المحاضرة الثانية: الأهميّة والتعريف والقواسم المشتركة بالقوانين الأخرى
المحور الثاني( المحاضرة الثانية):القانون العام الاقتصادي:
الأهميّة والتعريف والقواسم المشتركة بالقوانين الأخرى
أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة الثانية بعنوان" القانون العام الاقتصادي: الأهمية والتعريف والقواسم المشتركة بالقوانين الأخرة ذات الصلة" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على أهمية هذا القانون(القانون العام الاقتصادي) في تعزيز الزاد المعرفي القانوني للطالب الذي هو بأمس الحاجة و معالجة السؤال المتعلق باستقلالية هذا القانون عن فروع القانون الأخرى ذات القواسم المشتركة بعنصر الاقتصاد.
يزداد الاهتمام بالقانون العام الاقتصادي في ظل اتساع دائرة الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي وتضاعف حجم الاحتكار العالمي للسلع والبضائع وعليه فإن أهمية تدريس هذا القانون لطلبة الحقوق يبقى انشغالا رئيسا تسعى كليات الحقوق التكفل به تدريسا و(محاضرة) و تطبيقا عمليا(أعمال موجهة).
عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى يصبح هذا المقياس مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:
-معالجة التعاريف المختلفة لهذا القانون الذي لم تتمكن المدارس الفقهية الغربية و العربية من الاتفاق حول تعريف جامع له يكون مرجعنا الرئيس في دراستنا لهذا المقياس.
-البحث في مصادر هذا القانون الذي يخص طبيعة تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي على مستوى الإقليم أكان ذلك في ظل الدولة المتدخلة (دولة الرعاية الكاملة) أو في ظل الدولة المُنظمة أو المُعدلة.
-البحث في علاقة هذا القانون بالقانون الدستوري و القانون المدني والقانون التجاري و قانون النقد والقرض.
-البحث في ما يتميز به هذا القانون.
أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الثانية) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:
*ما المقصود بالمفهوم الضيق للقانون العام الاقتصادي؟
*ما المقصود بالمفهوم الواسع و/أو المُوسع للقانون العام الاقتصادي؟
*ما مدى تطبيق المبادئ العامة في القانون العام الاقتصادي؟
الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة الثانية في تمكين الطالب الجامعي مِن الوقوف على خصائص ومميزات النصوص الناظمة لهذا القانون .
تقديم؛
تكمن أهميّة القانون العام الاقتصادي في كونه أحد أهم القوانين التي أسّست للدولة الحديثة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد الانهيار العام الذي أصاب الإمبراطوريات التي كانت سببا في إشعال فتيل الحروب الدينية والقومية في أوروبا الوسطى والغربية. إذ يجد الباحث في القانون العام الاقتصادي صعوبة في ايجاد تعريف شبه جامع لهذا القانون الذي برز ببروز مفهوم الدولة (La notion d’Etat)، بعد أن تجاوزت أوروبا الغربيّة فترة الحروب الدينيّة والملكيّة المفرطة وبدأت تتجه نحو الاقرار القانوني بالحقوق السياسية والاقتصادية الاجتماعية للفرد، وذلك لتعدد المرجعيّات الفقهيّة في هذا الشأن نتيجة تنوّع التجارب على امتداد العالم.
وعليه، وقع اختياري على التقسيم الآتي لهذا المحور: -فرع أول: القانون العام الاقتصادي: الأهمية والتعريف؛-وفرع ثانٍ: القانون العام الاقتصادي: علاقة التأثير والتأثر بالقوانين ذات الصّلة بالقانون الاقتصادي.
الفرع الأول: القانون العام الاقتصادي: الأهمية و التعريف
لم تتوقف المجتمعات البشرية عن التوجه نحو المزيد من التعقيد في العلاقات التجارية والاقتصادية بين أبناء المجتمع الواحد، وقد احتل المشروع الاقتصادي الفردي و العائلي و/ أو الجماعي أهميّة بالغة في بناء الصرح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأي بلد أو مجتمع أو منطقة من هذه المعمورة.
