مقياس الحماية القانونية للأسرة - الدكتور محمد الطاهر بلموهوب
Aperçu des sections
-
-
Forum
-
Leçon
محتوى مادة الحماية القانونية للأسرة
المحور الأول : حماية الأسرة في النظم القانونية القديمة.
أولا-في عصور ما قبل التدوين.
- نظام الأسرة في عهد القوة أو الانتقام الفردي
-نظام الأسرة في عهد التقاليد الدينية
-نظام الأسرة في عهد التقاليد العرفية
ثانيا- في عصور ما بعد التدوين
-نظام الأسر في حضارة ما بين النهرين (بلاد الرافدين)
-نظام الأسرة في مصر الفرعونية
-نظام الأسرة عند الإغريق
-نظام الأسرة عند الرومان
المحور الثاني: حماية الأسرة في الشريعة الإسلامية
أولا-أهمية الأسرة ومكانتها في الشريعة الإسلامية.
ثانيا-حماية الأسرة من خلال مقدمات عقد الزواج وأركانه وشروطه.
ثالثا- تنظيم حقوق وواجبات الزوجين
رابعا-التدابير الوقائية لحماية الأسرة في الشريعة الإسلامية.
المحور الثالث: الحماية الدولية للأسرة.
أولا-حماية الأسرة في النصوص الدولية غير الإسلامية.
-ميثاق الأمم المتحدة الصادر في 1945
-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948
-الإعلان العالمي لحقوق الطفل الصادر في 1959
-الإعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة الصادر في 1967
-المؤتمرات الدولية حول حقوق المرأة المنعقدة في مكسيكو 1975، نيروبي 1985، بكين 1995
ثانيا-حماية الأسرة في النصوص الدولية ذات الطابع العربي والإسلامي
-البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1980
-الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر في 2004:
-وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة في 1981:
-التقرير الوطني للجمهورية الجزائرية ردا على الاستبيان الموجه إلى الحكومات بشأن تنفيذ إعلان
ومنهاج عمل بيكين 1995
المحور الرابع: الحماية القانونية للأسرة في الدستور الجزائري.
أولا-حماية الأسرة في ظل دساتير النظام الاشتراكي.
-حماية الأسرة في دستور 1963
-الحماية القانونية للأسرة في ظل دستور 1976:
ثانيا- حماية الأسرة في ظل دساتير التعددية الحزبية والنظام الرأسمالي
-حماية الأسرة في ظل دستور 1989
- حماية الأسرة في ظل دستور 1996 والتعديلات الأخيرة
المحور الخامس: الحماية الجنائية للأسرة.
أولا-الحماية الجنائية الموضوعية للأسرة.
-اعتبار الرابطة العائلية سبب من أسباب الإباحة
-تجريم الأفعال التي تهدد كيان الأسرة وترابطها
-اعتبار الرابطة العائلية عذرا معفيا من العقاب
-اعتبار الرابطة العائلية عذرا مخففا للعقوبة
-اعتبار الرابطة العائلية ظرفا مشددا للعقوبة
ثانيا-الحماية الجنائية الإجرائية
-تقييد سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية وتعليقها على شكوى الطرف المضرور في بعض الجرائم الماسة بالأسرة
-صفح الضحية يضع حدا للمتابعة الجزائية
-استحداث نظام الوساطة الجزائية في بعض الجرائم الماسة بالأسرة
-معاملة الأحداث معاملة خاصة
-توسيع الاختصاص المحلي في جريمة عدم تسديد النفقة
-التكليف المباشر بالحضور أمام المحكمة في بعض الجرائم الماسة بالأسرة
المحور السادس: الحماية القانونية للأسرة من خلال أحكام قانون الأسرة.
أولا-المساواة بين المرأة والرجل في عقد الزواج
-توحيد سن الزواج.
-اعتبار رضا الزوجين الركن الوحيد في عقد الزواج وإسقاط ركن الولي.
-المساواة بين الزوجين في حق الاشتراط.
-ضرورة الفحص الطبي لكلا الزوجين قبل إبرام عقد الزواج.
-تسجيل عقد الزواج وإثباته.
ثانيا-توازن السلطة بين الزوجين في فك الرابطة الزوجية.
-الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج.
-الطلاق بالإرادة المنفردة للزوجة (الخلع)
-الطلاق بالإرادة المشتركة للزوجين
-فك الرابطة الزوجية من طرف القاضي (التطليق)
ثالثا-استقلالية الذمة المالية للزوجين
رابعا-التنزيل آلية لحماية الأسرة
المحور السابع: الحماية القضائية للأسرة.
أولا-حث القاضي على الحياد والنزاهة والمساواة في تطبيق القانون وتخصيص قضاء مستقل
لشؤون الأسرة
ثانيا-اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا في قضايا شؤون الأسرة
ثالثا-دور القاضي في حماية الأسرة قبل إبرام الرابطة الزوجية
-سلطة القاضي في تقدير الضرر المترتب على العدول عن الخطبة
-سلطة القاضي في الترخيص للقاصرين بالزواج قبل بلوغهم سن19 سنة لمصلحة أو ضرورة
-سلطة القاضي في الترخيص بتعدد الزوجات.
-سلطة القاضي في تزويج القصر.
رابعا-دور القاضي في حماية الأسرة بعد إبرام الرابطة الزوجية.
-سلطة القاضي في تقدير النفقة
-سلطة القاضي في اثبات أو نفي النسب
-سلطات القاضي في حماية الأسرة من خلال التدابير الاستعجالية عند تعرض الرابطة الزوجية
للانحلال
-دور القاضي في حماية الأسرة من خلال آليتي الصلح والتحكيم
-دور القاضي في تقدير مدى تعسف الزوج في الطلاق وفي تقدير أسباب التطليق
-دور القاضي في آثار انحلال الرابطة الزوجية
خامسا-دور القاضي في النيابة الشرعية
المحور الثامن: الوساطة العائلية والاجتماعية لإبقاء الشخص المسن في وسطه العائلي.
أولا-مفهوم الوساطة العائلية والاجتماعية وشروطها وإجراءاتها
-مفهوم الوساطة العائلية والاجتماعية.
-شروط الوساطة العائلية والاجتماعية
-إجراءات الوساطة العائلية والاجتماعية.
ثانيا-مقاصد وأهداف الوساطة العائلية والاجتماعية
-الوساطة العائلية والاجتماعية وسيلة لتحقيق وحدة الأمة
-الوساطة العائلية والاجتماعية وسيلة لحفظ النفس البشرية
-الوساطة العائلية والاجتماعية وسيلة لتوفير النفقات والأموال
خاتمة
-
-
-
Fichier
مقدمة:
تعد الأسرة اللبنة الأساسية لبناء المجتمع وهو ما جعلها تتبوأ مكانة متميزة لدى النظم القانونية القديمة والتشريعات الوطنية والدولية الحديثة .
