مخطط الموضوع

  • مقدمة

    • مقدمة :

       تقوم الدولة من أجل إشباع حاجات الجمهور  والمواطنين بعدة مهام وواجبات من أجل إرضاءهم, وعليه تضطر بإنفاق الكثير من الأموال لكي تحققها و كذلك تستعين بخدمات  بعض الاشخاص مما يستلزم على الدولة ان تدفع مقابل يتمثل في اموال ومبالغ نقدية تنفقها  بقصد إشباع الحاجات العامة  هذه المبالغ هي النفقات العامة  ولكي تحصل الدولة عليها لابد من إيجاد هذه المداخيل أو ما يعرف بالإيرادات العامة التي تتحصل عليها من عدة مصادر مختلفة , هذه الأمور تسمى في النهاية المالية العامة للدولة وهو ما جعل المهتمين من الدارسيين بدراسة علم المالية العامة  وعليه سنحاول في هذه المطبوعة تناول المواضيع المهمة في مقياس المالية العامة متناوليين بالشرح البسيط والوجيز أهم المحاور التي تقوم عليها المالية العامة من خلال أربعة محاور يتعلق المحور الأول بمدخل لدراسة علم المالية العامة والثاني نتناول فيه الإيرادات العامة للدولة ثم في المحور الثالث النفقات العامة و في المحور الرابع سنتطرق لمفهوم الميزانية وكيفيات تحضيرها و تنفيذها؟


  • المحور الأول

    • المحور الأول: مدخل إلى دراسة المالية العامة

      - نشأة وتطور علم المالية العامة

      - تعريف علم المالية العامة

      - علاقة علم المالية العامة بالعلوم الأخرى

      - مصادر قانون المالية العامة

      1- نشأة وتطور علم المالية العامة:

             من البديهي أنه لا وجود لمالية الدولة قبل وجود الدولة ذاتها، غير أن ما يمكن الإشارة إليه هو أنه وقبل وجود الدولة كانت هناك تجمعات عامة اتخذت شكلا من أشكال التجمع،  وكان لها ماليتها التي نظمتها كل جماعة حسب ظروفها الخاصة والخاضعة للأعراف والتقاليد والقواعد المنظمة للجماعة.

      أولا: في العصور القديمة: كانت دولة الفراعنة بمصر، والإمبراطورية الرومانية تلجأ إلى فرض الجزية على الشعوب المغلوبة، وإلى عمل الأرقاء (العبيد)، للحصول على موارد تنفق منها على مرافقها العامة، وقد عرفت مصر الفرعونية الضرائب المباشرة والغير مباشرة على المعاملات التجارية وعلى نقل ملكية الأراضي.

      كما عرفت الإمبراطورية الرومانية أيضا أنواعا معيّنة من الضرائب، كالضريبة على عقود البيع والضريبة على التركات.

      ثانيا: في العصور الوسطى: اندمجت المالية العامة للدولة مع مالية الحكم فلم يكن هناك فصل بين الماليتين، إذ لم يكن هناك تميز بين النفقات العامة اللازمة لتسيير المرافق العامة، وبين النفقات الخاصة اللازمة للحكم وأسرته وحاشيته، أما بالنسبة للإيرادات فقد كانت تحصل عليها الدولة من الاستيلاء والمصادرة، بالإضافة إلى استخدام الأفراد في القيام ببعض الأعمال العامة مجانا دون الحصول على مقابل.

      ولم يكن للضريبة في العصور الوسطى شأن يذكر، فقد كانت الدولة تستمد إيراداتها من أملاك الحاكم التي ينفق منها على نفسه وأسرته ورعيّته.

      ثالثا: مرحلة الدولة الحارسة أو الإقتصاد الحر: حيث هيمنت خلال هذه الفترة من القرن (19) فلسفة الفكر الكلاسيكي التي تبنت مجموعة من المبادئ في المالية العامة[1] من بينها:

      تحديد النفقات العامة.

      توازن الميزانية العامة.

      حيادية المالية.

      و  جاءت مرحلة الاقتصاد الحر كنتيجة للثورتين الصناعية في إنجلترا، والثورة الفرنسية وكانت نتيجتها ظهور النظام الرأسمالي في شكله التقليدي القائم على المبدأ الذي قال به آدم سميث "دعه يعمل، أتركه يمر"، حيث يرى الداعون إلى النظام الرأسمالي أنه يتعين على الدولة عدم التدخل في النشاط الاقتصادي وترك الأفراد أحرارا في معاملاتهم الاقتصادية والاجتماعية على اعتبار أن الفرد يعمل على تحقيق منفعته الخاصة، ويؤدي ذلك في آن واحد إلى تحقيق منفعة الجامعة (حسب مفهوم اليد الخفية لآدم سميث)، والتي هي عبارة عن عدم وجود تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.

      وعليه يجب أن يقتصر دور الدولة على إشباع الحاجات العامة من أمن ودفاع وعدالة ومرافق عامة، شريطة أن يكون تدخلها حياديا لا تأثير له على سلوك الأفراد، بالإضافة إلى إشرافها (الدولة) على المرافق العامة التي لا يقوى النشاط الخاص على القيام بها، إما لضخامة تكاليفها أو لضآلة ما تدره من أرباح التعليم، الطرق، المواصلات، المياه، الغاز والكهرباء ...إلخ.

      وحتى تتوفر الحرية الاقتصادية والسياسية يستلزم الأمر عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي للأفراد إلا في حدود ضيقة لأن ترك المبادرة الفردية للأفراد كفيلة بتحقيق أقصى إنتاج ممكن، وتحقيق التوزيع العادل للدخل والثروة دون الحاجة إلى تدخل الدولة.

      إن القيود الموضوعة على النشاط الاقتصادي للدولة وحيادها المالي جعل مفهوم المالية العامة مجرد مفهوم حسابي لنفقات الدولة وإيراداتها، وخال من أي بعد اقتصادي أو اجتماعي، وساد هذا المفهوم إلى عدة قرون إلى غاية أوائل القرن العشرين.

      رابعا: مرحلة الدولة المتدخلة (العصر الحديث): إبتداءً من الحرب الأولى اضطرت الدولة ولأسباب مختلفة للتدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وقد ازدادت أبعاد هذا التدخل بوقوع الكساد الكبير سنة 1929 من بين أسباب هذا التدخل ما يلي:

      - رغبة الدولة في إشباع الحاجات العامة.

      - معالجة بعض المشاكل الاقتصادية من بطالة وتضخم.

      - التقليل من التفاوت في توزيع الدخول والثروات بين الأفراد.

      - تفعيل دور القطاع الخاص في النمو، ودفع عجلة التنمية.

      - الحد من التكتلات الرأسمالية الاحتكارية، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

      ويطلق على الدولة في هذه الحالة الدولة المتدخلة لكونها تتدخل في النشاط الاقتصادي لتحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بالرغم من الفكر الاقتصادي السائد في تلك الفترة الذي يؤمن بدوره بالحرية الاقتصادية والمبادرة الفردية، إلا أنه يعطي للدولة دورا جديدا متميزا في النشاط الاقتصادي، ويذلك أصبح علم المالية العامة أكثر تعبيرا عن فكرة المالية الوظيفية، فاتسع الإنفاق العام وتعددت ميادينه، كما تغيرت النظرة اتجاه الضرائب فلم تعد أداة لجمع المال بل تعددت وتنوعت أهدافها، واتخذت مالية الدولة طابعا وظيفيا، فلم بعد هدفها إيجاد توازن حسابي بين الإيرادات العامة لدولة ونفقاتها، وإنما هدف إلى تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ورفع مستوى معيشة الملايين من المواطنين.

      خلاصة: إن الحديث عن تطور المالية العامة في العصور القديمة والعصور الوسطى ومرحلة الاقتصاد الحر، والعصر الحديث ما هو إلا ترجمة للدور الذي لعبته الدولة في المجال المالي من دولة حارسة إلى دول متدخلة إلى دولة عصرية.

      في مرحلة الدولة الحارسة هيمنت فلسفة الفكر الكلاسيكي التي تبنّت مجموعة من المبادئ في المالية العامة تمثّلت في تحديد النفقات العامة، وفكرة توازن الميزانية العامة للدولة القائمة على منطق المفكرين الكلاسيك القائلة بأنه "عند اختلال توازن الميزانية تضطر الدولة للاقتراض"، بالإضافة إلى مبدأ حيادية المالية العامة الذي مفاده أن دور الحكومة في إطار الدولة الليبرالية هو التحكيم أثناء النزاعات بين الأعوان الاقتصاديين دون التدخل الداخلي داخل الإقليم دون التكفل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

      وفي مرحلة الدولة المتدخلة التي جاءت كنتيجة للأزمة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، والتي تميّزت بإعادة النظر في معظم المبادئ المالية الكبرى للنظرية الكلاسيكية، تركت الدولة الليبرالية مكانها للدولة المتدخلة، حيث يظهر تدخل الدولة ف المالية العامة من خلال زيادة النفقات العمومية، وإعادة النظر في التوازن الميزاني من خلال البحث عن مصادر أخرى لتمويل العجز، وخروج المالية العامة من حياديتها، حيث تم الاستغناء عن هذه الحيادية لسببين:

      الأول: على اعتبار أن النفقات العمومية صارت تمتص جزءا هاما من الدخل الوطني، حيث صار من الضروري أخذ القرارات المتعلقة بالميزانية بعين الاعتبار.

      الثاني: أن كل الدول صارت تستعمل المالية العامة كأداة رئيسية في السياسة الاقتصادية.

       خامسا: مرحلة الدولة العصرية: في هذه المرحلة عرفت المالية العامة تطورا أكبر في القرن العشرين الراجع إلى تعدد المالية، بالنظر إلى أهمية وطبيعة الإيرادات والنفقات العامة التي تختلف من دولة متقدمة إلى أخرى، في طريق النمو، وقد استحدثت المالية المعاصرة من طرف الأنظمة البرلمانية وتجد هذه العلاقة تفسيرا منطقيا تاريخيا، حيث عمدت البرلمانات المنتخبة عقب انهيار الحكم الملكي إلى الحد من مجال التدخل الممكن والمسموح للحكومة عن طريق استعمال التقنيات المالية المتمثلة في الترخيص المبدئي لإيرادات ونفقات والخدمات العمومية[2].

      يبقى أن نشير في الأخير إلى المالية العامة في النظام الإسلامي الذي يحدد أوجه الإنفاق قبل أن يرد إليه المال المراد إنفاقه، وهو ما يميّزه عن غيره من النظم الوضعية، فالنظام الإسلامي ينطلق في تكاليفه المالية وفرضياته التمويلية من أوعية مالية فريدة في نوعها وذاتها، ومن حصائل مالية غنية في مواردها غزيرة في مردودها قوية في مصادرها مستقرة في ينابيعها، أشهرها فريضة الزكاة التي تستند في وجودها إلى الألوهية في التنزيل وإلى السنة النبوية في التفصيل.

      2- تعريف علم المالية العامة: إن الحديث عن علم المالية العامة يقودنا إلىى التمييز بين تعريفين إثنين: تعريف تقليدي قديم وتعريف حديث[3].

      أولا: المفهوم التقليدي القديم لعلم المالية العامة: وضع هذا التعريف من طرف "غاستون جيز" وغيره من المؤلفين الكلاسيك، ومفاده أن علم المالية العامة هو "مجموعة القواعد التي يجب على الحكومات والهيئات أن تطبقها في تحديد النفقات العامة وتأمين الموارد لسد هذه النفقات، وبتوزيع أعبائها على المواطنين".

      لقد كان المفهوم التقليدي القديم لعلم المالية العام مقتصرا على البعد المالي الحسابي لنفقات الدولة وإيراداتها، أي أن علم المالية العامة كان مجرد ذلك العلم الذي يتناول بالتحليل حاجات الدولة والوسائل التي تشبع بها هذه الحاجات.

      ثانيا: المفهوم الحديث لعلم المالية العامة: عرف المالية العامة حديثا بأنه :"ذلك العلم الذي يبحث في نشاط الدولة عندما تستخدم الوسائل والأساليب المالية بشقيها الإيرادي والإنفاقي لتحقيقي أهداف المجتمع بمختلف اتجاهاتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية".

      " هو ذلك العلم الذي يتمثل موضوعه في دراسة القواعد المنظمة للنشاط المالي وللأنشطة التي تبذلها الهيئات في سبيل الحصول على الموارد الضرورية لإنفاقها قصد إشباع الحاجات العامة، أما منهجه أو طريقة بحثه، فتتمثل في أدواته (الإيرادات، النفقات، الميزانية)، ويتحقق ذلك من خلال دراسة هذه الأدوزات منفصلة ومنعزلة عن العوامل الاقتصادية الأخرى".

      " هو ذلك العلم الذي يدرس النفقات العامة والإيرادات العامة وتوجيهها من خلال برنامج معيّن يوضع لفترة محددة بهدف تحقيق أغراض الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".كما يعرف بذلك العلم الذي يدرس القواعد المنظمة للنشاط المالي للهيئات العمومية ومؤسسات الدولة, وهو ذلك النشاط الذي تبذله الهيئات في سبيل الحصول على الموارد الضرورية اللازمة لإنفاقها من أجل الوصول إلى إشباع الحاجات العامة[4].

      لقد أصبح لعلم المالية العامة في مفهومه الحديث أبعاداد متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية تشكّل في مجموعها مضمون دراسة المالية العامة، تتمثل أساسا في تحديد حجم الحاجات العامة الواجبة الإشباع، وتحديد الوسائل والأدوات التي بموجبها يتم توفير الموارد لإشباع حاجات المجتمع وتحديد تأثير نشاط الدولة على الاقتصاد القومي ككل.

      3- علاقة علم المالية العامة بغيره من العلوم: لعلم المالية العامة علاقة وصلة أساسية وهامة ومؤثرة بالعديد من العلوم الأخرى كالعلوم الاقتصادية والقانونية والسياسية والمحاسبية والإحصاء سنتولى تبنيها تبعا لهذا الترتيب.

      أولا: علاقة المالية العامة بالاقتصاد: يعرّف الاقتصادي الفرنسي "جون باتسيت ساي" بأنه "ذلك العلم الذي يدرس إنتاج وتقسيم وتوزيع واستهلاك الثروة في المجتمع"[5].

      تعد علاقة المالية العامة بالاقتصاد من أهم العلاقات، فهي علاقة الجزء بالكل يؤثر ويتأثر كل منهما بالآخر، وذلك عن طريق استخدام الإيرادات والنفقات العامة كأدوات مهمة للتأثير بالاقتصاد وبالكماليات الاقتصادية والمالية، فالظاهرة المالية هي في حقيقتها ظاهرة اقتصادية ذلك أن الكثير من الأزمات الاقتصادية كالتضخم والانكماش يمكن للضرائب أو للنفقات أن يكون لهما دور مشهود ومؤثر في التخفيف منها، كما أن بينهما وحدة الهدف في تحقيق استقرار وتوازن اقتصادي شامل والتخلص من الأزمات الاقتصادية.

      على هذا الأساس لا يمكن فصل المالية العامة فصلا تاما عن الاقتصاد، ذلك أن المعطيات الاقتصادية تغذي المالية العامة، كما أن المالية العامة تمارس تأثيرها ونفوذها على الحقل الاقتصادي.

      خلاصة لما سبق إذا كان علم الاقتصاد يمثل بصفة عامة علم الثروة، والمالية العامة جزء من هذه الثروة، فمن الطبيعي إذا أن يتأثر الجزء (المالية العامة) بالكل (الاقتصاد).

      ثانيا: علاقة المالية العامة بالقانون: القانون هو الأداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرع لوضع القواعد العامة الملزمة في مختلف الميادين ومنها الميدان المالي، فتأخذ مختلف عناصر المالية العامة من نفقات وإيرادات وميزانية شكّل قواعد قانونية مضمنة في دستور قانون، لوائح، أوامر إدارية.

      إن مجموع هذه القواعد القانونية تدعى بالتشريع المالي، وهو عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شؤون الدولة المالية.

      إن الصلة بين كل من المالية العامة والتشريع المالي وبين فروع القانون الأخرى واضحة وقوية، فالدستور يتضمن القواعد الأساسية لمختلف جوانب المالية العامة والتي يتعين أن توضع القوانين المالية في حدودها، فهو ينظم النفقات العامة والشروط الأساسية لفرض الضرائب وعقد القروض وقواعد إقرار الميزانية أو اعتمادها بواسطة السلطة التشريعية وكيفية مراقبة تنفيذها، أما القانون الإداري فهو ينظم طريقة سير المرافق العامة، وهذا يحتاج إلى نفقات عامة يبحثها علم المالية العامة.

      ثالثا: علاقة المالية العامة بالعلوم السياسية: تهتم العلوم السياسية بدراسة نظام الحكم وعلاقة السلطات العامة ببعضها البعض، وعلاقتها بالأفراد والمالية العامة تبحث في الإيرادات والنفقات لنفس هذه الهيئات.

      توجد علاقة جدلية وتاثير متبادل بين النظام المالي والنظام السياسي بالدولة ,ومن ثمة فإن كمية ونوعية النفقات العامة والإيرادات العامة تختلف تبعا لما إذا كانت الدولة تتبنى النظام الرأسمالي أو الإشتراكي  أو غيرهما, وأيضا إذا كانت الدولة بسيطة أو مركبة( إتحادية, فدرالية.....) وإيضا إذا كانت مستقلة أو خاضعة لغيرها.... وتعكس الموازنة العامة إتجاهات الحكم في إدارة البلاد[6].

      إن علاقة المالية العامة بالعلوم السياسية هي علاقة تأثير متبادلة، فالأوضاع الدستورية والإدارية في بلد معيّن لها أثرها في ماليتها العامة، فالنفقات والإيرادات تختلف بحسب ماإذا كانت الدولة استبدادية أو ديمقراطية، ذات نظام رأسمالي أو اشتراكي إداري مركزي أو لا مركزي، كما أن الظروف المالية لها أثر في أوضاع الدولة السياسية، فكم من دولة فقدت استقلالها السياسي وتعرضت لنشوب ثورات بسبب اضطراب ماليتها العامة وعدم استقرارها.

      هذا ويعتبر وضع ميزانية الدولة عملا سياسيا لأن الحكومة تترجم سياستها عن طريق الاعتمادات التي تدرجها في ميزانيتها.

      رابعا: علاقة المالية العامة بالمحاسبة: وهي علاقة وثيقة أيضا، إذ يستلزم البحث في موضوعات المالية العامة وخاصة الضرائب للإلمام بأصول المحاسبة والمراجعة وفنونها، من استهلاكات وجرد واحتياطات وعمل الحسابات الختامية والميزانية العمومية للمنشآت التجارية والصناعية وغيرها، ومن ناحية أخرى فإن إعداد ميزانية الدولة وتنفيذها والرقابة عليها يتضمن استخدام النظم المحاسبية الفنية.

      خامسا: علاقة المالية العامة بالإحصاء: الإحصاء هو من جهة مجموعة المعطيات العددية التي تخص قطاعا معيّنا (إحصائيات إنتاج السيارات مثلا)، ومن جهة أخرى نشاط جمع، معالجة هذه المعطيات.

      ومنه يعتبر الإحصاء من العلوم المساعدة لعلم المالية والتي لا يمكن الإستغناء عنها في رسم السياسة المالية للدولة[7]

      تتضح الصلة بين المالية العامة والإحصاء في كون هذا الأخير يقدم للباحثين صورة واضحة المعالم والزوايا لكافة الظواهر المالية التي يعبّر عناه ويترجمها في صورة أرقام وبيانات وإحصائيات، ولا شك أن دراسة الإحصائيات هي التي تمثل الأساس الضروري للقيام بالتنبؤات المالية من تقدير للنفقات المستقبلية والإيرادات المتوقعة، فضلا عن أهميتها القصوى في تحقيق الرقابة على الأجهزة المالية المختلفة.

      وعلى العموم يعتبر علم الإحصاء من العلوم المساعدة لعلم المالية العامة التي لا يمكن الاستغناء عنها في رسم السياسة المالية للدولة.

      سادسا: علاقة المالية العامة بالعلوم الاجتماعية: لا شك أن للكميات المالية آثارا اجتماعية سواء قصدت الدولة هذه الآثار أو لم تقصدها، فالضرائب يترتب عليها آثارا اجتماعية حتى ولو لم يقصد منها تحقيق إيراد مالي للدولة، والنفقات العامة يترتب عليها آثارا اجتماعية ولو لم يقصد منها سوى إشباع حاجات عامة جوهرية، وكثيرا ما تهدف الدولة عند استخدام أدواتها المالي إلى تحقيق بعض الأغراض الاجتماعية، وهذا ما يؤثر على طبيعة وتكوين النظام المالي نفسه، ومن ثمة يمكن القول أن النظام المالي يعتبر انعكاسا للنظام الاجتماعي وأداة هامة من أدوات تحقيق أهداف هذا النظام.

      4- مصادر قانون المالية العامة:

             تتمثل مصادر علم المالية العامة في مصادر دستورية، وأخرى تشريعية وأخرى تنظيمية.

      أولا: المصادر الدستورية لقانون المالية العامة: يعتبر الدستور من أهم المصادر لعلم المالية العامة خصوصا المواد 82- 135-139 -140-146 -147-153-156  من الدستور الحالي بعد تعديله سنة 2020 .

      يكون الدستور مصدرا لعلم المالية العامة حينما ينص في المادة 82 "لا تُحدَث أيّة ضريبة إلاّ بمقتضى القانون

      كل المكلفين بالضريبة متساوون أمام الضريبة، ويحدد القانون حالات وشروط الإعفاء الكلي أو الجزئي منها

      الضريبة من واجبات المواطنة

      لا تحدث بأثر رجعي، أية ضريبة، أو جباية، أو رسم، أو أي حق كيفما كان نوعه

      كل فعل يهدف إلى التحايل على مبدأ المساواة بين المكلفين بالضريبة، يعد مساسا بمصالح المجموعة الوطنية

      يعاقب القانون على التهرب والغش الضريبي".

      ويكون الدستور مصدرا لقانون المالية العامة حينما ينص في المادة 146 على أن: "يصادق البرلمان على قانون المالية في مدة أقصاها 75 يوما من تاريخ إيداعه.

      وفي حالة عدم المصادقة عليه في الأجل المحدد سابقا يصدر رئيس الجمهورية مشروع الحكومة بأمر".

      ويكون الدستور مصدرا لقانون المالية العامة حينما ينص في المادة 147 على أن:"لا يقبل أي اقتراح قانون أو تعديل قانون يقدمه أعضاء البرلمان، يكون مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية، أو زيادة النفقات العمومية، إلا إذا كان مرفوقا بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة، أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تساوي، على الأقل، المبالغ المقترح إنفاقها."

      ويكون الدستور مصدرا لقانون المالية العامة حينما ينص في المادة 156 على أن:"تقدم الحكومة لكل غرفة من البرلمان عرضا عن استعمال الاعتمادات المالية التي أقرتها لكل سنة مالية.

      تختتم السنة المالية فيما يخص البرلمان بالتصويت على قانون يتضمن تسوية ميزانية السنة المالية المعنية من قبل كل غرفة من البرلمان".

      ويكون الدستور مصدرا لقانون المالية العامة حينما ينص في المادة 139 :" يُشرّع البرلمان في الميادين الّتي يخصّصها له الدّستور، وكذلك في المجالات  الآتية

      1) -  .....

      12) -  التصويت على قوانين المالية،"

      وفي الأخير يكون الدستور مصدرا لقانون المالية العامة حينما ينص في المادة 199 فقرة 01: "مجلس المحاسبة مؤسسة عليا مستقلة للرقابة على الممتلكات والأموال

      العمومية. يكلّف بالرّقابة البعديّة على أموال الدّولة والجماعات المحليّة والمرافق العموميّة،

      وكذلك رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة".

      ثانيا: المصادر التشريعية لقانون المالية العامة: تمثل قوانين المالية المصدر الأكبر، إذ تفصل الإيرادات والنفقات بما يشبع الحاجات العامة للمجتمع في كل المجالات، وما دامت الحاجات العامة تتغير في فترات قصيرة، يصدر قانون المالية كل سنة على أن يليه قانون مالية تكميلي لمواجهة الظروف الطارئة والمستجدة، أما عمليات التحصيل والصرف فتكون وفقا للقانون المتعلق بالمحاسبة العمومية المؤرخ في 15 أوت 1990، هذا القانون مصدر مهم لعلم المالية العامة لما له من دور مهم وفعال في مراقبة أموال الدولة.وقانون 84/17 المؤرخ في 07/07/1984 والمتعلق بقوانين المالية.

      ثالثا: المصادر التنظيمية لقانون المالية العامة: وهي عبارة عن مجموعة المراسيم المتخذة تطبيقا لقوانين المالية. بالإضافة لبعض المراسيم التنفيذية الصادرة عن الوزير الأول ( رئيس الحكومة سابقا) مثل المرسوم التنفيذي رقم93/46 المؤرخ في 06/02/1993  الذي يحدد أجال دفع النفقات وتحصيل الأوامر بالإيرادات والبيانات التنفيذية.

      المرسوم التنفيذي رقم: 91/311 المؤرخ في 07/09/1991 المتعلق بالمحاسبيين العموميين, كما توجد عدة مراسيم أخرى تعنى بالأمور المالية, كما توجد القرارات الوزارية التي تصدر عن وزير المالية ةكذا القرارات الصادرة عن المديرية العامة للجمارك والأنظمة التي تصدر عن بنك الجزائر وهي قرارات إدارية مركزية بوصفها الهيئة المخولة بتنظيم أمور العملة وحركات الصرف و رؤوس الأموال وتنظيم السياسة النقدية في الدولة.



      [1] محمد عباس محرزي,إقتصاديات المالية العامة, ديوان المطبوعات الجامعية, بن عكنون, الجزائر, طبعة 2003, ص 20.

       محمد عباس محرزي, المرجع السابق,ص 25.[2]

      مجيدي فتحي , المالية العامة,سلسلة دروس ومحاضرات الجلفة, 2009/2010 , ص 106.[3]

       محمد عباس محرزي, المرجع السابق, ص 34.[4]

      نغس المرجع, ص 46.[5]

      محمد سعيد فرهود, مبادئ المالية العامة, منشورات جامعة حلب, سوريا, ص 34.[6]

      حسناوي ياقوت. حمداوي نصيرة, المالية العامة و إشكالية توزيع الأعباء, المركز الجامعي الجلفة, سنة 2003.[7]


  • المحور الثاني

    •                           المحور الثاني: الإيرادات العامة.

      سنتناول  في هذا المحور مايلي :

       - الإيرادات الاقتصادية.

      - الإيرادات الإدارية.

      - الإيرادات الضريبية.

      - القرض العام.

      إن اتساع دور الدولة بشكل ملحوظ في العصر الحديث قد جعل من الإيرادات العامة أداة مالية في يد الدولة للتوجيه الاقتصادي والاجتماعي, وهي مجموعة من المداخيل التي تحصل عليها الدولة من المصادر المختلفة من أجل تغطية نفقاتها العامة وتحقيق التوازن الإقتصادي و الإجتماعي[1].

      تستخدم الدولة الإيرادات العامة لتشجيع وتحفيز الاستثمار في مجالات معيّنة وكبحها في مجالات أخرى، كما تستخدمها كأداة مكافحة في بعض الأزمات الاقتصادية كالتضخم والانكماش وإعادة توزيع الدخل ...إلخ، فلم يعد دور الإيرادات العامة مقتصرا على تغطية النفقات العامة بل امتد إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية معيّنة.

      يتطلب تمويل الميزانية العامة للدولة مصادر عديدة مثل الإيرادات الاقتصادية التي تحصل عليها الدولة من الدومين الزراعي والدومين الصناعي ولاتجاري والدومين المالي، والإيرادات الإدارية المتمثلة في الرسوم والإتاوات والغرامات، بالإضافة إلى الإيرادات الضريبية والقرض العام.

      وقبل الخوض في كل هذه الأنواع من الإيرادات سنتولى تحديد المقصود بالدومين.

      تعريف الدومين: يقصد بالدومين مجموع الأموال العقارية التي تملكها الدولة والمؤسسات والهيئات العامة ملكية عامة أو خاصة.

      1- الإيرادات الاقتصادية: الإيرادات الاقتصادية هي تلك الإيرادات التي تحصل عليها الدولة مقابل الخدمات التي تقدمها للأفراد ويحصلون على نفع منها.

      تتمثل أهم الإيرادات الاقتصادية للدولة في تلك الإيرادات التي تحصل عليها الدولة من الدومين الزراعي والودمين الصناعي والتجاري والدومين المالي.

      أولا: الدومين الزراعي: احتل الدومين الزراعي المتمثل في الأراضي الفلاحية والغابات أهمية تاريخية في العصور الوسطى وخاصة في الدول ذات النظم الاشتراكية التي تغلب المصلحة الجماعية على مصلحة الأفراد، وتقر بالملكية العامة لوسائل الإنتاج ومبدأ الأرض لمن يخدمها، فقد كانت الدولة تحقق إيرادات كبيرة من الدومين الزراعي.

      لقد بدأ الدومين الزراعي بفقد أهميته على إثر زوال العهد الإقطاعي، وتوسع الدولة في بيع هذا النوع من الأراضي وترك استغلالها للأفراد، كما أن الدومين الزراعي قد قلت أهميته نتيجة توسع الأنواع الأخرى التي بدأت تعطي إيرادات أفضل منه، كالإيرادات الاقتصادية في مجال الدومين التجاري والصناعي والدومين المالي.

      ثانيا: الدومين الصناعي والتجاري: يشمل هذا النوع جميع النشاطات الصناعية التي تقوم بها الدولة في هذه المجالات، حيث تمارس الدولة فيه نشاطا شبيها بنشاط الأفراد العاديين والمشروعات الخاصة، بهدف تحقيق الربح أو تقديم خدمة لأفراد مقابل مبالغ غير احتكارية.

      قد تقوم الدولة بإدارة الدومين التجاري والصناعي إما بشكل مباشر من قبلها (الاستغلال المباشر)، أو عن طريق أحد مرافقها أو أن تمنح امتيازا أو ترخيصا لإحدى الشركات الخاصة بأن تقوم ببيع البضائع أو الخدمات لأجل معيّن.

      إن قيام الدولة بهذه المشاريع أيا كان الغرض منها يعني تحقيق إيرادات على جانب كبير من الأهمية، وتتمثل هذه الإيرادات في صورتين أساسيتين هما الثمن العام والاحتكار الجبائي.

      أ- الثــــــمن العـــــــام: يقصد بالثمن العام المقابل الذي تحصل عليه الدولة بمناسبة قيامها بنشاط تجاري أو صناعي، وبذلك فهو ثمن السلع والخدمات التي تنتجها وتبيعها المؤسسات العامة الصناعية والتجارية.

      إن الثمن العام يحقق إيرادا عاما للدولة ويتمثل في الأرباح التي تحققها الدولة من بيع هذه المنتجات.

      الفرق بين الثمن العام والثمن الخاص:

      الثمن العام تحصل عليه المؤسسات العامة الصناعية والتجارية نتيجة بيعها للسلع والخدمات التي تنتجها، أما الثمن الخاص فتحصل عليه المؤسسات الخاصة نظير بيعها لمنتجاتها من السلع والخدمات.

      ب- الاحتكار الجبائي: تقوم الدولة في بعض الحالات باستعمال سلطاتها عن طريق فرض حظر على الأفراد والمشاريع الخاصة بشأن القيام بمشاريع تجارية أو صناعية معيّنة، وذلك بغرض تحقيق أغراض معينة، وفي هذا الصدد تتمتع الدولة بمركز احتكاري وتنفرد بتحديد ثمن السلع والمنتجات التي تحتكرها لتحقيق أحد الأمرين:

      - أن يكون الهدف من الاحتكار هو تقديم السلع الضرورية للاستهلاك بأسعار في مقدرة الشرائح المختلفة للمجتمع، وخاصة ذوي الدخل المحدود، ولذا تخشى الدولة اتجاه المشاريع الخاصة إلى رفع أسعارها لعلمها بمدى حاجة الأفراد لها باعتبارها سلع استهلاكية ضرورية.

      - أن يكون الهدف من الاحتكار للنشاط الصناعي أو التجاري هو الرغبة في تحقيق إيراد مالي، وهذا ما يطلق عليه بالاحتكار المالي.

      ثالثا: الدومين المالي: يقصد بالدومين المالي الأسهم والسندات المملوكة للدولة، والتي تحصل منها على إيراد مالي يتمثل في الأرباح والفوائد، وتمثل إيراد مالي للخزينة العمومية.

      يعتبر الدومين المالي من أحدث أنواع الدومين الخاص، وقد ازدادت أهميته في العصر الحديث وحدث تطوّر في مضمونه، فلم يعد مقتصرا على حث الدولة في إصدار النقود، ولكنه اتسع ليشمل الأسهم بصورة خاصة التي تمثل مساهمة الدولة في المشاريع الاقتصادية المختلفة، أو قيام الدولة بالاستثمار في أموالها عن طريق شراء سندات ذات فائدة مرتفعة، وقد ساهم ذلك في إمكانية الدولة في الإشراف على القطاع الخاص والسيطرة على بعض المشاريع ذات المصلحة العمومية من أجل تحقيق الفائدة العامة، وتسعى الدولة إلى ممارسة النشاط المالي ليس فقط من أجل تحقيق إيرادات مالية، ولكن أيضا لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية معيّنة، فشراء الدولة للأسهم أو السندات الخاصة بالمؤسسات التي تشارك فيها الدولة مما يؤدي إلى نجاح حركة التنمية الاقتصادية التي تحتاج إليها البلاد.

      2- الإيــــــــرادات الإداريـــــــــــــــة: تتمثل الإيرادات الإرادية في الرسوم والأتاوات والغرامات.

      أولا: الرسم: تعتبر الرسوم من مصادر الإيرادات العامة للدولة ذات الأهمية الخاصة، وتتميّز بأنها من الموارد المالية التي تدخل خزينة الدولة بصفة دورية منتظمة، ومن ثم تقوم السلطات العمومية باستعمالها في تمويل نفقاتها العامة وتحقيق المنفعة العامة.

      أ- مفهوم الرسم وخصائصه:  يمكن تعريف الرسم بأنه المبلغ المطلوب دفعه لقاء الخدمات المعروضة من طرف مرفق عام أو أمكانية استعمال مبنى عمومي[2], و يعرّف الرسم بأنه :"مبلغ نقدي يدفعه الفرد جبرا إلى الدولة، أو إلى إحدى مؤسساتها العمومية مقابل منفعة خاصة يحصل عليها الفرد إلى جانب منفعة عامة تعود على المجتمع ككل".

      من خلال هذا التعريف نكتشف خصائص الرسم المتمثلة في:

      الصفة النقدية، صفة الإجبار وتظهر عند طلب الخدمة، صفة المقابل للرسم، طابع المنفعة.

      ب- تقدير الرسم وكيفية فرضه:

      ب-1- تقدير الرسم: تقوم الدولة بتحديد قيمة الرسم الذي يفرض على بعض خدمات المرافق العامة، وتأخذ بعين الاعتبار عند تقدير الرسم قواعد معيّنة تتمثل في:

      - مراعاة التناسب بين نفقة الخدمة المؤداة وبين الرسم المقابل لها.

      - أن يكون مبلغ الرسم المقرر أقل من نفقة الخدمة المقابل له، ولهذا العنصر ليس قاعدة مطلقة، فهي تتعلق ببعض أنواع الخدمات كالتعليم العالي والخدمات الصحية.

      - أن يكون مبلغ الرسم أكبر من نفقة الخدمة المقابل له، مثل رسوم التوثيق وغرض التحكم في طلب الأشخاص ببعض الخدماتّ، أو أنه يكون هدفه تحقيق إيراد مالي للخزينة العمومية.

      ب-2- فرض الرسم: إن فرض الرسم لا يتم بالإرادة المنفردة للسلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة ومؤسسات الدولة، بل يستلزم رقابة السلطة التشريعية لها.

      ج- الفرق بين الرسم وبعض صور الإيرادات الأخرى: سنتولى تبيين الفرق بين الرسم وبعض صور الإيرادات الأخرى كالثمن العمومي، الرسم والضريبة.

      ج-1- الفرق بين الرسم والثمن العام: يقصد بالثمن العام ما يدفع مقابل خدمة تؤديها هيئة عمومية، سواء لأهميتها وضرورة إتاحة الفرصة للاستفادة بها من جميع الأشخاص أو لكونها عرضة للاحتكار وللبيع بأثمان مرتفعة إذا تركتها الهيئات العمومية للمؤسسات الخاصة.

      إذا كان للرسم والثمن العام أوجه شبه من حيث أن كلاهما إيراد عام تحصل عليه الدولة وتعتمد عليه في تغطية نفقاتها، وأن هدف كليهما الحصول على منفعة خاصة، فإنهما يختلفان من حيث التقنية المالية لكل منهما، ويمكن تحديد هذا الاختلاف على النحو التالي:

      - إذا كانت المنفعة الخاصة المحققة أكبر من المنفعة العامة فإن ما تحصل عليه الدولة مقابل السلعة أو أداء الخدمة هو ثمن عمومي، أما إذا كانت المنفعة الخاصة المحققة أقل من المنفعة العامة فإن ما تحصل عليه الدولة مقابل السلعة أو أداء الخدمة هو رسم.

      - يتم فرض الرسم استنادا للقانون أي بموجب قرارات إدارية من جانب السلطة التنفيذية تحت رقابة السلطة التشريعية، أما الثمن العمومي فيتم تحديده بقرار إداري من طرف المؤسسة العمومية المنتجة للسلع والخدمات.

      - يتم تحويل الرسم إلى ضريبة عن طريق إصدار قانون المالية، أما الثمن العمومي فلا يمكن تحويله إلى ضريبة.

      ج-2- الفرق بين الرسم والضريبة: إذا كان الرسم والضريبة يتشابهان في عنصر الإجبار وأن كليهما يدفعان بصفة نهائية فإن الاختلاف الرئيسي بينهما يكمن في أن الرسم يفرض مقابل خدمة معيّنة يطلبها الشخص ويحصل من خلالها على منفعة خاصة، أما الضريبة فتفرض دون مقابل.

      - الضريبة يفرضها ويحدد سعرها القانون أما الرسم فتقدره السلطة التنفيذية.

      - تقوم الضريبة على أساس الطاقة المالية للفرد أما الرسم فيقوم على أساس الخدمة المؤداة.

      - الضريبة لها أهداف اقتصادية، سياسية، مالية، أما الرسم فله تحقيق الهدف المالي.

      - زيادة أهمية الضريبة كإيراد عام، في حين تضاءلت أهمية الرسم.

      ثانيا: الإتاوة: الإتاوة نوع من أنواع الإيرادات السيادية، وتعرف بأنها :"مبلغ نقدي تفرضه الدولة على ملاك العقارات التي زادت منفعتها بسبب ارتفاع شغل عمومي كتوصيل الكهرباء، أو شق الطرقات، ويقصد منها تغطية نفقات المشروع".

      إن التشابه الكبير بين الإتاوة والرسم أدى بالبعض إلى اعتبار الإتاوة نوع من أنواع الرسوم، ومع ذلك فهناك أوجه اختلاف بين الرسم والإتاوة.

      الفرق بين الرسم والإتاوة:

      - من حيث درجة الإجبار/ الإتاوة لا مفر من دفعها من طرف مالك العقار طالما أن عقاره استفاد من المشروع، أما الرسم فلو امتنع من الخدمة يمكن عدم الدفع.

      - الإتاوة يدفعها ملاك العقارات التي زادت قيمة عقاراتهم، أما الرسم فيدفعه أس شخص أراد الانتفاع من الخدمة.

      - الإتاوة تدفع مرة واحدة أما الرسم فيدفع في أي وقت يستفيد الشخص من الخدمة.

      ثالثا: الغرامات: الغرامة هي عقاب شخص ما بسبب مخالفة القوانين واللوائح المعمول بها، وبالتالي فإن الغرامة تكون كجزاء على مخالفة القوانين.

      4- الضريبة: إن من أقدم وأهم مصادر الإيرادات العامة الضريبة التي مثلت خلال فترات طويلة العنصر الأساسي في الأعمال والدراسات العلمية المالية، وهذا الأمر راجع لأهمية الدور الذي تؤديه في سبيل تحقيق أهداف السياسة المالية من جهة، ولما تحدثه من إشكالات تقنية اقتصادية متعلقة بفرضها أو آثارها من جهة أخرى.

      أولا: مفهوم الضريبة:  سنتناول تعريفها والقواعد التي تحكمها و كذا أهدافها.

      أ- تعريف الضريبة: هي فريضة مالية يدفعها الفرد جبرا إلى الدولة أو إحدى الهيئات العامة المحلية بصورة نهائية مساهمة منه في دفع التكاليف والأعباء العامة، دون أن تعود عليه بنفع خاص مقابل دفع الضريبة.

      كما تعرّف بأنها:

      - اقتطاع مالي تأخذه الدولة جبرا من الأفراد دون مقابل بهدف تحقيق مصلحة عامة.

      - اقتطاع مالي: قيمتها تنتقل انتقالا نهائيا من المكلف بها إلى الدولة.

      - تأخذه الدولة جبرا: يتم فرضها وجبايتها دون اتفاق مع الممول.

      - دون مقابل: لا يحصل الممول على أي منفعة خاصة، بل يقوم بها باعتباره عضوا في الجماعة فمن المنطقي أن يساهم في تغطية أعباء الدولة التي تحمي الجماعة وتشرف عليهم.

      ب- المبادئ التي تحكم الضريبة: إن الهدف من وجود المبادئ والقواعد التي تحكم الضريبة هو التوفيق بين مصلحة الدولة ومصلحة الممولين.

      وقد صاغ آدم سميث القواعد التي تحكم الضريبة في: العدالة، اليقين، الملاءمة في التحصيل والاقتصاد في نفقات الجباية.

      ب-1- قاعدة العدالة: ومعناها مساهمة جميع أفراد المجتمع في أداء الضريبة.

      تقوم القاعدة العامة في الفكر المالي التقليدي على تحمل الممول عبء الضريبة تبعا لمقدرته النسبية (الضريبة النسبية).

       تقوم القاعدة العامة في الفكر المالي الحديث على أساس المقدرة التكليفية (الضريبة التصاعدية).

      ب-2- قاعدة اليقين: ومعناها أن تكون الضريبة واضحة المعالم من مختلف الجوانب، القيمة، الوعاء، ميعاد الدفع، الجهة الإدارية المختصة بالتحصيل، طرق الطعن الإداري والقضائي.

      ب-3- قاعدة الملاءمة في التحصيل: تهدف هذه القاعدة إلى إقامة نظام جبائي يستند إلى علاقة تنافرية بين الدولة ودافع الضريبة، وذلك من خلال تحديد ميعاد الدفع بما يتلاءم مع القدرة المالية للمكلف، كأن تكون مباشرة بعد جني المحصول أو عند المصدر عند الضريبة على ادخل، أو اعتماد نظام التقسيط في الدفع.

      ب-3- قاعدة الاقتصاد في نفقات الجباية: ويقصد بها أن ما يصرف من نفقات وتكاليف من أجل تحصيل الضريبة يجب أن تكون ضئيلة ومتدنية إلى أقصى حد ممكن.

      إن ما تجدر الإشارة إليه هو أن إقامة أجهزة إدارية ضخمة وتوظيف عدد كبير من الموظفين الجباة لقاعدة الاقتصاد، إذ لا خير في ضريبة تكلف جزءا كبيرا من حصيلتها.

      ج- أهــــــــــداف الضــــــريبـــــــة: للضريبة أهداف مالية، و اقتصادية، و اجتماعية وسياسية نتناولها كمايلي:

      -1- الأهداف المالية: تغطية الأعباء العامة أي أن الضريبة تسمح بتوفير المواد المالية للدوة بصورة تضمن لها الوفاء بالتزاماتها.

       -2- الأهداف الاقتصادية: تستخدم الضريبة بهدف الوصول إلى حالة الاستقرار الاقتصادي وتفادي التضخم والانكماش.

      -3- الأهداف الاجتماعية: تستخدم الضريبة بهدف إعادة توزيع الدخل الوطني لفائدة الفئات المحدودة الدخل.

      -4- الأهداف السياسية: أي أن الضريبة أصبحت مرتبطة بشكل مباشر بمخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية العامة مثل دفع الرسوم الجمركية.

      ثانيا: التنظيم التقني للضرائب:

      يقصد بالتنظيم التقني للضرائب تحديد كافة الوضعيات والإجراءات المتعلقة بفرض الضريبة وتحصيلها.

      أ- التصنيفات المختلفة للضرائب: تعددت تصنيفات الضرائب تبعا لطبيعتها وامتداد مجال تطبيقها وظروف وضعها وطابعها الاقتصادي.

      أ-1- التصنيف القائم على طبيعة الضريبة: ضرائب مباشرة وأخرى غير مباشرة:

      - الضرائب المباشرة: وهي الضرائب التي يتحملها المكلف مباشرة ولا يستطيع نقل عبئها إلى شخص آخر، فمثلا ضريبة الدخل سواء كانت على الأشخاص كما هو الحال بالنسبة للضريبة على الدخل الإجمالي (IRG) أم على الشركات كما هو الحال بالنسبة على أرباح الشركات (IBS) يتحملونها مباشرة دون استطاعتهم نقل العبء إلى غيرهم.

      مزايا الضرائب المباشرة:

      - ثابتة ومستقرة ومنتظمة نسبيا.

      - واضحة المعالم.

      - تحقق قاعدة الملاءمة.

