مخطط الموضوع

  • أهمية الدروس: يعرف التحكيم لدى معظم المهتمين بالشؤون القانونية بأنه طريق خاص لحل المنازعات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية، إذ يعتمد أساسا على أن أطراف النزاع هم اللذين يختارون قضاتهم بدلا من الاعتماد على التنظيم القضائي في البلد الذي يعتمد فيه، وهكذا ينشأ التحكيم بما في ذلك التحكيم التجاري الدولي من إرادة طرفي الخصومة، فهذه الإرادة هي التي تحقق التحكيم وهي قوام وجوده وبغيرها لا يتصور أن يخلق أو يكون، ولقد اتجهت النظم القانونية الحديثة لدعم هذا النظام وتطويره نظرا لما يحتويه نظام التحكيم من سرعة بالإضافة إلى رضائية الأطراف بالحكم الذي يصدره المحكم ما جعل من التحكيم في نظر بعض التشريعات نموذجا يجب الأخذ به خاصة في مجال التجارة الدولية نظراً لملائمة التحكيم لطبيعة هذا المجال. الهدف من الدروس: تعتبر قواعد التحكيم المدرجة فيه من احدث ما توصلت إليه التشريعات والتطبيقات العالمية في مجال التحكيم التجاري ومن الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الجزائر في هذا الشأن خاصة اتفاقية نيويورك لسنة 1958 حتى تتماشى مع الأنظمة الأكثر تطورا وما توصل اليه الفقه والاجتهاد القضائي، لاسيما فيما يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل دون اشتراط وجود موطن أو مقر احد الأطراف في الخارج ، حيث جاء هذا القانون كمحاولة للمشرع الجزائري من اجل مواكبة التحول الذي يشهده العالم في الأنشطة التجارية والاقتصادية التي فرضها الاقتصاد العالمي.
  • الموضوع الاول: خصوصية نظام التحكيم التجاري الدولي كإحدى الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية:

          لقد اتجهت أغلب النظم القانونية الحديثة لدعم نظام التحكيم التجاري الدولي وتطويره نظرا لما يحتويه من سرعة وفعالية بالإضافة إلى رضائية الأطراف بالحكم الذي يصدره المحكم ما جعل من التحكيم في نظر بعض التشريعات نموذجا يجب الأخذ به خاصة في مجال التجارة الدولية نظراً لملائمة التحكيم لطبيعة هذا المجال .

          فالتحكيم هو طريق خاص لحل المنازعات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية ويعتمد أساسا على أن أطراف النزاع هم اللذين يختارون قضاتهم بدلا من الاعتماد على التنظيم القضائي في البلد الذي يعتمد فيه، وهكذا ينشأ التحكيم من إرادة طرفي الخصومة ، فهذه الإرادة هي التي تحقق التحكيم وهي قوام وجوده وبغيرها لا يتصور أن يخلق أو يكون. 

    المحور الأول: تعريف التحكيم التجاري الدولي:

    يعرف التحكيم لغة بأنه التفويض في الحكم فيقال حكمت فلانا في الأمر بمعنى فوضت اليه الحكم في الأمر، أما في الفقه الإسلامي فهو تولية الخصمين حكما يحكم بينهما في أمر معين، أما اصطلاحا فهو وسيلة لفض النزاعات القائمة و المستقبلية، قوامه العزوف عن اللجوء للقضاء المختص و طرح النزاع أمام شخص أو جماعة أو هيئة يسمون بالمحكمين تناط بهم مهمة النظر و الفصل في النزاع القائم بناءا على اتفاق الخصوم.

        وعلى العموم يمكن أن نعرف التحكيم التجاري الدولي على انه هو الاتفاق على طرح النزاع ذوالطابع الاقتصادي على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة، فمقتضى التحكيم نزول الأطراف الذين ينتمون إلى قوانين مختلفة عن اللجوء إلى القضاء مع التزامهم بطرح النزاع على محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بحكم ملزم للخصوم ، وقد يكون هذا الاتفاق تبعا لعقد معين يذكر في جوهره يسمى شرط التحكيم وقد يكون بمناسبة نزاع معين قائم بالفعل بين الخصوم ويسمى في هذه الحالة مشارطة التحكيم .

    المحور الثاني: تمييز التحكيم التجاري الدولي بما يشتبه به من مسائل أخرى:

      يتميز التحكيم بطبيعته القانونية عن غيره من الطرق التي قد يسلكها الأطراف أثناء البت في النزاع مثل الخبرة و الصلح و الوكالة والتوفيق.