وقد أحاط المشرع الجزائري الأسرة بعناية كبيرة بهدف حمايتها مما يهدد بقاءها واستمرارها تترجمها العديد من القوانين الموضوعية والإجرائية.
وإذا كانت الحماية القانونية للأسرة تبرز جليا في الحماية الجنائية التي يوفرها قانون العقوبات من خلال تخصيصه قسما للجنايات والجنح ضد الأسرة ، فإن قانون الأسرة يوفر هو الآخر آليات كثيرة لحمايتها من خلال خلق توازن بين الزوجين في الحقوق والواجبات وتوسيع مهام النيابة العامة بتدخلها في جميع قضايا شؤون الأسرة وتفعيل آلية الصلح القضائي وغيرها.
إضافة إلى الحماية التي يوفرها كل من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بتخصيص قسم خاص للإجراءات المتبعة أمام قسم شؤون الأسرة وما يوفره قانون الإجراءات الجزائية من حماية للأسرة عن طريق آلية الوساطة في بعض الجرائم الماسة بالأسرة وغيرها.
ولأهمية الحماية القانونية للأسرة أصبحت متطلبا هاما من متطلبات برنامج الدعم البيداغوجي الموجه لطلبة السنة الأولى ماستر تخصص قانون الأسرة .
ومن أجل لم شمل هذا الشتات المتناثر حول آليات الحماية القانونية للأسرة تم تقسيم برنامج هذا المقياس إلى ثمانية محاور أساسية بدء بحماية الأسرة في النظم القانونية القديمة وفي الشريعة الإسلامية ثم في النصوص الدولية ذات الطابع الإسلامي وغير الإسلامي ، ليتم التطرق للحماية الداخلية للأسرة بدء بالحماية الدستورية فالحماية الجنائية فالحماية في قانون الأسرة ثم الحماية القضائية، ليتم في الأخير التعرض للحماية التي توفرها بعض النصوص الخاصة كتلك الصادرة عن وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة ، وكنموذج عن ذلك تم اختيار الوساطة العائلية والاجتماعية لإبقاء المسن في وسطه العائلي.
المحور الأول: حماية الأسرة في النظم القانونية القديمة.
تكتسي دراسة تاريخ القانون أهمية بالغة ، ذلك أن بعض النظم القانونية الحديثة لا يمكن فهمها إلا في ضوء دراسة تطورها التاريخي على اعتبار أنها امتداد لنظم سابقة.
يعود الفضل إلى تاريخ القانون في تمكيننا من صورة صادقة عن تطور النظم القانونية في الماضي وأسباب ذلك التطور ومعرفة مدى أصالة بعض النظم والاستفادة من تجاربها.
وقد حظيت الأسرة بمكانة متميزة لدى هذه النظم القانونية القديمة مما يمكن من استخلاص بعض آليات حماية الأسرة من خلال دراسة نظام الأسرة في عصور ما قبل التدوين وفي عصر ما بعد التدوين.
أولا-عصور ما قبل التدوين:
سنتعرض فيها لنظام الأسرة في عهد القوة أو الانتقام الفردي، ثم في عهد التقاليد الدينية أو الوحي الإلهي لنختم بالتطرق لنظام الأسرة في عهد التقاليد العرفية.
1-نظام الأسرة في عهد القوة أو الانتقام الفردي:
يمتد هذا العصر منذ ظهور الإنسان حتى العصر الحجري الحديث، ويتميز بأن حفظ النظام في المجتمع يتم عن طريق القوة ، إذ لا يوجد قانون بمفهومه الحديث، بل هو مجموعة تقاليد غريزية أو مجرد إحساس وشعور بوجود حقوق وواجبات للناس والمظهر الخارجي لهذا الإحساس وتلك التقاليد هو استعمال القوة1.
وقد عرفت الجماعات البدائية العديد من التقاليد في تحديد علاقة الرجل بالمرأة ، بعضها من بقايا الإباحية الجنسية وبعض الآخر يقترب من صور الزواج العرفي لدى الشعوب المتحضرة.
وبظهور نظام الزواج الفردي الذي يستأثر فيه الرجل بامرأة واحدة ظهر إلى جانبه نظام تعدد الزوجات ، ومع ذلك فإن النظام الأول هو السائد طيلة هذا العصر ، وأما تعدد الزوجات فكان محدود التطبيق، ورغم أن الزواج في هذا العصر كان يختلف عما هو عليه الآن كزواج الخطف أو الأسر وزواج الشغار إلا أن هناك حالات كثيرة يتم فيها الزواج بالتراضي ، لكن التراضي كان يقتصر في بعض الأحيان على رضا أقارب الزوجين فقط ، وكان الرجل يبذل جهده للحصول على موافقة أقارب الزوجة بتقديم الهدايا لهم خاصة مع انتشار الزراعة البدائية ، حيث تناقصت حالات الزواج بالخطف وزواج الشغار وحل محلها الزواج بالتراضي1.
وقد كانت الأسرة باعتبارها الخلية الأولى لأصل المجتمعات البدائية تتشكل من الأب و الأم والأولاد وقد تتشكل من أكثر من زوجة وأولادها ، كما عرفت هذه المجتمعات ما يسمى بالأسرة الممتدة ورب هذه الأسرة يكون عادة أكبر أعضائها الذكور سنا.
أما القرابة في بعض هذه المجتمعات فكانت تستند في تكوينها إلى جهة الأم ويترتب على ذلك أن يكون الأولاد أعضاء في جماعة أمهم لا في جماعة أبيهم2.
أما نظام الإرث فكان يتبع عمود النسب من جهة الأم نتيجة تغليبه نظام الأسرة الأمية، فالولد يرث أمه وخاله لا أباه وعمه، وقد يتبادر إلى الأذهان أن غلبة نظام الأسرة الأمية نتج عنه سيادة المرأة على الرجل لكن الواقع أثبت أن الصدارة ظلت للرجل لأن مكانة الشخص في هذه المجتمعات كانت تتحدد بقوته وقدرته على حمل السلاح والمرأة عاجزة عن ذلك لذلك فإن منزلتها كانت أقل من منزلة الرجل3.
