Aperçu des sections

  • الدرس الاول

    •  

       

      أولا :نطاق وموضوعات علم الاقتصاد

      1- المشكلة الاقتصادية وعناصرها:

      لكل علم من العلوم موضوعه الذي يتمثل في محاولة فهم وتحليل ظاهرة من الظواهر أو مشكلة معينة ،وتعد المشكلة الاقتصادية المتمثلة في الندرة النسبية للموارد النقطة المركزية التي يدور حولها علم الاقتصاد بالبحث في نشأتها وأسبابها ومظاهرها وقد لازمت المشكلة الاقتصادية الإنسان منذ وجوده حيث في منظور الاقتصاد الوضعي أن الإنسان يولد وتولد معه حاجاته المتعددة والمتنوعة والتي تقتضي قدرا من الإشباع باستعمال ما هو موجود في الطبيعة ،هاته الأخيرة ولمحدودية مواردها لا تقدم الإشباع الكامل لجميع الحاجات الإنسانية من جهة ومن جهة أخرى فإن أغلب هذه الموارد لا تصلح يصورنها الأولية في الطبيعة لإشباع الحاجات بشكل مباشر مما يفرض على الفرد أن يكون سلوكه اقتصاديا وذلك بالاختيار بين حاجاته المتعددة الحاجات الأولى بالإشباع واستخدام الموارد المحدودة على أفضل وجه وطريقة ممكنة للحد من تفاقم المشكلة الاقتصادية وزيادة حدتها خصوصا مع سعي الإنسان الدائم للارتقاء بمستوى معيشته وتحقيق الرفاهية المادية .

      وعليه فالمشكلة الاقتصادية هي مشكلة ندرة الموارد المتعلق باستعمالها بشكل مباشر أو غير مباشر إشباع الحاجات وهي أيضا مشكلة اختيار بين هاته الحاجات المتعددة اختيارا على أساس تحديد الحاجات الأولى بالإشباع والقدر الذي يتم إشباعها بمقتضاه مما قد يستوجب التضحية ببعض الحاجات وهذا لعدم قدرة المورد على إشباع جميع الحاجات. وعلى هذا يمكن القول بأن المشكلة الاقتصادية تقوم عل ركنين متلازمين هما الندرة والاختيار.

      -    الندرة :والمقصود بها في علم الاقتصاد الندرة النسبية وليست الندرة المطلقة أي ندرة الموارد بالنسبة للحاجات الإنسانية التي تساهم في إشباعها .فمشكلة الندرة تتوقف على العلاقة بين الموارد والحاجات لا على كمياتها المطلقة كونها كثيرة أو قليلة وإنما المقصود أنها لا تكفي لإشباع كل الحاجات التي تصلح لإشباعها فالبترول مثلا مورد ينتج بكميات هائلة لكن يبقى سلعة نادرة تدخل في نطاق المشكلة الاقتصادية كون الحاجة إليه تفوق ما ينتج منه .وعليه فالندرة محدودية الموارد والوسائل التي يملكها الإنسان في مواجهة حاجاته ورغباته المتزايدة في آ ن واحد .

      -    الاختيار:إذا كانت الندرة تشكل علة وسبب المشكلة الاقتصادية  فإن الاختيار هو الذي يصبغ المشكلة بالصبغة الاقتصادية ويميزها عن غيرها من المشاكل .حيث مادامت المشكلة الاقتصادية تعني في جوهرها عدم كفاية الموارد الاقتصادية المتاحة لإشباع كافة الحاجات الإنسانية التي تصلح للإشباع فإن هذه الندرة النسبية للموارد الاقتصادية تتطلب ضرورة اتخاذ قرار بالاختيار بين شيئين أو عدة أشياء.

      وعليه فالاختيار هو المفاضلة بين تلبية عدة حاجات بواسطة سلعة معينة أي القيام بموازنة منفعية  حرة لاختيار أي الحاجات أولى بالإشباع من خلال ما هو متاح من موارد مما يدفعه إلى التضحية أي التنازل والامتناع عن إشباع حاجات من أجل إشباع حاجات أخرى ضرورية. وهذا ما يطلق عليه في علم الاقتصاد اسم مشكلة الفرصة الضائعة أو تكلفة الفرصة البديلة.

      إذا فندرة الموارد تحتم على الإنسان أو المجتمع ضرورة اختيار ماذا ينتج من السلع والخدمات وكمية هذا الإنتاج وكذلك كيفية توزيع الموارد بين السلع و الخدمات المختلفة واختيار الطريقة التي يتم بها الإنتاج وكذا من يحصل على الإنتاج أي توزيع الناتج العام القومي على أفراد المجتمع

      غير أن مشكلة الاختيار لا تنشأ فقط بسبب الندرة النسبية للموارد وإنما تنشأ كذلك بسبب أن الموارد الاقتصادية غير متخصصة في إشباع حاجة بعينها فقط بل لها استخدامات بديلة فالأرض يمكن أن تستخدم في الزراعة كما يمكن أن تستخدم في البناء عليها مساكن أو مؤسسات تعليمية أو مستشفى .....إلخ وكذلك مورد العمل فيمكن توجيه النشاط الإنساني المبذول إلى النشاط الزراعي أو الصناعي أو التجاري أو الحرفي وهكذا مع بقية الأموال والموارد الاقتصادية الأخرى لها من الخصائص ما يجعلها قادرة على إشباع العديد من الحاجات الإنسانية المتعددة وبالتالي فإن زيادة استخدام المورد الاقتصادي في استخدام معين سوف يكون على حساب الاستخدامات الأخرى لهذا المورد.

      2- عناصر المشكلة الاقتصادية :من خلال ما سبق ذكره تدور المشكلة الاقتصادية حول عنصرين مرتبطين هما:

           * الحاجات المتعددة التي يشعر بها الإنسان ( مشكل الاختيار بين الحاجات عند عملية الإشباع )

           * الموارد أو الأموال المحدودة ( مشكل الندرة )

      - العنصر الأول الحاجات الاقتصادية : يراد بالحاجة في معناها اللغوي الحرمان من شيء ضروري ،أما الحاجة الاقتصادية فهي كل رغبة تساور النفس من السلع والخدمات التي تساهم الموارد الاقتصادية في إنتاجها بحيث يولد عدم إشباع هاته الحاجات الإحساس بالألم والحرمان مما يدفع الإنسان إلى النشاط الاقتصادي أي إحداث عملية الإنتاج لهذه السلع والخدمات بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة أي عن طريق عملية الشراء بواسطة الثمن وهو ما يعبر عنه بالطلب.

      - خصائصها : تتميز الحاجات الاقتصادية بعدة خصائص يمكن حصرها فيما يلي :

      أ)- الحاجة لا نهائية :فرغبات الإنسان وحاجاته متعددة في مجموعها كما ونوعا وتتزايد باستمرار فكلما قام الفرد بإشباع حاجة معينة تظهر له حاجة أخرى جديدة يسعى لإشباعها .فحاجات الإنسان متعددة بحسب درجة أثرها وأهميتها حيث منها ما هو ضروري لحياته  كالطعام والشراب ومنها ما هو ضروري ليسير حياته وراحته كالحاجة للتعلم والمواصلات ووسائل الترفيه بل إنها تتعدد بحسب طبيعة البيئة فحاجات مجتمعات المناطق الباردة تختلف عن حاجات المناطق الحارة بل تتعدد حتى حسب المراحل العمرية للإنسان فحاجات  مرحلة الطفولة تختلف عن بقية حاجات المراحل العمرية الأخرى وهكذا . بل إن الحاجات تزداد وتتعدد باختلاف العصر فما هو كمالي في عصر قد يصبح من الحاجات الضرورية في عصر آخر حيث مع التطور تتولد لدى الإنسان رغبات جديدة لم تكن سابقا كالحاجة حاليا إلى السيارة ومختلف الآلات الكهربائية والحاجة لاقتناء الهاتف النقال ....وهكذا فالإنسان في سعي مستمر نحو هدف متحرك يبعد عنه باستمرار وذلك لأن هذا الهدف مرتبط بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتي هي بطبيعتها متحركة وغير ثابتة.

      وخاصية تزايد وتعد الحاجة الإنسانية تعد من أهم دوافع التقدم والرقي الاجتماعي فلولاها لبقي إنسان القرن الواحد والعشرين يعيش في نفس مستوى معيشة إنسان العصور السابقة قانعا بما لديه مادام محققا لإشباع حاجاته إلى المأكل والمشرب والملبس.

      ويمكن إرجاع تعدد الحاجات وتزايدها مع الزمن لعدة عوامل من أهمها :

      -    الزيادة السكانية السريعة التي تؤدي مع افتراض ثبات أنواع الحاجات على حالها إلى زيادة كمية الحاجات المطلوب إشباعها .

      -    التقدم التكنولوجي الهائل التي تعرفه البشرية خاصة منذ مطلع القرن العشرين حيث أن زيادة معدلات التقدم التكنولوجي وسرعته أدت إلى ظهور حاجات جديدة لم تكن معروفة بل قد أدت إلى جعل الكثير من الحاجات التي كانت في وقت سابق تعتبر كمالية أصبحت ضرورية.

      -    عامل الدعاية والإعلان والإشهار والتي أدت إلى خلق حاجات جديدة وذلك عن طريق أثرها في تنمية عامل الذوق لدى الإنسان وهذا بغض النظر عن اتفاق الحاجة مع القيم الاجتماعية ومصلحة المجتمع وعدمه.

      -    قابلية الحاجة الإنسانية للتكرار مع مرور الزمن مما يعني دورية الحاجة .فالحاجة الواحدة إذا ما تم إشباعها في وقت معين فإنها تعود وتفرض نفسها دوريا بعد فترة قصيرة أو طويلة من الزمن.

      -    أثر المحاكاة والتقليد وذلك من خلال قيام الأفراد بتقليد أنماط استهلاك قائمة لدى أفراد جماعات أو دول أخرى ومرد هذا تطور وسائل الإعلام بأنواعها.

      ب)-قابلية الحاجة للإشباع : أي أن هناك قدرا محددا من الموارد والأموال يكفي لإشباعها ،ويقل حدة الشعور بالحاجة كلما تلقت قدرا من الإشباع ،فكلما زادت نسبة الإشباع تناقص الشعور بالحرمان والألم كالشعور بالجوع أو العطش فكلاهما يعطي الشعور بالحرمان والألم ومن ثم فإن تناول كميات متتالية من الطعام أو الشراب يؤدي إلى زوال الشعور بالجوع أو العطش تدريجيا -وهذا ما يعبر عنه في علم الاقتصاد بقانون تناقص المنفعة الحدية-مما يجعل الحاجة قابلة للانقسام والتجزؤ فقد يقوم الفرد بإشباع قدر من الحاجة ويظل قدرا آخر دون إشباع وهذا كون الإنسان محدود القدرة في دائرة الإشباع أي يمكن للإنسان حسب إمكانياته أن يشبع حاجته إشباعا جزئيا فمثلا حاجة الإنسان للمأوى تخف حدتها قليلا لو وجد منزلا صغيرا وإن لم يشبع كل حاجته في اقتناء منزل كبير.

      ج)- قابلية الحاجة للإحلال :أي إمكانية أن تحل حاجة محل حاجة أخرى سواء كان إحلالا كاملا أو ناقصا حسب تقديرات المستهلك ومستوى الإشباع. وتتوقف قابلية الإحلال على مقدار التقارب بين الحاجات في تحقيق الإشباع كإحلال حاجة الإنسان إلى شرب القهوة بشرب الشاي أو كإحلال العمل بالآلات محل العمل اليدوي أو العكس .

      ولظاهرة الإحلال أهمية بالغة في حل المشكلة الاقتصادية على اعتبار أن هذا البديل للمستهلك فرصة التحول من سلعة إلى أخرى وهذا من شأنه أن يؤثر أيضا على المنتج عند تحديد الثمن لأن هذا التحول يؤثر على إيراده.

      د )- الحاجة ظاهرة اجتماعية :فالحاجة تختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر بحسب ما يحكمه من دين وعادات وتقاليد ومستوى تقدم حضاري ،فالحاجة إلى الأكل مثلا هي حاجة طبيعية لكل إنسان لكن طبيعة ونوع الأطعمة تختلف حسب الأوضاع الاجتماعية .

      وهكذا فإن بخاصية تعدد الحاجات وتزايدها واستمرارها نعد السبب في وجود المشكلة الاقتصادية وفي جميع المجتمعات البشرية على اختلاف نظمها الاقتصادية.

      وعموما فالحاجات الإنسانية على نحو ما تقدم هي المحرك الأساسي لكل نشاط اقتصادي ،فالتفسير النهائي لهذا النشاط هو إشباع الحاجات الإنسانية.

      - أنواع الحاجات الإنسانية :تنقسم الحاجات الإنسانية التي يشعر بها الإنسان ويرغب في إشباعها وتتنوع إلى الأنواع التالية :

               * الحاجات الضرورية والحاجات الكمالية : الحاجات الضرورية هي الحاجات الأساسية التي تتوقف حياة الإنسان على إشباعها كالمأكل والملبس والمسكن والعلاج .....بينما الحاجات الكمالية فهي الحاجات التي تحسن حياة الإنسان ويساهم إشباعها في إثراء حياة الفرد وتمتعه بها وتضفي عليها طابع الرفاهية فهي حاجات لا يتوقف على إشباعها حياة الإنسان كوسائل الترفيه المتنوعة والفنون والملابس الفاخرة .......

      غير أن هذا التقسيم يعد تقسيما نسبيا لأن أهمية الحاجة وضرورتها محكومة بالتغير والتفاوت بين الأشخاص أنفسهم ومن زمان إلى ومن مكان لآخر فما هو كمالي في زمن ما أو مكان ما قد يصبح أو يعد ضروريا في زمن آخر أو مكان آخر.

      لكن رغم هذه النسبية في التقسيم فإن لهذه التفرقة أهمية يراعيها علم الاقتصاد من ناحية ترتيبه لأولوية الإشباع للحاجات وكذلك من ناحية صياغة الكثير من القواعد والقوانين الاقتصادية على أساس ترتيب أولوية الإشباع كالقوانين المتعلقة بالأسعار وفرض الضرائب ..........

           * الحاجات الفردية والحاجات الجماعية :الحاجات الفردية هي التي ترتبط بشخصية الفرد و يستطيع تلبيتها وإشباعها بمفرده كالحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن .....أما الحاجات الجماعية فهي التي ترتبط بوجود الجماعة ولا يمكن إشباعها إلا بصورة جماعية مثل الحاجة إلى الأمن و العدالة و الدفاع و التعليم وكذلك الحاجات الأخرى التي تباشرها الدولة عادة بأجهزة تمثل الصالح العام.وعليه فمعيار فردية الحاجة أو جماعيتها هو تنظيم الدولة لعملية الإشباع أو عدم تدخلها في تنظيمه.

      وتظهر أهمية هذه التفرقة في وجوب تدخل الدولة في عملية الإشباع أم لا لأنه بناء عليه يتم تحديد الأنشطة الاقتصادية التي تتولاها الدولة ( النشاط العام ) وتلك التي يترك أمرها لنشاط الأفراد( النشاط الخاص ).

          * الحاجات المادية والحاجات المعنوية : الحاجات المادية هي التي تستوجب موارد ووسائل مادية ملموسة لإشباعها فالشعور بالجوع يحتاج إلى طعام لسد هذه الحاجة والحاجة إلى الإيواء تستلزم وجود مسكن ......

      أما الحاجات المعنوية فهي الحاجات التي لا تعتمد في إشباعها على وسائل مادية بل على تقديم خدمة فالتعليم والعلاج مثلا حاجات تشبع لا عن طريق أشياء ملموسة وإنما عن طريق تلقي معارف عبر خدمة ألأستاذ أو المعلم  أو تشخيص طبي من خلال خدمة الطبيب.

      وعلم الاقتصاد يهتم بكلا الحاجتين معا وهذا بتحقيق الوسائل المحققة لإشباعهما وهذا لأن إشباع الحاجات المعنوية أي الخدمات  قد يستدعي في الكثير من الأحيان استخدام وسائل مادية كاستخدام الهاتف لإشباع حاجة الاتصال بالأهل.

      - العنصر الثاني الموارد الاقتصادية : يراد بالمال أو المورد بالمعنى العام الشيء النافع أو أي شيء قابل لإشباع حاجة إنسانية بطريق مباشر أو غير مباشر ويكون تحت التصرف ليستخدم في هذا الإشباع .وبهذا المعنى فالأموال أو الموارد متعددة ومتنوعة فالهواء مثلا مال ومورد لأنه يشبع حاجة الإنسان إلى التنفس والشمس مال لأن أشعتها وحرارتها ضرورية للإنسان والحياة والأرض مال لأنها تشبع حاجات متنوعة للإنسان من خلال سطحها أو مما هو في باطنها وكذلك أنواع الخدمات كخدمة الطبيب والأستاذ والقاضي والإعلامي ......

