Aperçu des sections

  • المحاضرة الأولى

    • وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

      جامعة محمد بوضياف – المسيلة -

      كلية الحقوق والعلوم السياسية

       

       

       

       

      محاضرات في حقوق الإنسان

      مطبوعة بيداغوجية موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس ل م د

      المجموعة الاولى

       

       

       

       

      إعداد الدكتور: برابح السعيد

      السنة الجامعية 2020- 2021


       

      المحاضرة الأولى

      مقدمة

      تعد حقوق الإنسان من أهم الموضوعات ذات الأولوية في الوقت الراهن وذلك على الصعيدين المحلي والدولي، حيث عقدت بشأنها عديد المؤتمرات، ووقعت عشرات المعاهدات وقد شغل موضوع حقوق الإنسان أذهان رجال الفكر والقانون، وذلك على مر العصور، فحقوق الإنسان ليست وليدة العصور الحديثة، وإنما هي نتاج كفاح البشرية منذ ظهورها وإن اختلفت مفاهيمها وأهدافها.

      وقد تزايد الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وما خلفته من مآسي، حيث جاء ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 مكرسا لحقوق الإنسان، وبعد ذلك جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 لينص على الحقوق الأساسية الواجب على الدول ضمانها للأفراد، وقد واكب الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان، اهتمام مماثل على المستوى الإقليمي وذلك على مستوى أوربا وأمريكا وإفريقيا وجامعة الدول العربية.

      لقد خلق هذا الاهتمام الدولي والإقليمي بحقوق الإنسان في ظل المنظومة القانونية الدولية فرعا من فروع القانون الدولي، وهو القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي سيكون محل هذه الدراسة، والموجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس حقوق، وذلك ضمن مقياس حقوق الإنسان.

      الفصل الأول: ماهية حقوق الإنسان

      الفصل الثالث: آليات حماية حقوق الإنسان.


       

      الفصل الأول

      ماهية حقوق الإنسان

      موضوع حقوق الإنسان من المواضيع الهامة، التي تحتاج في الوقت الراهن إلى ضبط مفهومها، وقد بدأت هذه الحقوق تظهر منذ العصور القديمة، وتطورت عبر حقب زمنية متتابعة لتصل إلى مفهومها الحالي، ونظرا لتعدد الحقوق وتنوعها، فإنها لها عدة تصنيفات، كما تتميز بمجموعة من الخصائص التي تميزها.

      المبحث الأول

                                             مفهوم حقوق الإنسان

      سنبحث في هذا المبحث عن تعريف حقوق الإنسان، وعن المراحل التي مرت بها مسيرة حقوق الإنسان عبر الحقب الزمنية، بدء من العصور القديمة إلى العصر الحديث.

                                                  المطلب الأول

      تعريف حقوق الإنسان

      لا يوجد اتفاق واحد بشأن تعريف محدد لحقوق الإنسان، بل توجد هناك العديد من التعاريف، والتي سنتطرق إلى نماذج منها:

      فهناك من يعرف حقوق الإنسان على أنه مجموعة الحقوق والمطالب الواجبة الوفاء لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز فيما بينهم.

      ويعرفها رينيه كاسان، على أنها فرع خاص من الفروع الاجتماعية، يختص بدراسة العلاقات بين الناس استنادا إلى كرامة الإنسان وتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني.

      أما ميثاق الأمم المتحدة، فلم يحدد ويوضح مفهوم حقوق الإنسان لعدم ملائمة إدراج قائمة بها في الميثاق، إضافة إلى أن مثل هذا التحديد أو الصياغة، قد لا تواكب التطورات المستقبلية لهذه الحقوق، فقد ترك واضعو الميثاق مهمة تعريفها للمنظمة ذاتها، واستقر الرأي على ضرورة وضع اتفاق دولي مستقل بها، وقد أسفرت الجهود اللاحقة عن صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما لحقه من اتفاقات، وأضحت أحكام الميثاق المتعلقة بحقوق الإنسان مع أحكام الإعلان العالمي والاتفاقات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، تشكل في مجموعها ما يسمى القانون الدولي لحقوق الإنسان.

      ويعني القانون الدولي لحقوق الإنسان، مجموعة الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العديد من دول العالم، كالعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، بالإضافة إلى البروتوكولات والمعاهدات الأخرى الخاص بمنع التعذيب أو حماية المرأة والطفل، فمجموع هذه المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات، هي ما يطلق عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان.

      المطلب الثاني

      التطور التاريخي لحقوق الإنسان

      مرت حقوق الإنسان بعدة مراحل لتصل إلى ما هي عليه الآن.

      الفرع الأول

      حقوق الإنسان في الحضارات القديمة

      أولا: الحضارة اليونانية

      يرجع تاريخ الحضارة اليونانية إلى عام 1200 قبل الميلاد تقريبا، وهي حضارة تمتاز بالفكر السياسي والفلسفي، فقد كثر فيها علماء السياسة والقانون والفلسفة، والذين شكلوا بواكير المذاهب والنظريات التي يفتخر بها الغرب المعاصر، ومن أبرز المفكرين اليونانيين الذين اهتموا بالسياسة وحقوق الإنسان: "صولون"و"بركليس".

      فقانون صولون الذي صدر عام 594 قبل الميلاد، منح الشعب حق المشاركة في السلطة التشريعية عن طريق مجالس الشعب، كما جعل القانون للشعب حقا في المساهمة بانتخاب قضاته، وقد حرر صولون المدنيين من ديونهم وأطلق سراح المسترقين منهم ومنع استرقاق المدين والتنفيذ على جسمه كوسيلة لإكراهه على الوفاء بالدين، وقضى على نفوذ أرباب الأسر عن طريق تفتيت الملكيات الكبيرة.

      أما بركليس فهو واضع ما أسماه بالنظام الديمقراطي، حيث دعا إلى أن يحكم الشعب نفسه وإلى أن يعيش جميع المواطنين متساوين، لهم نفس الحقوق سواء كانوا فقراء أم أغنياء غير أن ديمقراطية بركليس أبقت العبيد خارج نطاق الحرية والمساواة ، وهكذا يعتبر بركليس خير من دافع عن النظام الديمقراطي في أثينا حيث اكتسب مكانا بارزا بين قادة الفكر الديمقراطي بسبب إصلاحاته ونجاحه في إدارة شؤون دولة المدينة وتخطيط سياستها العامة فالديمقراطية كما طبقتها أثينا كانت تقوم في نظر بركليس على الأسس الآتية:

      -    المساواة أمام القانون، وهي مساواة مدنية وسياسية، فالكل يخضع للقانون والديمقراطية هي نظام الشرعية ونظام المساواة.

      -    حرية الرأي، فالكل يقول رأيه بحرية فيما يخص المصالح العامة، ولا يوجد في النظام الديمقراطي وجهة نظر رسمية، إذ أن كل مواطن في دولة المدينة يستطيع إبداء رأيه ورأي الأغلبية هو الذي تلتزم به الدولة.

      أما أخلاقيات الديمقراطية كما يؤكد عليها بركليس، فإنها تتلخص في الأخوة بين المواطنين والتسامح وتقديم المساعدة إلى الضعفاء والفقراء.

      مما سبق لا نلاحظ في الحضارة اليونانية اعترافا بالمساواة الحقيقية في التمتع بالحريات والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، وبالحقوق الفردية، حيث لم يكن الفرد سوى أداة لخدمة الدولة التي كانت تملك سلطات مطلقة، والاطلاع على الجوانب المختلفة لحياة الفرد في المدينة اليونانية يسمح لنا بفهم واقع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وذلك من خلال:

      1-   فلسفيا: قبل الحكماء اليونان فكرة إخضاع الفرد للدولة، وذلك على اعتبار أنه ناقص بطبيعته وعاجز على أن يستقل بنفسه، لذلك من الضروري أن تقوم الدولة باستيعاب حياته ونشاطه، إلى حد أنها كانت تتدخل في حريته الشخصية لدرجة إلزام الرجل بالزواج في سن معينة، وتحديد كمية الملابس التي تحملها المرأة عند السفر بثلاثة أثواب وذلك في أثينا، أما في رودس فكان القانون يحرم حلاقة اللحية، وفي بيزنطيا كانت تفرض حلاقة الشارب.

      2-   اجتماعيا: كان سكان المدينة الإغريقية ينقسمون إلى 03 طبقات تختلف كل واحدة منها عن الأخرى من الناحيتين السياسية والقانونية، إذ كان هناك طبقة المواطنين الذين لهم حق المشاركة في الحياة السياسية للمدينة وفي الشؤون والوظائف العامة، أما الطبقة الثانية فهي طبقة الأجانب المقيمين في المدينة وهي طبقة محرومة من المساهمة في الحياة السياسية برغم كون أعضائها أحرارا، أما الطبقة الثالثة فهي طبقة الأرقاء وهي طبقة تأتي في أدنى السلم الاجتماعي، وهذه الطبقة لا تدخل في حساب المدينة الإغريقية مطلقا وكان الرقيق ملكا لسيده وشيئا من أشياءه.

      3-   سياسيا: كانت السلطة في يد مجموع المواطنين، الذين من حقهم المساواة والتعبير عن آرائهم السياسية، ولكن لا يعترف لهم بحقوق من قبل الجماعة، ومن ثم كانت الحرية السياسية عن اليونان لفئة معينة دون الرقيق، ومقصورة على الاشتراك في شؤون المدينة، دون أن يكون للأفراد الحرية المدنية الحديثة، مثل الحرية الشخصية، وحرية التملك، وحرية العقيدة، وحرية المسكن.

      ثانيا: الحضارة الرومانية

      عمرت الحضارة الرومانية 14 قرنا، من تأسيس مدينة روما في القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن السادس بعده، وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة لم يكن واقع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ثابتا، حيث اعتمد الرومان على الفلسفة اليونانية، ولكن كان لهم شأن أعظم بكثير من اليونان في بناء علم القانون وأسس التشريع، حيث أنهم لم يلجأو في هذا المجال إلى الاقتباس والنقل من النصوص اليونانية، وقد عرفت روما نظام الطبقات، وكانت الطبقة العليا هي التي لها حقوق المواطنة، أما الباقون فكانوا من العبيد ومن الفقراء الذين حرموا من الحريات والحقوق السياسية، والذين أخضعوا إلى الرق والعبودية لعجزهم عن الوفاء بديونهم، وكان للعائلة رئيس يمتلك سلطة مطلقة على أفرادها وهو الزوج فالزوجة كانت ملكا لزوجها والأطفال محلا للرهان والبيع من قبل آبائهم.

      وفي مجال القانون، باعتباره المجسد للحقوق، فقد كرس القانون المدني للرومان فقط دون غيرهم من الأجانب، لأن الرومان لم يكونوا قد اعترفوا بحقوق لغيرهم، ولكن بعد حروبهم التوسعية دخلت شعوب أخرى تحت سيطرتهم، ونتيجة لاحتكاك الرومان بهم وإدراكهم بأن التعامل ما بين الشعوب أمر لا بد منه، وأن هذه الشعوب بحاجة إلى قانون يحمي حقوقهم، فقد أوج الرومان قانونا خاصا بالأجانب سموه بقانون الشعوب، والذي أصبح نواة للقانون الدولي.

      وفي سنة 212 م قام الإمبراطور الروماني كراكلا Caracalla بإصدار قانون ساوى فيه بين الرومان وغيرهم، وبالتالي وضع حدا لهذا التمييز، فأصبحت الشعوب غير الرومانية تتمتع بنفس الحقوق المقررة للرومان، واستند هذا القانون على فكرة القانون الطبيعي والتي كان المفكر الروماني شيشرون أول من أبرز معانيها، حيث دعا إلى إزالة الفوارق التي تتعلق باللغة أو العقيدة أو العرق أو الثورة.

      وفي مجال التشريع، يعتبر صدور قانون الألواح الاثني عشر أهم حدث تشريعي في تاريخ روما القديم وأعظم مصدر للقانون، وكان لهذا القانون أثر على مسيرة حقوق الإنسان ففي منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، وعلى إثر الثورة التي قام بها الفقراء وعامة الناس على طبقة الأشراف، قام مجلس الشيوخ بتعيين لجنة كلفت بوضع نواة لكل تشريع روماني لاحق فقامت هذه اللجنة خلال سنتين بجمع العادات الرومانية في ذلك الوقت، ثم نقشت ما جمعته على 12 لوحا نحاسيا، وقد أقر هذا القانون المساواة في الحقوق بين طبقات الشعب الروماني فأزال بعض الفوارق بين الفقراء والأغنياء، وبحث في حق الملكية، وفي مسائل الأحوال الشخصية، غير أنه كان قاسيا في بعض أحكامه حيث أجاز بيع الأب لأولاده، واسترقاق المدين الذي يعجز عن دفع ديونه.

      ثالثا: الحضارة المصرية

      خضعت مصر لحكام الفراعنة والهكسوس والرومان، حتى فتحها المسلمون في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيما يلي سنبين بإيجاز حقوق الإنسان وحرياته الأساسية خلال تلك العهود.

      1-عهد الفراعنة: مر هذا العهد بثلاث مراحل: مرحلة الدولة الفرعونية القديمة، مرحلة الدولة الفرعونية الوسطى، ومرحلة الدولة الفرعونية الحديثة.

      فالدولة الفرعونية القديمة، حسب علماء التاريخ قامت عام 3200 قبل الميلاد، وأن الحكم في تلك الدولة بدأ ملكيا مطلقا يقوم على فكرة ألوهية الملك الذي يلقب بالفرعون، ويعد سيد الأرض ومن عليها، فلم يكن من حق الشعب أن يشارك في إدارة شؤون الحكم، وأكبر دليل على ضياع الحريات وحقوق الشعب في هذه المرحلة، وجود الأهرامات في مصر، فهي وإن كانت مظهرا حضاريا، إلا أنها تدل على مدى الظلم الواقع على طبقات الشعب، سواء كانوا من الرقيق أو من أنصاف الأحرار الذين أجبروا على قطع الصخور من الجبال ثم جرها حتى مياه النيل، ثم سحبها إلى أعلى الهرم، كل ذلك لكي يبنوا قبرا يدفن فيه الملك.

      أما الدولة الفرعونية الوسطى، فقد قامت عام 2134 قبل الميلاد، كنتيجة للثورة الشعبية على الظلم، وقد وضع ملوك هذه الدولة نصب أعينهم العدالة كأساس للحكم فظهرت قاعدة" العدل أساس الملك"، ولم يعد الملك ذلك الآلهة الذي يعتمد على آبائه الآلهة في حكمه للبشر، والذي لم يكن للبشر أن يحاسبه أو أن يقوم أعماله وتصرفاته.

      أما الدولة الفرعونية الحديثة، بدأ عهدها عام 1570 قبل الميلاد، وهي الدولة التي عاد نظام الحكم فيها إلى سيرته الأولى كما كان في الدولة القديمة، حيث لقب الحاكم بالفرعون وأصبح حكمه مطلقا، واجتمعت في يده كل السلطات الدينية والزمنية، ولم يعتبره المصريون ملكا مؤلها فحسب، وإنما ادعى هو نفسه أنه إله، فقال كما أورد القرآن الكريم مقولته:" فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ"[1].