2-نظام الأسرة في عهد التقاليد الدينية:
تميز هذا العصر من الناحية الاقتصادية بالاعتماد على الزراعة وتربية الماشية كمورد أساسي للحياة ، ومن الناحية الاجتماعية أخلت الأسرة الأمية مكانتها للأسرة الأبوية ، فالزعامة الاقتصادية أصبحت للرجل سواء عند الشعوب التي تعتمد على الزراعة أو تلك التي تعتمد على الرعي وتدنت مكانة المرأة وأصبحت في حكم المال المملوك لصاحب السلطان عليها كالأب والأخ قبل زواجها والزوج بعد زواجها.
كما تلاشت حالة الإباحية الجنسية وأصبح نظام الزواج هو النظام الأكثر شيوعا ، وكان الهدف منه دائما إنجاب النسل وأصبح نظام تعدد الزوجات ظاهرة عامة لأن الزراعة تتطلب كثرة الأيدي العاملة ، فأصبح الأولاد عنصرا من عناصر ثروة الشخص ينتفع بهم في أعمال الزراعة ورعي الماشية ، وأدى هذا إلى ظهور تقاليد تحدد كيفية معاملة الزوجة الأولى ، وينحصر نظام الإرث في عمود النسب من جهة الأب1.
وظهر في هذا العصر نظام المهر أو الصداق ، فقد جرى العرف على تودد الرجل إلى أقارب المرأة التي يرغب في الزواج منها بتقديم بعض الهدايا ، وبانتشار الزراعة قامت تلك الهدايا مقام المهر والذي يكون عادة عددا من رؤوس الماشية ، وقد يزاد عليها بعض الأشياء كقطع الأسلحة وغيرها، لكن الغريب في هذه المجتمعات أن مهر المرأة يؤول إلى أسرتها ولا تأخذ منه شيئا بل تعارفوا على نصيب ما يأخذه كل واحد منهم سواء كان من جهة الأب أو من جهة الأم ، كما تم تحديد مقدار ما يمكن للزوج أن يسترده منه إذا رفضت الانتقال معه إلى بين الزوجية أو هجرت زوجها وعاشرت رجلا أخر2.
3-نظام الأسرة في عهد التقاليد العرفية:
تميز هذا العصر بانفصال القانون عن الدين وظهور مصدر جديد للقانون هو التقاليد العرفية وأصبحت لها المكانة الأولى بين مصادر القانون لدى بعض الشعوب ، وظل نظام الأسرة الأبوية سائدا ، وفي بداية هذا العصر تهلهلت روابط القبيلة والعشيرة ولم يبق منها إلى بعض الآثار في نظام الميراث والقرابة والوصايا.
وظل نظام الزواج بالتراضي سائدا، غير أن رضا الزوجين أصبح لازما بجانب رضا أسرتيهما، وشهد هذا العصر تناقصا كبيرا في حالات تعدد الزوجات وأصبح الغالب هو نظام الزواج الفردي، وبجانبه ظهر نظام التسري حيث يكون للرجل عدد من السراري أو الحظايا بجانب زوجته.
وفي حالة التسري ينسب الأولاد إلى أمهاتهن ما لم يدخلهم رب الأسرة في أسرته عن طريق التبني، ومعيار التمييز بين الزواج الشرعي وحالات التسري هو ما يصاحب الزواج من طقوس وإجراءات تستهدف العلانية مثل الشهود ، حفلة الزفاف وغيرها.
كما حدث تطور هام في نظام المهر رغم أنه ظل ملكا لأسرة الزوجة، فإلى جانبه ظهر نظام الدوطة وهو أن يهب رب أسرة البنت قدرا من المال يعادل أو يفوق ما يقبضه من مهر، ويظل هذا المال مملوكا للزوجة أثناء الزواج دون أن يكون لها أو لزوجها حق التصرف فيه ، وفي بعض الحالات يصبح هذا المال ملكية مشتركة بين الزوجين ، وتقرر معظم الشرائع أن ملكية الدوطة تؤول إلى الأولاد بعد وفاة الأم ، وتعود إلى أسرتها إن توفيت دون عقب1.
كما حظي نظام الميراث بتطور هام فالتركة تؤول إلى الذكور من أولاد المتوفى وينحصر الإرث فيهم ولا تشترك البنات معهم في الإرث كما كان الحال عند العرب قبل الإسلام، ويذكر أن بعض الشعوب ميزت الإبن الأكبر بمنحه نصيبا متميزا عن بقية إخوته وبعضها الآخر يسوى بينهم.
ثانيا-عصور ما بعد التدوين:
1-نظام الأسرة عند البابليين:
يؤكد العديد من الدارسين لتاريخ النظم القانونية في بلاد الرافدين تأثرها برسالات سيدنا نوح وإبراهيم ويونس وغيرهم ، وقد عد حمورابي مصلحا اجتماعيا وهذا لاهتمامه بشؤون الأسرة ، فقد كانت المرأة تتمتع بمركز قانوني واجتماعي مرموق جعلها تتقلد الوظائف القضائية والإدارية، وكانت لها الشخصية القانونية الكاملة، إذ يحق لها التقاضي ولو ضد زوجها، كما لها الحق في الإدلاء بشهادتها أمام القضاء بشكل متساو مع الرجل2.
وكان الزواج في بلاد ما بين النهرين يمثل دعامة الحياة العائلية ولم يمنع اختلاف المركز الاجتماعي للزوجين من قيامه ، ويدفع الزوج المهر عند الاتفاق على الزواج يدون ذلك في محضر يتضمن قبض المهر من قبل ولي المرأة أو بواسطة المرأة نفسها.
وقد كان قانون حمورابي في مادته 159 يسمح للزوج الراغب في الزواج (الخاطب) باسترداد ما دفع إذا كان العدول من قبل أب الفتاة أما إذا كان العدول منه فلا يسترد شيئا.
كما أن عقد الزواج يحرر في وثيقة مكتوبة حتى يكون صحيحا3. وبخصوص التراضي في عقد الزواج فقد تضاربت النصوص فهناك من النصوص ما يشترط رضا أولياء الزوجين، وهناك من النصوص ما يشترط رضا الراغب في الزواج مع رضا ولي الزوجة ، وهو ما أدى إلى تضارب في الآراء بين الفقهاء حول التراضي4.
وبخصوص موانع الزواج فقد تضمنت تشريعات بلاد ما بين النهرين نصوصا عديدة تحرم الزواج بين الأقارب الأقربين سواء في ذلك الأقارب عن طريق النسب أو عن طريق المصاهرة، وجاءت النصوص خالية من ذكر قرابة الحواشي باعتبارها من موانع الزواج مما يدفع إلى التساؤل عن إمكانية الزواج بين الأخ والأخت1.