- أهميّة القانون العام الاقتصادي: يستشف الباحث في القانون الاقتصادي أنّ ثمّة علاقة وطيدة ومتشابكة بين الأفكار الاقتصادية والاجتماعية الناشئة والوقائع والأحداث الاقتصادية، ومن هنا تأتي صعوبة الفصل بين ما هو فكر إنساني في المجال الاقتصادي، وما قد يعتبر واقعة اقتصاديّة أو حدثا اقتصاديا سابقا مهدّ لنظرية أو مقاربة قانونية – اقتصادية معيّنة، لأن "الوقائع هي التي خلقت المناخ ومهدت الظروف لولادة الأفكار، وبشكل آخر إن الأفكار الاقتصادية كانت بنت الظروف الاقتصاديـــة والاجتماعيـــــة والسياسية في زمان ومكان معينين".[1]
فلا أحد يستطيع تجاهل أو غض الطرف عن حقيقة التأثير والتأثر المسجلة في العلاقة بين القانون الاقتصادي ومختلف فروع القانون (العام أو الخاص على حد سواء)، ذلك أن القانون الاقتصادي الذي يعرّف أنّه قانــون العلاقات والعقـود والاتفاقيات التجارـة والاقتصادية، وكل ما له علاقة بالفعل الاقتصادي داخل وخارج الدولة.
وتتفق جلّ المراجع الاقتصادية على أن مفهوم القانون الاقتصادي يعدّ مفهوما واسع النطاق من مصطلح القانون التجاري، أو قانون الاستثمار، أو قانون المؤسسات الاقتصادية، أو حتى قانون الأعمال، ذلك إن النشاط الاقتصادي كان في البدء وقائع وأفكار سواء ببروز الفلسفة اليونانية، أو أثناء العهد الروماني، أو أثناء الحقبة الذهبيّة للحضارة الإسلامية، أو بالموازنة مع المظاهر الأولى المواكبة للعصور الوسطى في أوروبا التي كانت الإقطاعية فيها هي السائدة، إلى أن ظهرت البورجوازية كعنصر دعم ومساندة للنهضة الصّناعية التي بدأت مع اكتشاف الآلة والتأسيس للعمل الصّناعي.وبالتالي، فإن القانون الاقتصادي بمشموليّته بالأعمال ذات الصّلة بالصّناعة، والتجارة والخدمات والمعاملات النقديّة والمصرفية والتأمينات يعدّ قانونا أوسع نطاق من القوانين الرديفة له.
إنّ أهم تعريف للقانون الاقتصادي هو على النحو الآتي: هو "مجموع القواعد القانونية والتنظيميّة التي تنظم، وتحدد، وتضبط الأنشطة الاقتصادية من إنتاج وبيع وتسويق ومعاملة وعقد تجاري أو خدمي، إن كان هذا النشاط على المستوى الوطني، أو كان خارج حدود الوطن، سواء كانت الدولة (أو أحد تفرعاتها) عنصر فيه كسلطة عمومية أو كانت فيه كطرف خاص تخضع لما يخضع له التاجر أو المتعامل الخاص".[2]
وتتضّح علاقة التأثير والتأثر بين القانون العام الاقتصادي والقوانين الأخرى ذات الصّلة بالموضوع الاقتصادي من خلال الوقائع الآتية:-العلاقة التبادلية بين القانون العام الاقتصادي بالدستور باعتباره أم القوانين أو الشريعة الأساسية للدولة (المبادئ الدستورية هي التي طبيعة ودرجة وكيفية تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية...)؛
- أنّه كلّما كان الدستور(دستور أي بلد) مكرسا لمبدأ تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادي (قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، كانت مساحة الاقتصاد العام غالبة في التشريع والقانون والتنظيم (النموذج الجزائري من سنة 1962 وإلى غاية سنة 1988، وهو على عكس النموذجين التونسي والمغربي في طبيعة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي)؛
- أنّه كلّما كانت الدولة متدخّلة في الفضاء الاقتصادي والتجاري والصّناعي كقوّة عمومية (صاحبة سلطة وسيادة) معتبرة نفسها طرفا متميّزا في النشاط الاقتصادي، كانت القوانين الأخرى (القانون التجاري والقانون الجمركي والقانون الضريبي وقانون الاستثمار وقانون العمل...) عاكسة لهذا النمط من التسيير للشأن العام الذي تكون فيه الدّولة صاحبـة التشريع الاقتصــادي دون منازع، ومن منطلق ممارستها للسيادة المطلقة.