      2- عهد الهكسوس: تعرضت مصر في نهاية الدولة الفرعونية الوسطى لغزو الهكسوس، وحكموها لفترة طويلة تصل إلى 100 عام أو يزيد، ويرى بعض الباحثين أن ما جاء به القرآن الكريم من إشارات عن هذه المرحلة يفي كاف لفهم هذه المرحلة، ذلك أنه وقعت خلال فترة حكم الهكسوس أحداث قصة سيدنا يوسف عليه السلام، حيث يدل على ذلك ما جاء به القرآن الكريم من وصف حاكم مصر وقتئذ أنه الملك، ولم يطلق عليه مسمى فرعون.

      ويرى المؤرخون أن الهكسوس قد عاملوا المصريين بالعنف والقسوة، ويظهر ذلك من سجن سيدنا يوسف ظلما من طرف السلطة الحاكمة، قال تعالى :" ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ"[2] والمعنى أنهم رأوا بعد ثبوت براءة يوسف أن يسجنوه فترة من الزمن توقيا لكلام الناس في هذه القضية، فسجنوه ظلما وعدوانا.

      ولا شك أن حال أفراد الشعب قد تبدل إلى الأحسن، وذلك في الفترة التي آلت الوزارة فيها إلى يوسف عليه السلام، فقد قال له الملك بعد خروجه من السجن:" قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ"[3] وبذلك أصبح يوسف عزيز مصر، إلا أنه بعد وفاته اشتد ظلم الهكسوس للمصريين فثأروا على حكمهم وأسسوا حكما وطنيا فرعونيا، وهو بداية الدولة الفرعونية الحديثة السالفة الذكر.

      3- عهد اليونان البطالمة: خضعت مصر لحكم اليونان منذ دخول الاسكندر المقدوني لها عام 333 قبل الميلاد وقد أقاموا حكمهم لمصر على أساس التفرقة العنصرية، حيث اعتبروا أنفسهم الجنس الممتاز وفرضوا على المصريين أعمال السخرة في الأرض، حيث حرموا من حق تملك الأراضي الزراعية وهم أصحابها الأصليون، واقتصرت صلتهم بها عند حد زراعتها لحساب المغتصبين لها من الإغريق، ونظرا لتلك الظروف التي عاشها المصريون أدى ذلك إلى ثورة من قبل المصريين عدة مرات إلى أن انتهى حكم الإغريق لبلادهم عام 31 قبل الميلاد.

      4- عهد الرومان: خضعت مصر لحكم الرومان عام 31 قبل الميلاد بعد انتصارهم على الإغريق، وقد سار الرومان على سياسية التمييز العنصري، فقسموا سكان مصر إلى طبقات بعضها فوق بعض  فكان للرومان العديد من الامتيازات، وعلى غيرهم تقع الأعباء، وكان السكندريون يشغلون الطبقة التالية للرومان، والمصريون أبناء البلاد الأصلية في الطبقة الأخيرة، وظلت مصر تحت الظلم الروماني إلى أن فتحها المسلمون.

      رابعا: حضارة بلاد الرافدين(العراق)

      1- قانون حمورابي: حمورابي هو ملك بابل ما بين 1792-1750 قبل الميلاد، اكتشف قانونه من قبل بعثة أثرية فرنسية في منطقة الهضاب الواقعة إلى الشرق من مدينة بابل، وهو منقوش على نصب حجري، ويعرف حمورابي بنفسه في مقدمة قانونه بأنه : اسمه حمورابي يعني الأمير الذي يخاف الله، وأن السماء نادته من اجل الشعب ورضائه، وأنه يقيم العدل في الأرض ويقتلع جذور الشر والأشرار حتى لا يضطهد القوي الضعيف، وقد نوه القانون باحترام بعض الحقوق الأساسية وخصوصا حرمة الملكية الفردية، ويستدل من بعض نصوصه أنه اعتمد في المحاكمات قاعدة " الأصل براءة الذمة" فجاء فيه: أنه إذا ادعى أحد على آخر بجريمة حكمها الإعدام ثم لم يتمكن من إثبات ادعائه، فيحكم عليه هو بالإعدام.

      ولا شك أن المتتبع لتاريخ النظم القانونية، سوف يكتشف أن شريعة حمورابي، تعتبر وثيقة قانونية مهمة في حقوق الإنسان، هذا بالإضافة إلى أنها تعتبر أول نصوص قانونية تم وضعها في مجال القانون الجنائي، حيث استهدفت إرساء قواعد العدل والإنصاف.

      2- قانون أشنونا أو قانون بلالاما:  نحو عام 193 قبل الميلاد وهو قانون متقدم على قانون حمورابي بحوالي نصف قرن، عثر على هذا القانون في لوحين من الطين في حفريات آثار تل حرمل عام 1945 ونشرت ترجمته عام 1984، ولم يكتشف علماء الآثار سوى 61 مادة من هذا القانون، اهتمت ببعض المسائل الاجتماعية( وضع حد أدنى لأجور العمال، تقسيم المجتمع إلى طبقات)

      3- حكم محكمة مدينة نفر السومرية: يمكن الإشارة إلى جريمة قتل، حيث أخبر القتلة الزوجة بمقتل زوجها، فاحتفظت بسر القتل ولم تخبر السلطات في ذلك، وهي بهذا تكون قد تسترت عن المجرمين، وعندما علم الملك بخبر الجريمة وتستر الزوجة عليها، أحال القضية على المحكمة للفصل فيها، وعندما بدأت المحاكمة أفاد القضاة أن الجريمة لا تقتصر على القتلة الثلاثة وإنما تشمل الزوجة لكتمانها الخبر، فاعتبروها شريكة في الجريمة، فتصدى لهذا الرأي اثنان من القضاة واعتبرا التكتم لا أثر له في الجريمة، فلا تجوز مقاضاتها بالجريمة كشريكة، فحكمت المحكمة ببراءة المرأة من الاشتراك بالجريمة.

      وقد عثر على محضر هذه القضية سنة 1950 في تنقيبات البعثة الأمريكية في مدينة نفر[4] وأجريت مقارنة بين هذا الحكم السومري، وما يمكن أن تحكم به المحاكم في وقتنا الحاضر فأرسلوا ترجمة الوثيقة إلى عميد كلية الحقوق في جامعة بنسلفانيا آنذاك، فأجاب بأن المحكمة المعاصرة ستحكم بنفس الحكم، ففي هذه الوثيقة دليل على حماية حياة الإنسان، وعلى الواجبات الملقاة على عاتق المواطن والأخذ بالتدابير اللاحقة على ارتكاب الجريمة، وعدم التفريط بالحق العام بمتابعة المتهمين بارتكاب الجريمة، وفيها دليل على تعدد القضاة في هيئة المحكمة وعلى نظام المحلفين وعلى حق الدفاع عن المتهم.

      الفرع الثاني

      حقوق الإنسان في العصور الوسطى

      تبدأ مرحلة العصور الوسطى في مسيرة حقوق الإنسان من القرن الخامس ميلادي إلى بداية العصر الحديث في القرن 18 ميلادي، والحديث عن حقوق الإنسان في هذه المرحلة يتمثل في بيان وضع هذه الحقوق في كل من الحضارتين الإسلامية والأوربية، وهما الحضارتان اللتان تجسدان حضارة العصور الوسطى، وتقومان في أساسهما على الرسالتين السماويتين الإسلام والمسيحية.


       

      أولا: حقوق الإنسان في الديانة المسيحية

      خضعت أوربا في العصر الوسيط للديانة المسيحية، حيث تقلص نقد القانون الطبيعي مع بدايات الصراع بين الكنيسة والدولة في أوربا، التي شهدت بروز آراء تعتبر حقوق الإنسان ذات أبعاد غيبية/فلسفية قد لا يقبلها البعض، وتفترض ثباتها وعدم تطورها، كما أن ساسة أوربا لم يراعوا تطبيق قواعد حقوق الإنسان إلا على إخوانهم في الإيمان، لأنهم اعتبروا باقي البشر خارج نطاق الجماعة المسيحية.

      وتجدر الإشارة إلى أن مجمل الدراسات التي تناولت حقوق الإنسان في تلك العصور دلت على أن قيام الحقوق والحريات الفردية بشكل واضح في تلك الحقبة كان أمرا متعذرا وخصوصا مع:

      -         اشتداد حدة الصراع بين الإمبراطور والكنيسة: وذلك بشأن اختصاصات كل منهما فالإمبراطور كان يعتبر أن سلطته مطلقة غير محدودة وأنه يستمدها من الله، بينما كانت الكنيسة تنكر عليه ذلك.

      -         قيام نظام الإقطاع على نطاق واسع: وما نتج عنه من انقسام المجتمع إلى طبقات(طبقة الحكام، طبقة رجال الكنيسة، طبقة السادة ملاك الأرض من رجال الدين والدنيا على حد سواء طبقة المحرومين وهم الفلاحون الذين تحولوا إلى رقيق الأرض).

      وبالتالي لم تكن حقوق الإنسان خلال العصور الوسطى المسيحية موضوعا قائما بذاته والدليل على ذلك، أن الكنائس الرسمية، لم تكن تدعم حقوق الإنسان، فالمساواة بين الناس على الأرض بقيت محدودة وغريبة على رجال الكنائس، وحتى حرية الفكر والرأي لم يعرفها هؤلاء فالكنيسة منعت الناس من الإدلاء بآرائهم، وكانت تحاسبهم، كما أنها استعملت العنف لإجبار سكان شمال أوربا على اعتناق المسيحية، ونتج عن ذلك قيام ما سمي بمحاكم التفتيش المعروفة بتاريخها المظلم في ركب الحضارة الأوربية، وقد بدأ ظهور هذه المحاكم أيام البابا جريفوريوس التاسع 1145-1241 م في مدينة تولوفر الفرنسية، حيث اجتمع رجال الكنيسة الكاثوليكية وقرروا إنشاء محكمة يقدم إليها كل من اتهم في دينه الكاثوليكي، وكل من كان على دين أو معتقد غير ما يعتقد به جماعة الكاثوليك.

      ومع تلك الأوضاع، شهدت أوربا ومنذ القرن 12 ظهور بعض الاتجاهات الفكرية تدعو إلى الإقرار بالحريات السياسية، وتحرير الفرد من سلطة البابا والكنيسة، وأدت هذه الاتجاهات إلى قيام العديد من الثورات الشعبية الإصلاحية، نتج عنها تقليص سلطات الملك الفردية وأخذ مزيد من الحقوق للأفراد.

      ثانيا: حقوق الإنسان في الإسلام

      يحتل موضوع حقوق الإنسان مجالا واسعا في الشريعة الإسلامية، فهذه الأخيرة جاءت مخلصة البشرية من الضلال، ورفعت عنها المعاناة، فكان لها كل الفضل في تقديم أرقى مضامين الحرية ووضع الأساليب التي تمكن الأفراد من ممارسة حقوقهم وحرياتهم الشخصية.

      ويظهر على مستوى القرآن الكريم مدى تطور فكرة حقوق الإنسان، وتعرفنا عدد من آياته عن مظهرها الفعلي وبعد قواعدها داخليا وخارجيا:

      1-   الحق في الحياة: وهذا الحق كفلته الشريعة الإسلامية، من خلال ما جاء به القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى:" مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا "[5]، وفي شرح هذه الآية يقول أبو الأعلى المودودي، لقد أقر القرآن في هذه الآية أن قتل أي إنسان يعد قتلا للإنسانية جمعاء، وفي مقابل هذا جعل حماية روح أي إنسان تعادل حماية أرواح النوع بأسره وبعبارة أخرى لو اجتهد الإنسان في حماية الحياة الإنسانية فقد أحيا الإنسان ذاته.

      2-   الحق في المساواة: من الآيات الكريمة التي تتعلق بالمساواة قوله تعالى:" وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"[6]، وقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ"[7].

      3-   حرية المعتقد : قال تعالى :" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"[8]، وقوله تعالى :" ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[9].

      4-   الحق في المشاركة في الحياة السياسية: حث الإسلام على حق الاشتراك في الحكم، ومن ذلك قوله تعالى:" وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ"[10].

      وما يمكن استخلاصه، أن اهتمام الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان قد أتاح للفلاسفة والحكام فيما بعد التوصل إلى نصوص مكتوبة حول حماية تلك الحقوق، تنفذها سلطة الدولة أو الدول الملزمة بها.



      [1]- جزء من الآية 24، سورة النازعات.

      [2]- سورة يوسف الآية 35.

      [3]- سورة يوسف جزء من الآية 54.

      [4]- نفر أو نيبور هي ناحية عراقية تقع في منطقة الفرات الأوسط في محافظة القادسية وتتبع إداريا إلى قضاء عفك وتعد من أقدم من أقدم المناطق الحضارية في الديوانية والعراق وكانت جزء من بلاد سومر وبابل وآشور والوركاء فهي مدينة تاريخية يعود تاريخها إلى أكثر من 7000 سنة قبل الميلاد وهي حاليا منطقة يطلق عليها ناحية نفر.

      [5] - سورة المائدة الآية 32.

      [6] - سورة النساء الآية 58.

      [7] - سورة المائدة الآية 8.

      [8] - سورة البقرة الآية 256.

      [9] - سورة النحل الآية 125.

      [10] - سورة الشورى الآية 38.


  • المحاضرة الثانية

    • المحاضرة الثانية

      الفرع الثالث

      حقوق الإنسان في العصر الحديث

      يطلق العصر الحديث على الحقبة التاريخية الواقعة بين بداية القرن 17 ومنتصف القرن العشرين، وتتميز هذه المرحلة عن سابقتها ببروز اهتمام مكثف بحقوق الإنسان، وذلك من خلال عديد الإعلانات والاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان.

      أولا: حقوق الإنسان في إعلانات الحقوق:لم تكن الحقوق والحريات التي حصلت عليها الشعوب  وليدة منحة من الملوك، لكنها كانت نتيجة لانتفاضات وثورات قامت ضد الملوك أصحاب السلطان المطلق تم من خلالها تقييد هذا السلطان بصورة تدريجية، وأشهر البلدان التي شهدت تطورات بهذا الخصوص انجلترا، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا.

      1-   في انجلترا: تتميز انجلترا عن بقية أوربا، من حيث أن إعلان وثائق حقوق الإنسان فيها بدء قبل النهضة الأوربية، وهو ما حدث عند صدور وثيقة العهد الأعظم Magna Carta سنة 1215.وفي العصر الحديث، أي بدء من القرن السابع عشر، عرفت انجلترا عديد الإعلانات ذات الصلة بحقوق الإنسان.

      1-1-  عريضة الحقوق سنة 1628: وتسمى بملتمس الحقوق[1] وأهم ما جاء فيها: عدم قيام الملك بطلب الهبات والقروض الإجبارية، لا يسجن أي شخص إلا عن تهمة حقيقية محددة وتحريم إنشاء الضرائب وفرضها بدون موافقة البرلمان عليها، وأن لا تعلن الأحكام العرفية وقت السلم، احترام الحرية الشخصية.

      1-2-  قانون الحرية الشخصية(الهابياس كوربيس habeas corpus) 1679: صدرت هذه الوثيقة سنة 1679 وعدلت عام 1816، وبموجبها، يمنع اعتقال أي شخص دون مذكرة قانونية، ومن حق الموقوف طلب إعادة النظر في توقيف، كما يلتزم القضاء بالتعامل مع الموقوف بحسن نية " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" وقد اقتصر تطبيق هذا القانون عند صدوره على المواد الجنائية ثم امتد بعد التعديل الذي جرى عليه عام 1816 إلى المواد الأخرى أي لو كان الاعتقال لسبب آخر عدا ارتكاب الجريمة.

