II- تطور العلم:

البحث عموماً نتاج فكري وعلمي يعود تاريخه إلى حضارة البابليين والمصريين القدماء، برع هؤلاء في علوم الطب والهندسة والفلك والزراعة والفيزياء والجغرافيا، كما اعتمد الفلاسفة اليونان اعتمادا كبيرا على التأمل والعقل، ووضعوا قواعد المنهج القياسي والاستدلالي ودعوا إلى الاستعانة بأسلوب الملاحظة. و تشير الكتب المقدسة للأديان إلى جوانب عديدة من التفكير الذي يتطلب اكتساب الخبرة، والتجربة العلمية والاستدلال المنطقي الذي يستخدمه أبناء هذا العصر.

   وقد أدرك العرب الحاجة إلى منهج علمي مدروس فأدخلوا طريقة التجربة وأسلوب الملاحظة في أعمالهم العلمية وبحوثهم، وقسموا المعرفة إلى قسمين رئيسيين: المعرفة المبنية على الاختبار والتجربة، والمعرفة النظرية، لذا فقد تمكن العرب من تجاوز الحدود التي ذهب إليها الفكر اليوناني المنهج القياسي، وذهبوا إلى اعتبار الملاحظة والتجربة أسلوبا مهما في البحث العلمي، وقد مارس هذا المنهج العلمي الكثير من علماء العرب؛ منهم جابر بن حيان، والحسن ابن الهيثم، والرازي، والخوارزمي، وابن سينا وغيرهم....

  وعليه يمكن القول أن الإنسان استخدم منذ القديم وحتى اليوم طرقا وأساليب مختلفة تعد بحد ذاتها مراحل تطور البحث العلمي والتي تتمثل في:

01 – مرحلة الصدفة: كانت تنسب الظواهر التي تواجه الإنسان إلى الصدفة، دون البحث عن العلل والأسباب.

02 – مرحلة المحاولة والخطأ أو الاعتماد على الخبرة: فيها كان الإنسان يظل يجرب حتى يجد حلا للمشكلة التي يواجهها.

03 – مرحلة الاعتماد على السلطة والتقاليد: فيها كان يستند الباحث إلى آراء وأفكار وأفعال القادة وأصحاب السلطة الدينية والسياسية.

04- مرحلة التكهن والتأمل والجدل والحوار: فيها بدأ الباحث يشك في آراء السلطة والتقاليد السائدة، ويعتمد على الجدل والمنطق للوصول إلى الحقائق التي تفسر الظواهر. وظهر في هذه المرحلة التفكير القياسي الذي يقوم على الانتقال من المقدمات إلى النتائج، والتفكير الاستقرائي الذي ينتقل من الشواهد الجزئية إلى الحكم الكلي.

05 – مرحلة المعرفة أو الطريقة العلمية: التي شاعت أولا في العلوم الطبيعية، ثم انتقلت إلى باقي العلوم الإنسانية والاجتماعية، وفيها توضع الفروض ويتم إجراء التجارب وجمع البيانات للوصول إلى نتائج تؤيد أو تنفي الفرضيات المطروحة.

  أما أوجست كونت يرى أن لكل مجال علمي موضوعه الخاص، إلا أن هذه المجالات جميعا ينتظمها منطق واحد، وتتحرك وفق منهج علمي يهدف إلى كشف النقاب عن قوانين شاملة، كما يرى أيضا أن المجتمع مثله مثل العالم الطبيعي يمتثل في أنشطته لقوانين ثابتة لا تتغير.

واعتمادا على الملاحظة الحسية المتأنية، يستطيع المرء أن يستنتج القوانين التي تفسر العلاقة بين الظواهر الملحوظة، ويستطيع العلماء بعد فهم العلاقة السببية بين الأحداث أن يتكهنوا بما ستكون عليه الأحداث مستقبلا، ومن هنا فان المذهب الوضعي في علم الاجتماع يعتقد بان نتاج المعرفة عن المجتمع ممكنة إذا ما اعتمدنا على الدلائل التجريبية ( الامبريقية) المستقاة من الملاحظة والمقارنة والتجريب.

ويرى كونت في قانون المراحل الثلاث أن الفكر الإنساني قد مر بثلاث مراحل وهي:

01 – المرحلة اللاهوتية: كان الفكر الإنساني مسيرا بالأفكار الدينية وبالاعتقاد بان المجتمع ما هو إلا تعبير عن إرادة الله.

02- المرحلة الميتافيزيقية: بدا الناس ينظرون إلى المجتمع في إطاره الطبيعي، باعتباره ناجما عن قوى فوق الطبيعة.

03 – المرحلة الوضعية: اتسمت هذه المرحلة بتشجيع تطبيق الأساليب العلمية لدراسة العالم الاجتماعي، وانطلاقا من هذا الاعتقاد، اعتبر كونت علم الاجتماع آخر العلوم التي تنشأ في هذا الإطار على غرار ما آلت إليه الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء