النظريات الكلاسيكية

ظهرت النظرية الكلاسيكية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر كرد فعل على مذهب التجاريين الذين كانوا يرون أن المعادن النفيسة هي المقياس الأساسي لقوة الدولة الاقتصادية في ذلك الوقت، لذلك كانت دعوتهم تنصب في فرض قيود على التجارة الخارجية بغية الحصول على أكبر قدر من المعادن النفيسة، ولقد هاجم " الكلاسيك" آراء التجاريين وأخذو على عاتقهم بيان فوائد التبادل التجاري بين الدول، وجاءت نظريتهم للدفاع عن حرية التجارة الخارجيةوأن قوة الدولة لا تكمن فيما تمتلكه من معادن نفيسة فقط، وانما ايضا فيما يتوافر لديها من موارد اقتصادية حقيقية، وأن حرية التجارة هي الوسيلة الأنجع لزيادة ثروة البلدان الحقيقية. وتقوم هذه النظرية على مجموعة من الفروض تتمثل فيما يلي:

إن عناصر الانتاج تتمتع بحرية الانتقال داخل البلد الواحد.

أن عناصر الانتاج لا تتمتع بحرية الانتقال بين البلدان المختلفة.

إن آلية المواءمة عن طريق العلاقة بين كمية المسكوكات ومستوى الأسعار تضمن توازن ميزان المدفوعات.

إن كمية الموارد المتاحة معطاة حيث لا تتأثر بالتبادل. وأن هناك تشغيل كامل للموارد، وبالتالي فان تأثير التجارة الخارجية ينحصر في اعادة تخصيص الموارد.

أن هناك بلدين فقط يتم بينهما التبادل وهناك أيضا سلعتين فقط.

وتفترض هذه النظرية أن ثروة دولة ما تتحدد بمقدار ما تمتلكه من معادن نفيسة مثل الذهب والفضة، وإذا أرادت الدولة أن تقوي ميزان بدفوعاتها من خلال زيادة صادرتها مقابل تخفيض واردتها، عليها أن تزيد ما تمتلكه من هذين المعدنين. والهدف من ذلك تحقيق فائض تجاري تكون فيه قيمة الصادرات أكبر من قيمة الواردات، أما إذا كانت قيمة الواردات أكبر من قيمة الصادرات، فسيحدث عجزا في ميزان المدفوعات، ما يسبب الكثير من المشاكل الاقتصادية.

نظرية ديفد هيوم

تتلخص في أن المعدن النفيس يتوزع على البلاد الداخلة في علاقات تجارية دون الحاجة إلى تدخل من قبل الدولة فإذا زاد ما لدى الدولة من المعدن النفيس على القدر الذي يتناسب مع نشاطها الاقتصادي فإن أسعار السلع في تلك الدولة ترتفع بالنسبة لأسعار السلع في البلاد الأخرى مما يؤدي إلى انخفاض صادراتها وارتفاع في استيراداتها ومن ثم انسياب هذا المعدن النفيس الى الخارج وبالعكس، فإذا كان لديها من المعدن النفيس كمية اقل من حاجة حجم نشاطها الاقتصادي فإن أسعار السلع في هذا البلد تنخفض بالنسبة لأسعار السلع في الدول الأخرى مما يؤدي إلى زيادة صادراتها ونقص وارداتها وفي النهاية يتحقق الفائض في الميزان التجاري مما يؤدي إلى تدفق الذهب إلى الدولة من العالم الخارجي. وهكذا استطاع هيوم عن طريق دراسة العلاقة بين كمية المعدن النفيس في بلد ما ومستويات الأسعار فيه، والعلاقة بين مستوى الأسعار فيه ومستوى الأسعار في العالم الخارجي إلى عدم جدوى القيود التي تفرض على التجارة الدولية. وتعد نظرية هيوم مقدمة لظهور أشهر النظريات النقدية وهي (النظرية الكمية للنقود) والتي تنصّ على إن هنالك علاقة طردية تربط بين كمية النقود في التداول في بلد ما وبين المستوى العام للأسعار في ذلك البلد، والتي تدعو إلى عدم الفائدة من تركيم الكميات الكبيرة من الذهب والفضة داخل البلد لان ذلك سرعان ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ومن ثم خروج هذه الكميات من المعدن الثمين إلى خارج البلد.

نظرية الميزة المطلقة لآدم سميث

صاحب هذه النظرية هو آدم سميث وهو أول الاقتصاديين الذي بحث التفسير المنطقي وراء التجارة الدولية، وقد استخدم في كتابه "ثروة الأمم" 1776 مبدأ نظرية الميزة المطلقة كتفسير للتجارة الدولية، وفقا لهذا المبدأ فإن على الدولة أن تنتج وتصدر السلع التي تكون تكلفتها اقل من الدول الأخرى، وبالمقابل فإن عليها أن تستورد السلع التي تكلفتها أعلى لو أنتجتها بنفسها، بمعنى أن تتخصص كل دولة في إنتاج السلع التي تحقق لها ميزة مطلقة. وفي رأي آدم سميث، أن هناك وظيفتين تهتم بهما التجارة الدولية:

وظيفة تصريف الانتاج الفائض عن حاجة السوق المحلية واستبدالها بشيء أكثر نفعا،

وظيفة التغلب على الندرة في السوق المحلية.

