I- ماهية الأخلاقية:
1- تعريف الاخلاق
الأخلاق من المفاهيم الإنسانية التي أخذت حظها الوافي من أراء المفكرين و خطابات الفلاسفة و مهاترات أهل الدين وأصحاب العقائد، ولعل الباحث فيها يلاحظ الحالة الكبيرة لانتشار التأويلات والتفسيرات المتعلقة بالأخلاق قد تنتهي به إلى الاعتراف بعجزه التام وعدم قدرته على إيجاد صيغة واضحة تمكننا من ضبط المصطلح وتحديد أبعاده، الأمر الذي يقتضي من الباحث تتبع المصطلح ضمن مكنوناته النفسية والاجتماعية والانتربولوجية والدينية وكذا الفلسفية.
الأخلاق لغةً:
الأخلاق (جمع) مفرده (خُلُق) وهو مجموعة صفات نفسية وأعمال الإنسان التي توصف بالحسن أو القبح، يُقال فلان دمث الخلاق أي حسنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:﴿إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ﴾.
والخُلق في لغة العرب هو الطبْع والسجيّة وقيل المروءة والدِين، قال العلامة ابن فارس: " الخاء واللام والقاف أصلان" أحدهما تقدير الشيء والآخر ملامسة الشيء".
وتخلق بأخلاقه بمعنى تطبع بطباعه؛ فتقول العرب لا تتخلق بأخلاق السفيه ومنها (إخلولق) التي هي من أفعال المقاربة الموضوعة لرجاء وقوع الفعل بمعنى (عسى).
قال الفيروز آبادي:"الخُلق بالضم هو السجية والطّبع، والمروءة والدين.
وقال ابن منظور: "الخلق" الخليقة أعني الطبيعة"، وفي القرآن الكريم: ﴿ وَانَكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم ﴾ (سورة القلم، الآية 4)
الأخلاق اصطلاحاً:
مبلغ التعاريف الاصطلاحية هو ما اُتفق علي معناه من طرف العلماء والمفكرين في ميدان ما حول مفهوم أو مصطلح ما، وقد يُنسب التعريف إلى عالم أو مفكر؛ كأن نقول عرفه فلان، أو يُنسب إلى الميدان التخصص؛ فنقول تعرفه السوسيولوجيا او يعرفه علم النفس...الخ
وهذا الأمر ينسحب بجلاء على التعريف الاصطلاحي للأخلاق الذي عرف هو الآخر انتشاراً كبيراً للمعنى وتمايزاً واضحاً بين مختلف التخصصات.
2- التعريف الفلسفي للأخلاق:عرَّف بعض علماء الفلسفة كأَرسطو وأفلاطون وغيرهم الأخلاقَ على أنّها: "القدرة على التّمييز بينَ الخيرِ والشَّر عند الأفراد".
ويمكن تعريفها أيضاً من المنظور الفلسفي بأنّها:"الفضيلة التي يَتغلَّبُ فيها الجانِبُ الإلهيُّ على جانِبِ الشهوات وتفضيل المحبوبات والمرغوبات"
كما يَرى بعض الفلاسفة أنَّه يمكن تعريف الأخلاق بأنّها: "القدرة على ضبط الشَّهَواتِ بالعَقلِ ومُمارسَة الفَضائِل والمكارم من الصفات وتمييز الحسن منها من القبيح".
ولا يكاد يُصادف فيلسوفاً ألا وقد تحدث في موضوع الأخلاق و أوسمه بسمة خاصة به، حتى أصبحت الأخلاق مذهباً فلسفياً يرتع فيه كل الفلاسفة باختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية؛ فيرى- على سبيل المثال لا الحصر- الفيلسوف الألماني إمانويل كانطImmanuel Kant -مؤسس أهم المذاهب في الأخلاق- الفعل الموصوف بالحسن خلقياً هو الفعل الذي لا بدّ له من أن يتمتع بثلاث خصائص:
* أن يكون الفعل اختياريًّا؛ أي صادر عن كامل إرادة الإنسان الحرة.
* أن يكون منسجمًا مع أداء التكليف ويطلق عليه اسم “الواجب”.
* أن يصدر الفعل بنية فعل الواجب، وهذه النية يُصطلح عليها “احترام القانون الأخلاقي”.
