VI- علاقة العلم بالاخلاق
لا يكاد يختلف عاقلان حول اهمية العلم في حياة الانسان فبه عرف نفسه ومحيطه، وبالعلم استطاع فك غموض الموجودات حوله وتمكن من تطويع العناصر الطبيعية لخدمته وتسهيل امور حياته، فنظم العمليات العلمية ونظر للحقائق والمعارف، واجتهد في تصنيف العلوم والتأسيس لعلوم اكثر دقةً وتفصيلاً.
فتنافست الامم والمحتمعات في طلب العلم اجتهادها في تحسين حياة افرادها والبحث عن مقومات التحكم والسيطرة التي توفر العلوم الجانب الاهم منها، واتجهت هرولة البحث عن العلم في اتجاهات متعددة متمايزة اكثرها كانت لخدمة الانسان وتحسين صحته ومسكنه وطرق تنقله، وفيها ايضا بذور الهدم وتدمير الانسان حينما استغل العلم في سياقات الجشع والحروب والسيطرة، فكان لا بد ان تظهر خطابات تعميل الاخلاق ومقولات العودة الى القيم وضبط سلوكات العلماء والمفكرين، الامر الذ ادى الى ترادف المصطلحين في كثير الاحيان (العلم والاخلاق).
يظن البعض ان العلم والاخلاق مفهومين منفصلين غير مرتبطين لاختلاف مكنوناتهما- المادية للعلم والمعنوية للاخلاق- وتمايز جنسيهما، لكنهما في الواقع مرتبطبين ارتباط التكامل والاتمام؛ حيث ان العلم دون اخلاق مفتاح لكل المخاطر، والاخلاق دون العلم جهل يسىء الى الاحكام الخلقية نفسها فتصبح خاطئة مجابنة للصواب. فالعلاقة بين العلم والأخلاق اذن هي علاقة تكاملية قلا أثر طيب للعلم بدون أخلاق ولا أخلاق صحيحة من غير علم يبصّر ويرشد لأنه العين المبصرة للأخلاق.
فالأخلاق والقيم هما الوعاء الحافظة والراعية للعلم وتترتب على اقتران العلم بالأخلاق آثار إيجابية تعم الأفراد والمجتمعات على حد سواء منها قوة شخصية الفرد حامل العلم وثقة الناس به وبعلمه وتشجيع الناس على طلب العلم، والبحث عنه وتتبعه وكذلك قوة تماسك المجتمع وعلوّ هيبته لوجود نماذج متعددة من العلماء المتسربلين بالأخلاق في علمهم.
فأنت تجد العالم الصادق في علمه أياً كان تخصص مجال علمه، فكل العلوم متى قيدت وحفّت بالأخلاق فإنها حتماً ستعود بالنفع على الجميع كعلوم الطلب والهندسة وغيرها.
ولا ننسى تشجيع روح التنافس بالمجتمع نتيجة ما يراه الناس من خلق العلماء والناس بفطرتهم السوية وسجاياهم الحسنة تميل نفوسهم إلى تقليد وتتبع الإنسان السوي الناجح في حياته النافع لغيره، ومن ذلك أيضاً ريادة الأمم وعلو شأنها وذلك باقتران العلم بالأخلاق وكذلك فإن لتجرد العلم من الأخلاق الحسنة آثاراً وخيمة تعود على الأفراد والمجتمعات على حد سواء منها عدم ثقة الناس بحامل العلم لما وجدوا فيه من أخلاق سيئة ذميمة وتنفير الناس من طلب العلم والبحث عنه وعدم الاكتراث بحملته ووجود انتشار الضرر كأثر مباشر لانتزاع صفة الأخلاق كالصدق والأمانة من العالم وكطبيب يفتقر إلى الأمانة أو مدرس يُؤثر نفسه على غيره على حساب المبادئ والقيم ويضحي بالصدق من أجل مصلحته الشخصية، وكذلك قتل روح الهمة والتنافس لطلب العلم في المجتمع لنفور الناس من النماذج التي يرونها في طلاب العلم والعلماء وتسمم العلاقات الاجتماعية وتفكك المجتمعات وفي المحصلة النهائية بتقهقر الأمم والشعوب وأفول نجمها نتيجة لأزمة لتراكم الأخطاء المترتبة على العلماء بسبب غياب وارع الأخلاق لديهم .
خطورة العلم بدون الأخلاق
. في العصور الأخيرة وصل العلم لمجموعة من التجارب الخطيرة، فلقد حدث تقدماً رهيباً في مجال الأبحاث النووية وصناعة القنبلة الذرية وإن لم توجد قواعد أخلاقية تحدد طرق التعامل مع هذه التجارب وحصر استخدامها فيما ينفع البشرية، فإن العلم هنا سيتحول لقنبلة تدمر البشرية وتقضي على تطورها للعديد من الأجيال.
خطورة الأخلاق بدون علم
. والأخلاق هي طريقة يحدد بها الإنسان سلوكه مع البشر حوله وطريقة حكمه على الحياة، والمبادئ التي ينتهجها الإدارة شئون حياته، والأخلاق بدون العلم تجعل عقل الإنسان مفتوحاً لاكتساب أي فكرة خطرة تلبس ثوب الأخلاق، وأبرز مثال على ذلك، التطرف الذي يسود المجتمعات، فكل المتطرفين لديهم إدعاء أن كل الأعمال التي يقومون بها تقوم على دعائم اخلاقية وتحارب الفساد الأخلاقي والديني، بينما هي في الحقيقة أفكار متطرفة عن الأخلاق سادت لعدم وجود علم بالحياة والدين وبطبيعة البشر.