وبالنتيجة نحن أمام منظومة تسيير اقتصادي تقوم على الخصائص الرئيسة الآتية: - التمويل العمومي المباشر للمرافق والمؤسسات العامـــة الإداريـة والاقتصادية؛
- ضمان حماية قانونية أوسع لكلّ ما هو مرفق عمــــومي)، ومؤسسة عمومية إداريـة واقتصادية من الإفلاس والتسوية القضائيـة؛
- أنّه كلّما كانت الدولة متدخّلة كطرف خاص (لا كصاحبة سلطة وسيادة) في الشأن الاقتصادي فإنّها تخضع لما يخضع له القطاع الخاص من التزامات وواجبات يكرسها القانون التجاري، وهو ما يتم اللجوء إليه على الصعيد الدولي بالنظر للتحولات التي يشهدها العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي العام 1989-1990، والرجوع القوي للمؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية) على الصعيد الدولي بدعم من الشركات متعددة الجنسية التي أصبحت تحوز على رؤوس أموال تجارية ضخمة وضخمة جدا بسبب التوّسع الذي حققه النظام الاقتصادي الرأسمالي على حساب النظام الاشتراكي.
- القانون العام الاقتصادي: التعريف والمضامين المختلفة
اجتهدت عديد المدارس الفقهية[3] في تقديم تعاريف متنوّعة للقانون العام الاقتصادي قواسمها المشتركة هي أن القانون العام الاقتصادي أساسه تدخل السلطات العموميّة في النشاط الاقتصادي، لا كطرف خاص يخضع للقانون الخاص ولاشتراطات القانون التجاري، لكن يكون تدخلها- غالبًا- في النشاط الاقتصادي كصاحبة سلطة و سيّاد مما يجعل هذا التدخل في النشاط الاقتصادي خاضعا للقانون العام في حال المنازعة. وبغرض الوقوف على طبيعة العلاقة المتداخلة بين كل من القانون العام الاقتصادي، والقوانين ذات الصّلة المباشرة، من منطلق الشخص المعنوي العام، ارتأيت المعالجة المفاهيميّة الآتية بغرض الإجابة على السؤال الآتي: ما المقصود بالقانون الاقتصادي؟
وللقانون الاقتصادي وجهان أساسيان وهما على النحو الآتي:- القانون الاقتصادي الوطني: وهو القانون الاقتصادي التي تحدد مضامينه وطبيعة أحكامه الدولة من منطلق مبدأ السيّادة في إدارة الشأن الاقتصادي، وتتحدد أغراضه في تنظيم العلاقات والروابط والأنشطة أو النشاطات الاقتصادية بين الأشخاص الذين يتبعون الدولة. وهو القانون الذي نجده في كل دولة عضو في هذا المجتمع الدولي الذي أسست له عصبة الأمم العام 1919، قبل أن تحل محلها هيئة الأمم المتحدة (الجمعية العامة + مجلس الأمن) وتوصياتها وبروتوكولاتها المختلفة، بالإضافة إلى أحكام الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهدان الدوليان التي تمّ التصديق عليهما سنة 1966 من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة (العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)، ومجموع الاتفاقيات الثنائية (بين الدول) والمتعددة الأطراف (لأكثر من طرفين) التي تبرمها الدولة مع الدول أو التجمعات الاقتصادية الإقليمية، أو مع المؤسسات العالمية المالية؛
- القانون الاقتصادي الدولي: وهو قانون ينظم العلاقات والروابط الاقتصادية بين الدّول (العلاقات الاقتصادية البينيّة)، أو بين الدول والمؤسسات المالية العالميّة (صندوق النقـد الدولي والبنـــك العالمي ومنظمة التجارة العالميّة..)،[4] أو المنظمات الإقليمية والدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة[5]، أو التجمعات والاتحادات الاقتصادية الدولية (الاتحاد الأوروبي...)، وبالتالي فهو قانون ينظم العلاقات الاقتصادية التي تنشأ بين أشخاص القانون الدولي. وينقسم القانون الاقتصادي الوطني إلى قانون عام اقتصادي وقانون خاص اقتصادي، ونعني بالقانون العام الاقتصادي كل ما يشمل من أنشطة أو علاقات اقتصادية(إنتاج وبيع و تقديم خدمات..) تكون فيها الدولة أو أحد تفرعاتها كشخص معنوي عام طرف رئيسا فيها،
في حين نعني بالقانون الخاص الاقتصادي كل نشاط أو علاقة اقتصادية تكون بين الخواص، وقد تكون الدولة فيه طرفا، لا من منطلق تمتعها بامتيازات الشخص المعنوي العام، لكن يكون تدخلها في النشاط الاقتصادي كطرف خاص يخضع لما يخضع له المتعامل الخاص أو التاجر.