      1-3-  إعلان الحقوق أو قائمة الحقوق 1689: قام الملك وليام اورنج باعلان شرعة الحقوق سنة 1689، وأهم ما جاء فيها أنه ليس للملك سلطة إيقاف القوانين، كما أنه ليس له سلطة الإعفاء من تطبيقها، وليس له فرض الضرائب من غير موافقة البرلمان.

      2-   في الولايات المتحدة الأمريكية:كانت الولايات المتحدة الأمريكية مستعمرات بريطانية نالت استقلالها سنة 1776، وعلى اثر الاستقلال صدرت عدة وثائق دستورية تضمنت بعضها النص على حقوق الإنسان، وتمثلت هذه الوثائق في:

      2-1- دستور أو شرعة فرجينيا 12/06/ 1776 Virginia Bill of Rights: يكتسب هذا الدستور أهمية خاصة في ميدان الحقوق الفردية، فهو أول دستور تضمن إعلانا معتبرا لحقوق الإنسان، إذ تضمنت نصوصه تعدادا لغالبية الحقوق الفردية التي أقرت بها مدرسة الحقوق الطبيعية، حيث يشير الدستور إلى أن الأفراد بحسب الطبيعة، متساوون في الحرية والاستقلال كما أشار الدستور إلى أن الشعب مصدر السلطات، ونص على حرية الانتخابات، وحرية الصحافة، والحقيقة أن هذا الدستور عد النموذج الذي سارت عليه الدويلات الأمريكية الأخرى التي تضمنت دساتيرها نصوصا مماثلة.

      2-2- إعلان الاستقلال الأمريكي 04 جويلية 1776: صدر هذا الإعلان بعد انفصال الولايات الثلاثة عشر عن بريطانيا، ومن أهم البنود المتعلقة بحقوق الإنسان: التأكيد على الحرية والمساواة بوصفهما حقين طبيعيين، واعتماد مبدأ سيادة الشعب، وتطبيق هذه السيادة بالوسائل القانونية، وحق الشعب في التمرد على انحراف الدولة عن هذا الهدف.

      2-3- الدستور الاتحادي 1787: صدر الدستور الاتحادي الأمريكي عام 1787، ولم يأت بجديد حول مبادئ وقواعد حقوق الإنسان، إلا بضعة نصوص تتعلق بضمانات الحرية الفردية لذلك تبنى الكونغرس الأمريكي 10 تعديلات دفعة واحدة لهذا الدستور وذلك في 25 سبتمبر 1789، والتي أصبحت نافذة سنة 1791، وهذه التعديلات 08 منها تتعلق بضمانات الحقوق الشخصية والملكية الفردية، والتعديلين الأخيرين يتعلقان بحقوق الدول في أمورها الداخلية.

      وبعد قيام الحرب الأهلية، جرت تعديلات عدة أخرى على الدستور، وذلك في السنوات 1865 1868، 1870، وهي أربعة تعديلات، وقد نصت على تحريم الرق، تحرير العبيد، المساواة في حق الانتخاب من دون تمييز بسبب اللون والجنس والعرق.

      3-    في فرنسا

      إعلان حقوق الإنسان والمواطن 26 أوت 1789: وهو الإعلان الأول لحقوق الإنسان والمواطن الذي صدر بعد الثورة الفرنسية الكبرى، وقد ألحق بدستور عام 1791، وقد جاء في هذا الإعلان على الخصوص " الناس خلقوا أحرارا ومتساوين في الحقوق، وأنم هدف كل دولة هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية التي لا تقبل السقوط وهي الحرية والأمن ومقاومة الاضطهاد، وأن الشعب هو مصدر للسلطان" كما نص الإعلان على حرية الفكر والرأي"، وجاء في المادة 02 منه " أن أهداف كل جماعة سياسية، هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية، التي لا يمكن أن تسقط بالتقادم، وهذه الحقوق هي الحرية والملكية والحق في الأمن وفي مقاومة الظلم.

      وقد تميز الإعلان عن غيره مما سبقه من إعلانات ومواثيق في انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، أنه أكثر دقة وشمولية ووضوح بالنسبة لحقوق الإنسان، بل لم تقتصر على المواطن الفرنسي فقط، بل تعدى ذلك لتشمل الناس جميعا.

      المبحث الثاني

      تصنيفات وخصائص حقوق الإنسان

      تتميز حقوق الإنسان بالتنوع فيما بينها، ونظرا لهذا التعدد فقد اعتمدت عدة معايير لتصنيفها كما أنها تتميز بمجموعة من الخصائص.

      المطلب الأول

      تصنيفات حقوق الإنسان

      من حيث موضوعها تصنف إلى حقوق مدنية وسياسية وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية، ومن حيث الأشخاص المستفيدين منها، تصنف إلى حقوق فردية وحقوق جماعية.

      أولا: حقوق الإنسان من حيث موضوعها: تصنف حقوق الإنسان حسب موضوعها إلى حقوق مدنية وسياسية من جهة، وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية من جهة أخرى.

      1-الحقوق المدنية والسياسية

      1-1-  الحقوق المدنية: وهي تلك الحقوق اللازمة لكل فرد باعتباره عضوا في المجتمع، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولا تتعلق بتسيير شؤون وإدارة الدولة، وتتمثل هذه الحقوق في:

      -       الحق في الحياة: وهذا الحق من أهم الحقوق المدنية، فلا يجوز حرمان شخص من حياته إلا بموجب قانون، وقد تم النص على هذا الحق بموجب المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 6 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية.

      -       حق الإنسان في سلامة شخصه(المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).

      -       الحق في العدالة والمساواة.

      -       الحق في التنقل.

      -       الحق في حرمة المسكن والمراسلات.

      1-2-  الحقوق السياسية: وهي الحقوق التي تتيح لهم المساهمة في تكوين الإرادة الجماعية سواء في انتخاب من يمثلهم في المجلس النيابي أو بترشيح أنفسهم لهذا المجلس وكذلك لهم حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلادهم، والحق في تولي المناصب والوظائف العامة.

      2-   الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية(الجيل الثاني): وهي تلك الحقوق التي تتطلب تدخل إيجابي من قبل الدولة من أجل كفالتها، ومن هذه الحقوق: الحق في العمل، الحق في الضمان الاجتماعي الحق في التعليم.

      3-   الحقوق البيئية والتنموية(الجيل الثالث): وهي الحقوق المترابطة معا التي لا يمكن للإنسان أن يحصل عليها بشكل منفرد، ومن ذلك الحق في الحصول على بيئة نظيفة.

      ثانيا: حقوق الإنسان من حيث الأشخاص المستفيدين منها(الحقوق الفردية والجماعية)

      1-   الحقوق الفردية: هي تلك الحقوق التي يراد بها حماية الإنسان من الاعتداءات التي تقع عليه من الدولة: مثل الحق في احترام الحياة الخاصة، الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير.

      2-   الحقوق الجماعية: هي الحقوق التي يكون لها صفة جماعية، أي لا تتم ممارستها إلا بشكل جماعي مثل: حق الشعوب في تقرير مصيرها، الحق في عدم الخضوع للتمييز العنصري.

      المطلب الثاني

      خصائص حقوق الإنسان

      من بين خصائص حقوق الإنسان:

      -    أنها ملاصقة ومرافقة لذات الإنسانية، وغير قابلة للتغيير تحت أي ظرف من الظروف.

      -    أنها حقوق عالمية ولجميع البشر مهما اختلفوا في اللون واللغة والعرق والدين.

      -    حقوق الإنسان ثابتة للجميع، حتى لو لم تعترف بها القوانين الداخلية للدولة.

      -    تعتبر حقوق الإنسان كتلة واحدة، مترابطة ببعضها ولا يجوز الانتقاص منها بأي ذريعة كانت.

      -    حقوق الإنسان في تطور وتجدد مستمر فهي ذات قيمة عليا يسعى إليها جميع البشر.

       



      [1] - صدرت هذه العريضة سنة 1628، بعد صراع بين الملك شارل الأول(1625-1649) والبرلمان، إذ اشترط البرلمان لقاء موافقته على المال الذي طلب من جانب الملك شارل لتمويل حربه ضد اسبانيا، أن يوافق على مضمون عريضة الحقوق التي تضمنت مجموعة من الحقوق والحريات الخاصة بالمواطنين، وقد قبل الملك بهذا العرض، غير أن النزاع تجدد بين الطرفين، بخصوص إمكانية قيام الملك بفرض الضرائب مما أدى إلى اتهامه بجريمة خيانة حقوق الشعب وحرياته وانتهى الأمر بإلقاء القبض عليه ومحاكمته أمام البرلمان الذي قضى بإعدامه.


  • المحاضرة الثالثة

    • المحاضرة الثالثة

      الفصل الثاني

      الحماية الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان

      يقصد بالحماية الدولية لحقوق الإنسان تلك الحماية التي تتم في إطار منظمة الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية التي أبرمت في ظلها، أما الحماية الإقليمية فيقصد بها تلك الحماية التي تتم في ظل قارة معينة، كالنظام الأوربي لحقوق الإنسان، والنظام الأمريكي، والنظام الإفريقي لحقوق الإنسان.

      المبحث الأول

      الحماية الدولية العالمية

      تتم الحماية الدولية لحقوق الإنسان على المستوى العالمي، في ظل ميثاق منظمة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين وغيرها من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.

      المطلب الأول

      حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة  

      الفرع الأول

      مضمون الميثاق

      يوصف ميثاق الأمم المتحدة بأنه حجر الأساس للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك لأنه ساهم ولأول مرة في تدويل حماية حقوق الإنسان وإدخالها للقانون الدولي الوضعي.

      فقد اهتم الميثاق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في موضع كثيرة:

      حيث تنص ديباجة الميثاق على أن شعوب الأمم المتحدة آلت على نفسها أن تؤكد من جديد إيمانها: بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية.

      وتضيف الديباجة عزم شعوب الأمم المتحدة على أن:" تدفع بالرقي الاجتماعي قدما وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح".

      كذلك وضعت أهداف الأمم المتحدة في بؤرة اهتماماتها، فتنص في المادة 01/02 على أن أهداف المنظمة:" إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام"

      وتضيف المادة 1/3 أن من تلك الأهداف أيضا:" تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".

      تتضمن النصوص سالفة الذكر، إشارات ضمنية للصلة بين حقوق الإنسان والمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وقد ربط الميثاق صراحة بين هذين الأمرين في الفقرة ج من المادة 55 من الميثاق التي نصت على:" رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على: ...

      ج) أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا".

       وحتى تصبح هذه المادة ذات قيمة قانونية أكبر ورغبة من هيئة الأمم المتحدة في التزام أعضائها باحترامها، فقد طالبت المادة 56 أن :" يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا منفردين أو مشتركين بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسون".

      ورغم اهتمام منظمة الأمم المتحدة بحقوق الإنسان، فإن أغلبية أعضائها لم يعيروا المادتين الواردتين في الميثاق أي أهمية، بل تم تهميشهما بشكل مقصود باعتبارهما مطلبا عاما للتعاون وليس التزاما قانونيا، وقد ساعد على ذلك ما نصت عليه المادة 2/7 من الميثاق:" ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي يكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق" لذا فإنه غالبا ما تلجأ الدول الأعضاء إلى هذه المادة، عندما لا تريد أن يتدخل أو يناقش أحد شؤونها الداخلية، وخاصة عندما يكون هناك إخلال بتعهداتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

       

      الفرع الثاني

      الأجهزة المعنية بحماية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة

      أولا: الجمعية العامة

      تتمتع الجمعية العامة بأهمية كبيرة بين مختلف فروع الأمم المتحدة، باعتبارها الجهاز العام في المنظمة الذي يضم كل أعضائها، ويتصف الاختصاص الموضوعي للجمعية العامة بالسعة والتنوع، وهو ما نصت عليه المادة 10 من الميثاق.

      وفي مجال حقوق الإنسان، تقوم الجمعية العامة بدراسات وتصدر توصيات بقصد الإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس واللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.

      وتحيل الجمعية العامة عادة مسائل حقوق الإنسان إلى اللجنة الرئيسية الثالثة(لجنة المسائل الاجتماعية والإنسانية والثقافية)، وهي إحدى لجان رئيسية ستة أنشأتها الجمعية العامة لمساعدتها في إنجاز وظائفها.

      وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية العامة، تعتبر أكثر أجهزة الأمم المتحدة التي تتبنى المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، سواء في صورة إعلانات أو قرارات أو توصيات أو اتفاقات دولية أو غيرها، فهي التي تبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين.

      ثانيا: مجلس الأمن

      وفقا لنص المادة 24/01 من الميثاق، فإن مهمة مجلس الأمن تتمثل في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ولا شك أن ذلك يقود المجلس حتما إلى التصدي لبعض مسائل حقوق الإنسان، وهو ما فعله المجلس فعلا في قراراته:

      -    قرار رقم 237/1967 أشار المجلس إلى أن حقوق الإنسان الأساسية وغير القابلة للتنازل عنها يجب احترامها حتى أثناء الحرب.

      -    قرار رقم 941/1994 أكد المجلس على أن التطهير العرقي يعد انتهاكا واضحا للقانون الدولي الإنساني.

      -    قرار رقم 1036/1996 أكد المجلس تأييده الكامل لبرنامج احترام وتعزيز حقوق الإنسان في جورجيا.

      ثالثا: المجلس الاقتصادي والاجتماعي

      يتألف المجلس الاقتصادي والاجتماعي من 54 عضوا تنتخبهم الجمعية العامة لمدة 03 سنوات من ممثلي الدول الأعضاء، وفيما يخص المهام المنوطة بالمجلس ذات الصلة بحقوق الإنسان، نصت المادة 62 من ميثاق الأمم المتحدة على:" وله أن يقدم توصيات فيما يختص بنشر حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها" ، كما أن له أيضا:" أن يعد مشروعات اتفاقات لتعرض على الجمعية العامة في مسائل تدخل في دائرة اختصاصه" وله كذلك " أن يدعو إلى عقد مؤتمرات دولية لدراسة المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصه".

      وتضمن الميثاق النص على:" يجري ترتيبات مع أعضاء الأمم المتحدة ومع الوكالات المتخصصة لكي تمده بتقارير عن الخطوات التي اتخذتها لتنفيذ توصياته أو لتنفيذ توصيات الجمعية العامة في شأن مسائل تدخل في اختصاص المجلس"[1]

      وتنص المادة 68 على أن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الحق في أن ينشأ:" لجانا في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز حقوق الإنسان كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد تحتاج إليها لتأدية وظائفه".

      وتطبيقا لهذا النص أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي عديد اللجان أهمها:

      1-   لجنة حقوق الإنسان: أنشأها المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1946، بقراره رقم 05 والمعدل بالقرار رقم 9 لعام 1946، وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 60/251 عام 2006 أنشأت مجلس حقوق الإنسان ليحل محل لجنة حقوق الإنسان وقررت إلغاء هذه الأخيرة اعتبارا من 16/06/2006.

      2-   اللجنة الخاصة بوضع المرأة: أنشاها المجلس الاقتصادي عام 1946، وتتلخص مهامها في إعداد توصيات وتقارير للمجلس بشأن تعزيز حقوق المرأة في جميع المجالات.

      3-   اللجنة الفرعية لتشجيع وحماية حقوق الإنسان: أنشاها المجلس الاقتصادي عام 1946 وكانت تسمى في أول مرة اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات، وفي عام 1999 أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي تبديل اسمها ليصبح اللجنة الفرعية لتشجيع وحماية حقوق الإنسان، وتتمثل مهامها في الاضطلاع بدراسات وتقديم توصيات إلى لجنة حقوق الإنسان، وذلك فيما يتعلق بمنع التمييز في أي نوع في مجال حقوق الإنسان، وحماية الأقليات العرقية والقومية والدينية واللغوية.

