ملخص المحاضرة الثانية، مصادر قانون العلاقات الدولية
ملخص الدرس
أولا: المصادر الأصلية: تنقسم مصادر قانون العلاقات الدبلوماسية الأصلية إلى مصدرين الأول يتمثل في وجود مجموعة من المواثيق المدونة بشكل رسمي على شكل اتفاقيات و معاهدات دولية ملزمة للأطراف، والثاني يشمل كذلك مدونة تتضمن اتفاقيات دولية يمكن الرجوع إليها عندما لا تنص الاتفاقيات الدولية المنظمة للعلاقات الدبلوماسية على مسألة ما وفي هذه الحالة يمكن الرجوع إلى هذه المصادر وهو ما سنبينه أذناه .
1 – المعاهدات الدولية:
توجد العديد من المعاهدات الدولية التي تستقي منها قواعد القانون الدبلوماسي وجودها حيث تم عقد واعتماد المعاهدات خاصة خلال القرن التاسع عشر سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف ،ومن بين هذه الاتفاقيات لاتفاقية الثنائية التي أبرمت بين بلجيكا والاتحاد السوفيتي سابقا لتبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية بتاريخ 12 يونيو 1935 ،وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تنظيم العلاقات الدبلوماسية والقنصلية بين الدول وتنظيم المصالح المشتركة بينهما.
وضمن نفس الإطار تأتي معاهدة فيينا المؤرخة في 19 مارس 1815 بين دول أوروبا والمتعلقة بتصنيف وترتيب المبعوثين الدبلوماسيين وتعتبر هذه الاتفاقية منطلق حقيقيا لإرساء قواعد ممارسة العمل الدبلوماسي المعروف اليوم على شاكلته الحالية ،ولم يمر سوى ثلاثة سنوات من عقد هذه الاتفاقية حتى ظهر بروتوكول Aix la chapelle وبالتحديد في 21 نوفمبر 1818 والذي يعتبر نقطة تحول حقيقية أو انطلاقة حقيقية لتقنين القواعد القانونية المنظمة للتمثيل الدبلوماسي.[1]
فالمعاهدات والاتفاقيات الدولية تعتبر أداة من أدوات تقرير قانون العلاقات الدبلوماسية ،فحتى القرن القرن التاسع عشر لم تكن المعاهدات التي ترعى تنظيم العمل الدبلوماسي إلا بعض القواعد المتضمنة كمعاهدة الصلح والصداقة والتجارة التي أبرمت عام 1623 بين جاك الأول ملك انجلترا وميتشال فيدورفيتز دوق روسيا الأكبر، حيث نصت على الاحتفاظ بالحصانات والامتيازات لبعض البعثات ، كذلك معاهدة عام 1670 المنعقدة بين انجلترا والدانمرك.
يجب أن نشير أنه لا يمكن أن تتطور قواعد العلاقات والحصانات الدبلوماسية وتنظيمها في قواعد واضحة إلا من خلال الدخول في معاهدة دولية تنظم ذلك وتصبح قانونا اتفاقيا للدول الموقعة عليها وتتمتع بالقوة الملزمة الداخلية في كل دولة ، وضمن هذا الإطار قامت كل من منظمة الدول الأمريكية وعصبة الأمم المتحدة سابقا واللجنة القانونية الاستشارية لدول آسيا وإفريقيا بجهود معتبرة كللت بعقد اتفاقية هافانا بتاريخ 20 فيفري 1928 بشأن الممثلين الدبلوماسيين والقواعد التي تحكم حصاناتهم وامتيازاتهم والعلاقات الدولية بشأن تبادلهم وواجباتهم وتكوين البعثة ، فهذه المعاهدة تعتبر المعاهدة الأولى التي قننت قواعد العلاقات والحصانات الدبلوماسية قبل اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المؤرخة في 18 أفريل 1961، ومن الأمثلة المعاهدات الثنائية التي عقدت في هذا المجال نذكر المعاهدة التي أبرمت بين بريطانيا العظمى و البرتغال خلال عام1899 والتي تضمنت " موافقة ملك بريطانيا و صاحب السمو الوصي على عرش البرتغال على منح نفس الامتيازات والحصانات و الإعفاءات من الرسوم والجمارك لسفرائهم ووزرائهم ووكلائهم المعتمدين لدى بلاط كل منهم و أي امتياز يمنحه لهم في بلاطه هو" .
2 - العرف.
يلعب العرف دور كمصدر لقواعد القانون الدولي العام لا يمكن الاستهانة به لذلك سنقوم من خلال هذا العنصر ضمن القطة الأولى منه إلى تحديد المقصود بالعرف بوجه عام أما النقطة الثانية فقد خصصناها إلى مكانة العرف و تطبيقاته في العلاقات الدبلوماسية.
أ – تحديد المقصود بالعرف .
عرفت المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية العرف بأنه " عمل أو عادة مستمران من التواتر والقبول بهما كقانون "
من خلال نص هذه المادة يمكننا تعريف العرف بوجه عام أنه مجموعة من القواعد والمبادئ في مجال معين وجرت العادة باتباعها بطريقة منتظمة ومستمرة بحيث ساد الاعتقاد باعتبارها واجبة الاحترام[2] ،فقد اعتبرت القواعد العرفية مجموعة من الأعمال القانونية التي نشأت من تكرار التزمت الدول بها في تصرفاتها مع غيرها بوصفها قواعد ثبت لها قوة الإلزام القانوني في اعتقاد الأغلبية.
فالعرف الدولي هو أحد مصادر القاعدة القانونية التي اعتادت الدول على ممارستها لفترات طويلة من الزمن الأمر الذي يجعل من تلك القواعد مقبولة لدى الدول.[3]
ب – مكانة العرف وتطبيقاته في العلاقات الدبلوماسية.
العرف كان ولا يزال المصدر الأعلى للعلاقات الدبلوماسية من حيث الحصانات والامتيازات وتعترف بهذا صراحة نصوص المعاهدات الحديثة التي تضمنت أحكاما بشأن الحصانات والامتيازات مثل معاهدة الصداقة المبرمة بين فرنسا وإيران المبرمة بتاريخ 19 ماي 1939 ونفس الشيء ينطبق على المعاهدة المبرمة كذلك بين فرنسا والفلبين بتاريخ 26 جوان 1947 .
فبعد توقيع اتفاقية العلاقات الدبلوماسية عام 1961 بفيينا فان واضعي هذه الاتفاقية قاموا بإدراج القواعد العرفية التي كانت منتشرة وقننت لتصبح الآن المصدر الأساسي للقانون الدبلوماسي المدون ،والتأكيد على ذلك لا يعني أن القواعد العرفية أصبحت بلا معنى بل مازالت تطبق لحد اليوم لأن أصل القانون الدبلوماسي هو العرف والدليل على ذلك مانصت عليه اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961 ضمن ديباجتها في الفقرة الخامسة والأخيرة منها بالقول"وإذ تؤكد ضرورة استمرار قواعد القانون الدولي العرفي في تنظيم المسائل التي لم تنظمها صراحة أحكام هذه الاتفاقية".
وباستقراء ماورد ضمن هذه الديباجة يستشف أن القواعد العرفية التي كانت تنظم العلاقات الدبلوماسية بعد صدور هذه الاتفاقية صارت مصدرا ثانويا ويلجأ إليها في حالة عدم النص على ما ينظم بعض العلاقات الدبلوماسية في هذه الاتفاقية.
فالعرف الدولي يكون مصدرا لقواعد التبادل الدبلوماسي الدائم بالنسبة للدول غير الأطراف في اتفاقيات دولية متعلقة بالتبادل الدبلوماسي الدائم سواء أكانت ثنائية أم جماعية والتي لم تسن تشريعات داخلية ذات صلة بهذا الأمر ،فالعرف الدولي يبقى بمثابة سد للنقص الحاصل في قواعد القانون الدبلوماسي الدولي ، وقد أكدت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961 هذا النهج من خلال ديباجتها على الدور المكمل للعرف الدولي فنصت بأن"قواعد القانون العرفي يجب الاستمرار في تطبيقها على المسائل التي لم تفصل بها نصوص هذه الاتفاقية صراحة"
ثانيا : المصادر الاحتياطية :
بالإضافة إلى المصادر الأصلية لقانون العلاقات الدبلوماسية ثمة مصادر احتياطية لهذا القانون التي تصدر في بعض الدول تتضمن منح حقوق للدبلوماسيين وتدعيم حصاناتهم و امتيازاتهم يتم النص عليها في دساتيرها وقوانينها الداخلية الأخرى، تقرر و تؤكد قواعد القانون الدولي العام أو تنشئ قواعد جديدة يتم تطبيقها في حدود النطاق الداخلي للدولة ، كما تلعب أحكام المحاكم والمبادئ العامة للقانون دور لا يستهان به يمكن الرجوع إليها لتنظيم هذه العلاقات متى استدعت الضرورة ذلك، والأمر الذي سنبينه أدناه.
1 - القوانين الوطنية (الداخلية).
تلعب التشريعات الوطنية دورا مهم في تنظيم العلاقات الدبلوماسية ،فالدول تقوم بسن تشريعات داخلية لتنظيم العلاقات الدبلوماسية وكذا التبادل الدبلوماسي ،والملاحظ للتشريعات الداخلية في هذا المجال يكتشف أنها تعكس في الغالب الأعراف الدولية أو أنها بمثابة إعمالا للأحكام الاتفاقية المقررة في اتفاقيات دولية دبلوماسية[4]،فالتشريعات الداخلية الوطنية تكون متناغمة ومتطابقة مع أحكام وقواعد القانون الدبلوماسي.
ومن بين التشريعات الداخلية التي أشارت إلى تنظيم العمل الدبلوماسي ما أشارت اليه المادة 25 من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية سنة 1949 ، حيث من بين ماجاء في هذه المادة هو " اعتبار القواعد العامة للقانون الدولي جزءا لا يتجزء من القانون الاتحادي الألماني.
فالقواعد الدولية الخاصة بنظام التبادل الدبلوماسي الاتفاقية والعرفية تشكل إطارا لا يجوز تجاوزه من الدول عندما تسن قوانينها الداخلية المنظمة للتمثيل الدبلوماسي، مثال ذلك كأن يمنح القانون الداخلي البعثة الدبلوماسية مركزا قانونيا أكبر مما يمنحه القانون الدولي الدبلوماسي لها.
ما يمكن استخلاصه بشأن القانون الداخلي كمصدر من مصادر قانون العلاقات الدبلوماسية يكمن في ثمة علاقات ظاهرة بين الأخير والقوانين الداخلية للدول و تختلف بحسب طبيعة النظام السياسي الذي تختاره الدول.
2 - اجتهادات المحاكم والمبادئ العامة للقانون.
تقوم أحكام المحاكم الدولية والوطنية بمثابة مصادر احتياطية لا يلجأ إليها إلا استثناءا لقواعد القانون الدبلوماسي ونفس الشيئ ينطبق على مذاهب كبار الفقهاء والمؤلفين في القانون العام ، فهذه الأحكام ليست من المصادر الأصلية وبالتالي فان القاضي غير ملزم بالرجوع إليها في حالة وجود نزاع قد يعرض عليه، بالاظافة إلى هذه المصادر تعتبر المبادئ العامة للقانون من مصادر القانون الدبلوماسي كونها تندرج من حيث التصنيف بعد الاتفاقية الدولية رغم أن المختصين اختلفوا بشأن القيمة القانونية للمبادئ العامة للقانون ،فهناك من اعتبرها قيمة قانونية ملزمة شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية المدونة في الاتفاقيات الدولية ، لذلك فمهما اختلف في طبيعتها من حيث قيمتها القانونية فان هذه المبادئ تبقى تمثل مصادرا من المصادر القانونية المشروعة في قانون العلاقات الدبلوماسية يمكن الرجوع إليها كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
[1] - اتفقت الدول الخمس ، النمسا وبروسيا وروسيا وبريطانيا العظمى وفرنسا أثناء هذا المؤتمر على اظافة درجة رابعة للوزير المقيم إلى درجات الممثلين الدبلوماسيين الثلاث التي حددتها لائحة فيينا سنة 1815 ووقعت في هذا الشأن بروتوكول في 21 تشرين الثاني /نوفمبر 1818 وضعت بمقتضاه درجة الوزير المقيم في مرتبة تلي درجة وزراء الدرجة الثانية وتسبق درجة القائمين بالأعمال ، للمزيد من التفاصيل راجع في ذلك خليل حسين تقديم محمد المجذوب ، مرجع سابق ص 151 .
- نوري رشيد الشافعي، البيئة وتلوث الأنهار الدولية، الطبعة الأولى، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس لبنان 2011 ص 96.[2]
[3] - معتز فيصل العباسي ،التزامات الدولة المحتلة اتجاه البلد المحتل ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بناية الزين ، شارع القنطري بيروت ، الطبعة الأولى ص 78 .