ومن التعاريف التي تحوز على قبول جمهور فقهاء القانون الاقتصادي، من حيث العناصر المشكّلة للقانون العام الاقتصادي، التعريف الآتي:
- القانون العام الاقتصادي هو: "قانون تدخل السلطات العامة في الحياة الاقتصادية، وهو مجموع القواعد التي تسعى في زمن معيّن، وفي مجتمع معيّن، إلى ضمان التوازن بين مصالح الفاعلين الاقتصاديين، إن كانوا من القانون العام، أو من القانون الخاص، أو المصلحة الاقتصادية العامة".[6]
وتتمثّل أهم العناصر التي يمكن للباحث أن يستشفها من مجموع التعاريف التي تناولت القانون العام الاقتصادي في الآتي:-وجود عنصر الدّولة كمتدخل في تنظيم الاقتصاد (أنشطة وعلاقات اقتصادية) من منطلق السلطة العمومية؛-أن يكون هذا التدخل غايته تحقيق التوازن المطلوب بين مختلف المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين وأطراف الإنتاج للحيلولة دون الفوضى الاقتصادية؛-أنّه كلّما كان دخل الدولة باعتبارها صاحبة سلطة وسيّادة في النشاط والعلاقات الاقتصادية على مستوى الدولة فإننا نكون أمام قانون عام اقتصادي، لكن كلّما كان تدخل الدولة كطرف عادي يخضع ما يخضع له الطرف الخاص في العلاقة الاقتصادية أو التجارية فإننا نكون أمام قانون خاص اقتصادي.
وفي ضوء ما تقدم وأوضحناه أعلاه فإن القانون العام الاقتصادي وبتعريف شبه جامع يتضمن جل العناصر التي جاءت في تعاريف الفقه القانوني هو: "مجموع الأحكام التشريعية، والقواعد القانونية والتنظيمية التي تؤطر آليات وتنظم كيفيات تدخل الدولة كقوّة عمومية في النشاط الاقتصادي بغرض تحقيق التوازن الاقتصادي المطلوب وضمان التأطير القانوني لمجموع السياسات الاقتصادية للأشخاص الادارية بواسطة القانون، أي أننا أمام قانون لا يخرج نطاق تطبيقه على" كل ما هو مطبق على تدخلات الأشخاص العمومية في الاقتصاد وكيفية تنظيم هذه التدخلات".[7]
ومن نتائج التدخل القوي للدولة لمواجهة الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية الكبرى (1929-1933) أن برز ما أصبح يعرف بنظرية الدور التعديلي والاجتماعي للدولة تحت تأثير الأفكار الكينزيّة،[8] أو ما يصطلح عليه بدولة الرعاية (Etat-providence) الكاملة التي تكون فيها الدولة(وحتى الدولة الليبرالية) محور التنمية الاقتصادية في حالة الأزمة الاقتصادية العادية منها والمتواصلة(تبقى الأزمات الاقتصادية لها التأثير الكبير في طبيعة ونوعية تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي)، أو في حالة الضائقة المالية الظرفية التي تواجهها الدولة(حتى الدول الكبرى تواجهها أزمات مالية تدفع حكوماتها إلى أن تتخذ إجراءات نقدية ومالية و تنظيمية صارمة)، فالدولة لها القدرة على أن تبادر بإنجاز مشاريع اقتصادية واسعة بتمويل من الخزانة العمومية (La trésorerie publique) يكون الهدف منها توفير الشغل وضمان مداخيل (مالية) منتظمة للعائلات حتى تحافظ على قدرة شرائية مقبولة، بالإضافة إلى ضمان دخل مالي للعمال والموظفين ليسهموا في انعاش الاستهلاك الوطني، وبالتالي دفع العجلة الاقتصادية إلى مزيد الانتاج.
