Aperçu des sections

    • البطاقة الفنية للمقياس

       
      Technical sheet of the taught module

      Fiche technique du module enseigné

       

      الشعبة : حقوق

      التخصص :  القانون العـــام

      السداسي : الخامس/السنة الثالثة/ حقوق قانون عام

      الوحدة : التعليمية الأساسية

      المادة : القانون العام الاقتصادي

      طريقة التدريس: محاضرة + أعمال مُوجهة

      المكلف بالتدريس(محاضرة): الدكتور عبدالمجيد صغير بيرم/أستاذ محاضر"أ"

      تاريخ أول تكليف بالتدريس( محاضرة): السنة الجامعية 2016-2017.

      الأرصدة : 06

      المعامل  : 03

      نوع التقييم : متواصل + امتحان

      أهمية تدريس المقياس:

      يكمن أهمية تدريس للمسجلين بالسنة الثالثة/ليسانس حقوق/تخصص قانون عام لتمكينهم من تدعيم معارفهم العلمية والعملية في شعبة القانون العام، وتحديدا في مقياس القانون العام الاقتصادي الذي يُعد مقياسا أساسيا في التكوينات الجامعية لفائدة الطالب الجامعي المسجل بالسنة الثالثة.

       يزداد الاهتمام بالقانون العام الاقتصادي ومحاوره ومضامينه وتكويناته العلمية ذات الارتباط الوثيق بتكوين الطالب الجامعي تكوينا متكاملا  يجعل منه مسؤول الغد في الميدان الاقتصادي و الاداري والاجتماعي في ظل الدولة الحديثة التي يتضاعف اهتمامها بالمواضيع الاقتصادية التي لها علاقة بحياة المواطن ومعيشته وحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية الأساسية. 

       وصف المادة : نتطرق في دراستنا لمقياس القانون العام الاقتصادي للمسجلين بالسنة الثالثة/ليسانس/قانون عام للعناصر التكوينية الآتية: - النظرية العامة لتدخل الدولة  في النشاط الاقتصادي و الإنتاجي و الخدمي، والآليات ، والطرق ؛- أثر الاعلان عن إنشاء المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و المنظمة العالمية للتجارة) في تقليص تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي؛- المركز القانوني للمؤسسة العمومية الاقتصادية في ظل الدولة المتدخلة؛-سلطات الضبط الاقتصادي ودورها في التعديل الاقتصادي وتمكين المتعاملين الاقتصاديين و الاجتماعيين العموميين و الخواص من التواجد بالأسواق المحلية.بالإضافة إلى معرفة حدود وأشخاص القطاع العام الاقتصادي. 

      أهداف التعليم: تمكين الطالب الجامعي المسجل بالسنة الثالثة/ليسانس/قانون عام من الحصول على أوسع معلوم اقتصادية تضاف إلى رصيده التكويني الدراسي و مده بالمعارف العلمية والعملية في كل ما له علاقة بنشأة وتطور النصوص والقواعد القانونية الناظمة للقانون العام الاقتصادي، وطبيعة الممارسة القانونية للأنشطة الصناعية و التجارية، وعلاقة الدولة بآليات وقواعد السوق و الاستثمار و المقاولاتية  إضافة إلى تحديد وضع القطاع العام الصناعي والتجاري في ظل الدولة المُعدلة.

      المعارف المسبقة المطلوبة :يتطلب التكوين الخاص في هذا المجال أن يكون الطالب الجامعي الذي اختار القانون العام على بينة من  المقاييس والوحدات التعليمية الأساسية و الاستكشافية الضرورية لأي تكوين جامعي فاعل وفعال(الاقتصاد السياسي، قانون العمل ومنازعات الضمان الاجتماعي، القانون التجاري، قانون الشركات التجارية، قانون الضبط الاقتصادي).

      وعلى الطالب كذلك أن يكون على بينة من الاعلانات والمواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة بنشأة و تطور القانون الدولي  بالإضافة إلى ما جاء بالميثاق المُؤسس لمنظمة الأمم المتحدة لسنة 1945، و الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية لسنة 1966.

      وسند الطالب الجزائري في موضوعه الدساتير الجزائرية والمواثيق الوطنية ومجموع التشريعات الناظمة للاقتصاد و التجارة و الاستثمار و المقاولاتية من تاريخ استعادة السيادة الوطنية و إلى غاية دستور 2020 وبرامج الإقلاع الاقتصادي.

       

      مصطلحات ضرورية لفهم المحاضرة باللغات الثلاث (عربية، انجليزية وفرنسية)

       

      Terms necessary to understand the lecture in the three languages

                                                       Arabic, English and French

       

      باللغة الانجليزية
      باللغة الفرنسية
      باللغة العربية

      Socialist System

       
      Système socialiste
      النظام الاشتراكي

      Capitalist System

       
      Système capitaliste
      النظام الرأسمالي

      The League of Nations

       
      La Société des Nations
      عصبة الامم

      Public Administrative Establishment

      Etablissement public administrative
      المؤسسة العمومية الإدارية

      Economic Industrial or Commercial Establishment

      Etablissement Public Economique Industrielle ou Commerciale
       المؤسسة العمومية الاقتصادية ذات الطابع الصناعي أو التجاري

      United Nations

      Les Nations Unies
      هيئة الأمم المتحدة
      the Public Economic Sector
      Le Secteur économique public
      القطاع الاقتصادي العمومي
      International Treaty for Civil and Political Rights
      Traité internationale pour les droits civiques et politiques
      العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

      United Nations Charter

       
      Charte des Nations Unies
      ميثاق الأمم المتحدة

      Structural adjustment program

      Programme d’ajustement structurel
      برنامج التسوية الهيكلية

      Privatization of the public economic sector

      Privatisation du secteur économique public
       خوصصة القطاع الاقتصادي العمومي

      International Monetary Fund

      Fond monétaire international
      صندوق النقد الدولي

      World Bank

      Banque Mondiale
      البنك الدولي

      State market capital

      Les capitaux marchants de l’Etat
      رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة

      International Trade Organization

      Organisation Internationale de Commerce
      المنظمة العالمية للتجارة

      Participation fund

      Fond de participation
      صناديق المساهمة

      Holding

      Holding
      الشركات القابضة 

      State equity management company

      Société de gestion des participations de l’Etat
      شركات تسيير مساهمات الدولة 

       

       


    •  بسم الله الرّحمن الرحيم

       

                     والصلاة والسلام على سيّدنا محمد خاتم الأنبيـــاء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد؛

      قال تبارك وتعالى في تنزيله الحكيم: "يرفعُ اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أوتُوا العلمَ درجاتٍ واللهُ بما تعلمونَ خبير"- صدق الله العظيم (المجادلة - 11).

      ها أنذا، وعلى بركة الله أضع تحت تصرُّف الطالب المسجَّل بالسّنة الثالثة ليسانس- تخصص قانون عام، مطبوعةً لفائدتهم في مقياس القانون العام الاقتصادي، بعد أن كُلّفتُ، وللمرَّة الأولى، بتدريس هذا المقياس (محاضرة) من طرف إدارة القسم (قسم الحقوق) للسنة الجامعية 2016-2017، وليتمّ تكليفي بضمانِ تدريسِ المادّة التطبيقية (الأعمال التطبيقية) على مدار سنتيْ 2018 و2019، ولِيُعاد سنة 2020 تمكيني مرّةً ثانية من تدريس المقياس (محاضرة)، وذلك وفقًا لما حدّدت محاورَه الرّئيسة وزارةُ التّعليم العالي والبحث العلمي والموزّع على كلّيات الحقوق والعلوم السّياسية على المستوى الوطني، مع اعتمادي في إعدادي لهذه المطبوعة على ما يُدرس في العديد من أقسام الحقوق على مستوى بعض الكليات من الشرق والغرب والوسط والجنوب الجزائري.

      وكم هو أملي كبيرٌ أن يجدَ هذا العمل العلمي المتواضع الصّدى المعرفي المنتظَر من قِبل المسجَّلين بالسّنة الثالثة من الدّراسات في القانون، وأن تكون المطبوعة زادًا معرفيًا لهم ومرجعًا بحثيًا في تحصيلهم الدّراسي وتكوينهِم الجامعي المتكامل، وأنا كلّي استعدادٌ لتنقيحِ ما يجب تنقيحُه مستقبلًا حتّى تتماشى المادّة واشتراطات التّكوين الجامعي، ولإضافة المعلومة الاقتصادية المستجدّة في حينها حتّى أضمنَ تحيينَ المضامينِ المعرفية لهذا الأساس التّعليمي الأساسي الموضوع، وبالأساس، في خدمة الطالب الجامعي في الليسانس.

      ولأهميّة التّرابط الوثيق بين نشأةِ وتطوّرِ القانون العامّ الاقتصادي وبروزِ الدّولةِ-الأمّة (Etat-Nation) في أوروبا الغربيّة بتأثيرٍ من "مذهب الحريّة الذي ظهرت نتائجُه السّياسية من خلال الثّورتين الأمريكية والفرنسية"،[1] وقيامِ الدّولةِ الوطنية (القُطرية) في أوروبا الغربية والتي جاءت مباشرةً بعد الإعلانِ عن نهاية الحروبِ الدّينية (Les Guerres de religions) والانخراطِ في الثّورة الصّناعية من تاريخ اختراعِ الآلة البخارية، التي أحدثت طفرةً في قيام التّصنيعِ في أوروبا الغربية وتحديدًا في إنجلترا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا انطلاقًا من النّصف الأول من القرن الثّامن عشر؛ فضّلتُ، ولضرورةِ الأهدافِ المحدَّدة من طرف وزارةِ التّعليم العالي لتدريس مقياس: "القانون العامّ الاقتصادي"، تقسيمَ دراستي البحثية هذه إلى فصل واحد، لكنّه فَصلٌ موسَّع ٌيشملُ معالجتَنا للأسئلة المحورية الآتية فضلت أن تكون في شكل محاضرات تتكامل مع طرح أسئلة مختارة الغرض منه طرحا المساعدة في فهم محاور ومضامين الدروس.

      تنظيمُ وإدارة المَحافظِ المالية للدّولة في ظلّ آلياتِ اقتصاد السّوق: صناديق المساهمة؛ الشّركات القابضة العمومية؛ شركات تسيير مساهمات الدّولة والمجمّعات العمومية الصّناعية؛- الإطار القانوني الجديد المنظّم لتسيير وإدارة المؤسسة العامة الاقتصادية؛- الهيئات الوطنية المنظّمة للاستثمار بالجزائر.

      اعتمدتُ في معالجتي لِمحاورِ الموضوع المتعلِّق بالقانون العامّ الاقتصادي على منهجيةٍ متكاملة تأخذ بمنهج الوصف مع التّحليل والمقارنة، بغيةَ تيسيرِ الفهم لموضوعٍ متشابك كالقانون العام الاقتصادي.

      يَشملُ نطاقُ الدّراسة مختلفَ أشكالِ تدخُّل الدّولة في النّشاطِ الاقتصادي والتّجاري والخدمي، قبل وبعد التحوّلات الدّوليّة التي شهدَها العالم، منذ سنة 1989، والإعلان الرّسمي عن تفتّت المجموعة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي العام 1991 وما يعنيه هذا الانهيار لمنظومةٍ اقتصادية وسياسيةٍ واجتماعيةٍ ونقديةٍ وصرفية، كانت تحكُم نصف العالم، والإعلان عن قيام نظامٍ دولي جديد بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية بدعمٍ من النّظام الرّأسمالي، وأدواتُ تدخُّله المُؤسّساتُ المالية العالمية (صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي ومنظّمة التّجارة العالمية) في مجالات النّقد والصّيرفة والمعاملات البنكية والعقود التّجارية الدّولية.

                                                                            وبالله التوفيق والسّداد

      جامعة المسيلة:  فبراير 2022



      [1] فاروق محمد الباشا، التشريعات الاجتماعية- قانون العمل، ط 6، منشورات جامعة دمشق، سوريا، 1991، ص 31.


  • المحاضرة الأولى

    • نشأة وتطور القانون العام الاقتصادي ومصادره الداخلية والدولية

       أهمية المحاضرة الأولى: تتحدد أهمية المحاضرة الأولى بعنوان" نشأة وتطور القانون العام الاقتصادي ومصادره الداخلية و الدولية" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على تأريخية هذا القانون المرتبط ببروز الدولة التي جاءت بديلا  للإمبراطوريات التي كانت سببا في  الحروب الدينية في أوروبا.

       وتكمن أهميّة تدريس هذا القانون في كونه أحد أهم القوانين التي أسّست للدولة الحديثة في أوروبا الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية كمرحلة ثانية، وقبل أن  يتسع هذا المفهوم الجديد في تنظيم المجتمعات المدنية المبنية على حقوق المواطن و العقد الاجتماعي بين الحاكم و المحكوم إلى مناطق واسعة على امتداد القارات الخمس.

      وبالنتيجة يبقى القانون العام الاقتصادي الذي يُعرف بأنه القانون المُنظم لكيفية تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي (إدارة و تمويلا وتسييرا و ضبطا للأسعار ) أحد أهم القوانين المستقطبة للبحث و الدراسة و التحليل.

      نحن أمام قانون عام اقتصادي بخصائص مُتميَّزة ومفهوم خاص يشترط لفهم مضامينه القانونية والمَعرفية الاطلاع والبحث في مفهوم القانون الاقتصادي وعلاقة التأثير والتأثر بينهما.

      عناصر المحاضرة: للمحاضرة الأولى عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى  يصبح هذا المقياس  مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:-تأثير المطلبية الاجتماعية  في فرض تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي؛

      -أهمية المنظومة الفرقية(دولة المرافق العمومية) في تأكيد تواجد الدولة المتدخلة في النظامين الاشتراكي و الليبرالي؛

      -دور الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في مجال التنمية الاقتصادية و الاستغلال السيد للثروات الوطنية لفائدة لأفراد الشعب؛

      - دور وأهمية برامج التنمية الوطنية المُتكاملة بقيادة الدولة في تنمية البلاد و الاستجابة لانشغالات أفراد الشعب؛

      -طبيعة و مهام تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي.

      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:

      *ما طبيعة علاقة التأثير والتأثر بين القانون العام الاقتصادي و مجموع القوانين الأخرى ذات الصلة؟

      * ما مدى اعتبار القانون العام الاقتصادي قانونا مستقلا بذاته عن فروع القانون الأخرى؟

      *ما مدى ارتباط  القانون العام الاقتصادي بالسياسات الاقتصادية العامة للدولة؟

      *ما علاقة  العولمة الاقتصادية بوجود قانون عام اقتصادي  أو عدمه؟

      الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة الأولى في تعريف الطالب الجامعي الذي هو قيد استكمال دراسة الليسانس بأهمية التكوين في مجال القانون الاقتصادي الذي يبقى قانونا مرتبطا بحاضر و مُستقبل المجتمع.

      بالإضافة إلى تعزيز الزاد المعرفي القانوني للطالب الجامعي الذي هو موظف الغد و مسؤول الذي له أن يكون على بينة مِن المواضيع الاقتصادية التي لها علاقة وطيدة بحياة الفرد في المجتمع.

      --------------------   

      تقديم؛

      عرفتِ المنطقة الغربية من أوروبا تطورًا ملحوظًا في الصّناعات النّسيجية والقطنية وتفرّعاتِها المتنوّعة نتيجةَ الاستعمالِ المتصاعد للأداةِ الإنتاجية المبتكَرة في مجال الصّناعاتِ النّسيجية في كلٍّ من إنجلترا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، منذ القرنِ الخامس عشر الميلادي، الذي يعتبرُه المؤرّخونَ قرنَ البداياتِ الأولى للنّهضةِ الصّناعية، والتّأسيسِ لمرحلةِ الليبرالية وقوّةِ رأس المال، وما أعقبها من غزوٍ لمناطقِ نفوذٍ جديدةٍ من العالم (آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية) بغرض البحثِ عن أسواقٍ ومنافذَ جديدةٍ للمنتوجات، ويدٍ عاملةٍ غيرِ مكلِّفة، وموادّ أوّلية للصّناعاتِ النّاشئة.

      هذا وقد جاءت "الدّولةُ الأمّة" (Etat-Nation) كنتيجةٍ لانتهاءِ الحروبِ الدّينيّة في أوروبا، وبدايةِ بروزِ عنصرِ القومية كعنصرٍ مؤسِّسٍ للدّولةِ الحديثة، بفضلِ التّأثيرِ الإيجابي لعصرِ التّنوير في الطّبقةِ السّياسيةِ الحاكمة في الغرب، والتي بدأت تأخذُ بعينِ الاعتبارِ صوتَ المواطن، أيًا كان أصلُه أو مكانتُه في السُّلّم الاجتماعي، في ظلِّ نظامٍ سياسيِ جديد يتبنّى مبدأَ التّمثيلِ الشّعبي، ويقومُ بالأساسِ على عنصرِ الانتخابِ عِوّضَ التّعيينِ بسبب الانتماءِ لطبقةٍ اجتماعية (نبلاءُ وملوك وإقطاعية)، وأنّ "شرعيةَ الملكيةِ القائمة على الانتماء تُستبدلُ بالشّرعيةِ الدّيمقراطية القائمةِ على الانتخابات".[1]

      ومن نتائج هذا التّوسّع في مفهومِ الدّولةِ- الأمّة، وكذلك بسببِ التّطوُّر الحاصلِ في مخرَجاتِ الثّورةِ الصّناعية التي شهدتها أوروبا الغربية تحديدًا (إنجلترا، فرنسا، ألمانيا وإيطاليا، وبعضُ مناطقِ أوروبا الوسطى)، منذ النّصفِ الثّاني من القرن الثّامن عشر؛ أنْ أُعلِن عن تقسيمٍ جديدٍ للمجتمع الغربي يقوم على أساسٍ اقتصادي، بعد أن كان مقسَّمًا- قبلها- على أساسٍ قانوني.[2]

      وهو ما يعني أنّ تقسيمَ المجتمعِ الغربي، وبفضلِ الوافدِ الرّأسمالي الجديد، لم يعد يقومُ على نظامِ الامتيازاتِ القانونية الذي كان قائمًا قبل ذلك،[3] وهو التّقسيمُ الذي كانت تمثّلهُ الطّوائفُ الحرفيّة، وبشكلٍ منظَّم، إلى غاية بروزِ ما أصبح يُعرفُ بالعملِ المأجور (Le travail salarier)، الذي أسّست له الثّورةُ الفرنسية العامَ 1789، والتي ألغتْ نهائيًا الجمعياتِ والطّوائفِ الحِرفيّة بعد أنِ اتّهمتها "بعرقلةِ حرّيةِ العمل وخدمةِ نظامِ الإقطاع والرّقّ".[4]

      وبحلولِ القرنِ التّاسع عشر الميلادي، والذي كان قرنًا للمطلبيّةِ الحقوقية والاجتماعية والاقتصّادية على امتداد العالمِ الغربي، نتيجةَ التّأثيرِ الإيجابي لفلسفةِ التّنوير على صاحبِ القرارِ السّياسي في أوروبا الغربية، بالإضافة إلى تصاعدِ الإضراب كأداةٍ مطلبيّةٍ بغرض تحسينِ ظروفِ وشروطِ العمل؛ بدأ ما أصبح يُعرفُ بالتّدخُّل التّقليدي للدّولة – كقوّةٍ عمومية- في النّشاط الاقتصادي للحيلولةِ دون تفاقمِ الفوارقِ الاجتماعية بين أفرادِ المجتمع الواحد، نتيجةَ ارتفاعِ معدَّلات الاستغلالِ الرّأسمالي لليدِ العاملة من الجنسين على أوسعِ نطاق في العديد من دولِ أوروبا الغربية التي شهدت ثورةً صّناعيّة.

      يُعتبرُ المرفقُ العمومي "أحدَ أهمِّ أوجهِ تدخُّلِ الدّولة في حياةِ الجماعة"،[5] وذلك بغرضِ توفيرِ الخدماتِ الأساسيةِ واللّصيقةِ بحياةِ المواطنِ وضمانِ الخدمةِ العمومية بعدلٍ وإنصافٍ للعامّةِ من المرتفقين، في كلٍّ من إنجلترا وفرنسا وألمانيا في النّصفِ الأولِ من القرنِ التّاسعِ عشر، قبل أن يتمَّ تعميمُ هذا النّموذجِ من تدخُّلِ الدّولة في النّشاط الاقتصادي في عديدِ الدُّول، بعد أن خاضت شعوبُها حروبَ الاستقلال، ومنها الدّولة الجزائرية المستقلّة التي اختارت النّهجَ الاشتراكي في مجال التّنميةِ الاقتصاديةِ والاجتماعية والثقافية، القائمِ  على الملكية العامة لوسائل الانتاج، واحتكار الدولة للتجارة الداخلية والخارجية، واعتبار المؤسسة العمومية الاقتصادية والإدارية والخدمية بمثابة الذراع الاجتماعي للدولة الاشتراكية وأداتها القانونية الفضلى في تنفيذ برامجها التنموية(الثلاثية والرباعية والخماسية).

      وعليه جاء تنظيم المؤسسة العمومية الادارية و الاقتصادية على هذا النحو:- المؤسَّسةِ المسيَّرةِ ذاتيًا (الفترة الزّمنية الممتدّة من سنة 1962 وإلى غايةِ سنةِ 1966) التي كانت أول ذراع اقتصادي واجتماعي للدولة الجزائرية المستقلة في مواجهتها  لمتطلبات الاستقلال الفلاحي(اعتماد التسيير الذاتي في الميدان الفلاحي للحيلولة دون انهياره) و ضمان حركية الانتاج  الفلاحي لتلبية الحاجيات الغذائية للشعب الجزائري؛ -المؤسَّسةِ العموميةِ ذاتِ الطّابَعِ الصّناعي أو التّجاري(وهو نموذج مُعتمد في الأنظمة الليبرالية والاشتراكية على حدٍ سواء بفضل مرونتها وقدرة التكيف وطبيعة النظام السياسي القائم)؛ -الشّركةِ الوطنِية (وهو النموذج الذي كان متواجِدا بالجزائر قبل استعادة السيادة العام 1962 وقد حافظت عليها الدولة الجزائرية المُستقلة، ومكنتَها من التواجد القوي على امتداد الساحة الوطنية لحيويتها ومرونتها واستجابة أجهزتها (إدارة وتداولا) لمتطلبات التنمية الاشتراكية التي استدعت اللجوء إلى نموذج الشركة الوطنية و تشجيع تواجدها على امتداد الوطن الجزائري بعد التأميمات الكبرى للمناجم و النفط و النقل البحري؛ والمؤسَّسةِ الاشتراكية (بموجِب أحكامِ الأمر رقم: 71-74، المؤرّخ في 16 نوفمبر 1971) التي كان لها الأثر الكبير في تعزيز وتطوير البنية الاقتصادية الأساسية وتوسيع النسيج الاقتصادي والتجاري و الخدمي العمومي بغرض المساهمة في فك العزلة على أبعد المناق الداخلية، كما مكنت المؤسسة الاشتراكية  ممثلي العمال عبر المجالس العمالية من المشاركة في أجهزة المداولة على مستوى المؤسسة الاشتراكية؛ قبلَ الانتقالِ إلى المؤسَّسةِ العموميةِ الاقتصادية العام 1988 والتي كانت بمثابة مفتاح الاصلاحات الاقتصادية، وبداية انفتاح اقتصادي على العالم عبر تمكين المؤسسة العمومية الاقتصادية مِن التمتع بالشخصِية المعنوية بما تعننيه من الحق في التعاقد والتملك واللجوء إلى القضاء، كما جاء هذا القانون الإصلاحي في المجال الاقتصادي بعد تصديق الدولة الجزائرية على اتفاقية نيويورك لعام 1958 (بموجِب أحكامِ القانون رقم: 88-01، المؤرّخ في 12 جانفي 1988، المتضمِّنِ القانونَ التّوجيهي للمؤسَّساتِ العموميةِ الاقتصادية [الجريدة الرّسمية للجمهورية الجزائرية، عدد 02]).

      جاءت أحكامُ التّعديلِ الدّستوري لِسنة 1989 معزِّزةً للدّور الاجتماعي للدّولة (Le rôle social de l’Etat)، في ظلِّ هذا التّعديلِ الدّستوري الذي رسّخَ مبدأَ الفصلِ بين "الدّولة باعتبارها قوّةً عمومية، والدّولة باعتبارها المالكَ لرأسمالِ المؤسَّساتِ الاقتصاديةِ والتّجارية".[6]

      ومن أهم ما جاءت به التعديلات الدستورية لسنة 1989 التي لها علاقة وطيدة بالتأسيس لقانون عام اقتصادي في دولة مُعدلة ومُنظمة في مجال الاقتصاد والتجارة و قطاع الخدمات:-انسحاب الدولة من الفضاء الاقتصادي كمتعامل محتكر للنشاط الاقتصادي والإنتاجي والخدمي دون أن يعني ذلك تركها المجال دون رقيب وحسيب، تاركة مجال العمل وإنشاء الشركات والمقولة للمتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين من القطاعين العمومي و الخاص ، والسماح لأصحاب العمل من تأسيس اتحادات وكفدراليات  نقابية للدفاع عن مصالحهم المادية و المعنوية.-الاقرار الدستوري للحق في الملكية الفردية و الجماعية وضمان حمايتها قانونا وتمكين المبادرة الخاصة من ولوج عالم الأعمال في إطار ضوابط القانون والتنظيم.   

      ولِمعالجةِ هذا البروزِ المتسارعِ لنظرية الدّولة وصيَغِ تدخُّلها في النّشاطات الاقتصاديةِ ضِمنَ المحورِ الموسوم بـ: "القانون العام الاقتصادي: النّشأة والتّطوُّر ومصادرة الداخلية"؛ فضّلتُ إلقاءَ الضّوءِ على ظروفِ النّشأةِ والتّطوُّر لهذا القانون بإنجلترا (بريطانيا بعد التّوحيد) في مبحث واحد حتى أسمح للطالب الجامعي المسجل بالسنة الثالثة/ليسانس/ قانون عام من فهم طبيعة الظروف السياسية و الاقتصادية و الثقافية لتي ساعدت في بروز النصوص الأولى لقانون عام اقتصادي في بلدان كانت مهدا للصناعة، ومثل ذلك إنجلترا  التي كانت مهدًا لأولَى العهودِ والمواثيقِ والإعلاناتِ الخاصّة بالحقوقِ الأساسيةِ للفرد، والإقرارِ بالحقِّ في المِلكيةِ الفردية ابتداءً من النّصفِ الثّاني من سنة 1215،كما كانت الحاضنةَ للثّورة الصّناعية بفضل اكتشافِ الآلة (La machine)، والانتشارِ الواسعِ للقطاعِ الاقتصاديِ العمومي، إلى غايةِ سبعينياتِ القرنِ الماضي. كذلك فرنسا التي شهدت بدورها نموًا متسارعًا للقطاعِ العمومي الاقتصّادي بعد الحربِ العالميةِ الثّانية.

      ازداد التّدخُّل في النّشاطِ الاقتصادي في كلٍّ من إنجلترا وفرنسا والولايات المتّحدةِ الأمريكية إلى أن وصلت حصّةُ الإنفاقِ العمومي خلال القرنِ التّاسعِ عشر - وهو قرنُ الليبرالية والعودةِ القويّة لمفهـوم الدّولة صاحبةِ السُّلطةِ والسّيادة- من النّاتجِ المحلّي الخام بين 08% في الولايات المتّحدة الأمريكية، و15% في فرنسا،[7] وذلك لمواجهةِ الآثارِ السّلبيةِ لتقسيمِ المجتمع على أساسِ "معيار من يملك لا مَن يشتغل أو يعمل".[8]

      ولأهميّةِ الإحاطةِ بظروفِ نشأةِ وتطوُّرِ القواعدِ القانونية الأولى النّاظمةِ للقانون العامّ الاقتصادي بأوروبا الغربية، التي شهدَ جزءٌ واسعٌ منها مظاهرَ النّهضةِ الصّناعية؛ فضّلتُ التّقسيمَ الآتي لهذا المبحث في شكل فروع  بحثية  مختصرة الغرض من دراستها تمكين الطالب  من الأبعاد التاريخية ذات الصلة بالتأسيس القانوني لما أصبح يُعرف بالقانون العام الاقتصادي . 

      الفرع الأول: المظاهر الأولى لتدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية

       

      لقد كان لهذا التّقسيمِ القانوني الذي أفرزَ الانقسامَ الطّبقي (طبقة بورجوازية غنيّة ومالكة لرأسِ المال والأداةِ الصّناعية في مقابلِ طبقةٍ عاملةٍ لا تملكُ إلّا قوّةَ عملِها تقترحُه للبيع مقابلَ أجر)؛ الأثرَ السّلبي على الفئاتِ الاجتماعيةِ الضّعيفة (العمّالُ ومختلفُ الفئاتِ الاجتماعيةِ والمهنيةِ الضّعيفة) بسببِ الاستغلالِ البشِع لقوّةِ رأسِ المال لليدِ العاملة (نساءً ورجالًا وأطفالًا)، الأمرُ الذي دفع العمَّالَ الأجراءَ للُّجوءِ إلى تحطيمِ الآلةِ الإنتاجية تارةً وتعطيلِها بالاحتجاج تارةً أخرى، بغرض إلحاقِ الضّررِ بصاحبِ العمل (الرأسمالي)، للانتقامِ من حالةِ الاستعبادِ التي مثّلتْها الآلةُ الجديدة،[9] فكان الإضرابُ أحدَ أهمِّ الوسائلِ التي استعملتها الطّبقةُ العاملة في مواجهتِها للاستغلال الرّأسمالي.

      كانت إنجلترا سبّاقةً في استكمالِ شروطِ النّهضةِ الاقتصادية، منذُ بزوغِ عصرِ الاستكشافاتِ العلمية التي وجدت في المجتمعِ الإنجليزي الحاضنةِ لكلِّ ما هو جديد، كما كانت بريطانيا ثانيَ دولةٍ أوروبية غربية، بعد مملكةِ هولندا التي بادرت إلى إنشاءِ الشّركة الهولندية للهندِ الغربية (La Compagnie Hollandaise des Indes Occidentales) في حدودِ الرُّبعِ الأول من القرن السّابع عشر (قرنُ التّوسُّع الرأسمالي)؛[10] تصدرُ قانونًا خاصًّا ينظِّمُ امتيازَ الشّركاتِ العابرة للأوطان، الذي جاء عاكسًا لإرادةِ التّوسُّعِ البريطاني بغرض البحثِ عن أسواق جديدةٍ للمنتجاتِ البريطانية وتوريدِ المادّةِ الأوليةِ الموجودة في شبه الجزيرة الهندية، فكان أن أسهمتِ الحكومةُ البريطانية في تأسيس إحدى أكبرِ الشّركاتِ الرّأسماليةِ العابرةِ للأوطان، وهي الشّركةُ البريطانية للهند الشّرقية سنة 1600،[11] لتكون ذراعَها الاقتصادي والتّجاري وجلبِ المادّةِ الأولية من المستعمرات.

      إنّ ما يميّز الملَكية (النّظامَ الملكي) في هذا البلد، أنّها كانت تتعامل مع المطلبيّة الحقوقية والاجتماعية والسياسية للأفراد الإنجليز والبريطانيين بشيءٍ من التّفهُّم بعيدًا عن القمعِ السُّلطويّ (La répression autoritaire) كالذي كان يحدث بفرنسا اليعقوبية (L’Etat jacobin) التي تميّز ملوكُها وجمهوريوها (اليمينُ واليسار) على حدٍّ سواء، بالغطرسة والتعالي الطبقي، واستعمالِ العنفِ ضدّ الفئاتِ الشّعبية الدُّنيا، أيًا كان أصلُها الاجتماعي والدّيني، منذ تاريخِ الإعلانِ عن قيامِ الثّورةِ الفرنسية العامَ 1789.

      أقرّت إنجلترا مجموعةً من الحقوق الفردية والجماعية للفرد الإنجليزي، ابتداءً من سنة 1215، فأصبحت بذلك مهدًا "للعديد من الوثائق الأساسية في مجال الحرّيات الأساسيّة".[12]

      وهي مواثيقُ وعهودٌ تبقى، وإلى يومنا هذا، محلَّ اهتمامٍ من لدنِ الدّارسينَ والباحثينَ في الشّأنِ الحقوقي على الصّعيد الدّولي. إنجلترا، وقبل فرنسا، وبسبب الانتشار الواسع للورشات الصّناعية، وفروع الحدادة المكتظّة باليدِ العاملة من الجنسين في مصانع النّسيجِ والغزْلِ والصّوف؛ عرفت توسُّعًا في المطلبيةِ الاجتماعية والحقوقية، نتيجةَ بدايةِ تشَكُّلٍ لطبقةٍ عاملةٍ بدأت تعي بأهمّيتها (بسبب العدد) ضدّ قوّةِ رأسِ المال. كما عرفت ورشاتُ الغزْلِ والنّسيج في منطقتي يوركشاير ولانكشاير في أواخر القرنِ الثّامنِ عشر[13] أُولى حالاتِ الإضرابات العنيفة وتحطيمِ الآلةِ الإنتاجيّة الجديدة، في قطاعات الغزلِ والنّسيج، التي اعتبرها العمّالُ أداةً للاستغلال والهيمنةِ الرّأسمالية.

      ومن العهودِ والعرائضِ والمواثيقِ التي عرفتها إنجلترا، والتي أسهمت وبدرجة كبيرة في الاعترافِ الحكومي بمجموعةٍ من الحقوقِ الأساسية للإنسانِ الإنجليزي، والدّفعِ بالسُّلطاتِ العمومية إلى مزيدٍ من الاهتمام والانشغالِ بالمطلبيةِ الحقوقيةِ والاجتماعية لمختلفِ الفئاتِ الاجتماعية للمجتمع الإنجليزي، أذكر الآتي:

      - عهد الماكما كارتا (Magma carta) لعام 1215:

      وهي وثيقةٌ حقوقيّة أساسيّة حرّرها ممثِّلو طبقةِ الإقطاعيين بغرض تحديدِ السُّلطاتِ الواسعة التي كان يحوزُ عليها الملِكُ المستبدّ المعروفُ بلقب "Le Roi Jean sans terre"، وقد كان لها (لهذه الوثيقة الحقوقية) الأثرَ البالغَ في الإقرار بالعديد من الحقوقِ الأساسيةِ اللّصيقةِ بالإنسان كالحقِّ في الحرّيةِ الفردية (حرّيةُ انتقادِ الملِك وإبداءِ رأيٍ معارض، والحقُّ في الملكيةِ الفردية، والحقُّ في التّجارة...)، بالإضافةِ إلى ضمان الحرّيةِ الشّخصية للأفراد؛

      - عريضة الحقوق لعام 1628 (Petition of Rights): وهي عريضةٌ حقوقيّةٌ تاريخيّة أسّستْ لمنظومةٍ حقوقيةٍ أساسية في إنجلترا، أجبرتِ الحكومةَ الإنجليزية بقيادة شارل الأول على إلغاء جبايةِ ضريبةٍ لم يصوّت البرلمانُ عليها؛

      - شرعيةُ الحقوق (Bill of Rights) لعام 1689: وقد كانت محلَّ تصديقٍ برلماني بتاريخ 25 أكتوبر 1689، وإنّ أهمَّ ما جاء فيها تحريمُ أيِّ تعليقٍ لمفعولِ أيِّ قانونٍ من طرف الملك، بالإضافة إلى تحريمِ فرضِ أيّةِ ضريبة، أو إنشاءِ محاكمَ دون موافقةِ البرلمان، مع ضمانِ الحرّياتِ الشخصية، والحقِّ في تقديم المواطن لعريضة. وكأثرٍ مباشِر للعرائض والإعلانات ذاتِ المضمونِ الحقوقي المساعدِ للمطلبيّةِ الاجتماعية في إنجلترا، بادرت مجموعةٌ من الخياطينَ على مستوى مقاطعةِ لندن العام 1820، بتقديمِ عريضةٍ مطلبيةٍ مهنيةٍ واجتماعية بالنّيابة عن سبعةِ آلافِ (7000) خيّاط إلى البرلمان، جاء فيها: "إنّ عمّالَ الخياطةِ في المدنِ وضواحيها، الذين تنادوْا لتأليفِ جمعيةٍ بقصدِ زيادةِ أجورِهم وتخفيضِ يومِ العمل ساعةً واحدة..."،[14] بالإضافة إلى طلبِ الإقرارِ بحقِّ الاجتماعِ لأصحاب المهنةِ الواحدة (Le droit de réunion)؛ في الوقتِ الذي كانت فيه الدّولةُ الفرنسية تمنعُ أيَّ شكلٍ من أشكالِ التّكتُّل (Le droit à la coalition) بين أصحابِ المهنةِ الواحدة، بل وتقومُ بتجريمِه، إلى غاية تاريخ 21 مارس 1884 (تاريخ الإقرارِ القانوني بالحرّيةِ النّقابية والحقِّ في التّنظيم، بموجِب أحكامِ قانونٍ يُعرفُ بقانون والداك روسو-Waldeck Rousseau).

      إنّ أهمَّ نتيجةٍ لهذا التّحرُّكِ الحقوقي والاجتماعي ضدّ تغوُّلِ قوّةِ رأسِ المال، الأولِ من نوعه على امتدادِ السّاحةِ الأوروبية، والدّاعي إلى ضرورةِ السّماحِ بالحقِّ في التّجمُّع (Le droit à la réunion) من أجل انتخابِ ممثِّلينَ عن أصحابِ المهنة (مهنة الخياطة) للدّفاعِ عن المصالحِ المادّيةِ والمعنوية للعمّالِ الأُجراءِ على مستوى هذا القطاع؛ كانت نتيجتُه أنْ سمحتِ الحكومةُ الإنجليزية بالحقِّ في التّجمُّع لعمّالِ المهنةِ الواحدة، والمتشابهة، بدءًا من سنة 1825-1826، وأقرّت دون نصٍّ قانوني "للاتّحاداتِ النّقابيةِ العمّالية الحقَّ في المفاوضةِ الجماعية، دون تمكينِها من الأهليةِ المدنيّة".[15]

      وهو ما يعني أنّ الحكومةَ الإنجليزية قد مكّنتِ النّقاباتِ العمّالية من ممارسةِ الحقِّ في التّفاوضِ الجماعي، قبلَ أن تسمحَ به السُّلطاتُ الفرنسية للنّقاباتِ العمّاليةِ الفرنسية بحواليْ نصفِ قرن. وهو الأمر الذي مكّن  أيضا إنجلترا من أن تشهدَ توسُّعًا في القطاع الاقتصادي العمومي وفي إدارةِ أهمِّ القطاعاتِ الاستراتيجية ذاتِ العلاقةِ الوطيدةِ بالحياةِ اليوميةِ للإنسانِ الإنجليزي والبريطاني بصفةٍ عامّة، بعد أن اعترفتِ الاتّحاداتُ والمنظَّماتُ النّقابيةُ العمّالية التي كانت ذاتَ نزعةٍ عُنفوية فيما يخصُّ الجانبَ المطلبي، على إثر خسارتِها الصّراعَ مع السُّلطاتِ العمومية سنة 1848؛ بالرّأسمالية كواقعٍ يجب التّعايشُ معه والاستفادةُ من حقوق المواطنةِ الكاملة، وألغت بذلك نهائيًا من قاموسها مفهومَ "الصّراعِ الطّبقي الذي يُعدُّ أساسَ النّظريةِ الماركسية.ولم تدّخرِ الحكوماتُ الإنجليزية المتعاقبةُ - العمّالية منها بالخصوص- جهدًا في مجال تعزيزِ تدخُّلِ الدّولة في النّشاطاتِ الاقتصاديةِ بصفةٍ عامّة، وفي المجالاتِ الحيويةِ المرتبطةِ بالمواطن الإنجليزي، وأهمُّها: مجالُ الصّحّةِ العمومية، والنّقلِ بالسّككِ الحديدية، والنّقلِ البرّي والجوّي والبحري. بل كانت بريطانيا، ومنذُ تاريخِ الوَحدة مع إسكتلندا وضمِّ الجزءِ الشّمالي من إيرلندا، وإلى غايةِ وصولِ السّيدة مارغريت تاتشر إلى سِدّةِ رئاسةِ الحكومةِ البريطانية العامَ 1979،كانت بريطانيا الدّولةَ الأوروبيةَ الغربيةَ الوحيدة التي تتبنّى النّظامَ الرّأسمالي القائمَ على الحرّيةِ الاقتصاديةِ الفردية، إلّا أنّها كانت متميّزةً بوجود قطاعٍ عامٍّ اقتصادي واسعِ النّطاق، يشملُ النّقلَ العمومي، التّعليم، الصّحّة وإدارةَ وتسييرَ الموانئ والمطارات.

       

      الفرع الثاني: بريطانيا وأول تجربة للخوصصة بدعم من المؤسسات المالية العالمية

      سعت رئيسةُ وزراءِ بريطانيا السّيدة مارغريت تاتشر، بعد التّنصيبِ الرّسمي لها بتاريخ الرّابع من شهر ماي 1979، إلى الحدِّ من دورِ الدّولة في النّشاط الاقتصادي، من خلال اعتمادِ أحدِ أكبرِ برامجِ الخوصصة للمؤسّساتِ والقطاعاتِ الاقتصاديةِ العمومية بدعمٍ "من المؤسّساتِ الماليةِ العالمية".[16]

      لقد وجدتِ الحكومةُ البريطانية في تنفيذ سياساتِ الخوصصة للقطاعِ العمومي الاقتصادي، والتّنازلِ عن الإدارةِ المباشرة للمرافقِ العمومية من طرف الدّولةِ كقوّةٍ عمومية، كلَّ الدّعمِ السّياسي والمؤسَّساتي من الرّئيس الأمريكي الجمهوري رونالد ريغن (الفترة الرئاسية 1981-1989)، والذي كان مدافعًا شرسًا على حريّةِ المبادرةِ الخاصّة والاستثمار، وعدمِ تدخُّلِ الدّولة في إدارة وتسييرِ النّشاطاتِ الاقتصادية بأيِّ شكلٍ كان. وبالإضافةِ إلى ما تلقّتهُ رئيسةُ الحكومة البريطانية من دعمٍ ماليٍّ وخِبراتي (خِبرة) من جانب خبراءِ المؤسَّساتِ الماليةِ العالمية الذين وجدوا في التّجربةِ البريطانية في مجالِ الخوصصة، النّموذجَ الذي حاولوا فرضَه في دوَلٍ أخرى (أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا...)؛ واجهتْها أزماتُ تمويلٍ مالي وعجزٍ كبيرٍ في الميزانية العامّة للدّولة، أو عُسرٍ اقتصادي، أدّى إلى عدمِ القدرةِ على سدادِ الدّيْن الخارجي، وذلك بواسطة ما أصبح يُعرفُ بـ"برامج التّسوية الهيكلية أو التّثبيت الهيكلي".[17]

      هذا ويتمُّ التّأريخُ للعودة القويّة للمؤسَّساتِ المالية العالمية (صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي) لسنة 1974، بعد أن واجهت أوروبا والولاياتُ المتّحدة الأمريكية أزمةَ تمويلٍ اقتصادي عالمي بسببِ استعمالِ العرب للنّفط في مواجهةِ الغربِ الدّاعمِ لإدارة الاحتلالِ الإسرائيلي سنة 1973 (حرب أكتوبر 1973).

      الفرع الثالث: المظاهر الأولى لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بفرنسا

      ألغت الثورة الفرنسية العام 1789 الطوائف الحرفية التي لم تتمكن من مواكبة التطوّر الرأسمالي، وعوّضتها بنظام قانوني جديد يقوم على عقد العمل الفردي، فأنشأت لذلك سوقًا مأجورةً للعمل (Un marché de travail salarié - travail contre salaire-)، من خلال التّنصيص على مبدأ حرية العمل سنة 1791 (مراسيم دالارد لعام 1791 Les décrets d’ Allard)، بالإضافة إلى قانون لوشابليي (Loi Le Chapelier)  لعام 1791[18] الذي أقرَّ وجودَ تنظيماتِ الأجَراء، حتى وإن كان لم يعترف بعد بالحق في التّكتّل (Le droit à la coalition)، والإضراب، وذلك من منطلق أنّه لا يجب أن تتدخل الدولة في كل ما يتعلق بإبرام عقد العمل الفردي.

      - الثورة الاجتماعية لعام 1848 وبداية تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي: لم تشهد فرنسا استقرارا اجتماعيا منذ بروز المظاهر الأولى للثورة الصّناعية في أوروبا الغربية بسبب عنف السلّط السياسية الحاكمة في هذا البلد، كما أن ثورة 1789 لم تغيّر من الوضع الاجتماعي المأساوي الذي كان يتخبط فيه شريحة اجتماعية ومهنية وحرفية واسعة بسبب سيطرة  الطبقة الرأسمالية على مقاليد الحكم. ومن مظاهر التأثير الواسع في طبيعة الدولة الذي أحدثه" مذهب حريّة التعاقد على مدار النصف الثاني من القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر"[19] أن أمتنعت الدولة الفرنسيّة من أن تتدخل في النشاط الاقتصادي، مباشرة بعد قيام ثورة 1789، التزاما منها بشعار مبدأ المساواة وعدم التأثير على مبدأ حرية التعاقد، إلا أن استئثار الرأسمالية الفرنسية بقوّة تفاوضية كبيرة في مواجهة العامل الأجير، قد أجبرها، وبعد الثورة الاجتماعية الكبرى العام 1848 (التي كانت نتائجها وخيمة على الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي التي شهدت إصدار أول حكومة فرنسية وليدة إعلان قيام الجمهورية الثانية لمجموعة نصوص تشجّع الاستيلاء على الأراضي الجزائرية)[20]، على أن تتدخل في النشاط الاقتصادي بغرض تحقيق التوازن بين رأس المال وقوّة العمل، والحيلولة دون انفجار المجتمع الفرنسي بسبب تزايد معدلات الفقر واتساع البطالة بسبب الانهيار الاقتصادي.[21]

      وبالعودة إلى القانون المدني الفرنسي لعام 1804 (الصادر بتاريخ 21 مارس 1804) فقد جاء خاليا من أي تنظيم لعقد العمل، أو أي شكل من أشكال الحماية القانونية للأجير، بل جاء فيه (نص المادة 1781 منه) أنّه في حالة حدوث خلاف بشأن الأجر بين صاحب العمل (رب العمل) والأجير، فإن صوت صاحب العمل هو الذي يكون محل اعتبار أمام المحكمة (قامت السلطات العمومية الفرنسية بإلغاء هذا النص في شهر جويلية 1868).

      وجدت السلطات العمومية بفرنسا نفسها في مواجهة مطلبيّة حقوقيّة واجتماعيّة متصاعدة أجبرتها، بعد تشكيل أول حكومة فرنسية انبثقت عن قيام الجمهورية الثانية العام 1848،إلى المزيد من التدخل في الشأن الاجتماعي للحيلولة دون أن تتفجّر الأوضاع المعيشيّة المترديّة.

      ومن أوجه هذا التدخل الذي كان له تأثير فاعل في طبيعة النشاط الاقتصادي للدولة، بعد إعلان قيام الجمهورية الثانية العام 1848 بفرنسا، الآتي:

      -إنشاء صندوقين للتأمين من حوادث العمل (جويلية 1868)؛

      - إنشاء أول سلك لتفتيش العمل وإصدار قانون يمنع منعا باتا تشغيل الأطفال لمن هم دون سن الـ12 سنة (سنة 1874)؛

      -اعتماد أول قانون حول التأمين من حوادث العمل (27 جوان 1884)؛

      - اعتماد السلطات العموميّة الفرنسية مبدأ التسيير المباشر للمرافق العمومية سيّما بعد سنة 1848، كما عرفت التجربة الفرنسية ما أصبح يعرف بعقد امتياز المرفق العمومي(Concession de service public)[22] ؛

      - إصدار قانون ينظم شروط الأمن والوقاية في أماكن العمل (12 فبراير 1893)؛

      - إصدار قانون حول حوادث العمل، وقد حدّد المشرع الفرنسي في هذا القانون، وللمرّة الأولى، مسئولية تنظيم العمل داخل الورشة أو المصنع-مكان العمل- لصاحب العمل؛

      -الاعلان عن إنشاء المجلس الأعلى للشغل (بتاريخ الفاتح من سبتمبر 1899)؛

      - تخفيض الحجم الساعي اليومي للعمل إلى 11 ساعة عمل في اليوم (بموجب قانون Millerand بتاريخ 30 سبتمبر 1900) بالإضافة إلى تخفيض الحجم الساعي اليومي للعمل إلى ثماني (8) ساعة عمل بالنسبة للأحداث(بموجب قانون صادر بتاريخ 29 جوان 1903)؛

      - إصدار قانون 13 جويلية 1906 المتعلق بالإقرار الرسمي لنهاية عطلة الأسبوع المحددة بـ24 ساعة راحة مدفوعة الأجر، والإعلان عن إنشاء وزارة للعمل والحيطة الاجتماعية (Ministère du travail et de la prévoyance sociale)،وإصدار أول قانون للعمل ينظم علاقات العمل في القطاعين العمومي والخاص بتاريخ 28 ديسمبر 1910.[23]

      - الحرب العالمية الأولى (1914/1918) وتدّخل الدولة في النشاطات الاقتصادية: بادرت السلطات العمومية الفرنسية، وبغرض تجاوز حالة الدمار الواسع ،وبعد التوصل إلى معاهدة فرساي العام 1919 التي أنهت الحرب العالمية الأولى والإعلان عن إنشاء عصبة الأمم والتوصيّة بإنشاء تنظيم دولي يعنى بشؤون العمل (وهي التوصية التي تكللت بالإعلان عن إنشاء المنظمة الدّولية للشغل العام 1919)،[24] إلى اعتماد سياسات عامة تقوم على إعطاء الأولوية للاستثمارات العمومية في المجال الاقتصادي لتعويض غياب القطاع الخاص الفرنسي (الذي خرج من الحرب العالمية الأولى منهك القوى وضعيف) عبر النماذج الآتية من المؤسسة العامة- العمومية- الإدارية والاقتصادية:

      - تبني الدولة الفرنسية لمبدأ الاستثمار العمومي الاقتصادي بغرض محو آثار الدمار الذي تسببت فيه الحرب العالمية الأولى (1914-1918)؛

      - تعزيز دور ومكانة المرافق العمومية الادارية والصّناعية ضمن الهدف العام الذي حددته الدولة الفرنسية والقاضي بتكفل السلطات العمومية بكل ما يتعلق بالتسيير المباشر- باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة- لمرافق عموميّة يتحدد وجودها في إشباع مصلحة عامة؛[25]

      - استحداث حكومة الجبهة الشعبية (بعد الانتخابات التشريعية الفرنسية:03 ماي 1936) للدواوين العمومية،[26] وكان الهدف من إنشائها أن تتكفّل الدولة الراعية (صاحبة السلطة والسيادة) بمسائل تنظيم وتوزيع واستيراد موّاد حساسة كالقمح والدواء والقطن.

       بالإضافة إلى تمكين الدولة من أن تتحكم في إنتاج وتوزيع الموّاد ذات الاستهلاك الجماهيري الواسع (ومن أهم هذه الدواوين التي أنشأتها السلطات العمومية الفرنسية: الديوان الفرنسي للحبوب؛

      - دعم وتعزيز المؤسسة العمومية الإدارية (Etablissement Public Administratif) التي لها القدرة على أن تكون متواجدة في كل الأماكن التي ترى السلطات العمومية ضرورة تواجدها بغرض ضمان السيرورة الاقتصادية الاجتماعية والخدمية (صيانة الطرق والجسور، وتعبيد طرق بلدية وضمان صيانتها دوريا، وفك العزلة عن المناطق الجبلية، وتوصيل مياه الشرب، والسقي، وتصريف المياه القذرة وتنظيف المجاري وإضاءة الطرق والأحياء السكنية.. إلخ).

      فالدولة هي التي كانت تقوم بإنشاء المؤسسة العامة الادارية، وهي كذلك التي تقوم بتوظيف أعوانها ومستخدميها بالإضافة إلى ضمان مرتباتهم ومنحهم وتأمينهم اجتماعيا، وذلك من منطلق ضمان الخدمة العمومية للمواطنين مقابل ثمن رمزي لا يغطي تكلفة الخدمة، وكل ذلك بغرض تحقيق المنفعة العامة (L’intérêt général) التي يعرفها مختص في قانون المرافق العمومية بالآتي:

      "هي أنواع النشاط أو الخدمات التي يقدر الرأي العام في وقت من الأوقات وفي دولة معيّنة، أن على الدولة القيام بها نظرا لأهميتها للجماعة ولعدم امكانية تأديتها على الوجه الأكمل بدون تدخل الدولة المتزايد في المجالات المتروكة للأفراد خاصة، وأن تقدير أهمية الخدمات التي يجب اشباعها عن طريق المرافق العامة هو بيد الدولة، فهي بذلك تلك الخدمات التي يعجز الأفراد بوسائلهم الخاصة عن اشباعها".[27]

      هذا ويقدم الدكتور عيسى ريّاض (جامعة مولود فرعون– تيزي وزو) التعريف الآتي للمؤسسة العامة الاقتصادية: "المؤسّسة العامة الاقتصادية هي مرفق عام يدار عن طريق منظّمة عامّة و يتمتع بالشخصية المعنوية وله ميزانية مستقلّة"؛[28]

      - الاعتماد على المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي أو التجاري، وهي مؤسسة انتشرت بكثرة بفرنسا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وذلك لمرونتها (تأسيسا وإدارة وتشغيلا للأعوان والمستخدمين). فهي خاضعة للقانون العام في كافة تعاملاتها مع الدولة و تفرعاتها المختلفة، ولكّنها تخضع كذلك للقانون التجاري عندما تتعامل مع القطاع الخاص، وهي مؤسسة عمومية متواجدة في معظم القطاعات التي يهجرها القطاع الخاص بسبب عدم ربحيتها السريعة، ومنها على سبيل المثل لا الحصر:

      -قطاع التعليم العالي والتربية (صناعة وتوزيع الكتاب الجامعي أو المدرسي)؛-قطاع الصّناعة والتجارة (المؤسسات العمومية التابعة للبلديات التي يكون الهدف من تأسيسها ضمان الحد الأدنى من النشاط الاقتصادي و التجاري العمومي).

      أسّست السلطات العمومية الفرنسية لما أصبح يعرف بالحوار الاجتماعي (Le dialogue social) بين الشركاء الاجتماعيين (حكومة ونقابات عمال ونقابات أصحاب عمل) بموجب اعتماها لقانون 25 مارس 1919 الذي كرّس الاتفاقية الجماعية في العمل كأحد أهم مصادر قانون العمل الفرنسي، بعد أن شجعت على إنشاء أول كونفدرالية عامة لأرباب العمل الفرنسيين تضم ما لا يقل عن 21 فيدرالية لأرباب العمل بتاريخ 19 مارس 1919، مما أدى إلى الاتفاق بين الحكومة الفرنسية ونقابات العمال ونقابات أصحاب العمل، بتاريخ 21 أفريل 1919، على أن يكون الحجم الساعي اليومي للعمل بـ(8) ساعة عمل لليوم الواحد وتحديد الحجم الساعي الأسبوعي للعمل بـ(48) ساعة عمل في الأسبوع.

      تواصل تدخل الدولة باعتبارها معدّلة اجتماعيا... (Comme régulateur social) في الشأن الاقتصادي دون أن يعني ذلك عدم تشجيع النشاط الخاص الاقتصادي، قبل أن تندلع  شرارة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) سيّما بعد أن وصلت الجبهة الشعبية للحكم (بعد الانتخابات التشريعية بتاريخ 3 ماي 1936) التي كانت تتشكّل في معظمها من تكتّلات شيوعية واشتراكية.وهي الحكومة اليسارية التي أعطت الأولوية للمؤسسة العمومية الادارية والاقتصادية، وشجعت على إنشاء الدواوين والوكالات العمومية التي استمرت بعد الحرب العالمية الثانية وإلى غاية تاريخ 27 مارس 1956، تاريخ التنديد الصريح من طرف الكونفدرالية الوطنية لأرباب العمل الفرنسيين برئاسة السيد "Georges Villiers" بالتدخل القوي لسلطوية الدولة في النشاط الاقتصادي.

      ولم يتوقف تدخل الدولة الفرنسية في النشاط الاقتصادي إلا بعد أن واجهتها أزمات اقتصادية شديدة القوة فتوجت الحكومات اليمينية منها بالخصوص إلى المزيد من اعتماد مبدأ التعديل الاقتصادي على حساب التدخل المباشر في النشاطات الاقتصادي عبر ما أصبح يعرف بالهيئات الإدارية المستقلة.[29]

      إن الحقيقة التي لا يجب غض الطرف عنها في مجال تدخل الدولة وهي أن الدولة جاءت لتكون مرفقا فيصلا بين المواطنين الذين اتفقوا على بعثها عبر عقد اجتماعي متفاوض عليه.

      هذا وقد أكد لنا الواقع الذي عشناه في ظل جائحة كورونا وتداعياتها الصحية على الإنسان أنتدخل الدولة في إدارة الشأن الاقتصادي يبقى تدحلا مُرحبا به لمواجهة الحالات الطارئة بغرض ضمان سيرورة النشاط الاقتصادي والمبادلات  البينية، ومنع توقف حركية التجارة الداخلية و الدولية، و كذلك السعي من أجل الابقاء على نشاط قطاع الخدمات حتى تُضمن الملايين من الوظائف ومناصب العمل عبر العالم.

      -----------------------------

      أسئلة مُختارة لمساعدة الطالب في فهم المحاضرة واستيعاب مضامينها

      --------------------

      س1: ما سبب الاهتمام بمقياس القانون العام الاقتصادي و إدراجه ضمن التكوين في الليسانس لفائدة المسجلين (الطلاب) بالسنة الثالثة؟

      س2: برأي الطالب ما طبيعة الظروف السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية و الثقافية التي تجعل من القانون العام الاقتصادي مقياسا جد هام في تحسين وتعزيز الزاد المعرفي القانوني للطالب الجامعي في الجزائر؟

      س3: ما أثر الفقه القانوني الاشتراكي في صياغة النصوص والقواعد القانونية الناظمة للقانون العام الاقتصادي؟

      س4: ما أثر الفقه القانوني الليبرالي في صياغة النصوص والقواعد القانونية الناظمة للقانون العام الاقتصادي؟

      س5: اختارت الجزائر، ومباشرة بعد استعادة السيادة الوطنية، النهج الاشتراكي القائم على قيادة الدولة لدواليب الاقتصاد والإنتاج والتوزيع، والتأميم، والملكية العامة لوسائل الانتاج.

      س6:  ما أهمية بروز الدولة في التأسيس للنصوص الأولى الناظمة للقانون العام الاقتصادي في أوروبا الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية و العالم العربي؟

      س7: ما المقصود بالدولة المتدخلة في الشأن الاقتصادي؟

      س8: ما المقصود بالدولة المُعدلة أو المُنظمة في الشأن الاقتصادي؟

       

       



      [1] محمد فاروق الباشا، مرجع سابق، ص 32.

      [2] يوسف إلياس، علاقات العمل الجماعية في الوطن العربي، منشورات منظمة العمل العربية، مطابع جامعة الدول العربية، القاهرة، مصر، 1996، ص 17.

      [3] المرجع نفسه، ص 17.

      [4] محمد حسين منصور، قانون العمل، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2010، ص 13.

      1 نادية ضريفي، تسيير المرفق العام والتحوّلات الجديدة، دار بلقيس للنشر والتوزيع، الجزائر، 2010، ص 13.

      [6] المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، لجنة علاقات العمل، تقرير حول نظام علاقات العمل في سياق التعديل الهيكلي، الدورة العامة العاشرة، الجزائر، أفريل 1998، ص 17.

      [7] إشكاليات التخصيص والتنمية: التجربة التونسية نموذجا، دراسة أكاديمية أعدها الاتحاد العام التونسي للشغل – قسم الدراسات والتشريع- بالتعاون مع مؤسّسة فريدريش إيبارت الألمانية (Fondation Friedrich-Ebert)، كتاب خاص، تونس، 2001، ص 7.

      [8] يعتبر الأستاذ الباحث الدكتور تامر يوسف محمد سعفان (المرجع: المفاوضة الجماعية- دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، مكتبة الوفاء القانونية، القاهرة، مصر، 2013، ص 37) أن من آثار الثورة الصّناعية في أوروبا ظهور ثلاث طبقات مختلفة، الأولى تمتلك وسائل الإنتاج (الطبقة الرأسمالية)، والثانية هي طبقة العمال، وبينهما الطبقة الوسطى.

      [9] جورج لوفران، الحركة النقابية في العالم، الطبعة الثالثة، منشورات عويدات، بيروت، لبنان، 1986، ص 11.

      [10] أحمد سي علي، النظام القانوني للشركات عبر- الوطنية المعاصرة والقانون الدّولي العام، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2009، ص 15.

      [11] المرجع نفسه، ص 15.

      [12] يذكر الدكتور جورج لوفران (أستاذ باحث ومختص في التاريخ الاجتماعي الغربي) في مؤلف له مترجم إلى اللغة العربية وعنوانه: الحركة النقابية في العالم (مرجع سابق) ص 12؛ أنّ إنجلترا لم تشهد عصيانا عماليا عنيفا أدى إلى تخريب الآلة بعد سنة 1811، بعد أن حصل العمال البريطانيون على حق التجمع قبل نظرائهم الفرنسيين بأكثر من نصف قرن، ودون أن يكون لهم شرف النضال من أجل هذا الحق. وفي سنة 1811 قام عصيان أدى إلى تخريب الآلات التي أقيمت في "ميدلاند" وبعدها لم يوجد بلد دخل عالم الصناعة إلا وتعرّف على هذا النوع من الاحتجاج. هذا ويؤكد الأستاذ الباحث جورج لوفران، في بحثه هذا، أن ملوك بريطانيا كانوا أكثر  تفهما من ملوك فرنسا في كل ما يتعلق بالمطلبية الحقوقية، وبالتالي فإن إنجلترا لم تشهد حركات احتجاجية عنيفة كتلك التي حدثت بفرنسا.

      [13] جورج لوفران، المرجع نفسه، ص 11.

      [14] جورج لوفران، المرجع نفسه، ص:9.

      [15] المرجع نفسه، ص:12.

      [16] أعلن عن إنشاء المؤسستين (صندوق النقد الدولي و البنك العالمي) في اجتماع رسمي ترأسته الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من شهر جوان 1944  بمدينة "بروتن ودز" الأمريكية  شارك فيه حوالي 45 وزير مالية من مختلف الدول المشاركة و غير المشاركة في الحرب العالمية الثانية.

      دخلت المؤسستان الدوليتان حيّز العمل (النفاذ) في سنة 1946. ويختص صندوق النقد الدولي في كل ما يتعلق بدراسة طلبات القرض المقدمة من الدولة- العضو وهو الجهّة المخوّلة قانونا بقبول أو رفض الطلب (طلب القرض أو الجدولة)؛ في حين يختص البنك الدولي بتوفير قيمة القرض وضمان مراقبة استعمالاته من طرف الدولة العضو و تقديم تقارير دورية في هذا الشأن.

      [17] هي برامج إعادة الهيكلة تتم في شكل وصفات واجبة الاتباع الدقيق من طرف الحكومات التي تعاقدت بموجبها مع المؤسسات المالية العالمية مقابل الحصول على القرض المالي المحدد من قبل البنك الدولي.

      [18] مراسيم دالارد لعام 1791 أرست مبدأ حرية العمل بالنسبة للعامل الأجير ولصاحب العمل(رب العمل) من منطلق ليبرالي مفرط، وهو أن العامل له الحق في أن يختار العمل (الشغل) الذي يريده، وكذلك لصاحب العمل الحرية في أن يختار العامل الذي يريد لمنصب العمل الذي يوفره بحرية، و دون تدخل الدولة أو طرف ثالث على أن يخضع  عقد العمل الفردي لمبدأ حرية الارادة في التعاقد.

      وقوانين لوشابلي لعام 1791 (Les lois le Chapelier des 22 mai et 14 juin1791 interdisent les coalitions de métiers et les grèves) جاءت لتجدّد المنع لأي تكتّل بين أصحاب المهنة الواحدة كما جاءت مانعة للإضراب.

      [19] يرى الدكتور محمد فاروق الباشا(المرجع: التشريعات الاجتماعية، مرجع سابق،ص:31) أن الحرية الاقتصادية بالنسبة لهذا المذهب الليبرالي" تقوم على مطالبة الدولة بالكف عن تدخلها في تنظيم الفعاليات الاقتصادية في البلاد، و بأن تدع هذه الفعاليات تنتظم من تلقاء نفسها، تاركة الأفراد أحرارا في أعمالهم و نشاطاتهم الاقتصادية، لأنهم قادرون-إذا ما تركوا أحرارا- على أن يحققوا الخير و النفع لأنفسهم، و أن يسلكوا أفضل الطرق في سبيل هذه الغاية..".

      [20] لمزيد الاطلاع انظر:

      -أحمد توفيق المدني: كتاب الجزائر، منشورات  الوكالة الوطنية للنشر و الإشهار، الجزائر،2010، ص:74-86.

      [21] ومن المطالب الاجتماعية والمهنية والحقوقية المرفوعة في المظاهرات الواسعة النطاق التي شهدتها مدينة باريس (على مدار شهر فبراير 1848) أذكر:

      - الدعوة إلى حرية التعبير، وتقليص الحجم الساعي اليومي في العمل، والإقرار بالحق في العمل النقابي وإصدار قانون عمل وبعث وزارة للعمل.

      [22] نعني بعقد امتياز المرفق العام قيام الدولة بالتنازل عن التسيير المباشر للمرفق العام لصالح القطاع الخاص وفق دفتر شروط ملزم بهدف عدم الانحراف عن الغايات الأصلية لإنشاء هذا المرفق.

      [23] لم يكن يسمح للجزائري الأصيل(ابن البلد) الاستفادة من أحكام القوانين الفرنسية(اجتماعية و اقتصادية على حد سواء)، لكونهم كانوا بالنسبة للقانون الفرنسي أجانب هم عبارة عن أهالي يقيمون مؤقتا على الأرض الجزائرية في انتظار ترحيلهم و تهجيرهم، بل كان القانون الصادر بتاريخ 14 جويلية 1865 (  Le Sénatus-consulte du 14 juillet 1865) يشترط في كل جزائري مسلم أن يتنصّل من قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية لكي يقبل تجنسّه بالجنسية الفرنسية.

      [24] أعلن عن إنشاء المنظمة العالمية للشغل سنة 1919، و هي منظمة ثلاثية التمثيل(الحكومات و المنظمات النقابية للعمال و المنظمات النقابية لأصحاب العمل)، وتتميّز  بهيكلة ادارية خاصة، و هي اليوم أحد أهم المنظمات الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة.

      [25] تقترح الدكتورة نادية ضريفي (المرجع: تسيير المرفق العام والتحولات الجديدة، مرجع سابق، ص 14) تعريفا للمرفق العمومي للأستاذ الباحث (A. De Laubadère)  جاء على النحو الآتي: المرفق العام هو:" كل نشاط يباشر من طرف شخص عام بقصد إشباع مصلحة عامة".

      تسند الدكتورة نادية ضريفي هذا التعريف بتعريف ثان للدكتور فاروق عبدالحميد جاء فيه: "الدولة هي التي تقوم بتسيير المرفق، فهو مرتبط بوجودها وجودا و عدما.، وهذا نظرا لخصوصية المرفق العام و الخدمة العمومية، فهذا النشاط لا يستهوي الخواص بسبب عدم ربحيته، وكذا احتياجاتها إلى نفقات باهظة تخرج عن نطاق القدرة المالية الفردية التي يقوم بها الأشخاص العامة لتحقيق الصالح العام".

      [26] ويقابلها باللغة الفرنسية لفظ (Office Public) وقد لعبت الدواوين العمومية دورا لابأس به في فرض تواجد الدولة في القطاعات الأكثر ارتباطا بالحياة اليومية للمواطن، وقد أخذت الدولة الجزائرية المستقلّة بالدواوين، وكان أول ديوان عمومي هو الديوان الجزائري المهني للحبوب الذي يبقى وإلى تاريخ إنجاز  هذه المذكرة أحد أهم الدواوين الوطنية التي تحتكر استيراد وتجميع الحبوب على مستوى الجزائر.  

      [27] اعتمدت الأستاذة الباحثة الدكتورة نادية ضريفي (تسيير المرفق العام والتحولات الجديدة، مرجع سابق، ص:25) في تعريفها لكلمة "المنفعة العامة" على التعريف المقدم من كل من الدكتور ثروت بدوي والدكتور سليمان الطماوي، كما أنها أدرجت في تعريفها للمرفق العام تعريف الأستـاذ دوجي، ولأهميته فضلت نقله كما جاء في مؤلف الأستاذة الباحثة بجامعة محمد بوضياف بالمسيلة تعميما للفائدة.

      [28] عيسى رياض: النظام القانوني للمؤسّسات الاقتصادية الاشتراكية في الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،1981، ص:14.

      [29] « la régulation des activités économiques en France, ainsi que la protection des droits des citoyens constituent les domaines d’élection des autorités administratives indépendantes.. » : Prof, Rachid ZOUAIMIA, les instruments juridiques économique en Algérie, Maison d’édition Belkeise, Alger, 2011, P 15. 


  • المحاضرة الثانية

    • المحور الثاني( المحاضرة الثانية):القانون العام الاقتصادي:

      الأهميّة والتعريف والقواسم المشتركة بالقوانين الأخرى

      أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة الثانية بعنوان" القانون العام الاقتصادي: الأهمية والتعريف والقواسم المشتركة بالقوانين الأخرة ذات الصلة" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على  أهمية هذا القانون(القانون العام الاقتصادي) في تعزيز الزاد المعرفي القانوني للطالب الذي هو بأمس الحاجة  و معالجة السؤال المتعلق باستقلالية  هذا القانون عن فروع القانون الأخرى ذات القواسم المشتركة بعنصر الاقتصاد.

      يزداد الاهتمام بالقانون العام الاقتصادي  في ظل اتساع دائرة  الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي وتضاعف حجم الاحتكار العالمي للسلع والبضائع وعليه فإن أهمية تدريس هذا القانون لطلبة الحقوق يبقى انشغالا رئيسا تسعى كليات الحقوق التكفل به تدريسا و(محاضرة) و تطبيقا عمليا(أعمال موجهة). 

      عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى  يصبح هذا المقياس  مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:

      -معالجة التعاريف المختلفة لهذا القانون الذي لم تتمكن المدارس الفقهية الغربية و العربية من الاتفاق حول تعريف جامع له يكون مرجعنا الرئيس في دراستنا لهذا المقياس.

      -البحث في مصادر هذا القانون الذي يخص طبيعة تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي على مستوى الإقليم أكان ذلك في ظل الدولة المتدخلة (دولة الرعاية الكاملة) أو في ظل الدولة المُنظمة أو المُعدلة.

      -البحث في علاقة هذا القانون بالقانون الدستوري و القانون المدني والقانون التجاري و قانون النقد والقرض.

      -البحث في ما يتميز به هذا القانون.  

      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الثانية) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:

      *ما المقصود بالمفهوم الضيق للقانون العام الاقتصادي؟

      *ما المقصود بالمفهوم الواسع و/أو المُوسع للقانون العام الاقتصادي؟

      *ما مدى تطبيق المبادئ العامة في القانون العام الاقتصادي؟

      الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة الثانية في تمكين  الطالب الجامعي مِن الوقوف على خصائص ومميزات النصوص الناظمة لهذا القانون . 

      تقديم؛

      تكمن أهميّة القانون العام الاقتصادي في كونه أحد أهم القوانين التي أسّست للدولة الحديثة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد الانهيار العام الذي أصاب الإمبراطوريات التي كانت سببا في إشعال فتيل الحروب الدينية والقومية في أوروبا الوسطى والغربية. إذ يجد الباحث في القانون العام الاقتصادي صعوبة في ايجاد تعريف شبه جامع لهذا القانون الذي برز ببروز مفهوم الدولة (La notion d’Etat)، بعد أن تجاوزت أوروبا الغربيّة فترة الحروب الدينيّة والملكيّة المفرطة وبدأت تتجه نحو الاقرار القانوني بالحقوق السياسية والاقتصادية الاجتماعية للفرد، وذلك لتعدد المرجعيّات الفقهيّة في هذا الشأن نتيجة تنوّع التجارب على امتداد العالم.

       وعليه، وقع اختياري على التقسيم الآتي لهذا المحور: -فرع أول: القانون العام الاقتصادي: الأهمية والتعريف؛-وفرع ثانٍ: القانون العام الاقتصادي: علاقة التأثير والتأثر بالقوانين ذات الصّلة بالقانون الاقتصادي.

      الفرع الأول: القانون العام الاقتصادي: الأهمية و التعريف

      لم تتوقف المجتمعات البشرية عن التوجه نحو المزيد من التعقيد في العلاقات التجارية والاقتصادية بين أبناء المجتمع الواحد، وقد احتل المشروع الاقتصادي الفردي و العائلي و/ أو الجماعي أهميّة بالغة في بناء الصرح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأي بلد أو مجتمع أو منطقة من هذه المعمورة.

      - أهميّة القانون العام الاقتصادي: يستشف الباحث في القانون الاقتصادي أنّ ثمّة علاقة وطيدة ومتشابكة بين الأفكار الاقتصادية والاجتماعية الناشئة والوقائع والأحداث الاقتصادية، ومن هنا تأتي صعوبة الفصل بين ما هو فكر إنساني في المجال الاقتصادي، وما قد يعتبر واقعة اقتصاديّة أو حدثا اقتصاديا سابقا مهدّ لنظرية أو مقاربة قانونية – اقتصادية معيّنة، لأن "الوقائع هي التي خلقت المناخ ومهدت الظروف لولادة الأفكار، وبشكل آخر إن الأفكار الاقتصادية كانت بنت الظروف الاقتصاديـــة والاجتماعيـــــة والسياسية في زمان ومكان معينين".[1]

      فلا أحد يستطيع تجاهل أو غض الطرف عن حقيقة التأثير والتأثر المسجلة في العلاقة بين القانون الاقتصادي ومختلف فروع القانون (العام أو الخاص على حد سواء)، ذلك أن القانون الاقتصادي الذي يعرّف أنّه قانــون العلاقات والعقـود والاتفاقيات التجارـة والاقتصادية، وكل ما له علاقة بالفعل الاقتصادي داخل وخارج الدولة.

      وتتفق جلّ المراجع الاقتصادية على أن مفهوم القانون الاقتصادي يعدّ مفهوما واسع النطاق من مصطلح القانون التجاري، أو قانون الاستثمار، أو قانون المؤسسات الاقتصادية، أو حتى قانون الأعمال، ذلك إن النشاط الاقتصادي كان في البدء وقائع وأفكار سواء ببروز الفلسفة اليونانية، أو أثناء العهد الروماني، أو أثناء الحقبة الذهبيّة للحضارة الإسلامية، أو بالموازنة مع المظاهر الأولى المواكبة للعصور الوسطى في أوروبا التي كانت الإقطاعية فيها هي السائدة، إلى أن ظهرت البورجوازية كعنصر دعم ومساندة للنهضة الصّناعية التي بدأت مع اكتشاف الآلة والتأسيس للعمل الصّناعي.وبالتالي، فإن القانون الاقتصادي بمشموليّته بالأعمال ذات الصّلة بالصّناعة، والتجارة والخدمات والمعاملات النقديّة والمصرفية والتأمينات يعدّ قانونا أوسع نطاق من القوانين الرديفة له.

      إنّ أهم تعريف للقانون الاقتصادي هو على النحو الآتي: هو "مجموع القواعد القانونية والتنظيميّة التي تنظم، وتحدد، وتضبط الأنشطة الاقتصادية من إنتاج وبيع وتسويق ومعاملة وعقد تجاري أو خدمي، إن كان هذا النشاط على المستوى الوطني، أو كان خارج حدود الوطن، سواء كانت الدولة (أو أحد تفرعاتها) عنصر فيه كسلطة عمومية أو كانت فيه كطرف خاص تخضع لما يخضع له التاجر أو المتعامل الخاص".[2]

      وتتضّح علاقة التأثير والتأثر بين القانون العام الاقتصادي والقوانين الأخرى ذات الصّلة بالموضوع الاقتصادي من خلال الوقائع الآتية:-العلاقة التبادلية بين القانون العام الاقتصادي بالدستور باعتباره أم القوانين أو الشريعة الأساسية للدولة (المبادئ الدستورية هي التي طبيعة ودرجة وكيفية تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية...)؛

      - أنّه كلّما كان الدستور(دستور أي بلد) مكرسا لمبدأ تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادي (قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، كانت مساحة الاقتصاد العام غالبة في التشريع والقانون والتنظيم (النموذج الجزائري من سنة 1962 وإلى غاية سنة 1988، وهو على عكس النموذجين التونسي والمغربي في طبيعة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي)؛

      - أنّه كلّما كانت الدولة متدخّلة في الفضاء الاقتصادي والتجاري والصّناعي كقوّة عمومية (صاحبة سلطة وسيادة) معتبرة نفسها طرفا متميّزا في النشاط الاقتصادي، كانت القوانين الأخرى (القانون التجاري والقانون الجمركي والقانون الضريبي وقانون الاستثمار وقانون العمل...) عاكسة لهذا النمط من التسيير للشأن العام الذي تكون فيه الدّولة صاحبـة التشريع الاقتصــادي دون منازع، ومن منطلق ممارستها للسيادة المطلقة.

