السيادة
سنتناول في هذا المحتوى مفهوم السيادة وصاحب السيادة.
مفهوم السيادة
ظهرت السيادة كردة فعل للسلطات المطلقة التي كان يتمتع بها البابا والامبراطور ولقد مهد جون بودان لظهورها ويقصد بالسيادة ان الدولة حرة في التصرف داخل وخارج اقليمها في إطار ما تفرضه قواعد القانون الدولي والداخلي، وللسيادة شكليين:
السيادة القانونية: وهي تعني أن الدولة ممثلة في مؤسساتها سلطة إصدار القوانين وتنفيذها وحق معاقبة كل من يخالف هذه القوانين.
السيادة السياسية: وهي ملك للشعب فقط والشعب هنا يؤخذ بمفهومه السياسي، الذي يقتصر على مجموعة الافراد الذين يحق لهم التمتع بالحقوق السياسية ويمرسونها وهذه السيادة تكون اسبق على السيادة القانونية.
أوجه السيادة: لها وجهان:
السيادة الداخلية: معناها ان للدولة السلطة العليا والمطلقة على الافراد والهيئات التي تقع في حدودها اقليمها الجغرافي وعلى هؤلاء الافراد احترام وطاعة الاوامر والتوجيهات ذات الصفة الالزامية التي تصدرها الدولة.
السيادة الخارجية: يعني عدم خضوع الدولة لأية سلطة اجنبية وبالتالي مساواتها بين الدول واستقلالها عنها، فالدولة صاحبة السيادة لا تتلقى اوامر وتوجيهات من الخارج وفي المقابل لا يحق لها التدخل قي الشؤون الداخلية للدول الاخرى ذات سيادة.
ملاحظة: توجد دول ناقصة السيادة وهي الدول المحمية والواقعة تحت الانتداب والوصاية فهي دول لا تتمتع بكامل اختصاصاتها على المستوى الخارجي ونوعا ما تتمتع على المستوى الداخلي إلا المستعمرة فتفقدها من الناحية الداخلية والخارجية.
صاحب السيادة
بمعنى اخر من له حق ممارسة السلطة في الدولة وللإجابة على هذا السؤال ظهرت نظريتان نظرية سيادة الامة ونظرية سيادة الشعب وكلاهما يتفق على رد السيادة لمجموع الافراد لكن الاختلاف يظهر في ما سنتناوله:
نظرية سيادة الأمة
ظهرت هذه النظرية على أنقاض الملكية المطلقة ومحاربة النظام الاستبدادي وترى هذه النظرية بان السيادة لا يمتلكها المواطنين كافة بل هي ملك جماعة من المواطنين نيابة عن الامة باعتبارها كيان مستقل ومتميز عن الافراد وعاجز عن التعبير عن نفسها.
النتائج المترتبة عن الاخذ بهذه النظرية:
ان الانتخاب مجرد وظيفة ولا يمكن ان يكون لكافة المواطنين وانما يمنح لمن له هو اهلا وأكثر جارة.
يعبر المنتخبون عن مجموع الامة بموجب وكالة تمثيلية عامة (الوكالة العامة معناها انه لا يمكن محاسبته ولا تستطيع عزله، بمثل عامة الامة غير ملتزم بتعليمات ناخبيه).
السيادة وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة ولا يمكن التصرف فيها أو التنازل عنها.
الاخذ بهذه النظرية يؤدي الى تقرير مبدأ الاقتراع المقيد بشرط مثلا النصاب المالي أو الاصل أو الجنس.
المنتخب أو الناخب ممثل للامة وليس مجرد نائب عن دائرته الانتخابية. تكريس مبدا سيدة الامة ادى الى استبداد الممثلين بالحكم ومنه اهدار للحقوق والحريات.
نظرية سيادة الشعب
ترى هذه النظرية على ان كل مواطن له ان يشارك في اختيار حكامه تعبيرا عن امتلاكه جزء من السيادة، فالسيادة وفق هذه النظرية تتجزأ وتقسم على افراد الشعب فليست بوحدة واحدة (المقصود بالشعب الشعب السياسي) وهذا ما عبر عنه جون جاك روسو في العقد الاجتماعي بقوله (لو افترضنا ان الدولة تتكون من عشرة الاف مواطن فإن كل مواطن يملك جزء من عشرة آلاف جزء من السلطة ذات سيادة).