      وقد أدى المجلس الاقتصادي دورا هاما في مجال حقوق الإنسان في ظل الأمم المتحدة ويظهر ذلك من خلال:

      1-   عن طريق المجلس، يتم إرسال ما يتعلق بحقوق الإنسان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

      2-   أنه اتخذ عام 1959 القرار F827، الذي قرر فيه أن الشكاوى المرسلة إلى الأمم المتحدة بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان، يجب إعداد قائمة سرية بها، ترسل إلى لجنة حقوق الإنسان، واللجنة الفرعية لمحاربة الإجراءات التمييزية وحماية الأقليات.

      3-   أنه تبنى عام 1970 ما يعرف بالإجراء 1503، والذي يتميز بـ:

      -    يستند في نشأته إلى قرار صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي(قرار 1503/43).

      -    أنه يطبق على كل الدول.

      -    أنه يطبق على كل انتهاكات حقوق الإنسان.

      -    أن الشكاوى يمكن أن تقدم من شخص أو مجموعة من الأشخاص أو منظمة غير حكومية.

      رابعا: مجلس حقوق الإنسان

      مجلس حقوق الإنسان هيئة حكومية دولية داخل منظومة الأمم المتحدة مسؤولة عن تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أرجاء العالم، وعن تناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها، والمجلس لديه القدرة على مناقشة جميع القضايا والحالات المواضعية لحقوق الإنسان التي تتطلب اهتمامه طوال العام. ويعقد المجلس اجتماعاته في مكتب الأمم المتحدة في جنيف.

      والمجلس مؤلف من 47 دولة عضوا في الأمم المتحدة تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد حل مجلس حقوق الإنسان محل لجنة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان .

      أنشأت المجلس الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 مارس 2006 بموجب القرار 60/251 وعقدت دورته الأولي في الفترة من 19 إلى 30 جوان 2006، وبعد عام، اعتمد المجلس "حزمة بناء المؤسسات" الخاصة به لتوجيه عمله و إنشاء إجراءاته وآلياته.

      ومن بين هذه الإجراءات والآليات آلية الاستعراض الدوري الشامل التي تستخدم لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، و اللجنة الاستشارية التي تستخدم باعتبارها "الهيئة الفكرية" للمجلس التي تزوده بالخبرات والمشورة بشأن القضايا المواضعية في مجال حقوق الإنسان، و إجراء الشكاوى الذي يتيح للأفراد والمنظمات استرعاء انتباه المجلس إلى انتهاكات حقوق الإنسان.

      ويعمل مجلس حقوق الإنسان أيضا مع الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة التي أنشأتها اللجنة السابقة لحقوق الإنسان، ويتولى المجلس أمرها الآن، وتتألف هذه الإجراءات الخاصة من مقررين خاصين وممثلين خاصين وخبراء مستقلين وأفرقة عاملة؛ ويضطلع هؤلاء المقررون والممثلون والخبراء، كما تضطلع هذه الأفرقة، برصد القضايا المواضعية أو أوضاع حقوق الإنسان في بلدان محددة وبحثها وتقديم المشورة بخصوصها والإبلاغ علنا عنها.

      ويختص المجلس، خصوصا بالآتي:

      -    تعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

      -    مناقشة المواقف الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة والمستمرة.

      -    أن يكون المجلس مكانا للحوار بخصوص كل موضوعات حقوق الإنسان.

      -    للمجلس أن يصدر توصيات يرفعها إلى الجمعية العامة بخصوص تطوير القانون الدولي في مجال حقوق الإنسان.

      المطلب الثاني

      حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

      من الأسباب الملحة التي دعت الأمم المتحدة إلى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو شعور مؤسسي المنظمة بأن الميثاق لم يعالج موضوع حقوق الإنسان بما تستحق هذه الحقوق من العناية والكفاية، لذا أعلنت الأمم المتحدة وثيقة " الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" في 10/12/1948.

       

       

       

      الفرع الأول

      محتوى الإعلان

      جاء الإعلان العالمي كغيره من الصكوك الدولية مؤلفا من ديباجة و30 مادة:

      أولا: ديباجة الإعلان العالمي: جاءت ديباجة الإعلان مؤكدة على وحدة الأسرة البشرية وكرامة وقيمة الإنسان، كم أشارت إلى الصلة بين حقوق الإنسان وشيوع العدل والسلام في العالم، وذكرت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالاحترام العالمي والفعال لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وأشارت أيضا إلى النتائج المأساوية لتناسي وازدراء حقوق الإنسان، وإلى ضرورة أن يتولى القانون حماية الإنسان حتى لا يضطر آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.

      كما توضح الديباجة الصلة بين احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والحرية في النظام الداخلي من جهة والسلام العالمي بين الأمم من جهة أخرى.

      ثانيا: مواد الإعلان: تشير المادتين الأولى والثانية من الإعلان إلى أن جميع الناس دونما تمييز يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، ولهم نفس الحقوق.

      وينادي الإعلان بصنفين من الحقوق، الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

      1-   الحقوق المدنية والسياسية: وردت هذه الحقوق ذات الطابع الفردي في المواد من 03-21 وهي تشمل حقوقا لصيقة بالشخصية(حقوق الشخصية) مثل الحق في الحياة والحرية وفي الأمن[2] الحق في عدم الاسترقاق أو الاستعباد[3]، الحق في عدم الخضوع للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو الحاطة بالكرامة[4]، وحق الإنسان في كل مكان بأن يعترف له بالشخصية القانونية[5]، الحق في المساواة أمام القانون والحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز[6].

      وجاءت المواد 8، 9، 10، 11 من الإعلان مكرسة لمبدأ الشرعية من خلال مجموعة الحقوق المتمثلة في، الحق في اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة للانتصاف الفعلي، الحق في عدم الخضوع للاعتقال أو الاحتجاز أو النفي تعسفا، حق كل إنسان في محاكمة عادلة، والحق في اعتبار كل شخص متهم بريء حتى تثبت إدانته.

      ومن الحقوق الشخصية كذلك، حماية خصوصية الفرد، وعدم التدخل بطريقة تعسفية في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلته(المادة 12)، حرية الإنسان في التنقل واختيار مكان إقامته وحقه في مغادرة أي بلد وحق العودة إلى بلده(المادة 13)، الحق في اللجوء، والحق في الجنسية(المادة 15)، الحق في الزواج وتكوين أسرة(المادة 16).

      وتضمنت المواد من 19-21 مجموعة الحقوق السياسية للفرد وهي: حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، حق الشخص في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، الحق في اختيار الحكومة من خلال انتخابات نزيهة، الحق في تقلد الوظائف العامة على سبيل المساواة.

      2-   الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: تناولت المواد من 22-28 الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمتمثلة في: الضمان الاجتماعي، حق العمل وحرية اختياره، حق إنشاء النقابات والانضمام إليها، الحق في التمتع بمستوى معيشي يكفي لضمان الصحة والرفاهة، حق التأمين في حالة البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة، الحق في التعليم، الحق في المشاركة في الحياة الثقافية.

      وأخيرا قضت المادة 30، بأنه ليس في الإعلان أي نص يمكن تأويله على نحو يخول لدولة أو جماعة أو فرد أو أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.

      الفرع الثاني

      أهمية الإعلان وقيمته القانونية

      أولا: أهمية الإعلان العالمي

      تجدر الإشارة إلى أنه على صعيد القانون الدولي، شكل الإعلان الخطوة الأولى لمجموعة اتفاقيات، كرست مضمون الإعلان ومبادئه، فمقدمات الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان 1950 والعهدين الدوليين 1966، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان 1969، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981 وغيرها تحيل جميعها للإعلان.

      كما تظهر أهمية الإعلان وقيمته على الصعيد الدولي من خلال تأكيد العديد من الصكوك الدولية على تطبيق العالمي بوصفه معيارا دوليا لحماية حقوق الإنسان، فقد أكد البيان الختامي الصادر عام 1975 عن مؤتمر الأمن والتعاون في أوربا(منظمة الأمن والتعاون الأوربي منذ 1995) المنعقد في هلسنكي على أن الدول المشاركة ستجعل سلوكها متفقا مع أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أكد مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان لعام 1993 على أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكل مصدرا تستوحي منه حقوق الإنسان وأنه السند الأساسي للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان.

      ثانيا: القيمة القانونية للإعلان العالمي

      يذهب الاتجاه الراجح للفقه الدولي إلى أن الإعلان العالمي لا يتمتع بقوة الإلزام، طالما لم يأخذ صورة معاهدة دولية، حيث أخذ صورة توصية صادرة عن الجمعية العامة ، لكن يمكن الدفاع عن القوة الإلزامية للإعلان بالنظر إليه كتفسير رسمي ومعتمد للنصوص الخاصة بحقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة، وبمعنى آخر فإن الإعلان العالمي يمثل إعلانا تفسيريا صادرا عن جهة مختصة داخل الأمم المتحدة، يضيء عددا من الجوانب ذات الصلة بنصوص حقوق الإنسان المدرجة في الميثاق، ومما يعزز هذه القيمة للإعلان أن الأمم المتحدة ذاتها كثيرا ما استندت على نصوص الإعلان عندما يتعلق الأمر بتطبيق أحكام الميثاق المتعلقة بحقوق الإنسان.

       

       

       

      المطلب الثالث

      حقوق الإنسان في العهدين الدوليين

      حرص واضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن يلحق إصدار الإعلان، إقرار اتفاقيات ملزمة للدول تتضمن معالجة وتنظيما مفصلا ودقيقا للحقوق والحريات، وقد ترجم هذا الحرص بالفعل عام 1966، بإقرار العهدين الدوليين لحقوق الإنسان.

      الفرع الأول

      العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

      يعد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من أهم الوثائق الدولية المعنية بتنظيم حقوق الإنسان على مستوى العالم، وهو بمثابة معاهدة متعددة الأطراف اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة والبروتوكول الاختياري الأول[7] الملحق بالعهد في 16 ديسمبر 1966، ودخلت حيز التنفيذ في 23 مارس 1976، كما يعتبر العهد الدولي جزء من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تشمل أيضا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

      كما اعتمدت الجمعية العامة بقرارها 44/1128 المؤرخ في 15/12/1989 بروتوكولا اختياريا ثانيا للعهد الدولي، الغرض منه إلغاء عقوبة الإعدام، ودخل حيز النفاذ في 11/07/1991، وذلك بتمام تصديق أو انضمام 10 دول وفقا لنص المادة 8 منه.

      أولا: الحقوق المحمية في العهد: يتكون العهد الدولي من ديباجة، وستة أجزاء تضم 53 مادة.

       تضمنت الديباجة الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة الدولية، على أساس الحرية والعدالة والسلام وتعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان، وان على الفرد واجبات اتجاه الآخرين واتجاه الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، مسؤولية السعي إلى تعزيز ومراعاة الحقوق المقررة في العهد[8].

      يعترف الجزء الأول بحق جميع الشعوب في تقرير المصير بما في ذلك " الحق في تحديد مركزها السياسي بحرية " ومتابعة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإدارة مواردها الخاصة، يعترف بالحق السلبي للشعب، في ألا يحرم من وسائل عيشه وتفرض التزاما على تلك الأطراف التي لا تزال مسؤولة عن الحكم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والمستعمرات لتشجيع واحترام حقهم في تقرير المصير.

      الجزء الثاني (المواد 2-5) تلزم الأطراف للتشريع عند الضرورة لإنفاذ الحقوق المعترف بها في هذا العهد،وتوفير وسيلة انتصاف قانوني فعال عن أي انتهاك لتلك الحقوق كما أنه يتطلب الاعتراف بالحقوق "دون تمييز من أي نوع كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر" وضمان أنهم يتمتعون بالمساواة مع النساء، الحقوق لا يمكن إلا أن تكون محدودة "في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة" وحتى ذلك الحين لا يجوز مخالفة الحق في الحياة والحرية من التعذيب والرق والتحرر بأثر رجعي للقانون والحق في شخصيته وحرية الفكر والوجدان والدين.

      الجزء الثالث (المواد 6 - 27) يسرد الحقوق نفسها، وتشمل هذه الحقوق:

      -    السلامة الجسدية في شكل من الحق في الحياة والحرية من التعذيب والرق(المواد 6 .7. 8).

      -    الحرية والأمان الشخصي في شكل من أشكال الحرية من الاعتقال التعسفي والاعتقال والحق في المثول أمام القضاء(المواد 9-11)

      -    العدالة الإجرائية في القانون في شكل حقوق إجراءات التقاضي السليمة ومحاكمة عادلة ونزيهة وافتراض البراءة والاعتراف به كشخص أمام القانون(المواد 14-16)

      -    الحرية الفردية في شكل من أشكال حرية التنقل والفكر والوجدان والدين والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع وحقوق الأسرة والحق في الحصول على الجنسية والحق في الخصوصية(المواد 12 و 13 و 17 – 24 (

      -    حظر أية دعاية للحرب وكذلك أية دعوة إلى الكراهية القومية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف بموجب القانون(المادة 20)

      -    المشاركة السياسية بما في ذلك الحق في الحصول على حق التصويت(المادة 25)

      -    عدم التمييز وحقوق الأقليات والمساواة أمام القانون (المادة 26 و27)

      الجزء الرابع (المواد 28 - 45) يحكم بإنشاء وتشغيل لجنة حقوق الإنسان والإبلاغ ورصد العهد كما يسمح للأطراف بالاعتراف باختصاص اللجنة لحل النزاعات بين الأطراف على تنفيذ العهد(المادتان 41 و42)

      الجزء الخامس (المواد 46-47) يوضح أن العهد لا يجوز تفسيره على التدخل في عملية للأمم المتحدة أو "حق أصيل لجميع الشعوب في التمتع والانتفاع بالثروة بشكل كامل وبحرية ومواردها الطبيعية".

      الجزء السادس (المواد 48-53) يحكم بالتصديق ودخول حيز النفاذ وتعديل العهد.

      ثانيا: تدابير تنفيذ أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

      اللجنة المعنية بحقوق الإنسان هي الهيئة المنشأة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لرصد تنفيذ الدول الأطراف لأحكام العهد، تتألف اللجنة من 18 خبيرا مستقلا وهم أشخاص مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة المعترف بها في مجال حقوق الإنسان، تنتخبهم الدول الأطراف لفترة أربع سنوات طبقا للمواد من 28 إلى 39 من العهد، ويعمل الأعضاء بصفتهم الشخصية ويجوز أن يعاد انتخابهم إذا جرى ترشيحهم.

      تتمثل وظائف اللجنة في:

      1-   تلقي ونظر التقارير: حيث تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بتقديم تقارير عن التدابير التي اتخذتها والتي تمثل إعمالا للحقوق المعترف بها فيه، وعن التقدم المحرز في التمتع بهذه الحقوق وذلك خلال سنة من بدء نفاذ هذا العهد إزاء الدول الأطراف المعنية،ثم كلما طلبت اللجنة إليها ذلك[9].