ومن أكبر من بحث في هذا الفرع من الفلسفة لوك وهوبز وشافتسبري وهتشسون وهيوم وآدم سمِث في إنجلترا وإسكتلندا، وسبينوزا وليبنتز وولف في ألمانيا
3- التعريف السوسيولوجي للأخلاق:
إن الذهن ينساق عند سماع المذهب الاجتماعي إلى “أميل دوركهايم” Emile Durkheim – العالم الاجتماعي الفرنسي الكبير الذي يعتبر من أبرز مؤسسي المذهب-، الذي يذهب إلى القول إنه لا وجود للأخلاق دون المجتمع، ففي الوحدة لا شيء اسمه “فعل أخلاقي”. وصرح بهذا قائلًا: “ظواهر المعتقدات والأعمال الدينية وقواعد الأخلاق، وعدد لا يحصى من القواعد القانونية. أي هذه الأمور التي تعدّ من أكثر ظواهر الحياة الاجتماعية بروزًا. وظاهر أنّها جميعًا أمور ملزمة، وأن هذا الإلزام هو الدليل على أنّ هذه الأنماط سواء منها ما يتعلق بالعمل أم ما يتعلق بالتفكير، ليست من عمل الفرد، وإنّما هي في جملتها صادرة عن قوة معنوية تفوقه
قال زجلر: «العرف مجموعة أعمال محدودة تواضع الناس عليها اعتباطًا، ونَمَت في أوساط خاصة سيما في المجتمعات الطبيعية والجنسية كالعشيرة والقبيلة، ثم صار يُعد انتهاكها تعديًا على الآداب، وإتباعها فضيلة.»
4-التعريف الديني للأخلاق:إن المجتمع الديني يرى قيمه الأخلاقية منطلقة من المصادر الدينية التي توارثها عبر مراجعه الأساسية ومرجعياته الدينية سواء الممتدة عبر التاريخ أو المعاصرة له، فيشكل من تلك المصادر منظومة قيميّة متعددة الاتجاهات يحتكم إليها ويرى نفسه بمقدار التزامه بها، ومنظومة القيم كما يراها عبد اللطيف خليفة هي "مجموعة القيم المترابطة التي تنظم سلوك الفرد وتصرفاته، ويتم ذلك غالبا من دون وعي الفرد، وبتعبير آخر هي عبارة عن الترتيب الهرمي لمجموعة القيم التي يتبناها فرد أو أفراد المجتمع، ويحم سلوكه أو سلوكهم دون وعي"
فأخلاق الإنسان في نظر المجتمع الديني ببساطة إما أن تكون صالحة أو شريرة، وعلى أساس صلاحها من عدمه يتحصّل نتيجة لها الثواب أو يكون العقاب، وربطت الديانات بين خوف الله والخلق الكريم ليكون طريق الجنة من خلالهما، وجاء الأنبياء عموما ليحققوا مكارم الأخلاق، وبذلك فلقد توثقت العلاقة بين القيمة الأخلاقية والمعتقد الديني لكون المعتقدات الدينية في الأساس توجيهية مباشرة ولكون المعتقدات الدينية متمركزة في توضيح ما يتعلق بما هو حسن أو سيء وما هو حقيقي أو مزيف وما هو مرغوب أو غير مرغوب، وذلك لأن الإنسان الذي يحتكم في قناعاته لما هو حسن وقبيح لمصادره الدينية يجعل من التوجيهات التي يرجع إليها، وتمثل قناعاته منظومة قيميّة يراها كاملة وبالتالي يرى نفسه متجها إلى الكمال بها، و من ثم يحكم على مجتمعه من خلالها فيقيم الآخرين من تلك المنطلقات ويحاكم مجتمعه على أساسها، من ذلك تكمن أهمية دراسة القيم العامة بشكل تفصيلي لكل قيمة وبإطار شمولي يجمع كل تلك القيم بإطار مشترك لتكتمل الصورة في ذهن المتبني لمنظومة القيم، وبالتالي يصبح حكمه على نفسه بداية صائباً وعلى المحيطين به ومن ثم على مجتمعه الصغير والكبير في هذا العالم، أي على الآخر الذي هو غيره بشكل صائب أيضا.