الدرس السادس:إثبات الوصية والرجوع عنها
الدرس السادس:إثبات الوصية والرجوع عنها
أهداف الدرس:
الوصية من التصرفات التي يكون تنفيذها مؤجلا ومضافا إلى ما بعد الموت ،فعلى الموصى أن يحرص على كتابتها والإشهاد عليها فهل كتابتها من أجل إثباتها وهل تصح الوصية غير المكتوبة ؟ وما المقصود بالرجوع عن الوصية؟
يقول الله سبحانه وتعالى «يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ،وليكتب كاتب بينكم بالعدل......» سورة البقر الآية 282
لقد حرص الشارع الحكيم على كتابة العقود وهذا حرصا على صيانة الحقوق وأدائها بين الناس ،وهذا في العقود الناجزة وغالبا ما تكون في حياة المتعاقدين ،فإن كانت الكتابة هدفها إثبات الحقوق المفرغة في عقود منجزة أو عقود معاوضة ،فهي أي الكتابة تكون أولى وألزم في العقود المؤجلة وعقود التبرعات .
والوصية هي من بين العقود التي يكون تنفيذها مؤجلا ومضافا إلى ما بعد الموت ،فعلى الموصى أن يحرص على كتابتها والإشهاد عليها خصوصا وأنه عمل خير يقصد به وجه الله سبحانه تعالي ،وكذا لأنها تنفذ بعد موته ولهذا نجد المشرع الجزائري من خلال المادة 191 ق،أ قد حرص على كتابتها من أجل إثباتها وجعل الكتابة هي القاعدة العامة وإستثناء الوصية غير المكتوبة .
ولهذا نتناول في هذا المبحث إثبات الوصية والرجوع عنها
المطلب الأول :إثبات الوصية
لقد أجار المشرع الجزائري انعقاد الوصية كتابة أو شفاهة وأخذ بعدم قبول الإشارة إلا في حالات عدم قدرة الموصى على العبارة أو الكتابة وقد أخذ هنا بالمذهب المالكي ،وكذا وفقا للمادة 60 من ق،م الجزائري حيث تنص على أن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ أو الكتابة أو الإشارة المتداولة عرفا ،كما يكون باتخاذ موقف لا يدع أي مجال للشك في دلالته على مقصود صاحبه ،ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا[1]
الفرع الأول :إثبات الوصية بعقد
لقد كرس المشرع الجزائري ما جاء في المادة 60 ق،م،ج في المادة 191 من قانون الأسرة الجزائري وذلك بقوله( تثبت الوصية بتصريح الموصى أمام الموقف وتحرير عقد بذلك)
أن الوصية تصرف بإرادة منفردة وهي إرادة الوصي والكتابة اشترطت للإثبات فقط وهي التصريح أمام الموثق الذي يحرر وثيقة يفرغ فيها تصريح الموصي ،وهنا تجدر الإشارة إلى أن المادة 191 ق،أ،ج في فقرتها الأولى قد اكتفت بصحة الوصية بمجرد تحريرها أمام الموثق دون أن تتعرض لٌلإشهار فذلك لأن الوصية هي تصرف مضاف إلى ما بعد الموت وإشهارها يكون واجبا لنقل الملكية بعد الوفاة لا غير وهذا طبقا للمادة 16 من الأمر رقم 74 -75 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري[2]
هذا ويسرى على الوصية كسائر التصرفات التي تنفذ بعد الموت في حالة تنازع القوانين من حيث المكان قانونية الموصي أو الهالك أو من صدر منه التصرف وقت موته ،غير أنه يجري على شكل الوصية قانون الموصى وقت الإيصاء أو قانون البلد الذي تمت فيه الوصية طبقا للمادة 16 ،ق،م،ج[3]
الفرع الثاني :إثبات الوصية بحكم قضائي
يعتبر عقد الوصية هو الأقوى حجة أمام المحاكم ،ثم تليها الكتابة بخط يد الموصى و عليها بصمته أو توقيعه ،إلا أن إنعدام الكتابة لا يجعل الوصية باطلة ذلك أنه في حالة وجود مانع قاهر يحول دون إفراغ الوصية في كتابة توثيقيه،فإنها تثبت بحكم صادر عن المحكمة (قسم شؤون الأسرة ) بعد الاستماع إلى الشهود ،وكذا بإقرار الورثة ويؤشر بالحكم على هامش أصل الملكية إذا كانت الوصية منصبة على عقار .
وهذا ما نصت عليه المادة 191 فقرة 02 من قانون الأسرة بقولها وفي حالة وجود مانع قاهر تثبت الوصية بحكم ،ويؤشر به على هامش أصل الملكية .
وهذا ما أكدته المحكمة العليا غرفة الأسرة والمواريث بتاريخ 16 جانفي 2008 ملف رقم 209 413 بقولها «: ذلك أنه الوصية تكون بتصريح الموصى أمام الموثق مع تحرير عقد بذلك ،وفي حالة وجود مانع قاهر ،يمكنه إثباتها بجميع طرق الإثبات (مجلة المحكمة العليا عدد 02 لسنة 2008 ص304 -305)
ولإثبات الوصية في حالة وجود المانع القاهر وعدم تمكن لموصي من إفراغ الوصية في تصريح توثيقي ،يقوم الموصى له برفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة نوعيا ومحليا وذلك من أجل استصدار حكم قضائي لإثبات الوصية.