      2-   دراسة البلاغات المقدمة من الدول: تنص المادة 41 من العهد:" لكل دولة طرف في هذا العهد أن تعلن في أي حين، بمقتضى أحكام هذه المادة، أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة بلاغات تنطوي على ادعاء دولة طرف بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالالتزامات التي يرتبها عليها هذا العهد، ولا يجوز استلام ودراسة البلاغات المقدمة بموجب هذه المادة إلا إذا صدرت عن دولة طرف أصدرت إعلانا تعترف فيه، في ما يخصها، باختصاص اللجنة. ولا يجوز أن تستلم اللجنة أي بلاغ يهم دولة طرفا لم تصدر الإعلان المذكور".

      وإذا تعذر على اللجنة حل مسألة أحيلت إليها وفقا للمادة 41 حلا مرضيا للدولتين الطرفين المعنيتين جاز لها، بعد الحصول مسبقا على موافقة الدولتين الطرفين المعنيتين، تعيين هيئة توفيق خاصة (يشار إليها في ما يلي باسم "الهيئة") تضع مساعيها الحميدة تحت تصرف الدولتين الطرفين المعنيتين بغية التوصل إلى حل ودي للمسألة على أساس احترام أحكام هذا العهد[10].

      3-   دراسة شكاوى الأفراد: منح البروتوكول الاختياري الأول للعهد اللجنة اختصاص بحث ما يُقدم من شكاوى فردية تتعلق بادعاءات بانتهاك الدول الأطراف في البروتوكول أحكام العهد[11].

      ويشترط لقبول الشكاوى المقدمة من الأفراد توافر الشروط التالية:

      -    استنفاذ كل طرق الطعن الداخلية[12].

      -    أن تتضمن الرسالة توقيع صاحبها[13].

      -    ألا تكون الرسالة محل دراسة أمام هيئة من الهيئات الأخرى لحقوق الإنسان[14].

       



      [1] - أنظر المادة 64 من ميثاق الأمم المتحدة.

      [2] - المادة 03 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

      [3] - المادة 04 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

      [4] - المادة 05 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

      [5] - المادة 06 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

      [6] - المادة 07 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

      [7] - البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن تقديم شكاوى من قبل الأفراد، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف(د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 ، تاريخ بدء النفاذ 23/03/1976 وفقا للمادة 9.

      [8] - أنظر ديباجة العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية

      [9] - أنظر المادة 40 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

      [10] - أنظر المادة 42 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

      [11] - تنص المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:" تعترف كل دولة طرف في العهد، تصبح طرفا في هذا البروتوكول، باختصاص اللجنة في استلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الداخلين في ولاية تلك الدولة الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في العهد. ولا يجوز للجنة استلام أية رسالة تتعلق بأية دولة طرف في العهد لا تكون طرفا في هذا البروتوكول

      [12] - أنظر المادة  02 من البروتوكول الإضافي الأول للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

      [13] - أنظر المادة  03 من البروتوكول الإضافي الأول للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

      [14] - أنظر المادة  05 من البروتوكول الإضافي الأول للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.


  • المحاضرة الرابعة

    • المحاضرة الرابعة

      الفرع الثاني

      العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

      يعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية معاهدة متعددة الأطراف اعتمادها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام في 16 ديسمبر 1966، وأصبحت سارية المفعول اعتباراً من 3 يناير 1976.

      أولا: الحقوق المحمية في العهد: يتكون العهد الدولي من ديباجة وخمسة أجزاء متنوعة:

      1-   ديباجة العهد: يقر العهد في ديباجته بأن" لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة أساس الحرية والعدل والسلام في العالم"[1]، وبالتالي فإن العهد يقر أن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، بحيث يكون جميع البشر أحرارا ومتحررين من الخوف والفاقة باعتبارها السبيل لتهيئة الظروف الضرورية نحو تمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك بحقوقه المدنية والسياسية.

      2-   مواد العهد: تم تقسيم مواد العهد إلى خمسة أجزاء متنوعة:

      الجزء الأول(المادة 01): يقر حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وأن تسعى وراء أهدافها الخاصة، وكذلك تتصرف بشكل حر بثرواتها ومواردها الطبيعية، ويحرم هذا الجزء كافة أشكال حرمان الشعوب من أسباب العيش الخاصة.

      الجزء الثاني(المواد 2-5): يتناول هذا الجزء، تعهد الدول الأطراف في العهد الدولي بأن تقوم بكافة الخطوات اللازمة لضمان التمتع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترف بها في هذا العهد عبر اتخاذ تدابير تشريعية، بحيث تكون ممارسة هذه الحقوق بعيدة عن كافة أشكال التمييز سواء تعلق بالعرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي وغير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.

      ومن الحقوق المكفولة في الجزء الثاني من العهد الدولي حق المساواة بين الذكور والإناث في التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد.

      الجزء الثالث(المواد 6-15): يقر هذا الجزء حق العمل، وهو حق الإنسان في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وبالمقابل على الدول اتخاذ التدابير المناسبة لصون هذا الحق، من خلال تأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق عبر توفير برامج التوجيه والتدريب المناسبة، وتنفيذ سياسات وتقنيات من شأنها تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المطردة في إطار الحريات السياسية المتاحة للأفراد.

      كما كفل هذا الجزء من العهد الدولي حقوق الأفراد في العمل، وتشمل مكافأة لجميع العمال كحد أدنى، بحيث يكون الأجر منصفا للعمل، والمكافأة متساوية لقيمة العمل المنجز، مع التأكيد على المساواة بين الرجل والمرأة في حقوق العمل، ومن حقوق الأفراد في العمل أيضا العيش الكريم للعاملين ولأسرهم، وتوفير ظروف عمل تكفل السلامة والصحة، ومساواة جميع العاملين في فرص الترقية دون إخضاع ذلك إلا لاعتباري الأقدمية والكفاءة، وأيضا الاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل، والإجازات الدورية مدفوعة الأجر، والمكافأة عن أيام العطل الرسمية.

      ونظم العهد الدولي في هذا الجزء كذلك حقوق تشكيل النقابات والإضراب حسبما يقرره القانون، وكذلك الحقوق الأسرية المختلفة، والضمان والتأمينات الاجتماعية، والحق في المعيشة والحق في الخدمات الصحية والطبية، بالإضافة إلى الحق في التربية والتعليم، والحقوق الثقافية ومنها المشاركة في الحياة الثقافية والتمتع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته.

      الجزء الرابع(المواد16-25): يحدد هذا الجزء كيفية مراقبة تنفيذ بنود العهد من خلال إرسال التقارير للأمين العام للأمم المتحدة، وطبيعة العلاقة مع هياكل ومؤسسات الأمم المتحدة الأخرى.

      الجزء الخامس(المواد 26-31):بين هذا الجزء كيفية تنظيم التوقيع والتصديق على العهد الدولي، وآليات المراقبة والانسحاب منه، وغيرها من الإجراءات القانونية والإدارية.

      ثانيا: آلية تنفيذ الأحكام الواردة في العهد(اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)

      1-   التعريف باللجنة: اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي هيئة الخبراء المستقلين، التي ترصد تنفيذ الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لالتزاماتها، وقد أنشئت اللجنة بموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 1985/17 المؤرخ 28 ماي 1985 للاضطلاع بوظائف الرصد المسندة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الجزء الرابع من العهد.

      تتكون اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من 18 خبيرا مستقلا، وهم أشخاص مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة المعترف بها في مجال حقوق الإنسان، والترشيحات لعضوية اللجنة يمكن أن تقدمها الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، طيقا لقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 17/1985 المؤرخ في 28 ماي 1985.

      وتنتخب الدول الأعضاء في المجلس الاقتصادي والاجتماعي أعضاء اللجنة لمدة أربع سنوات ويعمل أعضاء اللجنة بصفتهم الشخصية ويجوز أن يعاد انتخابهم إذا جرى ترشيحهم وطبقا لقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 1985/17 الفقرة (ب)، فيما يتعلق بتشكيل اللجنة،يتعين إيلاء الاعتبار الواجب للتوزيع الجغرافي العادل ولتمثيل الأشكال المختلفة من النظم الاجتماعية والقانونية.

      2-   مهام اللجنة:

      2- 1- تلقي ونظر التقارير: بينت المادتان 16 و17 من العهد على أن جميع الدول الأطراف ملزمة بتقديم تقارير منتظمة إلى اللجنة، عن كيفية إعمال الحقوق، ويجب على الدول الأطراف أن تقدم تقريرا أوليا في غضون سنتين من قبول العهد، وأن تقدم بعد ذلك تقريرا كل خمس سنوات وتفحص اللجنة كل تقرير، وتوافي الدولة الطرف ببواعث قلقها وتوصياتها في شكل "ملاحظات ختامية"

      2-2- النظر في الشكاوى المقدمة من الأفراد: إضافة إلى إجراء تلقي ونظر التقارير، منح البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المعتمد بقرار الجمعية العامة(د 63) في 10/12/2008، والذي دخل حيز النفاذ في 5 ماي 2013 اللجنة اختصاص تلقي وبحث البلاغات، المقدمة من أفراد يدعون أن حقوقهم بموجب العهد انتهكت، حيث يجب على كل دولة طرف في العهد وتصبح طرفا في البروتوكول، الاعتراف باختصاص اللجنة في تلقي البلاغات والنظر فيها، ولا يجوز للجنة تلقي أي بلاغ يتعلق بأية دولة في العهد لا تكون طرفا في البروتوكول[2].

      2-3- النظر في الشكاوى بين الدول: حيث يمكن للجنة النظر في المراسلات المقدمة من دولة ضد دولة أخرى، وهو ما تضمنه البروتوكول الاختياري بنصه:"متى رأت دولة طرف في هذا البرتوكول أن دولة طرفا أخرى لا تفي بالتزاماتها بموجب العهد ، جاز لها أن توجه نظر تلك الدولة الطرف إلى ذلك برسالة مكتوبة، وللدولة الطرف أيضا أن تعلم اللجنة بالموضوع، وتقدم الدولة التي تتلقى الرسالة إلى الدولة التي أرسلتها ، في غضون ثلاثة أشهر من تلقيها إيضاحا أو أى بيان آخر كتابة توضح فيه المسألة,على أن يتضمن,إلى الحد الممكن وبقدر ما يكون ذا صلة بالموضوع , إشارة إلى الإجراءات وسبل الإنصاف المحلية المتخذة أو المتوقع اتخاذها أو المتاحة بشأن المسألة"[3].

      2-4- إجراء التحقيقات: يمكن للجنة في ظروف معينة، إجراء تحقيقات بشأن الانتهاكات الجسيمة أو المنهجية لأي من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في العهد، وهو ما نصت عليه المادة 11/2 من البروتوكول الاختياري:" إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقة، تدل على وقوع انتهاكات جسيمة أو منتظمة من جانب دولة طرف لأي من الحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية المنصوص عليها في العهد , تدعو اللجنة تلك الدولة الطرف إلى التعاون في فحص المعلومات والى تقديم ملاحظاتها بشأن هذه المعلومات".

       

       

       

      المطلب الرابع

      الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان

      إذا كانت الحماية الدولية لحقوق الإنسان في ظل الأمم المتحدة قد شهدت تطورا ملحوظا على المستوى الدولي، سواء تعلق الأمر بنشاطات أجهزة المنظمة أو الاتفاقيات الدولية التي تعرضت لحقوق الإنسان بهدف حمايتها، فإنه لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته الأمم المتحدة في إبرام هذه الاتفاقيات التي أصبحت تشكل ما يعرف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتهدف هذه الاتفاقيات إلى حماية فئة معينة من الأشخاص(المرأة، الطفل، المعوقين،عديمي الجنسية...الخ) ونظرا لتعدد هذه الاتفاقيات الخاصة، سنقتصر على نموذج منها.

      الفرع الأول

      الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري

      الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف(د-20) المؤرخ في 21 ديسمبر 1965، ودخلت حيز النفاذ في 4 جانفي 1969، وتدعو هذه الاتفاقية إلى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دونما تمييز بسبب الجنس، وقد وصفت هذه الاتفاقية بأنها الأداة الدولية الوحيدة التي تناضل ضد التفرقة العنصرية والتي تتسم كذلك بالصبغة العالمية.

      أولا: محتوى الاتفاقية: تتألف الاتفاقية من ديباجة و25 مادة.

      1-   ديباجة الاتفاقية: تعيد ديباجة الاتفاقية إلى الأذهان الأسس التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة والمتمثلة في الكرامة وتساوي جميع البشر، وتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، وأن الناس يولدون جميعا أحرارا سواسية في الكرامة والحقوق وأن جميع الناس يتمتعون بكافة الحقوق والحريات التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما بسبب العرق أو الدين أو اللون أو الأصل القومي.

      2-   مواد الاتفاقية: تتكون الاتفاقية من ثلاثة أجزاء:

      الجزء الأول (المواد من 01-07): حيث بدأت المادة الأولى من الاتفاقية بتعريف التمييز العنصري على أنه:" في هذه الاتفاقية، يقصد بتعبير "التمييز العنصري" أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة". وقد جاء هذا التعريف مخالفا لما ذهب إليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي طالبت الدول الأطراف فيها باحترام وتأمين الحقوق الواردة فيها دونما تمييز مهما كان نوعه، بينما عالجت هذه الاتفاقية تحريم التمييز العنصري الذي يستهدف تعطيل أو عرقلة الاعتراف بكافة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية مهما كان مصدرها.

      كما ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف بشجب جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار والنظريات القائلة بتفوق عرق أو أية جماعة من أي لون أو أصل أجنبي واحد، واعتبار كل نشر لمثل هذه الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل عمل من أعمال العنف يرتكب ضد أي عرق أو جماعة من أي لون أو أصل جريمة يعاقب عليها القانون[4].

      ورتبت الاتفاقية التزاما على هذه الدول، وذلك بإعلان عدم شرعية المنظمات وسائر النشاطات الدعائية الأخرى التي تعزز التمييز العنصري أو تحرض عليه واعتبار الاشتراك في أيها جريمة يعاقب عليها القانون[5]. وتلزم الاتفاقية الدول أيضا بعدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بتعزيز التمييز العنصري أو التحريض عليه[6]. وعددت المادة 05 من الاتفاقية بعض الحقوق التي يحظر التمييز بشأنها، والملاحظ أن هذه الحقوق وردت على سبيل المثال فقط، إذ ربما يشمل حظر التمييز مجالات أخرى غير منصوص عليها في الاتفاقية، وعلى العموم فإن مجال التحريم يشمل كل فعل مهما كان نوعه مبني على التفرقة والتمييز العنصري. وألزمت الاتفاقية الدول الأطراف بضمان توفير حق اللجوء للمحاكم الوطنية للحماية من التمييز العنصري[7]، كما ألزمت الدول كذلك باتخاذ كافة التدابير لمنع التمييز لا سيما في ميادين التعليم والتربية والثقافة والإعلام[8].

      الجزء الثاني(المواد من 08-16): بين الجزء الثاني من الاتفاقية آلية الإشراف والرقابة على أحكام الاتفاقية، والمتمثلة في لجنة القضاء على التمييز العنصري.

      1-   مفهوم اللجنة: تتكون اللجنة من 18 خبيرا يتمتعون بأخلاق عالية ونزاهة معترف بها، ويجب أن يراعى في اختيارهم التوزيع الجغرافي العادل، وتمثيل الحضارات بمختلف أشكالها وكذلك النظم القانونية الرئيسية، وتنتخب الدول الأطراف الأعضاء لمدة 4 سنوات طبقا لنص المادة 8 من الاتفاقية، وتجرى انتخابات 9 أعضاء كل سنتين، مع ضمان وجود توازن بين الاستمرارية والتغيير في تشكيل اللجنة.

