الدرس الثاني:
الدرس الثاني:
الأهداف التعليمية للدرس:
يستهدف الدرس من خلال هذه المادة التعليمية تحقيق الغايات التالية:
- أن يتعرف الطالب على مدلول التعليق على حكم قضائي.
- أن يحيط الطالب بمراحل التعليق على حكم قضائي.
- أن يستطيع الطالب تطبيق المراحل والخطوات المتعلقة بالتعليق على حكم قضائي.
التعليق على قرار قضائي:
ان اتقان عملية التعليق على حكم أو قرار قضائي تستوجب الإلمام الجيد بالمعارف النظرية المتعلقة بموضوع التعليق و استيعاب معطيات المنهجية القانونية التي تسمح بتقييم الحكم أو القرار.
المقصود بالتعليق على حكم قضائي:
يعرف البعض التعليق على حكم قضائي بأنه مناقشة أو تحليل تطبيقي لمسألة قانونية نظرية لكم معلوماتي تلقاه الطالب في الدرس.
فالتعليق على قرار أو حكم قضائي هي دراسة نظرية و تطبيقية في آن واحد لمسألة قانونية معينة، إذ أن القرار أو الحكم القضائي هو عبارة عن بناء منطقي، فجوهر عمل القاضي يتمثل في إجراء قياس منطقي بين مضمون القاعدة القانونية التي تحكم النزاع، وبين العناصر الواقعية لهذا النزاع، و هو ما يفضي إلى نتيجة معينة، هي الحكم الذي يتم ّ صياغته في منطوق الحكم.
ومن ثمّ فإن المطلوب من الباحث في أثناء التعليق على القرار، ليس العمل على إيجاد حلّ للمشكل القانوني باعتبار أن القضاء قد بت فيه، و لكنه مناسبة للتأمل و محاولة لفهم الإتجاه الذي ذهب إليه القضاء، هذا من ناحية أخرى، و من ناحية أخرى فالمطلوب هو التعليق على قرار لا دراسة قرار بشكل يتجاهل كليا موضوع الدعوى المعروضة، لذلك لا يجوز الغوص في بحث نظري للموضوع الذي تناوله ذلك القرار. فليس المطلوب هو بحث قانوني في موضوع معين، و إنما التعليق على قرار يتناول مسألة قانونية معينة.
مراحل التعليق على حكم قضائي:
أ/ المرحلة التحضيرية: وتضم هذه المرحلة مجموعة من العناصر تتمثل في:
1- أطراف النزاع: تقدم ديباجة لحكم واسماء الاطراف وصفتهم ومواطنهم وتاريخ الحكم والمحكمة او المجلس واسماء القضاة.
2- الاجراءات: تقدم مختلف المراحل القضائية التي مر بها النزاع عبر درجات التقاضي الى ان صدر القرار محل التعليق مع ذكر الجهة التي تم أمامها الاجراء والقرار الصادر عنها ثم تاريخ صدوره ثم منطوقه.
3- الوقائع: هي كل الوقائع التي تسببت في نشوء النزاع بين الاطراف سواء كانت هذه الاحداث والوقائع أقوالا أو أفعالا مثل جريمة الضرب او السرقة، السب والشتم ...إلخ مع ترتيب هذه الاحداث زمنيا ويجب على الطالب المعلق على القرار عدم افتراض وقائع لم تذكر في القرار.
فالوقائع اذن هي كلّ الأحداث التي أدّت إلى نشوء النزاع ، مثل تصرف قانوني "بيع"، أقوال "وعد"، أفعال مادية "ضرب"، و يشترط:
- ألاّ يستخرج الباحث إلاّ الوقائع التي تهمّ في حلّ النزاع ، فمثلا إذا باع "أ" ل"ب" سيارة ،و قام "أ" بضرب "ب" دون إحداث ضرر، و نشب نزاع بينهما حول تنفيذ العقد، فالقرار يعالج المسؤولية العقدية نتيجة عدم تنفيذ التزام إذن لا داعي لذكر الضرب لأن المسؤولية التقصيرية لم تطرح.