      غير أن هذه الأموال والموارد تختلف فيما بينها من حيث كميتها المتوفرة والحاجات المتعلقة بها حيث هناك موارد وأموال ما هو متاح منها يزيد عن الحاجة إليها وهذا ما يصطلح عليه بالأموال الحرة ومنها ما هو أقل من حيث حجم الحاجات المتعلقة بها وهذا ما يعرف بالأموال الاقتصادية ،وبهذا تنقسم الأموال أو الموارد إلى :

      1)- الأموال أو الموارد الحرة :وهي التي توجد بكميات وفيرة تكفي لإشباع حاجات الناس جميعا فهي لا تتصف بخاصية الندرة النسبية ولا تشكل أي مشكلة اقتصادية لذا يحصل عليها الفرد دون بذل أي جهد أو تقديم أي مقابل

      2)-الأموال أو الموارد الاقتصادية : وهي التي تتميز بكون الكميات المتاحة منها محدودة وتعتبر نادرة نسبيا بالنسبة إلى الحاجات التي تصلح لإشباعها مما يستدعي الاقتصاد في استعمال هذه الموارد سواء كانت أشياء مادية أو خدمات لذا فهي أموال غير مجانية بل لها مقابل يظهر من خلال الثمن -مهما كان تافها- الذي يدل على أن الحاجات التي يصلح لإشباعها كثيرة بالمقارنة بكميته ، أو يظهر من خلال التضحية بسلعة أو خدمة أخرى وبالتالي يمثل الحصول على هذه الأموال أو الموارد مشكلة اقتصادية لذا فهي محور الدراسة الاقتصادية.

      وتتمثل الموارد الاقتصادية التي تدخل في العملية الإنتاجية وتسمى أيضا بعناصر الإنتاج فيما يلي :

      * الأرض أو الطبيعة :وتشمل كافة الموارد الطبيعية التي لم يتدخل الإنسان في إيجادها ،سواء كانت ثروات طبيعية فوق سطح الأرض كالأنهار والغابات والمحاصيل الزراعية والمعادن البارزة..........أو ثروات طبيعية في باطن الأرض كالمعادن الكامنة في باطن الأرض مثل الغاز والنفط والفحم ..........

      * العمل :أو الموارد البشرية ويشمل كافة المجهودات التي تساهم في العملية الإنتاجية سواء كانت مجهودات وأعمال بدنية أي يغلب عليها المجهود البدني مثل أعمال البناء والزراعة والنظافة .......أو أعمال ومجهودات ذهنية يغلب عليها المجهود الذهني كعمل الطبيب والأستاذ والمهندس ..........

      * رأس المال:ويشمل الأموال والأصول التي يساهم الإنسان في إنتاجها وإيجادها.وينقسم رأس المال بحسب طبيعته إلى

             - رأسمال متداول أو جاري أو دائر: وهو رأس المال الذي يستخدم لمرة واحدة في الإنتاج كالنقود والمواد الخام المستخدمة في إنتاج السلع والوقود التي تستخدمه الآلات في المصانع والسلع الوسيطية والشبه مصنعة التي تدخل في إنتاج سلع أخرى.

             - رأسمال ثابت : ويشمل الأصول الإنتاجية الثابتة التي تستخدم أكثر من مرة في العملية الإنتاجية أي رأس المال الذي يستخدم لتحويل رأس المال المتداول من شكله الخام إلى منتج منتهى التصنيع وهذا مثل الآلات والمنشآت والمصانع والمباني والوحدات الإنتاجية ...........

      * التنظيم : ويقصد به العملية التي من خلالها يتم التأليف والمزج بين عناصر الإنتاج بنسب معينة أي تنسيق العملية الإنتاجية  من أجل إنتاج سلع وخدمات أخرى مع تحمل المخاطرة في العملية الإنتاجية ، ويسمى الشخص الذي يقوم بالتنظيم المنظم . ويرى البعض أن التنظيم هو نوع متقدّم من العمل فيدخلونه ضمن العنصر الإنتاجي الثاني .

      - خصائص الأموال أو الموارد الاقتصادية : تتميز الأموال والموارد الاقتصادية بعدة خصائص من أهمها:

      أ)- أن تكون محدودة الكمية : أي نادرة نسبيا بالنسبة للحاجات التي تصلح لإشباعها بشكل مباشر أو غير مباشر وقد يكون مصدر هذه الندرة ظروفا طبيعية لا يستطيع الإنسان التحكم فيها كالخامات الموجودة في باطن الأرض.

      و قد تكون الندرة راجعة لظروف غير طبيعية كالظروف الاجتماعية مثل تحريم الدين أو منع التقاليد تناول واستعمال سلع معينة.

      ب)- أن تكون نافعة :أي قابلة لإشباع حاجات إنسانية سواء بطريق مباشر كأموال الاستهلاك أو بطريق غير مباشر كأموال الإنتاج ،فالمنفعة خاصية في المال تجعل استعماله يزيل الإحساس بالألم ويولد الإحساس باللذة .فالمنفعة إذا ليست خاصية مادية في المال ولكنها علاقة بين المال والحاجة .ويكفي لاعتبار المال نافعا أن يكون مرغوبا فيها.

      ج)- أن تكون محلا للمبادلة :أي ذات قيمة تبادلية ،بمعنى أن الذي يرغب في الحصول عليه يكون مستعدا لمنح شيء آخر في مقابله سواء من خلال تقديم الثمن مهما كان ضئيلا أو عن طريق التضحية بسلعة أو خدمة أخرى في سبيل الحصول عليه .ولهذا فإن وجود الثمن للمورد يدل على أن الحاجات التي يصلح لإشباعها كثيرة بالمقارنة بكميته وانعدام الثمن للشيء يدل على أن كميته تفوق الحاجة إليه لذا لا يكون المال الحر محلا للمبادلة.

      د)- القابلية للإحلال :حيث تقبل الأموال الاقتصادية عادة وفي حدود معينة للإحلال محل بعضها البعض إحلالا كاملا أو جزئيا،فالأموال الاقتصادية تنافس بعضها البعض إلى حد بعيد سواء بالنسبة لطلب المستهلكين حيث تتنافس وتتزاحم الأموال الاستهلاكية على دخل المستهلك وكذلك الأموال الإنتاجية قد تحل محل بعضها البعض وتتنافس فيما بينها على طلب المنتجين .

      - أنواع الأموال الاقتصادية: تعد الأموال الاقتصادية مناط اهتمام علم الاقتصاد حيث تشكل المصدر الذي تتدفق منه كافة السلع والخدمات التي يستخدمها الإنسان في إشباع حاجاته المختلفة .فالسلع هي الوسيلة المباشرة لتحقيق الإشباع. وتتنوع الأموال الاقتصادية وتنقسم إلى عدة أنواع أهمها :

      أ)-أموال الاستهلاك وأموال الإنتاج :أموال الاستهلاك هي تلك السلع والخدمات التي تشبع الحاجات الإنسانية مباشرة أي التي تعطي للإنسان منفعة مباشرة كالغذاء والشراب والملابس الجاهزة والسيارة وخدمات الأستاذ والمحامي والطبيب والمواصلات .فهي تعتبر محصلة الجهد والنشاط البشري في تعامله مع الموارد وهي الهدف النهائي من أي نشاط اقتصادي سواء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي للدولة ككل.

      أما أموال الإنتاج أو السلع الإنتاجية فهي التي لا تشبع الحاجات الإنسانية مباشرة ولكنها تستخدم في إنتاج سلع وخدمات استهلاكية أو إنتاجية وذلك مثل الأرض والآلات والمعدات والموانئ والمطارات والمواد الأولية ومحطات

      الكهرباء والمصانع وخدمات التدريب والتوجيه المهني حيث أنها تزيد من الكفاءة المهنية للعامل وبالتالي تزيد من قدرته وعطائه على إنتاج سلع أو خدمات أخرى...........فكل هذه سلع إنتاجية لأنها لا تحقق ولا تصلح لإشباع حاجات الإنسان مباشرة فهي سلع لا تطلب لذاتها وإنما تطلب لإنتاج غيرها من السلع والخدمات الأخرى إنتاجية كانت أو استهلاكية.

      غير أن هذا التقسيم أيضا يعد تقسيما نسبيا حيث لا يمكن الفصل تماما بين ما هو من السلع والخدمات الاستهلاكية والسلع  والخدمات الإنتاجية حيث أن هناك من السلع ما يعد سلعا استهلاكية أو سلعا إنتاجية وهذا بحسب طريقة استخدامها فالسكر مثلا يعتبر سلعة استهلاكية إذا ما استخدمه الإنسان مباشرة في إشباع حاجته من تناول القهوة أو الشاي بينما يعد سلعة إنتاجية إذا ما استخدمه مصنع لصناعة الحلويات.

      ولهذا التقسيم أهمية كبيرة في علم الاقتصاد عند التفرقة بين النظم الاقتصادية المختلفة فيما تعلق بحق بالملكية حيث في النظام الاشتراكي ليس للفرد حق التملك إلا للأموال والسلع الاستهلاكية دون وسائل الإنتاج بينما يقر النظام الرأسمالي للفرد بحق تملك جميع الأموال استهلاكية كانت أو إنتاجية .

      ب)- الأموال المعمرة والأموال غير المعمرة : الأموال أو السلع المعمرة هي الأموال التي لها القدرة على إشباع الحاجة الإنسانية لمرات عديدة خلال فترة ممتدة من الزمن تطول أو تقصر حسب طبيعة المال أي لا يتم استهلاكها مرة واحدة إذا كانت سلعة استهلاكية كالملابس والمنازل والأجهزة الالكترونية.........أما السلعة الإنتاجية المعمرة فهي التي تشارك في العملية الإنتاجية مرات كثيرة خلال فترة طويلة من الزمن مثل الآلات والمعدات......

      هذا وبقاء السلعة الاستهلاكية أو الإنتاجية مدة من الزمن في استهلاكها أو مساهمتها في الإنتاج متوقف على طبيعة السلعة ذاتها ،وكذا مدى المحافظة عليها في استخدامها أو صيانتها إلى غير ذلك من الظروف المحيطة بها حيث تفقد السلعة تدريجيا قدرتها على الإشباع أو قدرتها في استخدماها في العملية الإنتاجية.

      أما الأموال أو السلع غير المعمرة أي السلع الفانية فهي السلع التي تشبع حاجة الإنسان لمرة واحدة وتفنى بمجرد استخدامها ،أي تعطي منفعتها مرة واحدة بإفناء الشيء فلا يمتد استهلاكها لفترة طويلة من الزمن مثل مختلف الأطعمة والسلع الإنتاجية غير المعمرة هي السلع التي تستخدم لمرة واحدة في العملية الإنتاجية وتفنى بمجرد استخدامها وهي ما تسمى بالسلع الوسيطية مثل المواد الأولية والوقود والخامات .

      ج)- السلع والخدمات المتنافسة والسلع والخدمات المتكاملة :يقصد بالسلع والخدمات المتنافسة أو البديلة السلع والخدمات التي يمكن أن تحل محل بعضها البعض فكلا منها يصلح لإشباع نفس الحاجة مثل الشاي والبن ،الأقمشة الحريرية والأقمشة القطنية الفواكه المختلفة.........فكلها سلع متنافسة لقدرة كلا مناه الحلول محل الأخرى عند الحاجة .وكذا بالنسبة للخدمات المتنافسة كخدمات القطار و الحافلات وسيارات الأجرة كلها خدمات متنافسة أو بديلة حيث يمكن لإحداها أن تحل محل الأخرى في إشباع الحاجة الإنسانية إلى النقل.

      هذا وتكون سلعتين أو خدمتين متنافستين أو بديلتين عندما تؤدي الزيادة في استهلاك أو استخدام إحداهما إلى نقص في استهلاك الأخرى.

      بينما يقصد بالسلع والخدمات المتكاملة تلك السلع والخدمات التي يلزم استهلاكها معا في وقت واحد لإشباع نفس الحاجة .وهذا التكامل قد ينشأ من أسباب فنية موضوعية وذلك حينما يتوقف تحقق الإشباع أي حصول المنفعة إلا باستخدام المالين أو السلعتين معا كاستخدام البنزين مع السيارة واستخدام الكهرباء مع الأدوات الكهربائية .وقد يكون هذا التكامل في بعض الأحيان ناشئا عن عوامل شخصية نفسية كاستهلاك الفرد بحسب طبيعة المجتمع لمادة

      الحليب مع القهوة . وفي قطاع الخدمات تعتبر خدمة الطب وخدمة التمريض خدمتان متكاملتان يلزم توافرهما معا للحصول على إشباع الحاجة إلى العلاج.

      د)-السلع والخدمات الضرورية والسلع والخدمات الكمالية : وتتوقف هذه التفرقة على على حدة الحاجة التي يستخدم المال في إشباعها >فالأموال الضرورية هي التي تشبع الحاجات الأساسية الملحة واللازمة للمحافظة على الحياة كالحاجة إلى الغذاء واللباس.......أما الأموال الكمالية فهي التي تشبع حاجات أقل إلحاحا ،وغالبا لا يقوم الأفراد باقتنائها إلا بعد إشباعهم لجل ومعظم الحاجات الضرورية. غير أن هذه التفرقة تبقى تفرقة نسبية على نحو ما ذكرناه في الحاجات الضرورية والحاجات الكمالية.

      3- القرار الاقتصادي في مواجهة المشكلة الاقتصادية: لأن المشكلة الاقتصادية لا تطرح بالنسبة للفرد فقط وإنما تطرح بالنسبة للمجتمع ككل فإنه وفي ظل تشعب النشاط الاقتصادي وتعقد الحياة الاقتصادية التي تتطلب التعاون بمفهومه الاقتصادي الذي يقوم على تقسيم العمل وتبادل السلع والخدمات فإنه في ظل هذا لابد من وجود إدارة اقتصادية واعية لمواجهة المشكلة الاقتصادية باتخاذ القرار الصائب الذي تفرضه ندرة الموارد أمام الحاجات غير المحدودة وهذا من خلال الجواب على أسئلة ثلاث في وقت واحد وهذا بناء على النظام الاقتصادي القائم داخل المجتمع وهي :

      - ماذا ننتج ؟ ( عملية تخصيص الموارد ) :والمقصود به التعرف على رغبات وتفضيلات أفراد المجتمع وتحديدها نوعا أي ما هي السلع والخدمات المراد إنتاجها ،وكما أي ما هي كمية كل نوع منها .أي على المجتمع أن يتخذ قرارا مثلا في هل ينتج ملابس أقل وغذاء أكثر ،هل ينتج كمية أكبر من السلع الاستهلاكية كالسيارات والآلات الكهربائية.....على حساب نقاء الهواء والبيئة ،وكل هذا في ظل تنوع الحاجات الإنسانية وتجددها وتزايدها وعامل الزمن الذي يزيد من حدة المشكلة بفعل النمو السكاني مما يزيد في تعدد وتغاير حاجاتهم واختلافها من وقت لآخر.

      - كيف ننتج ؟ ( تنظيم الإنتاج ) : أي كيف تتنج السلع والخدمات التي استقر عليها قرار المجتمع عندما يحدد الحاجات الأولى بالإشباع وهذا يعني أن على المجتمع أن يتخذ قرارا آخر يحدد أنسب طرق الإنتاج بأقصى كفاءة ممكنة بحيث يتدنى وينقص حجم الضياع الاقتصادي للموارد النادرة أصلا إلى أقل قدر ممكن فمثلا إذا استقر قرار المجتمع على أن حاجة المجتمع إلى الكهرباء كبيرة وأضحت من الحاجات ذات الأولوية في الإشباع فإنه يجب عليه في نفس الوقت أن يتخذ قرارا آخر يحدد من خلاله كيفية توليد هاته الطاقة الكهربائية هل باستخدام البترول أو الفحم أم من مساقط المياه أم الطاقة الذرية أم من الطاقة الشمسية أم من طاقة الرياح ؟ هاته الطاقة تتولى إنتاجها شركات الدولة ذاتها أم شركات خاصة مملوكة للأفراد ؟.وعليه فإنه من المهم جدا لندرة الموارد الاقتصادية معرفة أيا من الطرق الفنية في الإنتاج هي التي يجب أن تستخدم لإنتاج ما يحتاجه المجتمع أي عن طريق إنتاجية كثيفة العمالة أم طريقة إنتاجية كثيفة الرأسمال أم طريقة إنتاجية كثيفة التكنولوجيا .وتحديد كل هذا أي تنظيم عملية الإنتاج يدخل في نطاق الدراسات الخاصة بنظرية الإنتاج في علم الاقتصاد.

      - لمن ننتج ؟ ( توزيع الإنتاج ) :أي لمن يتم إنتاج هذه السلع والخدمات وهذا بعد أن يتعرف المجتمع على رغباته كما ونوعا ويقوم بإنتاج السلع والخدمات المختلفة اللازمة لإشباع هذه الرغبات يتعين عليه التوصل إلى طريقة يتم بها توزيع هذا الإنتاج على مختلف الأفراد الذين ساهموا في العملية الإنتاجية أي كيف يقسم الناتج أو الدخل القومي بين مختلف الأفراد والطبقات في المجتمع .وهذا ما تتناوله بالدراسة في علم الاقتصاد نظرية التوزيع .

      ثانيا : مفهوم علم الاقتصاد وعلاقته بالعلوم الاجتماعية الأخرى.

      1-   تعريف علم الاقتصاد :

      كلمة ' اقتصاد " كلمة قديمة يرى البعض أنها تعود إلى في الأصل إلى الكلمة اليونانية ' إيكوس " تعني المنزل و "نوموس " وتعني الحكم أو القانون فكلمة الاقتصاد تعني علم مبادئ تسيير المنزل .وفي اللغة الاقتصاد من القصد بمعنى التوسط والاعتدال.