كما عرفت التشريعات البابلية الطلاق حيث منح قانون حمورابي للمرأة حق طلب الطلاق إذا رأت في تصرف زوجها ما يجعلها تشك به أو إذا أهملها ، وليس للزوج الذي تصاب زوجته بمرض أو عاهة حق طلاقها بل له أن يتزوج بامرأة أخرى على أن يظل المركز الأول للزوجة الأولى.
كما يحق له إذا لم تنجب له أولادا أن يتخذ محظية لتنسل له أو أن يطلقها بعد أن يدفع لها مبلغا من المال، وفي حالة بقائها فإنها تظل أرفع مكانة وعلى المحظية أن تخدمها2.
2-نظام الأسرة في مصر الفرعونية:
رغم أن القرابة كانت قائمة في مصر الفرعونية على علاقة الأبوة إلا أن مكانة المرأة الاجتماعية اتسمت بالمساواة مع الرجل في كافة الحقوق سواء في نطاق الأسرة أو في الواقع الاجتماعي ، فلها أن تتولى رئاسة الأسرة في حالة انعدام أولادها الكبار ، كما كان لها الحرية المطلقة في اختيار زوجها واشتراط ما تشاء من شروط.
وكان نظام الزواج الفردي سائدا عند المصريين القدامى وفي حدود ضيقة عرف تعدد الزوجات، كما انتشرت عادة زواج الأخ من أخته ما بين الأسر الملكية وذلك لما فيه من محافظة على نقاء وصفاء الدم في محيط الأسرة الملكية3.
وقد عرف القانون المصري في مرحلة من المراحل نظام تعدد الزوجات، ففي العصر الإقطاعي الأول تظهر النقوش الموجودة على المقابر أحد أمراء الأسرة السادسة محاطا بست زوجات وظل نظام تعدد الزوجات معمولا به حتى نهاية العصر الفرعوني لكنه كان قاصرا على الأثرياء وكبار رجال الدولة الذين كانوا قادرين على تحمل تبعاته المالية.
وكانت النساء تحتطن لهذا النظام فتشترط شروطا مستحيلة مما يجعله نادر الحدوث4.
كما عرف القانون المصري انحلال الرابطة الزوجية بطريق الوفاة أو الطلاق ، وبخصوص الطلاق فإن الرأي الراجح لدى أغلب فقهاء تاريخ القانون يذهب إلى أن القانون المصري اعترف لكل من الزوجين بالحق في الانفصال عن الآخر بالإرادة المنفردة ، فللزوجة الحق في إيقاع الطلاق تماما مثل الرجل1.
وقد عرف المصريون القدامى نظام الميراث وكانت طريقة التوريث عندهم تجعل أرشد فرد في الأسرة محل المتوفي في فلاحة الأرض والانتفاع بإنتاجها دون ملكيتها وقيل أنهم كانوا لا يفرقون بين الذكر والأنثى في ذلك، كما قيل أن نصيب الأنثى في الميراث كان أقل من نصيب الذكر وذلك باختيارهما2.
3-نظام الأسرة عند الإغريق:
تتشكل الأسرة في بلاد اليونان من مجموعة من الأفراد يعيشون متكافلين متضامنين تحت سقف واحد ويتم دفن أفراد هذه الأسرة في قبر واحد ، وتشكل عدة أسر صغيرة أسرة كبيرة تسمى العشيرة يجمع بينها وحدة الأصل المشترك ووحدة الحياة المشتركة ولها إله واحد يقدم له جميع أفراد الأسرة القرابين ويتمتع الأب بالإشراف على أولاده مند اليوم الثالث أو الرابع من ميلادهم إلى غاية بلوغهم الثامنة عشر من حياتهم، أما مركز المرأة فكان ثانويا فهي تخضع الخضوع التام لزوجها من حيث الحماية والرعاية، أما إذا كانت أرملة فتكون رعايتها من جانب ابنها الأكبر أو أخيها3.
أما الزواج فكان اليونان يعتبرونه واجبا على الإنسان نحو نفسه ونحو وطنه وكان يقوم على الزوجة الواحدة مع اباحة اتخاذ الخليلات واعتبروا المرأة موضوع عقد الزواج وليس طرفا فيه ، كما يشاع عندهم زواج الاستبضاع.
كما عرفوا الطلاق واعتبره فلاسفتهم ظاهرة شاذة وتصرفا غير سوي يهدد كيان الأسرة والمجتمع ينبغي تقييدها، إلا أنه كان بيد الزوج يوقعه متى شعر بالحاجة إليه دون القيام بأية إجراءات ، ولم يكن للمرأة هذا الحق ولم تنله إلا في العصر الكلاسيكي4.
4-نظام الأسرة عند الرومان:
تضمن اللوحان الرابع والخامس من قانون الألواح الإثنى عشر الذي يعد أول قانون دون عادات وأعراف الرومان القديمة بعض الأحكام عن سلطة رب الأسرة وعن تقسيم أموال التركة بالميراث أو الوصية، وتقوم الأسرة في قانون الألواح الإثنى عشر على أساس النظام الأبوي، حيث كان رب الأسرة هو المالك الوحيد لكافة الأموال وله مطلق السيادة على جميع أفراد الأسرة الخاضعين لسيادته1.
وكان نظام الأسرة عند الرومان يقوم على الزواج الذي عرف جملة من الموانع القانونية والاجتماعية والاعتقادية.
فالموانع القانونية منها القرابة خاصة الأصول والفروع ، ومن الموانع الاجتماعية عدم جواز الزواج بين العامة والأشراف ، ومن الموانع الدينية عدم جواز الزواج من اليهود بعد ظهور الديانة المسيحية ، كما حرم الزواج على رجال المذهب الكاثوليكي.
كما عرف الرومان نظام التبني الذي كان يتم بموجب مراسيم اعتقادية تجعل من الطفل ينتقل من أسرته الأصلية إلى الأسرة الجديدة حيث يصير ابنا شرعيا للمتبني.
وكان الميراث يتم بموجب تصريح من الوصي يعين فيه الوارث أو الورثة علنيا أمام الناس2.
1 –انظر صوفي أبو طالب وجمال محمود عبد العزيز ، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية ، دون دار النشر، 1422هـ/2002م، ص32.
1 –أنظر صوفي حسن أبو طالب، المرجع السابق، ص 48، 49.
2 –انظر إدريس فاضلي، المدخل إلى تاريخ النظم، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر،2006، ص 38، 39.
3 –انظر صوفي أبو طالب، المرجع السابق، ص50.
1 - انظر صوفي أبو طالب، المرجع السابق، ص92، 93.