    -       التحكيم و الخبرة:  فالمحكم هنا يقوم بوظيفة القضاء و يحسم النزاع بين الخصوم و رأيه يفرض عليهم ، بينما الخبير فلا يكلف إلا لإبداء رأيه فيما يطرح عليه من مسائل دون أن يلزم القاضي والأطراف بما يصدر عنه من آراء، فالمحكم يصدر حكما و يتقيد بالوقائع و المواعيد و الإجراءات المقررة في اتفاقية التحكيم، بينما الخبير يصدر تقريرا دون أن يتقيد بالإجراءات و المواعيد المنصوص عليها في قرار تعيينه أو انتدابه.

    -       التحكيم والصلح:  الصلح عقد يتم بين أطراف الخصومة أنفسهم أو بمن يمثلونهم يقومون بمقتضاه بحسم خلافاتهم عن طريق نزول كل طرف عن بعض ما يتمسك به، بينما في التحكيم يقوم المحكم بمهمة القضاء – فالتحكيم اشد خطورة من الصلح لأن التجاوز عن الحق في الأخير معلوم قبل تمامه بينما في التحكيم تتعذر معرفة ما قد يمكن أن يحكم به، كما يلاحظ أن عقد الصلح غير قابل للتنفيذ في ذاته ما لم يتم في صورة عقد رسمي أو يتم أمام المحكمة، بينما يصدر حكم التحكيم قابلا للتنفيذ بإتباع القواعد العامة وبعد الحصول على الأمر بتنفيذه كما أنه لا يمكن الطعن على عقد الصلح بطرق الطعن المقررة بالنسبة للحكام وان كان قابلا للبطلان أو الفسخ.

    -       التحكيم والوكالة: نلاحظ هنا أن الوكيل يستمد سلطاته من الموكل الذي يملك حق التنصل من عمل الوكيل إذا خرج عن حدود وكالته، بينما المحكم فهو مستقل تمام الاستقلال عن الخصوم ، فبمجرد الاتفاق على التحكيم تصبح له صفة القاضي بحيث لا يجوز للإطراف أن يتدخلوا في عمله حتى أن حكمه يفرض عليهم ، إضافة إلى أن للأطراف حرية اختيار و تعيين المحكمين.

    -       التحكيم والتوفيق: يهدف التوفيق أو المصالحة إلى تقريب وجهات نظر المتنازعين بقصد الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع، ويظهر مجاله في القانون الدولي إذ يتم بواسطة اللجان تسمى لجان التوفيق ، إذ لا يقتصر عملها على تقصي المسائل القانونية بل تسعى إلى إثارة كل المسائل التي من شانها إيجاد حل للنزاع وتسويته، فهي تتحرى عن الاعتبارات القانونية لإيجاد حلول تراعي مصالح الخصوم، عكس التحكيم الدولي الذي هو مرتبط أساسا بالقانون المختص وباتفاقية التحكيم التي تحدد مجال عمل المحكمين.

     وعليه فالتوفيق هو وسيلة سلمية لتسوية المنازعات الدولية ، تقوم به لجنة تتكون من شخصيات قد تكون دبلوماسية أو خبراء أو رجال قانون، على أن تقوم هذه اللجنة بتحليل الوقائع والمشاكل القانونية ثم إعداد تقارير بذلك، وبالتالي فمجال التوفيق هو أحكام القانون الدولي في حين أن القانون الواجب التطبيق في التحكيم يختار من قبل الأطراف.

     


  • الموضوع الثاني: الطبيعة القانونية للتحكيم التجاري الدولي:

         تتلخص الطبيعة القانونية للتحكيم التجاري الدولي في مقولة فقيه القانون التجاري الدكتور محسن شفيق "التحكيم في الحقيقة ليس اتفاقا محضا، وليس قضاءا محضا، وإنما هو نظام يمر في مراحل متعددة، يلبس في كل منها لبسا خاصا و يتخذ طابعا مختلفا، فهو في أوله اتفاق، وفي وسطه إجراء، وفي آخره حكم، وينبغي مراعاة اختلاف هذه الصورة عند تعيين القانون الواجب التطبيق"، من هنا تظهر أهمية تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم التجاري الدولي في البحث عن القانون الواجب التطبيق على النزاع وكل ما يتعلق بحكم التحكيم وطلب تنفيذه، فهناك من يضفي عليه الطبيعة التعاقدية وهناك من يصبغ عليه الطبيعة القضائية.

    المحور الأول: الطبيعة التعاقدية للتحكيم التجاري الدولي:

        انطلاقا من هذا الطرح فالتحكيم نظام ذو طبيعة تعاقدية يقوم أساسا على اتفاق أو إرادة أطراف النزاع سواء كان هذا الاتفاق ضمن عقد اتفاقية التحكيم أو مشارطة مستقلة عنه، وبمعنى آخر فان التحكيم يخضع لقانون الإرادة الذي يحكم موضوع النزاع، والذي مفاده إشباع رغبة الأفراد في حل نزاعاتهم بطريقة سلمية، فهم باتفاقهم هذا إنما يتفقون ضمنا على التنازل عن الدعوى وإحالتها على المحكمين الذين يفصلون في النزاع، وعليه فالمحكم ليس قاضيا وإنما نائبا عن الخصوم في الإعلان عن إرادتهم بشان ما يرد عليه النزاع من خلال تفسير الشروط العقدية، وهو الأمر الذي يؤكد أن مصدر الأحكام التحكيمية وقوتها التنفيذية هو اتفاق الأطراف، هذا ويذهب البعض إلى القول بان التحكيم يختلف في أهدافه عن القضاء، ففي حين يرمي القضاء إلى تحقيق المصلحة العامة، يهدف التحكيم إلى تحقيق مصالح خاصة بالأطراف المتنازعة.

    المحور الثاني: الطبيعة القضائية للتحكيم التجاري الدولي:

         يرى أصحاب هذا الطرح أن التحكيم نظام ذو طبيعة قضائية لا تعاقدية باعتبار أن المحكم هنا يقوم بوظيفة هي ممنوحة أساسا للقاضي ، فتغليب المهمة القضائية التي يقوم بها المحكم هي التي تحدد الطبيعة القضائية للتحكيم باعتباره قاضيا يختاره الخصوم لإرساء العدل بينهم.

         كما أن أحكام التحكيم تقترب تماما من الأحكام الصادرة عن القضاء ، فعندما يتفق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم فهم لا يتنازلون فقط عن الالتجاء إلى القانون الرسمي لصالح قضاء خاص يختارون فيه قضاتهم و تعترف به الدولة، وعليه فالتحكيم يعد نوع من أنواع القضاء، وما يعيب على هذه النظرية هو اعتبار الحكم التحكيمي له نفس درجة الحكم القضائي، وهو غير صحيح على اعتبار أن هذا الأخير هو حكم قابل للتنفيذ بذاته، عكس الحكم التحكيمي الذي لابد أن يقرن بالصيغة التنفيذية حتى يمكن تنفيذه.

    المحور الثالث: الطبيعة الخاصة للتحكيم التجاري الدولي:

        يرى أصحاب هذا الطرح أن التحكيم هو نظام قضائي استثنائي كونه وسيلة مختلفة عن القضاء و في نفس الوقت موازية له، فالتحكيم إذن تتعاقب عليه صفتان الأولى هي الصفة التعاقدية حتى تبدو واضحة في اختيار الخصوم لقضاء التحكيم كوسيلة لفض نزاعاتهم وإحجامهم على التوجه نحو قضاء الدولة بالإضافة إلى اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، غير أن التحكيم يغير من طبيعته التعاقدية هذه إلى طبيعته القضائية – الصفة الثانية- من خلال تدخل القاضي بعد أن  يلجأ إليه الأطراف لإصباغ حكم التحكيم الصفة التنفيذية فيتحول قرار التحكيم إلى حكم قضائي.


  • الموضوع الثالث: خصائص اتفاقية التحكيم التجاري الدولي:

        نقصد بعبارة اتفاق التحكيم المعنى الذي أوردته المادة 1040/01 من قانون 08/09 و المتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها ( تسري اتفاقية التحكيم على النزاعات القائمة والمستقبلية ) فالمقصود هنا بالنزاعات القائمة مشارطة التحكيم أما النزاعات المستقبلية فهي شرط التحكيم.

    المحور الأول: دولية التحكيم:

        حيث تنص المادة 1039 نفس القانون على ( يعد التحكيم دوليا، بمفهوم هذا القانون، التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل )، فالنص هنا يقوم بتعريف التحكيم التجاري الدولي بأنه النزاع المتعلق بالمصالح الاقتصادية لدولتين أو أكثر، وعليه لا نكون أمام تحكيم تجاري دولي إلا إذا توفر فيه عنصرين أساسين هما النزاع التجاري وان يكون الأشخاص دولتين فأكثر.

       فعلى هذا الأساس يكون المشرع الجزائري قد تبنى معيارين لتحديد دولية التحكيم:

    أولا: المعيار الاقتصادي: باعتباره نظام قانوني لحل الخلافات الناجمة عن عقود التجارة الدولية في إطار العلاقات الاقتصادية بين الدول.

    ثانيا: المعيار القانوني: انطلاقا من المادة 1039 فقد أصبح بمقدور الجزائر ضمان التحكيم التجاري الدولي للأجانب سواء كانوا دولا أو شركات أجنبية، وهذا ما يعتبر تطورا ملحوظا للتشريع الإجرائي الجزائري الذي كان يشترط في السابق في القانون رقم 66/157 أن يكون مقر أو موطن احد الأطراف على الأقل في الجزائر، هذا التطور الذي يعد بحق بمثابة ضمانة للمستثمرين الأجانب أملته علينا ضرورات الانفتاح الاقتصادي الذي بشهده العالم اليوم.