      وقد ظهرت الكتابات الاقتصادية في بدايتها مختلطة بالسياسة حيث تخلل البحث الاقتصادي إلى جانب مبادئ نمو الثروة المبادئ المتطلبة للحكم الصالح ودعم قوة السلطة لذا كان يستخدم مصطلح الاقتصاد السياسي .

      وفي عام 1776،  قدم" آدم سميث" كتابه الشهير ( ثروة الأمم ) الذي خصصه إلى كيفية تنمية وإدارة ثروة الدولة، وبذلك سمي بواضع علم الاقتصاد الحديث، لأنه منذ ذلك التاريخ أصبحت الكتابات الاقتصادية تتسم بسمتين أساسيتين تميزان العلم وهى انفصالها عن بقية الأفكار والنظريات من العلوم ذات الصلة ، وكذلك تناولها بشكل موضوعي وعلمي  ، وبذلك نشأ علم الاقتصاد كعلم مستقل.

      ولم يظهر مصطلح (علم الاقتصاد) إلا مع نشأة التحليل المجرد في النصف الثاني من القرن 19 حين أصدر " ألفريد مارشال " مؤلفه بعنوان ( مبادئ علم الاقتصاد ) سنة 1890 ليشيع فيما بعد هذا الاصطلاح.

      وقد اختلف الاقتصاديون بشأن تعريف علم الاقتصاد تعريفا اصطلاحيا شاملا وجامع لكل الموضوعات التي يعالجها مما نشأ عنه تعدد واختلاف التعريفات له وهذا مرده إلى : - اختلاف المقاصد والأهداف من مفكر لآخر  - اختلاف العوامل المؤثرة في هؤلاء المفكرين كالبيئة والثقافة والدين وغيرها مما يجعل زوايا النظر والفهم تتعدد – عامل تطور الزمن مما يعرض هذه المفاهيم إلى تطور تاريخي فيها.

      ومن بين التعريفات المختلفة لعلم الاقتصاد ما يلي :

      تعريف  "آدم سميت": إن علم الاقتصاد هو علم الثروة، أو هو العلم الذي يختص بدراسة وسائل اغتناء الأمم، مع التركيز بصفة خاصة على الأسباب المادية للرفاهية، كالإنتاج الصناعي أو الزراعي ..الخ.

      ويؤخذ على هذا التعريف أنه تعريف غير جامع؛ ذلك أن تركيزه على الأسباب المادية للرفاهية يخرج عديداً من الأنشطة الإنسانية من نطاق علم الاقتصاد كخدمات التعليم والصحة.

      تعريف "مارشال": هو ذلك العلم الذي يتعلق بدراسة تصرفات الفرد في نطاق أعمال حياته اليومية، الذي يتصل بكيفية حصوله على الدخل وكيفية استخدامه لهذا الدخل.

      يؤخذ على هذا التعريف أنه ركّز على جانب واحد في هذا الإنسان، وهو كيفية حصوله على الدخل، وكيفية استخدامه له.

      تعريف "روبين": هو العلم الذي يدرس سلوك الإنسان إزاء حاجاته المتعددة ووسائله المحدودة ذات  الاستعمالات  المتنوعة.
      يؤخذ على هذا التعريف أنه يفتقد إلى بيان الأحكام والسياسات، والإجراءات الواجبة الإتباع إزاء هذه الظواهر الاقتصادية.

      فلو ضممنا التعريفات السابقة بعضها إلى بعض يمكن من خلالها أن نقول بأن علم الاقتصاد هو: علم اجتماعي، موضوعه الإنسان ذو الإرادة، ويهدف إلى دراسة العلاقة بين الحاجات المتعددة والموارد المحدودة؛ بغرض تحقيق أكبر قدر ممكن من إشباع الحاجات عن طريق الاستخدام الكفء للموارد المتاحة، مع العمل على إنمائها بأقصى طاقة ممكنة.

      كما يمكن تعريف الاقتصاد بأنه العلم الذي يبحث في كيفية إدارة واستغلال الموارد الاقتصادية النادرة لإنتاج أمثل ما يمكن إنتاجه من السلع والخدمات لإشباع الحاجات الإنسانية من متطلباتها المادية التي تتسم بالوفرة والتنوع في ظل إطار معين من القيم والتقاليد والتطلعات الحضارية للمجتمع، كما يبحث في الطريقة التي يوزع بها هذا الناتج الاقتصادي بين المشتركين في العملية الإنتاجية بصورة مباشرة وغير المشتركين بصورة غير مباشرة في ظل الإطار الحضاري نفسه.

      وخلاصة لما سبق، وبشكل بسيط يمكن تعريف علم الاقتصاد بأنه دراسة كيفية تخصيص أو توجيه الموارد النادرة، لإنتاج سلع وخدمات مختلفة لتحقيق أقصى إشباع لرغبات المجتمع المتعددة فهو"علم تسيير الموارد النادرة" لأنَه يشرح ويحلل الطرق التي يوجه بها الفرد أو المجتمع وسائل محدودة لإشباع حاجات متعددة ولا نهائية.

      2- موضوعات علم الاقتصاد :   

      من خلال التعريفات المختلفة لعلم الاقتصاد يدور موضوع علم الاقتصاد حول دراسة وتفسير السلوك الإنساني عند محاولة استخدام الموارد النادرة لإشباع حاجاته المتعددة والمتنافسة بأفضل طريقة ممكنة أي النشاط الاقتصادي الخاص بإنتاج وتوزيع المنتجات والخدمات اللازمة لمعيشة أفراد المجتمع .هذا النشاط الاقتصادي يتجلى من خلال العلاقة  المزدوجة بين :

      * الإنسان والطبيعة : أي مع الموارد الطبيعية هاته الأخيرة ولخضوعها لقوانين طبيعية تسيرها جعلت الإنسان يطور وسائل حصوله على ما يحتاجه منها فتوصل إلى إنتاج أدوات تحقق له ذلك تعرف في علم الاقتصاد بأدوات العمل والتي ماانفكت تتطور وتتنوع مع تطور النشاط الإنتاجي للإنسان ذلك أن الإنسان في سعيه لإشباع حاجاته من الطبيعة يصطدم بقوى طبيعية يعمل دائما عل إخضاعها لسيطرته باستخدام أدوات أكثر تطورا ،وبالتالي فعلاقة الإنسان بالموارد الطبيعية علاقة متحركة متغيرة دائما تظهر من هلال التطور التكنولوجي.

      * الإنسان والإنسان : إضافة إلى التعامل مع الطبيعة والذي يشكل البعد المادي للنشاط الاقتصادي فالإنسان يتعامل مع غيره من أفراد المجتمع - وهذا ما يشكل البعد الاجتماعي للنشاط الاقتصادي- لأنه عاجز على إنتاج كل ما يحتاجه بنفسه أي أن عملية الإنتاج بطبيعتها عملية اجتماعية حيث يتلاقى سلوك الفرد الاقتصادي مع سلوك الآخرين إنتاجا وتوزيعا وتنمية وهذا ما يصطلح عليه في علم الاقتصاد بروابط الإنتاج.

      وعليه فموضوع علم الاقتصاد يتمثل في المعرفة المتعلقة بمجموع الظواهر الاقتصادية للفرد الناشئة عن  نشاطه الاقتصادي  من خلال علاقته مع الطبيعة والإنسان هاته العلاقة التي أفرزت جملة من الظواهر تشكل أهم موضوعات علم الاقتصاد والمتمثلة فيما يلي :

      1-  الإنتاج : أي عملية التحويل المستمر لموارد الطبيعة المادية التي لا تؤدي إلى الإشباع المباشر والتي تحول بفعل العمل الإنساني إلى سلع وخدمات قابلة للإشباع المباشر وذلك بتحديد نوع الموارد المستعملة في الإنتاج والطريقة الفنية أو الأسلوب التكنولوجي الذي سيتم به الإنتاج.

      2-  الاستهلاك : يقصد به كمية السلع والخدمات التي تستخدم لإشباع الحاجات الجارية. أي عملية إشباع الحاجات الإنسانية سواء عن طريق الاستهلاك الفردي أو الجماعي والدوافع والعوامل وراء هذا السلوك سواء للفرد أو للجماعة المؤدية لزيادته وارتفاع معدلاته.

      3-  التوزيع : أي علاقات الإنسان مع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه والذين يشتركون معه في عملية الإنتاج مما يرتب ويخلق تقسيم العمل بينهم وتوزيع الناتج الاجتماعي أو الدخل القومي على كل عناصر المجتمع المشاركة في إنتاجه والتي لم تشارك. 

      4-  إعادة الإنتاج : أي استخدام الفائض الاقتصادي لتحقيق استمرارية الإنتاج وهذا من أهم الأنشطة التي يتناولها علم الاقتصاد .

      5-  التنظيم :لأن العملية الاقتصادية في مجموعها سواء تعلقت بالإنتاج أو التوزيع هي عملية تنظيم أي تنظيم الإنتاج وتنظيم التوزيع بأن يتم في هذه المرحلة تحديد وحصر الموارد من جهة وتحديد وحصر الاحتياجات الإنسانية من جهة أخرى وتحديد أثمانها وكيفية تداولها ومبادلتها وكذا كيفية استغلال عناصر الإنتاج وتوزيعها عل مختلف الأنشطة الإنتاجية أي تخصيص الموارد النادرة بين الاستخدامات البديلة .

      إضافة إلى هذه المواضيع الأساسية في علم الاقتصاد  يدرس عل الاقتصاد  مشكلات ناشئة عن محاولة إشباع الحاجات الإنسانية المتعددة باستخدام الموارد الاقتصادية المحدودة منها الادخار والاستثمار ومشكل الثمن .......

      3- أقسام علم الاقتصاد  :

      ينقسم علم الاقتصاد بحسب الموضوع الذي يتناوله بالدراسة والتحليل إلى قسمين :

      1-    الاقتصاد الجزئي micro économique  : وهو الذي يهتم من خلال دراسة الاقتصاد وتحليل الظواهر الاقتصادية على مستوى الفرد أي يختص بدراسة القرارات الاقتصادية المتخذة من قبل الوحدات الاقتصادية الفردية أي الأفراد والعائلات والمؤسسات وآلية اتخاذها مثل كيفية استخدام الفرد لراتبه وكيفية توزيعه على متطلبات الحياة ،مستوى ادخار الفرد ،مستوى استثماراته ،دراسة هيكل التكاليف الاقتصادية لمؤسسة معينة ،مؤثرات الطلب على سلعة، نظرية الثمن  ......ويمثل الاقتصاد الجزئي أو التحليل الاقتصادي الجزئي حجر الأساس الذي تبنى عليه الدراسات الاقتصادية بأكملها.

      2-    الاقتصاد الكلي macro économique : وهو الذي يهتم بدراسة اقتصاد الدولة بشكل كلي أي دراسة وتحليل الظواهر الاقتصادية الكلية  أي الاقتصاد بشكل عام مثل إجمالي الإنفاق الكلي للمجتمع ،الاستهلاك الكلي ،الإنتاج الكلي ،إجمالي الاستثمارات ،إجمالي الادخار ،مستوى الأسعار، البطالة ، التضخم .......أي أن الاقتصاد الكلي أو التحليل الاقتصادي الكلي أو التحليل الاقتصادي يهتم بالمجاميع الكلية للوحدات الاقتصادية الجزئية.

      هذا وإن اختلف التحليلان عن بعضهما من حيث النشاط المدروس لكل تحليل فإن موضوعهما في النهاية واحد وهو الظواهر الاقتصادية .كذلك فإنه لا يوجد انفصال تام بينهما مادام أن الأقسام أو الكميات الكلية ما هي إلا مجموع الوحدات الفردية مأخوذة بشكل كلي.

      4-  علاقة علم الاقتصاد بالعلوم الاجتماعية الأخرى :

      يعد علم الاقتصاد كما رأينا علما اجتماعيا يتناول بالدراسة سلوك الإنسان ونشاطه الاقتصادي وهو في جماعة لذا يرتبط بكثير من العلوم الاجتماعية الأخرى والتي موضوعها السلوك الإنساني في المجتمع كل علم بحسب وجه دراسته لهذا السلوك.

      أ) – علاقة الاقتصاد بالقانون : يعرف القانون بأنه مجموعة القواعد التي تحكم علاقات الأفراد بعضهم ببعض أو بين الأفراد والسلطات العامة أو بين السلطات العامة داخل الدولة الواحدة أو بين الدول المختلفة وكل ذلك عن طريق تشريع النصوص القانونية .ولما كانت العلاقات الاقتصادية أحد هاته العلاقات فعلى المشرع أن يراعي وقائع الحياة الاقتصادية وإلا جاءت القاعدة القانونية مفرغة من مضمونها وبالتالي من شأن النصوص القانونية أن تأثر على الحياة الاقتصادية .فمثلا فرض ضريبة على سلعة ما من شأنه أن يؤدي إلى رفع ثمنها مما ينعكس على تحديد اختيارات الأفراد لدى الأفراد إلى جانب هذا فإن التنظيم القانوني يعد عنصرا من عناصر المكونة للنظام الاقتصادي فإذا كان النظام الاقتصادي الرأسمالي مثلا يقوم على الملكية الخاصة فمن الضروري وضع التنظيم القانوني الكفيل بحماية هذه الملكية واحترام الحرية الفردية لحرية التعاقد.

      ب)- علاقة الاقتصاد بعلم السياسة :يتناول علم السياسة عموما ما يتعلق بالأفكار السياسية وبطبيعة السلطة ومبادئ الحكم وبالمؤسسات السياسية دولا وحكومات وأحزاب وغيرها وبالعمليات السياسية أي تفاعلات السلطة السياسية داخليا وخارجيا ،وهو علم له ارتباط كبير بعلم الاقتصاد لمدة طويلة فقد ظل علم الاقتصاد لمدة طويلة من الزمن يعرف باسم الاقتصاد السياسي ذلك أن الاعتبارات السياسية لها أثر كبير في الحياة الاقتصادية ومثال ذلك أن إعلان الحرب في أساسه قرار سياسي إلا أنه له أثر كبير على الحياة الاقتصادية .وكذلك فإن للأوضاع الاقتصادية الأثر الكبير على الأوضاع  السياسية حيث كثيرا ما كانت الأوضاع الاقتصادية سببا يؤدي إلى تغير نظام الحكم السياسي السائد بشتى الوسائل.

      ج)- الاقتصاد وعلم الأخلاق :على الرغم من اعتبار علم الاقتصاد علما وضعيا لا يهتم بتفسير السلوك الإنساني إلا من خلال المظهر الخارجي لهذا السلوك – أي النشاط الاقتصادي – دون الاهتمام بدوافع السلوك الاقتصادي للفرد ومدى اتفاقها مع مبادئ الأخلاق العامة ،بالرغم من هذا فإن للأخلاق والقيم أثرها الكبير على البحث والتحليل الاقتصادي إذ مما لا شك فيه أن الاعتبارات الأخلاقية لها أثرها الواضح على الأوضاع الاقتصادية بأن هذه القيم تعد جزءا لا ينفصل عن عملية البحث والتحليل الاقتصادي خاصة حينما يتعلق البحث بوضع قانون أو اتخاذ سياسة اقتصادية لمواجهة ظاهرة في المستقبل وهذا لأن القيم الأخلاقية والعقائدية تشكل بعدا أساسيا ومحوريا في السلوك الإنساني لأن الإنسان يتأثر سلوكه عموما والاقتصادي خصوصا بالمكنون الأخلاقي و العقائدي لديه وإلا صار سلوكا عشوائيا لا يصلح أن يكون موضع دراسة وتفسير لبناء نظرية اقتصادية فالإنسان في سعيه لإشباع حاجاته ورغباته كثيرا وغالبا ما يتقيد بقيود يفرضها عليه وازعه الأخلاقي والديني وفي هذا يقول الاقتصادي " جونار ميردال " في كتابه ( العنصر الأساسي في النظرية الاقتصادية ) : (( تتخلل كتابي هذا فكرة تدَّعي أننا إذا تخلصنا كلية من العناصر القيَميَة فإنه سيتوافر لدينا بعد ذلك كيان صحيح من النظرية الاقتصادية الوضعية تلك النظرية التي تتمتع باستقلال تام عن كل القيم ...........لكن هذا الاعتقاد الضمني المستتر الذي يدعي بأن هناك معرفة علمية يمكن استخلاصها بصورة مستقلة عن القيم والاعتبارات هذا الاعتقاد كما أراه مفرط في السذاجة )).


    • رابعا: تطور الفكر الاقتصادي و الأنظمة الاقتصادية

      1-   النظام الاقتصادي الرأسمالي

      يستخدم تعبير الرأسمالية للدلالة على مرحلة تاريخية معينة وهي تلك التي تلت النظام الإقطاعي ابتداء من القرن 16 حيث بدأت أوروبا تظهر كقوة اقتصادية أولى في العالم حيث سيطرت على مراكز الإنتاج والتسويق والمواد الأولية والاكتشافات العلمية ويرجع هذا لعدة عوامل أهمها :

      - اتساع النشاط الاقتصادي والسوق بظهور أنشطة اقتصادية جديدة فاقت النشاط الزراعي مثل التجارة والصناعة والملاحة والنقل. 