      - تحقق العدالة.

      عيوب الضرائب المباشرة:

      - أقل مرونة من الضرائب غير المباشرة، حيث لا تتأثر بالإنعاش الاقتصادي أو الركود الاقتصادي.

      - لا تتصف بصفة العمومية، مما سترتب عنه انخفاض حصيلتها.

      - قد تكون مرهقة للممول لأنه يدفعها سنويا، مما يفتح المجال للتهرب الضريبي.

      - الضرائب غير المباشرة: هي عكس الضرائب المباشرة، أي أن المكلف يستطيع نقل عبئها إلى شخص آخر، مثل ضرائب الجمارك التي تكون متضمنة على التكاليف عند تحديد الأسعار، وكذلك الرسم الداخلي على الاستهلاك، وبذلك فإن دافع هذه الضرائب (التاجر) يستطيع نقل عبئها إلى المستهلكين ومن الأمثلة لهذه الضرائب غير المباشرة الحقوق والرسوم الجمركية على الواردات، والضريبة على المبيعات والضرائب على الإنتاج.

      - سهولة دفعها من طرف الشخص لأنها تختفي في سعر السلعة.

      - تتسم بالمرونة، ذلك أن حصيلتها وفيرة في فترة الإنعاش الاقتصادي.

      عيوب الضرائب غير المباشرة:

      - ضآلة وقلة حصيلتها في فترة الركود الاقتصادي.

      - مكلفة من حيث مراقبتها وتحصيلها خاصة بالنسبة للضريبة على الإنتاج.

      - عدم تناسب وع القدرة التكليفية للممول، فهي عادة ما تفرض على السلع الضرورية، ولهذا تكون أكبر ثقلا على الطبقة الفقيرة.

      جدول المقارنة بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة.

      الضرائب المباشرة

      الضرائب غير المباشرة

      1- لها حصيلة ثابتة لأنها تفرض على الدخل والثروات.

      2- الممول أو المكلف الذي يدفع الضريبة معروف لدى الإدارة المالية.

      3- تحقق مبدأ الملاءمة.

      4- الضريبة المباشرة أقل مرونة.

      5- تدفع مباشرة من المكلف.

      6- لا يمكن تحميلها للغير.

      7- معيار قانوني: يتم فرضها على أساس علاقة إدارة الضرائب بالمكلف بها، على أساس قوائم إسمية وجدول تدون فيه أسماء المكلفين بها.

      8- معيار اقتصادي: إذا كان المكلف بها يتحملها بصفة نهائية.

      9- معيار الثبات والاستقرار: المادة الضريبية تتميز بالثبات والاستقرار مثل(IRG) .

      10- أكثر تحقيقا للعدالة.

      11- الاقتصاد في النفقة.

      1- ليس لها حصيلة ثابتة لأنها تفرض على تصرفات عرضية.

      2- الفرد الممول أو المكلف الذي يدفع الضريبة غير معروف لدى الإدارة المالية.

      3- لا تحقق مبدأ الملاءمة.

      4- مرنة وتزداد مرونتها عند زيادة النشاط الاقتصادي سواء كان إنتاجي أو استهلاكي.

      5- تدفع من المنتج أو المستورد ويتحملها المستهلك.

      6- يمكن تحميلها للغير.

      7- معيار قانوني: لا توجد علاقة مباشرة مع إدارة الضرائب بل يتم تحصيلها بمناسبة واقعة أو تصرف اقتصادي.

      8- معيار اقتصادي: إا كان المكلف بها يستطيع تحميلها للغير.

      9- معيار الثبات والاستقرار: المادة الضريبية متقطعة مثل استهلاك أو استيراد بعض السلع.

      10- أقل تحقيقا للعدالة.

      11- أكثر نفقة.

       

      -2- التصنيف القائم على امتداد مجال التطبيق:

      - الضرائب الحقيقية والضرائب الشخصية: تقوم الضريبة الحقيقية على قيمة أو كمية المادة الخاضعة للضريبة (السلع، القيم، المداخيل، المؤسسات)، أما الضريبة الشخصية فإنها تأخذ بعين الاعتبار الوضعية الشخصية للمكلف بالضريبة.

      - الضريبة العامة والضريبة الخاصة: يقوم هذا المعيار على أن الضريبة العامة تتعلق بالوصول إلى وضعية اقتصادية في مجملها أو إلى قيمة إجمالية، أما بالنسبة للضريبة الخاصة فتقع على عنصر واحد من النشاط الممارس من طرف المكلف بالضريبة أو عنصر واحد من دخله، أي أنها تفرض على نوعية الدخل.

      - الضريبة الواحدة والضريبة المتعددة.

      الضريبة الواحدة: وبمقتضاها لا تفرض إلا ضريبة واحدة على الشخص، وهي تتسم بالبساطة والعدالة والسهولة في أدائها واقتنائها.

      الضريبة المتعددة: وبمقتضاها تفرض ضرائب متعددة على الشخص فهي تتنوع بتنوع موارده وممتلكاته.

      -3- التصنيف القائم على ظروف وضع الضريبة:

      - الضريبة التوزيعية والضريبة القياسية:

      الضريبة التوزيعية: وهي تلك التي لا يحدد المشرع معدلها مسبقا، ولكنه يقوم بتحديد حصيلتها الإجمالية، وفي مرحلة تالية يقوم بتوزيع هذه الحصيلة على المكلفين بها بمساعدة الأجهزة الإدارية في المناطق المختلفة بحسب ما يملكه كل فرد من المادة الخاضعة للضريبة، وعندئذ يمكن معرفة معدل الضريبة.

      - الضريبة القياسية أو التحديدية: هي تلك التي يحدد المشرع معدلها مسبقا دون أن يحدد حصيلتها الإجمالية بصورة قاطعة، تاركا أمر تحديدها للظروف الاقتصادية.

      الضريبة النسبية والضريبة التصاعدية:

      الضريبة النسبية: وهي تلك الضريبة المحسوبة على أساس معدل ثابت مهما كان حجم المادة الخاضعة للضريبة، ومن أمثلتها نجد الضريبة على أرباح الشركات والتي تفرض بمعدل 30% على قيمة الأرباح التي تحصل عليها الشركات، والرسم على القيمة المضافة الذي يفرض بمعدل 7% أو 17%على رقم الأعمال.

      الضريبة التصاعدية: تعني ارتفاع المعدل مع تزايد حجم المادة الخاضع للضريبة وتأخذ شكلين هما:

      التصاعدية الإجمالية: وفق هذه الحالة يتم تقسيم دخول الممولين إلى عدة طبقات، وترتب هذه الأخيرة تصاعديا ثم تفرض الضريبة بمعدل متزايد كلما انتقلنا إلى طبقة أكبر.

      التصاعدية بالشرائح: وهذا تجنبا لعيوب التصاعدية الإجمالية ويتضمن هذا الأسلوب إعفاء الحد الأدنى الضروري للمعيشة، أي مراعاة أوضاع المكلف الشخصية، ويتم تقسيم الدخل إلى شرائح ثم تفرض الضريبة بنسب مختلفة تتزايد.

      أ-4- التصنيف الاقتصادي للضريبة: وهو ذلك التصنيف القائم على اعتبار الطابع الاقتصادي للضريبة، وهذا يجعل الضريبة أداة للتنمية الاقتصادية، أي يجعلها تؤدي وظيفة اقتصادية وليست وظيفة مالية.

      * الضريبة على الدخل: يقصد بالدخل بمعناه الواسع كل زيادة في القيمة الإيجابية للممول، أي كل زيادة في ذمته المالية، ومن ثمة فهو عبارة عن كل ما يحصل عليه الشخص من مصدر معيّن قد يكون ملكية وسيلة إنتاج كالمصانع، أو يكون عمله ومهنته أو كلاهما معا، آخذا بذلك العديد من الصور والأشكال (أجور، فوائد، أرباح ...إلخ)، ويقصد بالدخل في معناه الضيق كل ما يحصل عليه الفرد من نقود أو خدمات بصورة منتظمة ومستمرة.

      أنواع الدخل:

      دخل إجمالي: يتمثل فيما يحصل عليه الممول من إيرادات دون خصم لتكاليفها، ودخل صافي يتحدد بعد خصم التكاليف اللازمة للحصول على ذلك الدخل، وهو أكثر دلالة على المقدرة التكليفية للممول وأكثر عدالة.

      * الضريبة على رأس المال: يعّرف رأس المال بأنه :"مجموع ما يمتلكه الشخص من أموال عقارية أو منقولة في لحظة زمنية معيّن، سواء كانت منتجة للدخل أو غير منتجة"، فتقدير رأس المال يتم في لحظة زمنية معيّنة، وفي هذا الإطار تقسم الضرائب على رأس المال إلى الأنواع التالية:

      - الضرائب على عملية وواقعة امتلاك رأس المال.

      - الضريبة على زيادة قيمة رأ المال.

      - ضريبة التركات: وتقوم على انتقال رأس المال المتوفى إلى ورثته أو الموصى لهم، هناك نوعان لضريبة التركات وهما: الضريبة على مجموع التركة الصافي أي بعد خصم ديونها، حيث لا تركة إلى بعد تسديد الديون، ولهذا تكون أوفر حصيلة من النوع الثاني الذي هو الضريبة على نصيب الوارث أو الموصى له، حيث تفرض على نصيب كلل واحد من الورثة أو الموصى لهم.

      * الضريبة على الإنفاق: وهي ضرائب تفرض بطريقة غير مباشرة لكونها تفرض على الدخل بمناسبة إنفاقه أو بمناسبة تداوله، تعتبر ذات غزارة في حصيلتها الناتجة عن سهولة جبايتها ومن أمثلتها: الرسم على القيمة المضافة، حقوق الجمارك، حقوق التسجيل، وتأخذ الضريبة على الإنفاق الصور التالية:

      الضريبة على التداول: وتتعلق بالتصرفات القانونية التي يقوم بها الأفراد والتي من شأنها تداول وانتقال الملكية، فالفرد بعد الحصول على دخله يقوم باستهلاك جزء منه في شراء ما يحتاج إليه من سلع أو خدمات، وهذا الجزء من الدخل هو الذي يفرض عليه الضريبة على الاستهلاك، أما الجزء المتبقي من الدخل إما أن يدخره أو يقوم باستثماره، وفي كلتا الحالتين فإن المشرع الضريبي يفرض ضريبة على التداول وانتقال الأموال بين الأفراد، ومن أمثلة الضريبة على التداول نجد ضريبة الطابع والضريبة على التسجيل.

      تفرض ضريبة الطابع على عملية تداول الأموال وانتقالها من شخص إلى آخر، ويتم ذلك عن طريق تحرير وثائق كالعقود أو الشيكات أو الأوراق التجارية أو الفواتير أو الندات، وينظم القانون طريقة تحصيل هذه الضريبة، إما بلصق طوابع جبائية على تلك المحررات أو عن طريق دمغ المحرر نفسه بواسطة ختم الإدارة المختصة بذلك، كما هو الحال بالنسبة للشيكات.

      أما الضريبة على التسجيل التي يطلق عليها مجازا رسوم التوثيق فهي تستحق عند إثبات واقعة انتقال الملكية من شخص إلى آخر أو عند توثيق عقد الملكية، فالضريبة على التسجيل تدفع عند توثيق التصرفات الناقلة للملكية لإثبات حق من انتقلت إليه، كما أن معدل الضريبة هنا غير ثابت بل يختلف باختلاف قيمة المال موضوع التوثيق أو التسجيل.

      الضرائب على الاستهلاك: تفرض الضريبة هنا على أساس واقعة استهلاك أو إنفاق الفرد لدخله، وهي ضريبة متنوعة ومتعددة، وبصفة عامة يمكن تقسيم الضرائب على الاستهلاك إلى نوعين رئيسيين هما: الضرائب النوعية على الاستهلاك والضرائب العامة على الاستهلاك.

      الضرائب النوعية على الاستهلاك: ويقصد بها الضرائب التي تفرض عل استهلاك أنواع معيّنة من السلع والخدمات، وذلك إما للحصول على أموال كثيرة أو لأغراض اجتماعية لتجنب استهلاك سلع معيّنة كالكحول أو السجائر أو لتشجيع استهلاك السلع الوطنية، وهناك بعض الاستثناءات التي يقررها المشرع الضريبي على مبدأ الضريبة الجمركية بهدف تحقيق أهداف معيّنة:

      نظام التجارة العابرة: ويقصد بها السلع التي تعبر إقليم الدولة ليس بغرض الدخول إليها ولكن بغرض الوصول إلى دولة أخرى.

      نظام استرداد الضريبة: يقتضي هذا النظام قيام مستورد سلعة معيّنة –خاصة المواد الأولية- بدفع الضريبة الجمركية المفروضة على هذه السلع على أن يكون من حقه أن يسترد قيمة هذه الضريبة إذا قام خلال فترة زمنية يحددها القانون بإعادة تصديرها كمما هي أو بعد تصنيعها، والغرض من هذا الاستثناء هو تشجيع حركة التصنيع وتشغيل اليد العاملة والعائدة من العملة الصعبة.

      نظام الإعفاء المؤقت: يستلزم هذا النظام أن يتم دخول السلع أو البضائع المستوردة إلى داخل الإقليم (إقليم الدولة) دون دفع أي ضريبة جمركية عليها، على أن يتم إعادة تصديرها حلال مدة زمنية محددة قانونا.

      نظام المناطق الحرة: تلجأ العديد من الدول بقصد تشجيع الاستثمارات الأجنبية إلى إنشاء مناطق حرة داخل أراضيها، وتعتبر هذه المناطق بالرغم من كونها تقع على إقليم الدولة واقعة خارج حدودها من الناحية الجمركية، وبالتالي فإن استرداد السلع إلى هذه المناطق وتداولها يتم بحرية كاملة دون أي قيود جمركية عليها، حيث تتمتع بمزايا وحوافز ضريبية متعددة.

      الضرائب العامة على الاستهلاك: تفرض الضرائب العامة على الاستهلاك على مجموع السلع والخدمات التي يستهلكها الفرد، فتبدو كأنها ضريبة مفروضة على مجموع الإنفاق الاستهلاكي للفرد، وتتميّز هذه الضرائب بأنها عينية حيث أنها لا تنظر إلى شخص المستهلك، وتتخذ الضريبة على الاستهلاك صورا متعددة أهمها:

      الضريبة على المبيعات: وهي تلك التي تفرض على المستهلك عند شرائه للسلعة أو الخدمة ويطلق عليها ضريبة البيع بالتجزئة.

      الضريبة على المشتريات: وهي تلك التي تفرض على السلعة أو الخدمة في مرحلة وصولها إلى المستهلك أي مرحلة تجارة الجملة، والتي ينتقل عبؤها إلى تاجر التجزية.

      الرسوم على رقم الأعمال: وهي تلك الضريبة التي تفرض في كل مرة من مرات انتقال السلعة بين مرحلة الإنتاج ومرحلة الاستهلاك.

      ب- طريقة تقدير وعاء الضريبة:

       يتم تقدير وعاء الضريبة بطرق مباشرة وطرق أخرى غير مباشرة.

      ب-1- التقدير المباشر: وبدوره يتم بطريقتين: التقدير بواسطة المكلف، والتقدير بواسطة التصريح المقدم من الغير.

      * التقدير بواسطة المكلف: حسب هذه الطريقة يلتزم المكلف بتقديم إقرار (تصريح) للإدارة الضريبية عن نتيجة أعماله كما هو مثبت في دفاتره ومستنداته.

      * التصريح المقدم من الغير: بمقتضى هذه الطريقة تلزم الإدارة الضريبية شخصا آخر غير المكلف بتقديم تصريح يحدد فيه مقدار المكلف الأصلي الخاضع للضريبة، والأصل في ذلك أن يكون هذا الغير مدينا للممول بمبالغ تعتبر من ضمن الدخل الخاضع للضريبة، ومثال ذلك أن يقوم صاحب العمل بتقديم تصريح عن قيمة ما يدفعه للموظفين والعمال من رواتب وأجور، والمستأجر الذي يقدم تصريحا عن قيمة الإيجار الذي يدفعه لصاحب العقار.

      ب-2- التقدير غير المباشر: وبدوره ينقسم إلى قسمين: التقدير بواسطة المظاهر الخارجية، والتقدير الجزافي.

      * التقدير بواسطة المظاهر الخارجية: يتم تقدير الضريبة على أساس المظاهر التي تعبر عن درجة يسر المكلف، فيمكن مثلا الاستدلال بالقيمة الإيجارية لسكن الممول، أو محل عمله أو عدد السيارات التي يملكها ...إلخ.

      وتمتاز هذه الطريقة بالسهولة في التطبيق والتقليل من حالات الغش والتهرب من دفع الضريبة خصوصا إذا تم اختيار المظاهر الخارجية بشكل جيد.

      ويعاب على هذه الطريقة أنها تؤدي إلى فرض الضريبة على أساس قد يبتعد عن الواقع، كما أن التساوي في المظاهر الخارجية قد يؤدي إلى فرض ضريبة متساوية بالنسبة للأشخاص، وذلك بالرغم من اختلاف ظروفهم ودخولهم، بالإضافة إلى إمكانية تجنب الضريبة باللجوء إلى التقليل من المظاهر الخارجية كأن يعتمد الأشخاص إلى نسب أملاكهم إلى أولادهم  وأزواجهم ...إلخ.

      * التقدير الجزافي: يتم تقدير وعاء الضريبة بطريقة جزافية بالاستناد إلى بعض القرائن والأدلة التي لها صلة وثيقة بالمادة الخاضعة للضريبة.

      ويعاب على هذه الطريقة عدم قيامها على أساس التحديد الدقيق ومن ثمة بعدها عن الحقيقة والعدالة.

      ثالثا: المشاكل التي تحدث في تحديد الوعاء الضريبي:

      أ- المشاكل ذات الطابع الكيفي: ترتبط أساس بمبدأي عمومية الضريبة وازدواجية الضريبة.

      أ-1- مبدأ عمومية الضريبة: الأصل أن تفرض الضريبة على كل من يستفيد من الخدمات العامة داخل إقليم الدولة، سواء كان وطنيا أو أجنبيا، والاستثناء يرد عليها مثل المواقع الخاصة للدبلوماسيين، وذلك بسبب إقامتهم أو تملكهم لممتلكات داخل الدولة، فالعمومية هنا تعني العمومية الشخصية بالنسبة للمكلفين، والعمومية المادية بالنسبة للأموال ويرد استثناء المباني القنصليات والمباني الشخصية للرجال والقنصليين الدبلوماسيين، وهناك إعفاء خاص للمناطق الحرة.

      أ-2- الازدواج الضريبي: يحدث الازدواج الضريبي عندما يخص المكلف بالضريبة بأكثر من قاعدة تلزمه بدفع الضريبة عدة مرات وعلى نفس الوعاء.

      * شروط الازدواج الضريبي: يشترط لقيام الازدواج الضريبي توافر الشروط التالية:

      - وحدة الشخص المكلف بالضريبة: ولا يثير هذا الشرط صعوبة بالنسبة للأشخاص الطبيعيين بخلاف الحال بالنسبة للأشخاص الاعتباريين.

      إن فرض ضريبة على أرباح شركات المساهمة،وضريبة أخرى على ما يوزع من أرباح تلك الشركات على المساهمين لا يؤدي إلى الازدواج الضريبي من الناحية القانونية لاختلاف شخصية المساهمين عن الشخصية المعنوية للشركة، وإن أدى ذلك من الناحية الفعلية بسبب وحدة المصالح بين الشركة والشركاء، حيث يتحمل المساهمون في النهاية الضريبتين.

      - أن تفرض الضريبة على نفس المادة أكثر من مرة: فإذا لم تكن المادة الخاضعة للضريبة واحدة انتفى هذا الازدواج.

      - أن تكون الضريبتان أو الضرائب من نوع واحد أو متشابه وإن اختلفت تسمياتها، ونظرا للصعوبة تحديد الضرائب المتشابهة فإن اتفاقيات منح الازدواج الضريبي المبرمة بين الدول تحدد الضرائب التي تعتبر متشابهة في الدول الموقعة عليها.

      - أن يكون فرض الضريبة مرتين أو أكثر عن فترة زمنية واحدة، فإذا فرضت ضريبة على دخل المكلف لسنة 2010 ثم فرضت نفس الضريبة على دخله لسنة 2011 فلا تكون أمام ازدواج ضريبي.

      * أشكال الازدواج الضريبي: يأخذ الازدواج الضريبي عدة أشكال تتمثل في:

      - الازدواج الضريبي الداخلي: ويتحقق إذا ما تحققت شروطه المشار إليها أعلاه داخل إقليم الدولة.

      - الازدواج الضريبي الدولي: نكون أمام هذا النوع من الازدواج أو التعدد الضريبي حينما تفرض أكثر من دولة ضريبة على نفس المادة أو الموضوع، حيث يستند بعضها إلى جنسية المكلف وبعضها إلى فكرة الموطن، وثالث إلى موقع أو مكان المال.

      - الازدواج الضريبي المقصود والازدواج الضريبي غير المقصود: هذان النوعان من الضريبة ما  هما إلا نتيجة للوضعية التي تكون عليها الحالتان السابقتان (الازدواج الداخلي والدولي)، فالازدواج الضريبي المقصود هو الذي يعمد المشرع إلى إحداثه، أما الازدواج الضريبي غير المقصود فهو الذي يحدث دون أن تتجه نية المشرع إلى إحداثه.

      * وسائل منع الازدواج الضريبي:

      - يتم منه الازدواج الضريبي الداخلي عن طريق التنسيق وتحديد الاختصاصات.

      - يتم منع الازدواج الضريبي الدولي عن طريق عقد المعاهدات بين الدول كما يمكن أن تقوم كل دولة من تلقاء نفسها بتنظيم التشريع الضريبي.

      ب- المشاكل ذات الطابع الكمي:

      - حساسية الضريبة: يقصد بحساسية الضريبة مدى استجابة حصيلتها للتقلبات التي تطرأ على النشاط الاقتصادي للدولة، وذلك في أوقات الرخاء والكساد، بحيث يتأثر معها حجم هذه الحصيلة إما بالارتفاع أو الانخفاض، تبعا للحالة العامة التي يكون عليها الاقتصاد، لهذا يقال أن الضريبة شديدة الحساسية إذا كان تغيّر حصيلتها مساوي لتغير الحاصل في النشاط الاقتصادي، وبالتالي قوة هذه الحساسية تقتضي تبعا للمادة الخاضعة للضريبة، فبالنسبة للضريبة على رأس المال نميّز بين العقار والمنقول،/ فإذا كان المال عقارا تكون الضريبة هنا مستقلة عن النشاط الاقتصادي، فما دام فعلها ثابت ووعاؤها معيّن، فإن الحصيلة محددة وبالتالي يصعب تغيّر هذه الحصيلة تحت تأثير التقلبات الاقتصادية، وإذا كان المال منقول تكون الضريبة أكثر حساسية وتحدد بمدى ارتباط رأس المال بالنشاط الاقتصادي، فيما يخص الضريبة على الدخل فإن الضريبة على الاستهلاك هي أشد الضرائب حساسية لأن وعاءها يتأثر مباشرة بحالة النشاط الاقتصادي، أما بالنسبة للضريبة على اكتساب الدخل فهي في مركز وسط تختلف حسب الحالة الاقتصادية رخاء أو كساد.

      رابعا: أثـــــــــــــــــــــــــــــر الضــــــــــــــــــــــــــــرائـــــــــــــب:

      أ- الآثار الاقتصادية غير المباشرة: يقصد بالآثار الاقتصادية غير المباشرة المتعلقة بالضريبة المشاكل المتعلقة بنقل العبء الضريبي التي تتمثل في استقرار الضريبة وانتشارها والتخلص من العبء الضريبي كليا أو جزئيا.

      * استقرار الضريبة: يتمثل استقرار الضريبة في تحديد الشخص الذي يتحمل العبء الحقيقي لها، فإذا تحمل المكلف القانوني نهائيا قيمة الضريبة فإن هذه الظاهرة تسمى بالاستقرار المباشرة للضريبة، ولا تثير هذه الظاهرة صعوبة لأنها تقلص من الدخل الحقيق الصافي لمن يدفعها، أما إذا تمكن المكلف القانوني من نقل الضريبة إلى شخص آخر فإن هذه الظاهرة تسمى بالاستقرار غير المباشر للضريبة، وهذه الظاهرة تثير العديد من الصعوبات.

      إن الاستقرار غير المباشر للضريبة يتعيّن عليه أن يتحمل عبء الضريبة، فهناك علاقة قانونية بين المكلف بدفع الضريبة والخزينة العمومية، إلا أن العبء النهائي للضريبة في هذا الإطار يتحدد بواسطة الظروف الاقتصادية بينه وبين المكلف القانوني.

      إلا أن عملية نقل العبء الضريبي بهذا الشكل لا تستمر إلى ما لا نهاية، ولكن تنتهي باستقرارها محققة انتشار الضريبة.

      * انتشار الضريبة: يتأثر دخل المكلف بالضريبة النهائي بعبئها بالنقصان بمقدار ما دفعه من دين الضريبة، وذلك بصورة مباشرة في إنفاقه على الاستهلاك، وبالتالي تتناقص دخول من يزودونه بالسلع الاستهلاكية ويؤدي ذلك بالتبعية إلى تقليل إنفاقهم على الاستهلاك، وهذا يمثل إنقاص في دخول من يزودونهم بالسلع الاستهلاكية، وهكذا تنتشر الضريبة بين المكلفين وتؤثر بصورة مباشرة على حجم استهلاكاتهم، إلا أن انتشار الضريبة لا يستمر إلى ما لا نهاية، ولكن عادة ما تتدخل ظروف وعوامل معيّنة لتخفيف حدة الانتشار، وتؤدي إلى القضاء على فاعليته.

      الفرق بين استقرار الضريبة وانتشارها: إن استقرار الضريبة (نقل عبئها) يجعل من غير الضروري أن ينقص المكلف استهلاكه الخاص، بينما يضع انتشار الضريبة على الفرد الذي تستقر عنده حدا لاستهلاكه ينعكس دوره على أصحاب المؤسسات التي تشتري منها السلع الاستهلاكية.

      إن استقرار الضريبة يكون ممكنا بالنسبة لبعض الضرائب فقط، أما ظاهرة انتشار الضرائب فتشمل كافة أنواع الضرائب لأنه لابد أن يترتب على كل ضريبة بعض الانكماش في الاستهلاك الخاص إلا أن هذا الأثر قد لا يمتد إلى كافة السلع الاستهلاكية، كما أنه لا يصيب كل السلع بنفس الدرجة، فأثر الضريبة يتوقف على استهلاك الفرد للسلع المختلفة وعلى مرونة الطلب على كل سلعة يشتريها واستهلاك السلع ذات الطلب المرن يتأثر بدرجات متفاوتة وفقا لدرجة مرونة سلعة.

      * التخلص من عبء الضريبة: تعتبر الضريبة عبئا على المكلف بها، لذلك فهو يحاول بشتى الطرق مقاومتها وذلك إما بالتخلص منها أو إلقاء عبئها إلى شخص آخر، وللتخلص من هذا العبء هناك نوعان هما التهرب الضريبي المشروع، والتهرب الضريبي غير المشروع.

      - التهرب الضريبي المشروع: كأن تفرض الضريبة على تصرف معين كالبيع أو الشراء، ولكن المكلف بالضريبة ورغبة منه في عدم دفع الضريبة يعمل على عدم تحقيق الواقعة المنشأة لها (عدم البيع أو الشراء)، فالتهرب الضريبي المشروع يعني التخلص من عبء الضريبة كلية أو جزئيا دون مخالفة أو انتهاك القانون، حيث يستخدم المكلف حقا من حقوقه الدستورية وهو حريته في القيام بأي تصرف من عدمه، وبالتالي لا يسأل المكلف بالضريبة عن تصرفه السلبي، ونفس الشيء بالنسبة للشركات التي تقيم مراكزها ومقراتها الاجتماعية في دول تقل فيها معدلات الضريبة أي تلك الدول التي تكون فيها الضريبة منخفضة.

      كذلك قد يتجنب الشخص الضريبة عن طريق الاستفادة من ثغرات التشريع الجبائي، كأن يقوم التشريع الجبائي بإخضاع الهبات للضريبة على الدخل الإجمالي، فيقوم الشخص في حياته بتوزيع ثروته على الورثة عن طريق الهبة لكي يتجنب الخضوع للضريبة الخاصة بالتركات، فهذا الشخص لم يخالف القانون، ولكنه استفاد من الثغرات الموجودة في التشريع الجبائي، وعلى الرغم من أنه قد يكون سيء النية إلا أنه لا يمكن فرض أي عقوبة عليه، ولا يكون أمام المشرع الجبائي إلا سد هذه الثغرات.

      - التهرب الضريبي غير المشروع (الغش الضريبي) يقصد بالغش الضريبي تلك السلوكات والممارسات التي تتم بهدف التحايل وتجنب أداء الضريبة، وهذا خارج إطار القانون، أي أنها ممارسات غير مشروعة.

      إن الغش الضريبي يفترض تحقق الواقعة المنشأة للضريبة بالفعل، إلا أن المكلف بالضريبة يتهرب من دفعها كليا أو جزئيا، بالاستفادة من الإعفاءات الضريبية وثغرات القانون والنقص الذي يكتسي نصوصه.

      قد يتحول التهرب الضريبي إلى غش ضريبي باستخدام طرق احتيالية وتدليسية من جانب المكلف بالضريبة بقصد التخلص من عبء الضريبة، ومن صور الغش الضريبي الامتناع عن تقديم التصريح أو تعمد الكذب في مضمون هذه التصريحات، وتقديم بيانات غير صحيحة عن قيمة الوعاء الضريبي أو حقيقة المركز المالي للمكلف بالضريبة، أو التمسك بمحتوى سجلات محاسبية غير قانونية أمام المصالح الضريبية أو إخفاء وعاء الضريبة إخفاءً ماديا كما هو الحال بشأن السلع المهربة من الخارج أو من المناطق الحرة.

      الفرق بين التهرب الضريبي والغش الضريبي:

      التهرب الضريبي تكون فيه إرادة المكلف بالضريبة متجهة نحو تخفيف العبء الضريبي إلا أنه يسلك في سبيل ذلك سبلا مشروعة غير مخالفة للقانون، وبالتالي لا توقع عليه أي عقوبة، فالتهرب الضريبي في هذه الحالة يتوفر فيه العنصر المعنوي (سوء النية) دون العنصر المادي (الحيل التدليسية).

      أما الغش الضريبي فتكون فيه إرادة المكلف بالضريبة متجهة نحو تخفيف أو إسقاط العبء الضريبي، ولكنه يسلك في سبيل ذلك سبلا غير مشروعة مخالفة للقانون، مما يستوجب متابعته قانونا، فالتهرب الضريبي توافر عنصره المعنوي (سوء النية)، وعنصره المادي (استعمال طرق تدليسية واحتيالية) فيصبح غشا ضريبيا.

      آثار التهرب الضريبي: يؤدي التهرب الضريبي إلى أثار سيئة من ناحية مالية الدولة وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها اتجاه الأفراد، إذ أنه يفوت على الدولة جزءً هاما من حصيلة الضرائب، كما أنه يؤدي إلى الإخلال بمبدأ العدالة في توزيع الأعباء العامة، ولذلك فإن الدولة تعمل جاهدة على محاربة هذه الظاهرة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

      أسباب التهرب الضريبي:

      أسباب نفسية: وتعود إلى ضعف مستوى الوعي الضريبي لدى المكلف، واعتقاده أن الضريبة أداة لافتقار الشعوب، ويعود هذا الاعتقاد لأسباب تاريخية.

      أسبـــــــــــــــــاب تشريعيــــــــة: وتتمثل أساس في:/

      - تعدد تشريعات الضرائب.

      - تعدد الضرائب مما يؤدي إلى إرهاق المكلف بالضريبة وترك الثغرات.

      - إن النظام الجبائي هو نظام تصريحي يعتمد على تصريح المقدم من طرف المكلف، وهذا ما يزيد من نسبة التهرب.

      أسبـــــــــــــاب إداريـــــــــــــــــة: وتتمثل في:

      - العدد الهائل من المكلفين والملفات المعروضة للدراسة.

      - نقص عدد الموظفين ونقص كفاءتهم المهنية.

      - ضعف المرتبات.

      - صعوبة تقدير الوعاء الضريبي.

      بالإضافة إلى الأسباب النفسية والتشريعية والإدارية للتهرب الضريبي هناك أسباب أخرى تتمثل في:

      - وفرة المداخيل بالنسبة للدولة نظرا للعائدات الكبيرة من صادرات المواد الأولية والخام اعتبر أن الضريبة على المداخيل هي ضريبة ثانوية.

      - اعتبار فكرة سرقة الدولة لا تعد سرقة ما دامت شخص معنوي.

      - عدم تحقيق الضريبة للعدالة الاجتماعية كنتيجة لعدم الرشادة في الإنفاق العام.

      طرق التهرب الضريبي:

      * التهرب الضريبي عن طريق المعاملات الحسابية: حسب قول مارتينز "تتعدد طرق التهرب الضريبي والتي تمتد من التخفيض لمبالغ المبيعات أو الاستيراد دون تصريح إلى إهمال تسجيل الإيرادات محاسبيا مرورا بتضخم الأعباء القابلة للخصم".

      - تخفيف الإيرادات: تعد الطريقة الأحسن والأكثر استعمالا التي يعتمد المكلف من خلالها على تخفيض الوعاء الضريبي والتخلص من دفعها كليا، يتجسد هذا التخفيض في البيع دون فواتير أي البيع نقدا ولا يترك أثر هذه العملية، هذه الطريقة تمكنه من إخفاء جزء كبير من رقم أعماله، وكذا تسجل قيمة العمليات بأقل من قيمتها الحقيقية، وهذا بعد الاتفاق المبرم مع الزبون.

      - تخفيض التكاليف: يمكن للمكلف خصم بعض التكاليف والأعباء من الربح الخاضع للضريبة وهذا وفقا للشروط التالية:

       - أن تكون موضوعة في صالح نشا المؤسسة.

      - أن تكون لها علاقة مباشرة بنشاط المؤسسة.

      - أن تتصل بأعباء فعلية مرفقة بمبررات ووثائق رسمية.

      - أن تكون في حدود السقف الذي حدده القانون.

      هذه الرخصة تجعل المكلف يسرع إلى الرفع من نسبة التكاليف ويحاول دوما تضخيم أعبائه بكل الوسائل والطرق.

      * التهرب عن طريق عمليات مادية وقانونية: يعتمد هذا النوع من التهرب على ممارسة عمليات وهمية للحصول على محاسبة دون فواتير، كما يمارس المكلف عدة نشاطات دون إعلام الإدارة الجبائية، وهذا بإخفاء جزء من البضاعة ليتم بيعها في السوق أو ما يعرف بالسوق الموازية.

      - التهرب عن طريق عمليات قانونية: يقصد به خلق وضعية قانونية تظهر مخالفة الوضعية الحقيقية.

      - التهرب عن طريق عمليات مادية: يتمثل في إخفاء السلع أو المواد الأولية التي هي في الواقع خاضعة للضريبة سواء كان هذا الإخفاء جزئيا، حيث يتم إخفاء جزء من الأملاك أو المخزونات التي هي في الواقع خاضعة للضريبة، ليعاد بيعها في السوق السوداء، أو كليا حيث يقوم أصحاب المشاريع بإنشاء مصانع صغيرة في المناطق الريفية ليصعب الوصول إليها، وبالتالي فإن الإنتاج المحصل عليه يباع دون فواتير ويسمى الاقتصاد السري على الضرعي"، بعيدا عن كل مراقبة، وهكذا تحرم خزينة الدولة من إيرادات مالية لتمويل مشاريعها.

      * التهرب عن طريق التلاعب في تصنيف الحالات القانونية: ويتمثل في:

      - تصنيف مبيعات خاضعة للضريبة إلى مبيعات معفية.

      - توزيع الشركة لأرباحها على المساهمين في شكل رواتب وأجور لينخفض بذلك معدل الضريبة حينما يتعلق بالرواتب والأجور.

      آثار التهرب الضريبي:

      الآثار الاقتصادية:

      - كبح روح المنافسة بين المؤسسات الاقتصادية، حيث نجد أن درجة الامتياز عن المؤسسات المتهربة منها على حساب المؤسسات التي تقوم بواجباتها الضريبية، فالمؤسسات التي تبحث عن تعظيم أرباحها باستعمال أنجع الطرق لأنها تجد أن التهرب الضريبي من أنجع الوسائل لتعظيم ربحها وبصفة سريعة.

      مثال: المؤسسات الخاصة حيث نجد أنها تريد الاحتفاظ بأموالها الهائلة دون أن يمسها اقتطاع ضريبي.

       الآثار المالية: الخسارة في الخزينة العمومية وفقدانها حصيلة معتبرة من المداخيل المتوقفة من وراء الحصائل الضريبية مما يؤدي التضخم النقدي لنسب الإصدار النقدي الذي ليس له مقابل، إضافة إلى أنه يؤدي إلى ارتفاع نسبة الديون كطريقة تنتهجها الدولة لسد الفراغ المالي الكبير الذي يسببه التهرب في الخزانة العامة.

      الآثار الاجتماعية والنفسية:

      - الإخلال بفكرة العدالة في توزيع الضرائب، إذ يتحمل العبء الأكبر منها المكلفين الحريصون على أداء واجبهم الاجتماعي والوطني في أداء الضريبة.

      - تدهور الحس الجبائي في المعاملات.

      - تدهور عامل الصدق في المعاملات.

      - تعميق الفوارق الاجتماعية.

      وسائل محاربة التهرب الضريبي

      تعد الرقابة الجبائية من أهم الإجراءات التي تستعملها الإدارة الجبائية للمحافظة على حقوق الخزينة من خلال محاربة التهرب الضريبي أو التخفيف من حدّته على الأقل.

      * الإطار القانوني للرقابة: تتمتع الإدارة بصلاحيات وحقوق اتجاه المكلفين أثناء تحقيقها لمهمتها الرقابية لكمن في إطار من الضمانات لحماية المكلف، ومن بي هذه الحقوق نجد حق الاطلاع، حق الرقابة، حق استدراك الأخطاء الإدارية والضمانات الممنوحة.

      - حق الاطلاع: وهو الحق المخول للإدارة الجبائية أثناء ممارستها لمهمتها، وذلك بالاطلاع على دفاتر المكلف ومستنداته، وإذا اقتضت الضرورة يمكن أخذ نشخ الدفاتر والوثائق من طرف الغير "المؤسسات، الإدارات والهيئات الحكومية"، وذلك لجلب المعلومة اللازمة لتحديد الوعاء الضريبي بطريقة دقيقة "المضافة"، ويمكن الإشارة إلى أن حق الاطلاع يقتصر على مجرد الحصول على كشوف لكتابات ووثائق حسابية دون تعليق أو أية مقارنة، كما لا يمكن أن يمارس إلا من قبل الأعوان الين هم برتبة مراقب على الأقل مع خضوعهم لسر مهني، وفي حالة رفض المكلف لحق الاطلاع تطبق عليه العقوبات المزدوجة المنصوص عليها في قانون الضرائب المباشرة، وقانون الرسم على القيمة المضافة.

      - حق الرقابة: ويتمثل في ممل العمليات التي من شأنها التحقق من صحة ونزاهة التصريحات المقدمة، ويأخذ حق الرقابة شكلين هما.

      * التحقق في المحاسبات عن طريق مجموعة من العمليات يكون الهدف من ورائها المعاينة في عين المكان للدفاتر والوثائق المحاسبية ومقارنتها بعناصر الاستغلال للتأكد من صحة التصريحات المكتتبة من أجل تحديد وعاء الضريبة، ويستمد هذا النوع من المادة 190 من قانون الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة.

      * أما الشكل الثاني يتمثل في التدقيق المعمق لمجمل الوضعية الجبائية، والذي يهدف للكشف عن الفارق الموجود بين المداخيل المصرح بها من جانب، والوضعية المالية الحقيقية للمكلف من جانب آخر "نمط مستوى معيشة، ممتلكاته ..."، وهذا ما نصت عليه المادة 131 من قانون الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة.

      - حق استدراك الأخطاء: حق استدراك الأخطاء هو الوسيلة الممنوحة للإدارة لإجراء التقويمات لنفس المدة ونفس الضرائب عندما يقدم لها المكلف عناصر غير كاملة وخاطئة.

      ب- الآثار الاقتصادية المباشرة:

      * أثر الضريبة في الاستهلاك: يتوقف أثر الضريبة في الاستهلاك على خطة الدولة، فإذا استخدمت الدولة الحصيلة الضريبية فإن الاستهلاك يتجه نحو الانخفاض، أما إذا استخدمت الدولة هذه السلع والخدمات فإن نقس الاستهلاك من جانب الأفراد نتيجة فرض الضريبة يعوّضه زيادة الاستهلاك الذي يحدثه إنفاق الدولة.

      * أثر الضريبة على الادخار: إن فرض الضريبة يؤثر في دخول الأفراد بالنقصان، وبالتالي تقليل إنفاقهم على الاستهلاك مما يؤثر سلبا على مستوى مدخراتهم، إلا أن تأثير الضريبة على حجم المدخرات لا يكون واحد بالنسبة للدخول المختلفة، فالضريبة تؤدي بالأفراد إلى إعادة توزيع دخولهم المتاحة بين الاستهلاك والادخار وفقا لمرونة كل منهما، وكذلك إعادة توزيع الإنفاق على الاستهلاك لمصلحة النفقات الضرورية، وعلى حساب النفقات غير الضرورية.

      ولما كان الإنفاق يتميّز في علاقته بالادخار بانعدام المرونة نسبيا، فإن الادخار يكون أول ضحايا الضريبة ويتحمل العبء الأكبر لنقص الدخل نتيجة لفرض الضريبة أو رفع معدّل الضريبة التي كانت موجودة من قبل، أي أن أثر الضريبة في الادخار الخاص يكون سلبيا.

      * أثر الضريبة على الإنتاج: يتأثر الإنتاج نتيجة تأثير الضرائب في عرض وطلب رؤوس الأموال الإنتاجية، فعرض رؤوس الأموال الإنتاجية يتوقف على الادخار ثم الاستثمار، وبما أن الضرائب تؤدي إلى نقص الادخار وقلة رؤوس الأموال الإنتاجية، فإنه يتأثر بمقدار الربح المحقق، فإذا كان فرض الضريبة يؤدي إلى تقليل الربح فبطبيعة الحال يقل الطلب عليها، أما إذا زاد الربح فإن الطلب يزيد عليها.

      كذلك يؤدي فرض الضريبة إلى انتقال عناصر الإنتاج إلى فروع الإنتاج الأخرى قليلة العبء الضريبي، مما يؤثر على النشاط الاقتصادي.

      * أثر الضريبة في التوزيع: إن الطريقة التي تستخدم بها الدولة الحصيلة الضريبية تؤثر على نمط التوزيع، فإذا أنفقت الدولة هذه الحصيلة في شكل نفقات تحويلية أو ناقلة، بمعنى تحويل الدخول من طبقات اجتماعية معيّنة إلى طبقات أخرى دون أية زيادة في الدخل، بحيث تستفيد منها الفئات الفقيرة فإن هذا يؤدي إلى تقليل التفاوت بين الدخول.

      القرض العام:

             يعتبر القرض العام مصدر من مصادر الإيرادات العامة للدولة، تحتاج إليه لتغطية نفقاتها المتزايدة، بعد أن تكون قد استنفذت كافة إيراداتها العادية، وتعتبر القروض العامة موردا من موارد الدولة التي لا تتصف بالدورية والانتظام، بل وتعتبر من وجهة نظر الفكر التقليدي موردا غير عاديا تلجأ إليه الدولة بصورة استثنائية بحتة من أجل تغطية نفقات غير عادية.

      أولا: مفهوم القرض العام: القروض العامة ليست أداة تمويلية بل كذلك أداة من أدوات السياسة المالية والاقتصادية في كثير من الأحيان، ولذا ينبغي على الدولة استخدامها بحذر شديد لخدمة الأغراض الاقتصادية للدولة.

      1- تعريف القرض العام:

      " هو استدانة أحد أشخاص القانون العام (الدولة، الولاية، البلدية ...) أموالا من الغير مع التعهد بردّها إليه بفوائدها".

      "هو مبلغ نقدي تستوفيه الدولة أو أي شخص معنوي آخر من الغير، سواء كان هذا الغير في عداد الأفراد أو البنوك أو الهيئات الخاصة أو الدولية، أم كان من الدول الأخرى، وتتعهد الدولة بردّه وبدفع الفائدة عنه وفقا لشروط محددة".

      2- المقارنة بين القرض والضريبة:

      * أوجه الشبه:

      - كلاهما مورد من موارد الدولة.

      - أن الأشخاص الطبيعية والمعنوية هم الذين يتحملون عبء كل منهما.

      * أوجه الاختلاف:

      - الضريبة تدفع بصورة نهائية، إذ لا تلتزم الدولة بردها إلى الأفراد كما لا تلتزم بدفع فوائد عنها، أما القرض العام فإن الدولة تلتزم بردّه وفوائده طبقا للنظام القانوني المنظم لإصدار النقد.

      - الضريبة تدفع جبرا بموجب السلطة السيادية للدولة، أما القرض العام فالمبدأ العام أنه يدفع بصورة اختيارية من جانب المقرض، رغبة منه في استثمار أمواله.

      - حصيلة الضريبة لا تخصص نحو إنفاق في مجال معيّن استنادا إلى مبدأ عدم التخصيص للإيرادات العامة لوجهة محددة، أما حصيلة القضر العام فإنها تخصص لإنفاق معيّن يحدده القانون، وفقا للظروف التي تتطلب القرض، فقد يعد القرض لسد عجز طارئ في ميزانية الدولة أو لتمويل اقتناء تجهيزات معيّنة، أو لقيام بمشروع إنتاجي وطني.

      3- تقسيمات القروض العامة: يمكن تقسيم القروض العامة تبعا للنطاق المكاني للإصدار، أو تبعا لحرية الاكتتاب في القرض، أو تبعا لأجل القرض.

      * النطاق المكاني للإصدار: هناك قروض داخلية وأخرى خارجية:

      - القروض الداخلية: ويكون المقرض فيها أحد الأشخاص الطبيعية أو المعنوية المقيمين داخل إقليم الدولة بغض النظر عن جنسيته.

      - القروض الخارجية: يكون المقرض فيها أحد الأشخاص الطبيعية أو المعنوية: رعايا أجان، دول، منظمات وهيئات دولية (صندوق النقد الدولي FMI).

      الفرق بين القرض الداخلي والقرض الخارجي:

      - القرض الداخلي لا يزيد عمليا في الثروة القومية خلافا عن القرض الخارجي.

      - يضيف القرض الخارجي رصيدا من الثروة بالعملة الأجنبية عكس القرض الوطني.

      - يؤدي القرض الخارجي إلى تدخل الجهة المقرضة (الدولة، صندوق النقد الدولي) في الشؤون الداخلية للدولة المقترضة.

      - يمكن أن يؤدي القرض الخارجي إلى تدخل الدولة المقرضة في سياسات الدولة المقترضة اقتصاديا وسياسيا.

      * حرية الاكتتاب في القرض: هناك قروض اختيارية وأخرى إجبارية:

      - القروض الاختيارية: وهي القروض التي يكون فيها الأشخاص أحرارا في الاكتتاب فيها دون إكراه من السلطة العامة (الدولة) وهي حين ذاك تقوم على أساس تعاقدي.

      - القروض الإجبارية: وهي القروض التي يجبر الأشخاص على الاكتتاب فيها، وتلجأ الدولة إلى القروض الإجبارية في الحالات التالية:

      * في حالات ضعف ثقة المواطنين في الدولة بحيث تركت القروض اختيارية لعزف المواطنين على الاكتتاب عليها، ويكون هذا في فترات عدم الاستقرار الاقتصادي والأزمات.

      * في حالة التضخم حيث يرتفع مستوى الأسعار نتيجة تدهور قيمة النقود، فتعمد الدولة للقرض الإجباري من أجل امتصاص أكبر قدر ممكن من الكتلة النقدية الفائضة للحد من أثر التضخم الضار بالاقتصاد الوطني.

      أجـــــــــــــــال القـــــــــــــــــــــــرض: هناك قروض مؤقتة وقروض مؤبدة"

      - القروض المؤقتة: وهي القروض التي تلتزم الدولة بالوفاء بها في الآجال والأوضاع الواردة في قانون إصدارها.

      ويأخذ هذا النوع من القروض صورة قروض قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأجل تبعا للظروف والمعطيات التي دفعت الدولة إلى الاقتراض.

      - القروض المؤبدة: وهي تلك القروض التي لا تلتزم الدولة بالوفاء بها في أجل معيّن، مع التزامها بدفع فوائدها لحين الوفاء.

      وصفة التأبيد أو الدوام هنا مقررة لصالح الدولة دون المقرضين، حيث يجوز لها الوفاء بالقرض المؤبد دون أن يكون للدائنين حق الاعتراض.

      4- التكييف القانوني للقرض العام: هل القرض العام عمل من أعمال السيادة أم قرض؟

      اتجه الفقه وانقسم إلى رأيين:

      * القرض العام عمل من أعمال السيادة: حيث تنص معظم الدساتير على ضرورة إصدار القرض العام بموجب قانون من البرلمان، كما جاء في المادة 141 من الدستور الجزائري الحالي.

      ويثار من زاوية أخرى مدى شرعيتها وشروط وضوابط إعمالها واللجوء إليها.

      * القرض العام عقد: يرى جاني من الفقه أن العلاقة القانونية بين المقترض (الدولة، الولاية، البلدية ...) والمقرض (شخص طبيعي أو معوي) هي عقد.

      وهو رأي منتقد خاصة إذا ما نظرنا إلى القروض الإجبارية التي يجبر المقرضين على توقيعها، فهي تفتقد لعنصر الرضا وهو أحد أركان العقد.

      ثانيا: التنظيم التقني للقروض العامة: تستلزم القروض العامة منذ إصدارها وإلى غاية الوفاء بها العديد من الإجراءات القانونية والتنظيمات التقنية تتصل أساسا بعملية إصدار القرض وشروطها وأساليبها وانقضائها.

      1- إصدار القرض العام: يقصد بإصدار القرض العام "العملية التي بمقتضاها تحصل الدولة على المبالغ المكتتب بها عن طريق طرح سندات، يقوم الأفراد بالاكتتاب فيها وفقا للشروط التي ينص عليها التشريع الساري المفعول".

      تنص المادة 139 من الدستور الجزائري في فقرتها 15 على أن إصدار القروض العامة هو اختصاص تشريعي للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، ذلك أن القروض العامة كالضرائب وسيلة يرد أصلها وفائدتها التي تقرض بقانون.

      هناك العديد من الشروط والوسائل المطلوبة لإصدار القرض العام وهي:

      * قيمة أو مبلغ القرض العام: يصدر القرض العام محدد القيمة أو غير محدد القيمة.

      فالقرض المحدد القيمة يكون في حالة قيام الدولة بتحديد حد أعلى للمبلغ الذي تريد أن تقترضه.

      أما القرض غير محدد القيمة فيكون في حالة ما إذا لم تحدد الدولة قيمة المبلغ الذي تريد اقتراضه.

      عادة ما تلجأ الدولة إلى تحديد مدة الاكتتاب ليتحدد مبلغ القرض لدى انتهاء هذه المدة.

      * سندات القرض: يأخذ القرض لدى صدوره شكل سندات تتمثل في سندات إسمية وأخرى لحاملها وأخرى مختلطة.

      - السندات الإسمية: وهي تلك السندات التي يقيد إسم مالكها في سجل خاص ببدين يحفظ في إدارة القروض العامة بوزارة المالية، وتسلم إليه شهادة باسمه تثبت حقه اتجاه الدولة، وتعتبر تلك الشهادات نفسها هي السندات الإسمية.

      - السندات لحاملها: وهي تلك السندات التي لا يقيد اسم مالكها في سجل خاص، بل القاعدة أن حائز السند هو مالكه.

       -السندات المختلطة: وتأخذ هذه السندات شكلا وسطا بين السندات الإسمية والسندات لحاملها، فهي تقترب من السندات الإسمية في ضرورة قيد إسم المكتتب فيها في سجل خاص، ولا تنتقل ملكيتها إلا بعد تغيير البيانات الواردة في السجل، وتقترب من السندات لحاملها بالنسبة لتحصيل الفوائد.

      * اختيار طريقة الاكتتاب: يمكن للدولة أن تلجأ إلى عدة طرق تقنية في سبيل الاكتتاب في السندات الحكومية، ويمكن أن تحدد هذه الطرق على النحو التالي:

      - الاكتتاب العام المباشر: حين تقوم الدولة بعرض سندات حكومية مباشرة إلى الجمهور للاتكتتاب فيها، مع تحديد بداية الاكتتاب ونهايته والشروط والمزايا التي تمنح للمكتتبين.

      - الاكتتاب عن طريق البنوك: وفي هذه الحالة تلعب البنوك دور الوسيط في تغطية القرض، عن طريق قيام الدولة ببيع سنداتها إلى البنوك مقابل عمولة تحصل عليها تتمثل في الفرق بين المبلغ الإسمي للقرض والمبلغ الذي تدفعه الدولة عند شراء السندات، وتقوم البنوك ببيعها إلى الأفراد الراغبين في اقتناء هذه الأوراق المالية على أن تحتفظ لديها بالسندات التي لم تتمكن من تصريفها في السوق.

      - البيع في البورصة: حين تلجأ الدولة إلى بيع السندات في بورصة الأوراق المالية.

      2- انقضاء القرض العام: يتم انقضاء القرض العام برد قيمته إلى المكتتبين، ويمكن إجمال طرق انقضاء الدين العمومي في عدة طرق رئيسية تتمثل في: الوفاء، التثبيت، التبديل، استهلاك القرض العام.

      * الوفاء: ينقضي القرض العام بالوفاء به تماما اتجاه الجهة المقرضة لدى حلول الأجل بالنسبة للقروض العامة المؤقتة، أما القروض العامة المؤبدة فإن الوفاء بها يعود لإرادة الدولة وغالبا ما يتم ذلك على أقساط ودفعات.

      * التثبيت: ويقصد به قيام الدولة بتحويل القرض قصير الأجل عندما يحل أجله إلى قرض متوسط الأجل أو طويل الأجل، ويتم التثبيت عن طريق إصدار قرض متوسط الأجل أو طويل الأجل بنفس مبالغ القرض القصير الأجل، مع السماح لحملة السندات بالاكتتاب في القرض الجديد عن طريق تقديم أذونات الخزينة العمومية التي يملكونها، وعندئذ يتم تثبيت القرض قصير الأجل في الحدود التي يقبل فيها أصحاب السندات الاكتتاب في القرض الجديد.

      من خلال ما سبق يتبين أن التثبيت يخص فقط القروض العامة محددة الآجال، وبالتالي فإن عدم رغبة حاملي السندات قصيرة الأجل في الاكتتاب في القرض الجديد يؤدي إلى إلزام الدولة برد قيمة القرض.

      * التبديل: يقصد بتبديل أو تحويل القرض العام إحلال قرض جديد بسعر فائدة منخفض محل قرض قديم بسعر فائدة مرتفع، وهذا التجديد في الدين يترتب عليه خدمة الدين على الخزينة العمومية ويتميّز تبديل الدين بأنه يوفر الوقت والجهد والمال.

      يكون التبديل إجباريا إذا قامت الدولة بتخفيض سعر الفائدة دون موافقة الدائنين، وهذا التبديل يضر بالسمعة المالية للدولة ويضعف الثقة فيها، وقد يكون التبديل اختياريا بأن تعلن الدولة رغبتها في تخفيض سعر الفائدة ويكون لحاملي أذونات الخزينة حرية الاختيار إما بالقبول بتخفيض الفائدة وتبديل القرض أو استرداد قيمة القرض الأصلي.

      * استهلاك القرض العام: يقصد باستهلاك القرض العام سداد قيمته تدريجيا على عدة دفعات إلى حاملي سنداته خلال فترة معيّنة وفقا لما تقتضي به شروط الإصدار.

      إن سداد الدين العام سواء عن طريق الوفاء به دفعة واحدة أو استهلاكه تدريجيا على دفعات أمر لا غنى عنه إذا أرادت الدولة الاحتفاظ بثقة المقرضين.

      ثالثا: آثار القرض العام:

      1- آثار القرض العام على المقرض والمقترض: بترتب على القرض العام رد مبلغه كاملا إلى الجهة المقرضة وطنية كانت م أجنبية، إضافة إلى حصول هذه الأخيرة على المزايا والامتيازات التي تعود إلى ما يلي:

      - الحصول على فائدة القرض.

      - إصدار السندات دون سعر التعادل.

      - الإعفاء من الضرائب.

      وغيرها من التحفيزات التي تلجأ إليها الدولة تبعا لظروفها على الرغم مما يثار عن مدى شرعيتها.

      أما بالنسبة للجهة المقترضة فعادة ما يتم التمييز بين القروض الداخلية والقروض الخارجية:

      القروض الداخلية: ويختلف الأمر بحسب استعمال تلك القروض، فإذا ما صرفت على إنفاق استهلاكي فإنها تؤدي إلى تبديد لموارد الوطنية وانتقاص من معدل الناتج القومي، أما إذا وجهت لاستثمارات إنتاجية (إنشاء مصانع) فإنها تؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الوطني.

      القروض الخارجية: زيادة حصيلة الدولة من العملة الأجنبية لمواجهة متطلبات الاستثمار، غير أنها ترهن مستقبل الدولة وسيادتها بسبب خضوعها لشروط وضغوط الهيئة المقرضة.

      2- أثر القروض العامة على الاستهلاك والادخار: تؤثر القروض العامة على الاستهلاك والادخار من خلال ما تؤدي إليه من إعادة توزيع الدخل القومي، وعادة ما يتم هذا التوزيع لصالح الميل للادخار على حساب الاستهلاك، فالقروض تمنح العديد من المزايا والضمانات والتسهيلات للمدخرين، من أجل تشجيعهم على الادخار والاكتتاب في سندات القروض العامة، ومن وجهة نظر صغار المدخرين يكون توظيف مدخراتهم في السندات الحكومية أكثر سهولة وأمنا وأقل خطرا من توظيفها في السندات الخاصة، مما يؤدي إلى رفع الميل للادخار وانخفاض الميل للاستهلاك، وبمعنى آخر فإن الأفراد عادة ما يفضلون الاكتتاب في سندات القروض العامة من مدخراتهم المعدة للاستثمار على زيادة الادخار على حساب الاستهلاك.

      3- أثر القروض على الاستثمار: يترتب على عقد القروض وما يترتب عليه من دفع فوائد منتظمة وأصل الدين إلى المقترضين انخفاض الأرباح المحتملة، ومن ثمة انخفاض الكفاية الحدية لرأس المال، وبالتالي انخفاض الميل للاستثمار، وكذلك أن التوسع في القروض العامة تجعل الدولة ترفع من سعر الفائدة كوسيلة لجذب الأفراد للاكتتاب في سندات القروض العامة، وارتفاع سعر الفائدة يؤثر على الميل للاستثمار الخاص بالأفراد المكتتبون في القروض العامة يسحبون أموالهم من الاستثمارات الخاصة، مما يسبب ضررا معتبرا بالاستثمارات الخاصة.

      4- أثر القروض العامة على زيادة الكتلة النقدية: تقترن القروض التي تقدمها البنوك إلى الدولة بزيادة كمية النقود المطروحة في التداول، ويترتب على ذلك أنه في حالة وصول الاقتصاد إلى مرحلة التشغيل الكامل فإنها تحدث آثارا تضخمية بالغة الخطورة، ويشكل هذا النوع من القروض نسبة كبيرة من مجموع القروض العامة، فاكتتاب البنوك في القروض العامة يتم عادة عن طريق خلق كمية جديدة من النقود ويتم ذلك على النحو التالي:

      - حينما يقوم البنك المركزي الذي يطرح الاكتتاب في القروض العامة فإنه يفعل ذلك عن طريق إصدار نقود جديدة.

      - تقود البنوك التجارية التي تكتتب في السندات الحكومية بخلق ودائع ائتمانية جديدة مقابل ما يدخل محفظتها المالية من سندات.

      قد يحدث أن تترك الدولة المبالغ التي اقترضتها البنوك التجارية لدى هذه البنوك في شكل وديعة على أن تقوم باستخدامها في الوفاء بالتزاماتها، وفي هذه الحالة يكون النظام المصرفي ككل قد اكتتب في القروض العامة بنقود كتابية إضافية.

      5- أثر القروض العامة في توزيع العبء المالي العام: يتوزع العبء المالي للقرض العام بين المقرضين والمكلفين بالضرائب، كأن يترتب نوعين من الأعباء:

      * النوع الأول: عبء على الخزينة العمومية للدولة، أي تلك الالتزامات التي تقدمها الدولة للمكتتبين في القرض العام، ويسمى هذا العبء بالعبء المالي الاقتصادي.

      * النوع الثاني: عبء على الاقتصاد الوطني أي مدى ثقل القرض على الحياة الاقتصادية بكل جوانبها، منذ لحظة الإصدار حتى لحظة السداد، ويعرف هذا العبء بالعبء الاقتصادي للقرض، فالقرض هذا لا يلقي فقط عبئا اقتصاديا على الاقتصاد الوطني، بل يوزعه على الفئات المختلفة وهو ما يؤثر على الإنتاجية الوطنية والرفاهية الاقتصادية.

      وعليه فإن العبء المالي للقرض يتحمله الجيل الحالي في المقرضين وتضحياتهم، والأجيال المستقبلية المتمثلة في المكلفين بدفع الضرائب المفروضة عليهم.

       



      محمد عباس محرزي, إقتصاديات المالية العامة, ديوان المطبوعات الجامعية, سنة 2007, ص51.[1]

       بيوض خالد, دروس في المالية العامة , مطبوعة ألقيت على طلبةالسنة الثالثة ل م د , السنة الجامعية 2011/2012,كلية الحقوق جامعة الجزائر,ص 17.


  • المحور الثالث

    • -      المحور الثـالث: الـنفقات العـامة:

      -       - التعريف بالنفقات العامة.

      -       - تقسيمات النفقات العامة.

      -       - ضوابط الإنفاق العام وحدوده.

      -       - الآثار الاقتصادية للنفقات العامة.

      لقد ازدادت أهمية دراسة النفقات العامة في المدة الأخيرة مع تعاظم دور الدولة وتوسع سلطاتها، وزيادة تدخلها في الحياة الاقتصادية، وترجع أهمية النفقات العامة لكونها الأداة التي تستخدمها الدولة من خلال سياستها الاقتصادية في تحقيق أهدافها النهائية التي تسعة إليها، فهي تعكس كافة جوانب الأنشطة العامة وكيفية تمويلها.

      أولا: التعريف بالنفقات العامة:

      -       "النفقة العامة هي صرف إحدى الهيئات والإدارات العامة مبلغا معيّنا بغرض سد إحدى الحاجات العامة".

      كما تعرّف بأنها :"استخدام مبلغ نقدي من قبل هيئة عامة بهدف إشباع حاجة عامة", وهو مبلغ نقدي يقوم بإنفاقه شخص عام بقصد تحقيق منفعة عامة, وفقا لهذا التعريف يمكن إعتبار النفقة ذات عناصر ثلاثة هي:

      -       مبلغ نقدي.

      -        يقوم بإنفاقه شخص معنوي عام.

      -       الغرض منه تحقيق نفع عام.[1]

      1- استخدام مبلغ نقدي: فالوسائل غير النقدية التي تتبعها الدولة للحصول على ما تحتاجه من سلع وخدمات أو لمنح مساعدات لا تعتبر نفقات عامة، إذ يجب استعمال المبلغ النقدي.

      ومن أمثلة الوسائل غير النقدية المزايا العينية كالسكن المجاني والمزاياي النقدية كالإعفاء من الضريبة، والمزايا الشرفية كمنح الألقاب والأوسمة التي تقدمها لبعض القائمين بخدمات عامة أو لغيرهم من الأفراد.

      2- صدور النفقة من شخص معنوي عام: وهي الأشخاص الإإدارية العامة وعلى رأسها الدولة، الولاية، البلدية، الهيئات الوطنية العامة، الأشخاص المعنوية العامة الأخرى، فيجب أن تتم النفقة العامة بمعرفة هذه الهيئات لا بمعرفة الأشخاص الخاصة سوائ كانت معنوية أو طبيعية.

      وعلى هذا الأساس فإن النفقات التي ينفقها أشخاص طبيعية معنوية لا تعتبر نفقة عامة حتى ولو كانت تستهدف منفعة عامة، فعلى سبيل المثال ما قام به مجمع الخليفة لما قام بشراء محطة لتحلية المياه (دشنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر 2002)، ثم تبرع بها للدولة، فإن هذا الإنفاق لا يعد إنفاقا عاما وهذا راجع إلى أن الأموال التي قام بإنفاقها تعد أموالا خاصة وليست أموالا عامة، بالرغم من عمومية الهدف، ومن ثمة يعد من باب الإنفاق الخاص ولكن هل يعني ذلك أن كافة المبالغ التي تنفقها الدولة تعتبر نفقات عامة؟

      لقد ظهر معيار قانوني (معنوي) وآخر وظيفي، فأما المعيار القانوني فيرتكز على الطبيعة القانوني للشخص المنفق، فإذا كان من أشخاص القانون العام فإن النفقة تعد عامة أيا كان الغرض منها، أما إذا كان الشخص المنفق من أشخاص القانون الخاص فإن النفقة تعتبر خاصة بغض النظر عما تهدف إليه من أغراض.

      كما ظهر معيار وظيفي يرتكز على الطابع الوظيفي والاقتصادي للشخص المنفق، ومن هنا لا يمكن اعتبار جميع النفقات الصادرة عن الأشخاص العامة نفقات عامة، ما عدا تلك الأنشطة والمهام التي تقوم بها الدولة المستمدة من سلطتها وسيادتها، أما النفقات التي تقوم بها الدولة أو الأشخاص العامة وتماثل النفقات التي تقوم بها الأشخاص الخاصة فإنها تعتبر نفقة عامة وعلى العكس من ذلك تعتبر النفقات التي يقوم بها الأشخاص الخاصة المفوضين من قبل الدولة في استخدام سلطتها نفقات عامة بشرط أن تكون هذه النفقات العامة نتيجة لاستخدام هذه السلطة.

      3- تحقيق نفع عام: لكي تكون النفقة عامة يجب أن يكون الهدف منها هو إشباع الحاجات العامة، ومن ثمة تحقيق المنفعة العامة أو المصلحة العامة، وهذا مبرر لأمرين:

      -       الأول: أن النفقة العامة يجب أن تشبع حاجة عامة مثلما أضرنا.

      الثاني: أن النفقة العامة إذا حققت منفعة عامة فإن ذلك يؤدي إلى تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين في تحمل الأعباء العامة.

      -      ثانيا: تقسيمات النفقة العامة:

      -       1- نفقات التسيير ونفقات الاستثمار: وهو تقسيم يعتمده المشرع الجزائري ويتمثل في:

      * نفقات التسيير: وهي تلك النفقات الضرورية لسير الأجهزة الإدارية للدولة والمتكونة أساس من أجور الموظفين، ومصاريف صيانة البيانات الحكومية ومعدات المكاتب ...إلخ، ومنه لا يمكن ملاحظة أية قيمة مضافة منتجة تحملها هذه النفقات للاقتصاد الوطني، أي أنها لم تقم بعملية إنتاج أي سلعة حقيقية[2]، وتجمع نفقات التسيير إلى أربعة أبواب هي:[3]

      -       - أعباء الدين العمومي والنفقات المحسومة من الإيرادات.

      -       - تخصيصات السلطات العمومية.

      -       - النفقات الخاصة بوسائل المصالح.

      -       - التدخلات العمومية.

      يتعلق الباب الأول ولاثاني بالأعباء المشتركة في الميزانية العامة يتم تفصيلها وتوزيعها بمقتضى مرسوم رئاسي، أما الباب الثالث والرابع فيهمان الوزارات، ويتم توزيعهما عن طريق مراسيم التوزيع، ويقسم كل باب إلى أقسام ويتفرع عن كل قسم فصول، ويمثل الفصل الوحدة الأساسية في اعتمادات الميزانية وعنصر مهم في الرقابة المالية.

