المحاضرة الثانية عشر: التطليق لمخالفة أحكام المادة الثامنة من قانون الأسرة
المحاضرة الثانية عشر:
التطليق لمخالفة أحكام المادة الثامنة من قانون الأسرة
أجازت المادة 53 من قانون الأسرة الجزائري في فقرتها السادسة للزوجة المطالبة بالتطليق حال مخالفة الزوج أحكام المادة الثامنة من قانون الأسرة، حيث أوجبت على الزوج عند عزمه الزواج بأخرى، إخبار الزوجة السابقة واللاحقة وأن يقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة بمكان مسكن الزوجية، ويمكن لرئيس المحكمة أن يرخص بالزواج الجديد إذا تأكد من موافقتهما، وأثبت الزوج المبرر الشرعي وقدرته على توفير العدل، والشروط الضرورية للحياة الزوجية. كما نصت المادة 8 مكرر من قانون الأسرة أنه في حالة التدليس يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق.
وما يمكن ملاحظته أن أحكام الفقرة السادسة من المادة 53 لا موجب لإعادة ذكرها، ذلك أن القانون قد نص عليها في المادة 8 مكرر، والتي تقضي بأحقية كل زوجة في المطالبة بالتطليق في حالة تدليس الزوج بعدم إخبارهما والحصول على موافقتهما وترخيص القاضي المسبق. كما أن المادة 19 من نفس القانون تعتبر هي الأخرى الأساس لهذه الفقرة التي تجيز للمرأة طلب التطليق عند مخالفة الزوج لشرط في عدم الزواج عليها.
وعليه يبدو أن المشرع قد أخرج من دائرة عموم الضرر المعتبر، حالة مخالفة أحكام المادة الثامنة، وجعلها سببا مستقلا من أسباب طلب التطليق من خلال نص الفقرة السادسة من المادة 53.
ومنه فهل يعدّ مجرد عدم إعلام الزوجة السابقة واللاحقة - دون إلحاق الضرر المعتبر شرعا بإحداهما أو بهما معا- سببا كافيا لطلب التطليق والتفريق القضائي، وما ينجم عن ذلك من آثار سلبية على الأسرة وبخاصة عند وجود الأبناء ؟.
نظرة الشريعة الإسلامية للتطليق لضرر تعدد الزوجات
التطليق لضرر تعدد الزوجات-كضرر خاص- مستقل عن التطليق للضرر مخالف للشريعة الإسلامية، ذلك أن التطليق للضرر هو تطليق لسوء عشرة الزوج لزوجته بسلوكه معها سلوكا مخالفا للشرع، لا لمجرد شعورها بآلام نفسية من زواجه عليها؛ لأن هذا الزواج أمر غير مخالف للشرع، والتطليق للضرر نظام عادل، يقوم على أساس من الحق، وهو تسريح بإحسان فيه خشية لله -عز وجل- لأنه يرفع الضرر عن الزوجة، كما يعطيها حقوقها كاملة، بسبب إضرار الزوج بها المتمثل في سلوكه معها مسلكا مخالفا للشرع([1])، فإذا لم يكن الزوج مضرا بها، ولكن كرهته أو شعرت بآلام نفسية من زواجه عليها رغم أنه قائم بحقوقها، ففي هذه الحالة لم يضيق الشرع عليها، ولم يجبرها على أن تعيش معه رغما عنها، وأعطاها الحق في طلب الخلع الذي هو نظام عادل، إذ يلزم الزوجة الكارهة بأن تدفع تعويضا لزوجها عما يلحقه من ضرر بسبب إنهائها العلاقة الزوجية معه دون تقصير منه، والتعويض هنا فضلا عن عدالته يحدّ من اندفاع الزوجة وراء عواطفها ورغبتها في هدم الحياة الزوجية([2]).
ولا يقال: أن الزوج هو الذي دفع زوجته إلى ذلك بزواجه عليها؛ لأن الزوج لم يخطئ بزواجه الجديد، بل هو حق مشروع له، وبغير استعمال الزوج لهذا الحق لا تتحقق مقاصد تعدد الزوجات الذي أحله الله لصالح النساء، ولصالح الرجال ولصالح المجتمع، وبالتالي فإن التطليق لهذا الضرر النفسي مخالف لنص القرآن في التسريح بإحسان.