      - تكون المدن التجارية  التي أدت إلى نزوح الفلاحين وهروبهم من الإقطاعيات إليها للبحث عن فرص العمل مما عزز ظهور أنشطة حديثة جراء زيادة عروض العمل في التجارة والصناعة إضافة إلى هذا تحرر هذه المدن من سلطات أسياد الإقطاع حيث شكلت هذه المدن بعد تزايد نموها وحدات سياسية واقتصادية مستقلة وكان ذلك سببا في انهيار النظام الإقطاعي.

      - توافر أدوات التمويل والنقود جراء توسع النشاط الاقتصادي حيث ساهم اكتشاف القارة الأمريكية في تدفق الذهب والفضة على أوروبا وكذا اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح إلى تنشيط التجارة مع العالم الخارجي إضافة إلى اتصال أوروبا بالشرق الإسلامي جراء الحروب الصليبية مما أدى إلى نمو الاقتصاد النقدي على حساب الاقتصاد الطبيعي سمة النظام الإقطاعي الأمر الذي أدى إلى تنامي دور النقود في الحياة الاقتصادية مما ساعد على نمو حجم المعاملات النقدية وازدياد حجم السوق.

      - التخلص من قيود الكنيسة وخاصة ما تعلق بفكرة الثمن العادل وتحرير سعر الفائدة مما أدى إلى نمو الروح التجارية و الفردية والتي تجعل الحصول على أكبر ربح ممكن هدف أي نشاط اقتصادي .

      إلى جانب هذا فقد ظهرت الدولة بمعناها الحديث بعد القضاء على سلطات أمراء الإقطاع  حيث ظهرت كجماعة تقوم على أساس قومي وتخضع لسلطة مركزية واحدة يرأسها حاكم هو الملك وتشعر بمصالحها المستقلة عن مصالح بقية الدول وهذا بعد تعاون التجار مع الملوك في القضاء على أسياد الإقطاع وهذا بعد موت الكثير منهم في الحروب الصليبية وفقر أغلب الباقين جراء انحسار دور النشاط الزراعي.

      فهذه كانت معالم النظام الرأسمالي والذي ظهر بصورة الرأسمالية التجارية والذي تطور في القرون اللاحقة تطورا كبيرا من الرأسمالية التجارية إلى الرأسمالية الصناعية مع الثورة الصناعية حيث سيطر رأس المال الصناعي على النشاط الاقتصادي .

      -         المذاهب الاقتصادية الرأسمالية :

      عرف تاريخ الفكر الاقتصادي بعد تلاشي النظام الاقتصادي الإقطاعي مذاهب ومدارس اقتصادية أرست الأسس الاقتصادية للنظام الرأسمالي عند نشأته وأثناء تطوره وساهمت بشكل كبير في نشأة وتميز علم الاقتصاد عن باقي العلوم الأخرى بطرق تحليليه وأبحاثه .وتمثلت هذه المذاهب الفكرية والمدارس فيما يلي :

       

      1-    مذهب التجاريين ( الرأسمالية التجارية ) MERCHANTILISM :

      ظهر تيار الفكر التجاري منذ بداية القرن 15 واستمر سائدا من الناحية الفكرية ومن ناحية توجيهه للسياسة الاقتصادية في أوروبا حتى منتصف القرن 18.ويتمحور فكر المركانتالية في الإجابة عن التساؤلات حول ما هو مصدر الثروة؟ وما هي الوسائل العملية لإناء الأمة والأمير الذي يجسمها؟ وما هو دور الدولة في تحقيق الثروة ؟ وما الوسائل الكفيلة لضمان قوة الدولة؟ وما هي السياسات المالية والاقتصادية التي يجب أن تنتهجها للبحث عن مصادر الثروة والمحافظة عليها؟

      وظهر  الفكر التجاري في شكل مقالات وكتيبات ألفها تجار وسياسيون بهدف الحصول على امتيازات من حكوماتهم حيث دعوا إلى تدخل الدولة لحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية وتشجيعها للتجارة والتي تعد النشاط الرئيسي بينما الصناعة وباقي الأنشطة الاقتصادية الأخرى تعتبر تابعة للتجارة وفي خدمتها.

      ويمكن تلخيص أهم أفكار المذهب التجاري التي تشكل فلسفتهم العامة فيما يلي :

      * يجب أن تكون الدولة قوية ويجب أن تكون غاية النظام الاقتصادي  تحقيق هذه القوة لذا سميت نظريتهم بنظرية الاقتصاد للقوة.

      * الثروة هي أهم ما يحقق قوة الدولة ويعتبر الذهب والفضة وبقية المعادن النفيسة أهم أنواعها وأشكالها فمقياس ثروة الفرد يجب أن تقاس بما يحوزه من ذهب وفضة وما يصدق على الفرد يصدق على الدولة فلكي تكون الدولة قوية يجب أن تعمل وتوجه النشاط الاقتصادي للحصول على أكبر كمية من المعادن النفيسة عن طريق تشجيع الصادرات والإقلال من الواردات ، لهذا يرى التجاريون ضرورة تدخل الدولة لتحقيق هذه الغاية عن طريق التجارة الخارجية الأمر الذي جعل من التجارة في الفكر التجاري هي محور ومركز النشاط الاقتصادي .

      * يعتبر التجاريون أن الثروة الكلية في العالم ثابتة الحجم مما يعني أن اكتساب أي دولة لهذه الثروة يكون عن طريق ما تفقده دولة أخرى منها لذا نادى التجاريون في كل بلد بأن يسعى بلدهم للحصول على الذهب والفضة من البلاد الأخرى الأمر الذي أدى إلى تسابق الدول الكبرى كفرنسا وبريطانيا ...إلى الاستيلاء على المستعمرات لجلب هذين المعدنين.

      * في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية يرى التجاريون أنه يجب على الدولة أن تصدر أكثر مما تستورد أي يجب أن تبيع سلع وخدمات إلى الخارج أكثر مما تشتري وهذا لزيادة دخول عنصر الذهب والفضة وذلك عن طريق عن الصناعات الوطنية من الضرائب ومنحها إعانات كي تستطيع منافسة الصناعات الأجنبية في الخارج وبزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من السلع المصنوعة وخفضها على واردات المواد الأولية التي تحتاجها الصناعات المحلية ولتحقيق هذا التوسع في التصدير وتقليل المنافسة من الخارج لا بد أيضا من الاستيلاء على المستعمرات لتصدير منتجاتها إليها دون منافسة من الدول الأخرى.

      * في سبيل رفع معدل حصول الدولة من الذهب والفضة ظهرت هناك ثلاث سياسات مختلفة في كل من اسبانيا وفرنسا وبريطانيا على النحو التالي :

      ·   التجاريون الإسبان ( أنصار السياسة المعدنية ) :تتلخص سياستهم في منع تصدير المعادن النفيسة إلى الخارج واشتراط استيفاء ثمن البضائع المصدرة بالمعادن الثمينة وبهذه السياسة بلغت اسبانيا في القرن 16 عصرها  الذهبي حيث تكاثرت كمية الذهب والفضة الواردة عليها من مستعمراتها الأمريكية وتأسست صناعتها  الضخمة وانتعشت أسواقها.

      ·   التجاريون الفرنسيون ( أنصار سياسة التصنيع ) : وتقوم هذه السياسة على أن فرنسا في سبيل الحصول على الذهب والفضة من الخارج يجب أن تتجه لزيادة الصادرات على الواردات ،على أن تكون الصادرات من المنتجات الصناعية وليست من المحاصيل الزراعية ذلك أن الصناعة لا تخضع لتقلب العوامل الطبيعية الغير منتظمة مثل الزراعة ولتحقيق هذا قامت الدولة بفرض رسوم جمركية عالية على السلع الخارجية .

      ·   التجار الإنجليز ( أنصار التبادل التجاري ) : وتقوم هذه السياسة في الحصول على المعادن النفيسة من الخارج عن طريق التجارة بين البلدان المختلفة وقد ساعد انجلترا على هذه السياسة الاقتصادية أسطولها التجاري الضخم الذي تميزت به على الدول الأخرى ،ولكي تشجع الدولة التجارة الإنجليزية فرضت قوانين  تحمي بها تجارتها مثل قانون الملاحة الذي أصدره " كرومويل " سنة 1651  والذي استلزم أن تكون السفن القائمة بالتجارة بين انجلترا ومستعمراتها مملوكة لأشخاص إنجليز وأن يكون 4/3 البحارة من الإنجليز وأن لا تنقل البضائع الواردة من الخارج إلى انجلترا إلا بسفن إنجليزية أو تابعة للبلاد المنتجة لتلك البضائع.

      * حاول التجاريون تفسير ارتفاع الأسعار في عهدهم في كافة الدول الأوروبية بالكشف عن السبب الحقيقي لهذا الارتفاع حيث أعطيت تفسيرات عديدة أهمها ما قال به " جان بودان " 1568 والذي أرجع سبب ارتفاع الأسعار لزيادة كمية النقود التي دخلت أوروبا على إثر زيادة دخول الذهب والفضة إليها حيث أن زيادة النقود أدت إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية والعكس صحيح أي أن تغيرات مستوى الأسعار متوقف على تغيرات كمية النقود وبهذا يكون بودان قد أسس لنظرية عرفت باسم النظرية الكمية في النقود .

      - ملاحظة : وإن دعا التجاريون الدولة لأن تتدخل لحماية النشاط الاقتصادي من المنافسة الخارجية في كل دولة و أن تكون على جانب كبير من القوة إلا أن اقتصادهم فردي يعترف بالملكية الفردية ويجعلونها أساسا للنشاط الاقتصادي وما تدخل الدولة إلا من جهة التنظيم .

      2-  المذهب الحــر : أدى إسراف وتمادي الحكومات في تطبيق مبادئ التجاريين وكثرة التدخل في الشؤون الاقتصادية إلى شل الحياة الاقتصادية مما أدى إلى ظهور فلسفة المذهب الفردي أو المذهب الحر .وقد انتشر هذا المذهب في القرن 18 على إثر ظهور الطبيعيين في فرنسا والتقليديين أو الكلاسيك في انجلترا.

       

      1- مدرسة الطبيعيين ( الفيزيوقراط )LES PHYSICORAYES :

       تنسب إلى مجموعة من المفكرين بفرنسا في القرن 18 يتزعمها الطبيب " فرنسوا كيناي " ( 1694-1774 ) وأطلق لفظ الطبيعيين على مؤسسي المذهب الفردي بفرنسا لاعتقادهم بفكرة القانون الطبيعي والتي مفادها أن الظواهر الطبيعية تخضع لنظام طبيعي وقوانين طبيعية ثابتة ومطلقة وأبدية لخدمة سعادة البشرية لذا يجب ترك هذه القوانين تقوم بوظائفها تلقائيا دون معوق أو معطل لنشاطها لذلك نادوا بوجوب ترك الحرية للأفراد بما يحقق مصلحتهم الخاصة والتي هي في نفس الوقت مصلحة الجماعة وبناءا عليه تقوم الحياة الاقتصادية في نظرهم على مبدأين طبيعيين هما:

       مبدأ المنفعة الشخصية التي تشكل الحافز الذي يحث الناس على النشاط الاقتصادي باعتبار أن كل شخص يهتدي في كل أنشطته الاقتصادية بما يحقق منفعته الذاتية، فهي القوة التي تدفعه لمباشرة هذا النشاط.

      ومبدأ المنافسة حيث يدخل كل فرد في منافسة مع بقية أفراد مجتمعه وهذا لسعيهم جميعا لتحقيق منافعهم الشخصية .

      كما نادوا بحرية التبادل في داخل البلاد وخارجها وعبروا عن هذا بشعارهم المشهور أتركه يعمل أتركه يمر    LAISSER   FAIRE,LAISSER PASSER أي دع الأفراد يعملون ودع السلع تنتقل بين البلاد دون أي تدخل من الدولة.

      وبناءا على هذه الحرية السياسية والاقتصادية للطبيعيين فقد نادوا بعدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية وترك النشاط الاقتصادي حرا حيث ينحصر دور الدولة في نظرهم في حماية النظام الطبيعي من الاعتداء عليه وذلك بقيامها بصيانة الأمن في الداخل وإقامة العدالة بين الناس والدفاع والاهتمام بالتعليم باعتبار أن المتعلمين يحترمون من أنفسهم النظام الطبيعي أكثر من غيرهم.

      * فكرة الناتج الصافي :يرى الطبيعيون أن ثروة الأمم إنما تكون بما تقوم به من إنتاج والذي عرفوه بأنه كل عمل يخلق ناتجا صافيا جديدا بأن يضيف مقدارا أكثر مما بذل في العملية الإنتاجية وبناءا على هذه الفكرة فإن النشاط الزراعي

       هو النشاط الوحيد المنتج وذلك أن المحصول الزراعي يكون أكبر مما تم استهلاكه من البذور المستخدمة وبالتالي فالزراعة هي المصدر الوحيد للثروة أي التي تنتج ناتجا صافيا بعكس الأنشطة الأخرى من تجارة وصناعة والتي بالرغم من كونها نافعة إلا أنها تعتبر عقيمة غير منتجة لاقتصارها على مهمة تحويل السلع من شكل لآخر أو نقلها أو توزيعها لذا يرى الطبيعيون أن من واجب الدولة أن تقوم بحماية الملكية الزراعية بصفة خاصة والتي هي أساس النظام الطبيعي وكذلك إقامة المشروعات العامة كشق قنوات السقي وإقامة الجسور وتعبيد الطرق لتمكين الأفراد من حسن استغلال الملكية الزراعية .

      * فكرة توزيع الثروة : بناءا على فكرة الناتج الصافي الذي يحققه النشاط الزراعي يطرح التساؤل كيف يتم تداول وتوزيع الناتج الصافي بين طبقات المجتمع المختلفة في الدولة ؟

      حاول فرانسوا كيناي الإجابة عن هذا التساؤل من خلال ما سماه بالجدول الاقتصادي حيث انطلاقا من مهنته كطبيب فقد شبه تداول المنتجات والثروة في الجسد الاقتصادي في الدولة بتداول دوران الدم وفق ما يلي :

      الناتج الصافي الذي يحصل عليه المزارعون يدفع جزء منه لملاك الأراضي الزراعية مقابل استخدامهم لأراضيهم ويحتفظون بالباقي .

      ملاك الأراضي ما يحصلون عليه من المزارعين من نقود يدفع بعضه للمزارعين للحصول على ما يلزمهم من منتجات زراعية ويدفع بعضه للتجار والصناع للحصول على ما يلزمهم من منتجاتهم .

      التجار والصناع يتلقون بعضا من دخول المزارعين في مقابل حصولهم على ما يلزمهم وما يحتاجونه من التجار والصناع. وما يحصل عليه هؤلاء التجار والصناع من ملاك الأراضي والمزارعين من دخل نقدي ينفقونه لدى المزارعين للحصول على ما يلزمهم من المنتجات الغذائية والمواد الأولية اللازمة لنشاطهم الاقتصادي.

      وبالتالي يلاحظ من خلال هذه الدورة الاقتصادية في تحليل كيناي أن كل الدخل يؤول في النهاية بعد أن يدور في الجسد الاقتصادي لطبقة المزارعين حيث أن المنتجات والدخول تمر بدورة تبدأ من طبقة المزارعين وتنتهي بهم ،مما يبين أهمية الزراعة في النشاط الاقتصادي باعتبارها النشاط الوحيد المنتج عند الطبيعيين .

      * نظام الضريبة الواحدة : بناءا على اعتبار الزراعة النشاط الإنتاجي الوحيد فقد نادوا بنظام الضريبة الواحدة بأن يقتصر فرض الضريبة على الإنتاج الصافي لدى المزارعين إذ لو فرضت الضريبة على الصناع والتجار فإن هذا سينعكس على ثمن المنتجات التي سيبيعونها للمزارعين وكذا لو فرضت ضريبة على ملاك الأراضي الزراعية فعبئها سينتقل أيضا إلى المزارعين برفع ثمن استخدام الأرض مما ينتج عنه أن المزارعين في النهاية هم الذين يتحملون عبء الضريبة . فتوفيرا إذا لجهد الدولة وإعمالا للمنطق يجب الاقتصار منذ البداية على فرض ضريبة وحيدة على الطبقة المنتجة وهي طبقة المزارعين وحدها.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  

      2 – المدرسة الكلاسيكية( التقليديين )  :

      ظهرت المدرسة الكلاسيكية كصورة جديدة للمذهب الحر في انجلترا متحاشية الانتقادات الموجهة للمدرسة الطبيعية .وقد ظهرت المدرسة الكلاسيكية في خضم تطورات كبيرة شهدتها أوروبا سواء من الناحية الفكرية ومن الناحية السياسية والاقتصادية مع مطلع القرن 18.