2–انظر العربي بختي، نظام الأسرة في الإسلام والشرائع والنظم القانونية القديمة، ط1، مؤسسة كنوز الحكمة، الجزائر، 2013، ص11.
1 - انظر حسني أبو طالب، المرجع السابق، ص 132،133.
2 - انظر العربي بختي، المرجع السابق ، ص24.
3 انظر إدريس فاضلي، المرجع السابق، ص 77، 78.
4 انظر أحمد إبراهيم حسن، فلسفة وتاريخ النظم الاجتماعية والقانونية ، أبو العزم للطباعة، العصافرة، مصر، 2003، ص438.
1 أحمد إبراهيم حسن، المرجع السابق، ص443.
2 انظر إدريس فاضلي، المرجع السابق، ص 80.
3 المرجع نفسه، ص 109، 110.
4 انظر أحمد إبراهيم حسن، المرجع السابق، ص450.
1 أحمد إبراهيم حسن، المرجع السابق، ص484.
2 العربي بختي، المرجع السابق ، ص68.
3 إدريس فاضلي، المرجع السابق، ص 148، 149.
4 أنظر العربي بختي، المرجع السابق ، ص75، 76.
1 - إدريس فاضلي، المرجع السابق، ص 225.
2 –صالح فركوس، تاريخ النظم القانونية والإسلامية، دار العلوم، عنابة، الجزائر، 2001، ص36، 37.
-
-
-
Fichier
المحاضرة الثانية في مقياس : الحماية القانونية للأسرة
د/بلموهوب محمد الطاهر
المحور الثاني: حماية الأسرة في الشريعة الإسلامية.
أولا-أهمية الأسرة ومكانتها في الشريعة الإسلامية.
بعد اطلاعنا على نظام الأسرة في الحضارات القديمة الذي تميز بالانحلال والفوضى والمكانة المهينة للمرأة، جاء الإسلام لينقذ البشرية من هذا الفساد الذي عم أرجاء المعمورة، قال تعالى : (( لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم )).
وقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماما كبيرا باعتبارها النواة الأولى للمجتمع فوضع لها آدابا وفقها متكاملا شاملا لجميع جوانبها النفسية والسلوكية.
وبالعودة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فإن آداب الأسرة تواكب جميع المراحل التي تمر بها الأسرة قبل تشكيلها وبعده ، فتحدد العلاقات بين الجنسين قبل الزواج وبعده ، وتحدد العلاقات داخل الأسرة من حقوق وواجبات على أساس التكافل والتراحم والمودة والرحمة، قال تعالى: (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) الروم 21.
وتبرز أهمية الأسرة باعتبارها الإطار الشرعي الذي يحقق فيه الفرد نموه الجسدي والعاطفي بإشباع نزعاته الفطرية وميولاته الغريزية ومطالبه النفسية باعتدال ، فالسكون النفسي الجنسي هو ركن من أركان الزوجية الفطرية في الإسلام ، يضاف إليه ركنا المودة والرحمة اللذان يقومان على التعاون المشترك بين الزوجين وأسر كل منهما وما يتبع ذلك من عواطف الأمومة والأبوة تجاه أولادهما1.
وتبدوا أهمية الأسرة أيضا في التكاثر والتناسل لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة))2.
وفي ذلك استمرارية للحياة وحفاظا على النوع الإنساني وشعور بنعمة الأبوة والأمومة والتمتع بنعمة الأبناء في هذه الحياة وما يصحب ذلك من شعور بالحنان والحب الفياض تجاه هؤلاء الأبناء ، وذلك بتجدد الحياة كلما أنعم الله على الوالدين بمولود جديد كلما انتقل الأبناء من مرحلة إلى أخرى1.
ومن أهمية الأسرة في الإسلام أن أساس تكوينها وهو الزواج يعد عبادة فقد رفض الإسلام الرهبانية لأن حبل الحياة ينقطع عن الراهب أو الراهبة ويبدأ شبح الفناء فإذا شاعت هذه العبادة بين الناس وأقبلوا على الرهبانية التي ابتدعوها فمعنى ذلك أن الإنسان ينتحر والعالم يفنى ، لذا جعل الإسلام الزواج عبادة وقربة يؤجر المرء عليها2.
ومن أهميتها أيضا أن الزواج الذي هو أساس تكوينها يشعر المرء بالمسؤولية ومن هنا كانت أول مهمة تعهد إلى المسلم بعد نفسه مباشرة هي مسؤوليته تجاه أهله وبيته وأولاده مصداقا لقول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) التحريم 6.
فالزواج يشعر بالمسؤولية التي تلقى على عاتق الزوج فهو قبله كان مسؤولا عن نفسه أما بعده يصير مسؤولا عن زوجته وأولاده ، فهو مظهر من مظاهر الرقي الإنساني3.
ثانيا-حماية الأسرة من خلال مقدمات عقد الزواج وأركانه وشروطه:
لم تعن الشريعة الإسلامية بمقدمات أي عقد من العقود عنايتها بمقدمات عقد الزواج لأن موضوعه الحياة الإنسانية إذ يفترض فيه الدوام إلى نهاية الحياة.
ومقدمات عقد الزواج أو ما يسمى في لسان الشرع بالخطبة وهي طلب الرجل يد امرأة معينة للتزوج بها والتقدم إليها أو إلى ذويها ببيان حاله ومفاوضتهم في أمر العقد ومطالبه ومطالبهم بشأنه4.
ولسلامة الخطبة ينبغي أن يكون كلا العاقدين على علم قاطع أو ظن راجح بحال العاقد الآخر وما عليه من عادات وأخلاق ليكون العقد على أساس صحيح وتكون العشرة التي يحلها مرجوة الصلاح والبقاء، ويجب أيضا أن يكون كل طرف على علم بخلق الطرف الآخر وتكوينه الجسمي وذلك عن طريق النظر إليه ولذلك أباح الشارع الحكيم للرجل أن ينظر إلى من يريد الزواج منها ، بل حبب إلى ذلك وندب إليه، فعن المغيرة بن شعبة قال : خطبت امرأة على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنظرت إليها؟ قلت : لا ، قال : فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما"1.
وباعتبار الخطبة عند جمهور الفقهاء وعدا غير ملزم فلكل من الطرفين الحرية التامة في العدول عنها، لأن الأصل في الزواج أنه يبنى على عدم الإكراه والحرية التامة للطرفين في الاختيار باعتبارها تمهيدا لعقد الزواج ولا إلزامية للتمهيد2.
ومن واقعية الشريعة الإسلامية وحرصها على رفع الضرر على الناس تعرضها لأحكام العدول عن الخطبة في آثارها المالية خاصة ما تعلق بالهدايا والمهر وتعويض الطرف المتضرر عما لحقه من ضرر.