و إن كان يجب عدم تجاهل –عند القراءة المتأنّية- أيّ واقعة لأنه في عمليّة فرز الوقائع، قد يقع المعلّق على واقعة قد تكون جوهرية، و من شأنها أن تؤثر في الحلّ الذي وضعه القاضي إيجابا أو سلبا.
- لابدّ من استخراج الوقائع متسلسلة تسلسلا زمنيّا حسب وقوعها، و مرتبة في شكل نقاط.
- الإبتعاد عن افتراض وقائع لم تذكر في القرار.
4- الادعاءات والحجج: هي طلبات المزاعم والاسس القانونية التي يعتمد عليها اطراف النزاع وباعتبار ان هذه الادعاءات تكون متناقضة فالقاضي يعتمد ويلتزم بحل المشكل المثار على هذا الاساس.
فالادعاءات اذن هي مزاعم و طلبات أطراف النزاع التي استندوا عليها للمطالبة بحقوقهم.
ويجب أن تكون الإدّعاءات مرتّبة، مع شرح الأسانيد القانونية، أي ذكر النص القانوني الذي اعتمدوا عليه، ولا يجوز الإكتفاء بذكر "سوء تطبيق القانون"، أو "مخالفة القانون".
فالتعليق على القراركلّه يعتمد على الإدّعاءات، و ذلك بهدف تكييفها و تحديد الأحكام القانونية التي تطبق عليها، أي أن الأحكام و القرارات لابدّ أن تستند إلى ادّعاءات الخصوم.و الإدّعاءات يمكن التعرف عليها من خلال عبارات "عن الوجه الأوّل"، أو استنباطها من عبارات "حيث يؤخذ على القرار"، "حيث يعاب على القرار"،" حيث ينعى على القرار"
5- المشكل القانوني: عبارة عن تساؤلات يطرحها الاطراف على القضاء لإيجاد الحل القانونين وباختصارالمشكل القانوني هو السؤال الذي يتبادر إلى ذهن القاضي عند الفصل في النزاع، لأنّ تضارب الإدّعاءات يثير مشكلا قانونيّا يقوم القاضي بحلّه في أواخر حيثيات القرار، قبل وضعه في منطوق الحكم.
6- الحل القانوني: هو الاجابة على المشكل القانوني المطروح في اخر حيثية في القرار ويقوم الطالب بالنقل الحرفي للحل القانوني.
7- منطوق الحكم: هو النتيجة التي توصل اليها القاضي في القرار او الحكم
ب/ المرحلة التحريرية (الموضوعية ):
يضع الطالب خطة للمسألة القانونية المعروضة عليه تظهر فيها وقائع القضية أطراف النزاع متسلسلة وفق تسلسل الوقائع زمنيا ويجب ان تكون متوازنة وتشتمل:
1- مقدمة:
يعرض فيها الطالب موضوع النزاع محل التعليق ثم الجهة التي أصدرته ثم ملخص من الوقائع قصير ثم يطرح المشكل القانون ، ففي المقدمة يتم عرض موضوع المسألة القانونية محلّ التعليق في جملة وجيزة، بعدها يلخص قضية الحكم أو القرار فقرة متماسكة، يسرد فيها بإيجاز كلّ من الوقائع و الإجراءات و الإدّعاءات منتهيا بطرح المشكل القانوني بصفة مختصرة تعتبر كمدخل إلى صلب الموضوع .
2- صلب الموضوع: (المتن والعرض):
يقوم الطالب بمناقشة وتحليل النقاط القانونية المثارة امام القضاء والمطروحة من طرف الخصوم في شكل ادعاءات، مع اعطاء الطالب رأيه في الحل القانوني ولهذا يجب الاستعانة بالمعلومات النظرية المرتبطة بها، مع الرجوع في كل مرة الى حيثيات القرار او الحكم ومقارنة الحل القانوني للطالب مع الحل القانوني الذي ابداه القاضي وابراز موقف الفقه والاجتهاد القضائي من هذا الحل الذي اعتمده الطالب وهل اضاف شيئا جديدا للاجتهاد ام لا.