    المحور الثاني: شروط إبرام اتفاقية التحكيم:

    لقد قامت المادة 1040 بتحديد أهم الشروط الواجب توافرها في اتفاقية التحكيم، حيث قامت بتقسيمها إلى شروط شكلية وجب مراعاتها تحت طائلة البطلان، وشروط موضوعية نصت عليها الفقرة 03 .

    أولا: الشروط الشكلية: نصت الفقرة الثانية من المادة 1040 على انه( يجب من حيث الشكل، وتحت طائلة البطلان، أن تبرم اتفاقية التحكيم كتابة، أو بأية وسيلة اتصال أخرى تجيز الإثبات بالكتابة)، وعليه فلابد تترجم وثيقة التحكيم في وثيقة مكتوبة أو بأية شكلية أخرى من شانها أن تقبل الإثبات بالكتابة، وأي خروج على هذه الشكلية أو عدم احترامها يرتب البطلان، ويتفق الكثير هنا على أن المقصود بالاتفاق المكتوب هو شرط التحكيم المبرمج في عقد أو اتفاق التحكيم، غير انه يثور التساؤل حول المقصود بوسائل الاتصال القابلة للإثبات بالكتابة ؟ خاصة وان المشرع لم يحدد نوع هذه الوسائل، رغم أن بعض التشريعات وعلى رأسها اتفاقية نيويورك لسنة 1958 المادة 02 منها، والتشريع السويسري في المادة 178 قد حددتها على سبيل المثال في الخطابات المتبادلة والبرقيات والتيلكس.  

    ثانيا: الشروط الموضوعية:  في هذا الإطار نصت الفقرة 03 من المادة 1040 على(تكون اتفاقية التحكيم صحيحة من حيث الموضوع، إذا استجابة للشروط التي يضعها إما القانون الذي اتفق الأطراف على اختياره أو القانون المنظم لموضوع النزاع أو القانون الذي يراه المحكم ملائما)، و عليه تكون اتفاقية التحكيم صحيحة من حيث الموضوع إذا ما أبرمت حسب الأحكام المنصوص عليها فيما يلي:

    -      القانون الذي اتفق الأطراف على اختياره.

    -      القانون المنظم لموضوع النزاع.

    -      القانون الذي يحدده المحكم.

            إذ يمكن القول أن المشرع الجزائري هنا قد اخذ بما يعرف بازدواجية الإرادة من خلال إعطاء الأطراف الحرية في اختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع، وفي حالة انعدام هذا الاتفاق يتدخل المحكم لتحديده، وهو الأمر الذي فرضته دولية العقود و اتفاقات التحكيم قصد التقليل من صرامة القوانين الوطنية التي من شانها أن تتطور وتقضي ببطلان اتفاق التحكيم

    المحور الثالث: استقلالية اتفاق التحكيم:

        لقد اخذ المشرع الجزائري بهذا المبدأ بموجب الفقرة 03 من المادة 1040 السابقة الذكر بقوله: ( لا يمكن الاحتجاج بعدم صحة اتفاقية التحكيم، بسبب عدم صحة العقد الأصلي)، ويقصد بهذا المبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بالنسبة للعقد الأساسي أو الأصلي، و بمعنى آخر أن يكون اتفاق التحكيم في وضعية مستقلة بالنسبة للعلاقة القانونية التي يرتبط بها ، من هنا فاتفاق التحكيم التجاري الدولي يتمتع باستقلالية قانونية لا تتأثر باحتمالات إبطال العقد الأصلي، وما يترتب على ذلك من استمرار المحكمين في نظر النزاع وإصدار الحكم بصدده، فهو بذلك لا ينفي الاختصاص للمحكم في تحديد الحقوق للأطراف والفصل في ادعاءاتهم وطلباتهم.

     

     


  • الموضوع الرابع: النظام القانوني الذي يحكم التحكيم التجاري الدولي:

           باستقراء نصوص الفصل السادس المتعلقة بأحكام التحكيم التجاري الدولي و تنظيمه يمكننا أن نستنتج أن التحكيم هو طريق خاص لحل المنازعات مفاده الخروج عن طرق التقاضي العادية، إذ يقوم على أساس أن أطراف النزاع هم الذين يختارون قضاتهم بدلا من الاعتماد على التنظيم القضائي، وبالتالي نشوء التحكيم بإرادة طرفي الخصومة، فهذه الإرادة هي التي تحقق التحكيم وهي قوام وجوده .

          فهذه الطبيعة الاختيارية للتحكيم لا تقتضي أن يتنازل الأطراف عن حقهم في الالتجاء إلى القضاء، إذ أن إرادة المحتكمين في عقد التحكيم تقتصر فقط على حلول المحكم محل المحكمة في نظر النزاع، وفي حالة الخلاف تعود سلطة الحكم إلى المحكمة المختصة.

