تكييف المنظومة القانونية وفق آليات اقتصاد السوق في الجزائر (المحاضرة السابعة)
تكييف المنظومة القانونية وفق آليات اقتصاد السوق في الجزائر
(المحاضرة السابعة)
أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة السابعة بعنوان" التجربة الجزائرية" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على سلسلة الاجراءات الإصلاحية العميقة التي بادرت بها السلطات العمومية من أجل تكييف مناخ الأعمال في الجزائر حتى يكون مُستقطبا للاستثمار الوطني و الأجنبي.
وهي التجربة المتميزة التي انطلقت من تاريخ التصديق الشعبي على التعديلات الدستورية العام 1989 التي نرى ضرورة دراستها ومناقشتها وتحليلها حتى يستفد الطالب الجامعي الذي اختار تخصص قانون عام من المعارف والمعلومات والمعطيات ذات الصلة بالقانون الاقتصادي الذي يتقاطع و العديد من القوانين الأخرى كالقانون المدني و القانون التجاري و قانون المنافسة و قانون الاستثمار.
عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى يصبح هذا المقياس مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:-الهيكلة الاقتصادية وبرامج التثبيت الهيكلي.
-المؤسسات المالية العالمية وآليات تدخلها في التجارة الدولية.
-رؤوس الأموال التجارية للدولة.
- التعديل الاقتصادي.
-الاستثمار الأجنبي.
أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الثانية) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:
-أي دور للهيكلة الاقتصادية في تحسين مناخ الأعمال في الجزائر؟
-أي دور للهيئات الادارية المستقلة في التأسيس لمناخ منافسة عادلة وشريفة؟
-أي دور لهيئات الضبط الاقتصادي في استقرار الأسواق المحلية(الوطنية) ومحاربة الاحتكار والمنافسة غير المشروعة؟
الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة في تمكين الطالب الجامعي مِن الوقوف على أهم التدابير والإجراءات و القرارات ذات المضمون الاقتصادي التي ساهمت وبدرجة كبيرة في ضمان انتقال سلس من الدولة المتدخلة إلى الدولة المُنظمة.
تقديم؛
بالتصديق على دستور 1989 الذي نقل الدولة الجزائرية من دولة متدخّلة ومشْرِفة ومتعامل اقتصادي رقم واحد دون منافس، دولة متدخّلة كانت قاطرة التّنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلى دولة منظّمة (Etat régulateur) يكون تدخّلها كصاحبة سيَادة في حدود الرّقابة، والتشجيع على الاستثمار والتّجارة القانونية، والتّحصيل الضّريبي والجبائي ،وتنظيمِ السّوقِ في حالة أيّ إخلالٍ بالتّوازنات الاقتصاديةِ الكبرى وفقَ خططِها وبرامجِها الإنمائية القريبة والمتوسّطة والبعيدة المدى.
وقد جاء تقسيمُ هذا الجزء من الدراسة في طبية التكييف للمنظومة القانونية الجزائرية وفق آليات اقتصاد السوق على النّحوِ الآتي:
الفرع الأول: اجراءات تكييف المنظومة القانونية
إنّ الانسحابَ من الفضاء الاقتصادي للدولة كمنتجة، أو تاجرة، أو متعامل اقتصادي أو اجتماعي رقم واحد بعد التصديق على دستور 1989 لا يعني انسحابها من سن القوانين والقرارات ذات المضمون المنظّم للأنشطة الاقتصادية، بل زاد وتعاظم دورها الرقابي والتنظيمي وتحمل مسئولية توفير الشروط الموضوعية لمناخ أعمال مساعد للمبادرتين العمومية والخصة في ظلّ التّحدياتِ التي كانت تواجهُ الاقتصادَ الجزائري.
- أولويّة توفير مناخِ أعمالٍ مساعد: سعت السّلطاتُ العمومية من أجل أن يكون مُناخُ الأعمالِ بالجزائر مناخًا مساعدًا للمستثمر الوطني أو الأجنبي، منذ أن بدأت الحكومات المتعاقبة على دفّة السلطة التنفيذية تنفيذ برنامج للإصلاح والهيكلة الاقتصادية، من منطلق الاحترام التام للسيادة الوطنية، فكان الاصلاح التشريعي والقانوني والتنظيمي العام الذي جاء على مراحل متميّزة احتلت الدولة صاحبة السيادة فيها الريادة باعتبارها صاحبة الشأن.
وفي إطارِ المسعى العامّ القاضي بتوفير شروطِ النّهضة الاقتصادية والخروج من دوّامة الاعتمادِ على الجبايةِ النفطية لوحدها في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية كانت السلطات العمومية على موعد مع التأسيس لمنظومة قانونية جديدة تتوافق والنهج التعديلي للدولة في ظل دستور 1989 الذي رسّخ مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ومنع التمييز بينهم (المادّة 29 منه)، وضمن الدفاع الفردي والجماعي عن الحقوق الأساسية للإنسان والحريات الفردية والجماعية (المادّة 33 منه)، وكفل كذلك حرية التعبير وإنشـاء الجمعيات والاجتماع (المادة:41 منه).
بالإضافة إلى إصدارها لمنظومة قانونية جديدة تنظم علاقات العمل في مجال العمل، ومنازعات العمل الفردية والجماعية، وتفتيش العمل، وممارسة الحق النقابي، تمّ التصديق على سلسـلة من النصوص القانونية المنسجمة والأحكام الدستورية الجديدة لعام 1989 والمنظّمة للسجل التجاري (قانون رقم:90-22 المؤرخ في 18-08-1990 والمتعلّق بالسجل التجاري)، والنقد والقرض (القانون رقم:90-10 المؤرخ في 14-04-1990 والمتعلّق بالنقد والقرض)، والتوجيه العقاري (القانون رقم: 90-25 المؤرخ في 18-11-1990 والمتعلّق بالتوجيه العقاري)، والتهيئة العمرانية (القانون رقم:90-29 المؤرخ في 01-12-1990 والمتعلّق بالتهيئة العمرانية)، بالإضافة إلى الأملاك التابعة للدومين-Loi Domaniale- (القانون رقم:90-30 المؤرّخ في 01-12-1990 والمتعلّق بقانون الدّومين).
لم يتوقّف المسعى الوطني العامّ للسّلطات العمومية من أجل توفير مُناخِ أعمالٍ مساعدٍ للمستثمِر الوطني أو الأجنبي على حدٍّ سواء، بالرّغم من ضغوطات الأزمةِ المتعدّدةِ الأوجه، التي كانت تواجهُ الجزائر سنوات 1992، 1993 و1994، فكانت الإصداراتُ القانونية الآتية، والتي كان من شأنها التّأكيد على عزم الدّولةِ المضيَّ قُدمًا في نهج الإصلاح القانوني الذي من شأنه أن يساعدَ في إعادةِ الاعتبارِ للأداةِ الإنتاجيةِ العموميةِ والخاصّة في ظلِّ تنافسيةٍ ينظِّمُها القانون:
- إجراءُ أوّلِ تعديلٍ وتتميمٍ للمرسومِ التّشريعي رقم:93-08 المؤرّخ في 23 أبريل 1993، المتعلِّقِ بالقانون التجاري، وقد كان الهدفُ من هذا التّعديل والتّتميمِ أن يسمحَ لشركاتِ الأسهم بالمزيد من الحرّية في التّنظيم والاكتتابِ والمداولة، في ظلِّ التّنافسية الاقتصادية؛
- إجراء تعديل وتتميم قانون الاجراءات المدنية بموجب مرسوم تشريعي (Un Décret-Législatif) رقم:93-09 مؤرخ في 25 أبريل 1993 يتضمن، ولأول مرة في التاريخ القانوني الجزائري للفترة الزمنية (1962 وإلى غاية سنة1993) "إدراجَ قواعدَ تطبيقيةٍ خاصّةٍ بالتّحكيم التّجاري الدّولي"؛[1]
- إصدار أول مرسوم تشريعي يتعلق ببورصة القيّم المنقولة (Bourse des valeurs mobilières) (رقم:93-10 مؤرخ في 23 ماي 1993)، وهو ما يُعدُّ اهتمامًا خاصًّا بأهميّة القيّم المنقولة في دعم الاستثمار الأجنبي بعد أن تمت الإشارة إليها- القيَم المنقولة- في المرسوم التشريعي رقم 93-09، المؤرّخ في 25 أبريل 1993، المعدِّل والمتمِّم لقانونِ الإجراءاتِ المدنية.