ويجب تبيان موقف الحل القانوني بالنسبة للنصوص القانونية، هل استند إلى نصّ قانوني؟ هل هذا النص واضح أم غامض؟ كيف تمّ تفسيره؟ ووفق أيّ اتجاه؟
وكذلك موقف الحلّ بالنسبة للفقه، ماهي الآراء الفقهية بالنسبة لهذه المسألة، ما هو الرأي الذي اعتمده القرار –موقف هذا الحّل بالنسبة للإجتهاد، هل يتوافق مع الإجتهاد السابق ،أم يطوّره أم أنه يشكّل نقطة تحوّل بالنسبة له؟
و بالتالي يجب على المعلّق الإستعانة بالمعلومات النظرية المتعلّقة بالمسألة القانونية محلّ التعليق، ثمّ الرجوع في كلّ مرّة إلى حيثيات الحكم أو القرار محلّ التعليق لتطبيق تلك المعلومات على القضية المطروحة .
3- الخاتمة (هل اصاب القاضي ام اخطأ):
ويذكر فيها الطالب ما اذا كان حكم القاضي صحيح ام لا مع اعطاء البديل والاستنتاجات والاقتراحات، كما يمكن للطالب ابداء رأيه الشخصي وطرح بعض التساؤلات التي قد تصبح افاق جديدة للبحث، فالخاتمة توضح أنّ المشكل القانوني الذي يطرحه الحكم أو القرار القضائي محلّ التعليق يتعلّق بمسألة قانونية معينة لها حلّ قانوني معيّن يذكره المعلّق معالجا بذلك الحلّ الذي توصل إليه القضاة.
خلاصة هامة:
قد يختلط على الطلبة الاستعمال بين مصطلحي التحليل والتعليق وهنا نوضح ان لفظ التحليل والتفسير يستعملان في الدراسة المنهجية للنصوص القانونية او الفقهية (نص فقهي، او نصوص القرآن او السنة) ويقصد بالتحليل النصوص القانونية عموما في ميدان العلوم القانونية تفكيك هذا النص وتبيان اجزاءه وهذه النصوص عادة هي نصوص التشريع بأنواعها ومراتبها ودرجاته وما يتفرع عنه.
والنص قد يكون فقرة او اكثر او جملة او اكثر او عبارة عن مقولة او رأي يعبر عن اتجاه فقهي او مدرسة فقهية.
وقد يطرح الاشكال المدلول الاصطلاحي بين التحليل والتعليق ولكن عند التدقيق نجد بينهم فرق جوهري يتمثل في:
أن التحليل يقصد به دراسة مضمون النص دراسة مفصلة وفق منهجية معينة اما التعليق فهو الفحص الانتقادي لمضمون وشكل النص اضافة الى تقييمه ونقده بقدر من الحرية.
ويمكن تلخيص اهم الفروق الجوهرية بين تحليل النصوص والتعليق على الاحكام او القرارات في ميدان البحث العلمي القانوني في النقاط التالية:
1- التحليل والتعليق كلاهما وسيلة لمعالجة النصوص وبأنواعها لكن التحليل او مقارنة بالتعليق حيث يقوم الباحث بالتحليل والتعمق باستعراض مضامينها دون انتقادها اما التعليق فإنه يمتاز بالاختصار والإيجاز على الرغم من الحرية التي يتمتع بها الباحث في تقويم النص ونقده
2- عمليا نجد التعليق كفحص انتقادي ينطبق على الاحكام والقارات القضائية اما التحليل فمحله النصوص القانونية والفقهية لذلك نقول تحليل النصوص والتعليق على القرارات وليس العكس.
3- يوصف التحليل بأنه تعليق غير مكتمل ومن المهم تبرير التعليق تبريرا علميا يعرض من خلال المعلق الدليل ويطرح البديل.