      وبالنتيجة نحن أمام منظومة تسيير اقتصادي تقوم على الخصائص الرئيسة الآتية: - التمويل العمومي المباشر للمرافق والمؤسسات العامـــة الإداريـة والاقتصادية؛

      - ضمان حماية قانونية أوسع لكلّ ما هو مرفق عمــــومي)، ومؤسسة عمومية إداريـة واقتصادية  من الإفلاس والتسوية القضائيـة؛

      - أنّه كلّما كانت الدولة متدخّلة كطرف خاص (لا كصاحبة سلطة وسيادة) في الشأن الاقتصادي فإنّها تخضع لما يخضع له القطاع الخاص من التزامات وواجبات يكرسها القانون التجاري، وهو ما يتم اللجوء إليه على الصعيد الدولي بالنظر للتحولات التي يشهدها العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي العام 1989-1990، والرجوع القوي للمؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية) على الصعيد الدولي بدعم من الشركات متعددة الجنسية التي أصبحت تحوز على رؤوس أموال تجارية ضخمة وضخمة جدا  بسبب التوّسع الذي حققه النظام الاقتصادي الرأسمالي على حساب النظام الاشتراكي.

      - القانون العام الاقتصادي: التعريف والمضامين المختلفة

      اجتهدت عديد المدارس الفقهية[3] في تقديم تعاريف متنوّعة للقانون العام الاقتصادي قواسمها المشتركة هي أن القانون العام الاقتصادي أساسه تدخل السلطات العموميّة في النشاط الاقتصادي، لا كطرف خاص يخضع للقانون الخاص ولاشتراطات القانون التجاري، لكن يكون تدخلها- غالبًا- في النشاط الاقتصادي كصاحبة سلطة و سيّاد مما يجعل هذا التدخل في النشاط الاقتصادي خاضعا للقانون العام في حال المنازعة. وبغرض الوقوف على طبيعة العلاقة المتداخلة بين كل من القانون العام الاقتصادي، والقوانين ذات الصّلة المباشرة، من منطلق الشخص المعنوي العام، ارتأيت المعالجة المفاهيميّة الآتية بغرض الإجابة على السؤال الآتي: ما المقصود بالقانون الاقتصادي؟

      وللقانون الاقتصادي وجهان أساسيان وهما على النحو الآتي:- القانون الاقتصادي الوطني: وهو القانون الاقتصادي التي تحدد مضامينه وطبيعة أحكامه الدولة من منطلق مبدأ السيّادة في إدارة الشأن الاقتصادي، وتتحدد أغراضه في تنظيم العلاقات والروابط والأنشطة أو النشاطات الاقتصادية بين الأشخاص الذين يتبعون الدولة. وهو القانون الذي نجده في كل دولة عضو في هذا المجتمع الدولي الذي أسست له عصبة الأمم العام 1919، قبل أن تحل محلها هيئة الأمم المتحدة (الجمعية العامة + مجلس الأمن) وتوصياتها وبروتوكولاتها المختلفة، بالإضافة إلى أحكام الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهدان الدوليان التي تمّ التصديق عليهما سنة 1966 من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة (العهد الدولي للحقوق المدنية  السياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)، ومجموع الاتفاقيات الثنائية (بين الدول) والمتعددة الأطراف (لأكثر من طرفين) التي تبرمها الدولة مع الدول أو التجمعات الاقتصادية الإقليمية، أو مع المؤسسات العالمية المالية؛

      - القانون الاقتصادي الدولي: وهو قانون ينظم العلاقات والروابط الاقتصادية بين الدّول (العلاقات الاقتصادية البينيّة)، أو بين الدول والمؤسسات المالية العالميّة (صندوق النقـد الدولي والبنـــك العالمي ومنظمة التجارة العالميّة..)،[4] أو المنظمات الإقليمية والدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة[5]، أو التجمعات والاتحادات الاقتصادية الدولية (الاتحاد الأوروبي...)، وبالتالي فهو قانون ينظم العلاقات الاقتصادية التي تنشأ بين أشخاص القانون الدولي. وينقسم القانون الاقتصادي الوطني إلى قانون عام اقتصادي وقانون خاص اقتصادي، ونعني بالقانون العام الاقتصادي كل ما يشمل من أنشطة أو علاقات اقتصادية(إنتاج وبيع و تقديم خدمات..) تكون فيها الدولة أو أحد تفرعاتها كشخص معنوي عام طرف رئيسا فيها،

      في حين نعني بالقانون الخاص الاقتصادي كل نشاط أو علاقة اقتصادية تكون بين الخواص، وقد تكون الدولة فيه طرفا، لا من منطلق تمتعها بامتيازات الشخص المعنوي العام، لكن يكون تدخلها في النشاط الاقتصادي كطرف خاص يخضع لما يخضع له المتعامل الخاص أو التاجر.

      ومن التعاريف التي تحوز على قبول جمهور فقهاء القانون الاقتصادي، من حيث العناصر المشكّلة للقانون العام الاقتصادي، التعريف الآتي:

      - القانون العام الاقتصادي هو: "قانون تدخل السلطات العامة في الحياة الاقتصادية، وهو مجموع القواعد التي تسعى في زمن معيّن، وفي مجتمع معيّن، إلى ضمان التوازن بين مصالح الفاعلين الاقتصاديين، إن كانوا من القانون العام، أو من القانون الخاص، أو المصلحة الاقتصادية العامة".[6]

      وتتمثّل أهم العناصر التي يمكن للباحث أن يستشفها من مجموع التعاريف التي تناولت القانون العام الاقتصادي في الآتي:-وجود عنصر الدّولة كمتدخل في تنظيم الاقتصاد (أنشطة وعلاقات اقتصادية) من منطلق السلطة العمومية؛-أن يكون هذا التدخل غايته تحقيق التوازن المطلوب بين مختلف المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين وأطراف الإنتاج للحيلولة دون الفوضى الاقتصادية؛-أنّه كلّما كان دخل الدولة باعتبارها صاحبة سلطة وسيّادة في النشاط والعلاقات الاقتصادية على مستوى الدولة فإننا نكون أمام قانون عام اقتصادي، لكن كلّما كان تدخل الدولة كطرف عادي  يخضع ما يخضع له الطرف الخاص في العلاقة الاقتصادية أو التجارية فإننا نكون أمام قانون خاص اقتصادي.

      وفي ضوء ما تقدم وأوضحناه أعلاه فإن القانون العام الاقتصادي وبتعريف شبه جامع يتضمن جل العناصر  التي جاءت في تعاريف الفقه القانوني هو: "مجموع الأحكام التشريعية، والقواعد القانونية والتنظيمية التي تؤطر آليات وتنظم كيفيات تدخل الدولة كقوّة عمومية في النشاط الاقتصادي بغرض تحقيق التوازن الاقتصادي المطلوب وضمان التأطير القانوني لمجموع السياسات الاقتصادية للأشخاص الادارية بواسطة القانون، أي أننا أمام قانون لا يخرج نطاق تطبيقه على" كل ما هو مطبق على تدخلات الأشخاص العمومية في الاقتصاد وكيفية تنظيم هذه التدخلات".[7]

      ومن نتائج التدخل القوي للدولة لمواجهة الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية الكبرى (1929-1933) أن برز ما أصبح يعرف بنظرية الدور التعديلي والاجتماعي للدولة تحت تأثير الأفكار الكينزيّة،[8] أو ما يصطلح عليه بدولة الرعاية (Etat-providence) الكاملة التي تكون فيها الدولة(وحتى الدولة الليبرالية) محور التنمية الاقتصادية في حالة الأزمة الاقتصادية العادية منها والمتواصلة(تبقى الأزمات الاقتصادية لها التأثير الكبير في طبيعة ونوعية تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي)، أو في حالة الضائقة المالية الظرفية التي تواجهها الدولة(حتى الدول الكبرى تواجهها أزمات مالية تدفع حكوماتها إلى أن تتخذ إجراءات نقدية ومالية و تنظيمية صارمة)، فالدولة لها القدرة على أن تبادر بإنجاز مشاريع اقتصادية واسعة بتمويل من الخزانة العمومية (La trésorerie publique) يكون الهدف منها توفير الشغل وضمان مداخيل (مالية) منتظمة للعائلات حتى تحافظ على قدرة شرائية مقبولة، بالإضافة إلى ضمان دخل مالي للعمال والموظفين ليسهموا في انعاش الاستهلاك الوطني، وبالتالي دفع العجلة الاقتصادية إلى مزيد الانتاج.

      وهي النظرية الاقتصادية التي تبنتها عديد الدول الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية بغرض إعادة تنشيط الآلة الانتاجية المتعثرة والمثقلة بسبب أعباء الحرب التي دمرت الشركات والمؤسسات التجارية والزراعية والخدمية التابعة للخوّاص.

      هذا وقد اعتمدت عديد الدول التي نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية(1939-1945)، أو تلك التي استعادت سيادتها بعد حرب تحرير ضد الاحتلال الغربي، آليات التدخل الحكومي  المباشر في ضبط السياسات الاقتصادية العامة لتكون في خدمة وجود الدولة  المركزية المتدخلة(Etat central interventionniste) كمحور مركزي لإدارة وتسيير الشأن الاقتصادي(إنتاجا وتسييرا وتمويلا للمؤسسة العمومية الاقتصادية وتحديديا إداريا لأسعار البيع و الاستهلاك  على حدٍ سواء).

      والجزائر التي استعادت سيادة بعد ثورة تحرير مسلحة شرسة ضد الاحتلال الفرنسي  تبنى دستورها لسنة 1963 خيار الاشتراكية، والملكية العامة لوسائل الانتاج، والتسيير الذاتي لمؤسسات، والتأميم، وإنشاء الشركة الوطنية، واعتبار المؤسسة العمومية الاقتصادية ذراعا اجتماعيا للدولة الاشتراكية في بناء الاقتصاد الاجتماعي.

      كما تم التركيز، وعلى مدار الحقبة الزمنية الممتدة من سنة 1962 و إلى غاية سنة 1989(تاريخ التعديل الدستوري بتاريخ 23 فبراير 1989)، على التدخل المباشر للدولة المتدخلة(الاشتراكية) في الشأن الاقتصادي ليكون في خدمة المجموعة الوطنية عبر:-التأميم الذي شمل الأراضي والمصانع والورشات التي كانت بيد المستعمرين الفرنسيين ووضعها تحت تصرف الدولة الجزائرية المستقلة( مراسيم وأوامر التسيير الذاتي للمؤسسات وقانون الأملاك الشاغرة و إنشاء الشركات الوطنية-شركة سونطراك).

      - اعتماد مبدأ الاستثمار العمومي القائم على تمويل الدولة لبرامج التنمية الوطنية(الثلاثية و الرباعية و الخماسية).

      - تواجد الدولة في التعليم و التربية و التكوين(إلزامية التمدرس، ودمقرطته، وتعميمه بتمويل مباشر من الخزينة العمومية).

      -جعل المؤسسة العمومية الاقتصادية والشركة الوطنية والمؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري والمؤسسة العامة الادارية في خدمة الاقتصاد الاشتراكي ومحوره الأساسي الدولة.

      -إبعاد القطاع الخاص الوطني و الأجنبي من برامج التنمية الوطنية والقبول بقطاع خاص مرتبط بالثورة الاشتراكية (القطاع الخاص غير الطفيلي).

      -هذا ولم يكن المشرع الجزائري و إلى غاية إصداره للقانون التوجيهي المتعلق بالمؤسسة العمومية الاقتصادية(قانون رقم 88-01 مؤرخ في 12 جانفي 1988) يُضفي طابع الشخصية المعنوية للمؤسسة العمومية الاقتصادية.

      وبالنتيجة فالدولة هي التي كانت تمارسها بالنيابة عن المؤسسة العمومية الاقتصادية أو الشركة الوطنية(الحق في التعاقد و التملك واللجوء إلى القضاء).  

      وفي هذا الاطار أدعو أبنائي المسجلين بالسنة الثانية /ليسانس حقوق/ إلى تصفح وقراءة رسائل الماجستير و أطروحات الدكتوراه في القانون والمؤلفات المتخصصة والعامة على حد سواء التي أنجزتها كفاءات علمية جزائرية وباللغتين(العربية والفرنسية) تناولت المرحلة الممتدة من سنة 1962، وإلى غاية تاريخ التعديل الدستوري لسنة 1989.

      أسئلة مُختارة لمساعدة الطالب في فهم المحاضرة واستيعاب مضامينها

      س1: يُعرَّفُ القانون العام الاقتصادي بالقانون الذي يُنظم العلاقات التجارية و عقود التجارة الدولية بين الشركات التجارية والصناعية (صح أم خطأ ولماذا؟)

      س2: لكل دولة عضو بالأمم المتحدة كل الحق في تنظيم وإدارة اقتصادها الوطني وِفقَ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية العامة دون تدخل خارجي في سيادتها الوطنية(صح أم خطا ولماذا؟)

      س3: ما الفائدة من تدريس هذا المقياس للمسجلين بالسنة الثالثة ليسانس /قانون عام؟ 

      س4- الاتفاقيات والعهود الدولية في المجال الاقتصادي التي تبرمها الجزائر مع الدول الشقيقة والصديقة و يُصدَّقُ عليها البرلمان الجزائري بغرفتيه لا تعلو على القانون المحلي(الوطني) ( صح أم خطأ ولماذا).



      [1] تيسير الردّاوي : تاريخ الوقائع و الأفكار الاقتصادية، منشورات جامعة حلب، سورية، 1990، ص 7.

      [2] هذا التعريف هو خلاصة للعديد من التعاريف التي تناولت القانون العام الاقتصادي جمعت فيه أهم العناصر المشكّلة لهذا القانون(القانون العام الاقتصادي).

       

      [3] يختص الفقه بتقديم تعاريف مستخلصة من تجارب وخلاصات ونتائج يتم التوصل إليها بعد بحث مضن، وعليه، فإن المشرع الجزائري، وعلى غرار نظرائه في فرنسا وتونس والمغرب ومصر، لم يقدم تعريفا للقانون العام لاقتصادي بقدر ما اقتصر على اعتماد نصوص قانونية وتنظيمية وقرارات إدارية  تنظم الأنشطة الاقتصادية تكون فيها الدولة أو أحد تفرعاتها الادارية عنصر رئيس في  إدارة و توجيه الاقتصاد من منطلق السلطة العمومية.

      [4] أعلن عن انشاء كل من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي للإنشاء و التعمير  بمدينة( بروتن وودز) بالولايــــــات المتحدة الأمريكية سنة 1944 ، وقد دخلت المؤسستان العمل الفعلي سنة 1946 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، و خروج الولايات المتحدة الأمريكية منتصرة على ألمانيا و إيطاليا و اليابان.

      [5] ومن بين أهم المنظمات الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة: منظمة العمل الدولية التي جاءت مباشرة بعد الاعلان عن انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وتعنى بشؤون العمل والعمال وبكل ما يتعلق بالتشغيل. والجزائر كانت سباقة إلى الانخراط في صفوف منظمة العمل الدولية بمجرد الاعلان عن الاستقلال وقيام الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وكان ذلك بتاريخ 19 أكتوبر 1962، كما قامت الجزائر بالتصديق على حزمة واسعة من الاتفاقيات المتعلقة بالعمل، والحرية النقابية والمفاوضة الجماعية.

      [6] هو تعريف للأستاذ الباحث الدكتور(Robert SAVY :l’intervention des pouvoirs publics dans la vie économique, Études de droit comparé, Revue internationale de droit comparé, 1979 ,Volume 31, N°4) نقله وترجمه إلى اللغة العربية الدكتور عبد الرزاق زويتن (المرجع: عبدالرزاق زويتن: دروس في القانون العام الاقتصادي، مطبوعة لطلبة السنة الثالثة ليسانس –نظام LMD-تخصص قانون عام- السنة الجامعية 2015-2016، ص 19.

      [7] عبدالرزاق زويتن، المرجع نفسه، ص 19.

      [8] جون مينيار كنز رجل  إنجليزي (1883-1946) قدّم نظرية في إدارة وحل الأزمات الاقتصادية المتعددة للنظام الرأسمالي تقوم على أن السلطات العمومية هي المحرك الرئيس للاقتصاد وليست الأسواق لمواجهة حالة الكساد الاقتصادي، وأنّه لا بد عليها أن تتدخل في النشاط الاقتصادي بما تحوز عليه من سلطة وسيادة وقدرة مالية وتنظيمية في البرامج الاقتصادية الكبرى الموّفرة للشغل والأجر في غياب القطاع الخاص.

      النظرية الكينزيّة وجدت تطبيقا لها في الولايات المتحدة بين الحربين الأولى والثانية، كما تبنت العديد من الدّول الأوروبية (غرب أوروبا) الأفكار الكينزيّة في محوها للآثار السلبيّة للحرب العالمية الثانية على الاقتصاديات الغربيّة.

      لمزيد الاطلاع على النظرية الكينزية، راجع الموقع الآتي:

      -http://ibilieveinsci.com


  • المحاضرة الثالثة

    • المصادر الداخليّة للقانون العام الاقتصادي

      (المحاضرة الثالثة)

       

      أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة بعنوان" القانون العام الاقتصادي: الأهمية والتعريف والقواسم المشتركة بالقوانين الأخرة ذات الصلة" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على  أهمية هذا القانون(القانون العام الاقتصادي) في تعزيز الزاد المعرفي القانوني للطالب الذي هو بأمس الحاجة  و معالجة السؤال المتعلق باستقلالية  هذا القانون عن فروع القانون الأخرى ذات القواسم المشتركة بعنصر الاقتصاد.

      يزداد الاهتمام بالقانون العام الاقتصادي  في ظل اتساع دائرة  الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي وتضاعف حجم الاحتكار العالمي للسلع والبضائع وعليه فإن أهمية تدريس هذا القانون لطلبة الحقوق يبقى انشغالا رئيسا تسعى كليات الحقوق التكفل به تدريسا و(محاضرة) و تطبيقا عمليا(أعمال موجهة). 

      عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى  يصبح هذا المقياس  مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:

      -معالجة التعاريف المختلفة لهذا القانون الذي لم تتمكن المدارس الفقهية الغربية و العربية من الاتفاق حول تعريف جامع له يكون مرجعنا الرئيس في دراستنا لهذا المقياس.

      -البحث في مصادر هذا القانون الذي يخص طبيعة تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي على مستوى الإقليم أكان ذلك في ظل الدولة المتدخلة (دولة الرعاية الكاملة) أو في ظل الدولة المُنظمة أو المُعدلة.

      -البحث في علاقة هذا القانون بالقانون الدستوري و القانون المدني والقانون التجاري و قانون النقد والقرض.

      -البحث في ما يتميز به هذا القانون. 

      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الثانية) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:

      *ما المقصود بالمفهوم الضيق للقانون العام الاقتصادي؟

      *ما المقصود بالمفهوم الواسع و/أو المُوسع للقانون العام الاقتصادي؟

      *ما مدى تطبيق المبادئ العامة في القانون العام الاقتصادي؟

      الهدف من المحاضرة يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة في تمكين  الطالب الجامعي مِن الوقوف على خصائص ومميزات النصوص الناظمة لهذا القانون . 

       تقديم؛

      تنقسم مصادر التشريع عموما إلى مصادر وطنيّة (محليّة) أو داخليّة ومصادر دولية أو خارجيّة وللقانون العام الاقتصادي كذلك مصادره الداخليّة (المطلب الأول)؛ والدّولية (المطلب الثاني).

      من منطلق أنّه لا يمكننا الحديث عن وجود قانون عام اقتصادي، دون أن نستند عند تناولنا للموضوع، إلى ما جاء في القانون الأساسي للدولة (الدستور)، ثمّ في القوانين واللوائح التنظيمية والقرارات الادارية. بالإضافة إلى ما يتمُّ الاتّفاق عليه بين أطراف الانتاج والمتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين في إطار ما أصبح يعرف بالحوار الاجتماعي (Le Dialogue social)، فضلت استعراض المصادر الداخلية بالتركيز على التجربة الجزائرية في ما يتعلق بالتأسيس لتشريع اقتصادي جزائري كانت الغلبة فيه للقانون العام الاقتصادي (1962-1988) الذي أسّس للدولة المتدخلة في النشاط الاقتصادي(إنتاجا وإدارة وتسيرا وتحديدًا للسعر عند البيع والاستهلاك دون منازع) باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة.إلّا أنّ دستور 1989 وما كرّسه من مبادئ دستوريّة جديدة في مجال إدارة الشأن الاقتصادي لمرحلة التأسيس للدولة المعدّلة أو المعدّلة (Etat Régulateur)[1] قد قلّص من تدخل الدولة كقوّة عمومية في النشاط الاقتصادي الذي لم يعد حكرًا على الشركة الوطنية أو المؤسسة العامة الاقتصادية، بل أصبحت الشركة أو المؤسسة التجارية الخاصة الوطنية والأجنبية على حدٍّ سواء تلج السوق المحلية (الوطنية) بحماية من الدولة التي تحوز على سلطة اصدار القوانين المنظّمة للاستثمار .

      والمصادر الداخليّة للقانون العام الاقتصادي فهي مجموعة النصوص التي تصدرها السّلطة التشريعيّة(القوانين)، أو التنفيذيّة (المراسيم والأوامر الرئاسيّة والمقررات الاداريّة)، وتخضع هذه المصادر إلى مبدأ التفاضل.

       

      الفرع الأول: الدساتير الجزائرية والتأطير القانوني لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي

      ولأهمية الانتقال التشريعي والقانوني والتنظيمي الذي حدث بالجزائر العام 1989 (المرسوم الرئاسي رقم 89-18 المؤرخ في 22 رجب عام 1409ه الموافق 28 فبراير سنة 1989 والمتعلق بنشر نص تعديل الدستور الموافق عليه في استفتاء 23 فبراير سنة 1989، ج.ر.ج.ج، العدد 09، التاريخ: الأربعاء 23 رجب عام 1409 الموافق أول مارس سنة 1989)، فضلت التقسيم الآتي لهذا الفرع على النحو الآتي؛

      - الدساتير الجزائرية لمرحلة ما قبل 1989؛

      - الدساتير الجزائرية لمرحلة ما بعد 1989.

      - الدساتير الجزائرية لمرحلة ما قبل سنة 1989: تتميّز دساتير مرحلة ما قبل دستور 1989 بكونها كانت دساتير برامج سياسية واجتماعية واقتصادية قبل أن تكون دساتير-قوانين وذلك، حسب وجهة نظر العديد من فقهاء القانون الدستوري الجزائري، وسندهم في ذلك أن السلطة السياسية المنبثقة عن ثورة التحرير، قد اختارت الطبيعة السياسية للدولة التي تقود التنمية الاقتصادية، من منطلق ممارستها لمفهوم السيادة الوطنية.

      وعليه فهي الدولة الوطنية التي تقوم على الاختيار الاشتراكي، والحزب الواحد، والملكية العامة لوسائل الإنتاج.

      إنّ الدولة الجزائرية، ومن منطلق المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية للنظام الاشتراكي، أعلنت احتكارها للتجارة الداخلية والخارجية وقيادتها للنشط الاقتصادي(إنتاج وبيع وتحديد التسعيرة النهائية عند الاستهلاك..)، منذ دستور 1963، كما جاء دستور 1976 داعما للنهج التنموي الاشتراكي الذي تحددت ملامحه الأساسية في دستور 1963، بالإضافة إلى وحدوية الدولة والحزب (حزب جبهة التحرير الوطني)، وعلى المؤسسة الاشتراكية كأداة للتنمية بمفهومها الواسع، وعلى الملكية العمومية لوسائل الإنتاج، وأحادية العمل السياسي في إطار دولة الحزب الواحد، وإعادة التأكيد الدستوري على منع أي شكل من أشكال التعددية السيّاسية والنّقابية في البلد.

      ومن المظاهر البارزة لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي (الفترة الممتدة من سنة 1962 و إلى غاية 1989) من منطلق القوّة العمومية (السُّلطة العمومية Autorité Publique):

      - ضمان التسيير المباشر للمرافق العامة من طرف الدولة، باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة، وهو "التسيير الذي تتحمل من خلاله الجماعة العمومية (الدولة، الجماعات المحلية) كل أعباء التسيير ولا يملك المرفق العمومي لوحده الشخصية المعنوية الخاصة به"[2]؛- إن الدولة الاشتراكية هي بمثابة الشخص المعنوي الوحيد المؤهل قانونا بالتعاقد والتملك والتقاضي، وعليه فإن المؤسسة المسيّرة ذاتيا (1962-1965)، والشركة الوطنية (1965-1971)، والمؤسسة الاشتراكية (1971-1988)، والمؤسسة العمومية الاقتصادية (1988) لم تكن تحوز على الشخصية القانونية التي تؤهلها للتملك والتعاقد والتقاضي، "لكونها كانت مرافق ملحقة بالدولة والجماعة المحلية ومندمجة فيها وتابعة لها".[3]

      فالمؤسّسةُ الاقتصادية في ظلِّ النظام الاشتراكي لم تكن مطالبة بتحقيق الربحيّة أو ما يعرف اصطلاحا بالغرض الرّبحي (à but lucratif)، بقدرِ ما كانت المؤسّسةُ العمومية الإدارية والاقتصادية مطالبةً بتنفيذِ برامجَ اقتصاديةٍ ذاتِ مضمونٍ اجتماعي الهدفُ منه:- تلبيةُ الطّلبِ على الشُّغلِ وامتصاصِ اليدِ العاملة، وتمكين المواطنين من مناصب شغل تسمح لهم بإيراد مالي (أجر) منتظم بغرض تلبية حاجيات أسرهم ضمن السياسات العامة للدولة التي كانت تقوم على التوزيع العادل للمداخيل؛- إنّ الدّولة كانت تَعتبرُ المؤسّسة العمومية الإدارية والاقتصادية بمثابةِ ذراعِها الاجتماعي في المجتمع، وبالتّالي فإنّه تجبُ حمايتُها من الإفلاس، أو في حالة عدمِ القدرةِ على السّداد، فأخضعها المشرّعُ الجزائري للقانون العامّ في تعاملاتِها مع تفرُّعاتِ الدّولة خدمةً للمصلحةِ العليا للمجتمع، كما تميّزت السُّلطاتُ العمومية الجزائرية بعدم التّفريطِ في المؤسّسةِ العامّةِ الإدارية والاقتصادية.

      - الدّساتيرُ الجزائرية ما بعد دستور 1989: يُعتبرُ دستور 1989 بمثابة أوّلِ دستورٍ- قانون بالجزائر، وذلك باعتبار أنّ ما جاء في أحكامِه شكّلَ نقلةً دستوريةً نوعية في مجال الإقرارِ الدّستوري الصّريح بالدّولة المعدِّلة أو المنظِّمة اقتصاديًا واجتماعيًا، وترسيخِ "الفصلِ بين الدّولة باعتبارها سلطةً عمومية والدّولة باعتبارها المالكَ لرأسمالِ المؤسّساتِ الاقتصاديةِ والتّجارية".[4]

      كما تمّ الفصلُ بين السُّلطاتِ الثّلاث (التّشريعية والتّنفيذية والقضائية)، خلافًا لدستور 1976 الذي استعمل تعبيرَ "تنظيم السُّلطات، ووزّعها بين ستّةِ وظائفَ هي: السّياسية والتّنفيذية والتّشريعية والقضائية ووظيفة المراقبة والوظيفة التّأسيسية".[5]

      وبالإضافةِ إلى الإقرارِ الدّستوري لِمبدأِ المساواةِ بين المواطنينَ أمام القانون، ومنعِ أيِّ شكلٍ من أشكالِ التّمييز بين المواطنين (المادة 29)، وتكفُّلِ الدّولة بالحرّيات الأساسيةِ للإنسانِ والمواطن (المادة:31)، وضمانِ الحقِّ في الدّفاع الفردي أو الجمعوي عن الحقوق الأساسية للإنسانِ وحرّياتِه الفردية والجماعية (المادة:33)، والتّكريسِ الدّستوري لحرّيةِ التّعبيرِ وإنشاءِ الجمعياتِ والاجتماع (المادة:41)؛ فقد جاء في دستور 1989 ما يمكن اعتبارُه مقاربةً جديدةً لمفهومِ الدّولةِ القائمة على:

      - التّعدّدية السّياسية:- إلغاءُ سيطرةِ الحزبِ الواحد على الحياةِ السّياسيةِ في الجزائر؛- الإقرارُ بمبدأِ التّعدّدية السّياسية وحرّيةِ التّجمعِ وإنشاءِ الجمعيات؛- إلغاءُ أيِّ ربطٍ عضوي بين الدّولةِ والحزب أو الأحزابِ القانونيةِ القائمة.

      -الحرّية الاقتصادية:- إلغاءُ احتكارِ الدّولة للتّجارةِ الدّاخلية والخارجية؛- فتحُ السّوق المحلّي أمام المنتجاتِ من خارجِ الوطن؛- تحريرُ الأسعارِ وتركُها لمقتضياتِ السّوق؛- تمكينُ المتعاملينَ العموميينَ والخواصّ من المبادرة في الشّأنِ الاقتصادي؛- السّعيُ إلى توفيرِ مُناخِ استثمارٍ مساعدٍ لرأسِ المالِ الأجنبي؛

      - التّعدّدية النّقابية:

      إلغاءُ احتكارِ منظّمةِ الاتّحادِ العامّ للعمّالِ الجزائريين للعملِ النّقابي، والانفتاحُ على التّعدديةِ النّقابية على مستوى قطاعاتِ النّشاطِ الاقتصادي والخدمي والوظيفةِ العمومية، وتمكينُ المنظَّماتِ النّقابيــة للعمـل ولأصحابِ العمل وليدةَ دستور 1989 من التّأسيسِ والنّشاط.

      - ممارسةُ الحقِّ في الإضراب: تمكينُ العمّالِ والموظّفينَ من ممارسةِ الحقِّ في الإضراب، بعد أن كان يُسمحُ به على مستوى القطاعِ الخاصّ دون القطاعِ العمومي أو الوظيفةِ العامّة.[6] 

      ومن النّتائجِ المباشرة لدستور 2016[7] والتي لها علاقةٌ وطيدة بمكانةِ القانونِ العامّ الاقتصادي بالجزائر ضِمنَ السّياساتِ العامّة للدّولة الجزائرية في ظلّ اقتصادِ السّوق، ما يأتي:

      - تراجع الدولة باعتبارها سلطة عمومية في مجال إدارة وتسيير النشاط الاقتصادي بكيفية مباشرة وتركها المجال للمؤسسة العمومية الاقتصادية وللقطاع الخاص الوطني والمختلط والأجنبي وفق تدابير قانونية تستمد مرجعتيها من الالتزامات الدولية للجزائر في كلِّ ما يتعلّقُ بضمانِ وحمايةِ المستثمِر الأجنبي؛

      - توسيع دائرة استعمال عقد الامتياز المرفقي على المستوى الوطني بعد أن شرعت السلطات العمومية في حل بعض الدواوين، وتمكين القطاع الخاص من تعويض الدولـــة في استيراد الموّاد والبضائـــع والمنتوجات والمواد الأولية التي تدخل في التصنيع المحلي؛

      - تنفيذ العديد من برامج الهيكلة والتثبيت (Programme d’Ajustement Structurel) مست أسس ومبادئ التنظيم الاقتصادي الجزائري بغرض تحقيق التكييف التشريعي والقانوني مع متطلبات اقتصاد السوق، وتبعات انسحاب الدولة باعتبارها سلطة عمومية من الإدارة المباشرة للشركات والمؤسسات العمومية الاقتصادية تحت ضغط الالتزامات الدولية للدولة لجزائرية مع كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي على مدار الفترة الزمنية 1989-1998 (أبرمت الجزائر أول اتفاق للتسهيلات المالية مع كل من "صندوق النقد الدولي" و"البنك العالمي" في شهر ماي 1989، والثاني تمّ في جوان 1991، والثالث في شهر ماي 1994، والرابع في شهر ماي 1995)؛

      - التوجه نحو التصديق على أهم الاتفاقيات الدولية في مجال الاستثمار والمبادلات التجارية البينية أو المتعددة الأطراف التي من شأنها أن تمكن الدولة الجزائرية من ولوج الفضاء الاقتصادي الدولي القائم على الاقتصاد الحر، والتقليل من تدخل الدولة وأهمها: - التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة في نيويورك الصادرة بتاريخ 10 جوان  1958 والخاصة باعتماد القرارات التحكيميّة الأجنبيّة وتنفيذها بموجب القانون رقم:88-18 المؤرخ في 28 ذي القعدة 1408 الموافق لـ 12 جويلية 1988 والمتضمن الانضمام لهذه الاتفاقية الدولية؛[8] - التوقيع والتصديق على الاتفاقية الدولية المتعلقة بتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى بموجب الأمر رقم :95-04 المؤرخ ـ21 جانفي1995؛ - الموافقة على الاتفاقية الدولية المتضمّنة إحداث الوكالة الدولية لضمان الاستثمارات بموجب الأمر رقم: 95-05 المؤرخ في 19 شعبان 1415ه الموافق لـ21 جانفي1995.

      أكّدت أحكامُ دستور 2016 (ج.ر.ج.ج، عدد 14، تاريخ 07/03/2016) على أنّ الدّولة الجزائرية لم تتنازل عن سيادتِها الوطنية وحمايتِها لعناصرِ الوَحدة السّيادية وهي تتعاملُ مع المؤسّسات المالية العالميّة، بل يجدُ الباحثُ في الشّأنِ الاقتصادي أنّ الدّولة قد تمسّكتْ بدفاعِها التّقليدي عن أهمّيةِ تواجدِ عنصرِ الدّولة في عقود الاستثمار، وتثمينِ الثّرواتِ الباطنية والدّليل على هذا التّمسُّك...

      أبقتِ الدّولة على المفهومِ الوطني للمِلكيةِ العامّة التي تشمُلُ باطنَ الأرض، والمناجمَ والمقالع، والمواردَ الطّبيعية للطّاقة، والثّرواتِ المعدنيةِ الطّبيعية والحيّة في مختلفِ المناطقِ البحريةِ والمياهِ والغابات، كما تشمُلُ النّقلَ بالسّككِ الحديدية، والنقلَ البحري والجوّي، والبريدَ والمواصلاتِ السّلكيةِ واللاسلكية (أنظر: المادة 18 من الدّستور الجزائري السّاري المفعول)،كما أنّها أكّدت على أنّ الأملاكَ الوطنية يحدّدُها القانون، وتتكوّنُ من الأملاكِ العمومية والخاصّة التي تملكُها كلٌّ من الدّولة، والولاية، والبلدية، على أن يتمَّ تسييرُ الأملاك الوطنية طبقًا للقانون (أنظر: المادة 20 من الدستور)؛- التزامُ الدّولة الجزائرية بما تتعهّدُ به على الصّعيدِ الدّولي تماشيًا والتزاماتِها الدّولية (أنظر: المادّة 150 من الدّستور الجزائري 2016).[9]

      بالإضافةِ إلى الإصرارِ على أنّ تنظيمَ التّجارةِ الخارجية هو من اختصاصِ الدّولة، على أن يحدِّدَ القانونُ شروطَ ممارسةِ التّجارةِ الخارجية ومراقبتِها (أنظر: المادّة 21 من الدّستور)، وتكريسِ حرّية الاستثمارِ والتّجارة على مستوى التّراب الوطني (أنظر: المادة 43 من الدستور)،[10] على أن تمارَس هذه الحرّية في إطار القانون (التّأكيدُ على أنّ قانونَ الدّولة المضيفة للاستثمار يُشكِّلُ القاعدة وليس الاستثناء)، بالإضافةِ إلى تحسينِ مُناخِ الأعمال (Le Climat des affaires)، وتشجيعِ ازدهارِ المؤسّساتِ دون تمييزٍ خدمةً للتّنميةِ الاقتصاديةِ الوطنية، وتكفُّلِ الدّولة بضبطِ السّوق وحمايةِ المستهلِك ومنعِ الاحتكارِ والمنافسةِ غيرِ النّزيهة.

      الفرع الثاني: القانون كمصدر من المصادر الداخلية للقانون العام الاقتصادي

      دخلت الجزائر، بعد التصديق الشعبي الواسع على دستور 23 فبراير 1989، في إصلاحٍ قانوني واسعِ النّطاق كان الهدف منه تحقيق الانتقال السّلس من الدولة المتدخلة في النشاط الاقتصادي نحو الدولة المعدّلة أو المنظّمة. وهي الدولة التي قررت أن تنسحب من هذه الأسواق (الإنتاج والتوزيع وتحديد أسعار الاستهلاك)، وألّا تتدخل إلّا في حدود التعديل وضمان الحدود الدنيا من الضبط الاقتصادي والاجتماعي (La régulation économique et sociale) الذي يقع على كاهلها.

      - تكييف المنظومة القانونية ومتطلبات مرحلة ما بعد دستور 1989: ومن الإصلاحات العميقة التي أجرتها الحكومات المتعاقبة من تاريخ 23 فبراير 1989، ومست معظم القوانين ذات الصّلة بالقانون الاقتصادي بشقيه العمومي والخاص:- الإصلاح العميق الذي مسّ القانون الاجتماعي في الجزائر من خلال تكريس نظام علاقات عمل جديد تصنع قواعده المفاوضة الجماعية والحوار الاجتماعي بين مختلف أطراف الإنتاج (حكومة ومنظّمات نقابية لأصحاب العمل والعمال)، وقد جاء ليحل محل النظام القانوني القديم الذي حددته نصوص قانون التسيير الاشتراكي للمؤسّسات (الأمر رقم 71-74 المؤرخ في 16 نوفمبر 1971 والمتعـــــلق بالتسيير الاشتراكي للمؤسسات)، والقانون الأساسي العام للعامل (القانون رقم 78-12 المؤرخ في 05 أوت 1978 المتضمن القانون الأساسي العام للعامل).والنتيجة أن أصدرت الجزائر منظومةً قانونيّةً جديدة في كلِّ ما يتعلّقُ بالعمل أسّستْ للمفاوضةِ الجماعية والحقِّ في الإضراب والتّعدديةِ النّقابية، وفي مقدّمتها القوانينُ الآتية:- القانون رقم:90-02 والمتعلق بالوقاية من المنازعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب؛- القانون رقم:90-03 والمتعلق بمفتشية العمل؛-القانون رقم:90-04 والمتعلق بتسوية المنازعات الفردية في العمل؛- القانون رقم:90-11 والمتعلق بعلاقات العمل.

      بالإضافة إلى الشروع في تنفيذ برنامج إصلاح المنظومة البنكية والنقدية لتكون ملائمة للتوجهات العامة للدولة نحو المزيد من التحكم في نسب عجز الموازنة العامة، وفي معدلات التضخم من خلال إصدار قانون يتعلق بالنقــد والقرض يتمتع باستقلالية البنك المركزي في إدارة وتسيير كل ما يتعلق بموضوعي النقد والقرض (قانون رقم:90-10 مؤرخ في 19 رمضان 1410 الموافق لـ14 أبريل 1990 المعدل و المتمم)؛- تعديل قانون الأملاك الوطنية ليكون ظهيرا وسندا للتوجهات الاقتصادية الجديدة التي تقوم على الحق في ممارسة حرية التجارة والاستثمار (قانون رقم:90-30 مؤرخ في 14 جمادي الأول 1411 الموافق لأول ديسمبر 1990 والمتضمن قانون الأملاك الوطنية)؛- إصلاح المنظومة الجبائية والجمركية[11] لتواكب أحكامها اشتراطات الدولة المعدّلة التي تقوم على حسن الأداء الضريبي والتحصيل الجبائي.بالإضافة إلى إصدار أول مرسوم تشريعي يتعلق بترقية الاستثمار بالجزائر (المرسوم التشريعي رقم:93-12 مؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر 1993 والمتعلق بترقية الاستثمار- ج.ر.ج.ج، عدد 64 لِسنة 1993).

      وهو الإصدار القانوني الأول من نوعه بالجزائر يتضمن تشجيعا مباشرا للاستثمار الخارجي بعد أن كانت الجزائر ترفض أي نوع من الاستثمار خارج الاستثمار العمومي للدولة.[12]

      - تكييف الطبيعة القانونية للمؤسسة العمومية الاقتصادية: وبالنسبة للإصلاحات التي مست النظام القانوني للمؤسسة العمومية الاقتصادية، منذ تاريخ 23 فبراير 1989، أصدرت الدولة الجزائرية أحد أهم القوانين المنظمة للمؤسسة العمومية الاقتصادية في ظل سوق تنافسي أقرّ المشرع الجزائري بموجبه مصطلح الخوصصة[13] (الأمر رقم 01-04 مؤرخ في أول جمادي الثانية 1422 الموافق لـ20 أوت 2001 والمتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها (ج.ر.ج.ج، عدد 47 لِسنة 2001).

      وفي الإطار العام القاضي بتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أصدرت السلطات العمومية قانون رقم 17-02 مؤرخ في 11 ربيع الثاني 1438ه الموافق لـ10 جانفي 2017، المتضمن القانون التوجيهي لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ج.ر.ج.ج، العدد 02 لِسنة 2017)، بالإضافة إلى قوانين المالية التي أصبحت تتضمن أحكامًا وبنودًا تخصّ المؤسّسة العمومية الاقتصادية[14] بغرض تمكينها من البقاء في الساحة الاقتصادية بدعم مباشر وغير مباشر من طرف السلطات العمومية.

      والدولة الجزائرية، وبعد أن تبنت جميع دساتيرها، بعد دستور 23 فبراير 1989،آليات اقتصاد السوق، لم تتوقف من التدخل في النشاط الاقتصادي بواسطة شركات مساهمات الدولة (Les Sociétés de Gestion des Participations de L’Etat)[15] التي كانت تؤدي وإلى غاية انشاء المجمعات الصّناعية الكبرى دور المتعامل الاقتصادي بالنيابة عنها باعتبارها صاحبة المسئولية في إدارة وتسيير أموالِ الدولة وفق قواعد وآليات السوق بعيدا عن القانون العام، بل يسجل الباحث في الشأن الاقتصادي تشجيع السلطات العمومية الجزائرية على حرية الأطراف المتعاقدة في مجال الاستثمار اختيار التحكيم التجاري الدولي عند المنازعة (راجع نص المادة 24 من القانون رقم:16-09 المؤرخ في 03 أوت 2016). هذا ويبقى للدولة حق المبادرة بإنشاء مؤسسات عمومية ادارية و صّناعية وتجارية دون النظر لمعيار تحقيق الربحيّة.



      [1] يقصد بالدولة المعدّلة أو الدولة الضاّبطة التخلي عن النشاط الاقتصادي أو الإنتاجي أو الخدمي من منطلق صاحبة السلطة و السيّادة و الابقاء على تدخلها في حدود الرقابة  التحكيم وتوفير الاطار التشريعي والقانوني والتنظيمي  المساعد للأعمال التجارية والاستثمار، فالدستور المعدّل(1989) ألغى احتكار الدولة للتجارة الداخلية والخارجية وكرّس الحق في الملكية الفردية والجماعية. وأوضح دستور2016 على أن الملكية العامة هي ملك المجموعة الوطنية (راجع المادة 18) وتشمل باطن الأرض، والمناجم، والمقالع، والموارد الطبيعية للطاقة والثروات المعدنية الطبيعيــــة والحية، في مختلف مناطق الأملاك الوطنية البحرية والمياه والغابات. كما تشمل النقـــل بالسكك الحديدية والنقل البحري والجوي والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية وأملاكا أخرى محددة في القانون.

      [2] نادية ضريفي: تسيير المرفق العام و التحولات الجديدة، مرجع سابق،ص:24.

      [3] المرجع نفسه، ص:24.

      [4] المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، مرجع سابق، ص 17.

      [5] سعيد بو الشعير: النظام السياسي الجزائري، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2013، ص 5.

      [6] الأمر 75-31 المؤرخ في 29 أفريل 1975 والمتعلق بالشروط العامة لعلاقات العمل في القطاع الخاص (ج.ر.ج.ج، العدد 39، التاريخ:16-05-1975). وهو القانون الذي كان ينظم ممارسة الحق النقابي داخل المؤسسات والشركات الخاصة وقد شكّل مرجعا رئيسا لمرحلة ما بعد التصديق على دستور 1989.

      [7] قانون رقم:16-01 المؤرخ في 06 مارس 2016 (ج.ر.ج.ج، عدد 14، تاريخ: 07/03/2016).

      [8] كان التصديق على اتفاقية نيويورك لعام 1958 ضمن التوجه الحكومي لإصلاح المؤسسة العمومية الاقتصادية العام 1988 (المشرع الجزائري تحدث في القانون رقم: 88-01 – القانون التوجيهي للمؤسسة العمومية الاقتصادية- وللمرة الأولى عن اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي). وهي أحد أهم الاتفاقيات الدولية التي تعنى بتنظيم المنازعات التجارية و ضمان الاستثمارات على الصعيد الدولي.

      [9] جاء بنص المادة 150 من الدستور الجزائري (دستور 2016) الآتي: "المعاهدات التي يصدّق عليها رئيس الجمهورية، حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون".

      [10]  جاء بنص المادة:43/ ف:1 من القانون رقم:16-09 الآتي: "حرية الاستثمار والتجارة معترف بها وتمارس في إطار القانون".

      [11] قامت السلطات العمومية بتحديث  القانون الجبائي، كما قامت بتعديل و تتميم القانون الجمركي بموجب  أحكام قانون جديد(قانون رقم:17-04 مؤرخ في 19 جمادي الأول 1438 الموافق لـ16 فبراير 2017، المعدل و المتمم للقانون رقم:79-07 مؤرخ في 26 شعبان 1399 الموافق لـ21 جويلية 1979 و المتضمن قانون الجمارك- ج.ر.ج.ج،العدد 11، التاريخ:19 فبراير 2017).

      [12] يعتبر القانون رقم:16-09 و المتعلق بترقية الاستثمار، المؤرخ في 29 شوال 1437 الموافق لـ03 أوت-غشت-2016(ج.ر.ج.ج، العدد 46، تاريخ 03 أوت 2016)  أهم قانون محفز للاستثمار الوطني والأجنبي على حد سواء.

      [13] اختار المشرع الجزائري مصطلح الخوصصة على مصطلح الخصخصة أو الخاصيّة( و هي مصطلحات مستعملة في المشرق و الخليج العربيين).

      [14] نص المادة 62 من القانون رقم:15-18 المؤرخ في 18 ربيع الأول 1437 الموافق لـ30 ديسمبر 2015 و المتضمن قانون المالية لسنة 2016(ج.ر.ج.ج، العدد 72، التاريخ:31 ديسمبر 2016) التي أوجبت على المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تنجز عمليات شراكة عن طريق فتح الرأسمال الاجتماعي لفائدة المساهمة الوطنيّة المقيمة طبقا للتشريع الساري المفعول، الاحتفاظ بنسبة 34% من مجموع الأسهم أو الحصص الاجتماعية.

      يمكن المساهم الوطني المقيم، بعد انتهاء مدّة (5) سنوات، و بعد اجراء المعاينة قانونا على احترام جميع التعهدات المكتتبة، رفع أمام مجلس مساهمات الدواة، خيار شراء الأسهم المتبقيّة.

      في حالة موافقة المجلس، تتم عملية التنازل بالسعر المتفق عليه مسبقا في ميثاق الشركاء أو بالسعر الذي يحدده المجلس. تحدد كيفيات تطبيق أحكام هذه المادة، عند الحاجة، عن طريق التنظيم.

      [15] هي شركات إدارة وتسيير الأسهم والقيّم المنقولة جاءت كنتيجة  لتطبيقات الأمر رقم 04-01 المؤرخ في 20 أوت 2001  المتعلــــــــــق بتنظيـــــــــــــــــــم وتسيير وخوصصة المؤسسات العمومية الاقتصادية، وهو الأمر الذي حل الشركات القابضة (الهولدينغ) وعوضها بشركات تسيير مساهمات الدولة لفعاليتها في إدارة وتسيير المحافظ المالية للدولة.

      ولمزيدٍ من الاطلاع على تطبيقات الأمر المذكور أعلاه انظر:-عبدالحفيظ بقة: الحماية القانونية للعامل في ظل الخوصصة والتسريح الاقتصادي، أطروحة دكتوراه علوم،  جامعة باتنة، 2012-2013، ص 31-33.


  • المحاضرة الرابعة

    • المصادر الدولية للقانون العام الاقتصادي

      (المحاضرة الرابعة)

      أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة بعنوان" المصادر الدولية للقانون العام الاقتصادي" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على المصادر الدولية للقانون العام الاقتصادي في ظل تواجد المنظمة العالمية للتجارة التي أصبحت تشرف وتراقب وتتابع عقود التجارة الدولية.

      وتكمن كذلك   أهمية هذا القانون(القانون العام الاقتصادي) في الرغبة الشديدة  على تعزيز الزاد المعرفي القانوني للطالب الجامعي الذي اختار تخصص القانون العام  في مجال الاقتصاد  العمومي الذي تديره الدولة بواسطة  صناديق مساهمة (رؤوس أموال تجارية تابعة للدولة).

      ويتضاعف  الاهتمام بالقانون العام الاقتصادي  مِن لدن الباحثين  على مستوى كليات الحقوق في الجزائر بالنظر لأهميته في تعريف الطالب بالدور الرئيس للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة الدولية  في  تقليص أو توسيع دائرة تدخل الدولة في النشاط التجاري والصناعي و الخدمي .

      عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى يصبح هذا المقياس مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:

      -دور وأهمية الاتفاقيات الدولية في العلاقات التجارية البينية و طبيعة الأثر الذي تحدثه على الصعيد الوطني(المحلي) في تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي وكيفية تسيير رؤوس أموالها التجارية التابعة لها وفق آليات وقواعد السوق.

      -البحث في المنظمات الدولية و كيفية إصدارها لاتفاقيات دولية تصبح مرجعا للمشرع الوطني(المحي) دون أن يعني ذلك تدخلا في سيادة الدول.

      -   موقف المشرع الجزائري من الاتفاقية الدولية و اعتمادها  وجعلها تعلو على القانون المحلي(الوطني)  بغرض الاندماج في المجتمع الدولي.

      -البحث في خصائص ومميزات الاتفاقية الدولية. 

      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة )لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:

      *ما أهمية الاتفاقية الدولية في صياغة نصوص القانون العام الاقتصادي؟

      *ما موقف المشرع الجزائري من الاتفاقية الدولية قبل وبعد تاريخ التعديل الدستوري لعام 1989؟

      الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة الرابعة في تمكين  الطالب الجامعي مِن الوقوف على طبيعة وأهمية و دور الاتفاقية الدولية في صياغة النصوص و القواعد الناظمة للاقتصاد الوطني بصفة عامة و طبيعة تدخل الدولة عبر رؤوس أموالها التجارية في تنشيط  الحركية الاقتصادية و التجارية و الخدمية.

       تقديم؛

      تتحدد المصادر الخارجية للقانون العام الاقتصادي في العديد من المواثيق، والإعلانات، والعهود، والاتفاقيات الدولية التي تكون محلّ تصديق من الدولة المعنية.

      الفرع الأول: أهميّة المصادر الخارجية (الدولية)

      إنّ الدولة في ظل نظام العولمة الاقتصادية،[1] لم يعد بوسعها أن تحدد نظامها الاقتصادي (إنتاج، وبيع، ومعاملات وإبرام عقود، وتحديد الأسعار، وتنظيم الأسواق، والشبكات التجارية..) لوحدها، ودون الأخذ بعين الاعتبار المرجعية القانونية الدولية المنظّمة للتجارة والصّناعة والاستثمار والبيئة، وللأثر المباشر لما تصدّق عليه من اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف في منظومتها القانونية المحليّة.وتأتي أهميّة دراسة ومناقشة المصادر الخارجية (الدولية) للقانون العام الاقتصادي، بغرض الوقوف على دورها في التأسيس لقانون وطني (محلي) في مجال تدخل الدولة في الاقتصاد والتحكم في مواردها الطبيعية، حتى وإن كان ذلك، في إطار آليات وقواعد اقتصاد السوق التي أصبحت غالبة في العلاقات الاقتصادية الدولية.

      ومن أهم المصادر الدولية للقانون العام الاقتصادي حسب الأهميّة أذكر الآتي:

      - التوصيات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة: جاء الإعلان الرسمي عن تأسيس منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 24 أكتوبر 1945، واعتماد الميثاق المؤسّس لها بتاريخ 26 جوان 1945،مباشرة بعد الإعلان عن انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، والتي تحددت أهدافها في الآتي:

      -تحقيق التعاون بين القانـــــــون الدولي والأمن العالمي(ما المقصود بالتعاون الدولي و تحقيق الأمن العالمي ؟؛

      -التنمية الاقتصادية( ما المقصود بالتنمية الاقتصادية؟) وما هو الدور الأممي في تمكين شعوب العالم من التمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الضرورية  لحياة كريمة؟؛

      -الرقيّ الاجتماعي( كيف لشعوب العالم النامي أن تستفد من النمو الاقتصادي العالمي ؟)؛

      -حقوق الإنسان.

      وهي المنظّمة الدولية التي تضمّن ميثاقها، وعلى عكس الميثاق المؤسّس لعصبة الأمم المتحدة سنة 1919، وللمرّة الأولى في تاريخ الوثائق الدولية كلمة "شعوب": (نحن شعوب الأمم المتحدة) والتي جاء تأسيسها كذلك من أجل إقامة رباط وثيق بين الأمن والسلام و التنمية[2] على الصعيد الدولي تكون للشعوب فيها الكلمة الفصل.

       هذا وقد مرت الجزائر بمرحلتين أساسيتين في التأسيس لقواعد القانون العام الاقتصادي، وعليه رأيت أنّ من الضرورة بمكان أن أقوم بالتقسيم الآتي:-المرحلة الأولى: ( 1962 – 1988) والمتميّزة بغلبة الاستثمار العمومي؛-المرحلة الثانية: (1989) وأبرز صورها اعتماد آليات اقتصاد السوق بمضمون اجتماعي.

      - مميّزات المرحلة الأولى (1962-1988):تتحدد مميّزات الفترة الزمنية (1962-1988) في كونها كانت فترة بناء الدولة الجزائرية ذات السيّادة المطلقة على ثرواتها وأراضيها، دولة تقوم على أساس الملكية العامة لوسائل الانتاج في ظل الدولة المتدخلة في النشاط الاقتصادي.

      والجزائر كانت من بين الدول التي طالبت بنظام اقتصادي أكثر عدلا يقوم على حماية الثروات الباطنيــة وتوجيهها لتكون في خدمة شعوب العالم النامي،[3] وهي المطلبيّة التنمويّة التي واجهتها الدول الرأسمالية بقوّة.

      ومن بين التوصيات التي تمكنت الدّول النامية من استصدارها لتكون دعما دوليا في مطالبتها بحماية أكبر لثرواتها الباطنية، وقد كان سندها في ذلك ما كرسه ميثاق الأمم المتحدة (فقرة 7-مادة 2) من مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، أذكر: - التوصية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخة في 24 ديسمبر 1970 التي تناولت الاستراتيجية الدولية من أجل التنمية في العشرية الثانية للأمم المتحدة. هذا وقد سبق أن اعترف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (جنيف-1964) بدور البلدان النامية في التنمية على الصعيد الدولي، وهو المؤتمر الذي طالب المشاركون فيه بمعاملة خاصة.[4]والجزائر التي كانت دبلوماسيتها دبلوماسية هجومية على الصعيد الدولي دفاعا عن مبدأ المساواة السيادية،[5] سعت، وبدعم من مجموعة البلدان النامية، من أجل إحداث تغييرات جذرية في القواعد الكلاسيكية للقانون الدولي، وإعطاء مبدأ السيادة في القانون الدولي بعدا اقتصاديا يشمل السيادة على الثروات الطبيعية الذي يعتبر شرطا أساسيا لضمان استقلالية البلدان النامية.[6]

      ومن الأساليب القانونية التي تبنتها السلطات العمومية الجزائرية على مدار الفترة الممتدة بين سنتي 1962 و1988:

      -التأميم أو التأميمات (Les nationalisations): والتأميم، حسب ما جاء بالموقع العلمي ويكيبيديا، هو نقل ملكية قطاع معيّن ملكية الدولة، أي تحويله إلى القطاع العام.

      ومن قرارات التأميم التي يسجلها التاريخ الجزائري بأحرف من ذهب قرار تأميم المناجم بتاريخ السادس من شهر ماي 1966 التي كانت البداية الفعلية للتأسيس لاقتصاد جزائري مستقل عن  اقتصاد دولة الاحتلال الفرنسي.

      وهو القرار الذي أعقبه تأميم الفروع البنكية الفرنسية المتواجدة بالجزائر و الاعلان عن انشاء القرض الشعبي الجزائري، والبنك الوطني الجزائري.

      جاءت التأميمات مباشرة بعد أن قرر مجلس قيادة الثورة والحكومة بقيادة الرئيس الراحل هواري بومدين تشكيل لجان لدراسة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والمالية بتاريخ 22 جويلية 1965 التي كان من مهامها تقديم مقترحات يكون من شأنها إعادة الاعتبار للمؤسسة العامة الاقتصادية.

      وأفضت اللجان المشكلّة من موظفين ونقابيين وخبراء اقتصاد وقانون ومالية التي كانت تشتغل تحت إشراف وزارةِ الاقتصادِ والتّخطيط إلى اقتراح مشاريعَ أوامرٍ تخصُّ المؤسّسةَ العامّة الإدارية والاقتصادية، بالإضافة إلى اقتراح مفهومٍ جديد للمَرفقِ العامّ، وتحديدِ الطّبيعةِ القانونية للشّركات الوطنيةِ على النّحو الآتي:

      - مؤسَّسة عامّة إدارية، ومؤسّسة عامّة صناعية أو تجارية،

      [7]بالإضافة إلى اعتماد نموذجٍ الشّركة الوطنية.[8]وفي الإطار ذاتِه، وبعد الإقرارِ الرّسمي لأوّلِ مخطّط ثلاثي للتّنمية الوطنية (1967-1970) والشّروع في التّأسيس للمجالس البلدية والولائية المنتخَبة العام 1967، والإعلان عن انشاء أول مجلس وطني اقتصـادي واجتماعي (06 نوفمبر 1968)،[9]

      تواصلت التأميمات التي شملت النقـل بمختلـف أنواعه (البري والجوي والبحري)، واسترجاع المساحات التجارية الكبرى التي كانت تشتغل كفروع للمساحات الكبرى الفرنسية ،كما تواصل الاعلان عن انشاء مؤسسات عامة ادارية على مستوى الولايات والدوائر والبلديات بغرض تكريس تواجد الدولة من جهة وتقديم الخدمة الضرورية في مجال النقل والتعليم وإصلاح الطرق من جهة ثانية للمواطن.

      والجزائر التي كانت عضوا نشطا في المحافل الدولية و أحد أهم الدول المصدّقة على توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تكن سياسة التأميم التي تبنتها في تضاد مع السياسات العامة للهيئة الأمميّة، بل كانت ترجمة للحق في ممارسة السيادة الوطنية على الثروة الباطنية وتوجيهها لما يخدم التنمية الوطنية.

      - التخطيط المركزي كأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية: اختارت الدولة الجزائرية في الفترة الممتدة من سنة 1970 وإلى غاية 1981 نظام اقتصاد الدولة القائم على التخطيط المركزي الذي تشرف عليه الدولة المركزية عن طريق وزارة التخطيط، والتصنيع السريع[10] الذي كان يقوم على تبني الخطط الرباعية والخماسية في مجال التنميــة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإشراف المباشر على برامج التنمية على مستوى تراب الجمهورية.

      بادرت السلطات العمومية، بعد التقييم الإيجابي لأول مشروع  مخطط للتنمية(1967-1970) و نجاح التأميم الذي مسّ قطاعات كانت خارج دائرة الرقابة الحكومية للدولة المستقلة التي قررت ممارسة سيادتها التامة على ثرواتها الوطني كالمناجم والنقل والفروع البنكية، باعتماد أول مخطط رباعي (1970-1973) أعقبة مخطط رباعي ثان(1974-1977). كما قامت الجزائر باعتماد نموذج المخطط الخماسي، فكان أول مخطط خماسي(1980-1984) أعقبه مخطط خماسي ثان(1985-1989).

      وبعد الذي ذكرته من أهمية التأميم والمخططات التنموية التي أشرفت عليها الدولة باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة فإن من المظاهر الدّالة على أن الدولة الجزائرية المستقّلة، بعد 132 سنة من الاحتلال الفرنسي الغاشم، قد اختارت الاقتصاد العمومي على حساب الاقتصاد الخاص من خلال الآتي:

      - إعطاء الأولوية للملكية الجماعية لوسائل الانتاج(تفضيل المؤسسة العمومية الادارية والاقتصادية باعتبارهما الأدوات الإدارية والاقتصادية الأكثر ضمانا لتدخل الدولة-بكيفية مباشرة- في النشاط الاقتصادي)؛

      - تأميم الورشات والمصانع والوحدات الانتاجية والخدمية، وتحويل ملكيتها للدولة باعتبارها ممثلة للمجموعة الوطنية؛-تكفل الدولة من خلال تفرعاتها الادارية والاقتصادية بتوزيع الحاجيات الأساسية للمواطنين دون إشراك للقطاع الخاص؛- القبول بالقطاع الخاص (غير المستغّل) الحليف للثورة الاشتراكية في إطار السياسات العامة للدولة(قاطرة التنمية) دون القطاع الخاص الرأسمالي أو الطفيلي الذي كان يعتبر خصما للثورة الاشتراكية.

      - عقود المفتاح أو الانتاج في اليد كنموذج تنموي للدولة الاشتراكية: وهي نموذج تنموي تبنته الدولة الجزائرية في إطار السياسات التصنيعية أو ما كان بالصّناعة المصنّعة، وقد كانت إما في شكل :

      - عقود المفتاح في اليد (Accord Clé en Main):[11] وهو نموذج يخص عقود إنجاز لوحدات إنتاج، أو مركبات صّناعية كاملة التجهيز والمعدات مع متعامل عمومي أو خاص أجنبي يكون فيها هذا الأخير (المتعامل الأجنبي) في موقع مسئولية تكوين جزء من عمال التنفيذ والصيانة والإدارة التقنية في مصنعه الأم. ويخضع إنجاز هذا المصنع الكامل لما يأتي في الاتفاقية المبرمة بين الطرفين(من تاريخ الشروع في الإنجاز و إلى غاية تسليم المفتاح للبدء في الإنتاج)، أو  في شكل ثان والمتمثل في:

      - عقود الانتاج في اليد (Accord Production en Main): حيث تمّ تبني هذا النموذج الاقتصادي من الإنجاز ومضمونه أن يقوم المتعامل الأجنبي المكلف بإنجاز مصنع أو وحدة إنتاجية أو خدماتية بمتابعة المشروع المتفق بشأنه إلى غاية تشغيله نهائيا من طرف طواقم إدارية وتقنية جزائرية مع ضمان الصيانة البعدية من طرف الجهة الأجنبية.

      الفرع الثاني: أهم مميّزات المرحلة الثانية (مرحلة ما بعد دستور 1989)

      وهي مرحلة أساسية من بناء الدولة الوطنية في ظل نظام اقتصادي جديد يقوم على قواعد وآليات جديدة في مجال تنظيم الاقتصاد الوطني تميّزت بتبني العديد من المرجعيات القانونية الدّولية في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الاستثمار، وأهمها:

      - التصديق على العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية لعام 1966(دخل حيّز التنفيذ بتاريخ:03 جانفي 1976- بموجب القانون رقم:89-08 المؤرخ في 25 أفريل 1989)، بالإضافة إلى التصديق على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 الذي دخل حيّز التنفيذ بتاريخ:03 جانفي 1976؛

      - الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي تخص الاستثمار وأهمها:- اتفاقية مؤتمر الأمم المتحدة المتعلقة باعتماد القرارات التحكيميّة الأجنبية وتنفيذها لعام 1958؛- الاتفاقية الدولية المتعلقة بتسوية المنازعات المتعلّقة بالاستثمارات بين الدّول و رعايا الدّول الأخرى؛- الاتفاقية الدّولية المتضمّنة إحداث الوكالة الدّولية لضمان الاستثمارات)؛- إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف (عقد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، المنطقة العربية للتبادل الحر..).بالإضافة إلى تشجيع اللجوء إلى التحكيم التجاري لفض المنازعات المتوّلدة من عقود الاستثمار، بعد أن كانت ترى في اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي مسألة لا تخدم مصالحها ويتنافى مع مقتضيات السيادة الوطنية، ولذلك كانت المنازعات خاضعة لاختصاص المحاكم الوطنية؛[12]

      - خوصصة المؤسسات العمومية وفتح رأسمالها التأسيسي أمام القطاع الخاص الوطني (الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001 والمتعلق بتنظيم المؤسسات العموميّة الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها)، وتبني مبدأ الشراكة الاقتصادية من خلال التشجيع على الشركات الاقتصادية المختلطة وفق قاعدة:51-49.

      أسئلة مُختارة

      1-هل مِقياسُ القانون العام الاقتصادي يَندرِجُ ضمن خانة القانون الخاص؟

      2-ما مدى تأثير المواثيق و الاعلانات الدولية في التأسيس لقانون عام اقتصادي؟

      3-  ما أهمية الاتفاقيات الدولية التي يُصدق عليها رئيس الجمهورية في  صياغة القوانين الوطنية في المجال الاقتصادي و الاجتماعي؟

      4-  ما المقصود بالملكية العامة لوسائل الانتاج ؟

      5- لماذا مكَّن المشرع الجزائري مباشرة بعد التصديق الشعبي على التعديل الدستوري لسنة 1989(23 فبراير 1989) الشركات الوطنية و المؤسسات العمومية الاقتصادية مِن التمتع بالشخصية المعنوية التي تسمح لها بالحق في التعاقد والتملك واللجوء إلى القضاء؟

      6- مِن مُميزات الفترة الزمنية الممتدة مِن سنة 1962 وإلى غاية سنة 1989 في مجال التأسيس لقانون عام اقتصادي تمكين القطاع العام الاقتصادي مِن التواجد وقيادة قاطرة التنمية في الجزائر.حلل وناقش.

      7- مِن مميزات الفترة الزمنية التي أعقبت تاريخ التعديل الدستور لسنة 1989 وإلى غاية تاريخنا هذا أن تقلص دور  وتواجد القانون العام الاقتصادي لصالح القانون الخاص الاقتصادي بسبب انسحاب الدولة(صاحبة السلطة والسيادة) مِن الادارة المباشرة للشركات الوطنية والمؤسسات العمومية الاقتصادية. حلل وناقش.

      8- ما المقصود  بحرية الاستثمار  في الدولة المُعدلة؟

      9-  هل كانت المؤسسات العمومية الاقتصادية والشركات الوطنية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري قبل تاريخ إصدار القانون رقم 88-01  المؤرخ في 12 جانفي 1988 والمتضمن القانون التوجيهي للمؤسسة العمومية الاقتصادية تتمتع بالشخصية المعنوية؟

      حلل وناقش.

      10- ما المقصود بقولنا: إن الدساتير الجزائرية الصادرة من سنة 1963 و إلى غاية تاريخ التعديل الدستوري لعام 1989 كانت بمثابة دساتير برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية وتنموية؟حلل وناقش.

      11- ما صحة القول: إن القانون العام الاقتصادي أساسه عدم تدخل السلطة العمومية في النشاط الاقتصادي كصاحبة سلطة وسيادة؟

      12- هل لكل دولة عضو بالأمم المتحدة كل الحق في تنظيم وإدارة اقتصادها الوطني وِفقَ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية العامة دون تدخل خارجي في سيادتها الوطنية؟

      13-يرى جزء من الفقه القانوني الاقتصادي أنَّه كُلما كنا أمام تدخل واسع النطاق للدولة، باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة في النشاط الاقتصادي(تمويلا وإدارة للمؤسسات والشركات والمقاولات و توزيعا للسلع والبضائع وتحديدا إداريا للأسعار)،فإن نطاق تطبيق القانون العام الاقتصادي يتسع نطاقه وتتنوع نصوصه وتنظيماته؟

       



      [1] تقوم العولمة الاقتصادية على المؤسسات الماليّة العالمية الآتية:-صندوق النقد الدولي (Fond Monétaire International)- تاريخ الانشاء: 1944-البنك العالمي للإنشاء والتعمير والمعروف اختصارا بالبنك العالمي (Banque Mondiale) تاريخ الإنشاء:1944؛ والمنظمة العالمية للتجارة (Organisation Internationale du Commerce) تاريخ الانشاء:1994. وهي المؤسسات الماليّة المتواجدة على الصعيد الدولي والمعروفة (.. Les Institutions Internationales de Bretton Woods)،  وتقوم سياساتها على أولوية فتح الأسواق المحلية على حرية التجارة الدولية، وعدم  التحديد الاداري للأسعار (عند الانتاج أو الاستهلاك)، ومنع الدول من تحديد اداريّ لقيمة العملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية.

      بالإضافة إلى ضمان الدول لحرية النشاط الاقتصادي والتجاري والتسويقي ببضائع و السلع بين الدول دون تعريفات جمركية أو ضرائب مزدوجة. الجزائر عضو فعال في كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي منذ الاعلان عن الاستقلال ، إلا أنها لم تنخرط في عضوية المنظمة العالمية للتجارة التي أعلن عن إنشائها سنة 1994 بالمملكة المغربية، ودخلت حيز التنفيذ (النفاذ) في الأول من شهر جانفي 1995، لأسباب خاصة بها. وللتذكير، لقد انطلقت مفاوضات الانخراط منذ سنة 1997 وهي متواصلة إلى غاية إنجاز هذا البحث.

      يرى الدكتور بشير مصيطفي، أستاذ باحث ووزير سابق (المرجع: الجزائر والجولة الـ13 من مفاوضات التجارة العالمية، جريدة الحياة اليومية الصادرة باللغة العربية، الخميس 30 مارس 2017 الموافق لـ02 رجب 1438ه، ص 12) أن تأخر انضمام الجزائر للفضاء التجاري العالمي الحرّ يعود لأسباب كثيرة، لكن أهمها تحفظ الجزائر على عدد من بروتوكولات المنظمة في إدارة الشأن التجاري ، وضبط السياسة الاقتصادية للبلاد.

      [2] الدبلوماسي (Leopoldo BENITES): ميثاق الأمم المتحدة كأداة منظمة للمجتمع، مجلة الحق، إصدار اتحاد المحامين العرب، العدد الثالث، مصر، 1974، ص 3.

      [3] شهدت أشغال الدورة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1974 برئاسة الأمين العام السيد كورت فالدهايم (وزير نمساوي سابق داعم لاستقلال الجزائر) مرافعة من أجل نظام اقتصادي عالمي عادل بعيد عن الرأسمالية العالمية قام بها الرئيس الراحل هواري بومدين، وقد جاء هذا التواجد الجزائري القوي بالأمم المتحدة بعد نجاح مؤتمر عدم الانحياز المنعقد بالجزائر سنة 1973.

      للتذكير.. لقد شهدت سنة 1974 نشاطا واسعا لكل من صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية بغرض التقليل من دور ومكانة القطاع العام في كل من أوروبا وأفريقيا وآسيا.

      [4] د. عيبوط محند وعلي :الاستثمارات الأجنبيّة في القانون الجزائري، دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2012، ص 34.

      [5] لخص الدكتور عيبوط محند وعلي(المرجع  نفسه، ص:47) مفهوم مبدأ المساواة السيادية يتمثّل في العناصر الآتية:-أن كل الدّول متساوية من الناحية القانونية؛-أن كل الدّول تتمتع بكل حقوقها المترتبة عن سيادتها؛-أن شخصية الدولة محترمة وكذا حدودها الإقليمية و استقلالها السياسي؛-على الدولة،في إطار النظام الدولي، الالتزام بواجباتها و التزاماتها الدّولية.

      [6] المرجع نفسه، ص:47.

      [7] يوجد شبه اتفاق بين فقهاء القانون والاقتصاد على أن المؤسسة العامة الصناعية أو التجارية هي أحد الأشكال القانونيـــــــــــــــــة في المجالين الصناعـــــــــــي والتجاري تواجدا في كلا النظامين الرأسمالي أو الاشتراكي على حد سواء. وتقوم المؤسسة العامة الصناعية أو التجارية على جاهزين أساسيين يمنحان تدخلا مرنا للدولة في النشاط الاقتصادي، الأول للمداولة (Organe de délibération) والثاني للتنفيذ (Organe d’exécution).

      ومن أهم المؤسسات العامة الصناعية أو التجارية بالجزائر اذكر:-ديوان المطبوعات الجامعية(Office des Publications Universitaires) و كذلك ديوان المطبوعات المدرسية(Office des Publications Éducatives).

      هذا و قد تواجد هذا النوع من المؤسسات بالجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي(سيّما بعد الحرب العالمية الأولى) إلا أنها كانت في خدمة ادارة الاحتلال الفرنسي.  

      [8] يذكر الأستاذ الباحث الدكتور محمد صغير بعلي (كلية الحقوق و العلوم السياسية-جامعة عنابة) في أطروحة دكتوراه دولة بعنوان: "المؤسسات العمومية الاقتصادية في التشريع الجزائري" ناقشها على مستوى جامعة الجزائر 1-كلية الحقوق- العام 1995-1996 و قام بنشرها في شكل ملخص مفيد المعهد الوطني للدراسات والبحوث النقابية التابع للاتحاد العام للعمال الجزائريين «الشهيد محمد درارني"، الجزائر، الكتاب رقم 2، ديسمبر 1988، ص:19-22، الآتي: "لقد لجأت التشريعات المختلفة إلى هذا الشكل من أشكال المشروعات العامة بدافع من اعتبارات متعددة و لعل أبرزها:-أنها شكل قانوني يسمح بتطبيق القانون التجاري والعادات والأعراف التجارية وبالتالي امكانية استبعاد القانون الاداري بما يضمنه من اجراءات و مظاهر للسلطة العامة".

      [9] يتكفل المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي(Conseil National Économique et Social )  بكل ما يتعلق بالشأن الاقتصادي والاجتماعي وكذلك بالوضعية القانونية للمؤسسة العامة الادارية والاقتصادية و قد كانت تشكيلته (177 عضو) من  إطارات وكوادر تسيير وهيئات سياسية، ومن الإدارة الاقتصادية والمالية للدولة، وممثلين عن أهم مؤسسات الانتاج، و البنوك، والتخطيط، و مدراء الشركات الوطنية. وقد كان بمثابة هيئة استشارية تابعة لوزارة التخطيط إلى غاية سنة 1977 (تاريخ حلّه) بعد أن تم انتخاب أول مجلس وطني شعبي.   

      [10]« 1970 à 1981 :L’Algérie opte pour un système d’économie d’Etat, de planification centralisée, d’industrialisation rapide. L’investissement étant le fait quasi exclusif de l’Etat, une politique d’investissement n’était pas nécessaire. Les codes d’investissement adoptés avant 1970 sont oubliés » : Hamid A.TEMMAR, l’économie de l’Algérie, tome 3, office des publications universitaires, Alger, 2015, p 68.

      [11] يقدم الدكتور عمار معاشو (المرجع: الضمانات في العقود الاقتصادية الدولية في التجربة الجزائرية- في عقود المفتاح و الانتاج في اليد-دكتوراه دولة، جامعة الجزائر،1998،ص:83.) تعريفا لعقد المفتاح في اليد أو الانتاج في اليد على النحو الآتي: "هي تلك الاتفاقيات التي بموجبها يتعهد طرف أجنبي بالقيام بعدّة بناءات أو بعضها وتجهيز المركب الصّناعي ثم تسليمه إلى المشتري وهو في حالة عمل أو تشغيل مع تحمل المسئولية المترتبة في حالة عدم مطابقته للمواصفات العقدية، ويكون هذا مقابل ثمن جزافي يتم تحديده من كلا الطرفين و بشرط مشاركة الطرف الوطني في عمليات الإنجاز مع التكفل بتكوين عدد من الموظفين."

      وهو التعريف الذي اعتمد عليه الدكتور عيبوط محند علي (مرجع سبقت الإشارة إليه، ص:40).

      [12] عيبوط محند وعلي: الاستثمارات الأجنبيّة في القانون الجزائري، مرجع سابق، ص:88.