      * نفقات الاستثمار: تتسم هذه لانفقات بإنتاجياتها الكبيرة ما دامت تقوم بزيادة حجم التجهيزات الموجودة بحوزة الدولة، فالشهرة التي تحظى بها هذه النفقات تجد جذورها في التحليل الاقتصادي البريطاني "تحاليل جون مينارد كينز" الذي برهن أن نفقات الاستثمار تقوم بإعادة التوازن الاقتصادي العام في فترة الركود الاقتصادي، من خلال الدور الذي يقوم بآدائه "مضاعف الاستثمار"، فلو افترضنا قيام الدولة بإنجاز استثمار معيّن (بناء طريق سيار) خلال فترة أزمة اقتصادية، فالنفقة العامة الاستثمارية ستسمح بتوزيع الأجور على العمال والقيام بطلبات المواد الأولية لدى الموردين ويوجه عندها الوبائن والموردون المداخيل المحققة لشراء سلع استهلاكية أو تجديد مخزوناتهم، فيمنحون بالتالي مداخيل جديدة للتجار، للمنتجين الصناعيين الذين بدورهم سوف يستعملون هذه المداخيل.

      2- التقسيمات العلمية: تقسم النفقة العامة إلى تقسيمات علمية بحسب طبيعتها إلى أنواع عديدة، كتكرارها الدوري أو أثرها الاقتصادي أو أغراضها أو نهو الهيئة القائمة بها، أو بحسب نوعيات الإنفاق أو حسب نطاق سريانها.

      * النفقات العادية والنفقات غير لاعادية: ويقصد بالنفقات العادية تلك النفقات التي تتكرر بصفة دورية منتظمة في الميزانية العامة للدولة، أي خلال سنة مالية (كمرتبات الموظفين).

      أما النفقات غير العادية فهي تلك التي لا تتكرر بصفة عادية ومنتظمة في ميزانية الدولة، ولكن تدعو الحاجة إليها مثل نفقات مواجهة مختلف الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وغيرها من الأحداث الطارئة.

      إن الفائدة من تقسيم النفقات إلى نفقات عادية وأخرى غير عادية هو تمكين الحكومة من تقدير نفقاتها بشكل قريب إلى الصحة، وتدبير ما يلزم لسدادها من الإيرادات العامة، غير أن ما يعاب على هذا التقسيم هو اعتماده على التكرار السنوي للنفقة في الميزانية في حين أن ميزانيات بعض الدول تزيد مدتها عن العام كالنفقات الاستثمارية التي تعتبر لازمة على الدوام ويتكرر ظهورها في كل الميزانيات والبرامج الاقتصادية.

      إن مثل هذه النفقات تتحول إلى نفقات عادية بموجب معيار التكرار والانتظام يضاف إلى ذلك بعض النفقات غير العادية تتحول إلى نفقات عادية ومتكررة، كالنفقات العسكرية التي تتكرر سنويا بسبب التوتر الدولي، مما يجعل اعتبارها نفقات متكررة بسبب ظهورها المستمر سنويا.

      * الآثار الاقتصادية: تنقسم النفقات العامة من حيث آثارها الاقتصادية إلى ثلاثة أنواع: منتجة وغير منتجة، ناقلة وغير ناقلة، حقيقية وغير حقيقية.

      - النفقات المنتجة والنفقات غير المنتجة: النفقة المنتجة هي تلك النفقة التي تأتي بإيراد مالي كنفقات السكك الحديدية، أما النفقة غير المنتجة فهي تلك النفقة التي لا تأتي بإيراد مالي كنفقات التسيير (إنشاء وصيانة الطرق العامة مثلا).

      إن العبرة في الإنتاجية هو مدى سد النفقة لحاجات الجمهور، وليس في كون النفقة تدر مالا من عدمه، فإنشاء الطرق وصيانتها يؤدي إلى سهولة المواصلات ويترتب عليه إنعاش الحالة الاقتصادية.

      إن النقد الموجه إلى التقسيم الأول (منتجة وغير منتجة) جعل البعض يفضل تقسيمها إلى نفقات نافعة وأخرى غير نافعة، فتعتبر النفقة نافعة إذا عاد أثرها بفائدة على الشعب، وتعتبر غير نافعة إذا لم يستفد منها الشعب.

      - النفقات الناقلة والنفقات غير الناقلة: النفقات الناقلة هي تلك النفقات التي تقوم بها الدولة بهدف إعادة توزيع الدخل القومي مثل الإعانات الاجتماعية، أما النفقات غير الناقلة فهي تلك النفقات التي تصرف للحصول على مقابل من الأموال أو الخدمات مثل نفقات الأشغال العمومية.

      - النفقات الحقيقية والنفقات غير الحقيقية: يعتمد معيار التمييز هنا على مدى إنقاص النفقة المالية للدولة، حيث يطلق على النوع الذي ينقص مالية الدولة بنفقات حقيقية (مرتبات الموظفين مثلا)، ويطلق على النوع الذي لا ينقص مالية الدولة إلى نفقات غير حقيقية (نفقات إنشاء السكك الحديدية مثلا).

      * المعيار الغائي (الهدف): تقسم النفقات العامة تبعا للهدف المسطر لها لبلوغه، أو كما درج على تسميتها بالتقسيم الوظيفي، أي نفقات إدارية، نفقات اجتماعية، نفقات اقتصادية.

      - النفقات الإدارية: ويقصد بها النفقات المرتبطة بسير المصالح العامة والضرورية لأداء الدولة لوظائفها، وتضم هذه النفقات نفقات الدفاع والأمن والعدالة والتمثيل السياسي.

      وتعد نفقات الدفاع (النفقات العسكرية) أهم النفقات الإدارية حيث تمثل ما يزيد على 15% من مجموع النفقات العامة سواء في البلدان المتقدمة أو البلدان النامية.

      - النفقات الاجتماعية: وهي النفقات التي تتعلق بالأهداف والأغراض الاجتماعية للدولة والمتمثلة في الحاجات العامة التي تشبع الجانب الاجتماعي للمواطنين عن طريق توفير أسباب وإمكانيات التعليم، الصحة، الثقافة، وكذا تحقيق قدر من التضامن الاجتماعي عن طريق مساعدة بعض الفئات المعوزة والمعسورة مثل الإعانات الموجهة للأسر كبيرة الحجم وذات الموارد المحدودة أو الإعانات الموجهة للعاطلين عن العمل.

      - النفقات الاقتصادية: وهي تلك النفقات التي تقوم الدولة بصرفها لتحقيق أهداف اقتصادية كالنفقات الاستثمارية التي تهدف إلى تزويد الاقتصاد القومي بخدمات أساسية كالنقل، المواصلات، الري، الصرف، بناء المساكن ومختلف أنواع الإعانات الاقتصادية التي تعطيها الدولة للمشروعات.

      -       * المعيار العضوي: تقسم النفقات العامة من حيث الهيئة التي تقوم بها إلى نفقات وطنية (حكومية) ونفقات محلية.

      فالنفقات الوطنية أو المركزية هي تلك النفقات التي ترد في ميزانية الدولة، وتتولى الحكومة القيام بها مثل نفقة الدفاع الوطني والقضاء والأمن.

      أما لانفقات المحلية فهي تلك النفقات التي تقوم بها الجماعات المحلية كالولايات والبلديات، وترد في ميزانية هذه الهيئات مثل: الماء، الكهرباء، المواصلات داخل الإقليم أو المدينة.

      * المعيار الشكلي: تنقسم النفقات العامة تبعا للشكل الذي تظهر به إلى أربعة أنواع هي: أجور العاملين بالدولة، أثمان الأشياء والأدوات التي تشتريها الدولة، الإعانات، نفقات خدمة الدين العام.

      - أجور العاملين بالدولة: وهم الموظفون العامون القائمون بإدارة المرافق العامة وتحصل الدولة على خدماتهم نظير مرتبات وأجور.

      تراعي الدولة في هذا النوع من النفقات الحد الأدنى للأجور حتى لا يلجأ هؤلاء إلى أساليب غير مشروعة لسد احتياجاتهم، كما يراعى في معاملتهم المساواة والتماثل بوضع نظام عادل لهم حتى يتفرغون لأعمالهم كما هو وارد بقانون الوظيف العمومي.

      لقد خص المشرع الجزائري هذا النوع من النفقات بحماية خاصة طبقا لأحكام المادة 34 من القانون 84-17 التي تنص على أنه :"بصرف النظر عن أحكام المادة 33 أعلاه لا يجوز القيام بالنسبة إلى ميزانية التسيير بأي اقتطاع من الفصول التي تتضمن النفقات المخصصة للمستخدمين إلى فصول تتضمن أنواع أخرى من النفقات".

      - أثمان الأدوات والأشياء التي تشتريها الدولة: تقوم الإدارة بشراء واقتناء ما يلزمها من أدوات وأثاث ووسائل مادية وما تحتاجه لتنفيذ الأشغال العامة مثلا، ويراعى في عملية الشراء أقل التكاليف والكفاءة الأكثر، ويتم تنظيم هذه العمليات عن طريق المناقصات حيث يتنافس المقاولون والموردون في تقديم سعر أقل، أو بطريق التراضي حين تعهد الإدارة العامة بها لمقاول أو مورّد معين إذا كان يحتكر هذه الأدوات مثلا، أو في حالة الاستعجال وذلك طبقا للمرسوم الرئاسي 02/250 المؤرخ في 24  جويلية 2002 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية.

      - الإعانات: هذا النوع من النفقات حديث العهد، يهدف إلى تحقيق أغراض اقتصادية واجتماعية معيّنة مثل إعطاء إعانات لمساعدة بعض الصناعات الوطنية حتى تصمد أمام منافسة السلع الأجنبية، وإعطاء إعانات لأفراد وهيئات عامة تقوم بأعمال ذات نفع عام.

      -       تقرر بعض الدساتير إقرار الإعانات من قبل أغلبية برلمانية حتى لا يساء استخدامها.

      يزيد نطاق هذه الإعانات في العصر الحديث خاصة تلك الدول التي تعتنق وتتبنى الاتجاه الاشتراكي بهدف توفير الحاجات الضرورية للمواطنين في نطاق دخولهم ومكافحة الغلاء.

      - نفقات خدمة الدين العام: وهي تلك النفقات التي تنفقها الدولة لسداد القروض العامة الداخلية والخارجية، ونفقات المعاشات وبعض النفقات الأخرى.

      3- التقسيم الوضعي: ويتعلق بالممارسات والتطبيقات العملية التي تعمد وتلجأ إليها الدول بشأن تنظيم نفقاتها العامة بغض النظر عن مدى التزامهاتها بالتقسيم العلمي السابق.

      هناك العديد من المعايير التي تعمد إليها النظم الوضعية في تقسيماتها للنفقات العامة تتمثل في: معيار إداري وآخر وظيفي وآخر اقتصادي.

      * المعيار الإداري: ويقوم على أساس الجهة أو الهيئة الإدارية التي تقوم بالإنفاق العام، حيث يتم توزيعها حسب الوزارات كما توزع داخل كل وزارة حسب أقسامها وأجهزتها.

      -       * المعيار الوظيفي: تظهر فيه وظائف الدولة في شكل قطاعات تبرز بداخلها نفقات كل قطاع.

      فنجد التقسيم الإنجليزي للنفقات العامة يرجع إلى اعتبارات تاريخية ويرجع التقسيم الفرنسي إلى اعتبارات إدارية واقتصادية، في حين يرجع التقسيم الأمريكي (و.م.أ) إلى اعتبار وظيفي، حيث يتم تقسيم النفقات العامة داخل كل وظيفة إلى أقسام فرعية يتعلق كل منها بقطاع اقتصادي معيّن تتناسب مع القطاعات التي تنقسم إليها الخطة الاقتصادية، أما التقسيم المصري للنفقات العامة فقد أخذ بالتقسيم الإداري ثم اتجه العمل للأخذ ببعض الاعتبارات المتعلقة بالتخطيط، نظرا إى أن الميزانية العامة تشكّل جزءا من الخطة الاقتصادية.

      * المعيار الاقتصادي: ويقوم هذا المعيار على الاعتبار الوظيفي ولكن تظهر فيه وظائف فيه وظائف الدولة في قطاعات متعددة للوظيفة الواحدة، فلا يكتفي القول بوجود نفقات اقتصادية واجتماعية بل يظهر توزيعا حسب أنواه هذا النشاط.

      ومثل ذلك ميزانية التجهيز، حيث يقسم القطاع الاقتصادي إلى المجالات المختلفة التي تدخل في هذا القطاع كمجال الزراعة والصناعة والتجارة والنقل والصيد ...إلخ.

      -       تتجه الدول حديثا إلى الجمع بين التقسيم الإداري والتقسيم الاقتصادي للنفقات العامة.

      -      ثالثا: ضوابط الإنفاق العام وحدوده.

      1- ضوابط الإنفاق العام: تتمثل ضوابط الإنفاق العام في اضبط المنفعة العامة، ضابط الاقتصاد في الإنفاق، ضابط الترخيص (تقنين النشاط المالي للدولة).

      * ضابط المنفعة العامة: بمقتضى قاعدة أو ضابط المنفعة العامة لا توجّه النفقة العامة لتحقيق الصالح الخاص لبعض الأفراد أو بعض فئات المجتمع، نظرا لما يتمتعون به من نفوذ سياسي، وبالتالي يجب أن ينظر إلى المرافق العامة نظرة إجمالية شاملة لتقدير احتياجات كل مرفق، وكل وجه من أوجه الإنفاق في حاجات المرافق العامة، لكن تحقيق أقصى منفعة يتوقف على عاملين أساسيين هما: زيادة مقدار الدخل النسبي، وتوزيع الدخل الإجمالي والوطني بين الأفراد.

      * ضابط الاقتصاد في الإنفاق: وهي قاعدة ضرورية لتحقيق المنفعة العامة، فالمنفعة الجماعية لا تتحقق إلا إذا كانت ناتجة عن استخدام أقل نفقة ممكنة أي تحقيق أكبر عائد بأقل نفقة ممكنة.

      * ضابط الترخيص (تقنين النشاط المالي للدولة): حتى يحقق ضابط المنفعة العامة والاقتصاد في الإنفاق يجب تقنين كل ما يتعلق بالنشاط المالي للدولة، والذي يتمثل في احترامها كافة الإجراءات التي تتطلبها التدابير التشريعية السارية عند إجراء الإنفاق العام، فالنفقة العامة تخضع لإذن سابق من الجهات المختصة قد يقره البرلمان على المستوى المركزي أي تقرره الهيئات المالية ضمن اختصاصاتها المختلفة.

      2- ظاهرة تزايد النفقات العامة: لقد باتت نفقات الدولة تتزايد باستمرار من سنة لأخرى، ولعل هذا التزايد يعود إلى أسباب ظاهرة وأخرى حقيقية.

      * الأسباب الظاهرية: لتزايد النفقات العامة: تعود الأسباب الظاهرية لتزايد النفقات العامة إلى تدهور قيمة العملة والتغيير في أسليب وآليات وضع الميزانيات، بالإضافة إلى التغييرات التي تشهدها الدول على مستوى سكانها وإقليمها.

      - تدهور قيمة العملة: فالدولة تدفع عددا من وحدات النقد أكبر مما تدفعه من ذي قبل للحصول على نفس المقدار من السلع والخدمات، فالزيادة في النفقات العامة زيادة ظاهرية إذ لا يترتب عليها أي زيادة في المنفعة الحقيقية أو زيادة في أعباء التكاليف العامة على الأفراد.

      -       إن ارتفاع أثمان مشتريات الدولة ومرتبات الموظفين يترتب عنه تزايد النفقات العامة ظاهريا.

      - التغيير في أساليب وآليات وضع الميزانيات: كانت الميزانية في السابق تقوم على مبدأ الميزانية الصافية، فلا تسجل النفقات في الميزانية إلا صافي الحساب، أي استنزال حصيلة الإيرادات العامة من النفقات العامة، فالنفقات العامة لا تسجل إلا بعد استنزال حصيلة إيراداتها منها (فائض الإيرادات على النفقات).

      وبتغير أسلوب وضع الميزانية من مبدأ الميزانية الصافية إلى مبدأ الناتج الإجمالي أبحت نفقات مرافق الدولة وإيراداتها تدرج وتسجل دون إجراء أية مقاصة أو استنزال بين النفقات والإيرادات، مما أدى إلى تضخم عددي في حجم النفقات العامة بصورة ظاهرية وليس إلى زيادة حقيقية في حجم الإنفاق العام.

      -       وعلى العموم يمكن إجمال الأسباب السياسية لتزايد النفقات العامة فيما يلي:

      -       - انتشار المبادئ الديمقراطية.

      -       - نمو مسؤولية الدولة.

      -       - نفقات الدولة في الخارج.

      -       - النفقات الحربية (العسكرية).

      - الأسباب الاقتصادية: تعود أهم الأسباب الاقتصادية لتزايد النفقات العامة إلى زيادة الثروة، والتوسع في إنشاء المشاريع العامة والمنافسة الاقتصادية وزيادة الدخل الوطني، وهو ما ينجم عنه زيادة النفقات العامة.

      - الأسباب المالية: لقد ازدادت النفقات العامة في العديد من الدول تحت تأثير عدة عوامل ذات صبغة مالية من بينها:

      -       - سهولة الاقتراض في العصر الحديث، خاصة القروض الداخلية.

      - وجود فائض في الإيرادات العامة غير مخصص لغرض معيّن مما يدفع إلى تشجيع الحكومة على إنفاقه.

      -       - الخروج على بعض القواعد التقليدية المالية العامة مثل قاعدة وحدة الميزانية.

      - الأسباب الإدارية: إن تطور وظيفة الدولة من دولة حارسة إلى دولة متدخلة قد أفضى إلى تضخم الجهاز الإداري بها وازدياد هيئاته ومؤسساته، وارتفاع عدد الموظفين والعاملين به الأمر الذي يقتضي بالضرورة زيادة النفقات العامة لمواجهة تكاليف إنشاء وإقامة المؤسسات الإدارية الجديدة، ودفع مرتبات وأجور الموظفين بها.

      -       كما أن سوء التنظيم الإداري والبطالة المقنعة يؤديان بالضرورة إلى زيادة الإنفاق العام.

      - زيادة مساحة الدولة وعدد سكانها: إن التغير الذي تشهده الدول على مستوى سكانها وإقليمها يؤدي بلا شك إلى تزايد أوجه الإنفاق العام.

      فارتفاع عدد سكان الدول يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع النفقات العامة، وهذه الزيادة هي زيادة ظاهرية لأنها موجهة لسد حاجات السكان، وليس لتحسين مستوى المعيشة.

      -       كما أن اتساع إقليم الدولة بفعل عملية الاتحاد مثلا يؤدي إلى زيادة الإنفاق العام.

      * الأسباب الحقيقية لتزايد النفقات العامة: يقصد بالأسباب الحقيقية لتزايد الإنفاق العام تلك المعطيات التي تؤدي إلى زيادة المنفعة الفعلية، وتعود إلى أسباب سياسية واقتصادية وإدارية ومالية وأيديولوجية.

      - الأسباب السياسية: قديما وفي عصر الحكم المطلق لم تكن الدولة مسؤولة عن أعمالها، غير أن التطور الذي عرفته البشرية بظهور مبادئ الحرية والنظام الديمقراطي فد انعكس على دو الدولة، حيث باتت مسؤولة عن أعمالها بتعويض الأفراد عن الأضرار التي قد تسببها لهم، كما أصبحت مسؤولة عن الأضرار التي قد تسببها بعض الكوارث الطبيعية، مما يستوجب زيادة الإنفاق العام.

      وقد ازدادات القوانين التي تقرر مسؤولية الدولة في المجالات الإدارية والقضائية، ومن أمثلة ذلك نص المادة 49 من الدستور الجزائري على أنه :"يترتب على الخطأ القضائي تعويض من الدولة ويحدد القانون شروط التعويض وكيفياته".

      - الأسباب الاجتماعية: وتتمثل في زيادة النمو الديمغرافي، وزيادة وعي المواطنين الذين أصبحوا يطالبون الدولة بوظائف لم تكن معروفة من قبل.

      3- ترشيد النفقات العامة: إن تطور وتزايد أوجه الإنفاق العام يتطلب الحرص على ترشيد النفقات العامة من خلال:

      -       - محاربة كل مظاهر الإسراف في المال العام.

      -       - تحديد الحاجات العامة الضرورية ووضعها كأولوية.

      -       - الحد من الحجم الكلي للإنفاق عن طريق ربط هذا الحجم للكميات الاقتصادية الكلية.

      -       - التركيز على إنتاجية كل نفقة.

      -       - إعادة تنظيم المرافق العامة.

      -       - تفعيل الرقابة المالية على الإيرادات.

      -       رابعا: الآثار الاقتصادية للنفقات العامة.

      -       1- الآثار الاقتصادية المباشرة للنفقات العامة:

      * آثار النفقات العامة على الإنتاج الوطني: هناك آثار تتحقق على المدى القصير وأخرى تتحقق على المدى الطويل.

      في المدى القصير ترتبط آثار الإنفاق العام بتحقيق التوازن والاستقرار الاقتصاديين عبر الدورات عن طريق التأثير على الطلب الكلي الفعال في الاقتصاد والحيلولة دون قصوره أو تقلب مستواه.

      وفي المدى الطويل تخلف آثار الإنفاق العام على الإنتاج والدخل تبعا لطبيعة هذا الإنفاق، فالإنفاق على المرافق التقليدية كالدفاع الخارجي والأمن الداخلي وإقامة العدالة وإن لم تب له علاقة مباشرة بالإنتاج، إلا أنه يهيء الظروف التي لا غنى عنها لقيامه، فاختلال الأمن يؤدي إلى عدم اطمئنان المنتجين على استثمار أعمالهم مما يعوق سير الإنتاج في مختلف ميادينه، كما يؤثر الإنفاق على التعليم والصحة العامة والتأمينات الاجتماعية ضد المرض والعجز والشيخوخة والبطالة على الإنتاج من خلال تأثيره على قدرة الأفراد ورغبتهم في العمل والادخار.

      كما يلعب الإنفاق العام دورا مهما وفعالا في توجيه الموارد الإنتاجية المتاحة إلى فروع النشاط المرغوبة عن طريق التأثير على معدلات الربح فيها بضمان حد أنى من الأرباح وسد العجز في ميزانية المشروع خلال فترة معيّنة، وتقديم بعض الإعانات المالية كإعانات الإنشاء والتوسع والتصدير.

      * آثار النفقات العامة على طريقة توزيع الدخل الوطني: يكون أثر الإنفاق العام على طريقة توزيع الدخل الوطني مباشرا بزيادة القدرة الشرائية لدى بعض الأفراد عن طريق منح الإعانات النقدية، أو عن طريق تزويد فئات معينة ببعض السلع والخدمات بسعر أقل من تكلفته بدفع إعانات استغلال للمشاريع التي تنتج هذه السلع والخدمات.