*هذا ولم ينص المشرع الجزائري على وقت ثبوت ملكية الموصي له للموصى به ولا على قضية الزوائد من وقت الوفاة إلى وقت القبول ،غير أنه إنطلاقا من المواد 185 ،198 ،222 ق،أ أنه يتضح لنا بأنه يرجع في هذا الشأن لأحكام الفقه الإسلامي والراجح عند الفقهاء أنه تثبت ملكية الموصى به للموصى له استنادا إلى وفت الوفاة ،لأن ذلك ما قصده الموصي بوصيته ،غير أن الموصى له لا يملك الموصى به إلا بالقبول المعتبر قانونا[4] .
المطلب الثاني :الــرجوع عن الوصية
اتفق الفقهاء على جواز الرجوع في الوصية من الموصى لأن الوصية كالهبة ،وهي من العقود غير اللازمة يمكنه الرجوع عنها قبل القبول المرجأ إلى ما بعد موت الموصي وهذا الرجوع يكون صريحا وإما ضمنيا .
الفرع الأول :الرجوع الصريح
حسب نص المادة 192 ق،أ،أن الرجوع في الوصية صراحة يكون بوسائل إثباتها.
بما أن الوصية لا تنفذ إلا بعد وفاة الموصي ،فإنه يجوز لهذا الأخير التراجع عنها صراحة بالطريقة نفسها التي صدرت بها كأن يذهب إلى الموثق المحرر لوثيقة الوصية ويصرح من جديد بأنه يتراجع عنها وذلك بإرادته المنفردة ،ويتم ذلك بحضور شاهدي عدل.
الفرع الثاني :الرجوع الضمني
نصت المادة 192 أيضا على الرجوع الضمني في الوصية بقولها الرجوع الضمني يكون بكل تصرف يستخلص الرجوع فيها»
لا بد للتصرف الذي يقوم به الموصى وبإراداته المنفردة أيضا أن يفهم منه رجوعا ضمنيا عن الوصية سواء هذه الأخيرة مفرغة في تصريح توثيقي أو كانت شفهية كان يبيع المال الموصى به أو يستهلكه.
من أمثلة الرجوع الضمني ما تضمنه قرار المحكمة العليا رقم54727 بتاريخ 24 جانفي1990وملخصه كما يلي: (حيث بالرجوع إلى القرار المطعون فيه يتبين بأنه المالك (س،ع) قد أوصى لأبن عمه (س،ه)بجميع ما يملك في أي مكان وبدون استثناء أو تحفظ وهذا بعقد رسمي حرره موثق فرنسي في 22جوان 1983مصادق عليه من طرف نائب قنصلية الجزائر بتاريخ 25 سبتمبر1984 بمدينة سانت ايتيان).
وحيث تمت تلك الوصية بصفة قانونية حسب المادة 895 من القانون المدني الفرنسي والتي تسمح للموصي بالتراجع عنها كما هو الشأن في المادة 192 من ق،أ الجزائري فإنهم جعلوا قرارهم قابلا للبطلان وبدون إثارة الوجه الثاني يرى المجلس الأعلى نقض وإبطال القرار المطعون فيه )الغرفة المدنية القسم الأول بتاريخ 24 جانفي 1990 ملف رقم 54727 م،ق عدد 04 لسنة 1991 من 86 ،87 [5]
الفرع الثالث:تصرفات الموصى التي لا تعتبر رجوعا
قد يتبادر للذهن عند الوهلة الأولى أن بعض التصرفات التي يقوم بها الموصى دالة على رجوعه في الوصية بشكل ضمني إلا أنه في حقيقة الأمر القانون لا يعتبرها كذلك ،ونص على أنها ليست رجوعا ومن بين هاته التصرفات التي نص عليها القانون ما يلي:
أولا:الرهن
المادة 193 ق،أ: (رهن الموصي لا يعد رجوعا في الوصية )،لا يعتبر رهن المال الموصى به من طرف الموصى تراجعا عن الوصية سواء كان الرهن رسميا أو حيازيا لأن الرهن لا يخرج المال من ملك الموصى لكن يشكل الرهن خطرا عليه لأنه عند وفاة الموصي فإن الدائنين يقدمون على الموصى له في حصولهم على حقوقهم من الأموال المشكلة للتركة وقد تستغرق الديون كل التركة ولا يبقى للموصي له أي شيء .
ثانيا :الوصية لشخص ثم الوصية لثان[6]
المادة 194 ق،أ( إذا أوصى لشخص ثم أوصي لثان،يكون الموصى به مشتركا بينهما )
لا تنقض الوصية الثانية الوصية الأولى ،واللتان تنصبان على مال واحد ،بل يكون ذلك المال مشتركا بين الموصى لهم يتقاسمانه بالتساوي ،ولا تعتبر الوصية الثانية تراجعا ضمنيا عن الوصية الأولى،وهذا مناقضا لما جاء في نص المادة 192 ق،أ لأنه تصرف يفهم منه تراجعا ضمنيا عن الوصية الأولى وبالتالي إلغائها .