كما أن كون الزواج الثاني فيه مظنة الضرر لقوله تعالى:]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً[([3])، لا يعني أن تعطى الزوجة الحق في طلب التطليق لأي ضرر مادي أو معنوي أو نفسي؛ لأن الزواج الأول وكل زواج لا يخلو من ضرر، إذ أن الزواج قيد لكل من الزوج والزوجة يفرض على كل منهما واجبات معينة، والعدل مطلوب مع كل زوجة، سواء كان زوجها متزوجا بغيرها أم لم يكن معه سواها، ومن المستحيل أن يعدل الزوج مع زوجته الوحيدة في كل وقت، فكذلك العدل بين زوجاته غير مستطاع، كما في قوله تعالى:] وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ[([4]). وطالما كان الزوج يعدل بين زوجاته العدل المستطاع، فلا يحتج عليه بقوله تعالى:]وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا[([5])، كما لا يحتج عليه بقاعدة "لا ضرر ولا ضرار"([6])؛ لأن الضرر الذي يجيز التفريق بين الزوجين ويستوجب الضمان ليس هو كل ضرر، وإنما هو إلحاق مفسدة بالزوجة بغير حق، أو سلوك من الزوج مخالف للشرع، والضرار كذلك هو أن يدخل الشخص الضرر بغير حق على من أضره([7]).
ويمكن القول بأن إعطاء الزوجة الحق في طلب التطليق لما أصابها من آلام نفسية بسبب جمع زوجها بينها وبين أخرى، هو دوران حول حق الرجل في تعدد الزوجات يستهدف تعطيله والحدّ منه، وهو ما يؤدي إلى ضرر عام ومفاسد أعظم من الضرر الذي يصيب زوجة يتزوج عليها زوجها؛ لأنه يؤدي إلى زيادة الفائض من النساء غير المتزوجات، فيزيد أزمة الزواج حدة، كما يؤدي إلى كثرة الزواج العرفي وكثرة وقوع الطلاق، وظهور الانحرافات الخلقية. كما لا يقاس الضرر بعواطف النساء، لأن الضرر العاطفي لا يتعلق به حكم شرعي، إذ الحكم الشرعي هو خطاب الله -عز وجل- المتعلق بأفعال المكلفين لا بعواطفهم أو أهوائهم([8]).
كما أن تزوج الصحابة على زوجاتهم دون أن يشترط عليهم رسول الله r أخذ رضا زوجاتهم، ولم يعتبر الألم النفسي الذي يصيب الزوجة من تعدد الزوجات ضررا يجيز الحكم لها بكافة حقوق المطلقة إذا رغبت في فراق زوجها، على الرغم من أن غيرة النساء موجودة في كل عصر. ومن المغالطة القول بأن الصحابة كانوا يعددون زوجاتهم بحكم البيئة والعرف، وقد تغير العرف الآن فيجب أن يتغير حكم تعدد الزوجات بتغيره، بل أنهم كانوا يعددون في الزوجات امتثالا لقوله r :"وإن من سنتنا النكاح"([9])، كما أن أحكام تعدد الزوجات والطلاق غير مبنية على العرف، وإنما هي مبنية على نصوص قرآنية في شريعة صالحة لكل زمان ومكان([10]).
وأما المفاسد التي يراها المنادون بتقييد تعدد الزوجات في المشكلات التي تنشأ بين الزوجات والأولاد، فيمكن الحدّ منها عن طريق التربية الدينية الصحيحة([11])، وعن طريق الأخذ بما رسمه الإسلام من صلح بين الزوجين وبعث للحكمين، ثم إن المفسدة التي تسدّها الذريعة يجب أن تكون مفسدة في نظر الشرع، لا مفسدة يتوهمها ولي الأمر بسلطته في تقييد المباح عملا بالسياسة الشرعية التي تعتمد على سدّ الذرائع([12])، فقد قيد الإسلام التعدد بقيود تختص بالعدد والعدل وعدم الجمع بين المحارم كالجمع بين الأختين في عصمة رجل واحد، وكل قيد بعد ذلك ليس تقييدا لمباح وإنما هو تضييق على حلال. كما أن التطليق لتعدد الزوجات أو لضرر نفسي ناتج عنه يصيب الزوجة أمر مخالف للثابت في جميع المذاهب الإسلامية، فإذا كان المذهب المالكي قد أجاز التطليق للضرر، فإن مراجعه صريحة في أن زواج الرجل بأخرى لا يعتبر ضررا([13]).