      2-   وظائف اللجنة: تتمثل وظائف اللجنة بموجب الاتفاقية في:

      -         تلقي ونظر التقارير: تقوم اللجنة بتلقي التقارير الأولية من  الدول الأطراف وذلك في غضون سنة من بعد بدء نفاذ الاتفاقية إزائها، وتقارير دورية وذلك مرة كل سنتين، وكذلك كلما طلبت إليها الجنة ذلك، وللجنة أن تطلب مزيدا من المعلومات من الدول الأطراف.

      -         النظر في المراسلات الدولية: حيث تضمنت الاتفاقية النص على ما يفيد جواز تقديم دولة طرف لرسالة لفت نظر ضد دولة أخرى تزعم أنها تنتهك أحكام الاتفاقية[9].

      -         النظر في الشكاوى الفردية: حيث نصت المادة 14 الاتفاقية على:"لأية دولة طرف أن تعلن في أي حين أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة الرسائل المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد الداخلين في ولاية هذه الدولة الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية، ولا يجوز للجنة قبول استلام أية رسالة تتعلق بأية دولة طرف لم تصدر مثل هذا الإعلان"

      الجزء الثالث(المواد من 17-25): تضمن هذا الجزء الإشارة إلى الانضمام والتصديق على الاتفاقية، وبدء سريانها.



      [1] - أنظر ديباجة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

      [2] - أنظر المادة الأولى من البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

      [3] - أنظر المادة 10/1 أ  من البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

      [4] - أنظر المادة 4/أ من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.

      [5] - أنظر المادة 4/ب من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.

      [6] - أنظر المادة 4/ج من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.

      [7] - أنظر المادة 6 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.

      [8] - أنظر المادة 7 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.

      [9] - تنص المادة 11 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري على:" إذا اعتبرت دولة طرف أن دولة طرفا أخري لا تضع أحكام هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، كان لها أن تلفت نظر اللجنة إلي ذلك. وتقوم اللجنة حينئذ بإحالة رسالة لفت النظر إلي الدولة الطرف المعنية. وتقوم الدولة المرسل إليها بموافاة اللجنة كتابيا، في غضون ثلاثة أشهر، بالإيضاحات أو البيانات اللازمة لجلاء المسألة مع الإشارة عند الاقتضاء إلي أية تدابير ربما تكون قد اتخذتها لتدارك الأمر"

       


  • المحاضرة الخامسة

    • المحاضرة الخامسة

      الفرع الثاني

      الاتفاقيات الأخرى ذات الصلة بحقوق الإنسان

      أبرمت العديد من الاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان منها:

      حقوق المرأة

      -    اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة اعتمدت في 18/12/1979 ودخلت حيز النفاذ في 3/9/1981.

      -     البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمد بتاريخ 9/10/1999 ودخل حيز النفاذ في 22/12/2000.

      -    إعلان القضاء على العنف ضد المرأة 20/12/1993.

      حقوق الطفل

      -    الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة في 20/11/1989 ودخلت حيز النفاذ في 02/09/1990.

      -    البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية المعتمد في 25/05/2000 ودخل حيز النفاذ 18/01/2002.

      -    البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن إشراك الأطفال في المنازعات المسلحة المعتمد في 25/05/2000 ودخل حيز النفاذ 23/02/2002.

      -    اتفاقية الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل رقم 138 المعتمدة في 26/06/1973 ودخلت حيز النفاذ في 19/06/1976.

      -    الاتفاقية المتعلقة بأسوأ أشكال عمل الأطفال رقم 182 المعتمدة في 17/06/1999 ودخلت حيز النفاذ في 19/11/2000.

      حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

      -    اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة اعتمدت في 13/12/2006 ودخلت حيز النفاذ في 13/05/2008.

      الحماية من التعذيب

      -         اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة المعتمدة في 10/12/1984 ودخلت حيز النفاذ في 26/06/1987.

      -         البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة المعتمد في 18/12/2002 ودخلت حيز النفاذ في 22/06/2006.

      حقوق المهاجرين

      -         الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم 18/12/1990

      -         بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 15/1/2000.

      المبحث الثاني

      الحماية الدولية الإقليمية

      إلى جانب الاهتمام الدولي العالمي بمسألة حقوق الإنسان، ظهر اهتمام مماثل على المستوى الدولي الإقليمي وذلك في إطار المنظمات الدولية الإقليمية، كمنظمة مجلس أوربا ومنظمة الدول الأمريكية، وكذا الاتحاد الإفريقي، فهذه المنظمات سعت في سبيل تكريس حقوق الإنسان على مستوى هذه القارات الثلاث، إلى إبرام العديد من الاتفاقيات والمواثيق ذات الصلة بحقوق الإنسان، كل ذلك من أجل خلق ضمانات جديدة وتكريس الحقوق والمبادئ المقررة في المواثيق والإعلانات الدولية العالمية، وقد بدأ هذا الاهتمام على المستوى الأوربي من خلال ابرام الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لعام 1950 وعديد البروتوكولات الملحقة بها، تلتها بعد ذلك الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969، وأخيرا الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981.

      وللتفصيل في الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان، سنتناولها من خلال الأنظمة الإقليمية الثلاثة الكبرى لحقوق الإنسان(النظام الأوربي والأمريكي والإفريقي)

      المطلب الأول

      النظام الأوربي لحقوق الإنسان

      يعد النظام الأوربي لحقوق الإنسان من أكثر الأنظمة الإقليمية تطورا على المستوى الإقليمي، ويظهر ذلك من خلال اهتمام الدول الأوربية بمسألة حقوق الإنسان، والسعي دائما تكريس الحماية الفعالة للحقوق المقررة في الاتفاقية الأوربية والبروتوكولات الملحقة بها، إضافة إلى الدور الفعال الذي تقوم به المحكمة الأوربية باعتبارها الجهاز القضائي الذي يسهر على تنفيذ الأحكام الواردة في الاتفاقية والبروتوكولات الملحق بها.

      الفرع الأول

      الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان

      جرى التوقيع على الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في روما في 04/11/1950، ودخلت حيز النفاذ في 03/09/1953، وذلك بعد تصديق 10 دول عليها، وقد استكملت أحكام الاتفاقية بـ 16 بروتوكولا إضافيا.

      أولا: الحقوق المعترف بها في الاتفاقية: من قراءة ديباجة الاتفاقية، يتضح أن الأساس الذي تقوم عليه الاتفاقية هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لذلك فإن الحقوق التي وردت في الاتفاقية هي في الأصل من طائفة الحقوق الكلاسيكية، أي من طائفة الحقوق الفردية المقررة للفرد بذاته وبصفته تلك، وقد وردت هذه الحقوق في الاتفاقية ذاتها وفي البروتوكولات(1، 4، 7، 12، 13) وتقتصر الاتفاقية على الحقوق المدنية والسياسية.

      وتشمل الاتفاقية على:

      1-   الحقوق الفردية: وتتمثل هذه الحقوق في : الحق في الحياة(المادة 02)، منع التعذيب والعقوبات أو المعاملات غير الإنسانية أو المهينة (المادة 03)، منع العبودية والعمل القسري (المادة 04) الحق في الحرية والأمن (المادة 05) ، حق الشخص المحروم من حريته بمعرفة أسباب هذا الحرمان (المادة 05/02)، حرية التنقل (المواد 2-4 من البروتوكول 4).

      2-    الحق في احترام الحياة الخاصة والعائلية

      2-1-  احترام الحياة الخاصة والعائلية وحرمة المسكن والمراسلات (المادة 08): ويشمل هذا الاحترام عدة جوانب: احترام الحياة الخاصة، احترام الحياة العائلية، حماية المراسلات، حرمة المسكن.

      2-2-  الحق في الزواج: (المادة 12)

      3-   الضمانات القضائية: وتتمثل هذه الضمانات في:

      3-1-  الحق في محاكمة عادلة: الحق في محكمة مستقلة ونزيهة، المدة المعقولة للإجراءات القضائية، علنية المحاكمة وصدور الحكم (المادة 06).

      3-2-  حقوق المتهم (المادة 06/3) ومن ذلك مبدأ افتراض براءة المتهم، حقوق الدفاع.

      3-3-  لا عقوبة من دون قانون(المادة 07) ويشمل هذا الحق شرعية الجرائم والعقوبات، مبدأ عدم رجعية القوانين الجزائية.

      3-4-  حق الانتصاف الفعال (المادة 13)

      4-    الحريات الفكرية: وتشمل حرية التفكير والضمير والدين(المادة 09)، حرية التعبير(المادة 10)، الحق في التعليم (المادة 2 من البروتوكول 1).

      5-   الحريات السياسية: وتتمثل هذه الحريات في: حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات(المادة 11) الحق في الانتخاب (المادة 3 من البروتوكول 1).

      6-   الحق في الملكية: تضمن هذا الحق المادة 1 من البروتوكول 1، ويقصد ؤبهذا الحق احترام الملكية ووضع شروط محدد للحرمان منها.

      7-   مبدأ منع التمييز(المادة 14.)

      8-   ثانيا: الحقوق المسكوت عنها: لم تتضمن الاتفاقية مجموعة من الحقوق الهامة، كالحق في اللجوء، كما لم تتضمن الاتفاقية أية إشارة إلى حقوق الأقليات، كما لم تتضمن الاتفاقية النص على حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية، كما لم تتضمن النص على حق كل إنسان في الاعتراف له بالشخصية القانونية.

      الفرع الثاني

      آلية الإشراف على تنفيذ الاتفاقية الأوربية(المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان)

      يعد النظام الأوربي لحماية حقوق الإنسان من أكثر الأنظمة الإقليمية تطورا في ميدان حماية حقوق الإنسان، وأهمية هذا النظام لا تكمن فقط في تأكيده على احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وإنما يتجاوز ذلك إلى التوصل إلى رقابة فعلية لاحترام تلك الحقوق، وتعد المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، الجهاز الوحيد الذي يشرف على الرقابة على أحكام الاتفاقية.

      أولا: تنظيم المحكمة: تتكون المحكمة من:

      1-  القضاة: تتألف المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، من عدد من القضاة مساو لعدد الدول الأطراف في الإتفاقية، أي الدول التي صادقت على الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، وهذا على خلاف النظام القديم للمحكمة التي كانت تضم قضاة يمثلون جميع الدول الأعضاء في مجلس أوربا سواء منهم التي صادقت أو لم تصادق على الإتفاقية الأوربية ، ويجب أن يتمتع قضاة المحكمة، بصفات ومؤهلات رفيعة تماثل تلك المطلوبة لممارسة أعلى وظيفة قضائية في النظم القانونية الوطنية، كما يجب عليهم التحلي بالأخلاق الرفيعة، وأن يكونوا حقوقيين مشهود لهم بالكفاءة في ميدان القانون وحقوق الإنسان، ويتم انتخاب القضاة لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد [1].

      2-  رئاسة المحكمة: تنتخب المحكمة بكامل هيئتها رئيسا لها، ونائب أو نائبين للرئيس، وذلك لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد[2].

      3-  قلم كتاب المحكمة: للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان قلم كتاب، يتولى العديد من المهام والوظائف، والمحددة في النظام الأساسي للمحكمة[3].

      4-  المحكمة بكامل هيئتها:  بالرجوع إلى نص المادة 26/01 من الإتفاقية المعدلة بالبروتوكول 14 ، يتبين أن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان تجتمع – للنظر في القضايا المرفوعة أمامها- بهيئات القاضي المنفرد ، وفي لجان بثلاثة قضاة، والدوائر ( غرف) بسبعة قضاة، وبغرفة المداولة الكبرى بسبعة عشر قاضيا، وتشكل غرف المداولة بالمحكمة لجانا لفترة محددة من الوقت.

      ثانيا: اختصاصات المحكمة:للمحكمة الأوربية اختصاص قضائي واختصاص استشاري

      1-    الاختصاص القضائي للمحكمة: يشمل الإختصاص القضائي للمحكمة الأوربية بموجب المادة 32 من الإتفاقية المعدلة بالبروتوكول 11، كافة المسائل المتعلقة بتفسير وتطبيق الإتفاقية وبروتوكولاتها الخاصة بها والتي تعرض عليها حسب الشروط المبينة في المواد 33 و34.

      وبالتالي فإن إختصاص المحكمة يشمل القضايا بين الدول بموجب المادة 33 من الإتفاقية وكذا الإلتماسات الفردية بموجب المادة 34 من نفس الإتفاقية،فمن خلال نص المادة 32 من الإتفاقية يتبين أن البروتوكول الحادي عشر أضاف جديدا فيما يتعلق باختصاص المحكمة، فعند مصادقة الدول على الإتفاقية فهذا لا يعني قبولها فقط بالشكاوى الدولية المقدمة ضدها، وإنما يشمل هذا التصديق قبولها بالشكاوى الفردية ضدها والتي أضافها البروتوكول بموجب المادة 34 مما يعني أن إختصاص المحكمة أصبح إلزاميا.

      2-  الاختصاص الاستشاري للمحكمة: بالرجوع إلى نص المادة 47 نجد أن من يحق له طلب الرأي الاستشاري هو لجنة الوزراء وحدها من يحق لها طلب الآراء الاستشارية، وبالتالي لا يحق للدول الأطراف في الإتفاقية ولا للأفراد أو المنظمات غير الحكومية طلب آراء استشارية من المحكمة.

      ويتعلق طلب الرأي الاستشاري بتفسير الإتفاقية وبروتوكولاتها، أما المجالات التي لا يجوز فيها للجنة الوزراء طلب الرأي الاستشاري بشأنها من المحكمة فقد حددتها الفقرة الثانية من المادة 47 وتتمثل حسب نص المادة في " المسائل ذات العلاقة بمضمون وتطبيق الحقوق والحريات المحددة في الجزء الأول من الإتفاقية وفي بروتوكولاتها ولا بالمسائل الأخرى الناجمة عن تقديم شكوى نصت عليها الإتفاقية والتي يمكن أن تعرض على المحكمة أو لجنة الوزراء.

      أما عن مدى إلزامية الآراء الاستشارية، فبالرجوع إلى نصوص الإتفاقية والبروتوكولات الملحقة بها فإنه لا يوجد ما يبين أن الآراء الاستشارية لها قوة الإلزام اتجاه من طلبها،فهدف الرأي الاستشاري هو خلق فرصة حوار قانوني قضائي بين هذه المحاكم والهيئات التي تطلب الرأي الاستشاري ويمكن لهذه الهيئات أن تطبق هذا الرأي في أحكامها القضائية حتى ولو لم يكن ملزما لها.

      المطلب الثاني

      النظام الأمريكي لحقوق الإنسان

      يرتبط النظام الأمريكي لحقوق الإنسان بمنظمة الدول الأمريكية التي أنشئت عام 1948 ويعد هذا النظام أحد الأنظمة الإقليمية الرئيسية لحماية حقوق الإنسان إلى جانب النظام الأوربي والإفريقي، ويستند هذا النظام إلى دعامتين أساسيتين هما الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، وتسهر على الرقابة على الأحكام الواردة في هذه الصكوك كل من اللجنة والمحكمة الأمريكيتين.

      الفرع الأول

      الإطار القانوني لحقوق الإنسان

      سنبحث في الحقوق المقررة في كل من الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.

      أولا: الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته

      أقر هذا الإعلان في المؤتمر الدولي التاسع للدول الأمريكية المنعقد في بوغوتا عام 1948، وذلك قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ببضعة أشهر، ويتضمن الإعلان حقوقا مدنية وسياسية وأخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية(المواد 1-28).