    المحور الأول: تعيين المحكمين و استبدالهم:

    في هذا المجال نصت المادة 1041 على انه: ( يمكن للأطراف، مباشرة أو بالرجوع إلى نظام التحكيم، تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد شروط تعيينهم و شروط عزلهم أو استبدالهم.

     في غياب التعيين، وفي حالة صعوبة تعيين المحكمين أو عزلهم أو استبدالهم، يجوز للطرف الذي يهمه التعجيل القيام بما يأتي:

    1- رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر.2- رفع الأمر إلى رئيس محكمة الجزائر، إذا كان التحكيم يجري في الخارج و اختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر).

    و تجدر الإشارة إلى أن هذه المادة ما هي إلا نسخة عن المادة 458 مكرر 2 من القانون القديم و لم تأتي بأي شيء جديد، وعليه يمكن القول أن الفقرة الأولى من المادة 1041 تجيز للأطراف تعيين محكم أو أكثر، وتحديد شروط تعيينهم و عزلهم أو استبدالهم سواء كان الأمر من تلقاء نفسهم أو بالرجوع إلى قواعد التحكيم المتفق عليها، وهذا ما يدل على أن للأطراف الحرية في تعيين المحكمين مسبقا في اتفاق التحكيم أو بمجرد نشوء النزاع، أما إذا كان التحكيم يتطلب أكثر من محكمين اثنين فيمكن للأطراف أن تعين المحكم الثالث أو أن تترك ذلك للمحكمين المعينين.

        هذا ويؤدي الرجوع إلى النظام التحكيمي حسب المادة 1041/02 ( يمكن للأطراف، مباشرة أو بالرجوع إلى نظام التحكيم تعيين المحكم أو المحكمين ...) إلى تدخل هيئة دائمة للتحكيم من اجل تعيين المحكمين باعتبار أن النظام التحكيمي ما هو إلا نتاج اتفاق إرادتي الأطراف المتنازعة التي يمكنها أن تختار أية هيئة دائمة، و التي تكون في اغلب الأحيان نظام تحكيم الغرفة التجارية الدولية ، وهو الأمر المعتمد في الجزائر، أما في حالة غياب ذلك فلابد من الرجوع إلى القاضي .

      وعليه ففي حالة انعدام الأوضاع السابقة الذكر يجوز لمن يهمه الأمر أن يرجع إلى:

    ·       رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم في حالة ما إذا كان التحكيم داخل الجزائر.

    ·       وفي حالة ما إذا تم التحكيم خارج الجزائر وقرر الأطراف اللجوء إلى القانون الإجرائي الجزائري فيمكن الرجوع إلى رئيس محكمة الجزائر بهدف استصدار أمر تعيين نحكم أو أكثر أو بهدف تحديد شروط تعيينهم أو عزلهم أو استبدالهم، أما إذا لم تحدد الجهة القضائية المختصة في هذه الحالات فان الاختصاص يؤول مباشرة إلى المحكمة التي يقع دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان التنفيذ حسب المادة 1042 .

         أما فيما يتعلق بحالات رد المحكمين فقد حصرتها المادة 1016 في ثلاثة حالات أساسية هي:

      * أن يكون المحكم غير مؤهل، أن يكون سبب الرد متفق عليه في نظام التحكيم المعتمد من الأطراف.

      * في حالة وجود علاقات اقتصادية أو مصالح مباشرة بين المحكم واحد الأطراف. حيث تخضع هذه الحالات إلى نفس إجراءات التعيين المنصوص عليها في المادة 1041 السابقة الذكر.

    المحور الثاني: الإجراءات التحكيمية:

        لعل ابرز تعديل نلاحظه هنا هو توفيق المشرع الجزائري في استبدال مصطلح القرار التحكيمي بـ: الحكم التحكيمي وهو تدارك في محله كما سنرى.

    اولا: قواعد تطبيق الإجراءات التحكيمية:

    تنص المادة 1043 من قانون 08/09 بمايلي:( يمكن أن تضبط اتفاقية التحكيم، الإجراءات الواجب إتباعها في الخصومة مباشرة أو استنادا على نظام التحكيم، كما يمكن إخضاع هذه الإجراءات إلى قانون الإجراءات الذي يحدده الأطراف في اتفاقية التحكيم.

      إذا لم تنص الاتفاقية على ذلك، تتولى محكمة التحكيم ضبط الإجراءات، عند الحاجة، مباشرة أو استنادا إلى قانون أو نظام التحكيم)، من النص نجد أن تحديد قواعد الإجراءات التحكيمية تخضع للحرية الكاملة للأطراف المتعاقدة أو من طرف محكمة التحكيم، حيث يجوز للأطراف الاتفاق على الإجراءات الواجب إتباعها في الهيئة التحكيمية أو بناءا على نظام تحكيمي مستقل عن الاتفاقية، كما يمكن أن تخضع هذه الإجراءات إلى القانون الإجرائي الذي يختاره الأطراف، سواء كان قانون احد الأطراف أو قانون الدولة التي يقيمون فيها، فالمشرع في هذه المادة لم ينص على أن قانون الإجراءات الجزائري هو الواجب التطبيق في حالة ما تم التحكيم في الجزائر.