  • المحاضرة الخامسة

    • الدولة وخوصصة المؤسّسات العمومية الاقتصادية
       (المحاضرة الخامسة)
          أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة الخامسة بعنوان" الدولة وخوصصة المُؤسسات العمومية الاقتصادية" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على  أهمية عنصر الدولة في إدارة وتسيير دواليب الاقتصاد الوطني بفرعيه العمومي و الخاص وكيفيات الاستعانة بالاستثمار الأجنبي في الحدود المرسومة له.
       عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى  يصبح هذا المقياس  مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:
      -معالجة مواضيع لها علاقة بشروط الانتقال من الاقتصاد العمومي نحو الاقتصاد المبني على قواعد وآليات السوق دون التفريط في التواجد المحوري للدولة .
      -البحث في الهيئات الادارية والاقتصادية المعنية بإدارة المرافق الادارية و المؤسسات والهيئات العمومية الاقتصادية.
      -البحث في  الخوصصة و موقف المشرع الجزائري منها قبل وبعد تاريخ التعديل الدستوري لعام 1989.
      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الخامسة) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:*ما المقصود بالهيئات الادارية العمومية؟
      *ما المقصود بالهيئات العمومية الاقتصادية؟
      *ما المقصود بالضبط الاقتصادي؟
      ما طبيعة آليات الضبط الاقتصادي؟
      الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة في تمكين  الطالب الجامعي مِن الوقوف على مميزات المرحلة التي أعقبت التعديل الدستوري(23 فبراير 1989) والشروع في مرحلة الاصلاح التشريعي و القانوني و التنظيمي بغرض التأسيس  لمناخ أعمال مساعد لممارسة الأنشطة التجارية و المقاولاتية و تشجيع الاستثمار  بفرعيه الوطني و الأجنبي.
      تقديم؛  
      ولمعالجة الإطار القانوني الجديد المنظّم لخوصصة المؤسّسة العمومية الاقتصادية في ظل التوّجه العام نحو تحرير المؤسّسة العمومية الاقتصادية من الوصاية البيروقراطية، وإدخال الخوصصة كأداة قانونية لتفعيل الأداة الإنتاجية العمومية في ظل سوق أصبحت تحكمه التنافسية واشتراطات السوق فضلت تقسيم هذا المبحث الفرع إلى:
      أولا: الخوصصة: التعريف و موقف المشرع الجزائري
      تزامن إصدار الأمر  رقم: 01-04 المؤرخ في أوّل جمادي الثّانية عام 1422 الموافق لـ20 غشت سنة 2001 المتعلّق بتنظيم المؤسّسات العموميّة الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها  وإصدار الأمر رقم:01-03 المؤرخ في أوّل جمادي الثّانية عام 1422 الموافق لـ20 غشت-أوت- 2001 و المتعلّق بتطوير الاستثمار  الذي عدّ قانونا استثماريا متقدما بالنسبة لما سبقه من مرسوم تشريعي (المرسوم التشريعي رقم: 93-12 لعام 1993).   
      * الخوصصة: التعريف: لم يدخل  لفظ "الخوصصة "منطقة الشمال الإفريقي، إلا في ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن شرعت بعض دوله في تنفيذ برامج للتسوية الهيكليّة التي برزت، وبقوّة، (Programme d'Ajustement Structurel)  في الثلث الأخير من سبعينيّات القرن الماضي، وبعد أن تعاظم دورها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي العام 1989،  والبروز القوي للولايات المتحدة الأمريكية كأهم قطب صناعي وتجاري ومالي يتبنى اللّيبرالية السّياسية كبرنامج سياسي جديدة للاقتصاد العالمي القائم على انفتاح الأسواق، وتدويل أنظمة الانتاج على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى اتساع دائرة الهيمنة للقطاع الخاص في جلّ البرامج الاقتصادية للدول التي كانت تنتهج النظام الاشتراكي.
      إنّ الخوصصة (باللغة الفرنسية: Privatisation وباللغة الإنجليزية: Privatization)  ليست ظاهرة جزائرية أو تونسية أو مغربية أو فرنسية، بل هي ظاهرة عالمية بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية مع أول عهدة انتخابية للرئيس رونالد ريغن في سبعينيات القرن الماضي بدعم من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي التابعتين لمؤسسة (Bretton Woods)، لتنتقل إلى بريطانيا بمجيء السيّدة مارجريت تاتشر  لرئاسة الوزراء بالمملكة المتحدة العام 1979 التي ارتبطت فترة حكمها بمصطلح (الخوصصة-Privatisation) حين أعلنت رئيسة الوزراء" التزام حكومتها بتحويل المشروعات المملوكة للدولة إلى القطاع الخاص، وبالتحديد تحويلها إلى أسهم و أنصبة خاصة" ، و دول أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن الماضي، بعد أزمة عدم القدرة على السداد (سداد المديونيّة) التي واجهت دول كالبرازيل والأرجنتين وبعض دول أمريكا الوسطى. وهي الأزمة المالية المتعاظمة على المنظومة النقدية العالمية التي فرضت تدخل كل من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي من أجل الحيلولة دون انهيار النظام المصرفي الدولي عبر برامج التسوية الهيكلية.
      والعولمة الاقتصادية (La Mondialisation économique) تعني في المقام الأول:- المزيد من تحرير الاقتصاد عبر؛- الخوصصة وتسريع انتقال المشروعات والمؤسسات العمومية الاقتصادية إلى الخوّاص الوطنيين أو الأجانــب؛- إصدار الدولة لقوانين استثمار مستقطبة للرأس المال الأجنبي مشفوعة بالمزيد من الضمانات القانونية والمزايا الاستثماري. والخوصصة هي أصلا:" تحويل مسؤولية تشغيل المشروعات العامة إلى القطاع الخاص بدلا من الدولة مع الابقاء على مسئولية وضع التشريعات، والإشراف، والمتابعة، والرقابة على الدولة"،  أي أننا أمام تحويل للملكية كليا أو جزئيا للمشروعات العامة من القطاع العام إلى القطاع الخاص الوطني منه أو الأجنبي، مع الابقاء على مسئولية الدولة في سن القوانين المنظّمة للخوصصة من منطلق الدولة السيّادية.
      وهو التعريف الذي أخذ المشرع الجزائري به في أول قانون جاء لينظم الخوصصة في الجزائر(الأمر رقم: 95-22 المؤرخ في 26 غشت سنة 1995 والمتعلّق بخوصصة المؤسّسات العمومية (ج.ر.ج.ج،عدد:48، التاريخ:03 سبتمبر 1995) بنص المادة الأولى من هذا الأمر: "يحدّد هذا الأمر القواعد العامّة لخوصصة المؤسسات التي تمتلك فيها الدّولة والأشخاص المعنويّون التّابعون للقانون العام، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، جزءا من رأسمالها أو كلّه. وتعني الخوصصة القيام بمعاملة أو معاملات تجارية تتجسد:-إمّا في تحويل ملكيّة كلّ الأصول الماديّة أو المعنويّة في مؤسّسة عموميّة أو جزء منها، أو كلّ رأسمالها أو جزء منه، لصالح أشخاص طبيعيّين أو معنويّين تابعين للقانون الخاصّ؛-و إمّا في تحويل تسيير مؤسسات عموميّة إلى أشخاص طبعيّين أو معنويّين تابعين للقانـــون الخاصّ، وذلك بواسطة صيغ تعاقديّة يجب أن تحدّد كيفيّات تحويل التسيير وممارسته وشروطه".
      والخوصصة في الأمر رقم:01-04  والمتمم بموجب الأمر رقم:08-01 المؤرخ في 28 فبراير 2008 والمتعلق بتنظيم المؤسّسة العمومية وتسييرها وخوصصتها (بنص المادة:13) هي:
      "كلّ صفقة تتجسّد في نقل الملكيّة إلى أشخاص طبعيّين أو معنويّين خاضعين للقانون الخاصّ من غير المؤسّســــــات العموميّــــــة، وتشمل هذه العملية:
      -كلّ رأسمال المؤسّسة أو جزء منه، تحوزه الدّولة مباشرة أو غير مباشرة و / أو الأشخاص المعنويون الخاضعة للقانون العام، و ذلك عن طريق التنازل عن أسهم أو حصص اجتماعية أو اكتتاب للزيادة في الرأسمال؛
      -الأصول الّتي تشكّل وحدة استغلال مستقلّة في المؤسّسات التابعة للدّولة".
      وبما أن الخوصصة أصبحت تشكّل ركيزة أساسيّة للعولمة الاقتصادية المتعاظمةَ الدّورِ والانتشارِ على امتدادِ العالم، رأيتُ أنّه من الواجب أن أقدّمَ شرحًا اصطلاحيًا  لمصطلح العولمة وأُسُسِها وأهدافِها، حتّى يكونَ الطّالبُ الجامعي المسجَّل في السّنةِ الثّالثة ماستر- قانون عام- على بيّنةٍ من الموضوع.
      علاقة الخوصصة بالعولمة الاقتصادية: والحقيقة أنّه لا يوجد تعريف جامع  لمصطلح "العولمة"، فالكل يرى في العولمة ما يؤسّس لنظريّته الإيديــــولوجيـــــــــــة، وعليه، يقف الباحث في الشأن الاقتصادي على أنّ ثمّة تعدّد في التعاريف الخاصّة بالعولمة، إذ منها من يرى في العولمة بمثابة تطوّر طبيعيّ للنظام الرأسمالي الذي تدعّم بالإعلان عن انشاء المنظمة العالمية للتجارة العام 1994.
      في حين ترى مدارس ثانية في العولمة انعكاسا حقيقيا للتطوّر الحاصل في الثورة التكنولوجية على الصعيد العالمي بالنظر للانفجار المسجل في عالم الاتصالات التي تنوّعت وتعدّدت وأصبحت في متناول أوسع الفئات الاجتماعية، بالإضافة إلى الإنترنت الذي أصبح الأداة الفضلى بيد الأفراد والمؤسّسات والشركات، وشبكة الاتصال الاجتماعي التي أسّست لتجارة الإلكترونية والعقود التجارية، وهي الشبكة الاتصاليّة الواسعة والأكثر جماهيريّة جعلت من العالم بمثابة قرية صغيرة.
      والعولمة بدورها هي في الأصل لفظ إنجليزي (Mondialization)، أو (Internationalization)، أو (Globalization).
      وقد تمت ترجمة هذا اللفظ إلى اللّغة الفرنسية بلفظ (Mondialisation)، قبل أن ينتقل اللّفظ  إلى اللغة العربيّة انطلاقا من النصف الثاني من ثمانينيّات القرن الماضي، بعد أن شرعت بعض دوله في تطبيق برامج للتسوية الهيكلية (تونس ومصر والمغرب)، قبل أن تلتحق أغلب دوله بالمنظومة الاقتصادية الليبرالية بقيادة المؤسّسات المالية العالمية  بعد سنة 1990.
      إلّا أنّ ثمّةَ اجماعٌ فقهي يرى في العولمة تكاملَ العناصرِ الأساسية التّالية:- العولمة هي بمثابة سلسلةٍ مترابطة من الظّواهرِ الاقتصاديةِ والاجتماعية تقوم على عدّة عناصر أهمّها:- الخوصصة وانسحابُ الدّولة من النّشاط الاقتصادي(تنسحب الدولة باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة في العقود التجارية  لكنها تبقى صاحبة الاشراف والرقابة و التنظيم في كل ما له الأنشطة التجارية و ضبط قيمة العملة الوطنية و تنظيم الأسواق المحلية و محاربة المضاربة غير المشروعة و الاحتكار)؛
      - تحريرُ الأسواقِ والتّجارة( نعني بالتحرير محاربة الاحتكار العمومي والخاص و تمكين المبادرة الاقتصادية و التجارية و الصناعية و الخدمية العمومية و الخاصة من التنافس على امتداد الأسواق المحلية)؛
      - انتشارُ الاستثمارِ الأجنبي المباشر عبر التأسيس لمناخات أعمال  مُستقطبة للاستثمار الأجنبي في البلدان المُضيفة؛- التّكاملُ بين الأسواقِ الرّأسماليّة؛
      - تنامي دورِ الشّركاتِ متعدِّدةِ الجنسيات؛- تطبيق نظام آليات السوق ودمج هذه الاقتصاديات في الاقتصاد العالمي  بدعم من المؤسّسات المالية العالمية.
      وبالنتيجة فالعولمة هي" تجربة انعدام الحدود ضمن الأبعاد المختلفة للاقتصاد والإعلام والبيئة والخبرة الفنية والنزاعات الثقافية العابرة والمجتمع المدني" .
      الخوصصة: الأساليب والأهداف: تختلف أساليب وصيّغ الخوصصة باختلاف مقاربات الأنظمة السياسية والنظريات الاقتصادية في هذا البلد إلى ذاك البلد، كلّ حسب نظرته للأهداف المحددة لخوصصة هذا القطاع واستثناء قطاعات ثانية تراها الدولة قطاعات حيوية وذات بعد استراتيجي.
      إلا أن القاسم المشترك بين مختلف المدارس والنظريات الاقتصادية في العالم المتقدّم، أو في العالم الثالث، أو في البلدان الناشئة تتقدمهم الجزائر التي لها تجربتها الخاصة والمتميّزة يكمن في الاتفاق على دور الدولة في سنّ القوانين المتعلّقة بإنهاء الاحتكار الحكومي للتجارة الداخلية والخارجيــــة، والخوصصة، والاستثمار، وحرية التجارة،  والأسعار،  والنقد والقرض  من منطلق سياديّ ودون أي تدخل في الشأن الداخلي للدولة. ولبرامج الخوصصة التي يتم الاتفاق عليها مع المؤسسات المالية العالمية أو تلك التي يتم تحديد محاورها بسيّادية أساليب وأهداف.
      - أساليب الخوصصة: ومن أساليب الخوصصة الأكثر تداولا على الصعيدين الإقليمي والدولي التي تجد دعما ومساندة ومرافقة من جانب المؤسسات المالية العالمية:
      - التحويل الكلي أو الجزئي للمشروعات والمؤسسات العمومية الإدارية والاقتصادية إلى القطاع الخاص؛
      - النازل عن إدارة المنشآت العمومية الادارية أو الاقتصادية لفائدة القطاع الخاص مع الابقاء على الطابع العمومي للمنشأة، أو المشروع العمومي، أو المؤسسة العمومية الاقتصادية ( إخضاع التسيير الاداري للمؤسسة العمومية الاقتصادية لقواعد التسيير والمانجمانت) أو ما يسمى بعقود التسيير للمنشأة الاقتصادية (والخدمية)، أو الفرع (La Branche d’activité) أو المؤسسة العمومية الاقتصادية بمجملها ؛
      - تمليك القطاع الخاص لفروع إنتاج، أو خدمات، أو أنشطة كانت تضمنها المؤسسات العمومية الاقتصادية وفق دفتر شروط متفق عليه.
      والدولة الجزائرية التي أسهمت، وبدرجة كبيرة، في التأسيس لاقتصاد عموميّ واسع منذ سبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى بناء منظومة مرفقية عمومية واسعة الانتشار على مستوى التراب الوطني، فإنّها لم تتمكن من مواصلة هذا الخيار الاقتصادي المكلف بعد الأزمة البترولية التي مست سعر النفط على مستوى البورصات الرئيسية له، فكان على الدولة أن بدأت تنسحب من الفضاء الاقتصادي باعتبارها سلطة عمومية، وأن تتبنى خيار الفعالية الاقتصادية. فالمؤسسة العمومية الاقتصادية في ظل آليات اقتصاد السوق هي "شركة تجارية تحوز فيها الدولة، أو أيّ شخص معنوي آخر خاضع للقانون العام، أغلبية رأس المال الاجتماعي مباشرة أو غير مباشرة وهي تخضع للقانون العام .
      أهداف الخوصصة: ومن الأهداف الرئيسية المعلنة لبرامج الخوصصة على صعيد  الدّول الناميّة التي انضمت إلى النظام الاقتصادي الدولي الجديد الذي تشرف عليه المؤسّسات المالية العالمية منذ سبعينيات القرن الماضي:
      - إبعاد الدولة من مسؤولية إدارة وتسيير المنشآت الاقتصادية والإبقاء على دورها الرقابي والتعديلي في كل ما يخص الشأن الاقتصادي؛
      - إعادة الهيكلة الاقتصادية والإدارية والمالية للقطاع الاقتصادي العمومي بغرض التقليل من حجم الملكية العمومية للمشاريع والمنشآت والمؤسّسات العمومية الاقتصادية لفائدة القطاع الخاص الوطني أو المختلط أو الأجنبي، وبالتــالي الوصول إلى "تخفيف أعباء الموازنة وضغط العجز فيها".  
      وهو ما يعني السعي المتواصل للسلطات العمومية إلى تجاوز الاختلالات المالية التي قد تثقل السير العادي للاقتصاد الوطني والسعي إلى تحقيـق أعلى معــــــــــــدلات الانضباط النقــــــــدي وتفادي العجز في الميزانية، بالإضافة إلى التحكم في نسب التضخم و ذلك من خلال  تفعيل الأداة الانتاجية للقطاع العمومي الاقتصادي؛
      - الاستغلال الأمثل للموارد المالية للدولة من خلال "تحسين عمليات التخطيط والتنظيم والتّوجيه والرّقابةِ وزيادةِ قوّة المحاسبة"،  وهو ما يعني تعزيزَ وتقويةَ الدّور الرّقابي والتّعديلي والتّنظيمي للدّولة في كلِّ ما يتعلّق بالاقتصاد والتّجارةِ والضّرائب، فالدّولة لم تعد تاجرًا في ظلِّ التّنافسيةِ الاقتصادية، إلّا أنّه بالإمكان أن توظِّفَ رؤوسَ أموالِها التّجارية عن طريق المؤسّساتِ والشّركاتِ والمنشآتِ التي تخضعُ بدورها في تعاملاتِها التّجارية للقانونِ التّجاري؛
      -الدفع إلى مزيد التنافسية بين الشركات والمؤسّسات والمقاولات العمومية والخاصة وفق قواعد تنافسية متعارف ومتفق بشأنها ومكرسة قانونا بغرض تفـادي الاحتكار والتنافسية غير الشريفة والمضاربة في السوق، فالتنافسية السليمة بين القطاعين العمومي والخاص أو على مستوى القطاع الخاص، من شأنها أن تضاعف الانتاج، وأن تحسّن السلع والخدمات وبالتالي تقديم منتوج أو سلعة بأقل تكلفة وجودة أحسن؛
      - السعي إلى تحرير التجارة وتمكين المتعاملين الاقتصاديين من الولوج إلى السوق العالمية والوقوف على أحدث تقنيات الانتاج والتسيير الاداري، وإدارة الموارد البشرية على مستوى الوحدة والمؤسّسة الاقتصادية أو التجارية، أو الخدمية بغرض زيادة كفاءة الاستخدام للعنصر البشري وفق ضوابط قانونية وتنظيمية واتفاقية بين مختلف أطراف الانتاج .
      وهو ما يعني وبالضرورة وجود قانون ينظم الأعمال التجارية، ويحدد مسئولية الأطراف المعنية بالعقود التجارية وتطبيقات نظام السوق:-السعي إلى مزيد النجاعة الاقتصادية والدفع بالمؤسسة العمومية الاقتصادية لتكون وسيلة دعم النمو الاقتصادي في ظل تنافسية قانونية.-الاستفادة من الايرادات المالية المتحصل عليها من الخوصصة لتمويل مشاريع اقتصادية  ذات مضمون اجتماعي أو تمويل فروع إنتاجية أو خدمية في حالة عسر مالي؛- تقليص هيمنة القطاع العمومي الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص من التواجد والتنافس على امتداد الأسوق المحليّة والدولية.
      ثانيا: الخوصصة: موقف المشرع الجزائري
      تميّز المشرع الجزائري، منذ أن استعادت الجزائر سيادتها العام 1962 وإلى غاية 1995،  بموقف متحفظ جدّا من "الخوصصة"، إلا أن المستجدات الاقتصادية التي رمت بثقلها على الاقتصاد الوطني منذ النصف الثاني من سنة 1988 بسبب الأثر السلبي لانهيار أسعار النفط على إيرادات الخزانة العمومية.
      بالإضافة إلى تبني دستور 1989 لحرية التجارة والصناعة وفق آليات اقتصاد السوق، دفعت المشرع  الجزائري إلى تغيير الوجهة نحو سياسات اقتصادية عامة تدرج الخوصصة كأداة قانونية لتفعيل الرأس المال التجاري للدولة، فكان الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 غشت -أوت- 2001 (ج.ر.ج.ج، عدد 47، بتاريخ 22/08/2001) المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 المؤرخ في 28 فبراير 2008 (ج.ر.ج.ج، عدد 11، بتاريخ 02/03/2008) والمتعلق بتنظيم المؤسّسة العمومية وتسييرها وخوصصتها.
      يستشف الباحث في الشأن الاقتصادي الجزائري أن المشرع  الجزائري قد أكّد تحفظه من الموضوع المتعلّق بخوصصة المؤسّسات العمومية الاقتصادية لفائدة القطاع الخاص، بل أبقى التنازل الجزئي أو الكلي للممتلكات التابعــــــــــة للمنشآت العمومية الاقتصادية وإلى غاية 2016 في إطار  القطاع العام دون القطاع الخاص ، عبر اشتراط أي تنازل أو خوصصة يجب أن تكون في إطار الرأس المال التجاري التابع للدولة
      -إنّ تحويل ممتلكات المؤسّسة العمومية الاقتصادية، أو التنازل عن جزء منها، أو عن كلّها، وبالتالي التصرف فيها، لا يكون إلا في إطار القانون العام( لا يمكن للقطاع الخاص أن يكون طرفا في هذا التنازل الجزئي أو الكلي للممتلكات العمومية الاقتصادية)،  ذلك إن "الرأسمال الاجتماعي للمؤسّسة العمومية الاقتصادية يشكّل رهنا دائما وغير منقوص للدائنين الاجتماعيين".
      ولحماية الرأس المال التجاري للدولة أنشأ المشرع الجزائري مجلسا لمساهمات الدولة يوضع تحت سلطة رئيس الحكومة الذي يتولى رئاسته (المادة:8 من الأمر رقم:01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001) ويكلّف هذا المجلس بالآتي:
      - يحدّد الاستراتيجية الشاملة في مجال مساهمة الدّولة والخوصصة؛
      - يحدّد السياسات والبرامج فيما يخصّ مساهمات الدّولة وينفذها؛
      - يحدّد سياسات وبرامج الخوصصة ويوافق عليها؛
      - يدرس ملفّات الخوصصة ويوافق عليها.  
      هذا وقد كلّف المشرع الجزائري مجلس مساهمات الدّولة بضبط وتنظيم القطاع العمومي الاقتصادي (الفقرة:1- المادة:11 من الأمر رقم:01-04 المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 لعام 2008).
      ويتولّى مؤهَّلونَ قانونًا من المجلس مهامَّ الجمعيةِ العامّة للمؤسّساتِ العموميّة الاقتصادية، التي تحوزُ الدّولةُ فيها الرّأسمالَ الاجتماعي مباشرة (الفقرة:1، المادة 12 من الأمر رقم: 01-04 المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 لعام 2008)، ويمارسون مهامهم طبقا للشّروط وحسب الكيفيات المنصوص عليها في القانون التّجاري فيما يخصّ شركات رؤوس الأموال(الفقرة:2-المادة:12 من الأمر رقم:01-04 المتمم بموجب الأمر رقم:08-01 لعام 2008).
      ثالثا: أولوية  التأسيس لمنظومة حمائية من الأثار السلبية للهيكلة الاقتصادية
      سعى المشرع الجزائري، منذ أن ألغى احتكار الدولة للتجارة الداخلية والخارجية، وأدخل البلاد عصر حرية التجارة والأسعار والتنافسية الاقتصادية بالاستناد للأحكام الدستورية المكرسة بموجب دستور 1989، إلى توفير المزيد من الحماية القانونية والاقتصادية للأطراف المتضرّرة من برامج الخوصصـــــة بصفة خاصة وكذلك من نتائج برنامج التسوية الهيكلية بصفة عامة، فكان له أن أصدر منظومة قانونية محاورها:- أولوية حماية الأجراء من التسريح لأسباب اقتصادية؛- بناء فضاء للحوار والتشاور الاجتماعيين بين مختلف أطراف الانتاج(حكومــــــــــة و أصحاب عمل ومنظمات نقابية للعمال)؛- السعي المتواصل إلى مزيد التحسين لقواعد سير سوق التشغيل.
      وبما أن الخوصصة هي نقل أو تحويل ملكية المنشآت والمشروعات العامة والمؤسسات العمومية الاقتصادية جزئيا أو كليا إلى القطاع الخاص، فإن هذا التحويل أو هذا النقل الذي تقوم الدولة باعتبارها المالكة لهذا الرأسمال التجاري بضبه قانونا، له نتائجه السلبية بالضرورة على الأجراء الذين كانوا يشتغلون في هذه المشاريع العمومية، لكن مع التغيير الحاصل في الطبيعة القانونية للمؤسسة الاقتصادية أو المنشأة العامة التي انتقلت من ملكية الدولة إلى ملكية خاصة. فالدولة المتدخّلة أو دولة الرعاية الكاملة (Etat-providence) كانت في سبعينيات و إلى غاية تسعينيات القرن الماضي ترى في منصب العمل الذي تقوم بتوفيره  عنصرا للاستقرار الاجتماعي والترقية المهنيّة (عمل قــــــار ودائم)، وكذلك بمثابة عامل مساعد في ضمان أجر ومضمون من طرف الدولة، وأن يكون هذا المدخول المنتظم في إطار قانون عمل تعده الدولة تابع للقانون العام (القاعدة: عقد عمل دائم وغير محدد المدّة)، بالإضافة إلى أن عقد العمل الدائم الذي يبرمه الأجير كان مع جهّة مشغّلة واحدة و ينجز  في موقع عمل معيّن و محدد سلفا.
      إنّ نتيجة هذا التحوّل في دور الدولة من متدخّلة (Interventionniste) إلى منظّمة أو معدّلة (Etat-régulateur) أن بدأ عقد العمل غير النموذجي (Un contrat de travail non atypique)  يتسع بانسحاب الدولة من الفضاء الاقتصادي كمنتجة ومحدّدة لسعر المنتوج وموّزعة، فبرزت علاقات عمل جديدة كعقد العمل محدد المدّة (Contrat à durée déterminé)، والعمل في المنزل (Le travail à domicile)، والعمل بنصف الدوام (Le travail à mi-temps)، وكذلك ظهور عقد المناولة باليد العاملة ومعناه امكانية تقديم الجهد العضلي لشركة أو مؤسّسة أو مقاولة غير الشركة أو المؤسّسة أو المقاولة التي أبرمت العقد (La sous-traitance de la main-d’œuvre ouvrière).
      وجد المشرع الوطني (المحلي) في دول العالم النامي، وعلى امتداد الوطن العربي نفسه، أمام تحديـــات تمويليـــــــــــة واقتصادية واجتماعية بسبب التنافسيّة لشرسة الموجودة بين الأسواق العالمية من أجل استقطاب الاستثمارات الأجنبية من جانب، ومن جانب ثان التزايد الواسع لمستويات التداخل فيما بينها في ظل الهيمنة الواسعة للمؤسسات المالية العالمية بالنظر" لضخامة نمو المبادلات التجارية العالمية وسرعة تحــــــــويلات رؤوس الأمــوال والاستثمارات الأجنبية".  
      ولمواجهة الأثار السلبية الناجمة عن تطبيقات برامج التسوية الهيكلية والتحوّل نحو اقتصاد السوق، بادر المشرع الجزائري في اطار السياسية العامة للدولة إلى اصدار مراسيم تشريعية تتعلق بالتأسيس لجهاز للمحافظة على الشغل على مستوى فضاء التشغيل (المرسوم التشريعي رقم:94-09 المؤرخ في 26 أبريل 1994)، وتثبيت نظام للتقاعد المسبق(المرسوم التشريعي رقم:94-10 المؤرخ في 26 ماي 1994).
      بالإضافة إلى انشاء صندوق للتأمين ضد البطالة(المرسوم التشريعي رقم:94-188 المؤرخ في 06 جويلية 1994 المتضمن النظام القانوني للصندوق الوطني للتأمين ضد البطالة).وهو المرسوم التشريعي الذي جاء مكملا للمرسوم التشريعي رقم:94-11 المؤرخ في 26 ماي 1994 المؤسّس للتأمين من البطالة لفائدة الأجراء الذين يفقدون بصفة لا إرادية و لسبب اقتصادي مناصب عملهم.
      ومن بين أهم الهيئات العمومية الوطنية التي أسّسها المشرع الجزائري لتكزن بمثابة فضاء  عمومي للحوار والتشاور بين مختلف الأطراف المعنية بالتنمية الشــــاملة (حكومــــة ومنظّمات نقابية للعمال وأصحاب عمـــل وممثلين عن المجتمع المــــــــدني والفلاحــــــــة والاقتصــــــــاد والاجتمــــاع و الثقافة):* المجلـــــــــس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي( Conseil National Économique et Social):
      وهو جهاز استشاري للحوار والتشاور في الميادين الاقتصادية و الاجتماعيـــــة والثقافية(المادة:2 من المرسوم الرئاسي رقم:93-225 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر سنة 1993 والمتضمن انشاء مجلس وطني اقتصادي واجتماعي).ومن المهام الموكلة لهذا المجلس المشكّل من 180 عضو يمثلون مختلف القطاعات الرئيسية للدولة الجزائرية (الاقتصاد والاجتماع والثقافة):
      - ضمان استمرار الحوار والتشاور بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين؛
      - تقويم المسائل ذات المنفعة الوطنية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والثقافية ودراستها؛
      - تقديم الاقتراحات والتوصيـــــــات وإبداء الآراء حول القضايا التي تندرج في نطاق اختصاصاته.  
      ولهذا المجلس لجان دائمة (التقويم، آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، علاقات العمل، التهيئة الاقليمية والبيئة، السّكن والاحتياجات الاجتماعية)  تنجز تقارير ودراسات في كلِّ ما يتعلق الأوضاع الاقتصادية والاجتمــــاعية والثقافية، وللمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي كذلك أن يشكّل ،عند الحاجة، لجان فرعية وخاصة أو فرق عمل.
      يقوم المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بتحرير تقرير سنوي عن النشاط المنجز، وهو قابل للنشر (المادة:34 من المرسوم الرئاسي رقم: 93-225 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ05 أكتوبر سنة 1993 والمتضمن انشاء مجلـــــس وطني اقتصادي و اجتماعي).ويمكن لهذا المجلس أن يستشير، وأن يستمع، وأن يشارك في أشغاله أي شخص يراه مفيدا بسبب كفاءته (المادة:35)،وتزداد أهمية هذا المجلس الوطني الاقتصــــــادي والاجتماعي لكونه يضم مختلف أطراف الإنتاج (حكومـة ومنظمات أصحاب عمل ومنظّمات نقابية للعمال وممثلين لمجالس ثقافية وطنية)، بالإضافة إلى وجود تمثيل واسع للخبرات الوطنية في المجالات والقطاعات الاقتصادية والتشريعية والاجتماعية والثقافية. ويؤدي المجلس دورا رقابيا للوضعية الاقتصادية والاجتماعية، وهو بذلك بمثابة جهاز إنذار مبكر لكل ما قد يواجه الساحـة الاقتصاديـة والاجتماعية الوطنية من مستجدات (هو مكلّف كذلك بالدراسات الاستشرافية و التوّقعات المستقبلية).هذا ويجب أن نُوضح طبيعة التحولات العميقة التي أفرزها التعديل الدستوري لسنة 2020 وتكريسه  لحرية التجارة و الاستثمار والمقاولاتية.
       ومن النتائج المُباشرة لهذا التعديل الدستوري أن شرع المشرع الجزائري في تعديل وتتميم العديد من القوانين التي لها علاقة ببيئة الأعمال بغرض تشجيع الاستثمار.
      أسئلة مختارة
      س1: ما أهمية المصادر الدولية في تحديد الطبيعة القانونية لنصوص القانون العام الاقتصادي؟
      س2: ما أهمية ميثاق هيئة الأمم المتحدة في التأسيس لقانون عام اقتصادي دولي وتكريس حق الشعوب في استغلال ثرواتها الطبيعية من أجل تنميتها الاقتصادية و الاجتماعية؟
      س4: ما مدى صحة العبارات الآتية:
      -يمكن إضفاء مفهوم واسع للقانون العام الاقتصادي دون تغيير الدور الرئيسي للدولة وتغيير  طبيعة العلاقات الاقتصادية في الدولة المعنية؟
      -كلما وُجدت دولة متدخلة في الشأن الاقتصادي  تقلص نطاق تطبيق القانون العام الاقتصادي.
      -كلما وُجد قانون عام اقتصادي واسع النطاق  في الدولة اتسع نطاق تطبيق القانون الاداري.
      -كلما تقلص وجود قانون عام اقتصادي في الدولة يتسع نطاق تطبيق آليات اقتصاد السوق.
      س5: ما صحة القول(الرأي الفقهي) الذي يرى أن المبادئ العامة للقانون غير مطبقة في القانون العام الاقتصادي.

  • المحاضرة السادسة

    • التجربة الجزائرية في التأسيس لمنظومة قانون عام اقتصادي 

       (المحاضرة السادسة)

       

      أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة السادسة بعنوان" التجربة الجزائرية" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على  التجربة الجزائرية  في التأسيس لمنظومة قانونية أساسية  تتعلق بالقانون العام الاقتصادي.

      وهي التجربة المتميزة التي انطلقت من تاريخ الاعلان عن استعادة السيادة الوطنية العام 1962 و إلى غاية سنة 1989(تجربة أساسها  وجود دولة الرعاية الكاملة) قبل الانتقال إلى تجربة  الدولة المعدلة التي أسست لها التعديلات والتتميمات التي شملت  قوانين الأملاك الوطنية  والمناجم و الأنشطة التجارية و الاستثمار و المنافسة. 

      عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى  يصبح هذا المقياس  مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:

      -الاستثمار العمومي و توسيع دائرة القانون العام الاقتصادي في الجزائر.

      -الدور الاجتماعي للدولة و تعزيز القطاع العمومي الاقتصادي.

      -المؤسسة العمومية الاقتصادية و الاصلاحات الاقتصادية.

      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الثانية) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:

      -ما المقصود بالاستثمار العمومي الذي اعتمدته الدولة الوطنية من تاريخ استعادة السيادة الوطنية و إلى غاية  تاريخ التعديل الدستوري لسنة 1989؟

      -ما الدور الذي أسس له المرسوم التشريعي رقم 93-12 المتعلق بترقية الاستثمار في التأسيس لمناخ أعمال جديد بعد سنة 1993؟

      الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة في تمكين  الطالب الجامعي مِن الوقوف على خصائص ومميزات المرحلة التي أسست لها الاصلاحات الاقتصادية في الجزائر و الانتقال السلس من الدولة المتدخلة إلى الدولة المُنظمة.

      تقديم؛

      وجدت أول سلطة سياسية جزائرية منبثقة عن حرب التحرير (1954-1962) نفسها، بعد الاستفتاء على تقرير المصير، وإعلان قيام الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بتاريخ الخامس من شهر جويلية 1962، والاعترافات الدّولية بالدولة الجزائرية المستقّلة، أمام تحديات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية صعبــــــــة وصعبة جدا فرضت عليها ضبط أولويات الاستقلال حتى تتمكن من مواجهة الحرب القذرة التي أعلنتها المنظّمة العسكرية السريّة (Organisation de L’armée secrète) ضد الشعب الجزائري، من تاريخ الإعلان عن قف إطلاق النار بتاريخ 19مارس 1962 وإلى غاية الخامس جويلية 1962،[1] وكذلك بعد الهجرة الجماعية للأوروبيين وتخليهم عن المصـــــانـع والورشات والإدارات التي كانوا يحتلونها غدرا وعنوة على حساب العنصر الجزائري الذي كان ممنوع الولوج لأغلبها.[2]  

      ولأهميّة التجربة الجزائرية في التأسيس لمنظومة قانونية للإدارة وتسيير رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة في الجزائر فضلت التقسيم الآتي لعناصر هذا الفصل إلى مبحثين، أتناول التأسيس لأول لمنظومة قانونية-اقتصادية للدولة المستقّلة(الحقبة الزمنية الممتدة من سنة 1962 و إلى غاية 1988) بعنوان: أولوية التأسيس لمنظومة قانونية-اقتصادية جزائرية (المبحث الأول)، على أن استعرض بعد ذلك الموضوع المتعلق بالصيّغ القانونية لتسيير وإدارة رؤوس الأموال التّجارية التابعة للدّولة(المبحث الثاني).

      لمزيدٍ من التّوضيح بشأنِ التّأسيسِ الأول لِما أصبح يُعرفُ بالمنظومةِ القانونية- الاقتصادية الوطنية على مدار الفترةِ الزّمنية الأولى التي أعقبت الإعلانَ عن استعادةِ السّيادةِ الوطنية، وقع اختياري على التّقسيمِ الآتي لهذا المبحث؛ المطلب الأول: ظروفُ التّأسيس لأوّلِ منظومةٍ قانونية – اقتصادية للدّولة المستقلّة؛ والمطلب الثّاني: الدّولة وتكييفُ المنظومةِ القانونية وِفق آلياتِ السّوق.

                        ظروف التأسيس لأول منظومة قانونية–اقتصادية للدّولة الجزائرية

      لا خلاف حول أنّ السّداسي الثّاني من سنة 1962 لم يكن يسيرًا على أوّلِ حكومةٍ منبثقةٍ عن حرب التّحريرِ في ظلِّ التّحدّياتِ الدّاخلية (أولوية بناء الدولة الجزائرية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتجاوز الآثار السلبية للحقبة الاستعمارية التي دامت 132 سنة من الاحتلال البغيض) والخارجية (المناورات الفرنسية ضد الدولة الجزائرية المستقّلة بغرض اجهاض الاستقلال). إلا أن إرادة النجاح تغلبت على الصعاب، فكانت المبادرة بإصدار القانون رقم:62-57 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962 القاضي بتمديد العمل بالقوانين الفرنسية إلا "ما تعارضت بنودها والسيّادة الوطنية، أو هي ماسة بالحريات الديمقراطية، أو أن تكون ذات مضمون "كولونيالي" أو تمييزي" (المادة الثانية من القانون رقم: رقم:62-57 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962).[3]

      قسّمتُ هذا المطلب إلى فرعين؛ أتناولُ الموضوعَ المتعلِّق بالقوانينِ المتضمِّنةِ الأملاكَ الشّاغرة والتّسييرَ الذّاتي، وبدايةَ التّأسيسِ لاقتصادٍ عمومي محورُه الدّولة في (الفرع الأول)، على أن أتناولَ في مرحلةٍ ثانية المؤسّسةَ العمومية الإدارية والصّناعية والتّجارية كأداةٍ قانونية لتدخُّلِ الدّولة في النّشاطاتِ الاقتصادية في (الفرع لثاني).