كما جعلت الشريعة الإسلامية لعقد الزواج أركانا يقوم عليها ، وفي كل ذلك حماية للأسرة من التصدع وحفاظا على دوامها.
فصيغة العقد ألفاظ مخصوصة من إيجاب وقبول تفيد أن الزواج قائم على التراضي بين الزوجين مما يبشر بدوام العشرة بينهما لأن كل واحد منهما اختار شريكه عن طيب خاطر وهذا أدعى لبقاء الرابطة الزوجية واستمرارها.
أما تفويض أمر المرأة إلى وليها يتولى تزويجها فمرده أن المرأة مفطورة على الحياء، وحضورها مجالس الرجال يشعر بالوقاحة والرعونة وكذا لأنها سريعة الاغترار والتأثر يؤثر فيها القول اللين والترغيب المصطنع، فحماية لها جعل الشارع الحكيم زواجها بيد وليها الذي يكون أقدر على كشف غوامض الرجال فيحميها من كل تدليس.
كما اشترط الإسلام في عقد الزواج أن يحضره شاهدان فأكثر من الرجال العدول المسلمين واشترط في الشهود الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والعدل3، وفي هذا حماية للأسرة.
وإكراما للمرأة فرضت الشريعة الإسلامية على الرجل أن يدفع لمن يقترن بها مهرا ، في الوقت الذي تفرض فيه نظم آخرى على المرأة أن تدفع المهر لزوجها تحت مسميات أخرى فهذا من محاسن شريعتنا الغراء وإكرامها للنساء.
كما أجازت الشريعة الإسلامية للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي يريانها ضرورية لأن يعيشا في سعادة واطمئنان بشرط أن لا تتعارض مع مقاصد الشرع ولا تنافى مقتضيات العقد.
ثالثا-تنظيم حقوق وواجبات الزوجين:
نظم الإسلام العلاقة بين الزوجين تنظيما دقيقا ومناسبا لخصوصية كل من الرجل والمرأة قال تعالى: (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)) البقرة 223.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية " أي لهن من حقوق الزوجية على الرجل مثل ما للرجال عليهن ، ولهذا قال ابن عباس : أني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي وما أحب أن استنفد كل حقي الذي لي عليها ، فتستجوب حقها الذي لها علي لأن الله تعالى قال: (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)) أي زينة من غير مأثم1.
وقد جاء في التحرير والتنوير أن " لا يستقيم معنى المماثلة في سائر الأحوال والحقوق أجناسا أو أنواعا أو أشخاصا لأن مقتضي الخلقة ومقتضى المقصد من المرأة والرجل ومقتضى الشريعة التخالف بين كثير من أحوال الرجال والنساء في نظام العمران والمعاشرة... فلا يتوهم أنه إذا وجب على المرأة أن تقم بيت زوجها وأن تجهز طعامه أنه يجب عليه مثل ذلك ، كما لا يتوهم أنه كما يجب عليه الإنفاق على امرأته أنه يجب على المرأة الانفاق على زوجها بل كما تقم بيته وتجهز طعامه يجب عليه هو أن يحرس البيت وأن يحضر لها المعجنة والغربال ، وكما تحضن ولده يجب عليه أن يكفيها مؤنة الارتزاق كي لا تهمل ولده، وأن يتعهد بتعليمه وتأديبه ، وكما لا تتزوج عليه بزوج في مدة عصمته ، يجب عليه هو أن يعدل بينها وبين زوجة أخرى حتى لا تحس بهضيمة فتكون بمنزلة من لم يتزوج عليها .."2.
وفي قوله تعالى: (( وللرجال عليهن درجة)) قال ابن عباس " الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخلق أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه"، قال القرطبي " وعلى الجملة فدرجته تقتضي التفضيل وتشعر بأن حق الزوج عليها أوجب من حقها عليه..."3.
وبناء على ما سبق فإن حقوق وواجبات الزوجين على قسمين:1
1-حقوق وواجبات يتساوى فيها كل من الزوجين تساويا تاما، مثل إحسان المعاشرة ، وقصر الطرف عن غير ما أحل الله لهما.
2-حقوق وواجبات تكون بين الزوجين على وجه المقابلة ، كل بحسب ما قضاه الله عليه بمقتضى الفطرة والخلقة والشرع والحكمة ومرجع ذلك إلى الشريعة وتفاصيلها ، كما تقرر السنة المطهرة وبحسب أنظار المجتهدين2.
رابعا-التدابير الوقائية لحماية الأسرة في الشريعة الإسلامية:
أحاطت الشريعة الإسلامية الأسرة بسياج منيع من التدابير التي من شأنها منع الأسباب المؤدية إلى المساس بالأسرة وأهمها ترسيخ الإيمان بالله في قلوب الأفراد فالمؤمن لا يزني ولا يسرق ولا يشرب الخمر كما جاء في الحديث الشريف ، كما أن للعبادات دورا فعالا في حماية المسلم من الوقوع في المحرمات.
كما حثت الشريعة الإسلامية على التحلي بالأخلاق الحميدة التي تهذب النفس وتقييها من الوقوع في الرذائل وجعلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة دينية واجتماعية على كل مسلم القيام بها .
كما حثت على إصلاح ذات البين ونبذ النزاعات والخلافات في المجتمع وخاصة إذا كانت بين الزوجين3.
1.
1 –أنظر محمد رشيد رضا، حقوق النساء في الإسلام، دار الثقافة ، الجزائر، ص26، 27.
2 –أخرجه ابن ماجة ، سنن إبن ماجة ، كتاب النكاح، باب التحريض على النكاح ، ج1، ص592.
1 –أنظر نصر سلمان وسعاد سطحي، أحكام الخطبة والزواج في الشريعة الإسلامية ،ط1، دار الفجر، قسنطينة، الجزائر، 2005، ص28.
2 –محمد الغزالي ، قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة ، ط1، دار الانتفاضة ، الجزائر، 1992م، ص102.
3 –رمضان علي السيد الشرنباصي، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، 2001، ص 19، 20.
4 –محمد أبو زهرة ، الأحوال الشخصية،ط3، دار الفكر العربي، القاهرة، 1957، ص28.
1 –سنن الترميذي، كتاب النكاح ، باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة ، ج1، رقم 934، ص242.
2 –أنظر سلمان وسعاد سطحي، المرجع السابق، ص59.
3 أنظر صالح فركوس، المرجع السابق، ص77.
1 القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2006، ج4، ص 51، 52.
2 محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، 1984، ج2، ص398، 399.