       أ) - التطور الفكري :

      * من الناحية الفكرية عرفت فكرة القانون الطبيعي تناميا كبيرا وانتشارا واسعا ،ومفاد هذه الفكرة أن هناك قوانين علمية عامة تحكم العالم كله ومن ثم تخضع لها جميع الموجودات والظواهر الاقتصادية والاجتماعية في كل زمان ومكان وتنحصر مهمة العالم الاقتصادي أو الاجتماعي في الكشف عن هذه القوانين وذلك عن طريق العقل .إضافة إلى هذا يتجه التيار الفكري العام في هذه الفترة إلى الاهتمام بالفرد وتحريره من سيطرة كل المعتقدات والأفكار المفروضة عليه من خارج ذاته سواء من أفكار الكنيسة أو من تعاليم الفلاسفة القدماء كأرسطو وأفلاطون وظهر هذا الاتجاه الذي يكرس النزعة الفردية بصورة واضحة عند "ديكارت" ( 1596-1650 )والذي قرر(( أنا أفكر ،فأنا إذن موجود )) والذي جعل بهذه المقولة أساس المعرفة عند كل فرد هو ذاته وحدها ووجوده الخاص.

      * ومن الناحية السياسية فقد بدأت تتبلور وتظهر فلسفة جديدة في بناء الدولة وأساس قيامها من خلال فكرة ( العقد الاجتماعي ) الذي قال بها " جون لوك "( 1632- 1704 ) والذي هاجم بها فكرة الحق المطلق للملوك حيث أرجع أساس بناء السلطة والدولة إلى اتفاق أو عقد اجتماعي بين الأفراد تنازلوا بموجبه عن بعض حريتهم لتقوم الدولة وتكون لها سلطة عليهم .فأساس السلطة ومصدرها بموجب فكرة العقد الاجتماعي هو الفرد باعتبار أن المجتمع يتكون من مجموع الأفراد. وبهذه الفكرة هدمت فكرة الحق الإلاهي للملوك في الحكم المطلق وبالتالي إهدار أي حق للكنيسة في فرض الهيمنة الدينية والمدنية.

      * وفي نطاق الفكر الأخلاقي ظهرت الفلسفة النفعية في انجلترا التي يتزعمها " جيريمي بنثام " ( 1748- 1832 ) والتي تقوم على أساس أن الفرد هو أفضل من يرعى مصلحته الذاتية ويحقق منفعته الشخصية حيث يسعى دائما لتحقيق أكبر قسط من اللذة بأقل قدر ممكن من الألم ، ومن خلال سعي الفرد لتحقيق مصلحة وسعادة نفسه تتحقق المصلحة والسعادة الجماعية لأن هذه الأخيرة ما هي إلا مجموع السعادات الفردية.

      ب) – التطور الاقتصادي :

      تعتبر الثورة الصناعية أهم حدث وصورة للتطور الاقتصادي الحاصل في أوروبا في هذه الفترة والتي تجلت في صورة الاختراعات والابتكارات المتلاحقة في منتصف القرن 18 والتي أدت إلى تغيير الفن الإنتاجي من خلال إحلال الآلات الحديثة محل الأدوات اليدوية البسيطة بدأ بالآلات اليدوية التي يديرها العامل بقوة ذراعه  إلى الآلات المدارة بالقوة المحركة والتي غزت مختلف الفروع الإنتاجية كالصناعات النسيجية واستخراج الحديد والفحم ،الأمر الذي أدى إلى استقطاب رؤوس الأموال وانجذابها نحو المشاريع الصناعية ذات التقنية الحديثة في ذلك الوقت ومن هنا سميت هذه المرحلة باسم ( الرأسمالية الصناعية ) تمييزا لها عن الرأسمالية التجارية وهذا نظرا لضخامة رؤوس الأموال التي أصبحت توظف في الصناعة .وبذلك أصبحت الصناعة هي النشاط الحاكم في الاقتصاد الأوروبي حيث أصبحت التجارة في خدمة الصناعة من خلال البحث عن الأسواق سواء في الداخل أو الخارج لتصريف الكميات الكبيرة المنتجة من السلع الصناعية وبهذا أيضا أصبح رجل الصناعة هو الشخص الرئيسي من الناحية الاجتماعية بدل التاجر.

      إضافة إلى هذا ومن الناحية الاجتماعية فقد ارتبطت بظهور الرأسمالية الصناعية طبقة العمال الصناعيين الذين يعيشون على بيع قوتهم العاملة كسلع لأصحاب رؤوس الأموال والمشروعات نظير أجور يتقاضونها ،الأمر الذي قسم المجتمع

      إلى طبقتين طبقة المنتجين الصناعيين الذين يملكون رؤوس الأموال وطبقة العمال الصناعيين الذين يملكون قوتهم العاملة مما أدى إلى ظهور مشكلة جديدة هي مشكلة البطالة الفنية جراء استخدام الآلات التي مكنت من زيادة الإنتاج مع تقليل عدد العمال غير أنها بطالة عابرة حيث لا يلبث العمال أن يجدوا لأنفسهم وظائف في صناعات حديثة تنشأ بوتيرة متسارعة .غير أن هناك بطالة من نوع آخر وهي البطالة الناجمة على التقلبات الاقتصادية أي البطالة الناتجة عن كساد المنتجات وعدم القدرة على تصريفها في الداخل أو الخارج الأمر الذي يضطر المنتجين إلى توقيف مؤقت لنشاطهم وتسريح للعمال .وهكذا أصبح العمال مهددين دائما لخطر البطالة.

      الفكر الاقتصادي الكلاسيكي : في خضم هذه التطورات المختلفة ظهرت المدرسة الكلاسيكية في انجلترا والتي تعد أهم مدرسة في تاريخ الفكر الاقتصادي في ذلك الحين والتي وضع أكثر أسسها " آدم سميث " ( 1723- 1790 ) وتطورت أفكارها وقويت على يد "دافيد ريكاردوا" ( 1772-1823) إلى جانب " مالتس " ( 1766-1834) الذي أخذت عنه نظريته في السكان .وفي فرنسا فقد روج للفكر الكلاسيكي " جان باتست ساي"(1768-1812) وسيطر فكر المدرسة الكلاسيكية على تعليم الاقتصاد في الجامعات الأوروبية خاصة في فرنسا وانجلترا .

      ويمكن تلخيص أهم الأفكار الاقتصادية للمدرسة الكلاسيكية - رغم تعدد مفكريها وكتابها واختلافهم في الكثير من الجزئيات- فيما يلي :

      ·   اعتقد الكلاسيك أن هناك قوانين طبيعية خالدة تتحكم في تسيير أمور الطبيعة والكون والمجتمع وقد أخذ الكلاسيك هذه الفكرة من مدرسة الطبيعيين. هذه القوانين ثابتة ومطلقة لا يستطيع الأفراد أو الدولة تغييرها أو الخروج عن منطق الخضوع والإذعان لها هذه القوانين تحث مفعولها في النشاط الاقتصادي بصورة مستقلة عن وعي الناس و إرادتهم .ولما كانت هذه القوانين خالدة لا تتغير في نظر التقليديين فإن الظواهر الاقتصادية تكوّن نظاما اقتصاديا أبديا عندهم.

      كما آمن الكلاسيك بفكرة الحرية الاقتصادية بوصفها دعامة أساسية للنشاط الاقتصادي وإطارا ضروريا لتحقيق التقدم الاقتصادي .والحرية هنا تشمل حرية التجارة الداخلية والخارجية وحرية العمل وحرية التعاقد وحرية مزاولة أي نشاط اقتصادي وهذا ما يكرسه شعار المذهب الحر (  أتركه يعمل أتركه يمر ) والذي يرفع في وجه أي تدخل من الدولة في الحياة الاقتصادية .

      ·   الفرد هو الوحدة الرئيسية للنشاط الاقتصادي والذي يقوم به بدافع المصلحة الخاصة فالمصلحة في النهاية هي المحرك الأساسي لنشاطه الاقتصادي ومن خلال هذا المبدأ يستنبطون القوانين التي تحكم النشاط الاقتصادي كله.

      ·   تتمثل المصلحة الخاصة للفرد في حياته الاقتصادية في سعيه لتحقيق أكبر قدر نفع شخصي ممكن فالمنتج بنشاطه الإنتاجي لا يقصد إشباع حاجات الناس ولكن لرغبته في بيع منتجاته والحصول على أكبر ربح ممكن وهذا تطبيقا لمبدأ المنفعة ( بنثام ) في مجال النشاط الاقتصادي ولهذه الرغبة يقوم التنافس بين الأفراد جميعا  لتحقيق مصالحهم الخاصة والتي في مجموعها تتحقق المصلحة العامة من خلال عملية المبادلات التي بمقابل أثمان  تدفع في مقابل السلع والخدمات تتحكم وتوجه العمليات الإنتاجية نحو ما يحتاج جمهور المجتمع ،فإذا زادت  رغبة الجمهور في سلعة لا تنتج إنتاجا كافيا يزداد الطلب عليها فيرتفع ثمنها مما يزيد من ربح المنتجين الأمر الذي يدفعهم لزيادة إنتاج هذه السلعة فتتحقق الرغبة العامة لجمهور المستهلكين في المجتمع وبالعكس  فإذا اتجه نشاط المنتجين لإنتاج سلعة بكميات غير مرغوب فيها مما يزيد من عرضها ويقلل الطلب عليها

      فينخفض ثمنها ويقل الربح المتأتي منها أو تسبب خسارة فينصرف المنتجون عن إنتاجها .

      وبهذا يعمل جهاز الثمن داخل السوق من خلال تغيرات الثمن إلى التحكم في إشباع الأفراد فلا يقوم الفرد بأي نوع من النشاط الاقتصادي إلا إذا كان موافقا لرغبات الجماعة الأمر الذي جعل الكلاسيك يقولون بأنه لا تناقض بين المصالح الخاصة والمصالح العامة حيث أن هناك يدا خفية توجه المصالح الخاصة في تضاربها وتفاعلها الوجهة التي تحقق المصلحة العامة.

      ولهذه الفلسفة فضل  الكلاسيك النظام الرأسمالي الذي يقوم على الملكية الخاصة للأموال وعلى حرية التعاقد والإنتاج والاستهلاك وعلى اعتبار الربح النقدي هو الدافع والمحرك للنشاط الإنتاجي ولأجل هذا يقوم النظام الرأسمالي على نظام السوق الذي يقوم بتصريف المنتجات. حيث يرى الكلاسيك أنه نظام طبيعي لأنه يستجيب للخصائص الطبيعية الموجودة في النفس البشرية من حب التملك ومن تفضيلها للحرية وسعيها وراء مصلحتها الشخصية.إضافة إلى أننهم يعدونه أفضل الأنظمة لأنه يحقق الإشباع الكامل حيث أن  الإنتاج يتحدد فيه وفقا لرغبات المستهلكين عن طريق جهاز الثمن الذي يوصل هذه الرغبات إلى المنتجين فيعملون بمقتضاها . كما أنهم يعدونه أفضل الأنظمة لأنه يحقق الرفاهية الاقتصادية للمستهلكين في نظرهم وذلك من خلال المنافسة التي تقوم في ظله بين المنتجين هذه المنافسة التي تؤدي تنمية الإنتاج وتحسين السلع والإكثار من عرضها مما يؤدي إلى انخفاض أثمانها فتتحقق الرفاهية المنشودة.

      - نظريتهم في الإنتاج : يرى الكلاسيك أن الإنتاج هو خلق المنافع وزيادتها حيث يذهب آدم سميث من خلال ما طرحه في كتابه ثروة الأمم ( نشر سنة 1776 ) أن المصدر الوحيد للثروة هو الإنتاج في جميع فروع النشاط الاقتصادي ( خرجوا بذلك على آراء التجاريين والطبيعيين في الإنتاج ) والذي يقوم على عناصر أساسية هي الطبيعة والعمل ورأس المال ،ويرى آدم سميث أن العمل هو العنصر الرئيسي الذي يحتل المكان الأساسي بين تلك العناصر حيث افتتح كتابه ثروة الأمم بقوله ((أن العمل السنوي لكل أمة من الأمم هو المصدر الذي يمدها أساسا بكل ما تستهلكه سنويا من سلع سواء كانت السلع ناتجا مباشرا لهذا العمل الوطني أو متأتية من بيع هذا الناتج وشراء سلع في مقابله من الأمم الأخرى))

      ويقصد بالعمل كل الجهد الإنساني الذي يضيف منفعة أو يزيد منها ،أي أن العمل المنتج هو ذلك العمل الذي يضيف قيمة إلى المواد الخام التي تشتغل بها الأيدي العاملة فالعمل المنتج عنده إذا هو ذلك العمل الذي يؤدي على  إنتاج سلع مادية .

      ولزيادة الإنتاج وتحسينه فقد تناول آدم سميث بالدراسة ظاهرة تقسيم العمل حيث ذهب إلى أن تقسيم  عملية  إنتاج سلعة من السلع إلى عدة عمليات جزئية يقوم بكل واحدة منها شخص أو أشخاص يتخصصون فيها يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتحسين نوعه بإتقان العامل لعمله وهذا أفضل من أن يحاول كل منهم إنتاج السلعة كلها بمفرده وهذا يقتضي الضرورة استخدام الآلات ومراعاة حجم السوق وحرية المبادلة في الداخل والخارج فإذا كانت السوق كبيرة من المنتجات أمكن من تطبيق تقسيم العمل على نطاق واسع والعكس صحيح.

      - نظريتهم في السكان : أخذ الكلاسيك عن مالتس نظريته في السكان والتي أصبحت أساس بحوثهم في موضوعات أخرى والتي ربط فيها مالتس بين الزيادة المستمرة في السكان وبؤس وشقاء طبقة العمال في القرن 18 وبداية القرن 19 .وخلاصة هذه النظرية أن انتشار البؤس والفقر وصراع الإنسان مع أخيه الإنسان يرجع لعدم التوازن بين عدد السكان والمواد الغذائية أي بين نمو السكان ونمز الموارد الغذائية حيث قرر أن السكان يتزايدون على أساس متتالية هندسية ( 2، 4 ،8 ،16 ،32 ......) ويتضاعف عددهم كل 25 سنة بينما تزداد الموارد الغذائية وتنموا على أساس متتالية عددية ( 2، 4 ،6 ،8 ،10......) وفي نفس الفترة الزمنية فإذا تجاوز السكان العدد المناسب في أي مجتمع وأصبحت الموارد غير كافية له تدخلت الطبيعة تلقائيا لإعادة التوازن بين السكان والموارد عن طريق ما سماه بالموانع الإيجابية مثل المجاعات والأوبئة والأمراض والحروب والتي تعمل بقوة لدى الشعوب المتأخرة في حين هناك موانع وقائية من إيجاد الإنسان مثل تأخير سن الزواج والامتناع عن الزواج المقترن بالعفة وهو ما يسود الشعوب المتقدمة.

      وبهذه النظرية يجعل مالتس مشكلات البطالة والجوع والفقر مشكلات حتمية طبيعية إذ أن الفقراء بتكاثرهم يجلبون لأنفسهم الشقاء والبؤس لهذا عارض بشدة أي قانون لإغاثة الفقراء باعتبار أن الإغاثة تشجع على الكسل والزواج وزيادة نسل الفقراء كما تقيد الصناعة من خلال تقليل مواردها بسبب زيادة الضرائب التي تذهب لتمويل استهلاك العاطلين والفقراء.

      - نظريتهم في القيمة : تعتبر نظرية القيمة عند الكلاسيك أهم فكرة في تحليلهم الاقتصادي حيث يقوم عليها كل البناء النظري لمدرستهم .وقد فرق الكتاب الكلاسيك بين قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة ،فقيمة الاستعمال هي المنفعة التي تعود على الشخص من استهلاكه لسلعة ما وقيمة المبادلة هي النسبة التي تحصل على أساسها مبادلة سلعة بسلعة في السوق .وتتحدد قيمة أي سلعة عند الكلاسيك على أساس حجم العمل المبذول في إنتاجها أي على أساس عدد ساعات العمل التي بذلت في إنتاجها سواء كان عملا مباشرا أي المجهود الإنساني المبذول أثناء صنعها أو من خلال رأس المال والمواد الأولية ،فالعمل إذن هو مصدر القيمة ومقياسها في نفس الوقت وعرفت هذه النظرية بنظرية (قيمة العمل).فمثلا إذا استلزم إنتاج وصنع سلعة ( أ ) 5 ساعات من العمل وسلعة ( ب ) 10 ساعات من العمل فالمبادلة بين السلعتين تتم في السوق على أساس أن وحدتين من السلعة ( أ ) في مقابل وحدة واحدة من السلعة ( ب ).

      وعلى أساس القيمة يتحدد ثمن السلعة حيث يفرق الكلاسيك بين الثمن الطبيعي للسلعة وثمن السوق ،فالثمن الطبيعي  يتحدد على أساس تكلفة ونفقة إنتاجها أي أن الثمن الطبيعي يساوي نفقة الإنتاج بينما ثمن السوق فتحدد تقلبات العرض والطلب فهو ثمن متذبذب يتحدد ابتداء من نفقة الإنتاج أي يساوي الثمن الطبيعي ولكنه قد يزيد عنه أو ينقص باعتبار تقلبات العرض والطلب في السوق فإذا زاد الطلب على السلعة ارتفع ثمنها عن الثمن الطبيعي والعكس.

      - نظريتهم في التوزيع :اهتم الكلاسيك بالكشف عن القوانين التي تحكم توزيع الناتج الكلي حيث اعتبر "ريكاردو" أن بحث مشكلة التوزيع هي موضوع اهتمام ودراسة علم الاقتصاد.