            من هنا يمكن القول انه في حالة ما إذا كان التحكيم واقعا في الجزائر خاضعا لقانون إجرائي غير جزائري فان تدويل هذه القواعد لا يخل بالنظام العام الإجرائي، إلا إذا كان هناك مساس بمبدأ المساواة بين الأطراف ومبدأ وجاهية المحكمة، أما في حالة عدم نص الاتفاقية أو عدم ورود اتفاق بين الأطراف لتحديد الإجراءات يجوز لمحكمة التحكيم التدخل وضبط هذه الإجراءات مباشرة أو استنادا إلى قانون أو نظام تحكيمي حسب كل حالة على التوالي بموجب الفقرة 03 من المادة 1043.

         أما المادة 1044 من نفس القانون فتعتبر بمثابة قيد على اختصاص محكمة التحكيم فيما يتعلق بها فقط من اختصاص بحيث لا يمكن تجاوز حدود هذا الاختصاص، هذا و يجب على الأطراف إثارة الدفع بعدم الاختصاص كدفع أولي قبل إثارة دفوع الموضوع.

        بالإضافة إلى ذلك يجب على المحكمة أن تفصل في موضوع اختصاصها من عدمه بقرار أولي ولا يتم ذلك إلا بالفصل في موضوع الاختصاص أولا ثم الانتقال للفصل في الموضوع، أما إذا كان الاختصاص مرتبطا ارتباطا وثيقا بالموضوع فانه يجوز للمحكمة البت في الدفع بعدم الاختصاص إلى ما بعد دراسة الموضوع حسب الفقرة الثانية من المادة 1044 .  

       وفي هذا السياق جاءت المادة 1045 لتقيد من اختصاص القاضي عندما نصت على:( يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع، إذا كانت الخصومة التحكيمية قائمة، أو إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم على أن تثار من احد الأطراف)، والملاحظ هنا أن المشرع قد استغنى عن عبارة " تعليق الاختصاص" الواردة في المادة 158 مكرر 8 من القانون القديم، وفضل عبارة "عدم الاختصاص" بالنسبة للقاضي بالفصل في موضوع النزاع إذا كان بصدد إحدى الحالتين التاليتين:

    1-     إذا كانت هناك خصومة تحكيمية قائمة بين طرفي النزاع.

    2-     في حالة ما تأكد القاضي من وجود اتفاقية التحكيم أثارها احد الأطراف.

    ثانيا: الإجراءات المؤقتة أو التحفظية:

         في هذا الصدد يمكن القول بان القانون 08/09 قد منح لأطراف النزاع اختصاصات كانت تعد من قبيل الاختصاصات الأصيلة للقاضي، ويتعلق الأمر هنا باتخاذ التدابير المؤقتة والتحفظية التي نصت عليها المادة 1046 بقولها:(يمكن لمحكمة التحكيم أن تأمر بتدابير مؤقتة أو تحفظية بناء على طلب احد الأطراف، ما لم ينص اتفاق التحكيم على خلاف ذلك.

      إذا لم يقم الطرف المعني بتنفيذ هذا التدبير إراديا، جاز لمحكمة التحكيم أن تطلب تدخل القاضي المختص، ويطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي.

       يمكن لمحكمة التحكيم أو للقاضي أن يخضع التدابير المؤقتة أو التحفظية لتقديم الضمانات الملائمة من قبل الطرف الذي طلب هذا التدبير)، وعليه يمكن لأطراف الخصومة التحكيمية منفردين أو مجتمعين الطلب من محكمة التحكيم اتخاذ إحدى التدابير المؤقتة أو التحفظية ما لم بنص اتفاق التحكيم على غير ذلك، بحيث يكون هذا التدبير ملزما للطرف الذي صدر في حقه، وفي حالة عدم إقدام الطرف المعني بتنفيذ هذا التدبير بمحض إرادته يجوز لمحكمة التحكيم أن تطلب تدخل القاضي المختص في هذا الشأن بحيث يكون قانون بلد القاضي هو القانون الواجب التطبيق.

          كما أجازت الفقرة 03 من نفس المادة لمحكمة التحكيم أو للقاضي بحسب طبيعة الحال أن يقوم باستبدال التدابير المتخذة بضمانات يقدمها الطرف الملزم بتنفيذها، أي الطرف الذي صدرت في حقه.