الافتراضات التي وضعها آدم سميث لهذه النظرية:

العمل أساس القيمة.

مقايضة السلع مع بعضها بدلا من استعمال النقود الذي تأتي لاحقا.

ثبات تكلفة الوحدة مهما كان حجم الانتاج.

انتقال عناصر الإنتاج بين الصناعات داخل الدولة بسهولة.

استحالة انتقال عناصر الإنتاج بين البلدان.

سوق منافسة تامة.

العمالة كاملة.

عدم وجود تكاليف نقل أو مواصلات.

مثال توضيحي

لإيضاح رأي آدم سميث نفترض دولتين هما انجلترا والبرتغال وأنهما ينتجان سلعتين هما القماش والقمح وأن ثمن هاتين السلعتين قبل قيام التجارة الخارجية بينهما كان على النحو التالي:

الجدول الأول: نفقات الإنتاج المطلقة مقدرة بساعات العمل.

قماش

قمح

اجلترا

800 و/سا

200 و/سا

البرتغال

500 و/سا

1000 و/سا

تفسير الجدول حسب نظرية الميزة المطلقة لآدم سميث:

إنجلترا لديها ميزة مطلقة في انتاج القماش ولديها عيب مطلق في انتاج القمح.

البرتغال لديه ميزة مطلقة في انتاج القمح ولديه عيب مطلق في انتاج القماش.

 حساب معدل التبادل الداخلي:

معدل التبادل الداخلي لإنجلترا: م.ت.د للإنجلترا = انتاج القماش للبرتغال /انتاج القماش للإنجلترا = 200/800 = 0,25

معدل التبادل الداخلي للبرتغال: م.ت.د للبرتغال = انتاج القمح لإنجلترا/انتج القمح للبرتغال= 500/1000= 0,5

يعني أن إنجلترا تنتج من القمح ما يعادل ربع ما تنتجه من القماش في الساعة الواحدة.

ويعني أن البرتغال تنتج من القماش نصف ما تنتجه من القمح في الساعة الواحدة.

 حساب ما تنتجه كل من إنجلترا والبرتغال عند 4 سا بالاستعانة بمعدل التبادل الداخلي:

إنجلترا قماش: 800 × 4 = 3200 وحدة في أربع ساعات.

إنجلترا قمح: 3200 × 0,25 = 800 وحدة في 4 ساعات.

البرتغال قمح: 1000 × 4 = 4000 وحدة في 4 ساعات.

البرتغال قماش: 4000 × 0,5 = 2000 وحدة في 4 ساعات.

انتاج كل من إنجلترا والبرتغال للقماش والقمح عند 4 ساعات:

قماش

قمح

انجلترا

3200 وحدة

800 وحدة

البرتغال

2000 وحدة

4000 وحدة

هنا وفي هذا المثال وحسب نظرية الميزة المطلقة لآدم سميث على إنجلترا أن تتخصص في إنتاج القماش لأنها تقوم بإنتاجه بأقل تكلفة مقارنة بنظيرتها وتصدر الفائض للبرتغال، والبرتغال بدورها تتخصص في إنتاج القمح وتصدر الفائض عنها لإنجلترا.

هنا تحقق كل من الدولتين.

انجلترا في ساعتين

البرتغال في ساعتين

قبل التخصص

800 + 200 = 1000

500 + 1000 = 1500

بعد التخصص

800 × 2 = 1600

1000 × 2 = 2000

المكاسب

600 وحدة

500 وحدة

من بين الانتقادات المقدمة لهذه النظرية أنها:

أنها مفرطة في التبسيط، فهي تحصر التبادل بين دولتين فقط في حين أن المسألة أكثر تشعبا وتعقيدا.

لم يعرف "آدم سميث" ثروة الأمم بقدرتها على تراكم الأرصدة الدولية والمعادن النفيسة كما عرفها التجاريون بل عرفها بقدرتها على إنتاج السلع والخدمات، وبالتالي يجب عليها أن تبحث عن السبل التي تمكنها من زيادة القدرة الإنتاجية، وهذا لا يتم عن طريق الحرية الاقتصادية، وأن دور الدولة محدود يتمثل في الحفاظ على كفاءة عمل الأسواق بصورة تنافسية دون قيود احتكارية.

وأن تقسيم العمل يحقق أعلى إنتاجية في ظل المنافسة الكاملة.