وهي النظرية الاقتصادية التي تبنتها عديد الدول الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية بغرض إعادة تنشيط الآلة الانتاجية المتعثرة والمثقلة بسبب أعباء الحرب التي دمرت الشركات والمؤسسات التجارية والزراعية والخدمية التابعة للخوّاص.
هذا وقد اعتمدت عديد الدول التي نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية(1939-1945)، أو تلك التي استعادت سيادتها بعد حرب تحرير ضد الاحتلال الغربي، آليات التدخل الحكومي المباشر في ضبط السياسات الاقتصادية العامة لتكون في خدمة وجود الدولة المركزية المتدخلة(Etat central interventionniste) كمحور مركزي لإدارة وتسيير الشأن الاقتصادي(إنتاجا وتسييرا وتمويلا للمؤسسة العمومية الاقتصادية وتحديديا إداريا لأسعار البيع و الاستهلاك على حدٍ سواء).
والجزائر التي استعادت سيادة بعد ثورة تحرير مسلحة شرسة ضد الاحتلال الفرنسي تبنى دستورها لسنة 1963 خيار الاشتراكية، والملكية العامة لوسائل الانتاج، والتسيير الذاتي لمؤسسات، والتأميم، وإنشاء الشركة الوطنية، واعتبار المؤسسة العمومية الاقتصادية ذراعا اجتماعيا للدولة الاشتراكية في بناء الاقتصاد الاجتماعي.
كما تم التركيز، وعلى مدار الحقبة الزمنية الممتدة من سنة 1962 و إلى غاية سنة 1989(تاريخ التعديل الدستوري بتاريخ 23 فبراير 1989)، على التدخل المباشر للدولة المتدخلة(الاشتراكية) في الشأن الاقتصادي ليكون في خدمة المجموعة الوطنية عبر:-التأميم الذي شمل الأراضي والمصانع والورشات التي كانت بيد المستعمرين الفرنسيين ووضعها تحت تصرف الدولة الجزائرية المستقلة( مراسيم وأوامر التسيير الذاتي للمؤسسات وقانون الأملاك الشاغرة و إنشاء الشركات الوطنية-شركة سونطراك).
- اعتماد مبدأ الاستثمار العمومي القائم على تمويل الدولة لبرامج التنمية الوطنية(الثلاثية و الرباعية و الخماسية).
- تواجد الدولة في التعليم و التربية و التكوين(إلزامية التمدرس، ودمقرطته، وتعميمه بتمويل مباشر من الخزينة العمومية).
-جعل المؤسسة العمومية الاقتصادية والشركة الوطنية والمؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري والمؤسسة العامة الادارية في خدمة الاقتصاد الاشتراكي ومحوره الأساسي الدولة.
-إبعاد القطاع الخاص الوطني و الأجنبي من برامج التنمية الوطنية والقبول بقطاع خاص مرتبط بالثورة الاشتراكية (القطاع الخاص غير الطفيلي).
-هذا ولم يكن المشرع الجزائري و إلى غاية إصداره للقانون التوجيهي المتعلق بالمؤسسة العمومية الاقتصادية(قانون رقم 88-01 مؤرخ في 12 جانفي 1988) يُضفي طابع الشخصية المعنوية للمؤسسة العمومية الاقتصادية.
وبالنتيجة فالدولة هي التي كانت تمارسها بالنيابة عن المؤسسة العمومية الاقتصادية أو الشركة الوطنية(الحق في التعاقد و التملك واللجوء إلى القضاء).
وفي هذا الاطار أدعو أبنائي المسجلين بالسنة الثانية /ليسانس حقوق/ إلى تصفح وقراءة رسائل الماجستير و أطروحات الدكتوراه في القانون والمؤلفات المتخصصة والعامة على حد سواء التي أنجزتها كفاءات علمية جزائرية وباللغتين(العربية والفرنسية) تناولت المرحلة الممتدة من سنة 1962، وإلى غاية تاريخ التعديل الدستوري لسنة 1989.