      * آثار النفقات العامة على الاستهلاك: للإنفاق العام آثر على الاستهلاك، وذلك من خلال نفقات الاستهلاك التي توزعها الدولة على الأفراد في صورة مرتبات وأجور تكاد تشمل الغالبية العظمى منهم في البلاد الاشتراكية ونفقات الاستهلاك الحكومي.

      - نفقات الاستهلاك الخاصة بدخول الأفراد: من أهم البنود الواردة في النفقات العامة ما يتعلق بالدخول بمختلف أنواعها من مرتبات وأجور ومعاشات تدفعها الدولة لموظفيها، وبطبيعة الحال فإن الجزء الأكبر من هذه الدخول ينفق لإشباع الحاجات الاستهلاكية الخاصة من سلع وخدمات.

      وتعد هذه النفقات من قبيل النفقات المنتجة لأنها تعتبر مقابل لما يؤديه هؤلاء الأفراد من أعمال وخدمات فتؤدي مباشرة إلى زيادة الإنتاج الكلي، ومن ثمة فدخول الأفراد تؤدي إلى زيادة الاستهلاك الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الإنتاج من خلال الأثر المضاعف.

      - نفقات الاستهلاك الحكومي: وهو ما تقوم به الدولة من شراء سلع وخدمات الموظفين العموميين وأعمال المرافق العامة، كنفقات تنظيف وصيانة المباني الحكومية أو الخدمات التي تؤديها الدولة لهؤلاء العاملين من الإسكان والوجبات المجانية في بعض الحالات.

      ويرى البعض أن هذا النوع من الاستهلاك يمثل من تحويل الاستهلاك من الأفراد إلى الدولة، فبدلا من أن تقدم الدولة للأفراد زيادة في مرتباتهم لزيادة استهلاكهم تقوم هي بهذا الإنفاق مما يؤدي إلى زيادة الاستهلاك بطريق غير مباشر.

      * آثار النفقات العامة على الأسعار: إن المحدد الرئيسي للأسعار هو العرض والطلب، فإذا زاد العرض وقل الطلب نقص السعر، وكلما قل العرض وزاد الطلب زاد السعر، إلا أن تدخل السلطة العامة بطريق مباشر أو غير مباشر من حيث سياستها في الإنفاق العام من شأنه التأثير على مستوى الأسعار، وهو الأمر الذي لم يعد مقتصرا على الظروف الاستثنائية والطارئة فقط، وإنما أصبح وسيلة ثابتة للتنظيم الاقتصادي.

      يترتب على الإنفاق العام في المشروعات الإنتاجية زيادة السلع مما ينجم عنه انخفاض الأسعار، أما توجيه الإنفاق العام إلى المجالات الاستهلاكية فهو يؤدي إلى زيادة الأسعار نظرا لزيادة الطلب عليها.

      كما يمكن تخفيض الأسعار بشراء السلع والمنتوجات وتخزينها حتى تكون متوفرة ومنخفضة السعر حفاظا على استقرار بعض الصناعات والمؤسسات.

      2- الآثار الاقتصادية غير المباشرة للنفقات العامة: للنفقات العامة آثار اقتصادية غير مباشرة تنتج من خلال دورة الدخل وهي ما تعرف من الناحية الاقتصادية بأثر المضاعف والمعجل.

      * أثر المضاعف: يشير المضاعف في التحليل الاقتصادي إلى المعامل العددي الذي يشير إلى زيادة في الدخل الوطني المتولدة عن الزيادة في الإنفاق الوطني على الاستهلاك.

      ولتوضيح فكرة المضاعف فإنه عندما تزيد النفقات العامة فإن جزءا منها يوزع في شكل أجور ومرتبات وفوائد وأسعار للمواد الأولية أو ريع لصالح الأفراد، وهؤلاء يخصصون جزء من هذه الدخول لإنفاقه على المواد الاستهلاكية المختلفة، ويقومون بادخار الباقي وفقا للميل للاستهلاك والادخار، والدخول التي تنفق على الاستهلاك تؤدي إلى إنشاء دخول جديدة لفئات أخرى تقسم ما بين الاستهلاك والادخار والدخل الذي يوجه إلى الادخار ينفق جزء منه في الاستثمار.

      وبذلك تستمر دورة توزيع الدخول من خلال ما يعرف بدورة الدخل التي تتمثل في الإنتاج-الدخل- الاستهلاك، مع ملاحظة أن الزيادة في الإنتاج والدخل لا تتم بنفس مقدار الزيادة في الإنفاق ولكن بنسبة مضاعفة ولذلك سمي بالمضاعف.

      ولما كان أثر المضاعف ذا علاقة بالميل الحدي للاستهلاك فهو يزيد بزيادة الميل للاستهلاك وينخفض بانخفاضه، وبطبيعة الحال فإن الميل الحدي للاستهلاك ليس ثابت بل يختلف من قطاع إلى آخر، ومن فئة إلى أخرى ولذا تبدو أهمية تحديد الآثار المترتبة على الإنفاق العام في شتى القطاعات ومختلف الفئات.

      أضف إلى ذلك أن الأثر الذي حدثه المضاعف يرتبط بمدى مرونة وتوسع الجهاز الإنتاجي، وهذا يرتبط بدوره بدرجة النمو الاقتصادي.

      * أثر المعجل: يقصد بالمعجل في التحليل الاقتصادي أثر زيادة الإنفاق أو نقصه على حجم الاستثمار، حيث أن الزيادات المتتالية في الطلب على السلع الاستهلاكية يتبعها على نحو حتمي زيادة في الاستثمار والعلاقة بين هاتين الزيادتين يعبر عنها بمبدأ المعجل.

      وحقيقة الأمر أن زيادة الدخول يترتب عنها زيادة في الطلب على السلع الاستهلاكية "أثر المضاعف"، ومع مرور الوقت فإن منتجي هذه السلع وبعد نفاذ المخزون يجدون أنفسهم مدفوعين إلى زيادة إنتاج تلك السلع لغرض زيادة أرباحهم، ومن ثمة يضطرون إلى زيادة طلبهم على السلع الاستثمارية من معدات وأدوات لازمة لاستمرار إنتاجية السلع التي زاد الطلب عليها، ومع زيادة الاستثمار يزداد الدخل الوطني، فزيادة الإنفاق العام بما تحدثه من زيادة أولية في الإنتاج الوطني تسمح بإحداث زيادة في الاستثمار –بمرور الوقت- بنسبة أكبر.

      تجدر الإشارة إلى أن هناك تفاعلا بين مبدأي المضاعف والمعجل كما أن أثر المعجل شأنه شأن أثر المضاعف يختلف من قطاع صناعي إلى آخر.



       د سوزي عدلي ناشد,أساسيات المالية العامة, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت ,ص 25.[1]

       محمد عباس محرزي, المرجع السابق, ص 77.[2]

       المادة 24 من قانون رقم: 84/17 المؤرخ في : 07 جويلية 1984 و المتعلق بقوانين المالية.[3]


  • المحور الرابع

    • -      المحور الرابـع: الميزانيـة العامـة للدولة

      -       - ما هية الميزانيـة العامـة للدولة.

      -       - تحضير الميزانية العامة.

      -       – اعتماد الميزانية العامة.

      -       - تنفيذ الميزانية العامة.

      1- ما هية الميزانية العامة: لتحديد ما هية الميزانية العامة سنقوم بتعريفها، وبيان عناصرها وأهميتها والتمييز بينها وبين الصور الأخرى من الميزانيات.

      أولا: تعريف الميزانية العامة: هنالك العديد من التعريفات للمزيانية العامة، عرّفها القانون الفرنسي بأنها :"الصيغة التشريعية التي تقدر بموجبها أعباء الدولة وإيراداتها، ويقدرها البرلمان في قانون الموازنة الذي يعتبر من أهداف الحكومة الاقتصادية والمالية".

      عرّفها القانون الأمريكي بأنها :"صك تقدر فيه نفقات السنة التالية وإيراداتها بموجب القوانين المعمول بها عند التقديم، واقتراح الجباية المبسطة فيها".

      يمكن تعريف الميزانية العامة للدولة على أنها :"وثيقة هامة مصادق عليها من طرف البرلمان تهدف إلى تقدير النفقات الضرورية لإشباع الحاجات العامة، والإيرادات اللازمة لتغطية هذه النفقات عن فترة مقبلة عادة ما تكون السنة"[1].

      -       فالميزانية تتشكل من الإيرادات والنفقات النهائية لدولة المحددة سنويا بموجب قانون المالي، والموزعة وفق الأحكام التشريعية والتنظيمية المعول بها.

      ثانيا: عناصر الميزانية العامة: الميزانية العامة نظرة توقعية لنفقات وإيرادات الدولة عن مدة مقبلة تخضع لإجازة السلطة التشريعية، وبالتالي يتضح أن الميزانية العامة تعتمد على العديد من الخصائص تتمثل في:

      - الميزانية نظرة توقعية مستقبلية: فهي عبارة عن سجل لما تتوقعه السلطة التنفيذية من نفقات وإيرادات خلال مدة زمنية محددة تقدر عادة بسنة واحدة، فهي تعكس برنامج عمل الحكومة في الفترة المستقبلية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فإذا قررت الحكومة زيادة الاعتمادات الخاصة بالدفاع في الميزانية، فذك يعكس سياسة الحكومة إزاء ما تتعرض له الدولة من تهديدات خارجية.

      - الميزانية تتطلب الإقرار والإجازة: تختص السلطة التشريعية باعتماد الميزانية، فلا تستطيع الحكومة أن تقوم بتنفيذ الميزانية إلا إذ تم إيجازها من قبل السلطة التشريعية وفي حدود هذه الإجازة.

      إن حق البرلمان في إجازة الميزانية من المبادئ الدستورية المستقرة في النظم السياسية، إذ بوساطتها يراقب عمل الحكومة في جميع المجالات.

      - الميزانية العامة أداة لقيام الدولة بدورها: الميزانية العامة هي برنامج العمل الذي تعتزم الحكومة تنفيذه في السنة القادمة، فهي توضح السياسة المالية للدولة ومشروعاتها.

      ثالثا: أهمية الميزانية العامة: تظهر أهمية الميزانية العامة في مختلف النواحي خاصة السياسية والاقتصادية.

      - أهمية الميزانية العامة من الناحية السياسية: فهي وسيلة ضغط يستعملها البرلمان للتأثير على عمل الحكومة سواء من حيث تعديلها أو رفضها حتى تضطر الحكومة إلى اتباع نهج سياسي معيّن تحقيقا لبعض الأهداف السياسية والاجتماعية.

      - أهمية الميزانية العامة من الناحية الاقتصادي: فهي تساعد على إدارة وتوجيه الاقتصاد القومي، فالعلاقة وثيقة بين النشاط المالي للدولة (الميزانية) والأوضاع الاقتصادية بكل ظواهرها من تضخم وانكماش وانتعاش، بحيث يصبح من المتعذر فصل الميزانية العامة عن الخطة الاقتصادية وخاصة بعد أن أصبحت الميزانية العامة أداة من أدوات تحقيق أهداف الخطة الاقتصادية.

      -       رابعا التمييز بين الميزانية العامة والصور الأخرى من الميزانيات.

      أ- الميزانية العامة والميزانية الخاصة: إذا كانت كل من الميزانية العامة والميزانية الخاصة نظرة توقعية مستقبلية فإنهما يختلفان في:

      -       - النظرة التوقعية للميزانية العامة تكون نظرة عامة أما النظرة التوقعية للميزانية الخاصة تكون خاصة.

      - وجود ترخيص في الميزانية العامة من طرف السلطة التشريعية أما الميزانية الخاصة فلا يوجد فيها ترخيص.

      ب- الميزانية العامة والحساب الختامي: الحساب الختامي هو بيان عن النفقات والإيرادات التي تحققت في السنة الماضية، يهدف إلى معرفة صحة توقعات الحكومة، وبالتالي مراقبة الحكومة هل التزمت بتنفيذ الميزانية أم لا.

      - الميزانية تتعلق بفترة مقبلة قد تتحقق وقد لا تتحقق، بينما الحساب الختامي هو بيان للنفقات والإيرادات التي تحققت فعلا في فترة زمنية انقضت.

      - عند إعداد الميزانية لابد  من الاعتماد على الحساب الختامي للسنوات الماضية، وعند الانتهاء من تنفيذ الميزانية لابد من الاعتماد على الحساب الختامي لمعرفة صحة توقعات الميزانية العامة.

      -      - لكل ميزانية حساب ختامي.

      ج- الميزانية العامة وقانون المالية: تتشكل الميزانية العامة من إيرادات ونفقات، فهي إذن عبارة عن مجموعة حسابات، في حين قانون المالية يرخص بإيجاز هذه النفقات والإيرادات وبالتالي فهو الحامل للميزانية من مجرد وثيقة حكومية إلى قانون ملزم التطبيق، بمعنى آخر قانون المالية يمثل الرخصة التشريعية لإنجاز الموازنة وبالتالي لا يمكن اعتماد وتنفيذ الموازنة إلا من خلال قوانين المالية.

      -      أنواع قوانين المالية:

      تضمن قانون 84/17 في المادة الثانية منه مختلف قوانين المالية وهي: قانون المالية السنوي، قانون المالية التكميلي أو المعدل، قانون ضبط الميزانية.

      ج-1- قانون المالية السنوي: هو ذلك القانون الذي تفتح فيه السنة المالية، ويكون صالح الاستعمال لتلك السنة، ويمكن أن تضاف إليه قوانين تكمله أو تعدله (يبدأ قانون المالية السنوي في الفاتح جانفي من كل سنة وينتهي في 31 ديسمبر من نفس السنة).

      يتكون قانون المالية السنوي من جزأين: الأول يتضمن الأحكام المتعلقة بتحصيل الموارد العمومية، والثاني يتضمن المبلغ الإجمالي للاعتمادات المطبق بصدد الموازنة العامة للدولة، والموزعة حسب طبيعة النفقة (تسيير، تجهيز).

      مشروع قانون المالية: هو ذلك المشروع الذي تقدمه الحكومة إلى البرلمان في أقصى تقدير يكون 30 سبتمبر، وهي السنة التي تسبق قانون المالية.

      -2- قانون المالية التكميلي والمعدل: إن الاعتمادات المفتوحة للإدارات العمومية غير محددة وغالبا ما يتجاوز المبالغ المحددة في بداية السنة، ولهذا تضطر الحكومة إلى وضع قانون مالية تكميلي يتماشى والتغيرات الجديدة ثم يصادق عليه البرلمان.

      إن قانون المالية التكميلي يصدر لغرض تغيير تقديرات الإيرادات أو خلق إيرادات جديدة أو الترخيص بنفقات جديدة.

      قانون المالية المعدل: هو تصريح بالمطابقة أي التنفيذ الحقيقي للموازنة حسب المصادقة الأولية، والتي تم تعديلها في إطار الحالات الطارئة.

      -3- قانون ضبط الميزانية: هو الوثيقة التي يثبت بمقتضاها تنفيذ قانون المالية، وعند الاقتضاء قوانين المالية التكميلية والمعدلة الخاصة بكل سنة مالية.

      إن الهدف من قانون ضبط الميزانية هو ضبط النتائج المالية لكل سنة وإجازة الفروقات بين ما تم تنفيذه فعلا وما كان متوقعا، كما يعتبر أداة لرقابة التنفيذ من طرف السلطة التشريعية، ويعتبر أداة أساسية في تقدير بيانات الميزانية المستقبلية، ويقوم هذا القانون بعرض النتائج وتوضيح البيانات، فهو يضبط رصيد الميزانية (فائض أو عجز) الذي تحقق.

      -       2- إعداد وتحضير الميزانية العامة:

       إن إعداد وتحضير الميزانية العامة يمر بمراحل وإجراءات معيّنة تلتزم السلطة التنفيذية بها، على أن تراعى مجموعة من المبادئ والقواعد التي يقررها علم المالية العامة.

      أولا: المبادئ العامة التي تحكم تحضير الميزانية العامة للدولة: وتتمثل في: مبدأ سنوية الميزانية، مبدأ توازن الميزانية، مبدأ وحدة الميزانية، مبدأ عمومية الميزانية، سنتناول كل مبدأ بنوع من التفصيل.

      -       أ- مبدأ سنوية الميزانية: وهو أن يتم التوقع والترخيص لنفقات وإيرادات الدولة بصفة دورية كل سنة.

      لقد استقر الفكر المالي والنظم المالية على أن السنة هي أنسب فترة لتوقيع نفقات الدولة وإيراداتها، ويرجع لاعتبارات سياسية ومالية، فأما الاعتبارات السياسية فتتمثل في أن مبدأ السنوية يكفل رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية التي تجد نفسها مضطرة إلى الرجوع إليه كل سنة للحصول على موافقته، وأما الاعتبارات المالية فتتمثل في أن فترة السنة تمارس في نطاقها أغلب الأنشطة الاقتصادية وتتضمن دقة تقدير إيرادات الدولة ونفقاتها، فالاعتماد على تقديرات تفوق السنة يؤثر على دقة البيانات، فكلما طالت الفترة زاد أثر التقلبات والتغيرات المالية مثلا (أسعار البترول).

      -       الاستثناءات الوادرة على مبدأ السنوية: مثل نفقات التجهيز ونفقات الاستثمار.

      - نفقات التجهيز: ويطبق عليها نظام الميزانية الإثنين عشرية في حالة عدم التمكن من المصادقة على الميزانية قبل بداية السنة المالية، إذ تترخص الإدارة العامة بفتح اعتمادات شهرية مؤقتة على حساب الميزانية المقبلة.

      نفقات الاستثمار: كما يعتبر استثناء من قاعدة السنوية الميزانيات المخصصة للبرامج والمخططات الاقتصادية والاجتماعية التي يستغرق تنفيذها عدة سنوات.

      -       ب- مبدأ توازن الميزانية: يحتوي توازن الميزانية على مفهومان مفهوم تقليدي وآخر حديث.

      - المفهوم التقليدي: ويقصد به تساوي جملة نفقات الدولة مع إيراداتها المستمدة من المصادر العادية دون زيادة أو نقصان، وبالتالي فالنظرة التقليدية هي نظرة حسابية فقط، وهذا خشية حدوث عجز أو تضخم أو فائض في الميزانية.

      وبالتالي لا تعتبر الميزانية محققة لمبدأ التوازن إذا زاد إجمالي النفقات العامة عن إجمالي الإيرادات العامة، فهذا يعبّر عن وجود عجز في الميزانية.

      وفي هذا الالتجاه ذهبت المادة 121 من الدستور التي تنص على عدم قبول اقتراح أي قانون مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية أو زيادة النفقات العمومية، إلا  إذا كان مرفوقا بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة، أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تساوي على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها.

      - المفهوم الحديث: إن النظرة المالية الحديثة في علم المالية لم تعد تنظر إلى العجز في الميزانية على أنه كارثة مالية محققة، وذلك في ضوء التطورات المالية والاقتصادية التي تميّز القرن الحالي، ولكن ليس معنى ذلك أن الفكر المالي الحديث يستبعد فكرة التوازن، بل كل ما هناك أنه يميل على أن يستبدل "فكرة التوازن المالي" بفكرة أوسع منها هي فكرة التوازن الاقتصادي العام، حتى ولو أدى هذا إلى حدوث عجز مؤقت في الميزانية.

      هذا الاستبدال هو ما يطلق عليه نظرية العجز المؤقت والمنظم، وتتمثل هذه النظرية أنه في فترات الركود والكساد تنتشر البطالة، وهذه البطالة هي في الحقيقة العجز الحقيقي الذي يتعرض له الاقتصاد، وتخفيض هذا العجز يستلزم زيادة حجم الاستثمارات، وبسبب حالة الركود القائمة لا يقوم الأفراد أو المشاريع الخاصة بهذه الاستثمارات، ولهذا يتعين على الدولة أن تزيد من استثماراتها لتنشيط الحالة الاقتصادية وأن تخفض من معدل فرض الضريبة حتى تزيد الموارد لدى المواطنين، وتقلل الأعباء الملقاة على عاتق المؤسسات.

      هذه الإجراءات تؤدي إلى حدوث عجز في الميزانية ولكنه عجز مقصود أو منظم لأنه سيؤدي بع مدة إلى عودة التوازن الاقتصادي فتزيد حصيلة الضرائب وتتوقف الإعانات الممنوحة للعاطلين عن العمل أو المؤسسات على أنه ينبغي لتحقيق ما تقدم أن يلاحظ أن التوسع في الإنفاق العام يجب ألا يتعدى حجم البطالة الموجودة وإلا أدى ذلك إلى حدوث تضخم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تفترض سياسية العجز المنظم فرض وجود رؤوس أموال غير مستخدمة، فإذا لم تتحقق هذه الشروط فإن اللجوء إلى العجز المنظم يؤدي إلى التضخم.

      ج- مبدأ وحدة الميزانية: يقصد به إدراج جميع نفقات الدولة وإيراداتها في وثيقة واحدة حتى يسهل معرفة مركزها المالي، وحتى تتمكن أجهزة الرقابة المختلفة من مراقبة تصرفات الدولة المالية ومطابقتها للأهداف والاعتمادات الواردة في الموازنة كما وافقت عليها السلطة التشريعية.

      وهنالك العديد من الاعتبارات لمبدأ وحدة الميزانية منها ما هو سياسي ويساعد السلطة التشريعية في رقابة ميزانية الدولة، ومنها ما هو مالي من شأنه تحقيق الوضوح والنظام في عرض ميزانية الدولة، مما يؤدي إلى تسهيل مهم الباحثين والماليين في معرفة ما إذا كانت الميزانية متوازنة من عدمه، ويساعد على عرض المركز المالي للدولة دون أي محاولة لإخفاء حقيقته.

      الاستثناءات الواردة على مبدأ وحدة الميزانية: على الرغم مما يتضمنه مبدأ وحدة الميزانية من فوائد فإن هناك بعض الاستثناءات التي ترد عليه:

      - الميزانيات المستقلة: وهي الميزانية الخاصة بالمرافق العامة التي تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة، فالاستقلال الشخصي يليه منطقيا الاستقلال في الميزانية، فميزانية هذه المرافق مستقلة عن ميزانية الدولة.

      - الميزانيات الملحقة: وهي تلك التي تسمح بمتابعة كيفية وشروط سير بعض مرافق الدولة التي يغلب عليها الطابع التجاري لكنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية، ومن ثمة فهي ميزانية المرافق التي تتمتع بمواد خاصة، وهي ذات طابع اقتصادي (ميزانية البريد والمواصلات).

      - الميزانيات الخاصة بالخزينة: يقصد بها الإطار الذي يسجل دخول أموال لخزينة الدولة بمناسبة بعض العمليات الخاصة التي تقوم بها، ولا تعتبر إيرادات عامة، وتسجل خروج أموال منها، ولا تعتبر نفقات عامة.