3 انظر القرطبي، المرجع السابق، ج4، ص 54.
1 انظر الموقع http//islamqa.info/ar/answers. تم الاطلاع عليه : 04/01/2019
2 لمزيد من التفصيل حول حقوق وواجبات الزوجين ، انظر سلمان نصر وسعاد سطحي ، المرجع السابق، ص243، 251.
3 لمزيد من التفصيل انظر بلخير سديد ، الأسرة وحمايتها في الفقه الإسلامي والقانون الجزائري، مرجع سابق، ص50، 54.
-
-
-
Fichier
المحاضرة الثالثة في مقياس : الحماية القانونية للأسرة
د/بلموهوب محمد الطاهر
المحور الثالث: الحماية الدولية للأسرة.
تحظى الأسرة بعانية كبيرة في العديد من النصوص الدولية سواء كانت ذات طابع إسلامي أو غير إسلامي.
أولا-حماية الأسرة في النصوص الدولية غير الإسلامية.
كانت للأسرة والمرأة على الخصوص مكانة متميزة في النصوص الدولية ذات الطابع غير الإسلامي أهمها:
1-ميثاق الأمم المتحدة الصادر في 1945:
حيث ورد في ديباجته أن شعوب الأمم المتحدة آلت على نفسها إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره ، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية.
كما نصت المادة الأولى من هذا الميثاق على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء.
2-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948:
اعترف بحق التزوج وتأسيس أسرة للرجال والنساء متى بلغوا سن الزواج وأقر حقوقا متساوية للزوجين عند وأثناء وبعد انحلال الزواج، واشترط التراضي بين الزوجين كما أكد على حق الأسرة في التمتع بحماية الدولة والمجتمع وحماية الأولاد وحق الآباء في اختيار تربية أولادهم.
3-الإعلان العالمي لحقوق الطفل الصادر في 1959:
قرر حماية الطفل مع مراعاة مركزه كقاصر على أسرته وعلى الدولة والمجتمع دون تمييز ، كما حث على ضرورة تمتع الطفل من امتيازات الضمان الاجتماعي والسهر على نموه الصحي والجسمي عن طريق حماية الأم أثناء وبعد الولادة ، وقرر حق كل طفل في أن تكون له جنسية، كما له الحق في قدر كاف من الغذاء والمأوى واللعب والخدمات الطبية1.
4-الإعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة الصادر في 1967:
نص على ضرورة القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وإلزام الدول بتعديل وإلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة دون تحديد مصدرها حتى ولو كانت مبنية على الأديان.
كما حث على تحديد سن أدنى للزواج واعترف بحق المرأة في العمل حتى بعد الزواج وكذا إجازة الأمومة وخدمات الحضانة وغيرها.
5-المؤتمرات الدولية حول حقوق المرأة المنعقدة في مكسيكو 1975، نيروبي 1985، بكين 1995:
والتي تدعوا إلى تحقيق المساواة بين الرجال والنساء ونبذ التمييز ضد المرأة ، فعلى سبيل المثال فإن مؤتمر بكين أقر بتنوع أشكال الأسرة وجعل من أهداف المؤتمر وضع سياسات وقوانين تقدم دعما أفضل للأسرة تسهم في استقرارها وتأخذ في الاعتبار تعددية أشكالها، وفسرت التعددية على أنها تمثل زواج المثليين والمعاشرة بدون زواج1.
إضافة إلى اتفاقية سيداو الصادرة في 1979 التي نصت على ضرورة القضاء على الأدوار النمطية للجنسين وعلى نبذ مفهوم الدونية للمرأة ومفهوم التفوق لدى الجنس الآخر، كما دعت إلى مكافحة جميع أشكال الاتجار بالنساء واستغلالهن في الدعارة، وأكدت على الحق في التمتع بالمساواة الكاملة في الحياة السياسية والعامة إلى جانب حق النساء وأطفالهن في التمتع بالجنسية.
كما نصت على حق المرأة في المساواة أمام القانون من حيث الزواج وحقها في التفريق وحل رابطة الأسرة وحقها في اختيار الزوج وبصورة متساوية مع الرجل ودون تمييز بين الطرفين2.
وبخصوص تعدد الزوجات سجلت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في توصيتها العامة رقم 21 بمناسبة دورتها الثالثة عشرة سنة 1994 أن كثيرا من الدول الأطراف في الاتفاقية تنص على المساواة في دساتيرها ولكنها تسمح بتعدد الزوجات استنادا لقوانين الأحوال الشخصية أو العرف ، ولإزالة هذا التعارض دعت الدول الأطراف إلى اتخاذ التدابير الملائمة لتغيير السلوك الاجتماعي والثقافي القائم على فكرة نقص أو تفوق جنس على آخر3.
ثانيا-حماية الأسرة في النصوص الدولية ذات الطابع العربي والإسلامي:
وأهم هذه النصوص:
1-البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1980:
نص هذا البيان على أن الزواج بإطاره الإسلامي حق لكل إنسان وهو الطريق الشرعي لبناء الأسرة وإنجاب الذرية وإعفاف النفس ، ولكل من الزوجين حقوق و وواجبات ، كما نص على واجب الآباء في تربية أبنائهم بدنيا وخلقيا ودينيا ، والإنفاق على زوجاتهم وأبنائهم دون تقتير، وإذا عجز والدا الطفل عن الوفاء بمسؤولياتهما نحوه انتقلت هذه المسؤولية إلى المجتمع وتكون نفقة الطفل على عاتق بيت مال المسلمين.
كما أقر البيان حق كل فرد في الأسرة أن ينال منها ما هو في حاجة إليه من كفاية مادية ورعاية وحنان في طفولته وشيخوخته وعجزه، كما أن للوالدين على أولادهما حق كفالتهما ماديا ورعايتهما بدنيا ونفسيا وللأمومة حق في رعاية خاصة من الأسرة، كما أكد البيان على عدم إجبار الفتى أو الفتاة على الزواج بمن لا يرغب فيه ، وعلى حق الزوجة في النفقة والميراث وإنهاء عقد الزواج وديا عن طريق الخلع وقضائيا عن طريق' التطليق وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية1.
2-الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر في 2004:
جاء في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة منه أن الرجل والمرأة متساويان في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات في ظل التمييز الإيجابي الذي أقرته الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية الأخرى ، والتشريعات والمواثيق النافذة لصالح المرأة ، وتتعهد تبعا لذلك كل دولة طرف باتخاذ كافة التدابير اللازمة لتأمين تكافؤ الفرص والمساواة الفعلية بين النساء والرجال في التمتع بجميع الحقوق الواردة في هذا الميثاق.