أسئلة مُختارة لمساعدة الطالب في فهم المحاضرة واستيعاب مضامينها
س1: يُعرَّفُ القانون العام الاقتصادي بالقانون الذي يُنظم العلاقات التجارية و عقود التجارة الدولية بين الشركات التجارية والصناعية (صح أم خطأ ولماذا؟)
س2: لكل دولة عضو بالأمم المتحدة كل الحق في تنظيم وإدارة اقتصادها الوطني وِفقَ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية العامة دون تدخل خارجي في سيادتها الوطنية(صح أم خطا ولماذا؟)
س3: ما الفائدة من تدريس هذا المقياس للمسجلين بالسنة الثالثة ليسانس /قانون عام؟
س4- الاتفاقيات والعهود الدولية في المجال الاقتصادي التي تبرمها الجزائر مع الدول الشقيقة والصديقة و يُصدَّقُ عليها البرلمان الجزائري بغرفتيه لا تعلو على القانون المحلي(الوطني) ( صح أم خطأ ولماذا).
[1] تيسير الردّاوي : تاريخ الوقائع و الأفكار الاقتصادية، منشورات جامعة حلب، سورية، 1990، ص 7.
[2] هذا التعريف هو خلاصة للعديد من التعاريف التي تناولت القانون العام الاقتصادي جمعت فيه أهم العناصر المشكّلة لهذا القانون(القانون العام الاقتصادي).
[3] يختص الفقه بتقديم تعاريف مستخلصة من تجارب وخلاصات ونتائج يتم التوصل إليها بعد بحث مضن، وعليه، فإن المشرع الجزائري، وعلى غرار نظرائه في فرنسا وتونس والمغرب ومصر، لم يقدم تعريفا للقانون العام لاقتصادي بقدر ما اقتصر على اعتماد نصوص قانونية وتنظيمية وقرارات إدارية تنظم الأنشطة الاقتصادية تكون فيها الدولة أو أحد تفرعاتها الادارية عنصر رئيس في إدارة و توجيه الاقتصاد من منطلق السلطة العمومية.
[4] أعلن عن انشاء كل من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي للإنشاء و التعمير بمدينة( بروتن وودز) بالولايــــــات المتحدة الأمريكية سنة 1944 ، وقد دخلت المؤسستان العمل الفعلي سنة 1946 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، و خروج الولايات المتحدة الأمريكية منتصرة على ألمانيا و إيطاليا و اليابان.
[5] ومن بين أهم المنظمات الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة: منظمة العمل الدولية التي جاءت مباشرة بعد الاعلان عن انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وتعنى بشؤون العمل والعمال وبكل ما يتعلق بالتشغيل. والجزائر كانت سباقة إلى الانخراط في صفوف منظمة العمل الدولية بمجرد الاعلان عن الاستقلال وقيام الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وكان ذلك بتاريخ 19 أكتوبر 1962، كما قامت الجزائر بالتصديق على حزمة واسعة من الاتفاقيات المتعلقة بالعمل، والحرية النقابية والمفاوضة الجماعية.
[6] هو تعريف للأستاذ الباحث الدكتور(Robert SAVY :l’intervention des pouvoirs publics dans la vie économique, Études de droit comparé, Revue internationale de droit comparé, 1979 ,Volume 31, N°4) نقله وترجمه إلى اللغة العربية الدكتور عبد الرزاق زويتن (المرجع: عبدالرزاق زويتن: دروس في القانون العام الاقتصادي، مطبوعة لطلبة السنة الثالثة ليسانس –نظام LMD-تخصص قانون عام- السنة الجامعية 2015-2016، ص 19.
[7] عبدالرزاق زويتن، المرجع نفسه، ص 19.
[8] جون مينيار كنز رجل إنجليزي (1883-1946) قدّم نظرية في إدارة وحل الأزمات الاقتصادية المتعددة للنظام الرأسمالي تقوم على أن السلطات العمومية هي المحرك الرئيس للاقتصاد وليست الأسواق لمواجهة حالة الكساد الاقتصادي، وأنّه لا بد عليها أن تتدخل في النشاط الاقتصادي بما تحوز عليه من سلطة وسيادة وقدرة مالية وتنظيمية في البرامج الاقتصادية الكبرى الموّفرة للشغل والأجر في غياب القطاع الخاص.
النظرية الكينزيّة وجدت تطبيقا لها في الولايات المتحدة بين الحربين الأولى والثانية، كما تبنت العديد من الدّول الأوروبية (غرب أوروبا) الأفكار الكينزيّة في محوها للآثار السلبيّة للحرب العالمية الثانية على الاقتصاديات الغربيّة.
لمزيد الاطلاع على النظرية الكينزية، راجع الموقع الآتي:
-http://ibilieveinsci.com