- إصدار أول مرسوم تشريعي ينظم الاستثمار الأجنبي بالجزائر(رقم 93-12، مؤرّخ في 05 أكتوبر 1993، والمتعلق بترقية الاستثمار جاء بعد أن قامت السلطات العمومية بالتصديق على أهمِّ اتفاقية دولية لمؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 10 جوان 1958 والخاصّة باعتماد القرارات التحكيميّة الأجنبيّة وتنفيذها(قانون رقم 88-18 مؤرخ في 28 ذي القعدة عام 1404 الموافق لـ12 جويلية 1988، المتضمّن الانضمام إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958).
وهو المرسوم التشريعي الذي تضمنت مادته الأولى الآتي: "يحدد هذا المرسوم التشريعي النظام الذي يطبق على الاستثمارات الوطنية الخاصّة و على الاستثمارات الأجنبية التي تنجز ضمن الأنشطة الاقتصادية الخاصة بإنتاج السلع أو الخدمات غير المخصصة صراحة للدولة أو لفروعها، أو لأي شخص معنوي معيّن صراحة بموجب نص تشريعي"؛
- إصدار أول مرسوم تشريعي يتعلق بحماية الاختراع (رقم 93-17، مؤرّخ في 07 ديسمبر 1993، المتعلّق بحماية الاختراعات (Protection des inventions) يكرّس الحق في الملكية التي قد تكون عقارا أو منقولا أو اختراعا علميا أو صّناعيا (قانون حقوق المؤلف، قانون الملكية الصّناعية، قانون العلامة التجارية...). هذا وقد سبق للمشرع الجزائري أن أنشأ الديوان الوطني لحقوق المؤلفين (الأمر رقم:73-46 الصادر بتاريخ 25 جويلية 1973)[2] ليكون المؤسسة العمومية ذات الطابع الصّناعي والتجاري التي تتمتع بالشخصية القانونية (La Personnalité Juridique) في ظلّ الدّولة المتدخّلة (Etat Intervenante).
لكن ومع دخول الجزائر مرحلة الدولة المنظّمة أو المعدّلة وسعي المشرع الجزائري إلى تحقيق أعلى حماية للملكية الفكرية والصّناعية وللعلامة التجارية؛ جاء الأمر رقم:97-10 المؤرخ في 27 شوال 1417ه الموافق لـ06 مارس 1997، المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ليضيف حماية أوسع لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في ظل تنافسية الاختراع والإبداع والتميّز.[3]
هذا وقد تعززت منظومة حقوق التأليف بإصدار المشرع الجزائري للأمر رقم:03-05 المؤرخ في 19 جمادي الأولى عام 1424 الموافق لـ19 يوليو سنة 2003 والمتعلّق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ويبقى الأمل في تعزيز حماية أوسع للملكية الصّناعية في ظل التطوّر الحاصل في النسيج الاقتصادي الجزائري وتحقيق الحماية القانونية للاختراعات المحققة على الصعيد الوطني.
- إصدار الأمر رقم: 95- 06 المؤرخ في 25-01- 1995 و المتعلّق بالمنافسة الذي يعد أحد أهم القوانين المؤسّسة لنظام اقتصاد السوق، ومن "خلال القواعد الموضوعية والإجرائية التي وضعها، يعتبر – هذا القانون- تشريعا حقيقيا للمنافسة الحرة في الجزائر، من شانه حماية المنافسة وتشجيعها وجعلها من ركائز الاقتصاد الوطني".[4]
ولتدارك ذلك سارع المشرع الجزائري إلى إصدار الأمر رقم:03-03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 والمتعلق بالمنافسة والممارسات المقيدة لها، كما أتبع ذلك بإصداره للقانـــــــون رقم: 04-02 المؤرخ في 23 يونيو 2004 والمتعلق بالقواعد المطبقة على الممارسات التجارية.[5]
- الدولة و تثبيت منظومة قانونيّة- حمائية للأجراء: جاء الأمر رقم:95-22 المؤرخ في 26-08-1995 والمتعلّق بخوصصة المؤسسات العمومية بعد أن قامت السلطات العمومية بإرساء نظام وطني لحماية الأجراء من خطر فقدان منصب الشغل-العمل- لأسباب اقتصادية وغير إرادية قوامه ثلاث أنظمة قانونية جديدة لم يعرفها المجتمع الجزائري من قبل وهي:
- التّأسيس القانوني لجهاز مهمّته الحفاظُ على الشّغل: (المرسوم التشريعي رقم: 94-09 المؤرّخ في 26/03/1994 والمتعلق بكيفية الحفاظ على الشغل) من خلال إجبار المؤسسات العمومية الاقتصادية على أن تقوم بالتحضير لغلاف اجتماعي (Le Volet Social) خاصّ بأيِّ تقليصٍ في عدد العمّالِ بالتّنسيق مع لجنة المساهمة وكذلك بعد التّفاوض مع النّقابة أو العمّال حول مختلف الأوجه المتعلّقةِ بالتّقليص وشروطِ تطبيقه.
- التأسيس لنظام تقاعد مسبق (المرسوم التشريعي رقم: 90-10 المؤرخ في 26 ماي 1994) كان الهدف من تأسيسه في ظل الظرف الاقتصادي الصعب الذي كانت تمر الدولة الجزائرية به تحقيق أعلى معدلات الحماية للأجراء ضد آثار التسريح لأسباب اقتصادية.
ومن شروط الاستفادة من هذا المرسوم التشريعي:- لا يمكن إحالة عامل على التقاعد المسبق إلا إذا بلغ خمسين سنة (50) بالنسبة للذكور وخمس وأربعين (45) للإناث؛
- يجب أن يكون العامل قد دفع اشتراكاته الخاصة بالضمان الاجتماعي لمدة عشرين سنة (20) كحد أدنى منها عشر سنوات (10) كاملة وثلاث (03) سنوات قبل نهاية علاقة العمل؛
- يجب أن يكون اسم العامل مدرجا في قائمة العمال المعنيين بالتسريح في نطاق الإجراءات الاجتماعية أو توقّف المؤسّسة عن النّشاط بصفة قانونية.
- نظام التّأمين ضدّ البطالة: (اعتمدته السلطات العمومية سنة 1994) وهو نطام حماية ضد خطر فقد العامل لمنصب عمله لأسباب اقتصادية، فالمؤسسة العمومية الاقتصادية لم تعد مؤسسة يحميها القانون في ظل مناخ التنافسية الاقتصادية والتجارية من الإفلاس، أو التسوية القضائية، أو الحل القضائي، أو تقليص عدد الأفراد لأسباب اقتصادية. وأوكلت السلطات العمومية تسيير وإدارة نظام التأمين ضد البطالة إلى مؤسسة وطنية، وتحوز على الاستقلالية المالة والإدارية، ويدير الصندوق الوطني للتأمين ضد البطالة مجلس إدارة ثلاثي التمثيل ويسيره مدير عام، والصندوق هو تحت وصاية وزارة العمل والضّمان الاجتماعي.
الفرع الثاني: الدولة و التحكيم التجاري الدولي
لم تتنصل الدولة الجزائرية من اشتراطات مبدأ احترام السيادة الوطنية عندما قررت السلطات العمومية، ومن منطلق إعلاء المصلحة العليا للدولة، التصديق على معظم الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والدولية المنظّمة للاستثمار الأجنبي ، وذلك كلّه بغرض إضفاء المزيد من الشفافية في عقود الاستثمار التي تبرمها الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار بالنيابة عن الدولة صاحبة السيّادة، فكانت الضمانات الممنوحة للمستثمر الأجنبي، بالإضافة إلى تكريس التحكيم الدولي كأداة قانونية لتسوية منازعات الاستثمار.