كما نصت المادة الثالثة والثلاثين منه على أن الأسرة هي الوحدة الطبيعية والاساسية للمجتمع وأن الزواج بين الرجل والمرأة أساس تكوينها ، وللرجل والمرأة ابتداء من سن بلوغ الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة وفق شروط وأركان الزواج ، ولا ينعقد الزواج إلا برضا الطرفين رضا كاملا لا إكراه فيه ، وينظم التشريع النافذ حقوق وواجبات الرجل والمرأة عند انعقاد الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله.
وقد حثت المادة الدولة والمجتمع على حماية الأسرة وتقوية أواصرها وحماية الأفراد داخلها واتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والقضائية لضمان حماية الطفل وبقائه ونمائه ورفاهه في جو من الحرية والكرامة واعتبار مصلحته الفضلى المعيار الأساسي لكل التدابير المتخذة في شأنه في جميع الأحوال، سواء كان معرضا للانحراف أو جانحا.
وبخصوص الجنسية حثت الفقرة الثانية من المادة 29 من الإعلان الدول الأطراف أن تتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة وبما يتفق مع تشريعاتها الداخلية الخاصة بالجنسية في تمكين الأطفال من اكتساب جنسية الأم مع مراعاة مصلحة الطفل في كل الأحوال1.
3-وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة في 1981:
مما جاء فيها أن لكل طفل على أبويه حق إحسان تربيته وتعليمه وتأديبه، كما منعت تشغيل الأطفال في سن مبكرة وتحميلهم الأعمال المرهقة أو التي تعيق نموهم أو تحول بينهم وبين حقهم في اللعب والتعلم2.
4-التقرير الوطني للجمهورية الجزائرية ردا على الاستبيان الموجه إلى الحكومات بشأن تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيكين 1995:
بداية يجب الإشارة إلى أن هذا التقرير لا يعد نصا قانونيا دوليا إنما أوردناه هنا لتعلقه بمؤتمر دولي وهو مؤتمر بكين حول المرأة المنعقد في 1995، وردا على هذا الاستبيان قدمت الجزائر سنة 2010 تقريرا أعدته الوزارة المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة حول تنفيذ إعلان ومنهاج بكين ، تضمن الجزء الأول منه لمحة عامة عن الإنجازات والتحديات في مجال تعزيز المساواة بين الجنسين ، وتمكين المرأة استنادا إلى بعض المؤشرات أهمها:
أ-اعتماد سياسة وطنية بشأن المساواة وتمكين المرأة: من خلال تبني الحكومة لمقاربة النوع الاجتماعي حيث جاء في برنامجها لسنة 2007 :
- إدماج الطرح الخاص بالنوع الاجتماعي في كافة البرامج الوطنية.
- إزالة العراقيل التي تمنع الاندماج الاجتماعي والمهني للنساء من خلال وضع استراتيجية وطنية.
- تحسين مؤشرات التنمية المتعلقة بالتنمية البشرية وحماية الفئات المحرومة.
- وضع الآليات والهياكل الضرورية الكفيلة بمساعدة وتدعيم النساء اللائي يتواجدن في وضع صعب سواء في المدن أو الارياف.
- مكافحة العنف ضد النساء وتقليص هذه الظاهرة من خلال اتخاذ إجراءات التكفل بالضحايا وكذا وضع سياسة وقائية.
ب-ترقية الحقوق السياسية للمرأة: حيث نصت المادة 31 مكرر من الدستور المعدل في 2008 على أن تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة على أن يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة.
جـ-سحب التحفظ الذي سجلته الجزائر بخصوص المادة 9/2 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والمتعلقة بالمساواة بين حقوق الأم والأب في منح الجنسية الجزائرية للأبناء، وقد تم إقرار هذه المساواة في الجزائر بموجب المادة 6 من قانون الجنسية وأعلن رئيس الجمهورية عن سحب هذا التحفظ بمناسبة الاحتفال بالعيد العالمي للمرأة في 08 مارس 2008.
1. د-مواصلة مراجعة المنظومة التشريعية الوطنية وتكييفها مع التزامات الجزائر الدولية حيث تم إعادة النظر في مجموعة من القوانين لتدارك مواطن النقص التي تتعارض مع مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق ، فقد استحدث قانون الإجراءات المدنية والإدارية قسما لشؤون الأسرة ينظر على الخصوص في كل الدعاوى المتعلقة بالأسرة لاسيما الخطبة والزواج وانحلال الرابطة الزوجية وتوابعها والنفقة والحضانة والكفالة والولاية وحماية مصالح القصر، أما في مجال الأحوال الشخصية فقد جاء الامر 05/02 المعدل والمتمم لقانون الأسرة في موعده ليجسد واحدا من الالتزامات الكبرى من أجل ترقية الخلية العائلية عموما ووضعية المرأة على وجه الخصوص من خلال تعزيز حقوقها في المساواة والمواطنة طبقا لما ينص عليه الدستور (استعادة التوازن في الحقوق والواجبات بين الزوجين، الاعتراف للمرأة بحق إبرام عقد زواجها، توحيد سن الزواج بالنسبة للرجل والمرأة وتحديده بسن التاسعة عشر)1.
1 انظر وسام حسام الدين الأحمد ، حماية حقوق المرأة في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية، ط1، بيروت، لبنان، 2009، ص81، 82 وعبد الجليل مفتاح ، حماية الأسرة في الاتفاقيات الدولية والدساتير الجزائرية، مجلة الاجتهاد القضائي، جامعة محمد خيضر، بسكرة، العدد 07، ص09.
1 الضيف كيفاجي، حماية الأسرة في المعاهدات والمواثيق الدولية، مجلة الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة خنشلة، العدد 07، جانفي 2017، ص240.
2 انظر وسام حسام الدين الأحمد، المرجع السابق، ص 82، 83، 84 و الحسين بن الشيخ أث ملويا ، المرشد في قانون الأسرة، دار هومة ، الجزائر، 2014، ص514 وما بعدها.
3 الضيف كيفاجي، المرجع السابق، ص248.
1 نظر محمد الغزالي، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، دار المعرفة ، الجزائر، 2001، ص182، 183.
1 انظر قرار مجلس الدول العربية بالمصادقة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر في 23 ماي 2004 على الموقع: https:/eos.cartercenter.org…/ACHR2004.
2 انظر عبد الجليل مفتاح ، المرجع السابق، ص 11.
1 لمزيد من التفصيل حول هذا التقرير أنظر، الحسين بن الشيخ ، مرجع سابق، ص579-634.
-
-
-