      الفرع الأول: حماية الأملاك الشاغرة وتكريس نظام قانوني ينظم القطاع المسيّر ذاتيا

      بادرت الحكومةُ الجزائرية بإصدار حُزمةٍ من الأوامرِ والمراسيـم التي كان من شأنِها منعُ انتقالِ أمـوالِ وممتلكاتِ الأوروبيينَ ومؤسّساتِهم وشركاتِهم وورشاتِهم الصّناعيّة إلى مِلكية الأفراد، حفاظًا على الاقتصادِ الوطني وركيزتِه "القطاع العامّ"،[4] بالإضافةِ إلى التّبنّي الرّسمي للمؤسّسةِ العمومية كأداةٍ إداريةٍ واقتصادية للدّولة الجزائرية المستقلّة. وهو ما أكّدهُ الأستاذُ الباحث محمد بوسومة المختصُّ في قانون المؤسّسات) بقوله: "تُعَدُّ المؤسَّسةُ العمومية، ودون أدنى شكّ، أوّلَ هيئةٍ إداريةٍ واقتصاديةٍ شبهَ- حكومية التي رأتِ النّورَ ضِمنَ النّظامِ التّشريعي للجزائرِ المستقلّة".[5] وسندُه في ذلك إصدارُ السُّلطاتِ العمومية الممثَّلة في اللجنةِ المؤقّتة المكلَّفة بإدارةِ شؤونِ الدّولةِ المستقلّةِ حديثًا، لأمريةٍ بتاريخ 12 جويلية 1962، وتخصُّ تنظيمَ سوقِ الحبوب، بالاعتمادِ على الدّيوانِ الوطني بين المِهن الخاصِّ بالحبوب، في تحقيقِ وإدارةِ السّياساتِ العامّـة في مجال الإنتاجِ وتوريدِ وتخزينِ الحبوب. وهي المؤسّسةُ العمومية الإدارية التي بقيت محتكِرةً، وإلى يومنا هذا، لكلِّ ما لهُ علاقةٌ بالحبوب (هذا ما يؤكِّدُ عدمَ تنازلِ الدّولة عنِ احتكارها لتوريدِ القمحِ إلى تاريخنا هذا، باعتبارهِ مادّةً أساسيةً واستراتيجية بالنّسبةِ للدّولةِ الجزائرية).

      - المرحلة الأولى من التّأسيس لمنظومةٍ قانونية للمُنشأة العمومية الاقتصادية

      جاء الأمر رقم 62-02 الصادر بتاريخ 24 أوت 1962 المتعلق بتسيير وحماية الأملاك الشاغرة ليؤكد خيار الدولة الجزائرية المتمثل في بناء نظام عام اقتصادي جديد مغاير للنظام الاقتصادي الذي حاول الاحتلال الفرنسي فرضه على الشعب الجزائري يعتبر المؤسسة العمومية الادارية والاقتصادية الأداة القانونية المفضّلة لديه في مواجهة متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بقيادة الدولة باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة. وهو الخيارُ الاقتصادي الذي تدعَّمَ بالعديد من المراسيمِ التي تنظِّمُ المؤسَّسةَ المسيَّرةَ ذاتيًا، جاءت على النّحو الآتي: - المرسوم رقم 62- 02 الصّادر بتاريخ 22 أكتوبر 1962 والمتعلِّقِ بلجان التسيير الذاتي في المؤسسة الزراعية الشاغرة؛- المرسوم رقم 62-38 الصادر بتاريخ 23 نوفمبر 1962 والمتعلق بلجان التسيير في المؤسسة الصناعية الشاغرة؛- مراسيم 22 و28 مارس 1963 والمتعلقة بتنظيم القطاع المسيّر ذاتيا.

      وبالعودة إلى الأمرية الخاصة بتنظيم الأملاك الشاغرة، يسجل الباحث في التاريخ الاقتصادي للجزائر في هذا الشأن، أن مرسوما جديدا يحمل رقم 63-88 الصادر بتاريخ 18 مارس 1963، والمتعلق بتنظيم الأملاك الشاغرة قد جاء ليجيب على بعض الأسئلة التي طرحت بخصوص التكييف القانوني لأحكام الأمرية الخاصة بالأملاك الشاغرة.

      والحقيقة أنني لم أجد مرجعا جزائريا يقدم شرحا قانونيا وافيا للفظ" ملك شاغر" الذي يقابله باللغة الفرنسية لفظ"Un Bien Vacant" إلا ما قدمه الأستاذ المحامي بمجلس قضاء الجزائر (نقيب سابق لمنظمة المحامين الجزائريين) الطيّب بلولة في مؤلف قيّم بعنوان: "قانون العمل" صادر باللغة الفرنسية عن منشورات دحلب بالجزائر العاصمة (محامي ومؤلف للعديد من الكتب باللغتين العربية والفرنسية حول مختلف أوجه القانون الاجتماعي بالجزائر)[6] بتأكيده على أن "الملك الشاغر" اصطلاحا إنّما يعود للسنوات الأولى من الاحتلال الفرنسي، حيث استعمل هذا اللفظ، وللمرّة الأولى، بتاريخ 21 سبتمبر 1832 من قبل المقتصد المدني"Genty de Bussy" في قرارِ مُصادَرة صادرٍ عنه، وقد استند في قراره هذا إلى ما جاء بنصِّ المادّة 713 من القانون المدني الفرنسي ومضمونها: "إنّ كلَّ مُلكٍ ليس له مالك هو مٌلكٌ للدّولة".

      وبالرجوع إلى نص المادة الثانية (2) من المرسوم رقم :62-02 الصادر بتاريخ 24 أوت 1962 والمتعلق بتسيير وحماية الأملاك الشاغرة، فإنّ الباحثَ يجدُ أنّ حالةَ الشّغورِ إنّما تتحدّدُ بتوافرِ شرطينِ اثنين وهما:

      - الشّرطُ الأول: من حيث تركُ المالكِ للمُلكِ محلَّ الإحصاء: اعتبرَهُ المرسومُ المعني بتسييرِ وحمايةِ الأملاكِ الشّاغرة كلَّ مُلكٍ أو مالٍ قد عُيِّنَ شغورُه بتاريخ 22 مارس 1963، وكان محلَّ إحصاءٍ وجردٍ بتلك الصّفة طبقًا لِما جاء بنصِّ المادّة الثّانية من هذا الأمر.

      وهو ما يعني أنّ مالكَ المُلكِ أو المال يكون خارجَ الجزائر بتاريخ 22 مارس 1963، وأن يكون هذا الأخيرُ قد تخلّى عن مُلكِه أو مالِه بسبب مغادرتِه التّرابَ الوطني؛

      - الشرط الثّاني: من حيث الاستغلال لهذا المُلك أو المال: أن يكون المُلكُ المتخلّي عنه في حالة شللٍ أو تخلٍّ جزئي أو عدم استغلال بشكل تامّ قبل تاريخ 22 مارس 1963.

      هذا وقد تعزّز هذا المرسوم رقم :62-02 الصادر بتاريخ 24 أوت 1962، والمتعلّقُ بتسيير وحمايةِ الأملاكِ الشّاغرة، بمرسومٍ جديد ورقمه:63-88، صادرٍ بتاريخ 18 مارس 1963 والمتعلّق بتنظيم الأملاك الشاغرة.[7] وهو المرسوم الذي جاء تلبيةً لحاجة المؤسّسة المسيّرة ذاتيًا في إدارتِها وتسييرها للمزارع الفلاحية وللعديد من الورشات الصّناعية التي استولى عليها العمال بدعوة من منظمة الاتحاد العام للعمال الجزائريين التي كانت منظمة جماهيرية تابعة تنظيميا لجبهة التحرير الوطني بغرض ضمان عدم توقفها عن الانتاج، بالإضافة إلى الرغبة في ضمان الموسم الزراعي 1962-1963 من جهة، وتموين أسواق الاستهلاك اليومي للمواطنين الجزائريين من جهة ثانية.

      - أهمّ الإجراءات التي أسّست للقطاع العامّ الاقتصادي في الجزائر

      ومن الإجراءاتِ الإضافية والمكمّلة للاستقلال الوطني من الناحية الاقتصادية التي بادرت بها الجزائر المستقلّة بغرض عدم ترك أي فراغ قد تستغّله القوى المعادية للثورة والتّأسيس لقانونٍ عام اقتصادي بالجزائر المستقلّة، الآتي:- إنشاءُ أول ديوان وطني جزائري للسياحة بتاريخ 25 أوت 1962؛- إنشاءُ أول مكتب وطني للنفط بتاريخ 25 أوت 1962 الذي أسهم في التأسيس للشركة الوطنية "سوناطراك" من خلال شراء أسهم كثيرة كانت تمتلكها شركة "سان ريبال الفرنسية".

      وبتاريخ 31 ديسمبر 1963 قام الرئيس أحمد بن بلّة رحمه الله بالإمضاء على المرسوم رقم:63-491 المؤسّس للشركة الوطنية لنقل وتسويق النفط. وفي إطار استكمال التأسيس للشركة الوطنية (سوناطراك) قام الرئيس هواري بومدين رحمه الله بتاريخ 22 سبتمبر 1966 بإصدار قرار توسيع صلاحيات الشركة الوطنية (سوناطراك) لتشمل من هذا التاريخ المؤسّس للاستقلال النفطي بالجزائر، كل من أعمال البحث، والاستغلال الصّناعي، والتجاري للآبار النفطية الصلبــــة والسائلة منها، وكذلك بكل ما يخصّ آبار الغاز وجميع مكوناتها.

      ومن أبرزِ القراراتِ الثّورية لمجلس قيادةِ الثّورة والحكومة، المتعلِّقةِ بدعم الشّركة الوطنية للنّفط (البترولُ ومشتقّاتُه):

      - الرّفعُ من قيمةِ الرّأسمالِ الاجتماعي لشركةِ (سوناطراك) من أربعينَ مليون فرنك جديد (40 millions de nouveaux francs) إلى قيمة 400 مليون دينار جزائري؛

      - إنشاءُ مؤسَّسة ميناء الجزائر بتاريخ 22 أوت 1962، والسّعيُ التّدريجي والمتواصل لجزأرةِ التّسييرِ الإداري والبشري للإدارةِ المينائية بالجزائر؛

      - إنشاءُ أوّلِ ديوانٍ وطني لليدِ العاملة بموجِب مرسومٍ صادرٍ بتاريخ 22 نوفمبر 1962، والذي كان الهدفُ من إنشائِه امتصاصُ طلباتِ العملِ المتزايدة، وتمكينُ الدّولة من الإشراف المباشرِ على كلِّ ما يتعلّقُ بالتّشغيلِ وتكوينِ اليدِ العاملة الجزائرية، بالإضافةِ إلى إنشاءِ الدّيوانِ الوطني للتّجارة بموجِب مرسومٍ صادرٍ بتاريخ 13 ديسمبر 1962؛

      - إنشاءُ أوّلِ بنكٍ جزائري (البنكُ المركزي الجزائري) بموجِبِ قانون رقم 62-144، مؤرّخ في 13 ديسمبر 1962، بالإضافةِ إلى اعتمادِ الدّينارِ الجزائري كوحدةِ عملةٍ وطنية للجزائر بتاريخ الأوّل من شهر أبريل 1964، وإلغاءِ العملِ نهائيًا بوحدةِ عملةِ الفرنك الجزائري الجديد (Le nouveau franc Algérien) الذي كانت له نفسُ قيمةِ الفرنك الفرنسي الجديد (Le nouveau franc français

      - الانطلاق في عملية التأميم للمناجم انطلاقا من سنة 1966 (السادس من شهر ماي 1966) المتواجدة على مستوى التراب الوطني (الونزة وبشار القنادسة وعين الدفلى..) بغرض التأسيس لقاعدة اقتصادية عمومية في مجال الصّناعة الثقيلة تؤهّل الجزائر لمرحلة الصّناعات الثقيلة (مركب الحجار نموذجا..).

      تعكس قرارات إنشاء الدواوين المختلفة، واعتماد المؤسسة العمومية الادارية والاقتصادية، وتأسيس بنك مركزي جزائري من طرف أول سلطة سياسية جزائرية خالصة، بعد ما لا يقل عن 132 سنة من الاحتلال الفرنسي، أن خيار المؤسسة العمومية الإدارية والاقتصادية سيكون هو السائد بالنسبة للسلطات العمومية التي لم تخف تبنيها للدولة الاشتراكية القائمة على الاقتصاد العمومي بقيادة الدولة من جهة، ومن جهة ثانية تكريسها القانوني لخيار الملكية العامة لوسائل الانتاج على مدار الفترة الزمنيّة الممتدة من 1962 وإلى غاية 1965-1966.

      الفرع الثاني: المؤسسة العامة الادارية والاقتصادية كأداة قانونية لتدخل الدولة

      وهو الخيار الاقتصادي والاجتماعي الذي قام مجلس قيادة الثورة والحكومة باعتماده والتوّسع فيه، بعد تاريخ 19 جوان 1965، من خلال التركيز على القطاع العمومي كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك بالاعتماد على النماذج الآتية من المؤسسة العامة الادارية و الاقتصادية:

      - المؤسسة العامة الإدارية (Etablissement Public Administratif):وهي النموذج المؤسستي الذي قرر مجلس قيادة الثورة و الحكومة الابقاء عليه بالنظر لأهميّته في تأكيد تواجد الدولة على مستوى تراب الجمهورية، من خلال الأعمال و الخدمات المنتظمة التي كانت تضمنها المؤسّسة العامة الادارية على مستوى البلديات والقرى والمناطق النائية(إصلاح وصيانة دورية ومنتظمة للطرق، والمدارس، وتوزيع الماء ونظافة الأحياء.. إلخ)، أو على مستوى ضمان الخدمات المتعلقة بالنظافة والإنارة العمومية، والإطعام المدرسي، وتمثل هذا الاختيار في إصدار رئيس مجلس الوزراء أمرية (Une Ordonnance) خاصّة بالمؤسسات العمومية الادارية تحتوي على 23 مادة موزعة على النحو الآتي:*تحديد الطبيعة القانونية للمؤسسة العامة الادارية، وضبط وصايتها الادارية العليا، وكذلك القانون الذي تخضع له في علاقاتها مع الغير (المادة الثانية)، بالإضافة إلى كيفية إنشاء المؤسسة العامة الادارية، وتعديل نظامهـــــــــا القانوني، وتحديد مواردها المالية(المادة الثالثة)، وتحديد مقرها الاجتماعي الذي لا يمكن أن يكون إلا بالجزائر(المادة الخامسة). و قد تضمنت الأمريّة كذلك التنظيم الاداري للمؤسسات العمومية الادارية(14 مادة)، والتنظيم المالي (09 مواد).

      وبالرجوع لنصِّ المادّة الأولى من الأمرية الخاصة بالمؤسّسة العامّة الإدارية يستشفُّ الباحثُ في قانون المؤسّسات أنواعَ الحمايةِ القانونية التي أقرّها المشرع الجزائري المتمثل في مجلــــس قيــادة الثـورة والحكومة (الفترة الممتدة من تاريخ 19 جوان 1965 وإلى غاية التّصديق على دستور 1976) للمؤسّسة العمومية الإدارية حتى تقوم بواجباتها نحو المجتمع باعتبارها الأداة القانونية للدولة (صاحبة السلطة والسيادة)، والتي جاءت على النّحو الآتي:

      - المؤسسة العمومية الادارية هي شخص معنوي يتمتع بالاستقلالية المالية؛

      - المؤسسة العامة الإدارية هي مؤسسة تكلَّف بتسيير مرفق عمومي إداري ولا تمارس بشكل عادي أي نشاط تجاري (وتأتي المادة الثانية لتؤكّد على أن المؤسسة العامة الإدارية، هي تحت وصاية الوزارة التي لها علاقة بنشاطها، وأن تسييرها وعلاقاتها مع الغير تخضع بشكل عادي للقانون العام)؛

      - المؤسّسة العامة الإدارية تتمتع بصلاحيات السلطة العمومية ومستخدموها يخضعون للقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.

      و من أشكال الحماية القانونية الإضافية التي منحها المشرع الجزائري للمؤسسة العامة الإدارية لكونها تشكّل أحد أهم الأدوات القانونية للتدخل في النشاط الاقتصادي:

      -أنّ المشرع قد مكنّها من التواجد على مستوى تراب الجمهورية باعتبارها رمزًا من رموز الدولة (أعوانها من قطاع الوظيفة العمومية: توظيفا ومرتبا وترقية وحماية قانونية أثناء تأدية الوظيفة الادارية والاقتصادية)؛

      - أخضعها للقانون العام (الخضوع للقانون العامّ يعتبر حمايةً إضافية للمؤسّسة العامّة الإدارية)؛

      - حماها من الحلّ الإرادي (المقصود بالحل الإرادي أن يقوم أعوانها وموظفوها بطلب الحلّ)، والقضائي (منعُ أيّ حلٍّ قضائي للمؤسّسة العامّة الإدارية)، والإفلاس (الدولة هي التي تضمن تمويلها ومرتبات أعوانها)، والتسوية القضائية (منع المتابعة القضائية للمؤسسة العامة الإدارية).

      - المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي أو التجاري (Etablissement Public à caractère Industriel ou Commercial): وهي أحد أهم المؤسسات العمومية الصّناعية والتجاريّة التي أبقت عليها دولة الاستقلال سيّما بعد سنة 1965، بعد أن تمّ التأكيد على خيار إدارة الدولة للشأن الاقتصادي من منطلق دولة الرعاية الكاملة، وذلك للعديد من الاعتبارات أهمها:- المؤسسة العمومية ذات الطابع الصّناعي أو التجاري لديها قابلية واسعة للتأقلم مع النظامين الاشتراكي أو الرأسمالي على حد سواء. فهي مؤسّسة عمومية مزدوجة الأداء وبالتالي فهي أساسية في النظام الليبرالي سيّما في فترة الأزمات الاقتصادية، أو عند إحجام القطاع الخاص على الاستثمار في قطاعات نشاط لا تحقق له الربح المضمون وقد اعتمدت الحكومات الفرنسية المتعاقبة من سنة 1918 وإلى غاية يومنا هذا على هذا النموذج من المؤسسة الذي يسمح للدولة أن تكون متواجدة في قطاع الانتاج أو التصنيع أو التجارة دون أن يعني هذا التواجد إخلالا بقواعد السوق؛

      - المؤسسة العمومية ذات الطابع الصّناعي أو التجاري تبقى، ومن وجهة نظر قطاع واسع من فقهاء القانون الاقتصادي، وإلى غاية تاريخنا هذا، تبقى" الأكثر الأشكال شيوعا التي تسمح لتدخل الدولة في النشاط الصّناعي والتجاري للحيلولة دون الإخلال بالتوازنات الاقتصادية والاجتماعية"؛[8]

      - تخضع تعاملات وعقود المؤسسة العمومية الصّناعية أو التجاريّة مع الدولة أو أحد تفرعاتها أو مع المؤسسات العامة الإدارية أو المؤسسات العمومية الاقتصادية للقواعد والأحكام والبنود المنظّمة للقانون العام، لكّنها عندما يكون تعاملها مع القطاع الخاص أو الأفراد فهذه الأخيرة (المقصود بالمعاملات أو العقود..) يخضعها المشرع الجزائري لقواعد القانون التجاري.

      - أعوان المؤسسة العمومية الصّناعية أو التجاريّة لا يخضعون للقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية(الأمر رقم:06-03 المؤرخ في 19 جمادي الثانية 1427 الموافق لـ15 يوليو 2006) و بالتالي فهم ليسوا أعوانا عموميين،[9] وإنّما يخضعون لنظامٍ اتّفاقيٍ خاصٍّ بهم.

      - المؤسسة العمومية الاقتصادية Etablissement Public Économique)

      وهي المؤسّسة العمومية الاقتصادية التي خصّها المشرعُّ بترسانةٍ قانونية، ابتداءً من تاريخ الخامس من جويلية 1975، تاريخ دخول الأمر رقم 73-29، المؤرّخ في الخامس من جويلية 1973 حيّز النّفاذ (وهو الأمر الذي ألغى القانون رقم 62-57، المؤرّخ في 31 ديسمبر 1962)، وأهمُّها:

      - الأمر رقم 71-74، المؤرّخ في 16 نوفمبر 1971، المتعلّق بالتّسيير الاشتراكي للمؤسّسات (الذي يُعتبرُ فاتحةَ قوانينِ العمل في الجزائر، لاسيَما فيما يتعلّقُ بتحديدِ مفهومِ العامل، وتكريسِ مبدأِ المساواةِ بين العمّالِ في الحقوقِ والالتزامات)،[10] وقد أُقِرّت بموجب هذا الأمر تسمية "المؤسسة الاشتراكية" ((Enterprise Socialiste؛

      - الأمر رقم 75-31، المتعلّقُ بالشّروطِ العامّة لعلاقات العملِ في القطاع الخاصّ (وهو القانونُ الذي جاء لتنظيمِ علاقاتِ العمل في القطاعِ الخاصّ وِفقَ معاييرِ العملِ الدّولية في مجالاتِ ممارسةِ الحقِّ النّقابي والإضرابِ والمفاوضةِ الجماعية)؛

      - القانون رقم 78-12، المتضمِّن القانونَ الأساسي العامّ للعامل، المؤرّخ في الخامس أوت 1978 (وهو القانونُ الذي لم يتمَّ تطبيقُه إلّا في حدودِ سنة 1984-1985، للعديدِ من الأسبابِ الموضوعيةِ اللصيقة بالانتقالِ السّياسي بعد وفاةِ الرّئيس هواري بومدين رحمهُ الله ومجيءِ نظامٍ سياسي جديد بقيادةِ الرّئيس الشاذلي بن جديد طيّب الله ثراه، والذي كانت له نظرةٌ مغايرة للاقتصادِ العمومي تتميّزُ بالمرونةِ ومحاولةِ تنويعِ الاقتصادِ الجزائري نحو المزيدِ من الانفتاحِ على القطاعِ الخاص)؛

      - قانون رقم: 88-01 الصادر بتاريخ 12 جانفي 1988 والمتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية (وهو أول قانون يجعل من المؤسسة العمومية الاقتصادية كيانا قانونيا صاحب ذمّة مالية مستقّلة، ويتمتع هذا الكيان القانوني الجديد بالحق في التعاقد والتملك والتقاضي، وهو أول قانون إصلاحي يفصل بين حق ملكية رأس المال من طرف المؤسسة وصلاحية الإدارة والتسيير فيها[11] في ظل الدولة الاشتراكية).

      إنّ أهمّ خلاصة يخلص إليها الباحث في القانون العام الاقتصادي للفترة الممتدة من سنة 1962 وإلى غاية 1988 تتحدد في الأفكار الرئيسة الآتية:

      - إنّ الدولة باعتبارها ممثلة للسلطة العامة كانت تضفي حماية قانونية واسعة للمؤسسة العامة الإدارية والاقتصادية منها دون أدنى تحفظ لكونها كانت تعتبرها ذراعها الاجتماعي في المجتمع (Comme son bras social dans la société) الذي لا يمكن تركه لقواعد وآليات السوق؛

      - كانت الدولة تعتبر نفسها معنية بالنشاط الاقتصادي في المقام الأول، فهي التي كانت تشرف على مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المخططـــــــات الخماسيـة والرباعية والثلاثية)، كما كانت تشرف على كل ما يتعلق بتعيين طواقم ادارة وتسيير المؤسسات العمومية الإدارية والاقتصادية على حدٍّ سواء، من منطلق مفهومِ السُّلطةِ العمومية؛

      - إنّ الدولة باعتبارها سلطة متدخلة كانت تتحمل على عاتقها (الخزينة العمومية) كتلة أجور ومِنح العمال والموظفين وكافة توابع التشغيل والتوظيف؛ كانت الدولة-التي تقود و تشرف على برامج التنمية- تحمي المؤسسة العامة الإدارية والاقتصادية من الإفلاس.

      أسئلة مختارة

      س1:  ما السبب الاقتصادي الذي كان وراء اختيار الجزائر في ظل النظام الاشتراكي للشركة الوطنية كأداة تدخل قانونية لتنفيذ برامج التنمية الوطنية؟

      س2: ما سر تواجد الشركة الوطنية في النظامين الاشتراكي و الرأسمالي؟

      س3:  ما المقصود بالقول: إن الدولة الاشتراكية كانت تحتكر التجارة الداخلية والخارجية وإلى غاية تاريخ التعديل الدستوري لعام 1989؟

      س4: ما المقصود بالتأميم؟

      س5: ما المقصود بالخوصصة؟

      س6:  ما الدور الاقتصادي والاجتماعي للمجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي قبل أن يعاد صياغة التسمية إلى المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي و البيئي سنة 2021؟



      [1] شاركت المنظمة العسكرية السريّة في حرق وتخريب كل ما قد يساعد الدولة الجزائرية المستقلة بدءا بمراكز الضمان الاجتماعي المتواجدة في كل من الجزائر و قسنطينة ووهران، وتفخيخ الموانئ البحرية ومنها التفجير الكبير لميناء الجزائر بتاريخ الثاني من شهر ماي 1962 ، و كذلك حرق و نهب المكتبة الجامعية لجامعة الجزائر، بالإضافة إلى ما كانت تقوم به من قتل للجزائريين و لكل من كانت ترى فيه عنصر دعم للجزائر المستقلة.

      [2] جاء في أطروحة دكتوراه دولة للدكتور محمد صغير بعلي(كلية الحقوق-جامعة الجزائر 1)  مرجع سبقت الإشارة إليه ،ص:8، الآتي: "حيث رحل ما يقارب 95% من الأوروبيين الذين كانوا  بالجزائر، بينهم عدد كبير من الإطارات، إذ كان عدد الأوروبيين الناشطين يقدر بـ300.000 كانوا يتوزعون على النحو الآتي:-33.000 من أصحاب وملاك المنشآت بمختلف أشكالها (ويعني ذلك أن العنصر الأوروبي كان يسيطر سيرة تامة و نافذة على النشاط الاقتصادي بالجزائر تحت الاحتلال الفرنسي)؛-15.000 من الإطارات السامية (المقصود بالسامية الكوادر الادارية والتسييرية والمالية العالية الكفاءة) ومن ذوي المهن الحرّة (محامين ومحضرين قضائيين وخبراء ومترجمين و أعوان محاكم...)؛ 100.000 من الإطارات المتوسطة والموظفين (نسبة التوظيف في الوظيفة العمومية كانت شبه- منعدمة بالنسبة للعنصر الجزائري)؛ 35.000 من العمال المتخصصين (عمالة ماهرة في كافة مناحي العمل (الكهرباء والغاز والنجارة والحدادة والطباعة والنقل بالسكك الحديدية..). وتعكس هذه الأرقام درجة الاقصاء للعنصر الجزائري في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والخدمي وكذلك في قطاع الأعمال الحرة.

      [3] وهو القانون الذي كان محلّ إلغاء بموجب الأمر رقم:73-29 المؤرخ في 5 جويلية 1973 (دخل هذا القانون حيّز النفاذ بتاريخ 5 جويلية 1975)

      [4] محمد صغير بعلي، أطروحة دكتوراه دولة، مرجع  سابق، ص :9.

      [5] « L’établissement public est sans aucun doute la première institution administrative et économique infra-étatique à voir le jour  dans l’ordre juridique de l’Algérie indépendante », Mohamed BOUSSOUMAH ; l’Établissement public, op cit,  p : 3.

      [6] « Paradoxalement, la notion de bien vacant est d’origine française. Elle est apparue pour la première fois en Algérie, le 21 septembre 1832 par l’arrêté de l’intendant civil Genty de Bussy. L’arrêté se referait au code civil français, art, 713, en vertu duquel » les biens qui n’ont pas de maitre appartiennent à L’État ».

      -Tayeb BELLOULA, droit du travail, collection-droit pratique, éditions DAHLAB, Alger, Algérie, p : 45.

      [7] لمزيد الاطلاع على الموضوع المتعلق بالملاك الشاغرة، أنظر:- بوزيدي آمنة و داود فريال: مفهوم الأملاك الشاغرة في القانون الجزائري و اجراءات إدراجها ضمن الأملاك الوطنية الخاصة للدولة، مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء، الجزائر، الدفعة 16، السنة التكوينية:2005-2008.

      وهي دراسة معمقة جاءت شبه شاملة للموضوع المتعلق بالأملاك الشاغرة وموقف المشرع الجزائري من الحماية القانونية لهذه الأملاك.

      [8] وهي الخلاصة البحثية التي خلص إليها كل من:- رشيد واضح: المؤسسة في التشريع الجزائري بين النظريّة والتطبيق، دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2002، ص:62؛- محمد الصغير بعلي: المؤسسات العمومية في التشريع الجزائري، مرجع سابق، ص:17.

      [9] جاء بنص المادة 4 من الأمر رقم:06-03 المؤرخ في 19 جمادي الثانية 1427 الموافق لـ15 يوليو 2006 الآتي: "يعتبر موظفا كل عون عيّن في وظيفة عمومية دائمة و رسّم في رتبة في السلم الاداري.

      الترسيم هو الاجراء الذي يتم من خلاله تثبيت الموظف في رتبته".

      [10] سليمان أحمية: التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الجزائري، مرجع سبقت الإشارة إليه، ص 47.

      [11] رشيد واضح :المؤسسة في التشريع الجزائري بين النظريّة و التطبيق، مرجع سابق، ص:92.


  • المحاضرة السابعة

    •  تكييف المنظومة القانونية  وفق آليات اقتصاد السوق في الجزائر

      (المحاضرة السابعة)

      أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة السابعة بعنوان" التجربة الجزائرية" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على  سلسلة الاجراءات  الإصلاحية  العميقة التي بادرت بها السلطات العمومية  من أجل  تكييف مناخ الأعمال في الجزائر  حتى يكون مُستقطبا  للاستثمار الوطني و الأجنبي.

      وهي التجربة المتميزة التي انطلقت من تاريخ التصديق الشعبي على التعديلات الدستورية العام 1989 التي نرى ضرورة دراستها ومناقشتها وتحليلها حتى يستفد الطالب الجامعي الذي اختار تخصص قانون عام   من المعارف والمعلومات والمعطيات ذات الصلة بالقانون الاقتصادي   الذي يتقاطع و العديد من القوانين الأخرى كالقانون المدني و القانون التجاري و قانون المنافسة و قانون الاستثمار.  

      عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى  يصبح هذا المقياس  مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:-الهيكلة الاقتصادية وبرامج التثبيت الهيكلي.

      -المؤسسات المالية العالمية وآليات تدخلها في التجارة الدولية.

      -رؤوس الأموال التجارية للدولة.

      - التعديل الاقتصادي.

      -الاستثمار الأجنبي.

      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الثانية) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:

      -أي دور للهيكلة الاقتصادية في تحسين مناخ الأعمال في الجزائر؟

      -أي دور للهيئات الادارية المستقلة في التأسيس لمناخ منافسة عادلة وشريفة؟

      -أي دور لهيئات الضبط الاقتصادي في استقرار الأسواق المحلية(الوطنية) ومحاربة الاحتكار والمنافسة غير المشروعة؟

      الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة في تمكين  الطالب الجامعي مِن الوقوف على  أهم التدابير والإجراءات و القرارات ذات المضمون الاقتصادي التي ساهمت وبدرجة كبيرة في ضمان انتقال سلس من الدولة المتدخلة إلى الدولة المُنظمة.

      تقديم؛

      بالتصديق على دستور 1989 الذي نقل الدولة الجزائرية من دولة متدخّلة ومشْرِفة ومتعامل اقتصادي رقم واحد دون منافس، دولة متدخّلة كانت قاطرة التّنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلى دولة منظّمة (Etat régulateur) يكون تدخّلها كصاحبة سيَادة في حدود الرّقابة، والتشجيع على الاستثمار والتّجارة القانونية، والتّحصيل الضّريبي والجبائي ،وتنظيمِ السّوقِ في حالة أيّ إخلالٍ بالتّوازنات الاقتصاديةِ الكبرى وفقَ خططِها وبرامجِها الإنمائية القريبة والمتوسّطة والبعيدة المدى.

      وقد جاء تقسيمُ هذا  الجزء من الدراسة في طبية التكييف للمنظومة القانونية الجزائرية وفق آليات اقتصاد السوق على النّحوِ الآتي:

      الفرع الأول: اجراءات تكييف المنظومة القانونية

      إنّ الانسحابَ من الفضاء الاقتصادي للدولة كمنتجة، أو تاجرة، أو متعامل اقتصادي أو اجتماعي رقم واحد بعد التصديق على دستور 1989 لا يعني انسحابها من سن القوانين والقرارات ذات المضمون المنظّم للأنشطة الاقتصادية، بل زاد وتعاظم دورها الرقابي والتنظيمي وتحمل مسئولية توفير الشروط الموضوعية لمناخ أعمال مساعد للمبادرتين العمومية والخصة في ظلّ التّحدياتِ التي كانت تواجهُ الاقتصادَ الجزائري.

      - أولويّة توفير مناخِ أعمالٍ مساعد: سعت السّلطاتُ العمومية من أجل أن يكون مُناخُ الأعمالِ بالجزائر مناخًا مساعدًا للمستثمر الوطني أو الأجنبي، منذ أن بدأت الحكومات المتعاقبة على دفّة السلطة التنفيذية تنفيذ برنامج للإصلاح والهيكلة الاقتصادية، من منطلق الاحترام التام للسيادة الوطنية، فكان الاصلاح التشريعي والقانوني والتنظيمي العام الذي جاء على مراحل متميّزة احتلت الدولة صاحبة السيادة فيها الريادة باعتبارها صاحبة الشأن.

      وفي إطارِ المسعى العامّ القاضي بتوفير شروطِ النّهضة الاقتصادية والخروج من دوّامة الاعتمادِ على الجبايةِ النفطية لوحدها في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية كانت السلطات العمومية على موعد مع التأسيس لمنظومة قانونية جديدة تتوافق والنهج التعديلي للدولة في ظل دستور 1989 الذي رسّخ مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ومنع التمييز بينهم (المادّة 29 منه)، وضمن الدفاع الفردي والجماعي عن الحقوق الأساسية للإنسان والحريات الفردية والجماعية (المادّة 33 منه)، وكفل كذلك حرية التعبير وإنشـاء الجمعيات والاجتماع (المادة:41 منه).

      بالإضافة إلى إصدارها لمنظومة قانونية جديدة تنظم علاقات العمل في مجال العمل، ومنازعات العمل الفردية والجماعية، وتفتيش العمل، وممارسة الحق النقابي، تمّ التصديق على سلسـلة من النصوص القانونية المنسجمة والأحكام الدستورية الجديدة لعام 1989 والمنظّمة للسجل التجاري (قانون رقم:90-22 المؤرخ في 18-08-1990 والمتعلّق بالسجل التجاري)، والنقد والقرض (القانون رقم:90-10 المؤرخ في 14-04-1990 والمتعلّق بالنقد والقرض)، والتوجيه العقاري (القانون رقم: 90-25 المؤرخ في 18-11-1990 والمتعلّق بالتوجيه العقاري)، والتهيئة العمرانية (القانون رقم:90-29 المؤرخ في 01-12-1990 والمتعلّق بالتهيئة العمرانية)، بالإضافة إلى الأملاك التابعة للدومين-Loi Domaniale- (القانون رقم:90-30 المؤرّخ في 01-12-1990 والمتعلّق بقانون الدّومين).

      لم يتوقّف المسعى الوطني العامّ للسّلطات العمومية من أجل توفير مُناخِ أعمالٍ مساعدٍ للمستثمِر الوطني أو الأجنبي على حدٍّ سواء، بالرّغم من ضغوطات الأزمةِ المتعدّدةِ الأوجه، التي كانت تواجهُ الجزائر سنوات 1992، 1993 و1994، فكانت الإصداراتُ القانونية الآتية، والتي كان من شأنها التّأكيد على عزم الدّولةِ المضيَّ قُدمًا في نهج الإصلاح القانوني الذي من شأنه أن يساعدَ في إعادةِ الاعتبارِ للأداةِ الإنتاجيةِ العموميةِ والخاصّة في ظلِّ تنافسيةٍ ينظِّمُها القانون:

      - إجراءُ أوّلِ تعديلٍ وتتميمٍ للمرسومِ التّشريعي رقم:93-08 المؤرّخ في 23 أبريل 1993، المتعلِّقِ بالقانون التجاري، وقد كان الهدفُ من هذا التّعديل والتّتميمِ أن يسمحَ لشركاتِ الأسهم بالمزيد من الحرّية في التّنظيم والاكتتابِ والمداولة، في ظلِّ التّنافسية الاقتصادية؛

      - إجراء تعديل وتتميم قانون الاجراءات المدنية بموجب مرسوم تشريعي (Un Décret-Législatif) رقم:93-09 مؤرخ في 25 أبريل 1993 يتضمن، ولأول مرة في التاريخ القانوني الجزائري للفترة الزمنية (1962 وإلى غاية سنة1993) "إدراجَ قواعدَ تطبيقيةٍ خاصّةٍ بالتّحكيم التّجاري الدّولي"؛[1]

      - إصدار أول مرسوم تشريعي يتعلق ببورصة القيّم المنقولة (Bourse des valeurs mobilières) (رقم:93-10 مؤرخ في 23 ماي 1993)، وهو ما يُعدُّ اهتمامًا خاصًّا بأهميّة القيّم المنقولة في دعم الاستثمار الأجنبي بعد أن تمت الإشارة إليها- القيَم المنقولة- في المرسوم التشريعي رقم 93-09، المؤرّخ في 25 أبريل 1993، المعدِّل والمتمِّم لقانونِ الإجراءاتِ المدنية.

      - إصدار أول مرسوم تشريعي ينظم الاستثمار الأجنبي بالجزائر(رقم 93-12، مؤرّخ في 05 أكتوبر 1993، والمتعلق بترقية الاستثمار جاء بعد أن قامت السلطات العمومية بالتصديق على أهمِّ اتفاقية دولية لمؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 10 جوان 1958 والخاصّة باعتماد القرارات التحكيميّة الأجنبيّة وتنفيذها(قانون رقم 88-18 مؤرخ في 28 ذي القعدة عام 1404 الموافق لـ12 جويلية 1988، المتضمّن الانضمام إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958).

      وهو المرسوم التشريعي الذي تضمنت مادته الأولى الآتي: "يحدد هذا المرسوم التشريعي النظام الذي يطبق على الاستثمارات الوطنية الخاصّة و على الاستثمارات الأجنبية التي تنجز ضمن الأنشطة الاقتصادية الخاصة بإنتاج السلع أو الخدمات غير المخصصة صراحة للدولة أو لفروعها، أو لأي شخص معنوي معيّن صراحة بموجب نص تشريعي"؛

      - إصدار أول مرسوم تشريعي يتعلق بحماية الاختراع (رقم 93-17، مؤرّخ في 07 ديسمبر 1993، المتعلّق بحماية الاختراعات (Protection des inventions) يكرّس الحق في الملكية التي قد تكون عقارا أو منقولا أو اختراعا علميا أو صّناعيا (قانون حقوق المؤلف، قانون الملكية الصّناعية، قانون العلامة التجارية...). هذا وقد سبق للمشرع الجزائري أن أنشأ الديوان الوطني لحقوق المؤلفين (الأمر رقم:73-46 الصادر بتاريخ 25 جويلية 1973)[2] ليكون المؤسسة العمومية ذات الطابع الصّناعي والتجاري التي تتمتع بالشخصية القانونية (La Personnalité Juridique) في ظلّ الدّولة المتدخّلة (Etat Intervenante).