- أهمية التحكيم التجاري الدولي:"التحكيم" لغةً عند العرب، هو مَصدرٌ لفعل حكَّمَ (بتشديد الكاف المفتوحة وفتح الميم) أي قضى وفصل.[6]
جاء في لسان العرب لجمال الدين محمد ابن منظور (لسان العرب، دار لسان العرب، بيروت، 1988)، قال العرب "حكّموه بينهم أي أمروه أن يحكم".[7] و"التحكيم" عند الأب لويس معلوف اليسوعي (المنجد في اللغة والأدب والعلوم، الطبعة الخامسة، المطبعة الكاثوليكية ،بيروت، غير مؤرخ) أن العرب قالوا: حكمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا".[8]
وللتحكيم التجاري الدولي مميّزاته في ظل تنامي التجارة والعقود التجارية على الصعيد الدولي(حوالي 90 % من التجارة والعقود التجارة على الصعيد الدولي تخضع لرقابة المنظمة العالمية للتجارة) بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة.[9] فهو، وبالنتيجة التي فرضتها المؤسسات المالية العالمية، قد أصبح بمثابة أحد أهم الأدوات والوسائل القانونية التي يتم اللجوء إليها بإرادة الأطراف المعنية بعقد الاستثمار الأجنبي بغرض إيجاد حل لمنازعة تخص وجها من أوجه العقد، أو أن تكون المنازعة تتعلق بتنفيذ أحد أوجه عقد الاستثمار. إلّا أن اللجوء إلى التحكيم التجاري يبقى حالة استثنائية وليس قاعدة في عقد الاستثمار الذي يكون فيه عنصر أجنبي.
إنّ التحكيم التجاري الدولي هو" اتفاق على طرح نزاع على شخص أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة"،[10] وهو كذلك " وسيلة يتم من خلالها تحقيق ما اتفق عليه في اتفاق التحكيم"،[11] أو عبارة "عن أسلوب يهدف إلى إيجاد حل لقضية بشأن علاقة بين شخص، أو أكثر عن طريق محكم، أو أكثر من محكم يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص بين أطراف النزاع ويصدرون قراراتهم بموجب هذا الاتفاق دون تخويلهم من قبل الدولة بهذه المهمة".[12]
إن الجزائر التي كانت رافضة للتحكيم التجاري الدولي إلى غاية 1988، ومركّزة على الاستثمارات العمومية وقيادة الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعطاء الأولوية للقطاع العام الاقتصادي في إنتاج الثروة، بدأت تتجه نحو هذا الاستثناء في العقود والعلاقات التجارية على الصعيد الدولي، بعد أن أبرمت أول اتفاق للتسوية الهيكليـــة والمالية مع المؤسسات المالية العالمية العام 1989.
فكانت النتيجة أن سعت إلى تكييف قانون الاجراءات المدنية ومتطلبات الاستثمار الأجنبي (إصدار مرسوم تشريعي رقم:93-09 مؤرخ في 25 أفريل 1993 معدّل ومتمّم للأمر رقم: 66-154 مؤرخ في 08 يونيو 1966 والمتضمن قنون الاجراءات المدنية)،[13] وذلك للتمهيد لإصدار أول قانون استثمار (المرسوم التشريعي رقم:93-12 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ 05 أكتوبر سنة 1993 والمتعلّق بترقية الاستثمار) يكرس اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي( المادة:41 من المرسوم التشريعي التي تؤكد على المحاكم الوطنية إلا إذا كان ثمة اتفاق ينص على شرط التحكيم أو اللجوء إلى تحكيم خاص).