      فهو يحمي من جهة الحق في المساواة أمام القانون والحق في الحرية الدينية والعبادة، إضافة على حرصه على الحق في الحياة وفي الحرية والأمن، وكذا الحق في حرية البحث والرأي والتعبير والنشر، الحق في حرمة الحياة الخاصة والعائلية، الحق في تكوين أسرة، الحق في حماية الأمهات والأطفال، الحق في التنقل والحق في حرمة المسكن وسرية المراسلات، الحق في الجنسية وفي اللجوء، إضافة إلى النص على مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كالحق في الرفاهية والحق في الحفاظ على الصحة، الحق في التعليم وفي الانتفاع بالثقافة والحق في العمل.

      وخلافا للإعلان العالمي، عالج الإعلان الأمريكي واجبات المواطنة التي تصل إلى 10 واجبات(المواد 29-38).

      ثانيا: الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان

      جرى التوقيع على الاتفاقية في 22/11/1969 ودخلت حيز التنفيذ في 18/7/1978 وتستمد العديد من أحكامها من الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته، فضلا عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين لعام 1966.

      وتتضمن الاتفاقية ديباجة توضح بأن الحقوق الأساسية للإنسان مردها إلى الصفات المميزة للشخصية الإنسانية، فهي لا تستمد من كون الشخص مواطنا في دولة ما، ولا تستند إلى الجنسية وقد أكدت الديباجة كذلك على الطابع الاحتياطي أو الفرعي للحماية المقررة بمقتضاها فالاتفاقية تدعم أو تكمل الحماية التي توفرها القوانين الداخلية للدول الأمريكية.

      ويعالج الباب الأول من الاتفاقية، واجبات الدول الأطراف والحقوق المحمية، ومن هذه الواجبات احترام الحقوق والحريات المعترف بها في الاتفاقية، وبضمان إعمالها بحرية وبشكل تام لكل الأشخاص الخاضعين لولايتها القانوني، وبلا تمييز لأس سبب كان[4]، كما يتعين على الدول الأطراف اتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية التي قد تكون ضرورية لإنفاذ تلك الحقوق والحريات(المادة 2 من الاتفاقية).

      وفيما يخص الحقوق المعترف بها في الاتفاقية، فهي تشبه تلك المعترف بها في الاتفاقية الأوربية، أي أنها تتضمن حقوقا مدنية وسياسية، وحقوقا اقتصادية واجتماعية وثقافية في مادة واحدة.

      بالنسبة للحقوق المدنية والسياسية تتمثل في: الحق في الشخصية القانونية(المادة 3) الحق في الحياة(المادة 4)، الحق في السلامة الجسدية والعقلية والمعنوية(المادة 5)، منع التعذيب والعقوبة أو المعاملة غير الإنسانية أو المهينة(المادة 5)، تحريم الرق والعبودية(المادة 6)، الحق في الحرية الشخصية(المادة 7)، الحق في محاكمة عادلة(المادة 8)، عدم رجعية القوانين(المادة 9) الحق في التعويض(المادة 10)، الحق في احترام الحياة الخاصة والأسرة والمسكن والمراسلات(المادة 11)، الحق في حرية الضمير والدين(المادة 12)، الحق في حرية الفكر والتعبير(المادة 13)، حق الرد(المادة 14)، حق الاجتماع(المادة 15)، حق التجمع وتكوين الجمعيات مع الآخرين(المادة 16)، حقوق الأسرة(المادة 17)، الحق في اسم(المادة 18)، حقوق الطفل(المادة 19)، حق الجنسية(المادة 20)، حق الملكية(المادة 21)، حق التنقل والإقامة وحق مغادرة البلد المتواجد فيه بحرية بما في ذلك أمام القانون(المادة 24)، حق الحماية القضائية(المادة 25).

      أما فيما يخص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد أجملت تلك الحقوق المادة 26 تحت عنوان التنمية التدريجية، وهي لا تعطيها تفصيلا، ولكن تحيل بشأنها إلى المواد من 29-48 من التعديل الذي طرأ على ميثاق منظمة الدول الأمريكية لعام 1967، وهذه المواد تشمل توضيحا لماهية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والثقافية.

      الفرع الثاني

      آليات الإشراف على تنفيذ أحكام الاتفاقية الأمريكية

      استحدثت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 [5]، جهازين لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ويعملان على ضمان احترام تعهدات الدول الأطراف فيما يتعلق بمحتوى الاتفاقية وهذين الجهازين هما : اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان.

      أولا: اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان

      1-       تنظيم اللجنة : تتكون اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان من 07 أعضاء، يتمتعون بصفات خلقية عالية ومشهود لهم بالكفاءة في ميدان حقوق الإنسان[6]، ويتم انتخاب أعضاء اللجنة من طرف الجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية على أساس صفاتهم الشخصية، وذلك من بين قائمة بأسماء المرشحين تقترحها حكومات الدول الأعضاء[7].

      2-       وظائف واختصاصات اللجنة: كلفت الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، اللجنة الأمريكية بمهمتين أساسيتين، تتمثل المهمة الأولى، في تشجيع حقوق الإنسان بموجب 41 من الإتفاقية الأمريكية، أما المهمة الثانية فتتمثل في حماية حقوق الإنسان بموجب المواد 44 و45 من الإتفاقية.

      2-1- مهمة تشجيع حقوق الإنسان: في سبيل تشجيع حقوق الإنسان تقوم اللجنة بـ 3 مهام:

      -       نشر حقوق الإنسان: تضمنت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في المادة 41.أ النص على دور اللجنة في هذا الشأن، حيث نصت على أن :" إن الوظيفة الأساسية للجنة هي تعزيز احترام حقوق الإنسان والدفاع عنها، ولممارسة هذه الوظيفة، تقوم بالتوعية بحقوق الإنسان لدى شعوب القارة الأمريكية...".

      -       النظر في التقارير: يوجد في إطار الإتفاقية الأمريكية نوعين من التقارير، التقارير السنوية(المادة 42 من الاتفاقية) التي تقدمها الدول الأطراف، والتي ترفع سنويا إلى اللجان التنفيذية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الأمريكي للتربية والعلوم والثقافة، والتقارير التي تطلبها اللجنة من الدول عن كيفية ضمان قوانينها المحلية التطبيق الفعال لأي من نصوص الإتفاقية(المادة 41. د).

       القيام بالدراسات: حيث نصت المادة 41.ج من الإتفاقية على:" تعد اللجنة الدراسات والتقارير التي تراها مناسبة لأداء مهمتها". وتقوم اللجنة في أداء مهمتها هذه بدراسات ذات طابع تشريعي، إضافة على الدراسات الميدانية.

      2-2- مهمة حماية حقوق الإنسان: للجنة الأمريكية لحقوق الإنسان دور هام في حماية حقوق الإنسان، ويظهر ذلك من خلال الاختصاصات التي تملكها.

      - الإختصاص الموضوعي للجنة: كان النظام الداخلي القديم للجنة، ينص في المادة 26/01 منه على أن اللجنة تختص بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان الواردة في الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، وكذا الإنتهاكات المتعلقة بالحقوق المعترف بها في الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان واجباته.

      أما بعد دخول النظام الداخلي الجديد للجنة اتسع إختصاص اللجنة، فإضافة إلى نظرها في الإنتهاكات المتعلقة بالإتفاقية الأمريكية والإعلان الأمريكي، أصبحت اللجنة بموجب المادة 23 من نظامها الداخلي الجديد، تنظر في الإنتهاكات المتعلقة بالمواثيق التالية:

      -    البروتوكول الإضافي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية(بروتوكول سلفادور) لعام 1988 والذي دخل حيز النفاذ في 16/11/1999.

      -    البروتوكول الخاص بالإتفاقية الأمريكية بإلغاء عقوبة الإعدام المعتمد في 08/07/1990 والذي دخل حيز النفاذ في 28/08/1991.

      -    إتفاقية الدول الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه لعام 1985 والتي دخلت حيز النفاذ في 28/02/1987.

      -    إتفاقية الدول الأمريكية بشأن الاختفاء القسري للأشخاص لعام 1994 والتي دخلت حيز النفاذ في 28/03/1996.

      -    الإتفاقية الأمريكية بشأن الوقاية من العنف ضد النساء واستئصاله والمعاقبة عليه والتي دخلت حيز النفاذ عام 1995.

      -       الإختصاص الشخصي للجنة: تنظر اللجنة الأمريكية في الشكاوى والمراسلات الواردة إليها من الدول والأفراد والمنظمات غير الحكومية.

      أ‌-          مرسلات الدول: تختص اللجنة الأمريكية بالنظر في المراسلات الواردة إليها من الدول الأطراف في الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، وذلك بناء على نص المادة 45 من الإتفاقية حيث تنظر اللجنة في هذه المراسلات بناء على شروط حددتها نفس المادة.

      ب‌-     الأفراد والمنظمات غير الحكومية: يمكن للأفراد والمنظمات غير الحكومية، تقديم شكاوى ضد الدول الأطراف، حيث تضمنت المادة 44 من الإتفاقية أنه يجوز لأي شخص أو منظمة غير حكومية التقدم إلى اللجنة بشكاوى ضد الدول الأطراف.

      ثانيا: المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان: تعد المحكمة الأمريكية الجهاز القضائي لحماية حقوق الإنسان في أمريكا، والتي كرستها الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 والصكوك الأمريكية الأخرى ذات الصلة بحقوق الإنسان، ويعتبر عمل المحكمة الأمريكية مكملا لعمل اللجنة الأمريكية، ويظهر ذلك في أن المحكمة الأمريكية لا تنظر في الشكاوى والمراسلات المقدمة إليها من الدول واللجنة الأمريكية، إلا بعد استنفاذ الإجراءات الواجب اتخاذها أمام اللجنة، والمحددة بموجب نصوص الإتفاقية.

      1-   تنظيم المحكمة: تتكون المحكمة الأمريكية من 07 قضاة من مواطني الدول الأعضاء في المنظمة ويجب أن يكون القضاة من بين الفقهاء، ويتمتعون بصفات خلقية عالية ومشهود لهم بالكفاءة في ميدان حقوق الإنسان، ويملكون المواصفات المطلوبة لممارسة أعلى الوظائف القضائية بحسب قانون دولة جنسيتهم أو الدولة التي ترشحهم، وتنتخب الجمعية العامة قضاة المحكمة بالاقتراع السري، وذلك بالأغلبية المطلقة لأصوات الدول الأطراف في الإتفاقية وذلك لمدة ستة سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، على أن تنتهي مدة 03 قضاة من المنتخبين في الإنتخاب الأول بعد 03 سنوات.

      2- اختصاصات المحكمة:للمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، نوعين من الإختصاص إختصاص قضائي بموجب المادة 61 من الإتفاقية، واختصاص استشاري بموجب المادة 64 من الإتفاقية.

      2-1-   الاختصاص القضائي: تنص المادة 62/03 من الإتفاقية، على أن:" المحكمة تختص بالنظر في كل القضايا المتعلقة بتطبيق وتفسير الإتفاقية المرفوعة إليها، بشرط أن تعترف الدول الفرقاء في القضية- أو تكون قد سبق لها أن اعترفت- بهذا الإختصاص، سواء بواسطة إعلان خاص أو عن طريق اتفاق خاص"، أما عن الأطراف الذين يجوز لهم اللجوء إلى المحكمة، نصت المادة 61/01 من الإتفاقية الأمريكية على أنه:" للدول الأطراف واللجنة فقط الحق في رفع قضية أمام المحكمة".

      من خلال نص المادة يتبين أن الأطراف الذين يحق لهم التقدم بشكاوى أمام المحكمة تتضمن تفسير أو تطبيق الإتفاقية الأمريكية، هم الدول الأطراف في الإتفاقية واللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان، بشرط أن يجري الاعتراف بهذا الإختصاص من جانب الدول، ولا ينصرف هذا الشرط إلا للقضايا التي ترفعها الدول ضد بعضها البعض، وبالتالي فإن آثاره لا تمتد إلى القضايا المحالة إلى المحكمة من جانب اللجنة، أما الأفراد والمنظمات غير الحكومية فلم يعترف لهم بالحق في التقدم أمام المحكمة بشكاوى ضد الدول الأطراف التي تنتهك حقوقهم المقررة في الإتفاقية، أما بعد دخول النظام الداخلي الجديد للمحكمة حيز النفاذ سنة 2001 والمعدل سنتي 2003 و 2009، فقد أجاز بموجب المادة 24 منه للأفراد أو ممثليهم بالمشاركة في الإجراءات أمام المحكمة.

      2-2- الاختصاص الاستشاري: نصت المادة 64/01 من الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان على انه :" يمكن للدول الأعضاء في المنظمة استشارة المحكمة بشأن تفسير الإتفاقية أو أية معاهدات أخرى تتعلق بحماية حقوق الإنسان في الدول الأمريكية، ويمكن أيضا للهيئات المنصوص عليها في الفصل العاشر من ميثاق منظمة الدول الأمريكية المعدل ببروتوكول بيونس أيرس، ضمن نطاق إختصاصها، أن تطلب استشارة المحكمة".

      وبالرجوع إلى نص المادة 64 من الإتفاقية، والمواد 59 و 60 من النظام الداخلي للمحكمة الأمريكية، نجد أن المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، تبدي آراء استشارية بشأن تفسير الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان في الدول الأمريكية، كما يمكن للمحكمة بموجب المادة 64/02 والمادة 61 من النظام الداخلي، إبداء آراء استشارية للدول بشأن تفسير مدى تطابق قوانينها الداخلية مع الإتفاقية الأمريكية والوثائق الدولية السالفة الذكر.

       



      [1]- أنظر المادة 23/01 من الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان المعدلة بالبروتوكول 14.

      [2]-  المادة 25 من الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.

      [3]- المادة 24/01 من الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.

      [4] - المادة 1 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969.

      [5] - تمت الموافقة على الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مؤتمر انعقد في مدينة سان خوسيه ( كوستاريكا – أمريكا الوسطى ) بدعوة من منظمة الدول الأمريكية ، وكان ذلك بتاريخ 22/11/1969 ، ودخلت حيز النفاذ في 18/07/1978 بتمام إيداع 11 دولة لوثائق التصديق أو الانضمام.

      [6]- أنظر المادة 34 من الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.

      [7]- أنظر المادة 36 من الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.


  • المحاضرة السادسة

    • المحاضرة السادسة

      المطلب الثالث

      النظام الإفريقي لحقوق الإنسان

      يعتمد النظام الإفريقي لحقوق الإنسان أساسا على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981، الذي يعد المصدر الأساسي للقانون الدولي الإفريقي الوضعي لحقوق الإنسان في القارة الإفريقية، وذلك منذ دخوله حيز التنفيذ في 21/10/1986، وقد تضمن الميثاق النص على آلية للإشراف والرقابة على الأحكام الواردة فيه، وفي عام 1998، تم تعزيز هذه الآلية بآلية أخرى مكملة لها وهي المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

      الفرع الأول

      الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب

      يتألف الميثاق من ديباجة و68 مادة، ويختلف عن الاتفاقية الأوربية والأمريكية، في أكثر من مسألة: فهو يولي عناية خاصة بحقوق الشعوب، كما أنه يهتم بالواجبات، وهو لا يكرس حقوق الأفراد فقط وإنما حقوق الشعوب أيضا، إضافة إلى اهتمامه بالحقوق المدنية والسياسية، وكذا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويمكن التفصيل في الميثاق من خلال:

      أولا: ديباجة الميثاق: تشير الديباجة إلى فضل التقاليد التاريخية الإفريقية وقيم الحضارة الإفريقية التي ينبغي أن تنبع منها، وتتسم بها أفكار الدول الإفريقية حول مفهوم حقوق الإنسان.