النتائج المترتبة عن هذه النظرية:
الانتخابات حق للمواطنين وليس وظيفة، فهو حق لكل فرد من افراد الشعب لأنه يملك جزء من السيادة.
النائب في هذه النظرية وكيل عن الناخبين وممثل لدائرته الانتخابية وبالتالي يرتبط بهم بموجب وكالة الزامية (الاخلال بالالتزام يعرضه للعزل من طرف المنتخبين ويستطيعون عزله عندما يرتكب خطأ).
السيادة قابلة للتجزئة لان كل فرد يملك جزء من السيادة.
الاخذ بهذه النظرية يؤدي الى الاخذ بمبدأ الاقتراع العام (معناه غير مقيد بشروط) هذه النظرية تعرف بما يسمى بالديمقراطية المباشرة، الا انه وجه لها نقد بحكم ان النائب يرتبط بدائرته أكثر ما يرتبط بالأمة مما يجعله يغلب مصالح دائرته الانتخابية الضيقة على حساب الصالح العام.
موقف المشرع الجزائري
نجد بان معظم الدساتير في الوقت الحالي عملت من اجل الدمج بين النظريتين ومثال ذلك الدستور الفرنسي لسنة 1946، بمعنى ان الدستور يأخذ بنظرية سيادة الامة لكن هذه السيادة يمارسها ويتحكم فيها الشعب الفرنسي ليست بسيادة مجردة وخيالية، هذا الدمج ظهر ايضا في دستور 1957 المادة الثالثة من الدستور الفرنسي لسنة 1946 على: «السيادة الوطنية ملك للشعب الفرنسي».
والمشرع الجزائري كذلك عمل من اجل الدمج بين النظريتين في الدساتير الجزائرية المختلفة مع تغليب واضح لنظرية سيدة الشعب، ليس تأثرا فقط بفرنسا، ولكن نتيجة تأثير الفكر الاشتراكي ايضا. ويترتب عن هذا الدمج النتائج التالية: ان الانتخابات يعتبر حق، وهو عاما وليس مقيدا. ان وكالة النواب هي وكالة عامة وليست وكالة الزامية ان الديمقراطية في الدولة هي ديمقراطية نيابية بصفة اساسية عملا بنظرية سيادة الامة، لكن يمكن لرئيس الجمهورية ان يلجأ لاستفتاء الشعبي عملا بنظرية سيادة الشعب ان شكل الحكم هو جمهوري الذي تستعمله نظرية سيادة الشعب.
من ذلك ينص دستور 1989 في المادة السادسة 6 على: «الشعب مصدر كل سلطة» «السيادة الوطنية ملك للشعب».
تنص المواد من دستور 1996 حسب التعديل الاخير المرسوم الرئاسي رقم 20-442 المؤرخ في 30 ديسمبر2020 المتعلق بالتعديل الدستوري:
المادة 07 على: «الشعب مصدر كل سلطة. السيادة الوطنية ملك للشعب».
نصت المادة 08 من الدستور على: «السلطة التأسيسية ملك للشعب، يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها، يمارس الشعب هذه السيادة ايضا عن طريق الاستفتاء وبواسطة الممثلين المنتخبين».
نصت المادة 12 من الدستور على: «الشعب حر في اختيار ممثليه. لا حدود لتمثيل الشعب، إلا ما نص عليه الدستور وقانون الانتخابات».
نصت المادة 13 على: «تستمد الدولة مشروعيتها وسبب وجودها من ارادة الشعب شعارها: بالشعب وللشعب».
نصت المادة 56 على: «لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية الحق في ان ينتخب وأن ينتخب».
نصت المادة 85 على «ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري».
تنص المادة 121 على «ينتخب أعضاء المجلس الشعبي الوطني عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري».