المطلب الثاني: القانون العضوي 18/15 كاطار لتكريس مبادئ التسيير العمومي الحديث

لقد سعى المشرع الجزائري كغيره من التشريعات الى تكريس المعايير الدولية في مجال إعداد الموازنة العامة والرقابة عليها، حيث توجه الى تحديث المنظومة القانونية المتعلقة بتسيير المالية العمومية من خلال اعتماد نظام ميزانية قائم على منطق النتائج و يكرس مبادئ التسيير العمومي الحديث، ولاسيما شفافية المعلومات المتعلقة بإعداد الميزانية وتحسين بنية قانون المالية للسنة وإثرائه بشكل يساهم في مقروئية الميزانية ووضوحها ويعبر على صدق المعلومة الميزانية.

حيث تسعى الحكومة من خلال قانون المالية للسنة تخصيص الموارد اللازمة لتسيير المرافق العمومية وتمويل المشاريع التنموية في شتى المجالات مع مراعاة المرونة في التسيير لتحقيق أهداف الإنفاق العمومي وتحقيق النتائج المطلوبة، أما بالنسبة للبرلمان فهو يراقب عمل الحكومة في إعداد ميزانية الدولة من خلال المصادقة على قانون المالية للسنة مع حرصه على حماية القدرة الشرائية للمواطن والتخفيف من العبء الضريبي قدر الإمكان، ولتحقيق هذا المسعى يجب تكريس الشفافية والوضوح والصدق في إعداد ميزانية الدولة.

ومن اهم المبادئ الحديثة التي كرسها القانون العضوي18/15 في اطار اعداد وتنفيذ ميزانية الدولة، نذكر مايلي:

f.2

اولا: مبدأ الشفافية

حيث صدر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) سنة2001 دليل "أفضل الممارسات المتعلقة بشفافية الموازنة"، وفي نفس الإطار اصدر صندوق النقد الدولي (FMI) سنة 2007 دليل "ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة" والذي يركز على ضرورة وضوح الأدوار والمسؤوليات وتوخي الشفافية في عمليات إعداد الموازنة وإتاحة المعلومات للاطلاع العام، حيث تضمنت هذه الوثائق إطار مرجعي يكرس الإفصاح الكامل عن جميع المعلومات المتعلقة بالمالية العمومية في الوقت المناسب وبطريقة منتظمة، وتتضمن مجموعة من أفضل الممارسات في المجالات المعنية بأهم تقارير إعداد الموازنة، والمعلومات المحددة التي يتعين الإفصاح عنها، وجودة البيانات، ونزاهتها، لتمكين الجمهور ولاسيما المستثمرين الاجانب منهم والوطنيين من معرفة استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والوضع المالي للدولة .

وفي هذا الصدد المشرع الجزائري من خلال المادة 72 من القانون العضوي 18/15 نص على ضرورة تقديم الحكومة قبل نهاية الثلاثي الاول في اطار اعداد ميزانية السنة المقبلة تقريرا حول تطور وضعية الاقتصاد الوطني وحول توجيه المالية العمومية، كما نصت المادة 73 على بنية وهيكل مشروع قانون المالية والذي يجب ان يتضمن اربعة اجزاء توضح بشكل صادق وصريح مبالغ الايرادات المقدر تحصيلها والاحكام المتعلقة بها، وكذا اسقاف النفقات المقدر تنفيذها والاحكام الناظمة لها سواء ماتعلق بالميزانية العامة للدولة او ماتعلق بالحسابات الخاصة للخزينة ، وقد تضمن الجزء الرابع جداول توضح ماورد في الاجزاء الثلاثة فيما يخص توزيع مبالغ الايرادات والنفقات.

ولاجل اثراء مشروع قانون المالية اكثر وتمكين نواب البرلمان من اجراء مناقشات مستفيضة حول خيارات الحكومة في مجال اعداد الميزانية فقد نصت المادة 75 من القانون العضوي 18/15 على الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية للسنة والمتمثلة في تقارير وملاحق تفسيرية ووثائق تشمل ثلاثة احجام تعكس بصورة صريحة مجالات الانفاق وتخصيصات الموارد العمومية لتكون اكثر مقروئية ووضوح.

ثانيا: مبدأ التسيير القائم على النتائج

حيث نصت المادة 02 من القانون ىالعضوي 18/15: " يعد قانون المالية بالرجوع الى تأطير وبرمجة الميزانية كما هو محدد في المادة 05 من هذا القانون، ويساهم في تجسيد السياسات العمومية التي يكون تنفيذها مؤسسا على مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج، انطلاقا من أهداف واضحة ومحددة وفقا لغايات المصلحة العامة والتي تكون موضوع تقييم، كما تضمن نص المادة 06 " يقر قانون المالية للسنة ويرخص لكل سنة مدنية، مجموع موارد الدولة وأعبائها الموجهة لانجاز برامج الدولة طبقا للأهداف المحددة والنتائج المنتظرة التي تكون موضوع تقييم".

وبناء على ماورد فقد اعاد المشرع الجزائري هيكلة الميزانية وطريقة عرض النفقات العمومية، من خلال تقسيم أعباء الميزانية اولا حسب النشاط الى برامج تشمل برامج وتقسيماتها، ثم تصنيفها حسب الطبيعة الاقتصادية الى أبواب تشمل ايضا عدة أقسام، بالاضافة الى تقسيم يشمل الوظائف الكبرى للدولة أي حسب القطاعات المكلفة بتحقيق الأهداف الكبرى، وأخيرا التصنيف حسب الهيئات الإدارية المكلفة بإعداد وتنفيذ الميزانية أي توزيع الإعتمادات على الوزارات والمؤسسات العمومية.

وعليه فالمقاربة الجديدة في مجال تنفيذ النفقات العمومية لا يجب ان تنحصر في ضرورة مطابقة النصوص القانونية او الالتزام بمشروعية النفقة بل تتعدى ذلك الى ضرورة تحديد الاهداف المرتبطة بتنفيذ السياسات العمومية و ربطها بمؤشرات كمية ونوعية لقياس الاداء و تقييم النتائج المحققة مقارنة بالاهداف المسطرة.

ثالثا: مبدأ المرونة والمساءلة

لا يكتفي نظام الميزانية القائم على منطق النتائج على تصنيف النفقات الى برامج وفقط بل يتطلب أيضا تقديم مخطط سنوي للأولويات والاهداف الخاصة بكل دائرة وزارية يرفق مع الملاحق التفسيرية لمشروع قانون المالية للسنة، وهنا تظهر فكرة "المسير المسؤول"، أي أن مسؤول البرنامج له دور كبير في إعداد المشروع السنوي للأداء من خلال تحديد الأهداف الميزانية والمؤشرات الكمية والنوعية وكذا النتائج المتوقعة، وبالتالي له دور كبير في تقدير حجم النفقات المناسبة لتحقيق هذه الأهداف، كما له الحرية في تسيير وتحويل الإعتمادات المالية داخل نفس البرنامج أي بين الأنشطة التي يتكون منها البرنامج، وممارسة سلطته السلمية على المسؤولين المفوض لهم تسيير اعتمادات الأنشطة، وفي المقابل هو مطالب بتبرير كل اقتراحاته أمام البرلمان سواء في إطار إعداد المشروع السنوي للأداء او في إطار طريقة تسييره للاعتمادات الموضوعة تحت سلطته، ولاسيما ماتعلق بتحويل الإعتمادات بين الأنشطة التابعة للبرنامج المكلف به.

كما أن مسؤول البرنامج مطالب بتقديم تقرير سنوي للمردودية يرفق لمشروع قانون تسوية الميزانية، والذي يسمح لنواب البرلمان معرفة النتائج المحققة مقارنة بالنتائج المنتظرة، ومساءلته-مسؤول البرنامج- على حجم التجاوزات والانحرافات المثبتة.

رابعا: مبدأ تقييم الاداء

تضمن القانون العضوي 18/15 رقابة مستحدثة تتعلق مباشرة بتتبع السياسات العمومية وتقييمها وتحليل تكلفتها المالية، وخاصة على مستوى الوثائق والتقارير التي ستكون الحكومة ملزمة بتقديمها للبرلمان من قبيل التقارير الوزارية حول الأداء وفعالية التسيير، وهي آليات ستسمح بتتبع دقيق لإنجاز وتنفيذ السياسات العمومية ودراسة آثارها الاقتصادية والاجتماعية، وهذه الآلية تجعل المناقشة البرلمانية ذات أهمية بالغة، وعلى الرغم من أنها نظريا تنصب بالأساس الأول على تحليل التكلفة المالية للمخططات والبرامج، إلا أن هذه المناقشات لا تقتصر على حصيلة تنفيذ هذه المخططات والبرامج وإنما تمتد لمناقشة طرق إعداد وتنفيذ السياسات العمومية التي ترتبط بها هذه البرامج الإستراتيجية وكذا الأثر المتوقع والمفترض وحصيلة تنفيذ هذه السياسات.

وللاشارة فان تقييم البرلمان لعمل الحكومة في مجال تنفيذ الميزانية يستند اساسا على تقرير مجلس المحاسبة المرفق مع مشروع قانون تسوية الميزانية، حيث يتضمن هذا الاخير تقييم لنتائج تنفيذ الميزانية مقارنة بالاهداف المسطرة مسبقا.