- أهم الالتزامات التي يفرضها التحكيم التجاري: قرّر المشرع الجزائري، وفي إطار المسعى العام لتقديم المزيد من الضمانات للمستثمر الأجنبي، وبعد أن انضمت الجزائر إلى أحد أهم الاتفاقيات الدولية والمعروفة باتفاقية نيويورك لعام 1958(بموجب المرسوم الرئاسي رقم:88-233 المؤرخ في 05-11-1988 الذي سبق أن أشرت إليه)، وسعت دائرة الانضمام إلى اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول ومواطني الدول الأخرى المبرمة بتاريخ 18-03- 1965 وبالتالي اكتساب عضوية المركز الدولي لتسوية المنازعات الخاصة بالاستثمار العام 1995(بموجب الأمر رقم:95-04 المؤرخ في 21 جانفي 1995).[14]
ومن أهم الضمانات الممنوحة للاستثمار الأجنبي التي كرسها المشرع الجزائري(القانون رقم:16-09 المؤرخ في 29 شوال عام 1437 الموافق لـ03 غشت2016 والمتعلّق بترقية الاستثمار) أذكر الآتي:- الاحترام التام لما تلتزم الدولة به مع الدول(الاتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف) في كل ما يتعــلق بالعقــــــــــــــــود والاتفاقيات التجارية أو الضريبية (منع الازدواج الضريبي)؛
- الالتزام بمبدأ المعاملة المنصفة و العادلة مع ملفات الاستثمار؛
- حماية الاستثمار المنجز من أي تغيير في القانون إلا إذا طلب المستثمر ذلك صراحة؛
- حماية الاستثمار الأجنبي من أي استيلاء، أو تأميم، أو وضع يد إلا بقانون و بتعويض عادل ومنصف.[15]
وبشأن اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي خصّ المشرع الجزائري المادة 24 من القانون رقم:16-09 المؤرخ في 29 شوال عام 1437 الموافق لـ03 غشت-أوت- 2016 والمتعلّق بترقية الاستثمار لموضوع اللجوء من خلال التنصيص الخاص على بند تسوية يسمح للطرفين بالاتفاق على تحكيم خاص (الحالة الاستثنائية) مع التركيز في المقام الأول على المحاكم الوطنية المختصة إقليميا وبدرجة ثانية يتم الاستناد لاتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف.[16]
[1] «Le décret-législatif n° 93-09 du 25 avril 1993, modifiant et complétant le code de procédure civile, dont l’apport principal réside dans l’introduction de nouvelles règles applicables à l’arbitrage commerciale international » : Yakout AKROUNE, Le droit des affaires en Algérie, 50 ans après l’indépendance. Quelle configuration ?, Ouvrage collectif, les Edition AJED, tome 1, Alger, 2013, p 349.
[2] حددت المادة الأولى-01- منه الطبيعة القانونية لهذا الديوان بالنص على أن: "تحدث مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري تتمتع بالشخصية المدنية و الاستقلال المالي، الديوان الوطني لحقوق المؤلف ويكون رمزها "د.و.ح.م"-ONDA-". لكن و مع تطبيق أحكام الأمر رقم:97-10 المؤرخ في 27 شوال عام 1417 الموافق لـ06 مارس سنة 1997 والمتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة، سيّما ما جاءت بنص المادتين 131 و 164 من هذا الأمر، وقع تعديل جوهري في القانون الأساسي للديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة الصادر بتاريخ 21-11-1998 فجاءت المادة 2 منه على النحو الآتي:"الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري، و يتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي. يخضع الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة للقواعد المطبقة على الإدارة في علاقاته مع الدولة و يعد تاجرا في علاقاته مع الغير".
[3] لمزيد من الاطلاع على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، أنظر :-إدريس فاضلي: حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ص:59.
[4] محمد الشريف كتو: قانون المنافسة والممارسات التجارية وفقا للأمر رقم:03-03 و القانون رقم:04-02، منشورات بغدادي، الجزائر،2010، ص:27.
[5] ولمزيد الاطلاع على التعديلات والتتميمات للأوامر و القوانين المذكورة أعلاه انظر:-محمد الشريف كتو، المرجع نفسه،ص:32.
[6] مظفر جابر إبراهيم الراوي: اتفاقيات عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1987، دار وائل للنشر، الطبعة الأولى، الأردن، 2012، ص:15.