      كما أولت الديباجة أهمية للحق في التنمية، كما بينت الديباجة حرص الدول الإفريقية على التحرير الكامل لإفريقيا التي لا تزال شعوبها تناضل من أجل استقلالها الحقيقي وكرامتها، وتلتزم بالقضاء على الاستعمار الجديد والفصل العنصري والصهيونية، وإزالة كافة أشكال التفرقة ولا سيما تلك القائمة على أساس العنصر أو العرق أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي.

      ثانيا: الحقوق المقررة في الميثاق: يمكن تقسيم هذه الحقوق إلى حقوق الأفراد وحقوق الشعوب وأخيرا الواجبات.

      1-    حقوق الأفراد: تتمثل هذه الحقوق في: الحق في المساواة وعدم التمييز، الحق في الحياة والسلامة البدنية، الحق في الشخصية القانونية، الحق في الحرية والأمن الشخصي، الحق في التقاضي، حرية العقيدة، الحق في حرية التعبير والرأي، الحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليها والحق في الاجتماع، حرية التنقل، الحق في اللجوء، الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة والحق في الملكية[1].

      كما يعترف الميثاق بعدد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية(المواد 15-18) وهي الحق في العمل، الحق في التمتع بأفضل صحة بدنية وعقلية، الحق في التعليم، حق الأسرة في الحماية، عدم التمييز ضد المرأة، حقوق الأطفال والمسنين والمعوقين.

      2-    حقوق الشعوب: خصص الميثاق المواد 19-24 لحقوق لا يمكن تحقيقها إلا بصورة جماعية، وتتضمن هذه الحقوق: الحق في المساواة بين الشعوب، حق الشعوب في الوجود وفي تقرير المصير السياسي والاقتصادي، حق الشعوب المستعمرة في اللجوء إلى الوسائل جميعها من أجل تحرير نفسها، حق الشعوب المستعمرة في الحصول على المساعدات من الدول الأطراف في نضالها التحرري ضد السيطرة الأجنبية، حق الشعوب في السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية والتصرف بهذا الحق لمصلحة السكان فقط، الحق في التنمية بكافة أشكالها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

      3-    الواجبات: تضمن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في المواد 27-29 ما اصطلح عليه بالواجبات، وهذه الأخيرة محددة على الأفراد نحو أسرهم ومجتمعاتهم ودولهم ونحو المجتمع الدولي وهي تتلخص في : ممارسة الحقوق والحريات المقررة في الميثاق بصورة لا تضر بحقوق الآخرين وبالأمن الجماعي وبالأخلاق وبالمصلحة العامة، واجب المحافظة على انسجام وتطور الأسرة والعمل من أجل تماسكها واحترامها، واجب احترام الوالدين في كل وقت وإطعامهما ومساعدتهما عند الحاجة، خدمة المجتمع الوطني، واجب عدم تعريض أمن الدولة التي هو من رعاياها أو من المقيمين فيها للخطر، المحافظة على التضامن الوطني والاجتماعي.

       

       

       

      الفرع الثاني

      آليات الإشراف على أحكام الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب

      تتمثل آلية الإشراف على أحكام الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، المنشأة بموجب الميثاق، وفي المحكمة الإفريقية المنشأة بموجب بروتوكول واغادوغو عام 1998.

      أولا: اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب:

      تعتبر اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الآلية الجهوية لتفعيل حقوق الإنسان بالنسبة للقارة الإفريقية، وتتمثل مهمتها في ضمان الحقوق المبينة في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

      1-  تنظيم اللجنة: تتكون اللجنة من 11 عضوا  يتم اختيارهم من بين الشخصيات الإفريقية التي تتحلى بأعلى قدر من الاحترام، والمشهود لهم بسمو الأخلاق والنزاهة والحياد، كما ينبغي أن تتمتع هذه الشخصيات باختصاص معترف به في مجال حقوق الإنسان والشعوب مع ضرورة الاهتمام خاصة بإشراك الأشخاص ذوي الخبرة القانونية ويمارس أعضاء اللجنة وظائفهم بصفتهم الشخصية[2].

      2-  اختصاصات اللجنة: تنص المادة 45 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب على أن اللجنة تلعب دورين في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، الأول يتعلق بالتشجيع والتعزيز والثاني يتعلق بالحماية، وأضافت المادة 62 اختصاصا لآخر يتمثل في النظر في التقارير.

      2-1- مهمة التشجيع والتعزيز: طبقا لنص المادة 45/01 من الميثاق فإن اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان تقوم بـ:"

      أ‌-       تجميع الوثائق وإجراء الدراسات والبحوث حول المشاكل الإفريقية وتنظيم الندوات والحلقات الدراسية والمؤتمرات، ونشر المعلومات وتشجيع المؤسسات الوطنية والشعوب وتقديم المشورة ورفع التوصيات إلى الحكومات عند الضرورة.

      ب‌-  صياغة ووضع المبادئ والقواعد التي تهدف إلى حل المشكلات القانونية المتعلقة بالتمتع بحقوق الإنسان والشعوب والحريات الأساسية، لكي تكون أساسا لإصدار النصوص التشريعية من قبل الحكومات الإفريقية.

      ت‌-  التعاون مع سائر المؤسسات الإفريقية أو الدولية المعنية بحقوق الإنسان والشعوب."

      من خلال نص المادة 45/01 من الميثاق يتبين أن مهمة التشجيع التي تقوم بها اللجنة تتمثل في ثلاث وظائف أساسية : وظيفة أكاديمية(م 45/01.أ)، مهمة توجيهية(م 45/01.ب)، مهمة تعاونية(م 45/01.ج)

      2-2- مهمة حماية حقوق الإنسان: تقوم اللجنة الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بتلقي المراسلات الدولية بنوعيها، سواء المراسلات الدولية بموجب المادة 47 من الميثاق أو المراسلات المنصوص عليها بموجب المواد 48، 49 من نفس الميثاق، إضافة إلى تلقي الشكاوى من غير الدول الأطراف وهي حسب نص المادة 55 من الميثاق الشكاوى الفردية وشكاوى المنظمات غير الحكومية.

      أ‌-     النظر في المراسلات الدولية: أتاح الميثاق الإفريقي بموجب المواد 47،48،49 للدول الأطراف، الاختيار بين إجراءين اثنين في حالة زعمهم أن إحدى الدول الأطراف في الميثاق، قد انتهكت الحقوق المقررة فيه ،كما تناول النظام الداخلي للجنة الإفريقية هذين الإجراءين، في نصوص المواد من 86 إلى 92 حيث وضح النظام الداخلي أن المراسلات الواردة من الدول بموجب المادة 47 من الميثاق بأنها مراسلات مفاوضات الدول الأطرافcommunications négociations des Etats parties،أما الإجراء الثاني الممنوح للدول الأطراف بموجب المادة 49 من الميثاق فسماه النظام الداخلي بالمراسلات المتضمنة شكاوى communications- plaintes des Etats parties.

      ب‌-     النظر في المراسلات الواردة من الأفراد والمنظمات غير الحكومية: حيث سمح الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب للأفراد والمنظمات غير الحكومية، بإمكانية تقديم شكاوى أمام اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان، وذلك وفق مجموعة من الشروط حددتها المادة 56 من الميثاق.

      2-3-   مهمة النظر في التقارير: تقوم اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بتلقي التقارير المقدمة إليها من الدول الأطراف في الميثاق، وذلك بموجب المادة 62 من الميثاق، التي ألزمت الدول بتقديم تقارير سنوية وأخرى دورية عن التدابير المتخذة في سبيل إعمال الأحكام الواردة في الميثاق.

      ثانيا: المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب

      تعد المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان الجهاز القضائي لحماية حقوق الإنسان في القارة الإفريقية، وقد أنشأت المحكمة بموجب بروتوكول واغادوغو عام 1998، وذلك بهدف تكملة عمل اللجنة الإفريقية التي أنشأها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب عام 1981.

      1-  تنظيم المحكمة: تتكون المحكمة الإفريقية من 11 قاضيا من مواطني الدول الأعضاء في الإتحاد الإفريقي[3]، ويجب أن يكونوا من جنسيات الدول الأطراف في الإتحاد الإفريقي ولم يشترط البروتوكول أن يكونوا من جنسيات الدول الأطراف التي صادقت على البروتوكول[4]، ويتم انتخاب هؤلاء القضاة بصفتهم الشخصية من بين القانونيين ذوي الصفات الخلقية المشهود لهم بالخبرة العلمية والقضائية في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، ووفقا لنص المادة 15/01 من البروتوكول فإن مدة إنتخاب القضاة حددت بستة سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، على أن تنتهي مدة أربعة قضاة من المنتخبين في الإنتخاب الأول بعد سنتين وتنتهي مدة أربعة قضاة آخرين بنهاية أربع سنوات.

      2-  اختصاصات المحكمة: للمحكمة الإفريقية اختصاص قضائي وآخر استشاري

      2-1- الاختصاص القضائي: وينقسم بدوره إلى اختصاص موضوعي واختصاص شخصي:

      أ‌-     الاختصاص الموضوعي للمحكمة:نصت المادة 03 من البروتوكول على إختصاص موضوعي واسع للمحكمة" تختص المحكمة بالنظر في كل القضايا والنزاعات التي تخطر بها والتي تتعلق بتفسير وتطبيق الميثاق وهذا البروتوكول وكل الوثائق ذات العلاقة بحقوق الإنسان والتي صادقت عليها الدول المعنية"[5].

      ب‌-     الاختصاص الشخصي للمحكمة: يتمثل الإختصاص الشخصي للمحكمة طبقا لنص المادة 05 من البروتوكول في إختصاص إجباري واختصاص اختياري.

      -       الإختصاص الإجباري : يقصد بالاختصاص الإجباري للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان أن ولاية المحكمة للنظر في القضايا المرفوعة أمامها من طرف الجهات التي نصت عليها المادة 05/01 من البروتوكول، تصبح إجبارية بمجرد مصادقة الدول الإفريقية على البروتوكول المنشأ للمحكمة ، وتطبيقا لنص المادة 05/01 من البروتوكول، فإن من يحق لهم اللجوء إلى المحكمة هم: اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان، الدول الأطراف(الدولة الطرف التي رفعت شكوى إلى اللجنة، الدولة الطرف التي رفعت ضدها شكوى إلى اللجنة، الدولة الطرف التي يكون أحد مواطنيها ضحية انتهاك حقوق الإنسان، الدولة الطرف التي لها مصلحة في قضية ما ) المنظمات الإفريقية الحكومية.

      -       الإختصاص الاختياري : نصت على هذا الإختصاص المادة 05/03 من البروتوكول ويتعلق هذا الإختصاص بالقضايا التي ترفع مباشرة إلى المحكمة من طرف الأفراد والمنظمات غير الحكومية التي تتمتع بمركز المراقب لدى اللجنة الإفريقية.

      والملاحظ على هذا الإختصاص الاختياري للمحكمة، أنه قيد حق الأفراد والمنظمات غير الحكومية في رفع الشكاوى أمام المحكمة، بقبول الدولة المشكو منها لقضاء المحكمة الإفريقية فيما يخص الدعاوى التي يرفعها الأفراد والمنظمات غير الحكومية، وذلك من خلال إصدار الدولة لإعلان تعترف فيه للمحكمة بإمكانية تسلم وفحص دعاوى الأفراد والمنظمات غير الحكومية وبدون هذا الإعلان لا يمكن للمحكمة النظر في تلك الدعاوى وذلك تطبيقا لنص المادة 34/06 من البروتوكول.

      2-2- الاختصاص الاستشاري: للمحكمة الإفريقية صلاحية إبداء آراء استشارية

      أ‌-     طلب الرأي الاستشاري:حددت المادة 04 من البروتوكول الأطراف الذين يحق لهم طلب رأي استشاري من المحكمة الإفريقية، وهذه الأطراف هي:كل دولة عضو في الإتحاد الإفريقي، كل هيئة من هيئات الإتحاد الإفريقي، كل منظمة يعترف بها الإتحاد الإفريقي.

      ب‌-     شروط طلب الرأي الاستشاري: حددت المادة 68 من النظام الداخلي للمحكمة الإفريقية الشروط المتعلقة بطلب الرأي الاستشاري، والمتمثلة فيما يلي: أن يتعلق الطلب بمسائل قانونية ويوضح فيه بدقة النقاط الخاصة التي يسعى للحصول على رأي من المحكمة بشأنها، يجب أن يحدد الطلب أحكام الميثاق أو أي صك من الصكوك الدولية الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تم التقدم بطلب الرأي الاستشاري حوله، والظروف المؤدية إلى الطلب وأسماء وعناوين ممثلي الكيانات المتقدمة بالطلب، لا ينبغي أن يتعلق موضوع الطلب بطلب معروض على اللجنة.

      ت‌-     مواضيع طلب الآراء الاستشارية: للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان صلاحيات واسعة في إبداء الآراء الاستشارية لأنها تمتد من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان، إلى غاية أي صك متعلق بحقوق الإنسان، فالمحكمة الإفريقية تبدي آراء استشارية ليس فقط فيما تعلق بنصوص الميثاق أو البروتوكول أو الصكوك المتعلقة بحقوق الإنسان، بل يتعدى ذلك لكل النصوص القانونية غير الملزمة كالقرارات الصادرة عن بعض الأجهزة(اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان، الجمعية العامة للأمم المتحدة...الخ).


       

      خاتمة

      إن الاهتمام بحقوق الإنسان، ظهر منذ العصور القديمة، وتطور عبر حقب زمنية متتابعة، وكانت حقوق الإنسان في كل مرحلة تكتسب مكانة أكبر من التي مضت، ولعل أبرز اهتمام بحقوق الإنسان هو الاهتمام بها في العصر الحديث.

      إن الاهتمام الفعلي بحقوق الإنسان في العصر الحديث، كان مع ظهور منظمة الأمم المتحدة وما تضمنه الميثاق من نصوص وآليات تسهر على حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كما أن اهتمام الأمم المتحدة، ظهر بصورة جلية واضحة، من خلال سهرها على إبرام العديد من الاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان.

      وإلى جانب الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان من جانب منظمة الأمم المتحدة، ظهر اهتمام مماثل على المستوى الإقليمي، بين الدول التي تجمعها روابط جغرافية مشتركة، ويظهر ذلك جليا من خلال الأنظمة الإقليمية الكبرى لحقوق الإنسان، كالنظام الأوربي والأمريكي والإفريقي لحقوق الإنسان.



      [1] - أنظر المواد 4-12 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

      [2]- انظر المادة 31/02 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

      [3]- المادة 11 من البروتوكول المنشأ للمحكمة الإفريقية.

      [4]- حيث يشترط في أعضاء اللجنة أن يكونوا منتمين للدول الأطراف في الميثاق ، انظر المادة 34 من الميثاق.

      [5]- رفضت المحكمة الإفريقية الشكوى رقم 007/ 2011Yousef Ababou/ Royaume du Maroc  وذلك على أساس أن المغرب ليست طرف في الإتحاد الإفريقي ولم تصادق على البروتوكول المنشأ للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.