منذ دخولها إلى الجزائر، حاولت فرنسا طمس معالم الشخصية
الجزائرية في جميع جوانبها، وكان من أول ما بادرت به هو محاولة القضاء تدريجيا على منظومتها القانونية
المستمدة من الشريعة الإسلامية, وذلك من خلال نقل تشريعاتها ونظمها الإدارية و
القضائية إلى الجزائر.
ساير التنظيم القضائي في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية نفس التغيرات
التي عرفها النظام القضائي في فرنسا، وعليه يمكن تقسيم المرحلة الاستعمارية الى
مرحلتين:
أ.المرحلة الأولى ( 1830 – 1848):
وهي مرحلة الخلط بين السلطات الادارية والسلطات القضائية
أو ما يعرف بـ"الادارة القاضية"،
وقد تميزت هذه المرحلة بوجود هيئات ادارية-قضائية مختصة بالفصل في المنازعات
الادارية، وتتمثل هذه الهيئات في:
1. مجلس الادارة Conseil d’Administration(1834-1845)
أسس هذا المجلس بموجب أمر ملكي مؤرخ في 22/07/1834، ليحل
محل اللجنة الإدارية الملكية، ويتشكل من 06 أعضاء، ثلاثة منهم من الضباط يمثلون
الجيش وثلاثة موظفين سامين من الإدارة، تحت رئاسة الحاكم العام بالجزائر.
ويشكل مجلس الإدارة في الجزائر امدادا لنظرية الإدارة
القاضية السائدة في فرنسا أنداك، حيث أنه يجمع في اختصاصه بين الصلاحيات الإدارية والقضائية،
فبالإضافة الى دوره كمستشار للمحافظ يعتبر
مجلس الإدارة هيئة مختصة في المنازعات الادارية، حيث يفصل في جميع المنازعات
المخولة لمجالس المحافظات في فرنسا[1].
بقرارات قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة الفرنسي، غير أن مجلس الدولة كان دائما
يرفض النظر في الطعون ضد هذه القرارات[2].
2.
مجلس المنازعات Conseil du
contentieux(1845-1846):
أسس مجلس المنازعات ليحل محل مجلس الإدارة، بموجب الأمر الملكي
الصادر في أفريل 1945، المتضمن اعادة
تنظيم الإدارة في الجزائر، يتشكل من رئيس وأربعة مستشارين وكاتب ضبط ، مهمته الفصل
في المنازعات الإدارية، بقرارات قابلة للاستئناف امام مجلس الدولة الفرنسي،
بالإضافة الى دوره الاستشاري على غرار
مجالس المحافظات في فرنسا.
وسرعان ما تم حل هذا المجلس بسبب محاولته مراقبة تجاوزات
الإدارة الاستعمارية والحد من تعسفها، وتم تعويضه بمجالس المديريات.
3. مجالس المديريات Conseil de direction (1847-1848):
أسس الأمر الملكي المؤرخ في 01 سبتمبر 1847 ثلاث مجالس
مديريات ( على غرار مجالس الأقاليم الفرنسية)، موزعة على كل من الجزائر وهران
وقسنطينة، يتشكل كل مجلس مديرية من ثلاثة أعضاء تحت رئاسة مدير الشؤون المدنية،
باستثناء مجلس الجزائر الذي يتشكل من اربعة أعضاء، وهي تمارس نفس اختصاصات مجلس
المنازعات.
وقد اتصف عمل
مجالس المديريات بالتحيز للإدارة، حيث لعبت
دورا مهما في تدعيم الإدارة الاستعمارية على حساب المواطنين[3]، ولذلك اعتبر تأسيسها بمثابة رجوع الى فترة مجلس
الإدارة.
ب. المرحلة الثانية (1848-1962):
بعد الثورة الفرنسية في 1848، عرفت الجزائر مرحلة جديدة
في التنظيم القضائي، وهي مرحلة الازدواجية القضائية، حيث تميزت بتأسيس هيئات
قضائية مستقلة عن الإدارة مختصة بالفصل في المنازعات الادارية، وتتمثل هذه الهيئات
في:
1. مجالس المحافظات (العمالات) Conseils de préfecture (1848-1953):
تم إنشاء ثلاث مجالس عمالات في كل من الجزائر، وهران،
وقسنطينة لتمارس نفس صلاحيات مجالس
المديريات في فرنسا، وهي لا تختلف من حيث التشكيل عن سابقتها، كما يطعن في
قراراتها أمام مجلس الدولة.
في
30 سبتمبر 1953، بموجب المرسوم رقم 53-954، المتعلق بإصلاح النظام القضائي في
فرنسا ومستعمراتها، تم تحويل مجالس العمالات الثلاث إلى محاكم ادارية ،تظم كل محكمة في تشكيلتها رئيسا
وثلاثة مستشارين، و كانت هذه المحاكم تتكفل بالإضافة الى اختصاصاتها الاستشارية بالفصل
كدرجة أولى، في حدود الاختصاص الاقليمي لكل منها، في جميع المنازعات الإدارية باعتبارها جهة
قضائية ادارية ذات الولاية العامة (باستثناء منازعات تجاوز السلطة والموظفين
العموميين والمنازعات البرلمانية التي بقيت من اختصاص مجلس الدولة الفرنسي )، ويطعن
في أحكامها أمام مجلس الدولة الفرنسي.
[1]- مجالس المحافظات Conseils de préfectureهي هيئات قضائية إدارية تم إنشاؤها في 17 فبراير 1800. ثم
ألغيت في عام 1953.، لتحل محلها المحاكم الإدارية.