      لكن ومع دخول الجزائر مرحلة الدولة المنظّمة أو المعدّلة وسعي المشرع الجزائري إلى تحقيق أعلى حماية للملكية الفكرية والصّناعية وللعلامة التجارية؛ جاء الأمر رقم:97-10 المؤرخ في 27 شوال 1417ه الموافق لـ06 مارس 1997، المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ليضيف حماية أوسع لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في ظل تنافسية الاختراع والإبداع والتميّز.[3]

      هذا وقد تعززت منظومة حقوق التأليف بإصدار المشرع الجزائري للأمر رقم:03-05 المؤرخ في 19 جمادي الأولى عام 1424 الموافق لـ19 يوليو سنة 2003 والمتعلّق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ويبقى الأمل في تعزيز حماية أوسع للملكية الصّناعية في ظل التطوّر الحاصل في النسيج الاقتصادي الجزائري وتحقيق الحماية القانونية للاختراعات المحققة على الصعيد الوطني.

      - إصدار الأمر رقم: 95- 06 المؤرخ في 25-01- 1995 و المتعلّق بالمنافسة الذي يعد أحد أهم القوانين المؤسّسة لنظام اقتصاد السوق، ومن "خلال القواعد الموضوعية والإجرائية التي وضعها، يعتبر – هذا القانون- تشريعا حقيقيا للمنافسة الحرة في الجزائر، من شانه حماية المنافسة وتشجيعها وجعلها من ركائز الاقتصاد الوطني".[4]

      ولتدارك ذلك سارع المشرع الجزائري إلى إصدار الأمر رقم:03-03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 والمتعلق بالمنافسة والممارسات المقيدة لها، كما أتبع ذلك بإصداره للقانـــــــون رقم: 04-02 المؤرخ في 23 يونيو 2004 والمتعلق بالقواعد المطبقة على الممارسات التجارية.[5]

      - الدولة و تثبيت منظومة قانونيّة- حمائية للأجراء: جاء الأمر رقم:95-22 المؤرخ في 26-08-1995 والمتعلّق بخوصصة المؤسسات العمومية بعد أن قامت السلطات العمومية بإرساء نظام وطني لحماية الأجراء من خطر فقدان منصب الشغل-العمل- لأسباب اقتصادية وغير إرادية قوامه ثلاث أنظمة قانونية جديدة لم يعرفها المجتمع الجزائري من قبل وهي:

      - التّأسيس القانوني لجهاز مهمّته الحفاظُ على الشّغل: (المرسوم التشريعي رقم: 94-09 المؤرّخ في 26/03/1994 والمتعلق بكيفية الحفاظ على الشغل) من خلال إجبار المؤسسات العمومية الاقتصادية على أن تقوم بالتحضير لغلاف اجتماعي (Le Volet Social) خاصّ بأيِّ تقليصٍ في عدد العمّالِ بالتّنسيق مع لجنة المساهمة وكذلك بعد التّفاوض مع النّقابة أو العمّال حول مختلف الأوجه المتعلّقةِ بالتّقليص وشروطِ تطبيقه.

      - التأسيس لنظام تقاعد مسبق (المرسوم التشريعي رقم: 90-10 المؤرخ في 26 ماي 1994) كان الهدف من تأسيسه في ظل الظرف الاقتصادي الصعب الذي كانت تمر الدولة الجزائرية به تحقيق أعلى معدلات الحماية للأجراء ضد آثار التسريح لأسباب اقتصادية.

      ومن شروط الاستفادة من هذا المرسوم التشريعي:- لا يمكن إحالة عامل على التقاعد المسبق إلا إذا بلغ خمسين سنة (50) بالنسبة للذكور وخمس وأربعين (45) للإناث؛

      - يجب أن يكون العامل قد دفع اشتراكاته الخاصة بالضمان الاجتماعي لمدة عشرين سنة (20) كحد أدنى منها عشر سنوات (10) كاملة وثلاث (03) سنوات قبل نهاية علاقة العمل؛

      - يجب أن يكون اسم العامل مدرجا في قائمة العمال المعنيين بالتسريح في نطاق الإجراءات الاجتماعية أو توقّف المؤسّسة عن النّشاط بصفة قانونية.

      - نظام التّأمين ضدّ البطالة: (اعتمدته السلطات العمومية سنة 1994) وهو نطام حماية ضد خطر فقد العامل لمنصب عمله لأسباب اقتصادية، فالمؤسسة العمومية الاقتصادية لم تعد مؤسسة يحميها القانون في ظل مناخ التنافسية الاقتصادية والتجارية من الإفلاس، أو التسوية القضائية، أو الحل القضائي، أو تقليص عدد الأفراد لأسباب اقتصادية. وأوكلت السلطات العمومية تسيير وإدارة نظام التأمين ضد البطالة إلى مؤسسة وطنية، وتحوز على الاستقلالية المالة والإدارية، ويدير الصندوق الوطني للتأمين ضد البطالة مجلس إدارة ثلاثي التمثيل ويسيره مدير عام، والصندوق هو تحت وصاية وزارة العمل والضّمان الاجتماعي.

      الفرع الثاني: الدولة و التحكيم التجاري الدولي

      لم تتنصل الدولة الجزائرية من اشتراطات مبدأ احترام السيادة الوطنية عندما قررت السلطات العمومية، ومن منطلق إعلاء المصلحة العليا للدولة، التصديق على معظم الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والدولية المنظّمة للاستثمار الأجنبي ، وذلك كلّه بغرض إضفاء المزيد من الشفافية في عقود الاستثمار التي تبرمها الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار بالنيابة عن الدولة صاحبة السيّادة، فكانت الضمانات الممنوحة للمستثمر الأجنبي، بالإضافة إلى تكريس التحكيم الدولي كأداة قانونية لتسوية منازعات الاستثمار.

      - أهمية التحكيم التجاري الدولي:"التحكيم" لغةً عند العرب، هو مَصدرٌ لفعل حكَّمَ (بتشديد الكاف المفتوحة وفتح الميم) أي قضى وفصل.[6]

      جاء في لسان العرب لجمال الدين محمد ابن منظور (لسان العرب، دار لسان العرب، بيروت، 1988)، قال العرب "حكّموه بينهم أي أمروه أن يحكم".[7] و"التحكيم" عند الأب لويس معلوف اليسوعي (المنجد في اللغة والأدب والعلوم، الطبعة الخامسة، المطبعة الكاثوليكية ،بيروت، غير مؤرخ) أن العرب قالوا: حكمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا".[8]

      وللتحكيم التجاري الدولي مميّزاته في ظل تنامي التجارة والعقود التجارية على الصعيد الدولي(حوالي 90 % من التجارة والعقود التجارة على الصعيد الدولي تخضع لرقابة المنظمة العالمية للتجارة) بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة.[9] فهو، وبالنتيجة التي فرضتها المؤسسات المالية العالمية، قد أصبح بمثابة أحد أهم الأدوات والوسائل القانونية التي يتم اللجوء إليها بإرادة الأطراف المعنية بعقد الاستثمار الأجنبي بغرض إيجاد حل لمنازعة تخص وجها من أوجه العقد، أو أن تكون المنازعة تتعلق بتنفيذ أحد أوجه عقد الاستثمار. إلّا أن اللجوء إلى التحكيم التجاري يبقى حالة استثنائية وليس قاعدة في عقد الاستثمار الذي يكون فيه عنصر أجنبي.

      إنّ التحكيم التجاري الدولي هو" اتفاق على طرح نزاع على شخص أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة"،[10] وهو كذلك " وسيلة يتم من خلالها تحقيق ما اتفق عليه في اتفاق التحكيم"،[11] أو عبارة "عن أسلوب يهدف إلى إيجاد حل لقضية بشأن علاقة بين شخص، أو أكثر عن طريق محكم، أو أكثر من محكم يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص بين أطراف النزاع ويصدرون قراراتهم بموجب هذا الاتفاق دون تخويلهم من قبل الدولة بهذه المهمة".[12]

      إن الجزائر التي كانت رافضة للتحكيم التجاري الدولي إلى غاية 1988، ومركّزة على الاستثمارات العمومية وقيادة الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعطاء الأولوية للقطاع العام الاقتصادي في إنتاج الثروة، بدأت تتجه نحو هذا الاستثناء في العقود والعلاقات التجارية على الصعيد الدولي، بعد أن أبرمت أول اتفاق للتسوية الهيكليـــة والمالية مع المؤسسات المالية العالمية العام 1989.

       فكانت النتيجة أن سعت إلى تكييف قانون الاجراءات المدنية ومتطلبات الاستثمار الأجنبي (إصدار مرسوم تشريعي رقم:93-09 مؤرخ في 25 أفريل 1993 معدّل ومتمّم للأمر رقم: 66-154 مؤرخ في 08 يونيو 1966 والمتضمن قنون الاجراءات المدنية)،[13] وذلك للتمهيد لإصدار أول قانون استثمار (المرسوم التشريعي رقم:93-12 المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ 05 أكتوبر سنة 1993 والمتعلّق بترقية الاستثمار) يكرس اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي( المادة:41 من المرسوم التشريعي التي تؤكد على المحاكم الوطنية إلا إذا كان ثمة اتفاق ينص على شرط التحكيم أو اللجوء إلى تحكيم خاص).

      - أهم الالتزامات التي يفرضها التحكيم التجاري: قرّر المشرع الجزائري، وفي إطار المسعى العام لتقديم المزيد من الضمانات للمستثمر الأجنبي، وبعد أن انضمت الجزائر إلى أحد أهم الاتفاقيات الدولية والمعروفة باتفاقية نيويورك لعام 1958(بموجب المرسوم الرئاسي رقم:88-233 المؤرخ في 05-11-1988 الذي سبق أن أشرت إليه)، وسعت دائرة الانضمام إلى اتفاقية واشنطن  الخاصة  بتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول ومواطني الدول الأخرى المبرمة بتاريخ 18-03- 1965 وبالتالي اكتساب عضوية  المركز الدولي لتسوية المنازعات الخاصة بالاستثمار العام 1995(بموجب الأمر رقم:95-04 المؤرخ في 21 جانفي 1995).[14]

      ومن أهم الضمانات الممنوحة للاستثمار الأجنبي التي كرسها المشرع الجزائري(القانون رقم:16-09 المؤرخ في 29 شوال عام 1437 الموافق لـ03 غشت2016 والمتعلّق بترقية الاستثمار) أذكر الآتي:- الاحترام التام لما تلتزم الدولة به مع الدول(الاتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف) في كل ما يتعــلق بالعقــــــــــــــــود والاتفاقيات التجارية أو الضريبية (منع الازدواج الضريبي)؛

      - الالتزام بمبدأ المعاملة المنصفة و العادلة مع ملفات الاستثمار؛

      - حماية الاستثمار المنجز من أي تغيير في القانون إلا إذا طلب المستثمر ذلك صراحة؛

      - حماية الاستثمار الأجنبي من أي استيلاء، أو تأميم، أو وضع يد إلا بقانون و بتعويض عادل ومنصف.[15]

      وبشأن اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي خصّ المشرع الجزائري المادة 24 من القانون رقم:16-09 المؤرخ في 29 شوال عام 1437 الموافق لـ03 غشت-أوت- 2016 والمتعلّق بترقية الاستثمار لموضوع اللجوء من خلال التنصيص الخاص على بند تسوية يسمح للطرفين بالاتفاق على تحكيم خاص (الحالة الاستثنائية) مع التركيز في المقام الأول على المحاكم الوطنية المختصة إقليميا وبدرجة ثانية يتم الاستناد لاتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف.[16]

       



      [1] «Le décret-législatif n° 93-09 du 25 avril 1993, modifiant et complétant le code de procédure civile, dont l’apport principal réside dans l’introduction  de nouvelles règles applicables à l’arbitrage commerciale international » : Yakout AKROUNE, Le droit des affaires en Algérie, 50 ans après l’indépendance. Quelle configuration ?, Ouvrage collectif, les Edition AJED, tome 1, Alger, 2013, p 349.

      [2] حددت المادة الأولى-01- منه الطبيعة القانونية لهذا الديوان بالنص على أن: "تحدث مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري تتمتع بالشخصية المدنية و الاستقلال المالي، الديوان الوطني لحقوق المؤلف ويكون رمزها "د.و.ح.م"-ONDA-". لكن و مع تطبيق أحكام الأمر رقم:97-10 المؤرخ في 27 شوال عام 1417 الموافق لـ06 مارس سنة 1997 والمتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة، سيّما ما جاءت بنص المادتين 131 و 164 من هذا الأمر، وقع تعديل جوهري في القانون الأساسي للديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة الصادر بتاريخ 21-11-1998 فجاءت المادة 2 منه على النحو الآتي:"الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري، و يتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي. يخضع الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة للقواعد المطبقة على الإدارة في علاقاته مع الدولة و يعد تاجرا في علاقاته مع الغير".

      [3] لمزيد من الاطلاع على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، أنظر :-إدريس فاضلي: حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ص:59.

      [4] محمد الشريف كتو: قانون المنافسة والممارسات التجارية وفقا للأمر رقم:03-03 و القانون رقم:04-02، منشورات بغدادي، الجزائر،2010، ص:27.

      [5] ولمزيد الاطلاع على التعديلات والتتميمات للأوامر و القوانين المذكورة أعلاه انظر:-محمد الشريف كتو، المرجع نفسه،ص:32.

      [6] مظفر جابر إبراهيم الراوي: اتفاقيات عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1987، دار وائل للنشر، الطبعة الأولى، الأردن، 2012، ص:15.

      [7] المرجع نفسه، ص:15.

      [8] المرجع نفسه،ص:15.

      [9] إن المقصود بالمؤسسات المالية العالمية هي صندوق النقد الدولي (1944) و البنك العالمي (1944) والمنظمة العالمية للتجارة(1994). وهي المؤسسات التي أصبحت تشكّل الركيزة الأساسية للنظام الرأسمالي العالمي بعد دخول المنظمة العالمية للتجارة(تاريخ التأسيس:15 أفريل 1994 بالمملكة المغربية) حيز النفاذ بتاريخ الفاتح من شهر جانفي 1995.

      [10] مظفر جابر إبراهيم الراوي: اتفاقيات عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1987،مرجع سابق، ص:15.

      [11] هو تعريف نقله الدكتور مظفر جابر إبراهيم (المرجع أعلاه)، ص15 ويعود لـ :

      -Michael j.Mustill and Stewart Boyd, the law and practice of commercial Arbitration in England, Butter worths, London, 1990, P :40.

      [12] هو تعريف نقله الدكتور مظفر جابر إبراهيم-المرجع أعلاه- ، ص:15 ويعود لـ :

       -Jean Robert, L’arbitrage, droit interne-droit international privé, 5 édition Dalloz, paris, 1983, p :3.

      [13] أضاف المشرع الجزائري بموجب أحكام هذا المرسوم التشريعي رقم: 93-09 مؤرخ في 25 أفريل 1993 المعدّل و المتمّم للأمر رقم:66-154 مؤرخ في 08 يونيو 1966 و المتضمن قنون الاجراءات المدنية فصلا رابعا إلى الكتاب الثامن من الأمر بعنوان: في الأحكام الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي".

      [14] وبموجب اتفاقية واشنطن لعام 1965 و الخاصة بتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول و مواطني الدول الأخرى تمّ إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (Centre International pour le Règlement des Différends concernant les Investissements ) و المشار إليه اختصارا (C.I.R.D.I) والتسمية الكاملة لهذا المركز باللغة الإنجليزية (International Centre For Settlement Of Investment Disputes) والمشار إليه اختصارا(I.C.S.I.D).

      هذا و قد بلغ عدد الدول الموقعة على اتفاقية واشنطن لعام 1965 إلى غاية  سنة 1993 (المرجع:التحكيم التجاري في منازعات الاستثمار الدولي بين الدولة المضيفة للاستثمار و المستثمر الأجنبي، مؤلف مشترك:-الأستاذ الدكتور مصلح أحمد الطراونة-جامعة مؤته بالمملكة الأردنية الهاشمية- و الدكتوراه فاطمة الزهراء محمودي-جامعة معسكر بالجزائر-الجزء الأول و عنوانه: نطاق اختصاص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، دار وائل للنشر، الطبعة الأولى، الأردن، 2013، ص:11) 158 دولة، منها 148 دولة صدقت عليها.

      و لمزيد الاطلاع على نشاطات المركز انظر الرابط الآتي:

      http://icsid.worldbank.org

      [15]  لمزيد الاطلاع انظر: الفصل الرابع من القانون رقم:16-09 المؤرخ في 29 شوال عام 1437 الموافق لـ03 غشت-أوت- 2016 والمتعلّق بترقية الاستثمار  بعنوان: الضمانات الممنوحة للاستثمارات (المواد:21 و 22 و 23 و 25).

      [16]  جاء بنص المادة 24 من القانون رقم:16-09 المؤرخ في 29 شوال عام 1437 الموافق لـ03 غشت-أوت- 2016 و المتعلّق بترقية الاستثمار الآتي:" يخضع كل خلاف بين المستثمر الأجنبي و الدولة الجزائرية يتسلل فيه المستثمر ، أو يكون بسبب اجراء اتخذته الدولة الجزائرية في حقّه، للجهات القضائية الجزائرية المختصة إقليميا، إلا في حالة وجود اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أبرمتها الدولة الجزائرية تتعلق بالمصالحة و التحكيم، أو في حالة وجود اتفاق مع المستثمر ينص على بند تسوية يسمح للطرفين بالاتفاق على تحكيم خاص".


  • المحاضرة الثامنة

    • بحث في

      صيّغ و كيفيات ادارة رؤوس الأموال التجارية للدولة

      (المحاضرة الثامنة)

      أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة الثامنة بعنوان" صيَّغ وكيفيات إدارة رؤوس الأموال التجارية للدولة" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على  أهم تجربة جزائرية في مجال إدارة وتسيير رؤوس الموال التجارية التابعة للدولة في ظل  الدولة المُنظمة.

      وهي التجربة المتميزة في الادارة الذكية لرؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة التي انطلقت من تاريخ  دخول حيز النفاذ قانون رقم 88-01 المتضمن القانون التوجيهي للمؤسسة العمومية الاقتصادية الصادر في 12 جانفي 1988.

      عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى  يصبح هذا المقياس  مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:

      -الاستغلال العقلاني لرؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة.

      -دور الشركات القابضة في الولوج إلى الأسواق المحلية(الوطنية) بشروط آليات وقواعد السوق.

      -آليات الضبط الاقتصادي في ظل الدولة المُنظمة.

      -المؤسسة العمومية الاقتصادية و مخاطر السوق.

      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الثانية) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:

      -ما المقصود بآليات اقتصاد السوق ؟

      - كيف للمشرع  الجزائري أن يدير رؤوس الأموال بالطريقة المثلى التي تحمي  الرأسمال الاجتماعي للمؤسسات العمومية الاقتصادية؟

      الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة  الثامنة(" صيَّغ وكيفيات إدارة رؤوس الأموال التجارية للدولة") في تمكين  الطالب الجامعي مِن الوقوف على خصائص ومميزات الادارة العقلانية لرؤوس الأموال التجارية للدولة.

      تقديم؛

      لمعالجة الموضوع المتعلق بتسيير وإدارة رؤوس الأموال التّجارية التابعة للدولة والمركز القانوني للمؤسّسة العمومية الاقتصادية في ظل القوانين الجديدة المنظّمة للمؤسّسة العمومية الصناعية أو التجارية (EPIC) أو الاقتصادية (EPE)، فضلت تناول ضبط القواعد الخاصّة التي حددها المشرع الجزائري العام 1995 والمتعلّقة بتسيير وإدارة رؤوس الأموال التّجارية للدولة وموقف المشرع الجزائري من حماية الرأس المال الاجتماعي للمؤسّسة العمومية الادارية والاقتصادية.

      الفرع الأول: ضبط القواعد الخاصّة لإدارة المحافظ المالية للدولة

      للوقوف على مستوى تطوّر ممارسة الدولة لحقها في إدارة محافظها المالية في إطار اقتصاد السوق وقع اختياري على التقسيم الآتي بغرض إضفاء المزيد من التوضيح والشرح لأهم المراحل التي مرّت بها إعادة هيكلة الرأس المال التجاري للدولة ليكون قابلا للتداول وعلى امتداد السوق المحلية؛

      -أولا: وهي المرحلة التي شهدت انشاء وبعث صناديق المساهمة (1988-1995) والشركات العمومية القابضة (1995-2001)؛

      -ثانيا: المرحلة الثانية(2002-2017) التي جاءت مباشرة بعد أن تحررت الدولة من التزاماتها مع المؤسسات المالية العالمية وبالتالي استعادة قرارها الاقتصادي السيّد وهي المرحلة التي شهدت إعادة هيكلة جديدة للاقتصاد الوطني كانت أدواتها  كل من: شركات مساهمات الدولة و المجمعات العمومية الاقتصادية.

      بدأ التفكير الجدي في إجراء الإصلاحات الضرورية (الهيكلية والتمويلية والتسييرية) بالنسبة للمؤسسة الاشتراكية، منذ أن أدركت السلطات العمومية في النصف الثاني من سنة 1986، الخطر الذي يتمثل في الاعتماد الكلي لتمويل الاستثمار العمومي وقانون المالية السنوي على الضريبة البترولية دون غيرها من التمويلات الأخرى، وظهر مصطلح المؤسسة العمومية الاقتصادية كمصطلح جديد بموجب القانون رقم:08-01 الصادر بتاريخ 12 جانفي 1988 والمتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية. وهو القانون الذي جاء عاكسًا لإرادة الدولة آنذاك في تغيير الطبيعة العمومية للاقتصاد الجزائري، من خلال تبني مصطلحات ومفاهيم اقتصادية جديدة بمضامين شبه ليبرالية وإدراجها في القاموس القانوني والاقتصادي الجزائري كالاستقلالية في التسيير، وتحمل المؤسسة العمومية الاقتصادية لتبعات المسئولية المدنية والجنائية، واكتساب الشخصية القانونية التي تمكنها من التعاقد و التملك واللجوء إلى القضاء.

      - الطبيعة القانونية لرؤوس الأموال التّجارية التابعة للدولة: صدر هذا الأمر المنظّم للقواعد المسيّرة لرؤوس الأموال التّجارية للدولة،[1] والتي تراكمت منذ سنة 1962 بفضل قرارات التأميم والاستثمارات العموميّة الواسعة التي شملت مختلف جهات الوطن بقيادة الدولة، في ظل السياسات العامة التي انتهجتها الدولة مباشرة بعد التصديق على دستور 1989 والقائمة على حرّية التجـارة (الداخلية والخارجية)، والاستثمار (إصدار أول قانون للاستثمار العام 1993)، والتنافسية بين المؤسســـات والشركات دون النظر لعموميتها (القطاع العمومي) وخصوصيتها (القطاع الخاص).بالإضافة إلى تصديق الدولة على أهم الاتفاقيات الدولية الناظمة للاستثمار الأجنبي ( وأهمّها:-اتفاقية نيويورك الخاصة باعتماد القرارات التحكيميّة الأجنبيّة وتنفيذها؛ -اتفاقية واشنطن الخاصّة بتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات والاتفاقية المتضمّنة إحداث الوكالة الدولية لضمان الاستثمارات).               

      جاء بنص المادة الأولى من الأمر رقم:95-25 المؤرخ في 30 ربيع الثّاني عام 1416 الموافق لـ25 سبتمبر 1995 والمتعلّق بتسيير رؤوس الأموال التّجاريّة التّابعة للدّولة التعريف الآتي: "يحدّد هذا الأمر القواعد الخاصّة بتنظيم وتسيير ومراقبة الأموال العموميّة التي تحوزها الدّولة أو أيّ شخص معنويّ آخر تابع للقانون العام، في شكل أو مساهمات أو شهادات استثمار ،أو أيّ قيم منقولة أخرى تمثّل رأسمال الشّركات التّجاريّة، كما هي محدّدة في المادة 23 أدناه".

      وبالرجوع إلى نص المادة 23 المذكورة أعلاه يجد الباحث أن المشرع الجزائري قد فصل فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق بالتنصيص على الآتي: "تعتبر المؤسّسات العموميّة الاقتصادية الّتي تراقبها الشّركات القابضة العموميّة، أو الّتي تمتلك فيها مساهمات شركات تجاريّة تخضع للقانون العامّ".

      نستشف ممّا سبقت الإشارة إليه بشأن رؤوس الأموال التجاريّة للدّولة  الآتي:-أن المشرع الجزائري قد أخرج المؤسسة العامة الادارية من خانة رؤوس الأموال التجاريّة للدولة، وأنّه أبقى على النموذجين التاليين من المؤسّسات العمومية(المؤسّسة العمومية الصّناعية أو التجارية والمؤسّسة العمومية الاقتصادية) ليكونا مجال تسيير وإدارة لرؤوس أموال الدولة التي تخضع للقانون التجـــاري لكن بتميّز لخصوصيتهــــــــــــا القانونيــــــــــــة والتنظيمية؛- أن المشرع الجزائري قد خصّ المؤسّسة العمومية الصّناعية أو التجارية(E.P.I.C) بحماية مزدوجة الأولى الحماية من الإفلاس والثانية الحماية من الخوصصة، فلم يأت على ذكرها في القانونين اللذين أصدرهما و المتعلقين بخوصصة المؤسسات الاقتصادية (الأمر رقم:95-22 المؤرخ في 26 أوت 1995 و كذلك في الأمر رقم: 01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001)، وهو ما يعني أن هذا الأخير  قد امتنع عن خوصصتها.

      جاءت التحوّلات التشريعية والقانونية والتنظيمية التي أعقبت التصديق على أحكام دستور 1989 لتكون بمثابة إعلان جديد للتأسيس لدولة جديدة قوامها؛- حرية التجارة والمنافسة، واحترام الملكية الفردية والجماعية، وابتعاد الدولة، باعتبارها سلطة عمومية أو صاحبة سلطة وسيادة، عن النشاط الاقتصادي والإنتاجي والخدمي بكيفية مباشرة، بعد أن كانت الدولة هي التي تشرف على كافة أوجه وأشكال النشاط الاقتصادي(إنتاجا وتسويقا وتحديدا اداريا للسعر عند الاستهلاك..).

      والدولة الجزائرية التي أشرفت على الاقتصاد الوطني، من منطلق السيّادة والسلطة على مدار ثلاثة عقود تقريبا (منذ سنة 1962)، تراكمت لديها ممتلكات عقارية ومنقولة لا بأس بها، بالإضافة إلى تراكم تجارب إنتاجية معتبرة على مستوى القطاع العمومي الاقتصادي والتجاري وتشغيله ليد عاملة وصل حجمها حدود المليوني عامل وأجير سنة 1990.

      إنّ تجربة إنشاء وبعث صناديق مساهمة (Fonds de participation) في الجزائر لم تعمر طويلا بالنظر للتحوّلات الدستورية التي تزامنت والبدء في تطبيق النصوص التطبيقية للقانون رقم:08-01 الصادر بتاريخ 12 جانفي 1988 والمتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية بسبب الأزمة المالية التي واجهتهــــا الدولة الجزائرية والتي حالت دون استكمال المخطط الخماسي، كما شهد النصف الثاني من شهر أكتوبر من سنة 1988 تحوّلا جذريا في مقاربة الدولة للشأن الاقتصادي، وبدأ الحديث عن ضرورة الانتقال من المركز القانوني للدولة باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة (L’Etat puissance public ) إلى الدولة المساهمة (L’Etat actionnaire).

      وهو ما يعني أن يكون تدخلها في النشاط الاقتصادي من منطلق المساهم الذي يخضع لما يخضع له الطرف الخاص، وللدولة أن تمارس حقها في أصول المؤسسات العمومية الاقتصادية بواسطة هيئات عمومية تعهد لها تسيير رأسمالها التجاري (Le capital marchand de l’Etat).

      وصناديق المساهمة التي شرع في إنشائها رغم الأزمة المالية التي كانت تواجه الخزانة العامة للدولة هي بمثابة هياكل إدارية وتسيير لمحافظ مالية(عقار ومنقول )تابعة للدولة جاءت لمساعدتها في التواجد على امتداد السوق الوطنية، وتمكين السلطات العمومية من تثمين مواردها المالية من جهة والإسهام في التراكم الإنتاجي من جهة ثانية، بالإضافة إلى ضمان الرقابة المستمرة للأملاك العقارية و المنقولة المخصصة للمؤسسة العمومية الاقتصادية.

      وبالرجوع للقانون المؤسّس لصناديق المساهمة (قانون رقم 88-03 المؤرخ في 12 جانفي 1988) فإن الأخيرة ما هي إلا:- عون ائتماني للدولة (Un agent fiduciaire de l’Etat) يتولى إدارة وتسيير ورقابة الأموال (المنقولة والعقارية) المعهودة إليه؛

      - شركة مساهمة في المقام لأول أو شركة أموال تقوم بإدارة وتسيير واستغلال واستثمار القيّم (منقولة وعقارات) وفق النظام المحاسبي الوطني. ومن أهم التحديات الصعبة التي واجهت إدارة و تسيير صناديق المساهمة للأموال التابعة للدولة التي خصصت لها وحال دون استكمال عملها أذكر الآتي:- حالة العجز المالي التي لحقت بالنسيج العمومي الاقتصادي بسبب الأزمة المتعددة الأوجه التي شلّت الاقتصاد الجزائري؛- اهتمام صناديق المساهمة بضمان دفع أجور عمال المؤسسات التابعة للقطاع العمومي الاقتصادي على حساب النجاعة الانتاجية، وهو الأمر الذي أثقل كاهلها و حال دون قيام العديد من صناديق المساهمة من توفير شروط اعادة الاعتبار للأداة الانتاجية للمؤسسة العمومية الاقتصادية؛- حالة التخريب والحرق والنهب التي كانت تتعرض لها ممتلكات المؤسسات العمومية من طرف الإرهابيين الذين كانوا يرون في المؤسسة العمومية عنوان للدولة التي يريدون إسقاطها.

      إنّ الحقيقة التي لا يمكن أن يغض الباحث المسئول الطرف عنها تكمن في أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت الجزائر بها على مدار السنوات التي أعقبت تاريخ الخامس أكتوبر 1988 والتصديق على دستور 1989 لم تكن بردا وسلاما على القطاع العمومي الاقتصادي.

      وعليه فإن صناديق المساهمة التي بعثت بغرض إدارة و تسيير أموال الدولة التي كانت بصدد الانفتاح نحو اقتصاد السوق لم تتمكن من أداء دور العون الائتماني المنوط به كاملًا إلّا أنها تمكّنتْ من تحقيق الآتي:- جرد ممتلكات القطاع العام الاقتصادي(العقارية والمنقولة..)وحمايتها قانونا بالتسجيل والإشهار؛- الإبقاء على الحركية الانتاجية للمؤسسات العمومية الاقتصادية ولو في حدود دنيا؛- إنشاء فروع جديدة للعديد من المؤسسات العمومية الاقتصادية.

      وبالنتيجة فإنّ صناديق المساهمة لم يكن من مهامها خوصصة المؤسسات العمومية الاقتصادية، أو التنازل عن أصولها لفائدة القطاع الخاص[2]، ذلك أن الرأسمال الاجتماعي (Le capital social) يعدّ ملكا للدولة(Propriété de l’Etat ) التي تنتدب لتسيير الأموال العمومية ذات الطبيعة التجارية صناديق مساهمة، و بالتالي فإن أملاك المؤسسة العمومية الاقتصادية لا يمكن أن تؤول إلا لهيئات عمومية.[3]

      - الهيئات العمومية المكلفة بتسيير و ادارة رؤوس الأموال التجارية للدولة (ما بعد 1995):ومن الانعكاسات المباشرة لهذا التحوّل في طبيعة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، منذ تاريخ 23 فبراير 1989، أن وضعت الدولة – القوّة العمومية- معالم تدخلها الذي تركزه على وظائف الرقابة، والتحكيم، وتحديد النظام الاجتماعي العمومي. فلم تعد الدولة المتعامل الاقتصادي المحتكر لسوق الانتاج، والتوزيع، وتحديد السعر عند الاستهلاك، بعد أن مكنت المتعاملين الاقتصاديين الخواص والعموميين من توريد ما يحتاجونه من مدخلات إنتاج وتمويل السوق المحلية، وتصدير كل ما قد ينتجونه وفق قوانين السوق وآليات الضبط الاقتصادي.

      فالدولة الجزائرية لم تعد تتبنى وبشكل مطلق، من تاريخ 23 فبراير 1989، الاقتصاد العمومي كمحور رئيسي للتنمية الاقتصاديـــــــة والاجتماعية، بل أدرجت القطاع الخاص كرافد اقتصادي جديد في الساحة الاقتصادية بالنظر للعديد من المبادئ الدستورية الجديدة التي جاءت في سنة 1989.[4]

      صحيح أن الدولة قد قررت الانسحاب من الفضاء الاقتصادي كمتعامل اقتصادي واجتماعي وخدمي رئيسي لكن هذا الانسحاب الإرادي لا يعني تنازلها عن رؤوس أموالها التجارية التي اكتسبتها عبر الحقبة الزمنية الممتدة من سنة 1962 وإلى غاية اتخاذ قرار الانسحاب من فضاء الانتاج والتوزيع والتحديد الاداري للأسعار لأي كان. ومن هنا جاءت قرارات تنظيم إدارة وتسيير رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة عبر:

       - الشركات العمومية القابضة (Holdings publics)

      جاءت الشركات العمومية القابضة التي أقرها الأمر رقم 95-25 المؤرخ في 25 سبتمبر 1995 والمتعلق بتسيير الرأس المال التجاري للدولة ضمن سياسات عامة تبنتها السلطات العمومية لمواجهة التزاماتها والمؤسسات المالية العالمية التي توصلت معها إلى العديد من الاتفاقيات تخص التمويل المالي للاقتصاد الوطني سنة 1994 بغرض السعي الحكومي لتحقيق التوازنات المالية الكبرى التي من شأنها أن تعيد الاعتبار للأداة الانتاجية على مستوى القطاع العمومي التجاري.

      وبالرجوع إلى ما جاء بنص المادتين 4 و27 من الأمر المذكور أعلاه فإن الشركات العمومية القابضة تتميّز بطابع الاستقلالية في قراراتها الاستثمارية والتعاقدية، أو ما قد يتعلّق بالتوّسع في النشاطات الاقتصادية والتجارية عكس صناديق المساهمة التي كانت تابعة للوزارات الوصية، وهي شركات أسهم (Sociétés par actions) عهدت إليها الدولة القيم المنقولة والعقارية والأسهم ومختلف المساهمات الأخرى التي كانت تحت تصرف صناديق المساهمة المحلّة.

      فالشركة القابضة وجدت مع وجود الدولة في أوروبا الغربية التي وجدت نفسها أمام ارتفاع الأصوات الشعبية المنددة بتغوّل الرأس المال الخاص، فهي قد تكون عمومية تابعة للقانون العام، كما بالإمكان أن تكون تابعة لمجوعة شركات تجارية خاصة، وتتميّز الشركة القابضة بمزيد من المرونة في كل ما قد يتعلق بالوساطة النقدية، و الاتجار النقدي، و تملك أسهما غالبة أو متوسطة في الشركات الصناعية أو التجارية أو في الفروع التجارية المتنوعة. ومن الشركات القابضة من تخصّصت في الوساطة المالية أو الاستثمار في أسهم الشركات على مستوى البورصات، ومنها كذلك من تخصّص في حيازة أسهم في رأس مال الشركات التي تكون في وضعية العسر المالي أو التوّسع الاقتصادي أو التجاري.

      حددت السلطات العمومية للشركات العمومية القابضة المهمات الضرورية الآتية:-إدارة و تسير الرأس المال التجاري للدولة وفق ضوابط اقتصاد السوق؛-المساهمة في إنقاذ المؤسسات العمومية الاقتصادية والتجارية التي تواجه عسرا تمويليا بغـــرض المحافظــــــــــــــة عليها وجعلها أكثر تنافسية مع نظيراتها الشركات والمقاولات الصناعية والتجارية والخدمية الخاصة؛-المساهمة في التراكم الاقتصادي من خلال الدفع إلى مزيد خلق الثروة(إنتاج مواد قابلة للتسويق والتنافسية وتوفير أكبر قدر من مناصب العمل المباشرة وغير المباشرة على مستوى السوق المحلي).

      إنّ الشركات العمومية القابضة التي أنشئت بموجب الأمر  رقم 95-25 المؤرخ في 25 سبتمبر 1995 والمتعلق بتسيير الرأس المال التجاري للدولة كانت أكثر استقلالية من صناديق المساهمة. والاستقلالية هنا لا تعني عدم وجود علاقة بالدولة صاحبة الرأس المال الصّناعي والتجاري التي هي حريصة على ممتلكاتها من الهدر، ومن سوء التسيير  أو التقدير.

      فالشركات العمومية القابضة التي وصل عددها إلى غاية 2001 إحدى عشر شركة (11 شركة قابضة) كانت خاضعة في إدارتها وتسييرها للأسهم والسندات والمنقولات والعقارات وكذلك في تنفيذ برامج التوسع على مستوى القطاعات المعنية بها لجمعية عامة للشركات القابضة حدّد نص المادة 17 من الأمر رقم 95-25 المؤرخ في 25 سبتمبر 1995 مهامها وصلاحياتها والغرض من انشائها وهي: مجلس مساهمات الدول (Conseil National des Participations de l’Etat-CNPE-)[5].

      ومن الملاحظات المسجلة بشأن عمل الشركات العمومية القابضة التي عمرت من 1995 و إلى غاية حدود 2001 أنها مارست وصاية إدارية مفرطة على المؤسسات العمومية الاقتصادية التي كانت تواجه صعـــــــوبة التأقلم مع الواقع الاقتصادي الجديد، ولم تمكنها كذلك من الإقلاع الإنتاجي أو الخدمي أو الصناعي المطلوب بسبب التركيز المفرط (الزائد) للسلط على مستوى المجلس الوطني لمساهمات الدولة فالشركات القابضة تحولت من إدارة مرافقة للإقلاع الاقتصادي العمومي(أزيد من 300مؤسسة وشركة ومقاولة عمومية) إلى ثقل بيروقراطيّ على الأداة الانتاجية العمومية.