قد لا تحظى بعض الدول بأي تفوق مطلق في إنتاج أي سلعة، وهذا يعني وفق نظرية ادم سميث أن هذه الدولة لا تستطيع تصدير أي سلعة إلى العالم الخارجي، وبالمقابل تجد نفسها عاجزة عن الاستيراد من الخارج لعدم قدرتها على الدفع، مما يؤدي إلى انكماش حجم التجارة الخارجية.

إن نظرية ادم سميث في التجارة الخارجية هي امتداد لنظريته في التجارة الداخلية، في حين ثمة فوارق واختلافات جوهرية بينهما.

يلاحظ أن نظرية الميزة المطلقة تفسر جزءا فقط من تجارة العالم وهي بعض التجارة بين الدول المتقدمة والنامية، لكنها تعجز عن تفسير التجارة بين الدول المتقدمة مع بعضها. في ضوء هذه النقائص التي اتسمت بها نظرية الميزة المطلقة في التجارة الخارجية، وكذا الانتقادات الموجهة لها جاءت نظرية الميزة النسبية مكملة لها وهي ما سوف نتطرق له.

نظرية دفيد ريكاردو

وضع دافيد ريكاردو نظريته في التجارة الخارجية، التي تقوم على أساس فكرة التفوق النسبي أو الميزة النسبية في إنتاج السلع والتخصص على هذا الأساس، والتي غدت أساسا للنظريات الكلاسيكية في التجارة الخارجية.

لو أن بلد ما ليست لديه ميزة في انتاج سلعة أو سلع ما، يمكن قيام تجارة دولية دون امتلاكها لميزة مطلقة.

مثال توضيحي

فليكن لدينا دولتين سوريا ولبنان، تنتج كل منهما سلعتين ولتكن زيت الزيتون والاجبان.

الجدول الثاني: تكلفة الإنتاج بالدولار.

زيت زيتون (س)

أجبان (ص)

سوريا (أ)

100 دولار

120 دولار

لبنان (ب)

90 دولار

80 دولار

حسب نظرية الميزة المطلعة لآدم سميث فإن:

لبنان لديها ميزة مطلقة في انتاج كل من زيت الزيتون والأجبان.

وسوريا لديها عيب مطلق لكل من زيت الزيتون والأجبان.

التكلفة النسبية لزيت الزيتون (س) لسوريا (أ) = تكلفة زيت الزيتون (س) لسوريا (أ) / تكلفة انتاج الأجبان (ص) لسوريا (أ) = (س) لـ (أ) / (ص) لـ (أ) = 100 / 120 = 0,83 دولار.

التكلفة النسبية للأجبان (ص) لسوريا (أ) = تكلفة الأجبان (ص) لسوريا (أ) / تكلفة زيت الزيتون (س) لسوريا (أ) = (ص) لـ (أ) / (س) لـ (أ) = 120/100 = 1,2 دولار.

التكلفة النسبية لزيت الزيتون (س) للبنان (ب) = تكلفة زيت الزيتون (س) للبنان (ب) / تكلفة الأجبان (ص) للبنان (ب) = (س) لـ (ب) / (ص) لـ (ب) = 90 / 80 = 1,125 دولار.

التكلفة النسبية للأجبان (ص) للبنان (ب): تكلفة الأجبان (ص) للبنان (ب) / تكلفة زيت الزيتون (س) للبنان (ب) = (ص) لـ (ب) / (س) لـ (ب) = 80 / 90 =  0,88 دولار.

جدول التكاليف النسبية لدايفد ريكاردو.

زيت زيتون

أجبان

سوريا

0.83 دولار

1.2 دولار

لبنان

1.125 دولار

0.88 دولار

حسب النظرية النسبية لدايفد ريكاردو فإنه:

يمكن لسوريا التخصص في انتاج زيت الزيتون والتخلي عن انتاج الأجبان لأن تكلفة انتاج زيت الزيتون والمقدرة بـ 0,83 دولار أقل من تكلفة انتاج الأجبان والمقدرة بـ 1,2 دولار.

ويمكن للبنان التخصص في انتاج الأجبان والتخلي عن انتاج زيت الزيتون لأن تكلفة الأجبان والمقدرة بـ 0,88 دولار أقل من تكلفة انتاج زيت الزيتون والمقدرة بـ 1,125 دولار.

من بين الانتقادات الموجهة لنظرية الميزة النسبية أنها:

يفترض نموذج ريكاردو أن المبادلات التجارية تكون في شكل عملية المقايضة للسلع أي تحييد النقود.

تعتمد النظرية على وجود سلعتين ودولتين وهذا امر لا يلامس الحقيقة الواقعية.

محدودية النموذج في ضبط معدلات التبادل الدولي الفعلي.

استخدام عامل العمل بنسب ثابتة في انتاج كل السلع وهذا لا يقبل واقعيا.

قيام ريكاردو بتثبيت كمية الانتاج والتركيز على جانب العرض دون الاهتمام بالطلب.