          هذا وقد يتساءل البعض عن طبيعة هذه التدابير التي قصدها المشرع والمقصود بها، وفي محاولة لنفي هذا الغموض نجد أن المقصود بها هنا هو مجموعة التدابير التي تتخذ لحماية الأموال والحقوق مثل الحجز الاحتياطي والتامين وحق حبس المنقول وغيرها، أما التدابير المؤقتة فيقصد بها الإجراءات التي من شانها أن تنظم وقتيا حالة مستعجلة إلى حين صدور قرار نهائي بشأنها مثل حالات الحراسة القضائية على الأموال. 

    هذا وتجدر الإشارة إلى أن الإجراء المؤقت لا يرمي إلى الفصل في موضوع النزاع ولكن للوصول إلى نتيجة ثانوية كالكفالة والحجز على الأموال، وعليه يمكن تقسيم الإجراءات المؤقتة إلى ثلاثة أنواع كالتالي:   -   التدابير المتعلقة بتقديم الأدلة والاحتفاظ بها .

    -      التدابير التي ضمان استقرار العلاقات القانونية بين الأطراف المتنازعة.

    -      التدابير التي تهدف إلى إيجاد حالة واقعية .

    ثالثا: الأحكام المتعلقة بالأدلة:

         من اجل التأكيد على فاعلية محكمة التحكيم في حل النزاعات نصت المادة 1047 على ضرورة أن: (تتولى محكمة التحكيم البحث عن الأدلة)، وهو نفس ما ذهبت إليه المادة 1048.

      فوظيفة البحث عن الدليل التي ألزمت بها المحكمة أثارت الجدل في أوساط المهتمين بالقانون حيث ذهب البعض منهم إلى القول بان وظيفة محكمة التحكيم تنحصر فقط بإصدار الأحكام بعد سماع الخصوم وتفحص الأدلة التي قدموها، إذ تباشر المحكمة بنفسها مهمة دراسة و مناقشة الأدلة المتوفرة من اجل استخلاص النتائج وإصدار الحكم، وغير ذلك يعد خروجا عن اختصاصه، إذ لا يمكن لمحكمة التحكيم أن تسعى بنفسها وراء البحث عن الأدلة وتقديمها، ولعلنا نتساءل هنا عن الدور الذي يمكن أن يقوم به أطراف الخصومة ؟، وهو نفس الأمر الذي ذهبت إليه المادة 1048 .

     

    رابعا: القانون الواجب التطبيق:

       مما سبق عرضه يتضح أن المشرع الجزائري قد أعطى حرية كافية للأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع وفق ما يقتضيه مبدأ سلطان الإرادة، غير انه في حالة ما إذا لم يقم الأطراف بتحديد القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة تتدخل محكمة التحكيم مباشرة وتختار هذا القانون استنادا إلى قواعد القانون والأعراف التي تراها ملائمة وهو الأمر الذي ذهبت إليه المادة 1050 من القانون 08/09 محا الدراسة عندما نصت:( تفصل محكمة التحكيم في النزاع عملا بقواعد القانون الذي اختاره الأطراف، وفي غياب هذا الاختيار تفصل حسب قواعد القانون والأعراف التي تراها ملائمة)، فالأصل في هذه المادة أن تتولى محكمة التحكيم الفصل في النزاع بموجب القانون الذي اختاره الأطراف، لكن وفي حالة عدم وجود هذا الاحتيار فللمحكمة أن تلجا إلى تطبيق ما تراه ملائما لإرضاء الأطراف وإحقاق الحق بما في ذلك الأعراف السائدة.

        وهذا يكون المشرع الجزائري قد انتهج نفس توجه نظام التحكيم الدولي المعمول به عالميا و القائم على تحرير الأطراف والمحكمين من أية قيود قد يفرضها عليهم القانون الخاضعين له، من خلال أعطاء الأولوية لإرادة الأطراف والمحكم في إعمال وتطبيق الأعراف التجارية المعمول بها ، وهو ما نصت عليه المادة 13/03 من نظام تحكيم الغرفة التجارية الدولية بقولها:( للأطراف حرية تحديد القانون الواجب على المحكم تطبيقه على موضوع النزاع، فإذا لم يحدده الأطراف طبق المحكم القانون الذي يحدد قاعدة التنازع التي يراها المحكم ملائمة في هذا الخصوص).. 

     


  • الموضوع الخامس: الآثار القانونية المترتبة على التحكيم التجاري الدولي " الاعتراف بالحكم التحكيمي و تنفيذه "

       بعد أن تقوم الهيئة المكلفة بالتحكيم بدراسة ومعالجة حيثيات النزاع المعروض عليها، تقوم بإصدار حكم تحكيمي نهائي يكون ملزما لجميع الأطراف، هذا الحكم الذي يجب أن يعترف به من قبل الجهات القضائية المختصة بذلك حتى يدخل النظام القانوني الوطني من خلال إضفاء الصبغة التنفيذية عليه.

       حتى يسري الحكم التحكيمي داخل النظام القانوني الجزائري لا بد أن يتم الاعتراف به أولا، وحتى يصبح قابلا للتنفيذ داخل الوطن لابد أن تضفى عليه الصبغة التنفيذية من الجهة القضائية المختصة.