      الفرع الثاني: الهيئات العمومية الادارية لإدارة الرأس المال التجاري للدولة

      بحلول العام 1998 تكون الدولة الجزائرية قد تحررت من اشتراطات المؤسسات المالية الدولية(البنــــــــــــــــك العـــــــــــــالمي وصندوق النقد الدولي)، بعد أن التزمت بكافة تعهداتها تجاه المؤسستين الماليتين (1989-1998)، وهو التحرر الذي مكّن السلطات العمومية من تحقيق التوازنات الاقتصادية الكبرى التي تحققت لفائدة الخزانة(أو الخزينة) العمومية، فكان عليها أن تبادر بتنظيم جديد لإدارة و تسيير رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة.

      - شركات تسيير مساهمات الدولة (Sociétés de Gestion des Participations de l’Etat)

      تميّزت الفترة التي أعقبت سنة 1999 بتبني السلطات العمومية لخطة عمل جديدة تقوم على أولوية إعادة هيكلة و تنظيم القطاع العمومي التجاري واعتماد الخوصصة (La Privatisation) كأداة قانونية بيد السلطات العمومية بغرض حماية ما يمكن حمايته من الأداة الإنتاجية والاقتصادية والخدمية العمومية.وفي هذا الاطار من إعادة هيكلة وتنظيم القطاع العمومي التجاري، بعد التحرر من اشتراطات كل من البنك الدولي وصندوق النقد العالمي، جاء الأمر رقم:01-04 مؤرخ في أوّل جمادي الثّانية 1422 الموافق لـ20 أوت 2001 والمتعلق بتنظيم المؤسّسات العموميّة الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها[6]  عاكسا لتبني الخوصصة كأداة قانونية للتحوّل الاقتصادي ومحددا للطبيعة القانونية للمؤسسة العمومية الاقتصادية ( جاء بنص المادة 2 من هذا الأمر الآتي: "المؤسّسات العمومية الاقتصادية هي شركات تجارية تحوز فيها الدّولة أو أي شخص معنوي آخر خاضع للقانون العام، أغلبية رأس المال الاجتماعي مباشرة أو غير مباشرة، وهي تخضع للقانون العام".

      وبالنتيجة حلّت الشركات القابضة بموجب أحكام الأمر رقم:01-04 مؤرخ في أوّل جمادي الثّانية 1422 الموافق لـ20 أوت 2001 والمتعلق بتنظيم المؤسّسات العموميّة الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها (وبالتحديد ما جاء بنص المادتين 40 و41 من هذا الأمر)، وأعلن عن انشاء شركات تسيير مساهمات الدولة التي وصل عددها: ثمانون وعشرون شركة تسيير مساهمة الدولة (28) تكلف بتسيير وإدارة أسهم وقيّم (منقولة وعقارية) وأصول مختلفة اكتسبتها المؤسسات العمومية الاقتصادية على مدار السنوات الفارطة.

      ومن المهمات الرئيسة التي حدّدت لشركات تسيير مساهمات الدولة ال28:-تنفيذ البرنامج الوطني للخوصصة؛-إدارة المفاوضات التي تخص الخوصصة والشراكة و فتح الرأس المال الاجتماعي للمؤسسات العمومية الاقتصادية؛-الاشراف على سياسة تفريع المؤسسات العمومية الاقتصادية وتحضير البعض منها للخوصصة.

      - المجمعات العمومية الصّناعية (Les Groupes Publics Industriels)

      قرّرت السّلطات العمومية، وأمام التّحديات المتعدّدة الأوجه التي كانت في مواجهة البرنامج الوطني للنهوض الاقتصادي وفي مقدمته برنامج الخوصصة، إعادةَ النّظر في الدّور الذي كان معهودًا لشركاتِ تسيير مساهماتِ الدّولة، التي لم تتمكّن من الدّفع بالآلة الإنتاجية العمومية، بالرّغم من وكالة التّسييرِ الموكَلةِ لها (Un mandat de gestion).وبغرض إعادة الانتشار للرأس المال التجاري للدولة وجعله في خدمة السياسات الاقتصادية التي تستهدف تمكين المؤسسة العمومية الاقتصادية من التواجد على امتداد السوق المحلية دون حماية قانونية مفرطة لها، والتفكير في ولوج التجارة الخارجية سيما وأن الجزائر مرتبطة بعقد شراكة مع الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية (اتفاقية السوق العربية المشتركة) جاء ت المجمعات الصّناعية العمومية لتكون محور الاستراتيجية الجديدة في مجال إدارة وتسيير الرأس المال التجاري للدولة لكون المجمعات الصّناعية العمومية هي هياكل نشطة تخص شعب الإنتاج الرئيسة على المستوى الوطني (الصّناعات الغذائية بمختلف فروعها المنتجة، الصّناعات الميكانيكية، الصّناعات الإلكترونية..).

      تبنّت السّلطاتُ العمومية فكرةَ المجمَّعاتِ الصّناعية العمومية، بعد أن قيّمت إيجابًا تجربةَ المجمّعاتِ الصّناعية العمومية التي كانت موجودةً قبلَ 2007 (السنة التي تمّ فيها تقييمُ التّجربة الاقتصادية الجزائرية ومعوّقات الخوصصة بالجزائر). ومن المجمَّعات الصّناعية العمومية التي كانت موجودةً في شكل مؤسّسات عموميةٍ اقتصادية نشطةٍ على المستوى الوطني (وعددها خمس- 05)، وقد أثبتت تنافسيتها على امتداد السّاحة الوطنية، فأصبحت بذلك نموذجًا لتنميةِ الرّأسمال التّجاري للدّولة، وتنشيطِ الأداةِ الإنتاجية العمومية، وإحدى ركائزِ التّحوّل الاقتصادي الجديد: مجمّع صيدال لصناعة الأدوية (Le Groupe SAIDAL)؛ -المجمّع الصّناعي للإسمنت (Le Groupe GICA)؛ -مجمّع المركّبات الصّناعية (Le Groupe SNVI)؛ -مجمّع التّبغ والكبريت (Le Groupe SNTA)؛ -مجمّع مناجم الجزائر (Le Groupe MANAL ex :SGP SOMINES).[7]

      وصل عدد المجمعات الاقتصادية العمومية التي استحدثت بموجب التوجه الاقتصادي الجديد وإلى غاية 2017: اثنى عشر (12 Groupements Industriels Publics) مجمّعًا صناعيًا عموميًا شمل أغلب قطاعات النشاط الاقتصادي التابع للدولة، كما كان للسلطات العمومية، بعد أن تبنت مبدأ الخوصصة (قانون رقم 01-04 لعام 2001)، أن بادرت بتقسيم المؤسسة الاقتصادية التابعة للقطاع التجاري العمومي إلى:

      - مجمّع إنتاجي رئيسي يختص بالإنتاج القوى (Des Groupes de productions) تحتل المؤسسة العمومية الاقتصادية فيه دور الرائد في الانتاج، وتعرف بالمؤسسات الاقتصادية للتنمية (Société Économiques de Développement) التي وصل عددها: - إحدى عشر مؤسسة اقتصادية للتنمية (11) وغطت قطاعات البترو-كيميا، والأسمدة، والبناء والأشغال العمومية والري، والزراعة والصناعات الزراعية، وصناعة الأدوية والصناعات الصيدلانية، والتبغ والنقــــــــــل والمركبات، وهي مؤسسات استراتيجية لا يمكن للدولة أن تتنازل عليها بأي شكل من الأشكال لكونها تشكّل عمود التنمية الاقتصادية في البلد؛

      - مجمع ثان مهمته ترقية الصناعات بمختلف أشكالها يسمى بمؤسسات الترقيّة الصّناعية (Sociétés de Promotion Industrielle-SPI-)، وهي عبارة عن مؤسسات عمومية تتكفل بتقديم الخدمة في مجال ترقية كل ما يتعلق بالصناعات وتطويرها، بالإضافة إلى تقديم الخدمة للقطاعين العمومي والخاص في كل ما يتعلق بالخبرة وبمجالات الاستثمار والتوّسع الإنتاجي.

      - مجمع مؤسساتي عمومي ثالث يعرف بمؤسسات الشراكة والخوصصة (Société de Partenariat et de Privatisation) وتتكفل بكل ما يتعلق بالشركة مع القطاعين العمومي أو الخاص و تهيئة الفروع القابلة للخوصصة.

                    



      [1] قررت السلطات العمومية العام 1995 تنظيم رؤوس الأموال التّجاريّة التّابعة للدّولة بغرض تمكين المؤسّسة العموميّة الاقتصاديّة من التواجد على امتداد السوق الوطنية في ظل الانفتاح على الرأس المال الأجنبي فجاء الأمر رقم:95-25 المؤرخ في 30 ربيع الثّاني عام 1416 الموافق لـ25 سبتمبر 1995 و المتعلّق بتسيير رؤوس الأموال التّجاريّة التّابعة للدّولة ( الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية،العدد:55، التاريخ:02 جمادي الأول 1416.) لينظّم هذا الجانب الهام من التواجد القانوني للحافظة المالية للدولة في سوق يقوم على الخطر الاقتصادي.

      [2]« Le principe de la séparation du rôle de l’Etat actionnaire et de l’Etat gestionnaire, ainsi que l’autonomie de gestion sont consacrés. Le Capital social  de l’Entreprise publique est la propriété de l’Etat, qui délègue la gestion à des fonds publics de nature commerciale (EPE) dont des fonds de participation ; cependant le patrimoine de l’entreprise économique, ne peut être acquis que par des organismes d’Etat, ce qui exclut toute idée de privatisation de l’entreprise publique » : Hamid A. TEMMAR, l’économie de l’Algérie, tome 3, Office des Publications Universitaires, Alger, 2016, p 446.  

      [3] بإصداره للقانون رقم:08-01 الصادر بتاريخ 12 جانفي 1988 والمتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية في ظل تفاقم الأزمة المالية المتفاقمة يكون المشرع الجزائري قد أقر ّ نماذج جديدة للمؤسسة العمومية الاقتصادية وهي:- المؤسسة العمومية الاقتصادية (Entreprise Publique Économique)؛- شركة مساهمة (Société Par Action)؛- شركة ذات مسؤولية محددة (Société à responsabilité limitée SARL).

      [4] أولت السلطات العمومية، بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي و البنك العالمي العام 1994، أهمية خاصة للشركات العمومية القابضة للحيلولة دون انهيار الاقتصاد العمومي.

       

      [5]  لمجلس مساهمات الدولة (CNPE) أمانة تقنية (Secrétariat technique) دائمة و رئيس و هو عبارة عن جمعية عامة للشركات العمومية القابضة و هو تحت اشراف و تابع لرئيس الحكومة.

      [6] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 47، التاريخ :22 أوت 2001.

      [7]« le secteur public industriel comptait 12 SGP, Seules sept présentaient un, un potentiel de développement réel : Indelec, Equipag, Transolb, Construment, Gephac, Caneleq, les schémas ont porté sur certaines SGP ou des EPE à fort potentiel de ces SGP :Hamid A.TEMMAR, l’économie de l’Algérie, tome 3 , Op Cité, p :405 


  • المحاضرة التاسعة

    • بحث في

      الهيئات العمومية الادارية للاستثمار و التجارة

      (المحاضرة التاسعة)

      أهمية المحاضرة: تتحدد أهمية المحاضرة التاسعة بعنوان" الهيئات العمومية الادارية للاستثمار والتجارة" بالنسبة للطالب المسجل بالسنة الثالثة/حقوق/قانون عام في تمكين هذا الأخير من الاطلاع على الهيئات العمومية الادارية للاستثمار والتجارة " في إطار المسعى العام الرامي إلى  إنجاح  تجربة إدارة وتسيير رؤوس الموال التجارية التابعة للدولة في ظل  الدولة المُنظمة.

      وهي التجربة المتميزة في الادارة الذكية لرؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة التي انطلقت من تاريخ  دخول حيز النفاذ قانون رقم 88-01 المتضمن القانون التوجيهي للمؤسسة العمومية الاقتصادية الصادر في 12 جانفي 1988.

      عناصر المحاضرة: للمحاضرة عناصر جد هامة فضلنا دراستها و تحليلها و توضيح مضامينها حتى  يصبح هذا المقياس  مستقطبا للطالب الجامعي ومنها:

      -طبيعة الهيئات الادارية  العمومية المستقلة.

      -المركز القانوني  للهيئات العمومية المستقلة.

      -هيئات الضبط الاقتصادي بين التشريع والتنظيم.

      أسئلة المحاضرة: ومِن الأسئلة التي فضلنا طرحها ضمن هذا المحور من الدراسة(المحاضرة الثانية) لتكون موضوع تحليل ومناقشة و دراسة:

      -أي دور  لهيئات الضبط الاقتصادي في التأسيس لمناخ أعمال مساعد ؟

      الهدف من المحاضرة: يتحدد الهدف من تدريس المحاضرة  التاسعة("الهيئات العمومية الادارية للاستثمار والتجارة") في تمكين  الطالب الجامعي مِن الوقوف على الطبيعة القانونية و التنظيمية للهيئات العمومية المكلفة بالضبط الاقتصادي.

      تقديم؛

      كرّس دستور 1989 الفصل بين الدولة الراعية لمواطنيها رعاية كاملة والدولة المنظّمة للتجارة الداخلية والخارجية، بعد أن كانت التجارة حكرا على المؤسسات والدواوين التابعة للدولة باعتبارها صاحبة السلطة (توريدا وتوزيعا وتحديدا للسعر الاستهلاكي)، وهو ما يعني أن الدولة لم تعد محتكرا للسوق المحلية كما كان سائدا من سنة 1962 و إلى غاية 1989، كما أنّه لم يعد بإمكانها أن تكون تاجرا لاسيّما بعد أن تمّ الفصل بين الدولة الممثّلة للسلطة العمومية والدولة المنظّمة للسلط والحياة الاقتصادية والاجتماعية. وقد عالجت مضامين هذا المحور من الدراسة على النحو الآتي:- الفرع الأول: الدولة والهيئات العمومية المنظّمة للاستثمار في القانون الجزائري؛ - الفرع الثاني: الهيئات العمومية الادارية المنظمة للتجارة والمنافسة.

      الفرع الأول: الدولة والهيئات العمومية المنظّمة للاستثمار في القانون الجزائري

      جاءت المنظومة التشريعيّة والقانونيّة والتنظيميّة لما مرحلة ما بعد تاريخ 23 فبراير 1989 مواكبة للأحكام الدستورية الجديدة المكرّسة للملكية الفردية وحرية التجارة والتجمع والمبادرة الخاصة، فكان أن أصدرت الدولة الجزائرية أول مرسوم تشريعي سنة 1993 يتعلق بترقية الاستثمار[1]حدد المشرع الجزائري فيه الأنشطة الاقتصادية الخاصة[2] التي هي مفتوحة للاستثمار الوطني والأجنبي، بالإضافة إلى طبيعة المزايا والضمانات الممنوحة لعقود الاستثمار. كما بادرت السلطات العمومية إلى إصدار  أول قانون للخوصصة سنة 1995 (أمر رقم:95-22 المؤرخ في 26 أوت 1995) جاء متزامنا وإبرامها –الدولة الجزائرية- لاتفاقية هيكلة اقتصادية ومالية مع كل من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي.

      - الدولة و قانون الاستثمار

      ومن الهيئات العمومية التي أسّس لها المشرع الجزائري بموجب أحكام هذا القانون(المرسوم التشريعي رقم :93-12 المؤرخ في 19 ربيع الثاني عام 1414 الموافق 5 أكتوبر سنة 1993 و المتعلق بترقية الاستثمار) و التي عهد المشرع الجزائري لها مهمة الإشراف باسم الدولة في كل ما يتعلق بالاستثمار الوطني والأجنبي على حد سواء أذكر:- المجلس الوطني للاستثمار[3] Conseil National de L’Investissement)): يعد المجلس الوطني للاستثمار (أحد أهم الهيئات العمومية التي أنشأها المشرع الجزائري لإضفاء المزيد من الشفافية، وتسريع وتائر دراسة ومناقشة ملفات الاستثمار،وهو مجلس حتى وإن كان ينشأ لدى الوزير المكلّف بترقية الاستثمارات، فأنه يوضع تحت سلطة ورئاسة رئيس الحكومة. ويكلف هذا المجلس بالمسائل المتصّلة باستراتيجية الاستثمارات، وبسياسة دعم الاستثمارات، والموافقة على الاتفاقيات المنصوص عليها في المادّة 12 أعلاه وبصفة عامة بكل المسائل المتصلة بتنفيذ أحكام هذا الأمر(الأمر رقم:06-08 المؤرخ في 19 جمادي الثّانية عام 1427 الموافق لـ15 يوليو سنة 2006، المعدّل والمتمّم للأمر رقم: 01-03 المؤرخ في أول جمادي الثانية عام 1422 الموافق لـ20 غشت سنة 2001 والمتعلق بتطوير الاستثمار-ج.ر.ج.ج، العدد:47، التاريخ:19 يوليو 2006).[4]

      - الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار (Agence Nationale pour la Promotion des Investissements):

      يستشف الباحث في قانون الاستثمار الجزائري الجاري العمل به (قانون رقم: 16-09 مؤرخ في 29 شوّال عام 1437ه الموافق لـ03 أوت 2016، يتعلّق بترقية الاستثمار)[5] أنّ الأصلَ في قبول أو رفض أي ملف للاستثمار الوطني منه والأجنبي إنّما يعود للدولة صاحبة السيادة التي لها الصلاحية الكاملة في تحديد القانون الواجب التطبيق، وكيفية إيداع ودراسة ملفات الاستثمار، وتحديد المزايا وطريقة منحها.

      الجزائر، ومنذ أول مرسوم تشريعي العام 1993، لم تحد عن هذا الخيار الاستراتيجي، فالوكالة الوطنية لترقية الاستثمارات، وباعتبارها هيئة عمومية ممثلة للإدارات الهيئات المعنية بالاستثمار، هي التي تختصّ حصريا بكل ما يتعلق بدراسة جدوى ملفات الاستثمار (الوطنيّة و الأجنبيّة).بالإضافة إلى مهمة إبرام عقد الاستثمار مع المستثمر لحساب الدولة بعد موافقة مجلس الحكومة. والدولة الجزائرية بإنشائها للوكالة وطنية لترقية الاستثمار العام 1993 التي تغيّرت تسميتها بموجب نص المادة:06 من الأمر رقم:01-03 المتعلّق بتطوير الاستثمار،[6] إنّما تكونُ قد كرّست خيارًا سياسيًا لَطالما دافعَت عنه في المحافل السّياسيةِ الإقليمية والدّولية منذ سنة 1973[7] مضمونُه حقُّ الدّولِ في تسيير مواردها الطبيعية والمادّية من منطلق السّيادة، وعدمُ التّدخُّل في شؤونِها الدّاخليّة من قِبل الغير.

      ذلك أنّ "عقد الاستثمار يبرم بين دولة كشخص من أشخاص القانون الدولي ومستثمر أجنبي، ومركز الدولة في هذه العلاقة العقدية يجعلها تتمتّع ببعض الامتيازات في مواجهة المستثمر المتعاقد معها مستمدة من سيادتها الإقليميّة".[8] وهي وكالة تنشأ لدى رئيس الحكومة ومهمتها تتحدد في ترقية ودعم ومتابعة الاستثمار الوطني والأجنبي على حدٍّ سواء (نص المادة 7 من المرسوم التشريعي رقم: 93-12 المتعلق بترقية الاستثمار). وتؤسّس هذه الوكالة في شكل شباك وحيد يضم الإدارات والهيئات المعنية بالاستثمار (راجع نص المادة 8- الفقرة 2 من المرسوم التشريعي رقم 93-12 لعام 1993).

      وهو الخيار الاستراتيجي الذي جاء عاكسا لتحفظ المشرع الجزائري من كل تدخل خارجي في القرارات السيّادية للدولة الجزائرية على أساس المنطلقات الآتية:- للدّولة الحقُّ المطلقُ في تحديدِ طبيعةِ الاستثمارات، والقطاعاتِ القابلةِ للاستثمار، ومنْحِ المزايا المختلفةِ للمستثمِر وِفقَ الاستراتيجيةِ المحدَّدةِ سلفًا،[9] وتطبيقا لمبدأ خضوع عقد الاستثمار لقانون الدولة المضيفة الأمر الذي يبعد أي تدويل لعقد الاستثمار الذي "يستمد قوّته الإلزامية من النظام القانوني الوطني للدولة المتعاقدة الذي يحكم مختلف الجوانب العقدية"،[10] وهو ما يعكس مكانة الدولة في توجيه أحكام قانون الاستثمار وفق مصالحها الاستراتيجيّة.

      فالوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار هي التي تبرم باسم الدولة عقود الاستثمار عملا بمبدأ خضوع عقود الاستثمار التي تبرمها الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار للقانون الجزائري، وربط الاستفادة من مختلف المزايا الممنوحة قانونـــــــــــــا وتنظيما [11] وبالتسجيل لدى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار. وبالرجوع إلى دور الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار في ضوء القانون رقم:16-09 المتعلق بترقية الاستثمارات يقف الباحث على مدى الاهتمام المتميّز لدور ومكانة هذه الهيئة في ترقية وتشجيع ودعم الاستثمارات.[12]

      فهي هيئة عمومية ادارية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وهي مكلفة، وبالتنسيق مع الإدارات والهيئات المعنية بملف الاستثمار بالآتي[13]:- تسجيل ملفات (طلبات) الاستثمار؛

      -ترقية الاستثمارات محليا والترويج لها بالخارج بالإضافة إلى الترويج للوجهة الجزائرية بالخارج (السفارات والقنصليات والبعثات)؛-ترقية الفرص والإمكانيات الاقليمية؛-تسهيل ممارسة الأعمال ومتابعة تأسيس الشركات وإنجاز المشاريع:- دعم المستثمرين ومساعدتهم ومرافقتهم والإعلام والتحسيس في مواقع الأعمال:- المساهمة في تسيير نفقات دعم الاستثمار وحافظة المشاريع السابقة.

      أنشأ المشرع الجزائري بموجب أحكام القانون الناظم للاستثمار (قانون رقم: 16-09) لدى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار أربعة مراكز (04) تضم مجموع المصالح المؤهلة لتقديم الخدمات الضرورية لإنشاء المؤسسات ودعمها وتطويرها وكذلك لإنجاز المشاريع وهي على النحو الآتي:

      -المركز الأول: يتكفل بتسيير المزايا والتحفيزات التي قد تنمح لهذا الملف الاستثماري أو لذاك الملف باستثناء تلك الموكلة للوكالة؛

      -المركز الثاني: وهو مركز استيفاء الاجراءات المتعلقة بإنشاء ومرافقة مختلف مراحل إنجاز المشاريع الاستثمارية؛

      -المركز الثالث: وهو مركز دعم وتقديم المساعدة (الخبرة والمعلومة الاقتصادية وإمكانية التأهيل..) للمشاريع الاستثمارية بغرض التطوير وتوفير شروط النجاعة الاقتصادية؛

      -المركز الرابع: ويعرف هذا الركز بمركز الترقية الاقليمية والفرص التي قد تتوفر إقليميا (معارض ومؤتمرات خاصة بموضوع الاستثمار... ندوات علمية... فوروم اقتصادي إقليمي أو دولي..).

      ولأهميّة مراكز الدعم والإسناد للمشاريع الاستثمارية التي قرّر المشرع الجزائري بعثها كركائز دعم وإسناد للاستثمار قام هذا الأخير بإضفاء صفة الحجيّة لهذه المراكز أمام الإدارات التابعة لها، وهذا كلّه من أجل توفير مناخ مساعد ومحفّز للاستثمار (Assainir le climat des affaires).

       

      ملاحظة: سيتم تحديث المطبوعة بالنظر لوجود قوانين جديدة في الاستثمار و المناطق التجارية الحرة و الشركات الناشئة، كما لنا عودة بإذن الله بالدراسة و التحليل للنظام القانوني للمجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي والبيئي .

      الدكتور صغير بيرم عبدالمجيد

      أستاذ محاضر"أ"

      مكلف بتدريس المقياس منذ سنة 2016.

      مع التحية والتقدير



      [1] المرسوم التشريعي رقم :12-93 المؤرخ في 19 ربيع الثاني عام 1414 الموافق 5 أكتوبر سنة 1993 و المتعلق بترقية الاستثمار، ج.ر.ج.ج، العدد:64، التاريخ: 24 ربيع الثاني 1414 الموافق لـ10 أكتوبر 1993

      [2] جاء بنص المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم :12-93 المؤرخ في 19 ربيع الثاني عام 1414 الموافق 5 أكتوبر سنة 1993 و المتعلق بترقية الاستثمار الآتي: "يحدد هذا المرسوم التشريعي النظام الذي يطبق على الاستثمارات الوطنية الخاصة و على الاستثمارات الأجنبية التي تنجز ضمن الأنشطة الاقتصادية الخاصة بإنتاج السلع أو الخدمات غير المخصصة صراحة للدولة أو لفروعها، أو لأي شخص معنوي صراحة بموجب نص تشريعي".

      [3] لمزيد الاطلاع على ما يكلف به هذا المجلس الوطني للاستثمار راجع: نص المادة 18 من الأمر رقم:01-03 المؤرخ في أول جمادي الثّانية عام 1422 الموافق 20 أوت 2001 و المتلّق بتطوير الاستثمار (ج.ر.ج.ج، العدد:47،التاريخ:22 أوت 2001، ص:4).

      وجاء بنص المادة 17 من هذا الأمر الآتي: "تستفيد من المزايا الاستثنائية الاستثمارات التي تمثل أهمية خاصة للاقتصاد الوطني والمعدة على أساس اتفاقية متفاوض عليها بين المستثمر والوكالة التي تتصرف باسم الدولة. تبرم الوكالة هذه الاتفاقية بعد موافقة المجلس الوطني للاستثمار.

      تحدد معايير تأهيل الاستثمارات المذكورة في الفقرة الأولى أعلاه و كذا محتوى اجراءات معالجة ملف طلب الاستفادة من المزايا الاستثنائية عن طرق التنظيم".

      [4] راجع نص المادة 18 من الأمر رقم :01-03 المؤرخ في 20 أوت 2001 بعد التعديل و التتميم بموجب المادة 12 من الأمر رقم: 06-08 المؤرخ في 15 يوليو 2006.

      [5] جاء بنص المادة 43 من الدستور الجزائري لعام 2016 الآتي: "حرية الاستثمار والتجارة معترف بها وتمارس في إطار القانون. تعمل الدولة على تحسين مناخ الأعمال، وتشجّع على ازدهار المؤسسات دون تمييز خدمة للتنمية الاقتصادية الوطنية. تكفل الدولة ضبط السوق. ويحمي القانون حقوق المستهلكين. يمنع القانون الاحتكار والمنافسة غير النزيهة".

      [6] جاء بنص المادة 06 من الأمر رقم: 01-03، المؤرخ في أول جمادي الثّانية عام 1422 الموافق لـ20 أوت 2001، المتعلّق بتطوير الاستثمار (ج.ر.ج.ج، العدد 47، تاريخ 22 أوت 2001) الآتي: "تنشأ لدى رئيس الحكومة وكالة وطنيّة لتطوير الاستثمار، تدعى في صلب النّص "الوكالة".

      [7] وفّرت الجزائر التي استضافت مؤتمر عدم الانحياز بالجزائر العاصمة العام 1973 كافة شروط النجاح لأهم حدث عالمي. ومن بين أهم ما توصّل إليه المؤتمر موافقة المجموعة الـ77 على الاقتراح الجزائري والمتضمن الدعوة إلى عقد دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة مشكلة التنمية، وهي الدعوة التي استجابت الأمم المتحدة إليها بالنظر لما كانت تحوز الجزائر عليه من مكانة دوليّة مرموقة، فانعقدت جمعية عامة استثنائية في شهر أبريل 1974 وأصدرت التوصية رقم: 3201 (د.06) المتضمنة الاعلان عن اقامة نظام اقتصادي دولي جديد، بالإضافة إلى التوصية رقم: 3202 (د.06) المتضمنة برنامج العمل من أجل اقامة نظام اقتصادي دولي جديد.

      - نقلا وبتصرف عن: محند وعلي عيبوط، الاستثمارات الأجنبية في القانون الجزائري، مرجع سابق، ص 59-60.

      [8] محند وعلي عيبوط، عقد الاستثمار: بين القانون الداخلي والقانون الدولي، مجلة إدارة، المدرسة الوطنية للإدارة، المجلد 21، العدد 41، (01/2011)، الجزائر، ص 53.

      [9] جاء بنص المادة الأولى من القانون رقم :16-09 المتعلق بترقية الاستثمار الآتي: "يهدف هذا القانون إلى تحديد النظام المطبق على الاستثمارات الوطنية والأجنبية المنجزة في النشاطات الاقتصادية لإنتاج السلع و الخدمات".

      [10] محمد وعلي عيبوط، الاستثمارات الأجنبية في القانون الجزائري، مرجع سابق، ص 54.

      [11] حدد المشرع الجزائري الإطار القانوني والتنظيمي للاستثمار بالتأكيد على أن الاستثمارات تنجز في ظل احترام القوانين والتنظيمات المعمول بها، لاسيَما تلك المتعلقة بحماية البيئة وبالنشاطات والمهن المقنّنة، وبصفة خاصة بممارسة النشاطات الاقتصادية (راجع المادة:04 من قانون ترقية الاستثمار، قانون رقم: 16-09).

      [12] خصّ المشرع الجزائري الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار وتنظيمها وسيرها بمرسوم تنفيذي رقم 17-100، مؤرخ في 6 جمادى الثانية 1438ه الموافق لـ5 مارس 2017 (ج.ر.ج.ج، العدد 16) يعدّل ويتمّم المرسوم التنفيذي رقم 06-356، المؤرخ في 16 رمضان 1427ه الموافق 9 أكتوبر 2006، المتضمن صلاحيات الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار وتنظيمها وسيرها.

      [13] راجع: المادة 26 من قانون ترقية الاستثمار، قانون رقم 16-09.


    • قائمة المراجــــــــــع:

      أولًا- المؤلفات باللغة العربية:

      - إدريس فاضلي، حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2008.

      - أحمد إبراهيم حسن، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، الجزء الأول، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية- مصر، 2002.

      - السعيد بوشعير، النظام السياسي الجزائري، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2013.

      - أحمد توفيق المدني، كتاب الجزائر، منشورات الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، الجزائر، 2010.

      - تيسير الرداوي، تاريخ الوقائع والأفكار الاقتصادية، منشورات جامعة حلب، سوريا، 1990.

      - جورج لوفران، الحركة النقابية في العالم، الطبعة الثالثة، منشورات عويدات، بيروت- لبنان، 1986.

      - ثامر يوسف محمد سعفان، المفاوضات الجماعية-دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، مكتبة الوفاء القانونية، القاهرة- مصر، 2013.

      - صلاح الدين سلطان، مخاطر العولمة على الأسرة، الطبعة الأولى، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، 2008.

      - لحسن بونعامة، الحركات العمالية أمام تحديات العولمة والتحولات الاقتصادية الجديدة، منشورات المعهد العربي للثقافة العمالية وبحوث العمل بالجزائر، دون تاريخ إصدار.

      - محمد فاروق الباشا، التشريعات الاجتماعية: قانون العمل، الطبعة السادسة، منشورات جامعة دمشق-سوريا 1991-1992.

      - محمد عبدالله الطّاهر، الضرورات التي تفرضها سياسة الخصخصة في مجال علاقات العمل، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت- لبنان، 2004.

      - مظفر جابر إبراهيم الراوي، اتفاقيات عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1987، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر والتوزيع، الأردن، 2002.

      - محمد الشريف كتو، قانون المنافسة والممارسات التجارية وفقا للأمر رقم: 03-03 والقانون رقم: 04-02، منشورات بغدادي، الجزائر، 2010.

      - نادية ضريفي، تسيير المرفق العام والتحولات الجديدة، دار بلقيس للنشر والتوزيع، الجزائر، 2000.

      - عطا الله بوحميدة، التسريح لسبب اقتصادي: مفهومه، إجراءاته وآثاره، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2009.

      - عيبوط محند وعلي، الاستثمارات الأجنبية في القانون الجزائري، دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2012.

      - عيسى رياض، النظام القانوني للمؤسسات الاقتصادية الاشتراكية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1981.

      - سليمان أحمية، التنظيم القانوني لعلاقات العمل في القانون الجزائري، الجزء الأول، الطبعة الرابعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2004.

      - رشيد واضح، المؤسسة في التشريع الجزائري: بين النظرية والتطبيق، دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2002.

      - يوسف إلياس، علاقات العمل الجماعية في الدول العربية، منشورات منظمة العمل العربية، مطابع جامعة الدول العربية، القاهرة- مصر، 1996.

      ثانيًا- المؤلفات باللغة الفرنسية:

      - Hamid TEMMAR : L’économie de l’Algérie, tome 3, Office des Publications Universitaires, Algérie, 2015. 

      - Mohammed BOUSSOUMAH : L’Établissement Public, Office des Publications Universitaires, Algérie, 2012.

      - Rachid ZOUAIMIA : les Instruments juridiques de la régulation économique en Algérie, Edition Belkeise, Algérie, 2012.

      - Tayeb BELLOULA : Droit du travail, éditions DAHLAB, Alger, 1994.

      - Walid LAGGOUNE : Algérie : Cinquante ans après, la part du droit, Ouvrage collectif, Les Éditions AJED, Algérie, 2013.

      ثالثًا- التقارير والمقالات والدراسات المتخصّصة والمطبوعات:

      - المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، لجنة علاقات العمل، تقرير حول نظام علاقات العمل في سياق التعديل الهيكلي، الدورة العامة العاشرة، الجزائر، أفريل 1998.

      - الاتحاد العام التونسي للشغل، إشكاليات التخصيص والتنمية- التجربة التونسية نموذجا، دراسة أكاديمية أعدها الاتحاد العام التونسي للشغل، قسم الدراسات والتشريع  بالتعاون مع مؤسّسة فريدريش إيبارت الألمانية، كتاب خاص، تونس.

      - عبدالرزاق زويتن، دروس في القانون العام الاقتصادي، مطبوعة لطلبة السنة الثالثة ليسانس نظام LMD تخصص قانون عام، السنة الجامعية 2015-2016.

      - الدبلوماسي Leopoldo BENITES، ميثاق الأمم المتحدة كأداة منظمة للمجتمع، مجلة الحق، إصدار اتحاد المحامين العرب، العدد الثالث، القاهرة- مصر، 1974.

      - ناجي أحمد المهدي، الخصخصة وتأثيرها على العمالة في ظل العولمة- دراسة متخصصة، كتاب خاص، اللجنة العامة لعمال البحرين، العدد 02، البحرين ، 2000.

      - سامي العوّادي، التحولات العالمية وانعكاساتها على أسواق الشغل وعلاقات العمل، كتاب خاص، منشورات المركز النقابي للتكوين، تونس، 1998.

      -Yakout AKROUNE, Le droit des affaires en Algérie, 50 ans après l’indépendance. Quelle configuration ?, Ouvrage collectif, les Edition AJED, tome 1, Alger, 2013, p 349.

      رابعًا- الدساتير الجزائرية:

      - دستور الجزائر 1963.

      - دستور الجزائر 1976.

      - المرسوم الرئاسي رقم 89-18 المؤرخ في 22 رجب عام 1409 الموافق 28 فبراير سنة 1989 والمتعلق بنشر نص تعديل الدستور الموافق عليه في استفتاء 23 فبراير سنة 1989، ج.ر.ج.ج، العدد 09، تاريخ: الأربعاء 23 رجب 1409ه الموافق لـ01 مارس 1989).

      - المرسوم الرئاسي رقم: 96-438، المؤرخ في 07 ديسمبر 1996، المتضمن إصدار نص التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء 28 نوفمبر 1996، ج.ر.ج.ج، العدد 76، تاريخ 08 ديسمبر 1996.

      - قانون رقم: 16-01، مؤرخ في 06 مارس 2016، ج.ر.ج.ج، العدد 14، تاريخ 07 مارس 2016.

      خامسًا- النصوص القانونية:

      - الأمر رقم: 71-74، المؤرخ في 16 نوفمبر 1971، المتعلق بالتسيير الاشتراكي للمؤسسات.

      - القانون رقم: 78-12، المؤرخ في 05 أوت 1978، المتضمن القانون الأساسي العام للعامل، ج.ر.ج.ج، العدد 32، تاريخ 08 أوت 1978.

      - الأمر 75-31، المؤرخ في 29 أفريل 1975، المتعلق بالشروط العامة لعلاقات العمل في القطاع الخاص، ج.ر.ج.ج، العدد 39، تاريخ 16 ماي 1975.

      - القانون رقم: 90-02، المؤرخ في 06 فبراير 1990، المتعلق بالوقاية من المنازعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب، المعدّل والمتمّم.

      - القانون رقم: 90-03، المؤرخ في 06 فبراير 1990، المتعلق بمفتشية العمل، المعدّل والمتمّم.

      - القانون رقم: 90-04، المؤرخ في 06 فبراير 1990، المتعلق بتسوية المنازعات الفردية في العمل، المعدّل والمتمّم.

      - القانون رقم: 90-11، المؤرخ في 21 أبريل 1990، المتعلق بعلاقات العمل، المعدّل والمتمم.

      - المرسوم التشريعي رقم: 93-12، المؤرخ في 19 ربيع الثاني 1414ه الموافق لـ05 أكتوبر 1993، المتعلق بترقية الاستثمار، ج.ر.ج.ج، العدد 64، 1993).

      - الأمر رقم: 01-03، المؤرخ في أول جمادى الثانية 1422ه الموافق لـ20 أوت 2001، المتعلّق بتطوير الاستثمار، ج.ر.ج.ج، العدد 47، تاريخ 22 أوت 2001.

      - الأمر رقم: 01-04، المؤرخ في أول جمادى الثانية 1422ه الموافق لـ20 أوت 2001، المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها، ج.ر.ج.ج، العدد 47، 2001.

      - قانون رقم: 17-02، مؤرخ في 11 ربيع الثاني 1438ه الموافق لـ10 جانفي 2017، المتضمن القانون التوجيهي لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ج.ر.ج.ج، العدد 02، 2017.  

      - قانون رقم: 16-09، مؤرخ في 29 شوال 1437ه الموافق لـ03 أوت 2016، المتعلق بترقية الاستثمار، ج.ر.ج.ج، العدد 46، تاريخ 03 أوت 2016.

      - المرسوم الرئاسي رقم 89-18، المؤرخ في 22 رجب 1409ه الموافق لـ28 فبراير 1989، المتعلق بنشر نص تعديل الدستور الموافق عليه في استفتاء 23 فبراير1989، ج.ر.ج.ج، العدد 09، تاريخ 23 رجب 1409ه الموافق لأول مارس 1989.