ومما سبق ذكره يمكن تنظيم تعدد الزوجات -إضافة إلى ما هو مقرر في الشريعة من قيود- بما يأتي([14]):
أولا: على الزوج إسكان زوجته في مسكن مستقل بمرافقه، ويعتبر في استقلال المسكن حال الزوج وعرف البلد.
ثانيا: ليس للزوج أن يُسكن مع زوجته ضرة لها في مسكن واحد بغير رضاها.
ثالثا: للزوجة إن خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا أن تطلب الصلح بينها وبينه.
رابعا: للزوجة المتضررة ضررا لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها، وتعذر الصلح بينهما، أن تطلب التفريق بينها وبينه، ويعتبر هذا تطليق للضرر لا لمجرد التعدد.
وخلاصة لهذه المسألة يمكن القول بأن الشريعة الإسلامية تعترف بتفضيل الزواج الموحد ولا تقضي بتحريم الزواج المتعدد، فقد أباحته مع ضمان العدل بين الزوجات. وإذا كانت مشاركة امرأة أخرى في الزوج تولد إحساسا بالغيرة لدى الزوجة الأخرى، فإن هذا الإحساس ليس أقسى من مهانة العمل أو مهانة الحاجة أو مهانة الغيرة البائسة أو مهانة الابتذال.
[1]- أقرت الشريعة الإسلامية للزوجة طلب التطليق للضرر الذي يلحقها من زوجها أيّا كان نوعه، إلا أنه ليس لها أن تطلب التطليق بسبب زواج زوجها من زوجة أخرى إلا إذا أثبتت الضرر المادي أو المعنوي، بحيث يكون من الجسامة ما يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما، وطلب التطليق في هذه الحالة هو تطليق للضرر، ومناطه وقوع الضرر فعلا. انظر، أحمد إبراهيم بك: أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية والقانون، ص 490.
[2]- انظر، عبد الناصر توفيق العطار: الأسرة وقانون الأحوال الشخصية، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة،(دط،دت)، ص 249.
[3]- النساء: الآية 3.
[4]- النساء: الآية 129.
[5]- البقرة: الآية 231.
[6]- انظر، محمد الزرقا: شرح القواعد الفقهية، ص 165.
[7]- انظر، عبد الناصر توفيق العطار:الأسرة وقانون الأحوال الشخصية، ص 251.
[8]- قال أنور العمروسي:"ولا يعد مجرد الزواج بأخرى في حدّ ذاته ضررا مفترضا يجيز للزوجة طلب التطليق، إذ أن من حق الزوج أن ينكح من الزوجات مثنى وثلاث ورباع، وما شرع الله حكما إلا لتحقيق مصالح العباد، وأن ما كان ثابتا بالنص هو المصلحة الحقيقية التي لا تبديل لها فإن العمل على خلافها ليس إلا تعديا على حدود الله".موسوعة الأحوال الشخصية للمسلمين، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2000، 1/603.
[9]- سبق تخريجه، ص 259.
[10]- انظر، عبد الناصر توفيق العطار: المرجع نفسه، ص 261.
[11]- إن ما قد يحتاج إليه الرجل من تعدد الزوجات بالشروط والضوابط المذكورة آنفا، لا يخدش شيئا من مصلحة الأسرة ولا يدخل أي اضطراب في عمود النسب. انظر، البوطي: المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني ، ص 133.
[12]- انظر،عبد الناصر توفيق العطار: الأسرة وقانون الأحوال الشخصية، ص 264.
[13]- ففي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير:"ولها، أي للزوجة التطليق على الزوج للضرر، وهو ما لا يجوز شرعا، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك، وسبها وسب أبيها... ويؤدب كذلك زيادة على التطليق...لا، (أي ليس لها التطليق) بمنعها من حمام وفرجة –أي نزهة- وتأديبها على ترك صلاة أو تسر أو تزوج عليها"ثم قال:"ومتى شهدت بينة بأصل الضرر فلها اختيار الفراق".2/345. واضح من هذا النص أن زواج الرجل على زوجته لا يعتبر ضررا يجيز للزوجة طلب التطليق، بل لا بد من وقوع الضرر فيكون تطليقا للضرر.
[14]- انظر، عبد الناصر توفيق العطار: تعدد الزوجات من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية،دار الشروق، جدة، ط4، 1977،ص 322-323.