      -       مثل: التأمين الذي يدفعه المقاولون المتعاقدون مع الحكومة لتنفيذ مشروع معيّن.

      في الجزائر تفتح الحسابات من خلال قانون المالية المادة 48 من القانون رقم 84/17 وتجمع في: حسابات التجارة، حسابات التخصيص الخاص، حسابات التسبيقات للخزينة، حسابات القروض، حسابات التسوية مع الحكومات الأجنبية.

      - الميزانيات غير العادية: ويرجع وجودها إلى التقسيم التقليدي للنفقات العامة والإيرادات العامة إلى عادية أو غير عادية، مثل اضطرار الدولة لإنفاق مبالغ كبيرة لأغراض وقتية أو استثنائية كتعمير ما خربته الحرب، أو القيام باستثمار ضخم.

      لذلك يفضل وضع ميزانية خاصة لهذه النفقات غير العادية مما يسمح بمقارنة حالة الدولة في السنوات المختلفة مقارنة صحيحة بالرجوع إلى أرقام الميزانيات العادية وحدها.

      د- مبدأ عمومية الميزانية: يقوم هذا المبدأ على طريقتين إما طريقة الناتج الصافي أو طريقة الموازنة الشاملة.

      - طريقة الناتج الصافي: ويتم بموجبها إجراء مقاصة أو استنزال بين إيرادات كل وحدة ونفقاتها، بحيث لا يظهر في الميزانية إلا نتيجة المقاصة أي صافي الإيرادات أو صافي النفقات.

      - طريقة الموازنة الشاملة: ويقصد بها إدراج كل نفقة وكل إيراد مهما كان مقداره دون إجراء أي مقاصة بينهما.

      -       إن الطريقة الثانية (الموازنة الشاملة) هي المتبعة، وذلك لاعتبارات سياسية وأخرى مالية.

      فإمام الاعتبارات السياسية فتتمثل في كفالة تقدير الرقابة البرلمانية على كافة النفقات العامة، ذلك أن طريقة الناتج الصافي تحجب على البرلمان كل ما ستعلق بتفاصيل نفقات المرافق العامة، ولاي ظهر سوى رصيد هذه المرافق في الميزانية دائنا كان أم مدينا.

      وأما الاعتبارات المالي فتتمثل في محاربة الإسراف في الإنفاق الحكومي، حيث أن اتباع طريقة الناتج الصافي من شأنها أن تتيح للمرفق الذي يحقق إيرادات تفوق نفقاته أن يسرف في هذه النفقات، ولا يظهر في هذه الميزانية إلا فائض الإيرادات على النفقات، وبالتالي لا تكون رقابة من السلطة التشريعية على بنود نفقاته.

      هناك قاعدتان إلى جانب مبدأ عمومية الميزانية تستهدفان تحقيق نفس الغرض وهما قاعدة عدم تخصيص الإيرادات وقاعدة تخصيص النفقات.

      - فاعدة عدم تخصيص الإيرادات: وبمقتضاها لا يجوز تخصيص مورد معيّن لتغطية نفقة معيّنة، بل يجب أن تغطي الإيرادات كافة النفقات بلا تمييز أو تخصيص.

      - قاعدة تخصيص الاعتمادات: وبمقتضاها لا يجوز أن يكون اعتماد البرلمان للنفقات إجماليا، بل يجب أن يخصص مبلغ معيّن لكل وجهة من أوجه الإنفاق العام، هذه القاعدة من شأنها تقييد السلطة التنفيذية باحترام ما صادق عليه البرلمان.

      -      ثانيا: إجراءات تحضير وإعداد الميزانية العامة للدولة.

      -       السلطة المختصة بتحضير الميزانية والإجراءات التقنية المتبعة بصدد تحضير الميزانية.

      أ- السلطة المختصة فغي تحضير الميزانية العامة للدولة: تلعب السلطة التنفيذية دور كبير وأساسي في تحضير وإعداد الميزانية، والسبب في ذلك يعود للعديد من الاعتبارات تتمثل في:

      - أن السلطة التنفيذية تتولى إدارة مختلف القطاعات الإدارية ومن ثمة فهي وحدها التي تعلم ما تطلبه هذه المؤسسات من نفقات.

      -       - أن هذه السلطة التنفيذية أكثر السلطات الإدارية دراية بالمقدرة المالية للاقتصاد الوطني.

      -       - أن الميزانية العامة تعبر عن برنامج وخطة الحكومة في المجالات المختلفة.

      ب- الإجراءات المتبعة بصدد تحضير الميزانية: تنطلق مراحل تحضير الميزانية من الهيئات المكلفة بإعداد الميزانية في الأشهر الأولى لإعداد الميزانية.

      تقوم المديرية العامة للميزانية بمساعدة المديريات التابعة لوزارة المالية بإعداد تقرير موجه إلى مجلس الحكومة يتناول مختلف الاقتراحات الممكنة التي يمكن أن تقوم عليها ميزانية الدولة للسنة المقبلة، حيث تكون هذه الاقتراحات متلائمة مع الحقائق الاقتصادية والمالية للدولة.

      يقوم مجلس الحكومة بدراسة هذه الاقتراحات، حيث تدور مناقشة غالبا بين وزير المالية المعد لهذا التقرير والوزارات الأخرى، ويخرج مجلس الحكومة بتوجيهات وتعليمات توجه الأشغال وقت إعداد الميزانية، كما يحدد مجلس الحكومة القطاعات ذات الأولوية في الميزانية المقبلة.

      تقوم المديرية العامة للميزانية في نهاية شهر مارس بإرسال مذكرة منهجية (رسالة تأطير) إلى كافة الوزارات والهيئات العليا للدولة أين تطلب منهم إفادتها بتقديراتهم المالية للسنة المالية المقبلة في شكل طلب اعتمادات تتماشى واحتياجات كل منها.

      بعد استلامها لمذكرة المنهجية من وزارة المالية تقوم الوزارات بتبليغ هذه المذكرة إلى الهيئات والمديريات التابعة لها على مستوى الأقاليم (الولايات)، حيث تبدأ عملية تقدير النفقات على مستوى الوحدات الإدارية المصغرة وتضيف لها النفقات المسببة وترسلها إلى وزارة المالية، بعد هذه المرحلة تستلم الوزارة الوصية الوثائق الخاصة للميزانيات التقديرية والمرفقة بالتقارير من طرف المديريات والمؤسسات التابعة لها، وهذا انطلاقا من الثلاثي الثاني من كل سنة، فتقوم بدراستها وتحديدها والتأكد من مطابقتها للتوجهات والتعليمات المتخذة في مجلس الحكومة بعد ضبط تقديرات كل ميزانية لكل وزارة، ثم تقوم الوزارات بإرسال الوثائق إلى وزارة المالية في بداية الثلاثي الثالث ونهاية الثلاثي الثاني لكل سنة.

      ثم تستلم رئاسة الحكومة المشروع التمهيدي للميزانية من وزارة المالية، وتقوم بدراسة مضمونه وترسل نسخ منه إلى كافة الوزارات، وذلك لتحضير المناقشة في مجلس الحكومة، حيث يقوم كل وزير بالدفاع عن الأرقام المدونة، وإن كانت هناك خلافات يكلف الوزير الأول بالفصل فيها، وبعدها يقدم مشروع الميزانية لمجلس الوزارات برئاسة الجمهورية للموافقة عليه.

      ج- تقنيات تقدير النفقات والإيرادات: تختلف الطرق والأساليب المتبعة في تقدير كل من النفقات والإيرادات في الميزانية.

      ج-1- تقدير النفقات العامة: يتم إعادة تقدير النفقات بتحديد كل مرفق لنفقاته المستقبلية على أساس حجم نفقاته السابقة يضاف إليها ما سيقوم به المرفق من نفقات خاصة بالاستثمارات أو الإنشاءات خلال السنة المالية المقبلة، ويتم تقدير النفقات بعدة طرق تتمثل في:

      - الاعتمادات المحددة والاعتمادات التقديرية: الاعتمادات المحددة يتم فيها تحديد الحد الأقصى للنفقة، ولا يمكن الزيادة أو تجاوزها إلا بالرجوع إلى السلطة التشريعية.ذ

      -       أما الاعتمادات التقديرية فيقصد بها النفقات التي يتم تحديدها على وجه التقريب، وتطبق عادة على المرافق الجديدة التي لم يعرف نفقاتها على وجه التحديد، ويجوز للحكومة أن تتجاوز مبلغ الاعتماد التقديري بعد الحصول على الموافقة الشكلية للسلطة التشريعية على أن يتم الرجوع فيما بعد للسلطة التشريعية للموافقة الرسمية عليها.

      اعتمادات البرامج: تتعلق هذه الطريقة بالمشاريع التي يتطلب تنفيذها فترة طويلة، ويتم اعتماد هذه البرامج بطريقتين:

      طريقة اعتمادات الربط: حيث يحدد مبلغ النفقات بصورة تقديرية ويتم إدراجه في ميزانية السنة الأولى على أن يتم إدراجه في ميزانية كل سنة من السنوات اللاحقة الجزء الذي ينتظر دفعه فعلا من نفقات.

      طريقة اعتمادات الربط الخاصة: وتتلخص هذه الطريقة في إعداد قانون خاص عن الميزانية يسمى بقانون البرنامج توافق عليه السلطة التشريعية بموجبه يتم وضع برنامج مالي على أن يتم تنفيذه على عدة سنوات ويوافق على الاعتمادات اللازمة له، ويقسم هذا القانون ذاته البرنامج إلى عدة سنوات، ويقرر لكل سنة جزء منها الاعتمادات الخاصة بها.

      ج-2- تقدير الإيرادات العامة: يثير تقدير الإيرادات العامة صعوبات تقنية، إذ أنه يرتبط أساسا بالتوقع قيما يتعلق بالظروف والتغيرات الاقتصادية التي قد تطرأ على الاقتصاد الوطني، من أجل تحديد مصادر الإيرادات المختلفة و الضرائب في السنة المالية المقبلة.

      -       يتم تقدير الإيرادات العامة باستخدام طرق التقدير المباشر أو القياسي أو المتوسطي.

      - التقدير المباشر: تستند هذه الطريقة أساسا إلى التوقع والتنبؤ باتجاهات كل مصدر من مصادر الإيرادات العامة على حدًا، وتقدير حصيلة المتوقعة بناءً على هذه الدراسة، تطلب السلطة المختصة من كل مؤسسة في القطاع العام أن تتوقع حجم مبيعات إيراداتها للسنة المقبلة، على أن يكون لكل وزارة أو هيئة حكومية تقدير ما تتوقع الحصول عليه من إيرادات في شكل رسوم أو ضرائب على نفس السنة المالية موضوع الميزانية الجديدة.

      - التقدير القياسي: يتم تقدير الإيرادات على إيرادات ما قبل السنة الأخيرة مثلا سنة 2010 يأخذ بإيرادات سنة 2008 لأنه لا يوجد بيان ختامي لميزانية 2009.

      - التقدير المتوسطي: يتم تقدير الإيرادات للميزانية الجديدة على أساس متوسط الإيرادات المتحققة فعلا خلال فترة سابقة (ثلاث سنوات عادة).

      4- اعتماد الميزانية العامة للدولة: إن مشروع الميزانية العامة لا يعتبر ميزانية تلتزم الحكومة بتنفيذها إلا بعد اعتماده من طرف السلطة المختصة طبقا لنظام السياسي لكل دولة.

      أولا: السلطة المختصة باعتماد الميزانية العامة: إن السلطة التشريعية هي المختصة باعتماد الميزانية العامة، والاعتماد شرط أساسي لا غنى عنه لوضع الميزانية العامة موضع التفنيد، وذلك طبقا للقاعدة المشهورة أسبقية الاعتماد على التنفيذ، حيث يقوم الوزير الأول بإيداعها إلى المجلس الشعبي الوطني الذي يعطيها إلى لجنة المالية والميزانية، وهي أكبر لجنة في المجلس تتكون من 40 عضو فتقوم بمناقشة قانون المالية مع ممثل مجلس الوزراء وهو وزير المالية، ولها حق التعديل وإعداد تقرير مشروع تمهيدي يعرض على النواب للتصويت عليه.

      وعلى العموم تمر عملية الميزانية (الموازنة) داخل البرلمان بثلاث مراحل وهي مرحلة المناقشة العامة، ثم مرحلة المناقشة التفصيلية المتخصصة ثم مرحلة المناقشة النهائية.

      أ- مرحلة المناقشة العامة: هذه المناقشة تنصب غالبا على كليات وعموميات الميزانية العامة، ومدى ارتباطها بالأهداف القومية كما يراها أعضاء المجلس.

      ب- مرحلة المناقشة التفصيلية المتخصصة: حيث تضطلع لجنة متخصصة متفرعة عن المجلس النيابي هي لجنة الشؤون الاقتصادية بالمناقشة التفصيلية المتخصصة، ولها أن تستعين بخبراء استشاريين من خارج البرلمان وترفع ذلك تقريرا إلى المجلس.

      ج- مرحلة المناقشة النهائية: حيث يناقش المجلس مجتمعا تقرير اللجنة ثم يصوت على الميزانية العامة بأبوابها وفروعها وفقا للتشريع المعمول به في هذا الشأن.

      تخول المادة 122 الفقرة 12 من الدستور للمجلس الشعبي الوطني حق التصويت على ميزانية الدولة، ويقوم مجلس الأمة بعد ذلك بمناقشة قانون ميزانية الدولة والمصادقة عليه حسب ما نصت عليه المادة 120 من الدستور.

      ثانيا: أداة اعتماد الميزانية العامة: بعد موافقة البرلمان على مشروع الميزانية العامة فإنه يقوم بإصدارها بمقتضى قانون يطلق عليه "قانون المالية"، وهو قانون يحدد الرقم الإجمالي لكل من النفقات والإيرادات العامة، ويرفق به جدولان يتضمن الأول بيانا تفصيليا للنفقات والثاني بيانا تفصيليا للإيرادات.

      -       خصائص قانون المالية:

      -       - هو قانون جبائي.

      -       - احتكار الاقتراح على الحكومة دون النواب.

      - المهلة لممنوحة للتصويت عليه هي 75 يوما: 45 يوما مخصصة للمجلس الشعبي الوطني، و 20 يوما لمجلس الأمة، و 08 أيام في حالة حدوث خلاف بين غرفتي البرلمان، حيث تجتمع لجنة متساوية الأعضاء بطلب من الوزير الأول تقوم بالتعديلات اللازمة، وفي حالة تجاوز البرلمان لهذه المهلة يصدر رئيس الجمهورية قانون المالية بمر.

      ثالثا: الاعتمادات الإضافية: قد تضطر الحكومة إلى طلب اعتماد نفقات معيّنة بخلاف تلك الواردة في الميزانية العامة، وذلك بعد الانتهاء من اعتمادا الميزانية العامة وأثناء تنفيذها.

      يرجع السبب في طلب اعتمادات إضافية من طرف الحكومة إلى عدم كفاية المبالغ المرصودة في تقديرات الميزانية العامة، ويتعين ضرورة موافقة المجلس النيابي على هذه الاعتمادات الإضافية.

      5- تنفيذ الميزانية العامة: بعد مصادقة البرلمان وإصدار رئيس الجمهورية للقانون المتعلق بالميزانية ونشره بالجريدة الرسمية يتم الشروع في تنفيذ الميزانية.

      أولا: الأعوان المكلفون بتنفيذ الميزانية العامة: يتمثل الأعوان المكلفون بتنفيذ الميزانية العامة في آمرون بالصرف والمحاسبون العموميون, بالإضافة إلى المراقب المالي فيما يتعلق بالنفقات.

      5-1- الآمرون بالصرف: وهم هؤلاء الأشخاص المؤهلون قانونا لتنفيذ عمليات تتعلق بأموال الدولة ومؤسساتها، وجهاتها العمومية سواء كانت هذه العمليات تتمثل في النفقات أو الإيرادات. ويمكن تعريف الآمر بالصرف بأنه كل شخص مؤهل لإثبات الدين (حق) لهيئة عمومية وتصفيته والأمر بتحصيله, ولإنشاء دين على هذه الهيئة وتصفيته والامر بدفعه[2].

      إن مهمة الآمرين بالصرف هي مهمة إدارية بالدرجة الأولى ويتصرفون في حدود الميزانية، كما أنهم يضمنون التنفيذ الفعال والهادف لكل العمليات الموكلة لهم والمهام الواجب آداؤها، إذ يتمتعون بسلطة تقديرية في هذا المجال.

      5-1- المحاسبون العموميون: يسهر المحاسبون العموميون على ضمان شرعية وتنفيذ العمليات المالية الموكلة إليهم (الدفع أو التحصيل)، ولا يتدخلون إطلاقا في ملاءمة العمليات. ويخضع المحاسبون العموميين لمجموعة من القواعد المشتركة التي تكون نظام عام لمهامهم ونظام خاص ينتمون له[3].

      لا يجوز أن يقوم الآمر بالصرف بالمهام المخولة للمحاسب العمومي، غير أن المحاسب العمومي يراقب العمليات المحاسبية والمالية التي يقوم بها الأول (الآمر بالصرف)، ويتمخض عن ذلك عدم جواز خضوع المحاسب العمومي لسلطة الآمر بالصرف الوظيفية.

      ثانيا: إجراءات تنفيذ الميزانية العامة: تتولى وزارة المالية مهمة تنفيذ الميزانية العامة، عن طريق تجميع إيرادات الدولة من مختلف مصادرها، وإيداعها في الخزينة العمومية أو في البنك المركزي (بنك الجزائر)، وفقا لنظام الحسابات المعمول به من طرف الحكومة، كما يتم الإنفاق في الحدود الواردة في اعتمادات الميزانية، ويتم تسجيل إيرادات الدولة في الخزينة العمومية أو البنك المركزي، وتسحب منها النفقات التي تلتزم بدفعها.

      أ- عملية تحصيل الإيرادات العامة: يخول القانون المتعلق بالميزانية للجهات الإدارية المختصة تحصيل الإيرادات، فتولى وزارة العدل مثلا حيازة الرسوم القضائية، ومصالح إدارة الجمارك تحصيل الرسوم الجمركية أو تحصيل الضرائب عبر مختلف مستوياتها.

      -       تمر عملية تحصيل الإيرادات العمومية عبر ثلاث مراحل إدارية وهي:

      -       الإثبات والتصفية والأمر بالتحصيل، وتكتمل بمرحلة محاسبية وهي مرحلة التحصيل.

      - الإثبات: وهو الإجراء الذي يتم بموجبه تكريس حق الدائن العمومي أي الدولة، أين ينشأ فيها أو يثبت فيها حق الخزينة العمومية على الغير.

      -       - التصفية: هو تحديد المبلغ الذي تلتزم به الغير نحو الخزينة (تحديد الحساب الدقيق للدين).

      - الأمر بالتحصيل: وهو سند يصدره الآمر بالصرف يستدعي فيه المكلف بالدفع دفع ما عليه اتجاه الخزينة العمومية.

      - التحصيل: وهو إجراء يقوم به المحاسب العمومي يتم بموجبه إبراء ذمة الأشخاص اتجاه الخزينة العمومية، ويتقاضى المحاسب العمومي المبلغ المحدد في السند من الأشخاص المدينين.

      ب- عملية تنفيذ النفقات العامة: إن إجازة السلطة التشريعية الاعتمادات النفقات العامة لا يعني إنفاق الحكومة لكافة مبالغ الاعتمادات، ولكن يعني الإجازة والترخيص للدولة بأن تقوم بنفقاتها العامة في حدود هذه المبالغ.

      ولضمان عدم إساءة استعمال المال العام والتأكد من إنفاقها على نحو ملائم، فقد نظم القانون عمليات صرف الأموال العامة على أربع خطوات، ثلاث خطوات إدارية يقوم بها الآمر بالصرف، وهي الالتزام بالنفقة، التصفية، والأمر بالصرف، وخطوة رابعة محاسبية وهي الصرف يقوم بها المحاسب العمومي.

      - الالتزام بدفع النفقة: هو الإجراء الذي يجعل الدولة في وضعية "مدين" ويقوم الآمر بالصرف وينشأ نتيجة قيام السلطة الإدارية باتخاذ قرار لتحقيق عمل معيّن يستلزم إنفاقا من جاني الدولة، مثال ذلك قرار تعيين موظف أو إنشاء جسر أو تسبب سيارة حكومية في إصابة مواطن، مما يضطر الدولة دفع هذه النفقات, ولا يمكن تجاوز قيمة مبلغ الإعتماد المفتوح في الميزانية إعمالا لقاعدة الأسبقية. والفترة التي يجب أثنائها الإلتزام[4].

      -       - التصفية: وهو إجراء لضبط المبلغ بدقة، واقتطاعها من الميزانية ويقوم به الآمر بالصرف.

      - الأمر بالصرف (الأمر بالدفع): ويصدر من الجهة الإدارية المختصة يتضمن أمرا بدفع النفقة، ويصدر هذا القرار عادة من وزير المالية أو من نوابه، ويجب أن يكون في حدود الاعتمادات المالية المقترحة.

      - الصرف: هذه المرحلة يقوم بها المحاسب العمومي ويقوم بدفع وتسديد النفقة أو الدين المستوجب على الدولة، وغالبا ما يصدر أمر الدفع في صورة إذن من البنك المركزي الذي تحتفظ فيه الدولة بحساباتها.

      -       المراقب المالي:

      المراقبون الماليون هم موظفون تابعين لوزارة المالية وهم موزعون على مختلف ولايات الوطن,وبقوم بمساعدتهم مراقبون ماليون مساعدون من أجل القيام بمهمتهم الأساسية المتمثلة في الرقابة السابقة على النفقات الملتزم بها .

      تقتصر رقابة المراقب المالي على النفقات دون الإيرادات وله دور إستشاري وتوجيهي للأمريين بالصرف .

      ولقد تم تنظيم صلاحياته ومجال تدخله [5]عن طريق المرسوم التنفيذي رقم: 92/414 المؤرخ في 14/11/1992 و المتعلق بالرقابة السابقة للنفقات الملتزم بها والمعدل والمتمم عن طريق المرسوم التنفيذي رقم:09/374 و المؤرخ في 16/11/2009 .



       عباس محرزي, المرجع السابق, ص 399.[1]

      محمد مسعي, المحاسبة العمومية, دار الهدى للطباعة والنشر, عين مليلة, سنة 2003. [2]

      علي بساعد, قانون المحاسبة العمومية, دار هومه, سنة2004, ص41.[3]

      حسين الصغير, دروس في المالية والمحاسبة العمومية,دار المحمدية العامة ,ص 132.[4]

      المرسوم التنفيذي رقم: 92/414 المؤرخ في 14/11/1992 و المتعلق بالرقابة السابقة للنفقات الملتزم بها والمعدل والمتمم عن طريق المرسوم التنفيذي رقم:09/374 و المؤرخ في 16/11/2009 .

      [5]


  • المحاضرة الخامسة

  • المحاضرة السادسة