنيا أن يستأنف أمر قاضي التحقيق الذي يرفض التحقيق في ادعائه.
نشير أخيرا إلى حق المدعي المدني في التنازل عن ادعائه وهنا تجب التفرقة بين حالتين ، عندما تكون الدعوى العمومية مرهونة بشكوى الضحية تنتهي المتابعة إلى الأمر بألا وجه للمتابعة ، أما في الحالة العكسية فإن المدعي المدني يفقد حقه في الانتصاب طرفا مدنيا ويجوز سماعه إذ ذاك شاهدا ، ويحق له مباشرة ادعائه أمام المحكمة المدنية المختصة.[25]
هذا ولا يجوز لقاضي التحقيق أن يرفض إجراءه بحجة عدم تمكنه من تحديد هوية المشتكى منه لأن القواعد العامة التي تنظم الادعاء المدني تفرض فتح تحقيق في الجريمة التي يدعي الشاكي أنه مضار منها ولو كان ذلك ضد شخص غير مسمى لأن للقاضي كل الصلاحيات للكشف عن مرتكبها. كما أن عدم حضور المدعي المدني لا يؤدي إلى رفض ادعائه طالما استوفت شروطها الشكلية والموضوعية .
ومن الآثار المترتبة عن قبول الادعاء المدني استفادة الطرف المدني بجميع الحقوق المقررة قانونا للخصوم من حيث الاستعانة بالمحامي والإعلان بالأوامر الصادرة وتقديم الطلبات و الدفوع اللازمة وحقه في مناقشة الشهود وحضور إجراءات التحقيق وحقه أيضا في الطعن بالاستئناف في الأوامر المضرة بمصلحته وحقه في التنازل عن شكواه وقتما شاء.[26]
4-سماع المشتكى منه في الادعاء المدني وضرورة تخييره بين مركزين قانونيين ( شاهدا[27] أو متهما )وفقا للمادة 89 ق ا ج
أوجبت المادة 89 ق ا ج على قاضي التحقيق عند سماعه للشاهد الموجهة ضده شكوى مع ادعاء مدني أن يحيط ذلك الشاهد بحقه في الخيار بين أن يسمع شاهدا أو يسمع متهما. وإذا اختار المركز الثاني وجب على المحقق أن يسمعه بهذه الصفة ولا يحلفه يمين الشاهد حتى لا يحبط حقه في الدفاع فيجد نفسه بين وضعين إما أن يحلف ويقول الحقيقة ضد نفسه فتصبح أقواله حجة عليه، وإما أن يحلف كاذبا وهنا يرتكب إثم الحلف الكاذب مع عدم الاعتداد بشهادته.وعند مخالفة المحقق لهذا الالتزام القانوني بإعلام الشخص المسموع بحقه في الخيار يترتب على ذلك الإجراء البطلان .[28]
[1] فيما مضى كان يجوز لقاضي التحقيق بمحكمة ما أن تسند له إدارة غرفتي تحقيق لمحكمتين مختلفتين بموافقة وزير العدل وذلك راجع إلى النقص في عدد القضاة أما اليوم فان كل محكمة تنفرد بقاض أو أكثر للتحقيق يشتغل في نطاق اختصاص المحكمة التي عين فيها .
[2] جاء في نص المادة المذكورة اصطلاح الاختصاص المشترك ويقابله في النص الفرنسي La compétence concurrente وأنا أتحفظ على الترجمة إلى العربية لأن كلمة مشترك تعني بالفرنسية (commun) بينما كلمة (La compétence concurrente) تعني الاختصاص التنافسي ، ويبدو أنه الأقرب إلى المعنى الصحيح ، مع أنه اصطلاح جديد أتى به المشرع الجزائري ولم يسبق للفقه أن تناوله من قبل ، وإن كان المشرع الفرنسي قد نص عليه في المادة 705 ق ا ج ف.
[3] حصر المشرع هذه الجريمة عندما تكون الضحية مؤسسة أو إدارة عامة علما وان هذا النوع من الجرائم سبق النص عليه في المادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية وجاء مطلقا واسند فيه المشرع الاختصاص للأقطاب الموسعة طبقا للمادة 40مكرر1 من الأمر 20-04 كما استحدث الأمر 21/11 نوعا جديدا من الاختصاص سماه الاختصاص المشترك منح بموجبه الاختصاص بنظر هذا النوع من الجرائم لكل من القطب الموسع والقطب الجزائي المتخصص ( م 211مكرر 27)
[4] يصبح التحقيق هنا لزوميا حتى في مادة الجنح مع انه في الأصل اختياري يخضع لتقدير وكيل الجمهورية عملا بالمادة 66/2 ق ا ج بسبب وجود نص خاص هو نص المادة 576 ق ا ج .