[7] المرجع نفسه، ص:15.
[8] المرجع نفسه،ص:15.
[9] إن المقصود بالمؤسسات المالية العالمية هي صندوق النقد الدولي (1944) و البنك العالمي (1944) والمنظمة العالمية للتجارة(1994). وهي المؤسسات التي أصبحت تشكّل الركيزة الأساسية للنظام الرأسمالي العالمي بعد دخول المنظمة العالمية للتجارة(تاريخ التأسيس:15 أفريل 1994 بالمملكة المغربية) حيز النفاذ بتاريخ الفاتح من شهر جانفي 1995.
[10] مظفر جابر إبراهيم الراوي: اتفاقيات عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1987،مرجع سابق، ص:15.
[11] هو تعريف نقله الدكتور مظفر جابر إبراهيم (المرجع أعلاه)، ص15 ويعود لـ :
-Michael j.Mustill and Stewart Boyd, the law and practice of commercial Arbitration in England, Butter worths, London, 1990, P :40.
[12] هو تعريف نقله الدكتور مظفر جابر إبراهيم-المرجع أعلاه- ، ص:15 ويعود لـ :
-Jean Robert, L’arbitrage, droit interne-droit international privé, 5 édition Dalloz, paris, 1983, p :3.
[13] أضاف المشرع الجزائري بموجب أحكام هذا المرسوم التشريعي رقم: 93-09 مؤرخ في 25 أفريل 1993 المعدّل و المتمّم للأمر رقم:66-154 مؤرخ في 08 يونيو 1966 و المتضمن قنون الاجراءات المدنية فصلا رابعا إلى الكتاب الثامن من الأمر بعنوان: في الأحكام الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي".
[14] وبموجب اتفاقية واشنطن لعام 1965 و الخاصة بتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول و مواطني الدول الأخرى تمّ إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (Centre International pour le Règlement des Différends concernant les Investissements ) و المشار إليه اختصارا (C.I.R.D.I) والتسمية الكاملة لهذا المركز باللغة الإنجليزية (International Centre For Settlement Of Investment Disputes) والمشار إليه اختصارا(I.C.S.I.D).
هذا و قد بلغ عدد الدول الموقعة على اتفاقية واشنطن لعام 1965 إلى غاية سنة 1993 (المرجع:التحكيم التجاري في منازعات الاستثمار الدولي بين الدولة المضيفة للاستثمار و المستثمر الأجنبي، مؤلف مشترك:-الأستاذ الدكتور مصلح أحمد الطراونة-جامعة مؤته بالمملكة الأردنية الهاشمية- و الدكتوراه فاطمة الزهراء محمودي-جامعة معسكر بالجزائر-الجزء الأول و عنوانه: نطاق اختصاص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، دار وائل للنشر، الطبعة الأولى، الأردن، 2013، ص:11) 158 دولة، منها 148 دولة صدقت عليها.
و لمزيد الاطلاع على نشاطات المركز انظر الرابط الآتي:
[15] لمزيد الاطلاع انظر: الفصل الرابع من القانون رقم:16-09 المؤرخ في 29 شوال عام 1437 الموافق لـ03 غشت-أوت- 2016 والمتعلّق بترقية الاستثمار بعنوان: الضمانات الممنوحة للاستثمارات (المواد:21 و 22 و 23 و 25).
[16] جاء بنص المادة 24 من القانون رقم:16-09 المؤرخ في 29 شوال عام 1437 الموافق لـ03 غشت-أوت- 2016 و المتعلّق بترقية الاستثمار الآتي:" يخضع كل خلاف بين المستثمر الأجنبي و الدولة الجزائرية يتسلل فيه المستثمر ، أو يكون بسبب اجراء اتخذته الدولة الجزائرية في حقّه، للجهات القضائية الجزائرية المختصة إقليميا، إلا في حالة وجود اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أبرمتها الدولة الجزائرية تتعلق بالمصالحة و التحكيم، أو في حالة وجود اتفاق مع المستثمر ينص على بند تسوية يسمح للطرفين بالاتفاق على تحكيم خاص".