      وقد اهتم الكلاسيك بمشكلة التوزيع بناء على افتراضهم أن حجم الإنتاج يبقى ثابتا دائما عند مستوى واحد مادام أن التشغيل في نظرهم يكون دائما تشغيلا شاملا لكل العمال على أساس أنه عند حدوث أية بطالة تنخفض الأجور وتبقى تنخفض إلى مستويات أدنى حتى تمتص سوق العمل كل العاطلين عن العمل . فخلال زمن معين يبقى حجم

      الإنتاج القومي ثابتا جراء التشغيل الشامل ولا يتغير هذا الحجم إلا بتغير عدد السكان أو الفن الإنتاجي ( طريقة الإنتاج ) أو تغير مقدار رأس المال.

      وبهذا فمادام الناتج الكلي يبقى ثابتا فإن المشكلة تنحصر فقط في معرفة القوانين التي تخضع لها عملية توزيع هذا الناتج ولم يهتم الكلاسيك في تحليلهم للتوزيع بتوزيع الدخل بين الأفراد والأشخاص على حسب الطبقة الإنتاجية التي ينتمون إليها وهو ما يعرف( بالتوزيع الشخصي ) بل اهتموا بما يعرف ( بالتوزيع الوظيفي ) أي توزيع الدخل القومي بناء على عناصر الإنتاج المختلفة من عمل ورأس مال وطبيعة ( أرض ) على أساس وظيفة كل عنصر في العملية الإنتاجية .فيتوزع الناتج الكلي على شكل ريع ( مقابل استخدام عنصر الأرض ) وأجور ( نظير عنصر العمل ) وأرباح وفوائد ( مقابل تشغيل عنصر رأس المال ) .

        أولا – الريع : وهو ما يحصل عليه ملاك الأراضي من ناتج الأرض نظير سماحهم للغير باستخدامها وهذا راجع لمحدودية الأرض وندرتها والتي أدت إلى نشوء ملكية خاصة عليها .فالريع إذن يمثل الثمن الذي يدفع للملاك نظير احتكارهم ملكية الأرض جراء ندرة الأرض وتفاوت خصوبتها.

      ولندرة المنتجات الزراعية جراء ارتفاع الطلب عليها مع تزايد السكان ( نظرية مالتس ) يلجأ الأفراد لزراعة الأراضي الأقل خصوبة والتي تتطلب نفقة إنتاج أعلى من نفقة الإنتاج في الأراضي الخصبة ، وعلى أساس أن ثمن السلع يتحدد في السوق على أعلى نفقة إنتاج أنفقت على الكميات اللازمة لسد الطلب فالريع إذن هو الفرق بين ثمن السلعة الذي يتحدد في السوق وفق نفقات إنتاجها في الأراضي الأقل خصوبة وبين تكاليف الإنتاج في الأراضي الخصبة التي زرعت أولا .ويحصل على الريع أصحاب الأراضي الخصبة هذا الريع الذي يميل نحو الارتفاع نتيجة لزراعة الأراضي الأقل خصوبة . ومما سبق يتضح أن الريع راجع لعاملين هما تكاثر وتزايد السكان وبالتالي تزايد طلباتهم على المواد الزراعية وعامل الالتجاء لزراعة الأراضي الأقل خصوبة.

      ثانيا – الأجر :يعتبر الكلاسيك من خلال ما طرحه " دافيد ريكاردو " أن العمل يعتبر سلعة كباقي السلع يقابله ثمن يتمثل في الأجر .هذا وبناء على نظريتهم في القيمة و ربطهم ثمن السلع بعدد ساعات العمل فإن أجر العامل يتحدد على عدد ساعات العمل اللازمة لإنتاج سلعة العمل وهي الساعات اللازمة لإنتاج كمية السلع الضرورية لحفظ حياة العامل وتمكينه من الاستمرار في العمل وهذا هو الأجر الطبيعي والذي لا يمكن للعمال ولا لأرباب العمل مخالفة مقتضاه باعتباره قانونا طبيعيا لذا سمي أيضا هذا القانون بالقانون الحديدي للأجور وسمي الأجر الطبيعي بالأجر الحديدي لأن العمال مقيدون به ولا يستطيعون مخالفته بتحسين أجورهم خلاف مقتضاه .

      هذا الأجر الطبيعي أو الحديدي أو أجر الكفاف أجر ثابت في مستواه لمدة طويلة لا يمكن أن يرتفع أو ينخفض عن هذا المستوى .إذ لو ارتفعت الأجور عن المستوى اللازم لمعيشته العمال المعيشة الضرورية فستتحسن حالة العمال وتزيد رفاهيتهم فيقبلون على الزواج مما يزيد النسل ويزيد بذلك عدد العمال بحيث يصبح الطلب على العمل أقل من العرض مما يترتب عليه انخفاض الأجر إلى المستوى الذي يتساوى فيه مع نفقة المعيشة الضرورية.

      أما لو انخفض أجر العمال عن مستوى الأجر الطبيعي فستسوء حالتهم وينقص زواجهم وتناسلهم كما ينقص عددهم جراء الأمراض وعدم القدرة على العلاج مما يجعل عرض العمال ينقص ويزيد الطلب على اليد العاملة ومن ث ارتفاع أجورهم إلى المستوى اللازم للحفاظ على مستوى معيشتهم الضرورية .

      وهذه الفكرة مبناها افتراض الكلاسيك أن الطبقة العاملة تستهلك ولا تدخر أي أنه لا يوجد لديها فائض في دخلها يزيد على حد الكفاف.

      ثالثا – الربح والفائدة : لم يميز الكلاسيك الأوائل من أمثال " ريكاردو " بين المنظم وهو الذي يشرف على المشروع ويتحمل مخاطره وبين الرأسمالي الذي يقرض نقوده حتى جاء " جان باتست ساي " وميز بينهما بوضوح حيث بين أن الربح هو دخل المنظم والفائدة هي دخل صاحب رأس المال .وتتحدد الفائدة عندهم على أساس عرض وطلب الادخار فالفائدة إذن تمثل ثمن الادخار فإذا زاد عرضه عن طلبه انخفض سعر الفائدة وإذا زاد الطلب على الادخار عن عرضه ارتفع سعر الفائدة ،وتؤثر تغيرات سعر الفائدة أيضا في عرض وطلب الادخار مثلما تؤثر تغيرات ثمن أي سلعة في عرضها وطلبها.

      أما بالنسبة للربح فقد أوضح " ريكاردو "أن المنافسة تفرض معدلا متجانسا للأرباح عن طريق اجتذاب رأس المال إلى النشاطات والمجالات تقدم معدلا يزيد عن المتوسط وإبعاده عن المجالات الإنتاجية التي تقل فيها الأرباح عن المتوسط.

      ويعتقد الكلاسيك أن معدلات الأرباح تتجه نحو الهبوط مع التقدم الاقتصادي لأن ازدياد وتراكم رؤوس الأموال يصحبها ازدياد المنافسة بين الرأسماليين وهذا يعمل على خفض الأرباح.

      - نظريتهم في النقود : يعتبر الكلاسيك النقود أنها مجرد وسيط للمبادلة وأداة لقياس القيم فقط فلم يعطوا أهمية لوظيفتها كمخزن للقيم وأداة لحفظ المدخرات فهي عندهم أداة تسهل سير المبادلات الاقتصادية ولا تحدث أي أثر ضار بالاقتصاد باعتبار أنها مجرد ستار وغطاء يخفي الطبيعة العينية للاقتصاد عن نظرنا و مع هذا كانوا يعتقدون بأهميتها ودورها في تسهيل أداء النشاط الاقتصادي فهي أشبه بالزيت الذي يوضع بين أجزاء الآلة لكي يتيسر تشغيلها برفق وليونة.

      وفي تفسيرهم لتقلبات مستوى الأسعار العام ( أو ما يسمى أيضا قيمة النقود ) فقد اعتمدوا على النظرية الكمية في النقود التي مقتضاها أنه كلما زادت كمية النقود لا بد وأن تؤدي حتما إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار وكل نقص في كميتها ينعكس على الأسعار فيؤدي إلى انخفاضها.

      - نظرتهم إلى التجارة الخارجية : على خلاف ما كان ينادي به التجاريون دافع الكلاسيك على التجارة الخارجية مع الدول مبررين ذلك بأن إتباع سياسة تجارية حرة يؤدي بكل بلد إلى أن يتخصص في إنتاج السلع التي يتمتع فيها بأكبر ميزة نسبية في مواجهة البلاد الأخرى هذا التخصص سينعكس بالفائدة الاقتصادية لكل بلاد على حده كما ينعكس بالفائدة على العالم كله بتحقق كميات المنتجات المحتاج إليها بصورة أكبر مما لو لم يحدث التخصص بأن تحاول كل بلد إنتاج كل السلع على إقليمه الوطني. فتخصص كل بلد في إنتاج السلع التي يمكن أن ينتجها بنفقة نسبية أقل يزيد من الرفاهية الاقتصادية للشعوب في نظر الكلاسيك حيث يمكن شراؤها بأثمان أقل.

      وقد نادى المفكرون الكلاسيك بهذا التخصص الدولي لما كان يحقق من مصلحة اقتصادية كبرى لانجلترا حيث أنها كانت وقتئذ بلدا صناعيا في حين كانت كل البلدان  الأخرى بلدانا زراعية.ومقتضى فكرة التخصص الدولي أن تبقى هذه البلدان زراعية تصرف فيها انجلترا منتجاتها الصناعية وتستورد منها المواد الأولية.

      3 – مدرسة  التقليديين الجدد ( النيوكلايك )  :

       وتعرف أيضا بالمدرسة الحدية .ويعتبر الاتجاه الكلاسيكي الجديد امتدادا للاتجاه الكلاسيكي الذي يقوم على الليبرالية بترك الأفراد أحرارا في مجال الحياة الاقتصادية فير أنهم أكثر تجريدا وفردية في تحليلهم وفكرهم الاقتصادي حيث يرون أنه من الممكن استخلاص القوانين الاقتصادية بالنظر إلى فرد معين يتمثل في الرجل الاقتصادي الرشيد أي الذي يخضع سلوكه الاقتصادي - سواء وهو منتج أو مستهلك – للدافع الاقتصادي فقط دون أي دافع آخر ويتمثل هذا الدافع في المصلحة الذاتية أي الموازنة بين الآلام والمنافع ( فلسفة بنثام ) للفرد أي تحقيق أكبر نفع أو لذة ممكنة مقابل بذل أقل جهد أو تحمل أقل لألم ممكن ، ولهذا أعطوا الأهمية لعنصر الطلب ورغبات الأفراد أكثر من عنصر نفقة الإنتاج في تحليلهم الاقتصادي .

      أي أن الاقتصاد في منظورهم يهتم بالبحث في علاقة الإنسان بالأشياء بعيدا عن العلاقات الاجتماعية عكس الكلاسيك الذين يرون أنه يبحث في علاقات الأفراد خلال عمليات إنتاج وتوزيع وتبادل المنتجات والثروة.

      ولكي يمكن للرجل الاقتصادي الرشيد في منظورهم من تحقيق أكبر منفعة بأقل جهد ممكن داخل السوق التي تضمن له تحقيق ذلك لابد أن تكون هاته السوق سوقا تنافسية أي تقوم على مبدأ المنافسة الكاملة لا الاحتكار ويتحقق هذا عندهم من خلال توفر شروط تحقق السوق التنافسية منها * تعدد البائعين ( المنتجين ) والمشترين  *وتجانس السلع من ناحية الإشباع الذي تقدمه  *وحرية الدخول والخروج من السوق أي ألا يكون في استطاعة المشروعات التي تتنافس في إنتاج السلعة أن تعارض و تمنع دخول مشروع جديد إلى ميدان إنتاج السلعة  *والعلم بكامل ظروف السوق والتي منها أثمان السلع المتداولة عند بيعها أو شرائها  * وكذا حرية انتقال عناصر الإنتاج بين فروع الإنتاج المختلفة.

      ومن أهم أقطاب هذه المدرسة النمساوي " كارمنجر " (1840-1921) والبريطاني " ستانلي جيونفر "( 1830-1882 )والسويسري "ليون فال راس" ( 1834- 1910 )  .وتعد نظريتهم في القيمة من خلال فكرة المنفعة الحدية أهم أفكار هاته المدرسة حيث بعد تزايد الاعتراض على نظرية العمل طرح أصحاب هذه المدرسة نظرية المنفعة الحدية وهذا بناء على ما لاحظوه من أن قيمة الأشياء ترتفع إذا ما زاد إقبال المشترين وتقل إذا ما قل ذلك الإقبال دون تغير في قيمة العمل المبذول في إنتاجها أو في تكاليف إنتاجها ،إذا فما هي العوامل التي تحدد قيمة الأشياء ؟

      يجيب مفكرو المدرسة الحدية مستندين على فلسفة اللذة والألم بأن قيمة كل سلعة تصدر عن منفعتها لا عن العمل أي منفعتها الحدية ويراد بالمنفعة ما يعود على المستهلك من استهلاك السلعة بسبب ما فيها من صفات أي الإشباع الحاصل باستعمالها للحاجة المتعلقة بها ويقصد بالحدية ما تعلق بالوحدة الحدية أو الأخيرة من السلعة أي أن القيمة تتحدد بمنفعتها النهائية الحدية المستمدة من الوحدات الأخيرة منها هذه المنفعة الحدية تتناقص باستمرار بزيادة الوحدات المستهلكة من السلعة ولأن الإنسان قدرته في الاستهلاك محدودة حيث لا يمكنه أن يستمر في استهلاك السلعة إلى ما لا نهاية بل هناك حد يصل فيه المستهلك إلى حالة من الإشباع الكامل ،فمتى حصل الفرد على كميات كبيرة من خلال استهلاك وحدات متتالية من السلعة تكون المنفعة الحدية تناقصت إلى مستوى يساوي الثمن المدفوع فيها .

      وأساس هذه النظرية أن الحاجة القابلة للإشباع تكون قبل إشباعها ملحة إلحاحا كبيرا فكلما زدنا من وحدات السلعة المستخدمة في إشباع الحاجة قل تدريجيا إلحاح تلك الحاجة وبالتالي انخفاض منفعتها الحدية و عليه كلما زاد عدد  الوحدات المستهلكة من السلعة كلما قل الثمن الذي يكون المستهلك مستعدا لدفعه ،وعليه تتضح الصلة بين درجة الإشباع الحاصلة باستعمال السلعة وندرة السلع الاقتصادية فإذا كان عدد وحدات السلعة التي نستخدمها للإشباع

      ضئيلا تضل منفعتها الحدية مرتفعة ولا تنزل والعكس إذا لم تكن السلعة نادرة بأن كانت الوحدات المستخدمة منها في الإشباع كبيرة فإن المنفعة الحدية لهذه السلعة تنزل إلى مستوى منخفض وهذا ما يعرف بتناقص المنفعة الحدية .وعلى هذا فالبرغم من أن  الماء أو الخبز مثلا يعتبران من أهم السلع وأنفعها إلا أن النسبة بين الكميات الموجودة والحاجة إلى كل منهما في معظم المجتمعات أكبر بكثير من مثيلتها من الماس أو الذهب لهذا كانت المنفعة الحدية للماء أو الخبز ( في معظم المجتمعات ) منخفضة جدا إذا قورنت بالمنفعة الحدية للماس والذهب وعلى هذا ولارتباط القيمة بالمنفعة الحدية فإن الماس والذهب أكبر قيمة من الماء والخبز.

      وكذا فإن الهواء وأشعة الشمس لا قيمة لهما في السوق لأن لهما منفعة حدية منخفضة جدا تساوي الصفر لتوفرهما بكميات كبيرة جدا لذا لا قيمة لهما تبادلية في السوق وكل هذا يعبر عن مدى الصلة بين درجة إشباع الحاجة وندرة الأموال والسلع الاقتصادية فإذا كان عدد وحدات السلعة التي نستخدمها في الإشباع ضئيلا لم تنزل المنفعة الحدية إلى مستوى منخفض بلل تظل مرتفعة ويبقى سعرها مرتفعا وعلى العكس إذا لم تكن السلعة نادرة فمنفعتها الحدية تنزل إلى م

      خصائص وطريقة أداء النظام الرأسمالي :

      مما سبق من أفكار المدارس الاقتصادية الرأسمالية المختلفة يمكن استخلاص أهم مميزات وخصائص  النظام الرأسمالي فيما يلي :

      1-  إيديولوجية النظام : تعبر الإيديولوجية عن الأساس الفكري للنظام الاقتصادي وهي التي تفسر الكثير من وظائفه وخصائصه وطريقة أدائه .وتعتبر فكرة القانون الطبيعي مصدر إيديولوجية النظام الرأسمالي وقد عبر عنه آدم سميث بالأيدي الخفية التي تنظم الحياة الاقتصادية كما تنظم الحياة الاجتماعية والسياسية وبطريقة تلقائية والإنسان في ظل هذه القوانين الطبيعية يعتمد على العقل والتفكير المنطقي والذي يقود سلوك الإنسان وتصرفاته.

      وانطلاقا من فكرة أن الإنسان سلوكه مقيد وخاضع للنظام الطبيعي فلا بد إذن أن يكون هذا الإنسان حرا مما يجعل من الليبرالية مصدرا آخر للفكر الرأسمالي وهذا ما يستدعي اعتبار المصلحة الشخصية أساس التقدم الاقتصادي وقد لخص هذه الفكرة آدم سميث بقوله  إن من يعمل لمصلحته الشخصية يعمل في نفس الوقت لمصلحة المجتمع.

      2-  هدف النظام : تحقيق الربح ،حيث انطلاقا من النظرية الفردية التي يقوم عليها النظام الرأسمالي فغاية هذا النظام تنبع من منطق الذاتية للفرد والذي يرغب ويسعى دائما نحو تحديد الحد الأقصى من الأرباح وهو منتج وذلك من خلال  سعي المشروع الاقتصادي إلى تحقيق هذا عن طريق خفض تكلفة الإنتاج أو بزيادة الإيراد مما يجعل الربح هو المعيار الذي يحكم به على كفاءة المشروع الاقتصادي وحسن أدائه في النظام الرأسمالي .وكذا تحقيق الحد الأقصى من الإشباع وهو مستهلك باختياره السلعة التي يحدد كميتها بطريقة يضمن بها أكبر قدر ممكن من الإشباع وخلال هذا يقارن بين ما حققه من إشباع وبين ما يضحي به مقابلها أي ما يدفعه من نقود ثمنا للسلعة المختارة.

      3-  وسيلة النظام الرأسمالي لتحقيق هدفه : الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ،أي ملكية القادرين على حيازة وسائل الإنتاج .أي أن قوى الإنتاج المادية لا بد أن تكون مملوكة للأفراد ،ويراد بقوى الإنتاج رأس المال للرأسماليين والمنظمين ،المواد الأولية وموارد الطبيعة لأصحابها والٍأرض للفلاحين وقوى العمل للعمال .وكل منهم يقدم ما يملكه للآخر لإتمام عملية الإنتاج مقابل ثمن معين يتمثل في الفوائد والأرباح للرأسماليين والمنظمين وأثمان المواد الأولية لأصحابها والريع لملاك الٍأراضي الزراعية والأجر للعمال عن طريق ما ينشأ من علاقات تعاقدية بينهم وبين المشروع المملوك ملكية خاصة للرأسمالي أو المنظم مما يترتب عليه تشكل طبقتين اجتماعيتين طبقة العمال الأجراء يقدمون قوتهم العاملة مقابل أجر وطبقة الرأسماليين أو المنظمين الذين يستحوذون على نتيجة النشاط الاقتصادي أي الأرباح وينحصر دور الدولة أمام هذا على تحقيق التوازن بين الطبقتين دون تدخل في الحياة الاقتصادية ولكنها ملزمة بحماية حق الملكي للرأسمالي وحماية حق التعاقد بالنسبة للعامل.

      4-  آلية التوزيع ( اقتصاد السوق ): انطلاقا من فكرة القانون الطبيعي فإن عملية الإنتاج والتوزيع في النظام الرأسمالي تتم بطريقة طبيعية وتلقائية من خلال السوق وعبر جهاز الثمن حيث أن المنتج يحصل على عناصر الإنتاج مقابل ثمن وهو أيضا يبيع منتجاته في السوق مقابل ثمن معين والعامل يقدم قوة عمله من أجل الحصول على دخل أو ثمن هو الأجر يحصل من خلاله على احتياجاته من الأسواق من سلع استهلاكية بغرض إشباع احتياجاته مقابل ثمن ويتم كل داخل السوق باعتبارها مركز تلاقي وتوافق قوى العرض والطلب دون تدخل الدولة ودون أي إرادة منفردة من أي طرف من أطراف التعامل.

      وعليه يمثل الربح الفرق بين ثمن المنتجات النهائية وثمن عناصر الإنتاج، والأجر هو ثمن قوة العمل التي يبذلها العامل في الإنتاج ويتوقف على عرض العمل من جانب العمال والطلب عليه من جانب أصحاب الأعمال، والفائدة هي الثمن الذي يدفع لممول رأس المال.

      5-    تصور حل المشكلة الاقتصادية في النظام الرأسمالي : ينطلق النظام الرأسمالي في تصوره لحل المشكلة الاقتصادية من فكرة السلوك الرشيد ومعناها أنه إذا ترك الشخص حرا في تصرفاته فإنه يسعى إلى تحقيق القدر الأعظم من مصلحته الشخصية مما يستلزم تحقيق الحرية التامة للفرد في تملك الأموال والتصرف فيها وفي العمل ،وهكذا في ظل النظام الرأسمالي تتحدد الحلول على أساس افتراض الحرية الفردية وحرية التصرف الاقتصادي في شتى مجالات الإنتاج والاستهلاك والادخار ........الخ وفي ظل هذه المبادئ التي ينطلق منها هذا النظام يتم اتخاذ القرارات الخاصة بنوع الإنتاج وكميته وكذلك أسلوب الإنتاج على أساس تفاعل القرارات والتفضيلات الشخصية التي يقوم بها الأفراد وعلى أساس الموازنة بين الجهد المبذول والعائد وكلاهما يتم تقريره في ظل السوق باعتبار أن نظام السوق هو الكفيل بتحقيق التناسق بين جميع القرارات الاقتصادية ،قرارات الأفراد كمستهلكين وقرارات الأفراد كمنتجين بحيث يصبح الإنتاج النهائي محققا لرغبات الاستهلاك .

      وعليه فإنه تخصيص الموارد لإنتاج سلعة ما أو خدمة ما يتم عبر نظام السوق  الذي يعبر عن حجم الحاجات  من خلال  نظام العرض والطلب على المنتجات الاقتصادية فسعر السلعة أو الخدمة هو الذي يوجه الموارد ويخصصها لإنتاج السلع والخدمات فإذا ارتفع سعر سلعة معينة دل ذلك على ندرتها وحجم الحاجة لها  وبالتالي فإن الموارد وبدافع الربح تتجه إلى إنتاج هذه السلعة و إذا انخفض سعرها أي قل الطلب عليها فإن الموارد يعاد توجيهها إلى إنتاج سلع أخرى وهكذا فالأثمان إذا هي التي تحدد كيفية توزيع عوامل الإنتاج على القطاعات الإنتاجية المختلفة حسب رغبات المستهلكين. فازدياد طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى ارتفاع ثمنها وزيادة أرباح منتجيها والتوسع في إنتاجها. ونقص طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى انخفاض ثمنها ونقص أرباح منتجيها وانكماش إنتاجها أو توقفه. ويشترط لقيام جهاز الأثمان بدوره في توجيه النشاط الاقتصادي طبقاً لرغبات المستهلكين أن تتمتع عوامل الإنتاج بحرية الانتقال بين فروع الإنتاج المختلفة، وبالتالي يؤدي نظام السوق دور الموجه في تخصيص الموارد.

       ومنه فإن حل المشكلة الاقتصادية في ظل النظام الرأسمالي يعود إلى أسلوب السوق الذي تحدد قواه توزيع الموارد المحدودة على الحاجات المتعددة وما يستلزم ذلك من إقامة التوازن بين الإنتاج والاستهلاك وبين العرض والطلب.

       


  • الموضوع "

    •  

       

      الأنظمة الاقتصادية .

        

      تتوقف مواجهة أي مجتمع للمشكلة الاقتصادية على النظام الاقتصادي السائد فيه ،ويقصد بالنظام الاقتصادي مجموعة المبادئ والأسس التي تنظم حياة المجتمع الاقتصادية من خلال تنظيم العلاقات والروابط التي تنشأ بين الأفراد نتيجة اشتراكهم في العملية الإنتاجية كما يحدد الإطار القانوني والاجتماعي الذي يتم الإنتاج في ظله وتوزيع الإنتاج على العناصر المشتركة فيه .من هذا فإن دراسة أي نظام اقتصادي يتم من خلال دراسة عناصره ومقوماته الأساسية  :

      1-  قوى الإنتاج : ويقصد بها جميع الموارد الموجودة في المجتمع والتي تشترك فيما بينها لإنتاج السلع و الخدمات ويطلق على هذه القوى اسم عناصر الإنتاج ،وهي تتألف من الأرض و العمل ورأس المال و المنظم الذي يتولى التأليف بين عناصر الإنتاج بالنسب المناسبة للحصول على الإنتاج .

      2-  علاقات الإنتاج : ويقصد بها تلك العلاقات والروابط التي تنشأ بين الأفراد المشتركين في العملية الإنتاجية ودور كل منهم فيها ومن أهم هذه العلاقات تلك التي تحدد كيفية امتلاك عناصر الإنتاج المختلفة من أرض وما تحتها ومصانع وأدوات الإنتاج .ولهذه العلاقات والروابط دلالة واضحة في معرفة النظام الاقتصادي السائد،حيث أن زيادة نسبة ما تملكه الدولة من وسائل الإنتاج يعني الاقتراب من الاشتراكي كما أن انخفاض هذه النسبة وزيادة نسب تملك الأفراد لوسائل الإنتاج يعني الاقتراب من النظام الرأسمالي.

      3-  علاقات التوزيع : ويقصد بها الطريقة أو الوسيلة التي يتم بها توزيع الناتج القومي على عناصر الإنتاج المشتركة في العملية الإنتاجية وكيفية تحديد نصيب كل منهم من الإنتاج.

      وقد تعددت النظم الاقتصادية التي عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ من النظام البدائي إلى نظام الرق والنظام الإقطاعي وصولا إلى النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي إلى جانب النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يتميز بذاتية وخصائص تميزه تماما عن باقي الأنظمة الاقتصادية.

      وتتميز هذه النظم من خلال المقومات والعناصر التي تقوم عليها بالتغير والتبدل فالنظم الاقتصادية نظم مرنة باعتبارها نتاج الإنسان فهو يستطيع تغييرها وتعديلها وبالتالي يمكن القول بأن النظام الاقتصادي بمثابة الكائن الحي الذي يولد وبنمو ويكبر ويشيخ وقد ينتهي ويفنى لذا فهو يحتاج دائما إلى روح التغيير والتطوير والتعديل بما يسمح له بالتعامل مع المستجدات الخارجية والداخلية كما حصل للنظام الرأسمالي حيث أن التطور الذي عرفه خلال القرن العشرين أزال عنه الكثير المساوئ التي لحقت به خلال فترة الثورة الصناعية إلى نهاية القرن التاسع عشر.

      خصائص وطريقة أداء النظام الرأسمالي :

      يتميز النظام الاقتصادي الرأسمالي بعدة خصائص نجملها فيما يلي :

      1-  إيديولوجية النظام : تعبر الإيديولوجية عن الأساس الفكري للنظام الاقتصادي وهي التي تفسر الكثير من وظائفه وخصائصه وطريقة أدائه .وتعتبر فكرة القانون الطبيعي مصدر إيديولوجية النظام الرأسمالي وقد عبر عنه آدم سميث بالأيدي الخفية التي تنظم الحياة الاقتصادية كما تنظم الحياة الاجتماعية والسياسية وبطريقة تلقائية والإنسان في ظل هذه القوانين الطبيعية يعتمد على العقل والتفكير المنطقي والذي يقود سلوك الإنسان وتصرفاته.

      وانطلاقا من فكرة أن الإنسان سلوكه مقيد وخاضع للنظام الطبيعي فلا بد إذن أن يكون هذا الإنسان حرا مما يجعل من الليبرالية مصدرا آخر للفكر الرأسمالي وهذا ما يستدعي اعتبار المصلحة الشخصية أساس التقدم الاقتصادي وقد لخص هذه الفكرة آدم سميث بقوله  إن من يعمل لمصلحته الشخصية يعمل في نفس الوقت لمصلحة المجتمع.

      2-  هدف النظام : تحقيق الربح ،حيث انطلاقا من النظرية الفردية التي يقوم عليها النظام الرأسمالي فغاية هذا النظام تنبع من منطق الذاتية للفرد والذي يرغب ويسعى دائما نحو تحديد الحد الأقصى من الأرباح وهو منتج وذلك من خلال  سعي المشروع الاقتصادي إلى تحقيق هذا عن طريق خفض تكلفة الإنتاج أو بزيادة الإيراد مما يجعل الربح هو المعيار الذي يحكم به على كفاءة المشروع الاقتصادي وحسن أدائه في النظام الرأسمالي .وكذا تحقيق الحد الأقصى من الإشباع وهو مستهلك باختياره السلعة التي يحدد كميتها بطريقة يضمن بها أكبر قدر ممكن من الإشباع وخلال هذا يقارن بين ما حققه من إشباع وبين ما يضحي به مقابلها أي ما يدفعه من نقود ثمنا للسلعة المختارة.

      3-  وسيلة النظام الرأسمالي لتحقيق هدفه : الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ،أي ملكية القادرين على حيازة وسائل الإنتاج .أي أن قوى الإنتاج المادية لا بد أن تكون مملوكة للأفراد ،ويراد بقوى الإنتاج رأس المال للرأسماليين والمنظمين ،المواد الأولية وموارد الطبيعة لأصحابها والٍأرض للفلاحين وقوى العمل للعمال .وكل منهم يقدم ما يملكه للآخر لإتمام عملية الإنتاج مقابل ثمن معين يتمثل في الفوائد والأرباح للرأسماليين والمنظمين وأثمان المواد الأولية لأصحابها والريع لملاك الٍأراضي الزراعية والأجر للعمال عن طريق ما ينشأ من علاقات تعاقدية بينهم وبين المشروع المملوك ملكية خاصة للرأسمالي أو المنظم مما يترتب عليه تشكل طبقتين اجتماعيتين طبقة العمال الأجراء يقدمون قوتهم العاملة مقابل أجر وطبقة الرأسماليين أو المنظمين الذين يستحوذون على نتيجة النشاط الاقتصادي أي الأرباح وينحصر دور الدولة أمام هذا على تحقيق التوازن بين الطبقتين دون تدخل في الحياة الاقتصادية ولكنها ملزمة بحماية حق الملكي للرأسمالي وحماية حق التعاقد بالنسبة للعامل.

      4-  آلية التوزيع ( اقتصاد السوق ): انطلاقا من فكرة القانون الطبيعي فإن عملية الإنتاج والتوزيع في النظام الرأسمالي تتم بطريقة طبيعية وتلقائية من خلال السوق وعبر جهاز الثمن حيث أن المنتج يحصل على عناصر الإنتاج مقابل ثمن وهو أيضا يبيع منتجاته في السوق مقابل ثمن معين والعامل يقدم قوة عمله من أجل الحصول على دخل أو ثمن هو الأجر يحصل من خلاله على احتياجاته من الأسواق من سلع استهلاكية بغرض إشباع احتياجاته مقابل ثمن ويتم كل داخل السوق باعتبارها مركز تلاقي وتوافق قوى العرض والطلب دون تدخل الدولة ودون أي إرادة منفردة من أي طرف من أطراف التعامل.

      وعليه يمثل الربح الفرق بين ثمن المنتجات النهائية وثمن عناصر الإنتاج، والأجر هو ثمن قوة العمل التي يبذلها العامل في الإنتاج ويتوقف على عرض العمل من جانب العمال والطلب عليه من جانب أصحاب الأعمال، والفائدة هي الثمن الذي يدفع لممول رأس المال.

      5-    تصور حل المشكلة الاقتصادية في النظام الرأسمالي : ينطلق النظام الرأسمالي في تصوره لحل المشكلة الاقتصادية من فكرة السلوك الرشيد ومعناها أنه إذا ترك الشخص حرا في تصرفاته فإنه يسعى إلى تحقيق القدر الأعظم من مصلحته الشخصية مما يستلزم تحقيق الحرية التامة للفرد في تملك الأموال والتصرف فيها وفي العمل ،وهكذا في ظل النظام الرأسمالي تتحدد الحلول على أساس افتراض الحرية الفردية وحرية التصرف الاقتصادي في شتى مجالات الإنتاج والاستهلاك والادخار ........الخ وفي ظل هذه المبادئ التي ينطلق منها هذا النظام يتم اتخاذ القرارات الخاصة بنوع الإنتاج وكميته وكذلك أسلوب الإنتاج على أساس تفاعل القرارات والتفضيلات الشخصية التي يقوم بها الأفراد وعلى أساس الموازنة بين الجهد المبذول والعائد وكلاهما يتم تقريره في ظل السوق باعتبار أن نظام السوق هو الكفيل بتحقيق التناسق بين جميع القرارات الاقتصادية ،قرارات الأفراد كمستهلكين وقرارات الأفراد كمنتجين بحيث يصبح الإنتاج النهائي محققا لرغبات الاستهلاك .

      وعليه فإنه تخصيص الموارد لإنتاج سلعة ما أو خدمة ما يتم عبر نظام السوق  الذي يعبر عن حجم الحاجات  من خلال  نظام العرض والطلب على المنتجات الاقتصادية فسعر السلعة أو الخدمة هو الذي يوجه الموارد ويخصصها لإنتاج السلع والخدمات فإذا ارتفع سعر سلعة معينة دل ذلك على ندرتها وحجم الحاجة لها  وبالتالي فإن الموارد وبدافع الربح تتجه إلى إنتاج هذه السلعة و إذا انخفض سعرها أي قل الطلب عليها فإن الموارد يعاد توجيهها إلى إنتاج سلع أخرى وهكذا فالأثمان إذا هي التي تحدد كيفية توزيع عوامل الإنتاج على القطاعات الإنتاجية المختلفة حسب رغبات المستهلكين. فازدياد طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى ارتفاع ثمنها وزيادة أرباح منتجيها والتوسع في إنتاجها. ونقص طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى انخفاض ثمنها ونقص أرباح منتجيها وانكماش إنتاجها أو توقفه. ويشترط لقيام جهاز الأثمان بدوره في توجيه النشاط الاقتصادي طبقاً لرغبات المستهلكين أن تتمتع عوامل الإنتاج بحرية الانتقال بين فروع الإنتاج المختلفة، وبالتالي يؤدي نظام السوق دور الموجه في تخصيص الموارد.

       ومنه فإن حل المشكلة الاقتصادية في ظل النظام الرأسمالي يعود إلى أسلوب السوق الذي تحدد قواه توزيع الموارد المحدودة على الحاجات المتعددة وما يستلزم ذلك من إقامة التوازن بين الإنتاج والاستهلاك وبين العرض والطلب.

       

       


       

      خصائص وطريقة أداء النظام الاشتراكي :

      1-  إيديولوجية النظام : الإيديولوجية  الجماعية .تقوم  الإيديولوجية الاشتراكية العلمية على اعتناق فكرة  المادية الجدلية            ( الدياليكتيكية ) والمادية التاريخية وصراع الطبقات . وعليه تؤسس الاشتراكية على الجماعية بدل الفردية فهي تفضل المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية فهي بذلك تعارض الليبرالية وتؤمن بضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لتحقيق هذه المصلحة وتوجيه النشاط الاقتصادي لصالح المجتمع وتصحيح الآثار الاجتماعية للمصلحة الفردية وأنانية السلوك الفردي.

      2-  الهدف من الإنتاج :إشباع الحاجات الاجتماعية .على عكس النظام الرأسمالي الذي يهدف إلى إشباع الحاجات الفردية وتحقيق الربح فإن هدف النظام الاشتراكي هو إشباع الحاجات الاجتماعية والتي تمثل الباعث والدافع وراء كل نشاط اقتصادي فالهدف النهائي من العلاقات الإنتاجية هو تحقيق الرفاهية الاجتماعية المبنية على مراعاة صالح الجماعة والابتعاد عن مبدأ الربح الفردي ولتحقيق هذا تلجأ الدولة الاشتراكية إلى إقرار تحفيزات مادية ومعنوية لفائدة العمال لمضاعفة مجهودهم.

      وبناء على هذا الهدف فإن الناتج الاجتماعي يتم توزيعه على أساس أن نصيب كل فرد من الناتج الاجتماعي يتحقق طبقا لمدى مساهمته الحقيقة في النشاط الاقتصادي وأساس المساهمة الحقيقة هو العمل حيث أن الدخول توزع طبقا لمبدأ ( لكل بحسب عمله ) مما يحقق للعمال الانتماء الحقيقي للمشروعات التي يعملون بها .            

      وإلى جانب الدخل النقدي والمتمثل في الأجر كآلية لتوزيع الناتج الاجتماعي وفق معيار لكل بحسب عمله فهناك الدخل العيني أو الخدمات والتي يجب أن تقدم لجميع الأفراد في المجتمع الاشتراكي بصرف النظر عن قدراتهم وخبراتهم المتمايزة و مقدار ما ساهموا به في الإنتاج وفق مبدأ وعيار ( لكل بحسب حاجته ) . فهي خدمات أو دخول في شكل عيني يقدمها المجتمع و يمولها الفائض المتحقق من العملية الإنتاجية لكل فرد باعتباره إنسانا ينتمي إلى هذا المجتمع كخدمات التعليم والصحة والتأمين وإعانات الأسرة والطفولة والمواصلات وغيرها وحتى ولو تقررت أسعارا لهاته الخدمات لهاته الخدمات فهي مجرد أسعار رمزية لا تغطي التكاليف الحقيقة لتلك الخدمات وبالتالي لا تعتبر ثمنا بالمعنى الاقتصادي ومن شأنها أن تساعد على توفير  الرفاهية الاجتماعية .

      3-   الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج :حيث يعتبر الاقتصاد اشتراكيا إذا كانت وسائل الإنتاج الأساسية مملوكة ملكية جماعية وليست محلا للاستغلال الفردي .والملكية الجماعية لوسائل الإنتاج لا تلغي الحيازة الفردية لبعض وسائل الإنتاج صغيرة الحجم مثل المشروعات الحرفية والتي يختلط فيها عنصر العمل وعنصر رأس المال .وعموما فالملكية الاشتراكية تنصب على الوسائل التي تكون محلا لاستغلال طبقة على حساب طبقة أخرى والاستئثار  بالفائض والأرباح المحققة من هذا الاستغلال، مما يعني انتهاء العلاقات التعاقدية التي تسود النظام الرأسمالي وتحل محلها العلاقات التنظيمية .

             يقوم بالإنتاج المنتجون المباشرون أي العمال ويحصلون على عائد الإنتاج سواء بصورة مباشرة من خلال الأجور أو بصورة غير مباشرة نم خلال الخدمات الاجتماعية والتي تقدمها الدولة نتيجة حصولها على جزء من الفائض وعلى هذا الأساس يقسم العمل في النظام الاشتراكي أي أن العلاقات التي تنشأ بين الأفراد في العمليات الإنتاجية تؤسس على إحلال التعاون وتجنب الصراع في استخدام وسائل الإنتاج الجماعية .

      4-   أسلوب التخطيط الاقتصادي :بناء على أساس الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وما يترتب عليه من أن الهدف من الإنتاج هو إشباع الحاجات الاجتماعية فإن أداة الاقتصاد الاشتراكي لتحقيق هدفه لا يكون عن طريق العمل التلقائي لقوى السوق وإنما عن طريق التخطيط حيث يتم تنظيم الحياة الاقتصادية وتوزيع موارد الإنتاج على القطاعات المختلفة طبقاً لخطة عامة تضعها السلطة المركزية وتلتزم بتنفيذها كافة الوحدات الإنتاجية. ويساعد السلطة المركزية في وضع الخطة العامة عدد من الإدارات تختص كل إدارة منها بدراسة مشكلة معينة واقتراح ما تراه في شأنها من قرارات. وتتولي السلطة المركزية دراسة مقترحات الإدارات المختلفة والتوفيق بينها بالتضحية ببعض الحاجات لإشباع الآخر حسب الإمكانيات القومية.

      فجهاز التخطيط يأخذ شكلاً هرمياً تمثل قمته هيئة التخطيط العليا التي تضع الخطة الاقتصادية والاجتماعية وتقوم بالتنسيق بين هيئات التخطيط. وتشمل الخطة العامة جانبي الإنتاج والاستهلاك.

      فالخطة تحدد معدلات الإنتاج وكميته ونوعه على نحو تفصيلي يبين لكل وحدة من الوحدات الإنتاجية نصيبها من الإنتاج الكلي وما يلزم لتحقيق هذا الإنتاج من عناصر الإنتاج. وليس لأي وحدة أن تقوم بإنتاج سلعة جديدة دون أن تتلقى بذلك أوامر من سلطة التخطيط العليا.

      وجهاز الثمن في النظام الاشتراكي موجود ولكن لمهمة أخرى تختلف عن مهمته في النظام الرأسمالي. فالثمن في النظام الاشتراكي جزء من الخطة العامة، في حين أنه في النظام الرأسمالي المنظم الذي يضمن تحقيق التوازن بين العرض والطلب، فالثمن في النظام الاشتراكي مخطط ، ويتم التوازن بين العرض والطلب عن طريق الخطة العامة وتوزيع قدر من القوة الشرائية على العمال بقدر يتناسب مع مقدار الإنتاج.

      من هذا فإن التخطيط الذي يتميز بالشمول والمركزية والإلزامية يقوم بوظيفة السوق في النظام الرأسمالي ،وهو تخطيط شامل في كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية ويشمل هذا التخطيط تخطيط الإنتاج وتخطيط الاستهلاك وتخطيط العمل وتخطيط التوزيع والقطاعات الاقتصادية والغرض الأساسي لنظام التخطيط هو الملائمة بين الإنتاج القومي والاستهلاك والقومي مع المحافظة على تكوين رؤوس الأموال اللازمة لعملية الإنتاج.

      وبناءا على أسلوب التخطيط فإن الدولة في ظل النظام الاقتصادي الاشتراكي تمارس دورا أساسيا في الحياة الاقتصادية وأوجه النشاطات الاقتصادية المختلفة إذ أن أجهزة الدولة المختلفة هي التي تضع الخطط الاقتصادية وتشرف على تنظيمها وتنفيذها وعلى هذا الأساس تقوم الدولة بدور المنظم المباشر لعملية الإنتاج بوضع وتنفيذ السياسة الاقتصادية.

      5-    تصور حل المشكلة الاقتصادية في النظام الاقتصادي الاشتراكي : ترى الماركسية أن المشكلة الاقتصادية ناتجة في جوهرها عن التناقض القائم بين قوى الإنتاج وعلاقات الملكية وينعكس ذلك اجتماعيا من خلال خلق طبقتين متناقضتين متصارعتين هما  المالكين وغير المالكين وبالتالي فإن حل هذه المشكلة الاقتصادية يكون عند زوال هذا التناقض ويتم هذا وفقا لخطة شاملة عامة . فنظام الخطة هو البديل في نظام السوق الذي يعتمده النظام الرأسمالي في حل المشكلة الاقتصادية حيث تقوم الخطة المركزية الشاملة بالتنسيق بين مختلف القرارات الاقتصادية التي تعطي حلولا للجوانب المختلفة للمشكلة الاقتصادية وذلك عن طريق :

      –       تحديدها لما يجب أن ينتج وكمية الإنتاج مما يعطي حلا لمشكلة التخصيص .

      –       تحديدها لأسلوب الإنتاج مما يعطي حلا لمشكلة تنظيم الإنتاج .

      –        تحديدها للأجور مما يعطي حلا لمشكلة التوزيع .

      –    تحديدها للجزء من الناتج القومي الذي يذهب للاستهلاك والجزء الذي يذهب للادخار و الاستثمار مما يعطي حلا لمشكلة النمو الاقتصادي.

       

       

       

       

       

      النظام الاقتصادي الإسلامي

      وردت عدة تعار يف للاقتصاد الإسلامي حاول أصحابها الإحاطة بجميع جوانبه وخصائصه التي تميزه عن باقي الأنظمة الاقتصادية الوضعية منها :

      مجموعة الأصول والمبادئ الاقتصادية التي جاء بها الإسلام في نصوص القرآن والسنة ، والأساليب أو الخطط العلمية  والحلول الاقتصادية التي تتبناها السلطة الحاكمة.

      مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية التي تحكم النشاط الاقتصادي للدولة الإسلامية التي وردت في نصوص القرآن الكريم والسنة والتي يمكن تطبيقها بما يتلائم مع ظروف الزمان والمكان.

      هو مجموعة الأصول العامة التي نستخرجها من القرآن والسنة والبناء الاقتصادي الذي نقيمه على أساس تلك الأصول بحسب كل بيئة وعصر.

      من هذه التعاريف يبدوا أن الاقتصاد الإسلامي يقوم على شقين أحدهما ثابت والآخر متغير :

      الشق الثابت : هو ما عبر عنه التعريف بمجموعة الأصول العامة المستخرجة من القرآن والسنة والمتعلقة بشؤون الاقتصاد والمعاملات المالية كبيان أن أصل هو مال الله والبشر مستخلفين فيه(( ولله ما في السموات والأرض )) (( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه )) وأصل ضمان حد الكفاية لكل فرد في المجتمع  (( وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ))وأصل تحقيق العدالة الإجتماعية وحفظ التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع أي مبدأ توزيع الثروة وعدم استئثار فئة قليلة بها  كما دل عليه قوله تعالى (( كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم )) وأصل احترام الملكية الخاصة كما في قوله صلى الله عليه وسلم (( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) إضافة إلى ما جاء في منع الغش والإحتكار بجميع صوره وطرقه ومنع كل صور الضرر في التعاملات المالية والدعوة إلى الصدق وحسن المعاملة كم قال صلى الله عليه وسلم (( التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء)) وقوله أيضا ((  القناعة مال لا ينفذ))و ترشيد الإنفاق بالحجر على السفيه ومنع  التبذير (( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين )) وغيرها من المبادئ والقواعد العامة الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل مع الزمان والمكان بغض النظر عن درجة التقدم الاقتصادي في المجتمع.

      الشق المتغير: وهو ما عبر عنه التعريف بالبناء الاقتصادي الذي يقام على أساس تلك الأصول وهو محكوم بالتغير بحسب طبيعة كل بيئة عصر ويراد بالبناء الاقتصادي مجموعة التطبيقات والأساليب والخطط العملية والحلول الاقتصادية التي يكشف عنها فقهاء الاقتصاد لإحالة أصول الإسلام ومبادئه الاقتصادية إلى واقع مادي يعيش المجتمع في إطاره ومن قبيل ذلك بيان العمليات التي توصف بأنها ربا أو أصول الفائدة المحرمة، وبيان مقدار حد الكفاية أو الحد الأدنى للأجور، وإجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية أو إعادة التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع، ونطاق الملكية الخاصة والملكية العامة، وخطط التنمية الاقتصادية والتخطيط ..الخ، مما يتسع فيه مجال الاجتهاد وتتعدد فيه صور التطبيق، والتي تعبر عنها على المستوى الفكري باصطلاح النظرية أو النظريات الاقتصادية الإسلامية وعلى المستوى العملي والتطبيقي باصطلاح (النظام الاقتصادي الإسلامي .

      فالاقتصاد الإسلامي إذا يتمتع بذاتية تميزه عن باقي الأنظمة الاقتصادية الأخرى من خلال جمعه بين الثبات والتطور ثبات في مرجعيته ومذهبه وتطور في نظامه من خلال تغير  تطبيقاته بما يتوافق مع ظروف كل زمان وبيئة.

      -         خصائص الاقتصاد الإسلامي :

      باعتبار الاقتصاد الإسلامي أحد فروع الشريعة فإنه يتميز بما تتميز به الشريعة الإسلامية من خصائص تميزها عن باقي الشرائع الوضعية الأخرى ، ومن هذه الخصائص للإقتصاد الإسلامي :

      أ- ربانية المصدر والغاية: أي أن قواعده ومبادئه مستمدة من الوحي الإلاهي القرآن والسنة وما استمد منهما من المصادر الإجتهادية الإخرى كالإجماع والقياس  ومقاصد الشريعة وهذا يشكل الإطار الديني للنظام الاقتصادي الإسلامي  وهذا الإطار هو الذي يجعل النظام الاقتصادي الإسلامي قادرا على النجاح وضما ن تحقيق المصالح الاجتماعية العامة للفرد، فكانت الخاصية الأولى للاقتصاد الإسلامي أن  مصدره إلهي.

      والاقتصاد الإسلامي رباني الهدف حيث انطلاقا من مبدأ استخلاف الله للإنسان في ماله فالإنسان مؤتمن على هذا المال فلا يتصرف فيه إلا بما يرضي صاحب المال وعليه فالمسلم يكون نشاطه الاقتصادي مرتبطا بغاية إرضاء الله في سد حاجاته وحاجات المجتمع  ليتحول نشاطه الاقتصادي بهذه الغاية إلى عبادة  فيتقيد بما بأحكام الله ويلخص هذه الخاصية قوله تعالى (( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك )) وهذا ما يضفي على النظام الاقتصادي الإسلامي طابعا تعبديا بحيث يصبح النشاط الاقتصادي بهذه الغاية صورة من صور الطاعة والعبادة لله يحقق المقصد من الخلق (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )).

      ب- الجمع بين المصلحتين العامة والخاصة: ينفرد الإسلام بسياسة اقتصادية متميزة وذلك لجمعه بين المصلحتين العامة والخاصة، أي اعتبار مصلحة الفرد مع عدم إهدار مصلحة الجماعة والعكس فهو دين الوسطية والاعتدال يقول تعالى  ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا [

      فمبادئ الاقتصاد الإسلامي تعترف بالحرية الفردية كما تعترف بالملكية الفردية، ولكن في إطار من الالتزامات والحدود الشرعية والأخلاقية التي تعمل  على التوفيق والتوازن والتوسط مع الحقوق الجماعية.

      أما إذا وجد تعارض حقيقي بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة فإنه لا بد حينئذ من تقديم المصلحة العامة طبقًا للقاعدة الفقهية القائلة بأنه يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام  وقاعدة يدفع الضرر الأعلى بالضرر الأدنى.

       

       

      ينفرد الاقتصاد الإسلامي بموقفه المتميز ب التوفيق بين مصالح الفرد والجماعة، فهو يعترف بحرية الفرد ويضع لها الضوابط الكفيلة بدرء وقوع الأضرار على الجماعة، فإذا تعارضت المصلحتان فإنه يقدم مصلحة الجماعة على مصالح الفرد اعتمادا على القاعدة الشرعية ، فإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفهما فمبادئ الاقتصاد الإسلامي تعترف بالحرية الفردية كما تعترف بالملكية الفردية، ولكن في إطار من الالتزامات والحدود الشرعية والأخلاقية التي تعمل على التوفيق والتوازن والتوسط مع الحقوق الجماعية