[5] هل الوزير الأول أو رئيس الحكومة مشمول بنص المادة 573 المعدلة بموجب القانون 20-04 أم غير معني بالمتابعة ؟ أم أن المشرع أخضعه لمتابعة خاصة أمام المحكمة العليا للدولة التي نص عليها الدستور ؟
[6] هل يعد كلا من الرئيس الأول والنائب العام والمحامون العامون قضاة بالمحكمة العليا ويخضعون لحكم المادة 573 التي عددت الفئات المعنية بتطبيقها ؟ في اعتقادي أنهم مشمولون بحكم هذه المادة لأنه لا أحد فوق القانون ، غير أنني أرى أن النص يستحق تفصيلا يزيل كل غموض ،فإذا افترضنا أن النائب العام لدى المحكمة العليا هو مرتكب الجناية أو الجنحة فمن يتولى نقل الملف إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا لتعيين إحدى المحاكم لمباشرة إجراءات المتابعة والتحقيق والمحاكمة ؟ وإذا كان الرئيس الأول محل اتهام فكيف يتم الإجراء ؟
[7] يخضع البحر العام كأصل عام للجماعة الدولية ... أما البحر الإقليمي فهو الجزء الذي يمتد بين إقليم الدولة والبحر العام.انظر ابراهيم احمد شلبي ، مبادئ القانون الدولي العام ، دار القلم ، بيروت ( لبنان ) ، دون سنة نشر ، ص 156 وما بعدها .
[8] La connexité.
[9] بغدادي الجيلالي ، نفس المرجع ، ص 115
[10]Soit par concert préalable et unité de dessein lorsqu’elles ont été accomplies en des temps et des lieux différents mais par plusieurs personnes agissant en parfait accord ( crimes commis par des bandes organisées qui agissent , après s’être concertées dans des régions différentes), voir Gaston Stefani et autres , op. cit., p 444 n°446.
[11] M'hamed Abed ,La saisine du juge d'instruction , O P U – E N A L 1988 p 36 et s.
[12] انظر قرار المحكمة العليا رقم 7552250 في 21/07/11 منشور بالمجلة القضائية للمحكمة العليا العدد الأول ، 2012 ، ص404
[13] بغدادي الجيلالي مرجع سابق ص 80 وكذلك :
Pierre Chambon , op. cit., p 49
[14] G.Stefani et autres op. cit., p 507, M’hamed Abed , op . cit., p 157
[15] Pierre Chambon, op. cit ., p 51
[16] Ibidem.
[17] Irrévocabilité de la saisine du juge d’instruction et interdiction de changer de voie
[18] ينبغي التمييز بين مصطلحي تحريك الدعوى العمومية(la mise en mouvement de l’action publique) وهو بداية سيرها وتقديمها لقاضي التحقيق لإجراء بحث فيها وإما للمحكمة الجزائية المختصة للفصل فيها. وبمجرد اتصال أي منهما بها تبدأ مرحلة جديدة هي مباشرة الدعوى العمومية أي ممارستها(l’exercice de l’action publique ) وهي تشمل جميع الإجراءات اللازمة للوصول إلى معاقبة المتهم وتنفيذ الحكم ضده.أنظر بغدادي الجيلالي ، مرجع سابق ، ص 84.
Voir aussi M’hamed Abed , op. cit ., p 175 et s.
[19] يكون الادعاء المدني مقبولا حتى لو كان القضاء الجزائي غير مختص بنظر الدعوى المدنية لوجود الإدارة طرفا فيه كما هو الشأن بالنسبة للمستشفيات العمومية أين ينعقد الاختصاص للقضاء الإداري . انظر :Gaston Stefani et autres , op. cit., p 506
[20] أجاز القضاء الفرنسي أن تكون الشكوى شفاهية أمام قاضي التحقيق .نقض جنائي فرنسي في 28/05/1968 أشار إليه الأستاذ Pierre Chambon في كتابه سالف الذكر ، ص 81.
[21] قد يعمد المدعي مدنيا أن لا يذكر أسماء المشتكى منهم ويترك للمحقق مهمة البحث عنهم بما له من صلاحيات تفاديا للرجوع عليه مستقبلا بعد انتهاء التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى ، أو ربما خوفا من الانتقام .
[22] انظر المادة 76 ق ا ج التي جاء فيها " على كل مدع مدني لا تكون إقامته بدائرة اختصاص المحكمة التي يجري فيها التحقيق أن يعين موطنا مختارا بموجب تصريح لدى قاضي التحقيق. فإذا لم يعين موطنا فلا يجوز للمدعي المدني أن يعارض في عدم تبليغه الإجراءات الواجب تبليغه إياها بحسب نصوص القانون" .
[23] يحق لنا أن نتساءل عن إلزام المدعي مدنيا بمبلغ الكفالة عندما تكون إدارة عمومية أو شخصا معفى قانونا من المصاريف القضائية أمام عموم نص المادة 75 الذي حصر الإعفاء من الكفالة بالنسبة لحالة المساعدة القضائية فقط.
[24] انظر المادة 75 ق ا ج ونشير هنا إلى حق المدعي المدني في استرجاع ما بقي من الكفالة بعد خصم المصاريف القضائية منها بعد صدور أمر بانتفاء وجه الدعوى لصالح المشتكى منه وهذا موقف المحكمة العليا في قرارها الصادر يوم 23/01/08رقم 457348.
[25]P. Chambon , op. cit., p94 et s.
[26] بغدادي الجيلالي ، نفس المرجع ، ص 147
[27] C’est le témoin assisté…le juge d’instruction devait informer la personne nommément visée par une plainte avec constitution de partie civile qu’elle pouvait sur sa demande être inculpée, de façon à bénéficier d’un avocat lequel pourrait prendre connaissance du dossier de la procédure… voir Gaston Stefani et autres , op. cit., p 518 n°528-1
[28] نقض جنائي فرنسي في 24/10/1988 أشار إليه P. Chambon نفس المرجع ، ص 91.