    المحور الأول: الاعتراف بالحكم التحكيمي:

         لم يقم المشرع الجزائري سواء في القانون رقم 66/157 أو في القانون رقم 08/08 بتعريف الاعتراف بأحكام  التحكيم الأجنبية، ولكنه قام فقط بتبيان أهم الشروط الواجب توافرها حتى يعترف بها، وعليه نصت المادة  1051 من قانون 08/09 على انه:( يتم الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي في الجزائر إذا اثبت من تمسك بها وجودها، وكان هذا الاعتراف غبر مخالف للنظام العام الدولي.

     وتعتبر قابلة للتنفيذ في الجزائر وبنفس الشروط، بأمر صادر من رئيس المحكمة التي صدرت أحكام التحكيم في دائرة اختصاصها أو محكمة محل تنفيذ إذا كان مقر محكمة التحكيم موجودا خارج الإقليم الوطني)، فبموجب هذه المادة يمكن الاعتراف بالأحكام التحكيمية الدولية داخل النظام الجزائري إذا ما توافر فيها شرطان رئيسيان هما:

    1-     ضرورة قيام المتمسك بهذه الأحكام بإثبات صحة وجودها حسب الكيفية التي حددتها المادة 1052 التي تنص على:( يثبت حكم التحكيم بتقديم الأصل مرفقا باتفاقية التحكيم أو بنسخ عنهما، تستوفي شروط صحتها)، حيث يجب على المعني أو المتمسك بالحكم التحكيمي تقديم أصل الحكم الصادر من محكمة التحكيم مرفوقا باتفاقية التحكيم، وفي حالة ما إذا تعذر على المعني تقديم الأصل فيجوز له الاقتصار فقط على نسخة من كليهما تستوفيان صحتهما، تودع مباشرة بأمانة ضبط الجهة القضائية المختصة من الطرف الذي يهمه التعجيل.

    2-     أن يكون الاعتراف الممنوح لهذه الأحكام غير مخالف للنظام العام الجزائري، فبمجرد استيفاء الأحكام لهذه الشروط فإنها تصبح قابلة للتنفيذ داخل الجزائر في حدود دائرة اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم، أو من رئيس محكمة محل التنفيذ في حالة ما إذا كان الحكم قد صدر في خارج التراب الوطني.

    المحور الثاني: تنفيذ حكم التحكيم الدولي:

         يعتبر التنفيذ في مجال التحكيم التجاري الدولي امتداد لدور القاضي إلى ما بعد صدور الحكم التحكيمي، إذ أن أحكام التحكيم لا تكتسب بذاتها القوة التنفيذية التي تخولها الحصول على الحماية القضائية بواسطة التنفيذ الجبري فهي لوحدها لا تعتبر سندات تنفيذية إلا بعد صدور أمر قضائي من الجهة المختصة أي الصيغة التنفيذية.

         وعليه فان إضفاء الصيغة التنفيذية يمثل في حد ذاته اعترافا من القضاء المختص بصلاحية الحكم وإمكانية تنفيذه جبرا بكافة الطرق المتاحة قانونا، من هنا ينحصر دور القضاء في التأكيد من توفر الشروط اللازمة في الحكم لتنفيذه من دون التدخل في الموضوع، فالقاضي هنا لا يملك سلطة التحقق من عدالة الحكم المراد تنفيذه لأنه لا يعد هيئة استئنافية، ولكنه يملك سلطة التأكد من صحة إجراءاته وإمكانية تنفيذه دون أن يتعارض مع القانون الوطني أو أن يخالف النظام العام حسب ما نصت عليه المادة 1006 من قانون 08/09 ، وهو الأمر الذي أيدته المادة 1035 عندما نصت على أن يكون الحكم التحكيمي سواء النهائي أو الجزئي أو التحضيري قابلا للتنفيذ بموجب أمر يصدره القاضي رئيس المحكمة الذي صدر في دائرة اختصاصها أصل الحكم، على أن يودع هذا الأخير في أمانة ضبط المحكمة من قبل الطرف الذي يهمه التعجيل.

        وفي حالة ما إذا اصدم الحكم برفض التنفيذ من طرف القاضي المختص، فيجوز للأطراف استئناف أمر الرفض خلال مهلة 15 يوما ابتداءا من تاريخ الرفض أمام المجلس القضائي الذي تقع المحكمة في دائرة اختصاصه على أن يتحمل الأطراف جميع نفقات إيداع العرائض و الوثائق واصل الحكم.

      أما في حالة ما إذا قبل أمر التنفيذ يجوز للأطراف أن يطلبوا من رئيس أمناء الضبط بالمحكمة المختصة نسخة رسمية من الحكم التحكيمي الممهور بالصيغة التنفيذية حسب المادة 1036 .